الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 -
باب
أسماء الله تعالى
من الصحاح:
461 -
1633 - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا، من أحصاها دخل الجنة ".
وفي رواية:" وهو وتر يحب الوتر ".
(باب أسماء الله تعالى)
(من الصحاح):
" إن الله تعالى تسعة وتسعين اسما، مئة إلا واحدا، من أحصاها دخل الجنة ".
أسماء الله تعالى: ما يصح أن يطلق عليه سبحانه بالنظر إلى ذاته، أو باعتبار صفة من صفاته السلبية كالقدوس والأول، أو الحقيقية كالعليم والقادر، أو الإضافية كالحميد والملك، أو باعتبار فعل من أفعاله كالخالق والرزاق، كما سيأتيك شرحه.
قوله: " مئة إلا واحدة " بدل عن " تسعة وتسعين " بدل الكل، وفائدته: التأكيد، والمبالغة في التقدير، والمنع عن الزيادة بالقياس، وتأنيث (واحدة) على تأويل الكلمة.
قوله: " من أحصاها " أي: عدها، والمعنى: من قرأها كلمة كلمة
على سبيل الترتيل كمن يعدها، وقيل: من علمها، نظيره قول ابن عباس:" أحصيت كل القرآن إلا حرفين " أي: من تأمل فيها، وتدبر معانيها، واطلع على حقائقها، وقيل: من أطاقها، أي: أطاق القيام بحقها، والعمل بمقتضاها بأن يتأمل معانها، ويستعمل نفسه فيما يناسبها، فالمعنى الأول عام، والثاني خاص، والثالث أخص، ولذلك قيل: الأول للعوام، والثاني للعلماء، والثالث للأولياء.
…
من الحسان:
462 – 1634 – قال: " إن لله تسعة وتسعين اسما، من أحصاها دخل الجنة، هو الله الذي لا إله إلا هو، الرحمن، الرحيم، الملك، القدوس، السلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبار، المتكبر، الخالق، الباريء، المصور، الغفار، القهار، الوهاب، الرزاق، الفتاح، العليم، القابض، الباسط، الخافض، الرافع، المعز، المذل، السميع، البصير، الحكم، العدل، اللطيف، الخبير، الحليم، العظيم، الغفور، الشكور، العلي، الكبير، الحفيظ، المقيت، الحسيب، الجليل، الجميل، الكريم، الرقيب، المجيب، الواسع، الحكيم، الودود، المجيد، الباعث، الشهيد، الحق، الوكيل، القوي، المتين، الولي، الحميد، المحصي، المبديء، المعيد، المحيي، المميت، الحي، القيوم، الواجد، الماجد، الواحد، الأحد الصمد، القادر،
المقتدر، المقدم، المؤخر، الأول، الآخر، الظاهر، الباطن، الوالي، المتعالي، البر، التواب، المنتقم، العفو، الرؤوف، مالك الملك، ذو الجلال والإكرام، المقسط، الجامع، الغني، المغني، المانع، الضار، النافع، النور، الهادي، البديع، الباقي، الوارث، الرشيد، الصبور، " غريب.
(من الحسان):
عن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة ".
قال مشايخنا – رحمهم الله: التسمية: هو اللفظ الدال على المسمى، والاسم هو المعنى المسمى به، كما أن الوصف هو لفظ الواصف، والصفة مدلولة، وهو المعنى القائم بالموصوف، وقد يطلق ويراد به اللفظ، كما تطلق الصفة ويراد به الوصف، إطلاقا لاسم المدلول على الدال، وعليه اصطلحت النجاة.
ويدل على أنه للمعنى دون اللفظ قوله تعالى: {سبح اسم ربك} [الأعلى: 1] أي: المسبح ذات الباري تعالى، دون ألفاظ الذاكرين، وكذلك قوله:{تبارك اسم ربك} [الرحمن: 78] وقوله: {ما تعبدون من دونه إلا أسماء} [يوسف: 40] فإن من المعلوم أن عبدة الأصنام ما عبدوا اللفظ، وإنما عبدوا المسمى بالتسميات.
وقول الشاعر:
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما
…
ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر
وقالت المعتزلة: الاسم: هو التسمية دون المسمى.
وقال حجة الإسلام: الاسم: هو اللفظ الدال على المعنى بالوضع لغة: والمسمى: هو المعنى الموضوع له، والتسمية وضع اللفظ له، أو إطلاقه.
فإن قيل: فعلى الأول يكون قوله: "إن لله تسعة وتسعين اسما" حكما بتعدد الإله سبحانه.
قلت: الجواب من وجهين:
الأول: أن المراد من الاسم هاهنا اللفظ، ولا خلاف في ورود الاسم بهذا المعنى، إنما النزاع في أنه هل يطلق ويراد به المسمى عينه، ولا يلزم من تعدد التسميات تعدد المسمى.
الثاني: أن كل واحد من الألفاظ المطلقة على الله سبحانه يدل على ذاته باعتبار صفة حقيقية، أو غير حقيقية، وذلك يستدعي التعدد في الاعتبارات والصفات دون الذات، ولا استحالة في ذلك.
" هو الله " قيل: أصله لاها بالسريانية فعرب، وقيل: عربي وضع لذاته المخصوصة كالعلم له، لأنه يوصف ولا يوصف به، ولأنه لا بد له من اسم تجري عليه صفاته، ولا يصلح له غيره، فتعين أن يكون هو اسمه، ولأنه لو كان وصفا لم يكن قوله:" لا إله إلا الله "
توحيدا مثل: لا إله إلا الرحمن، فإنه لا يمنع الشركة.
والحق: أنه وصف في أصله، لأن ذاته من حيث هو بلا اعتبار أمر آخر حقيقي أو غيره غير معقول للبشر، فلا يكمن وضع اللفظ له ولا الإشارة إليه بإطلاق اللفظ عليه، لكنه لما غلب عليه بحيث لا يستعمل في غيره وصار كالعلم، أجري مجراه في إجراء الأوصاف عليه، وامتناع الوصف به، وعدم تطرق احتمال الشركة إليه.
ومعناه: المستحق للعبادة، وأصله: آله – فحذفت الهمزة، وعوض عنها الألف واللام – ولذلك قيل: يا ألله بالقطع ، واشتقاقه من أله إلاهة وألوهية وألوهة بمعنى عبد، أو من أله إذا تحير، لأن العقول تتحير في معرفته، ومن ألهت إلى كذا بمعنى سكنت إليه، لأن القلوب تطمئن بذكره، والأرواح تسكن إلى معرفته، أو من أله فزع، إذ الناس تفزع إليه.
وقيل: أصله: ولاه، من وله، إذا تحير وتخبط عقله، فقلبت الواو همزة، لاستثقال الكسرة عليها استثقال الضمة في وجوه، كما قلبت في إعاء وإشاح، وهو ضعيف، إذ لو كان كذلك لجمع على أولهة دون آلهة.
وقيل: لاه مصدر لاه يليه ليها ولاها، إذا احتجت أو ارتفع لأنه محجوب عن إدراك الأبصار، ومرتفع عن كل شيء، وعما لا يليق به.
فإحصاء العوام له: إجراؤه على اللسان، والذكر به على الخشية والتعظيم، وإحصاء الخواص: أن يتأملوا معناه، ويعلموا أن هذا
الاسم لا يستحق ولا يستأهل لأن يطلق عليه إلا من كان موجودا واجب الوجود، فائض الجود، جامعا الصفات الإلهية منعوتا بنعوت الربوبية، فإن مفهومه: المستحق للعبادة، ولا يستحق لها، إلا من كان هذا شأنه.
وإحصاء الأخصين له: أن تستغرق قلوبهم بالله، فلا يلتفتون إلى أحد سواه، ولا يرجون ولا يخافون فيما يأتون ويذرون إلا إياه، لما فهموا من هذا الاسم أنه الحق الثابت، وأن كل ما عداه باطل هالك، لأنه ممكن، وكل ممكن من حيث ذاته لا وجود له، بل إنما وجوده من الجهة التي تلي الواجب تعالى، وإليه أشار تعالى حيث قال:{كل شيء هالك إلا وجهه} [القصص: 88].
(الرحمن الرحيم)
اسمان بنيا للمبالغة من رحم: كالغضبان من غضب، والعليم من علم، والرحمة في اللغة: رقة قلب وانعطاف يقتضي التفضل والإحسان على من رق له.
وأسماء الله تعالى وصفاته، إنما تؤخذ باعتبار الغايات التي هي أفعال دون المبادئ التي تكون انفعالات، فرحمة الله على العباد، إما إرادة الإنعام عليهم، ودفع الضر عنهم، فيكون الاسمان من صفات الذات، أو نفس الإنعام والدفع، فيعودان إلى صفات الأفعال.
و (الرحمن) أبلغ من (الرحيم) ، لزيادة بنائه، وذلك يؤخذ تارة
باعتبار الكمية، وأخرى باعتبار الكيفية، وعلى الأول قيل: يا رحمن الدنيا، لأنه يعم المؤمن والكافر، ورحيم الآخرة، لأنه يخص المؤمن، وعلى الثاني قيل: يا رحمن الدنيا والآخرة، ويا رحيم الدنيا، لأن النعم الأخروية بأسرها تامة عظيمة، والنعم الدنيوية تنقسم إلى جليل وحقير، وتام وغير تام، وكأن معنى الرحمن: المنعم الحقيقي، تام الرحمة، عميم الإحسان، ولذلك لا يطلق على غيره تعالى، فإن غيره إنما يفعل ما يفعل لغرض نفسه، فيستعيض بإنعامه جزيل ثواب، أو جميل ثناء، أو يزيل به رقة الجنسية، أو حب المال عن القلب إلى غير ذلك من الأغراض.
ثم إنه كالواسطة فيه، فإن ذات النعمة ووجودها، والقدرة على إيصالها، والداعية الباعثة عليه، والتمكن من الانتفاع بها، إلى سائر ما يتوقف عليه الانتفاع ويتم به من خلقه تعالى = لا يقدر عليها أحد غيره.
وحظ العارف من هذين الاسمين أن يتوجه بشراره إلى جناب قدسه، فيتوكل عليه، ويلتجئ فيما يعن له إليه، ويشغل سره بذكره، والاستمداد به عن غيره، لما فهم منهما أنه المنعم الحقيقي، المولي للنعم كلها، عاجلها وآجلها، ويرحم عباد الله، فيعاون المظلوم، ويصرف الظالم، ويدفع عنه ظلمه بالطريق الأحسن، والوجه الأجمل، وينبه الغافل، وينظر إلى العاصي بعين الرحمة دون الإزراء، ويجتهد في إزالة المعاصي وإزاحتها على أحسن ما يستطيعه من الطرق، ويسعى في سد خلة المحتاجين بقدر وسعه وطاقته.
(الملك)
معناه: ذو الملك، والمراد به: القدرة على الإيجاد والاختراع، من قولهم: فلان يملك الانتفاع بكذا: إذا تمكن منه، فيكون الاسم على ذلك من أسماء الصفات كالقادر.
وقيل: التصرف في الأشياء بالخلق والإبداع والإماتة والإحياء فيكون من أسماء الأفعال كالخالق.
وظيفة العارف من هذا الاسم أن يعلم أنه المستغني في ذاته وصفاته عن كل شيء، وأن ما عداه مفتقر إليه في وجوده وبقائه، مسخر لحكمه وقضائه، فيستغني عن الناس رأسا، ولا يرجو ولا يخاف إلا إياه، ولا يتذلل لأحد سواه، ويتخلق به بالاستغناء عن الغير، والاستبداد بالتصرف في مملكته الخاصة التي هي قلبه وقالبه، والتسلط على جنوده ورعاياه من القوى والجوارح، واستعمالها فيما فيه خير الدارين وصلاح المنزلين.
(القدوس)
فعول من القدس، وهو الطهارة والنزاهة، ومعناه: منزه عم سمات النقص وموجبات الحدوث، بل المبرأ عما يدركه حس، أو يتصوره خيال، أو يسبق إليه وهم، أو يحيط به عقل، وهي من أسماء التنزيه.
وحظ العارف منه: أن يتحقق أنه لا يحق الوصول إلا بعد
العروج من عالم الشهادة إلى عالم الغيب، وتنزيه السر عن المتخيلات والمحسوسات، والتطواف حول الأمور الكلية والأمور الأولية المتعالية عن تعلقات الحس والخيال، وتطهر القصد عن أن يحوم حول الحظوظ الحيوانية، واللذائذ الجسمانية، وفيقبل بشراره على اللع تعالى شوقا إلى لقائه، مقصور الهم على معارفته ومطالعة جماله حتى يصل إلى جناب العز، وينزل بحبوحة القدس.
(السلام)
مصدر نعت به، والمعنى: ذو السلامة من كل آفة ونقص، أي: الذي سلم ذاته عن الحدوث والعيب وصفاته عن النقص، وأفعاله عن الشر المحض، فإن ما نراه من الشرور فهي مقضية لا لأنها كذلك، بل لما تتضمنه من الخير الغالب المؤدي تركه إلى شر عظيم، فالمقضي والمفعول بالذات هو الخير، والشر داخل تحت القضاء، وعلى هذا يكون من أسماء التنزيه.
وقيل: معناه: مالك تسليم العباد من المخاوف والمهالك، فيرجع إلى القدرة، فيكون من صفات الذات.
وقيل: ذو السلام على المؤمنين في الجنان، كما قال تعالى:{سلام قول من رب رحيم} [يس: 58] ، فيكون مرجعه إلى الكلام القديم.
ووظيفة العارف: أن يتخلق به بحيث يسلم قلبه عن الحقد والحسد، وإرادة الشر، وقصد الخيانة، وجوارحه عن ارتكاب المحظورات واقتراف الآثام، ويكون سلما لأهل الإسلام، ساعيا في ذب المضار، ودفع المعاطب عنهم، ومسلما على كل من يراه، عرفه أو لم يعرفه.
(المؤمن)
المصدق: صدق رسله بقوله الصدق، فيكون مرجعه إلى الكلام، أو بخلق المعجزة وإظهارها عليهم، فيكون من أسماء الأفعال.
وقيل: معناه: أنه الذي أمن البرية بخلق أسباب الأمان، وسد أبواب المخاوف، وإفادة آلات تدفع بها المضار، فيكون أيضا من أسماء الأفعال.
وقيل: معناه: أنه الذي يؤمن عباده الأبرار يوم العرض من الفزع الأكبر، إما بقول مثل:{ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون} [فصلت: 30] ، أو بخلق الأمن والطمأنينة فيهم، فيرجع إلى الكلام أو الخلق.
ووظيفة العارف منه: أن يصدق الحق ويسعى في تقريره، فيكف نفسه عن الإضرار والحيف، ويكون بحيث يأمن الناس بوائقه.
ويعتضدون به في دفع المخاوف، ورفع المفاسد في أمور الدين والدنيا.
(المهيمن)
الرقيب البالغ في المراقبة والحفظ، من قولهم: هيمن الطير: إذا نشر جناحيه على فرجه صيانة له، هذا قاله الخليل، وسيأتي معنى الرقيب.
فإن قيل: كيف تجعله مرادفا للرقيب، والمستفاد من أحد المترادفين عين المستفاد من الآخر، فلا يكون في إحصاء الثاني فائدة، لأن فضيلة هذه الأسماء لما تحتها من المعاني، فإذا دل عليه بلفظ آخر لم يكن للدلالة عليه مزيد فضل؟
قلت: لا أجعله مرادفا، إذ في المهيمن من المبالغة باعتبار الاشتقاق والزنة ما ليس في الرقيب، فهما كالغافر والغفور، والرحمن والرحيم.
وقيل: معناه: الشاهد، أي: العالم الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة فيرجع إلى العلم، أو الذي يشهد على كل نفس بما كسبت، فيرجع إلى القول.
وقيل: أصله: مؤيمن، فقلبت الهمزة هاء كما قلبت في: هرقت وهرحت وهياك، ومعناه: الأمين الصادق وعده.
وقيل: هو القائم على خلقه بأعمالهم وأرزاقهم وآجالهم، فيرجع إلى القدرة.
وحظ العارف منه: أن يراقب قلبه، ويقوم أحواله، ويحفظ القوى
والجوارح عن الاشتغال بما يشغل قلبه عن جناب القدس، ويحول بينه وبين الحق.
(العزيز)
الغالب من قولهم: عز: إذا غلب، ومرجعه إلى القدرة.
وقيل: عديم المثل، فيكون من أسماء التنزيه.
وقيل: هو الذي تتعذر الإحاطة بوصفه، ويعسر الوصول إليه مع أن الحاجة تشتد إليه.
وحظ العارف منه: أن يعز نفسه فلا يستهينها بالمطامع الدنية، ولا يدنسها بالسؤال عن الناس، والافتقار إليهم، ويجعلها بحيث يشتد إليها احتياج العباد في الإرفاق والإرشاد.
(الجبار)
بناء مبالغة من الجبر، وهو في الأصل: إصلاح الشيء بضرب من القهر، ثم يطلق تارة في الإصلاح المجرد، نحو قول علي رضي الله عنه:" يا جابر كل كسير، ومسهل كل عسير ".
وتارة في القهر المجرد، نحو قوله صلى الله عليه وسلم:" لا جبر ولا تفويض ".
ثم يتجوز منه لمجرد العلو، لأن القهر مسبب عنه، فيقال: نخلة
جبارة، للباسقة التي لا تنالها الأيدي، ولذلك قيل: الجبار هو المصلح لأمور العباد، والمتكفل لمصالحهم، والمقدر لصلاحهم، فهو إذن من أسماء الأفعال.
وقيل: معناه: حامل العباد على ما يشاء، لا انفكاك لهم عما شاء من الأخلاق والأعمال والأرزاق والآجال، فمرجعه أيضا إلى الفعل.
وقيل: معناه: المتعالى عن أن يناله كيد الكائدين، ويؤثر فيه قصد القاصدين، فيكون مرجعه إلى التقديس والتنزيه.
وحظ العارف من هذا الاسم: أن يقبل على النفس فيجبر نقائصها باستكمال الفضائل، ويحملها على ملازمة التقوى، والمواظبة على الطاعة، ويكسر فيها الهوى والشهوات بأنواع الرياضات، ويرتفع عما سوى الحق غير ملتفت إلى الخلق، فيتحلى بالسكينة والوقار بحيث لا يزلزله تعاور الحوادق، ولا يؤثر فيه تعاقب النوازل، بل يقوى على التأثير في الأنفس والآفاق بالإرشاد والإصلاح.
(المتكبر)
هو الذي يرى غيره حقيرا بالإضافة إلى ذاته، فينظر إلى غيره نظر المالك إلى عبده، وهو على الإطلاق لا يتصور إلا لله تعالى، فإنه
المتفرد بالعظمة والكبرياء بالنسبة إلى كل شيء من كل وجه، ولذلك لا يطلق على غيره إلا في معرض الذم.
وحظ العارف منه: أن يتكبر عن الركون إلى الشهوات، والسكون إلى الدنيا وزخارفها، فإن البهائم تساهمه فيها، بل عن كل ما يشغل سره عن الحق، ويستحقر كل شيء سوى الوصول إلى جناب القدس، من مستلذات الدنيا والآخرة.
(الخالق البارئ المصور)
قيل: إنها ألفاظ مترادفة، وهو وهم، فإن الخالق من الخلق، وأصله: التقدير المستقيم، يستعمل بمعنى الإبداع، وهو إيجاد الشيء من غير أصل، كقوله تعالى:{خلق السموات والأرض} [الشورى: 29]، وبمعنى التكوين {خلق الإنسان من نطفة} [النحل: 4] ، وقوله:{وخلق الجان من مارج من نار} [الرحمن: 15].#
والبارئ: مأخوذ من البرء، وأصله: خلوص الشيء عن غيره، إما على سبيل التفصي منه، وعليه قولهم: برئ فلان من مرضه، والمديون من دينه، واستبرأت الجارية رحمها، وإما على سبيل الإنشاء منه، ومنه: برأ الله النسمة وهو البارئ لها.
وقيل: الباريء: هو الذي خلق الخلق بريئا من التفاوت والتنافر المخلين بالنظام الكامل، فهو أيضا مأخوذ من معنى التفصي.
والمصور: مبدع صور المخترعات ومزينها، فالله تعالى سبحانه خالق كل شيء بمعنى أنه مقدره وموجده من أصل، أو من غير أصل، وبارئه حسبما اقتضته حكمته، وسبقت به كلمته من غير تفاوت واختلال، ومصوره بصورة يترتب عليها خواصه، ويتم بها كماله.
وثلاثتها من أسماء الأفعال.
وحظ العارف منه: أن لا يرى شيئا، ولا يتصور أمرا، إلا ويتأمل فيه من باهر القدرة وعجائب الصنع، فيترقى من المخلوق إلى الخالق، وينتقل من ملاحظة المصنوع إلى ملاحظة الصانع، حتى يصير بحيث كلما نظر إلى شيء وجد الله عنده.
(الغفار)
في الأصل: بمعنى الستار، من الغفر: وهو ستر الشيء بما يصونه، ومنه المغفر، ومعناه: أنه يستر القبائح والذنوب بإسبال الستر عليها في الدنيا، وترك المؤاخة والعقاب عليها في الآخرة، ويصون العبد من أوزارها، وهو من أسماء الأفعال.
وحظ العارف منه: أن يستر من أخيه ما يحب أن يستر منه، ولا يفشي منه إلا أحسن ما فيه، ويتجاوز عما ينذر عنه، ويكافئ المسيء إليه بالصفح والإنعام عليه.
(القهار)
هو الذي لا موجود إلا وهو مقهور قدرته، ومسخر لقضائه، عاجز
في قبضته، ومرجعه إلى القدرة.
وقيل: هو الذي أذل الجبابرة وقصم ظهورهم بالإهلاك ونحوه، فهو إذن من أسماء الأفعال.
وحظ العارف منه: أن يسعى في تطويع النفس الأمارة للنفس المطمئنة قهرا، وكسر شهواتها، فإنها أعدى عدوه.
(الوهاب)
كثير النعم، دائم العطاء، والهبة الحقيقية: هي العطية الخالصة عن الأعواض والأغراض، فإن المعطي مستعيض وليس بواهب، وهو من أسماء الأفعال.
وحظ العارف منه: أن لا يستمنح ولا يتوقع إلا من الله، بل أن يبذل جميع ما يملكخ حتى الروح خالصا لوجه الله، لا يريد به جزاء ولا شكورا.
(الرزاق)
خالق الأرزاق والأسباب التي يتمتع بها، والرزق هو المنتفع به، فكل ما ينتفع به منتفع، فهو رزقه، سواء كان مباحا أو محظورا.
وقالت المعتزلة: الرزق هو الملك، وفساده ظاهر طردا وعكسا.
وللفرار من هذا الإشكال زاد بعضهم وقال: رزق كل مرزوق ما ينتفع به من ملكه.
وأما الثاني: فلأن ما يدر على البهائم رزقها، لقوله تعالى:{وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها} [هود: 6] ، ولا يكون ملكا لها.
وحظ العارف منه: أن يحقق معناه: ليتحقق أنه لا يستحقه إلا الله تعالى، فلا ينتظر الرزق ولا يتوقعه إلا منه، فيكل أمره إليه، ولا يتوكل فيه إلا عليه، ويجتهد في أن يكون وصلة بين الله وبين الناس في وصول الأرزاق الروحانية والجسمانية إليهم، بالإرشاد والتعليم، وصرف المال، ودعاء الخير، وغير ذلك، لينال حظا من هذه الصفة.
(الفتاح)
الحاكم بين الخلائق، من الفتح بمعنى الحكم، قال الله تعالى:{ربنا افتح بننا وبين قومنا بالحق} [الأعراف:89] أي: احكم، ومرجعه إما إلى القول القديم، أو الأفعال المنصفة للمظلومين من الظلمة.
وقيل: هو الذي يفتح خزائن الرحمة على أصناف البرية، قال الله تعالى:{ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها} [فاطر: 2].
وقيل: معناه: مبدع الفتح والنصرة.
وحظ العارف منه: أن يسعى في الفصل بين الناس، وانتصار
المظلومين، ويهتم بتيسير ما يعسر على الخلق من الأمور الدينية والدنيوية، حتى يكون له حظ من هذا الاسم.
(العليم)
البالغ في العلم، وعلمه تعالى شامل لجميع المعلومات، محيط بها سابق على وجودها، وهو من صفات الذات.
وحظ العبد منه: أن يكون مشغوفا بتحصيل العلوم الدينية، سيما المعارف الإلهية التي هي باحثة عن ذاته وصفاته، فإنها أشرف العلوم، وأقرب الوسائل إلى الله تعالى، مراقبا لأحواله، محتاطا في مصادره وموارده، لعلمه بأنه تعالى عالم بضمائره، مطلع على سرائره.
(القابض الباسط)
مضيق الرزق على من أراد، وموسعه لمن شاء.
وقيل: هو الذي يقبض الأرواح عن الأشباح عند الممات، وينشر الأرواح في الأجساد عند الحياة.
فهما على الوجهين من صفات الأفعال.
وحظ العارف منه: أن يراقب الحالين، فيرى القبض عدلا من الله فيصبر عليه، والبسط فضلا منه فيشكر، وأن يكون ذا قبض وبسط، ضنة على الأسرار الإلهية على غير أهلها، وإفاضة لها
على من هو أهلها.
(الخافض الرافع)
هو الذي يخفض القسط ويرفعه، أو يخفض الكفار بالخزي والصغار ويرفع المؤمنين بالنصر والإعزاز، أو يخفض أعداءه بالإبعاد ويرفع أولياءه بالتقرب والإسعاد.
وحظ العبد منهما: أن يخفض الباطل، ويرفع الحق، ويعادي أعداء الله فيخفضهم، ويوالي أولياءه فيرفعهم.
(المعز المذل)
يعز من يشاء، ويذل من يشاء.
والأعزاز الحقيقي: تخليص المرء عن ذل الحاجة واتباع الشهوات، وجعله غالبا على أمره، قاهرا لنفسه، مالكا لإربه.
والإذلال الحقيقي: ما يقابل ذلك.
وحظ العبد من ذلك: أن يعز الحق وأهله، ويذل الباطل وحزبه، وأن يسأل الله تعالى التوفيق لما يستمد به إعزازه، ويجتهد فيه، ويستعيذ به من موجبات الإذلال، ويتوقى عن مظانه.
(السميع البصير)
هما من أوصاف الذات، والسمع: إدراك المسموعات حال
حدوثها، والبصر: إدراك المبصرات حال وجودها.
وقيل: إنهما في حقه تعالى صنفان تنكشف بهما المسموعات والمبصرات انكشافا تاما، ولا يلزم من افتقار هذين النوعين من الإدرك فينا إلى آلة افتقارهما إليها بالنسبة إلى الله تعالى، لأن صفات الله تعالى مخالفة لصفات المخلوقين بالذات، وإن كانت تشاركها فإنما تشاركها بالعوارض، وفي بعض اللوازم، ألا ترى أن صفاتنا أعراض عارضة معرضة للآفة والنقصان، وصفاته تعالى مقدسة عن ذلك.
وحظ العبد منهما: أن يتحقق أنه بمسمع من الله، ومرأى منه، فلا يستهين باطلاع الله تعالى عليه، ونظره إليه، ويراقب مجامع أحواله من مقاله وأفعاله.
(الحكم)
الحاكم الذي لا مرد لقضائه ولا معقب لحكمه، ومرجع الحكم إما إلى القول الفاصل بين الحق والباطل، والبر والفاجر، والمبين لكل نفس جزاء ما عملت من خير أو شر، وإما إلى المميز بين الشقي والسعيد بالعقاب والإثابة.
وقيل: أصله المنع، ومنه سميت حكمة اللجام: حكمة، فإنها تمنع الدابة عن الجماح، والعلوم حكما، لأنها تمنع صاحبها عن سمر الجهال.
وحظ العبد منه: أن يستسلم لحكمه، وينقاد لأمره، فإن لم يرض بقضائه اختيارا أمضي فيه إجبارا، ومن رضي به طوعا عاش راضيا مرضيا.
(العدل)
العادل البالغ في العدل، وهو الذي لا يفعل إلا ما له فعله، مصدر نعت به للمبالغة.
ووظيفة العارف: أن لا يعترض على الله تعالى في تدبيره وحكمه، بل يرى الكل منه حقا وعدلا، ويستعمل كل ما منح به من الأمور الداخلة فيه والخارجة عنه فيما ينبغي أن يستعمل فيه شرعا وعقلا، حتى يندرج تحت مسمى هذا الاسم.
(اللطيف)
قيل: معناه: اللطيف، كالجميل فإنه بمعنى المجمل، فيكون من أسماء الأفعال.
وقيل: معناه: العليم بخفيات الأمور ودقائقها، وما لطف منها.
وحظ العبد منه: أن يلطف بعباده، ويرفق بهم في الدعاء إلى الله تعالى، والإرشاد إلى طريقه الحق، ويتيقن أنه تعالى عالم بمكنونات الضمائر علمه بجليات الظواهر، فلا يضمر ما لا يحسن إظهاره.
(الخبير)
العليم ببواطن الأشياء من الخبرة، وهي العلم بالخفايا الباطنة.
وقيل: هو المتمكن من الإخبار عما علمه.
وحظ العبد منه: أن لا يتغافل عن بواطن أحواله، ويشتغل بإصلاحها، وتلافي ما يحدث فيها من المقابح.
(الحليم)
هو الذي لا يستفزه غضب، ولا يحمله غيظ على استعجال العقوبة، والمسارعة إلى الانتقام، وحاصله راجع إلى التنزيه عن العجلة.
وحظ العبد منه: أن يتخلق به، ويحمل نفسه على كظم الغيظ، وإطفاؤه نائره الغضب بالحلم.
(العظيم)
أصله من عظم الشيء: إذا كبر عظمه، ثم استعير لكل جسم كبير المقدار كبرا يملأ العين، كالجمل والفيل، أو كبرا يمنع إحاطة البصر بجميع أقطاره كالأرض والسماء، ثم لكل شيء كبير القدر بالرتبة على هذا القياس، والعظيم المطلق البالغ إلى أقصى مراتب العظمة هو الذي لا يتصوره عقل، ولا يحيط بكنهه بصير ة، وهو الله تعالى، فيرجع حاصل الاسم إلى التنزيه، والتعالي عن إحاطة العقول بكنه ذاته.
وحظ العبد منه: أن يستحقر نفسه، ويذللها للإقبال على الله تعالى، بالانقياد لأوامره ونواهيه، والاجتهاد في اقتناص مراضيه.
(الغفور)
كثير المغفرة، وهي صيانة العبد عما استحقه من العذاب
بالتجاوز عن ذنوبه، من الغفر، وهو إلباس الشيء ما يصونه عن الدنس، ولعل الغفار أبلغ منه لزيادة بنائه.
وقيل: الفرق بينه وبين الغفار: أن المبالغة فيه من جهة الكيفية، وفي الغفار باعتبار الكمية.
وحظ العبد منه ظاهر.
(الشكور)
وهو الذي يعطي الثواب الجزيل على العمل القليل، فيرجع إلى الفعل.
وقيل: هو المثنى على العباد المطيعين، فيرجع إلى القول.
وقيل: معناه: المجازي عباده على شكرهم، فيكون الاسم من قيبل الازدواج.
وحظ العبد منه: أن يعرف نعم الله تعالى، ويقوم بمواجب شكره، ويواظب على وظائفه، وأن يكون شاكرا للناس معروفهم، فإن من لم يشكر الناس لم يشكر الله.
(العلي)
فعيل من العلو، ومعناه: البالغ في علو الرتبة إلى حيث لا رتبة إلا وهي منحطة عنه، وهو من أسماء الإضافة.
وحظ العبد منه: أن يذل نفسه في طاعة الله تعالى، ويبذل جهده في العلم والعمل، حتى يفوق جنس الإنس في الكمالات النفسانية،
والمراتب العلمية والعملية.
(الكبير)
نقيض الصغير، وهما في الأصل يستعملان للأجسام باعتبار مقاديرها، ثم لعالي الرتبة ودنيها، قال الله تعالى حكاية عن فرعون:{إنه لكبيركم الذي علمكم السحر} [طه: 71].
والله سبحانه كبير بالمعنى الثاني: إما باعتبار أنه أكمل الموجودات وأشرفها، من حيث إنه واجب الوجود بالذات من جميع الجهات، غني على الإطلاق، وما سواه حادث بالذات، نازل في حضيض الحاجة والافتقار، وإما باعتبار أنه كبير عن مشاهدة الحواس وإدراك العقول وعلى الوجهين فهو من أسماء التنزيه.
وحظ العبد منه: أن يجتهد في تكميل نفسه علما وعملا، بحيث يتعدى كماله إلى غيره، ويقتدي بآثاره، ويقتبس من أنواره.
قال عيسى عليه السلام: " من علم وعمل وعلم، فذاك يدعى عظيما في ملكوت السماء ".
(الحفيظ)
الحافظ جدا، يحفظ الموجودات من الزوال والاختلال ما يشاء، ويصون المتضادات المتعديات بعضها عن بعض، فيحفظها في المركبات
محمية عن إفناء بعضها بعضا، فلا يطفئ الماء النار، ولا يحلل النار الماء، ويحفظ على العباد أعمالهم، ويحصي عليهم أفعالهم وأقوالهم.
وحظ العبد منه: أن يحفظ سره عن اتباع الشبهات والبدع، وجوارحه عن انقياد الشهوات والغضب، ويختار قصد الأمور، ويحفظ نفسه عن الميل إلى طرفي الإفراط والتفريط، وحظ العارف خصوصا أن يحفظ باطنه عن ملاحظة الأغيار، وظاهره عن موافقة الفجار.
(المقيت)
خالق الأقوات البدنية والروحانية ، وموصلها إلى الأشباح والأرواح، وفي الحديث:" كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقيت " فهو من صفات الأفعال.
وقيل: المقتدر بلغة قريش.
قال الشاعر:
وذي ضغن كففت النفس عنه
…
وكنت على إساءته مقيتا
وقيل: الشاهد والمطلع على الشيء، من أقات الشيء: إذا شهد عليه، فهو على الوجهين من صفات الذات.
وحظ العبد منه: أن يصير نافعا هاديا يطعم الجائع ويرشد الغافل.
(الحسيب)
الكافي في الأمور، قال الله تعالى:{ومن يتوكل على الله فهو حسبه} [الطلاق:3] من أحسبني: إذا كفاني، فعيل بمعنى مفعل،
كالأليم، والحسيب المطلق هو الله تعالى، إذ يمكن أن تحصل الكفاية في جميع ما يحتاج إليه الشيء في وجوده وكماله وبقائه البدني والروحاني بأحد سواه.
وقيل: المحاسب: يحاسب الخلائق يوم القيامة، فعيل بمعنى فاعل، كالجليس والنديم.
فمرجعه بالمعنى الأول إلى الفعل، وبالمعنى الثاني إليه إن جعلت المحاسبة عبارة عن المكافأة، وإلى القول إن أريد بها السؤال والمعاتبة وتعداد ما عملوا من الحسنات والسيئات.
وقيل: الشريف، والحسب: الشرف.
وحظ العارف منه: أن يتسبب لكفاية حاجات المحتاجين وسد خلتهم، ويحاسب نفسه، قبل أن يحاسب، ويشرف نفسه بالمعرفة والطاعة.
(الجليل)
المنعوت بنعوت الجلال، وهي الصفات التنزيهيه كالقدوس والغني.
وحظ العبد منه: أن ينزه نفسه عن العقائد الزائغة، والخيالات الفارغة، والأخلاق الذميمة، والأفعال الرديئة.
(الكريم)
المتفضل الذي يعطي في غير مسألة ولا وسيلة.
وقيل: المتجاوز الذي لا يستقصي في العتاب.
وقيل: المقدس عن النقائص والعيوب، من قولهم: كرائم الأموال لنفائسها، ومنه سمي شجر العنب، كرما، لأنه طيب الثمرة، قريب المتناول، سهل القطاف، عاري عن الشوك، بخلاف النخل.
وحظ العبد منه: أن يتخلق به، فيعطي من غير موعدة، ويعفو عن مقدرة ويتجنب عن الأخلاق المردية والأفعال المؤذية.
(الرقيب)
الحفيظ الذي يراقب الأشياء ويلاحظها، فلا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء.
وحظ العبد منه: أن يراقب أحوال نفسه، ويأخذ حذره من أن ينتهز الشيطان منه فرصة، فيهلكه على غفلة، فيلاحظ مكامنه ومنافذه، ويسد عليه طرقه ومجاربه.
(المجيب)
هو الذي يجيب دعوة الداعي إذا دعاه، أو يسعف السائل إذا
ما التمسه واستدعاه، والعبد ينبغي أن يجيب ربه أولا فيما أمره ونهاه، ويتلقى عباده بلطف الجواب، وإسعاف السؤال.
(الواسع)
مشتق من السعة: وهي تستعمل حقيقة باعتبار المكان، وهو لا يمكن إطلاقه على الله تعالى بهذا المعنى، ومجازا في العلم والإنعام والمكنة والغنى، قال تعالى:{وسعت كل شيء رحمة وعلما} [غافر: 7] وقال: {لينفق ذو سعة من سعته} [الطلاق:7].
ولذلك فسر الواسع بالعالم المحيط علمه بجميع المعلومات، كليها وجزئيها، موجودها ومعدومها، وبالجواد الذي عمت نعمته، وشملت رحمته كل بر وفاجر، ومؤمن وكافر، وبالغنى الممكن مما يشاء.
وحظ العبد منه: أن يسعى في سعة معارفه وأخلاقه، ويكون جوادا بالطبع غني النفس، لا يضيق قلبه بفقد الغائب، ولا يهتم لتحصيل المآرب.
(الحكيم)
ذو الحكمة، وهي عبارة عن كمال العلم، وإحسان العمل والإتقان فيه، وقد يستعمل بمعنى العليم والمحكم.
وقيل: هو مبالغة الحاكم.
فعلى الأول مركب من صفتين، إحداهما: من صفات الذات والأخرى: من صفات الأفعال، وعلى الثاني يرجع إلى القول.
وحظ العبد من هذا الاسم: أن يجتهد في تكميل القوة النظرية بتحصيل المعارف الإلهية، واستكمال القوة العملية بتصفية النفس عن الرذائل والميل إلى الدنيا والرغبة في زخارفها، والاشتغال بما يوجب الزلفى من الله تعالى، حتى يندرج تحت (من) قوله عز وعلا:{ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا} [البقرة: 269].
(الودود)
مبالغة الود، ومعناه: الذي يحب الخير لجميع الخلائق، ويحسن إليهم في الأحوال كلها، وقيل: المحب لأوليائه، وحاصله يرجع إلى إرادة مخصوصة.
وحظ العبد منه: أن يريد للخلق ما يريد لنفسه، ويحسن إليهم حسن قدرته ووسعه، ويحب الصالحين من عباده.
(المجيد)
مبالغة الماجد، من المجد: وهو سعة الكرم، من قولهم: مجدت
الماشية: إذا صادفت روضة أنفا، ومجدها الراعي، ومنه قولهم: في كل شجر نار، واستمجد المرخ والعفار.
وحظ العبد منه: أن يعامل الناس بالكرم وحسن الخلق، ليكون ماجدا فيما بينهم.
(الباعث)
هو الذي يبعثر ما في القبور، ويحيي الأموات يوم النشور.
وقيل: هو باعث الرسل إلى الأمم.
وحظ العبد منه: أن يؤمن أولا بمغيبه، ويكون مقبلا بشراره على استصلاح المعاد، والاستعداد ليوم التناد، منقادا بطبعه للرسل، سالكا بهديهم من السبل، ويحيي النفوس الجاهلة بالتعليم والتذكير، فيبدأ بنفسه، ثم بمن هو أقرب منه منزلة وأدنى رتبة.
(الشهيد)
من الشهود، وهو الحضور، ومعناه: العليم بظاهر الأشياء وما يمكن مشاهدتها، كما أن الخبير هو العليم بباطن الأشياء، وما لا يمكن الإحساس بها.
وقيل: مبالغة الشاهد، والمعنى: أنه تعالى يشهد على الخلق يوم القيامة.
وحظ العبد منه ظاهر.
(الحق)
الثابت، وبإزائه الباطل الذي هو المعدوم، والثابت مطلقا هو سبحانه، وسائر الموجودات من حيث إنها ممكنة لا وجود لها في حد ذاتها، ولا ثبوت لها من قبل أنفسها، وإياه عنى الشاعر بقوله:
ألا كل شيء ما خلا الله باطل
وهو بهذا المعنى من صفات الذات.
وقيل: معناه: المحق أي: المظهر للحق، أو الموجد للشيء حسب ما تقتضيه الحكمة، فيكون من صفات الأفعال.
وحظ العبد منه: أن يرى الله تعالى حقا، وما سواه باطلا في ذاته حقا بإيجاده واختراعه، وأن له حكمة ولطفا في كل ما يوجده، وإن خفي علينا كنهه.
(الوكيل)
القائم بأمور العباد، وبتحصيل ما يحتاجون إليه.
وقيل: الموكول إليه تدبير البرية.
وحظ العبد منه: أن يكل إليه، ويتوكل عليه، ويستكفي بالاستعانة به عن الاستمداد بغيره.
(القوي المتين)
القوي: يطلق على معان مترتبة، أقصاها القدرة التامة البالغة إلى
الكمال، والله تعالى قوي بهذا المعنى.
والمتانة: شدة الشيء واستحكامه، وهو في الأصل مصدر متن: إذا قوي ظهره، ومرجعها إلى الوصف بكمال القدرة وشدتها.
(الولي)
المحب: الناصر، وقيل: معناه: متولي أمر الخلائق.
وحظ العبد منه: أن يحب الله ويحب أوليائه، ويجتهد في نصره ونصر أوليائه وقهر أعدائه، ويسعى في ترويج حوائج الناس، ونظم مصالحهم، حتى يتشرب بهذا الاسم.
(الحميد)
المحمود المستحق للثناء، فإنه الموصوف بكل كمال، والمولي لكل نوال، {وإن من شيء إلا يسبح بحمده} بلسان الحال، فهو الحميد المطلق.
والعبد قد يستضيء بعكس هذا الاسم، إذا سعى قدر ما يقدر في تنقيح عقائده، وتهذب أخلاقه، وتحسين أعماله، ثم إنه بعد لم يخل من مذمة خلقية ومنقصة خلقية لا يستطيع التفصي عنها.
(المحصي)
العالم الذي يحصي المعلومات، ويحيط بها إحاطة العاد بما يعده.
وقيل: القادر الذي لا يشذ عنه شيء من المقدورات.
وقد سبق الكلام في شرح الإحصاء أول الباب.
والعبد وإن أمكنه إحصاء بعض المعلومات، والوصول إلى بعض ما يقدر عليه، لكنه يعجز عن إحصاء أكثرها.
(المبدئ المعيد المحيي المميت)
معاني هذه الأسماء بينة، واختصاصها بالله تعالى ظاهر.
(الحي)
ذو الحياة، وهو الفعال الدراك، وأختلف في معنى الحياة، فذهب أكثر أصحابنا والمعتزلة إلى أنه صفة حقيقية قائمة بذاته، لأجلها صح لذاته أن يعلم ويقدر.
وذهب آخرون إلى أن معناها أنه لا يمتنع منه أن يعلم ويقدر هذا في حقه، وأما في حقنا فعبارة عن اعتدال المزاج المخصوص بجنس الحيوان، وقيل: هو القوة التابعة له، المعدة لقبول الحس والحركة الإرادية.
(القيوم)
فيعول بني للمبالغة كالديور والديوم، ومعناه: القائم بنفسه المقيم لغيره، وهو على الإطلاق والعموم لا يصح إلا لله تعالى، فإن قوامه بذاته لا يتوقف بوجه ما على غيره، وقوام كل شيء به، إذ لا يتصور للأشياء وجود ودوام إلا بوجوده ووجوبه.
وللعبد فيه مدخل بقدر استغنائه عما سوى الله وإمداده للناس، كأن مفهومه مركب، فهو من نعوت الجلال، وصفات الأفعال.
(الواجد)
هو الذي يجد كل ما يطلبه ويريده، ولا يعوزه شيء من ذلك.
وقيل: الغني مأخوذ من الوجد، قال الله تعالى:{أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم} [الطلاق: 6] ز
(الماجد)
بمعنى المجيد، إلا أن في المجيد مبالغة ليست في الماجد، وقد سبق الكلام فيه.
(الواحد الأحد)
أي: المتعالي عن التجزؤ والتثني، فإن الواحدة تطلق ويراد بها عدم التجزئة والانقسام، ويكثر إطلاق الواحد بهذا المعنى وقد يطلق
بإزاء التعدد والكثرة، ويكثر إطلاق الأحد بهذا المعنى، والله سبحانه وتعالى من حيث إنه منزه عن التركيب والمقادير لا يقبل التجزئة والانقسام واحد، ومن حيث إنه متعال أن يكون له ثل، فيتطرق إلى ذاته التعدد والاشتراك أحد.
(الصمد)
السيد سمي بذلك لأنه يصمد إليه في الحوائج، ويقصد إليه في الرغائب، ومن كان يقصده الناس فيما يعن لهم من مهام دينهم ودنياهم، فله حظ من هذا الوصف.
(القادر المقتدر)
معناها: ذو القدرة، إلا أن المقتدر أبلغ لما في البناء من معنى التكلف والاكتساب، فإن ذلك وإن امتنع في حقه تعالى حقيقة، لكنه يفيد المعنى مبالغة، ونظيره: سافرت وخادعت، لواحد، ومن حقها أن لا يوصف بهما مطلقا غير الله، فإنه القادر بالذات، والمقتدر على جميع الممكنات، وما عداه فإنما يقدر بإقداره على بعض الأشياء، وفي بعض الأحوال، فحقيق به أن لا يقال له: إنه قادر، إلا مقيدا أو على قصد التقييد.
(المقدم المؤخر)
هو الذي يقدم الأشياء بعضها على بعض، إما بالذات كتقديم البسائط على المركبات، أو بالوجود كتقديم الأسباب على مسبباتها، أو بالشرف والقرية كتقديم الأنبياء والصالحين من عباده على من عداهم، أو
بالمكان كتقديم الأجسام العلوية على السفلية، والصاعدات منها على الهابطات، أو بالزمان كتقديم الأطوار والقرون بعضها على بعض.
(الأول الآخر)
فإنه مبتدأ الوجود، ومنتهى السلوك، منه بدأ، وإليه يعود.
(الظاهر الباطن)
أي: الظاهر وجوده بآياته ودلالته المنبثة في أرضه وسمائه، إذ ما من ذرة في السماوات ولا في الأرض إلا وهي شاهدة باحتياجها إلى مدبر دبرها، ومقدر قدرها، والباطن بذاته، المحتجب عن نظر العقل بحجب كبريائه.
(الوالي)
هو الذي تولى الأمور، وملك الجمهور.
(المتعالي)
هو البالغ العلا، والمترفع عن النقائص.
(البر)
المحسن، وهو البر في الحقيقة، إذ ما من بر وإحسان إلا وهو موليه.
(التواب)
الذي يرجع بالإنعام على كل مذنب حل عقد إصراره، ورجع إلى التزام الطاعة، بقبول توبته، من التوب وهو الرجوع.
وقيل: هو الذي ييسر للمذنبين أسباب التوبة، ويوفقهم لها ويسوق إليهم ما ينبههم عن رقدة الغفلة، ويطلعهم على وخامة عواقب الزلة، فسمي المسبب للشيء باسم المباشر له، كما أسند إليه فعله في قولهم: بني الأمير المدينة.
وحظ العبد منه: أن يكون واثقا بقبول التوبة، غير آيس عن الرحمة بكثرة ما اقترفه من الذنوب، صفاحا عن المجرمين، قابلا لمعاذيرهم، حتى يفوز بنصيب من هذا الوصف، ويصير مختلفا بهذا الخلق.
(المنتقم)
هو المعاقب للعصاة على مكروهات الأفعال، والانتقام: افتعال من: نقم الشيء: إذا كرهه غاية الكراهة، وهو لا يحمد من العبد إلا إذا كان انتقامه من أعداء الله، وأحق الأعداء بالانتقام نفسه، فينتقم منها مهما قارفت معصية، أو تركت طاعة، بأن يكلفها خلاف ما حملته عليه.
(العفو)
هو الذي يمحو السيئات، ويتجاوز عن العاصي، وهو أبلغ من الغفور، لأن الغفران، لأن الغفران ينبئ عن الستر، والعفو ينبئ عن المحو، وأصل
العفو: القصد لتناول الشيء، سمي به المحو، لأنه قصد لإزالة الممحو.
وحظ العبد منه ظاهر.
(الرؤوف)
ذو الرأفة، وهي شدة الرحمة، فهو أبلغ من الرحيم بمرتبة، ومن الراحم بمرتبتين.
(مالك الملك)
هو الذي ينفذ مشيئته في ملكه، ويجري الأمور فيه على ما يشاء لا مرد لقضائه، ولا معقب لحكمه.
(ذو الجلال والإكرام)
هو الذي لا شرف ولا كمال إلا هو له، ولا كرامة ولا مكرمة إلا وهي منه.
(المقسط)
هو الذي ينتصف للمظلومين، ويدرأ بأس الظلمة عن المستضعفين، يقال: قسط: إذا جار، وأقسط: إذا عدل وأزال الجور.
(الجامع)
هو المؤلف بين أشتات الحقائق المختلفة والمتضادة، متزاوجة زممتزجة في الأنفس والآفاق، فمن جمع بين العلم والعمل، ولفق
الكمالات النفسانية بالآداب الجسمانية، فله حظ من ذلك.
(الغني)
هو الذي يستغني عن كل شيء لا يحتاج إليه في ذاته، ولا في شيء من صفاته، لأنه الواجب من جميع جهاته.
(المغني)
هو الذي وفر على كل شيء ما يحتاج إليه، حسبما اقتضته حكمته، وسبقت به كلمته، فأغناه من فضله.
والعبد إذا قطع الطمع عما في أيدي الناس، وأعرض عن السؤال عنهم، والتوقع منهم رأسا بحيث لم يبق له حاجة إلا إلى الله، وسعى في سد خلة المحتاجين، فاز بحظ وافر من هذين الاسمين، مع أنهما على الإطلاق لا يصدقان إلا على الله تعالى.
(المانع)
هو الذي يدفع أسباب الهلاك والنقصان في الأبدان والأديان، ولما كان المنع من مقدمات الحفظ – أعني منع ما يفضي إلى الفساد ويؤدي إلى الهلاك – فكونه مانعا من مقدمات كونه حفيظا.
(الضار النافع)
هو الذي يصدر عنه النفع والضر، فلا خير ولا شر، ولا نفع ولا ضر، إلا وهو صادر عنه، منسوب إليه، إما بوسط أو غير وسط.
(النور)
هو الظاهر بنفسه، المظهر لغيره، ولا شك في أن الوجود إذا قوبل بالعدم كان الظهور للوجود، والخفاء للعدم، ولما كان الباري تعالى موجودا بذاته، مبرأ عن ظلمه العدم وغمكان طروه، وكان وجود سائر الأشياء فائضا عن وجوده، صح إطلاق لفظ النور عليه.
(الهادي)
هو الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى، والذي هدى خاصة عباده إلى معرفة ذاته، فاطلعوا بها على معرفة مصنوعاته، وهدى عامة خلقه إلى مخلوقاته، حتى استشهدوا بها على معرفة ذاته وصفاته.
والمحظوظ من هذا الاسم من الناس: من أرشد الخلق إلى الحق القوم، وهداهم إلى الطريق المستقيم، وهم الأنبياء، ثم العلماء الوارثون لهم.
(البديع)
المبدع: وهو الذي أتى بما لم يسبق إليه، وقيل: هو الذي لم يعهد مثله، والله سبحانه هو البديع مطلقا بالمعنيين، أما الأول فظاهر وأما الثاني، فلأنه لا مثل له في ذاته، ولا نظير له في صفاته وأفعاله، ومرجعه بالمعنى الأول إلى صفات الأفعال، وبالمعنى الثاني إلى صفات التنزيه.
(الباقي)
الدائم الوجود الذي لا يقبل الفناء، واختلف العلماء في أن البقاء: هل هو صفة حقيقية زائدة على الذات، أو اعتبار عارض له؟ والحق هو الثاني، وتحقيق القول فيه مذكور في كتبنا الكلامية.
(الوارث)
الباقي بعد فناء العباد، فترجع إليه الأملاك بعد فناء الملاك.
(الرشيد)
الذي ينساق تدبيره إلى غاياتها على سنن السداد من غير استشارة وإرشاد، وقيل: هو المرشد، فعيل بمعنى مفعل، كالأليم والوجيع، والرشيد من العباد من هدى إلى التدابير الصائبة فيما يعن له من مقاصد الدين والدنيا.
(الصبور)
هو الذي لا يستعجل في مؤاخذة العصاة ومعاقبة المذنبين، وقيل: هو الذي لا تحمله العجلة على المسارعة إلى الفعل قبل أوانه، وهو أعم من الأول، والفرق بينه وبين الحليم: أن الصبور يشعر بأنه يعاقب بالآخرة، بخلاف الحليم.
وأصل الصبر: حبس النفس عن المراد، فاستعير لمطلق التأني في الفعل.
والعبد إذا حبس نفسه عما تدعوا إليه القوى، وصبر على مضض