الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دعوة صارخة إلى إتحاد الأحزاب والهيئات *
إلى كل عامل مخلص للقضية الجزائرية من أحزاب وهيئات وأفراد
ــ
أيها القوم:
ها هي ذي الانتخابات البلدية على الأبواب، وهي مقدمة لانتخابات متتابعة وحلقة من سلسلة طويلة من النيابات، وإن من طبيعة الانتخابات في الأمم التي لم تنضج آراؤها في الحياة، ولم يتّضح منهاج الحياة لها، أن تشتّت الشمل المجموع وتفرّق الكتلة المتراصّة الأجزاء، فكيف بالشمل الممزق والرأي المفرق؟
وها نحن أولاء نرى خصوم القضية الجزائرية من أئمة الاستعمار قد جمعوا صفوفهم وأجمعوا أمرهم على حرب قضيتنا في منبتها أشدّ مما حاربوها في فرنسا، وها هم أولاء أعدّوا من رجالهم للمراكز العليا في هذه النيابة كل ذي سابقة سوداء في القضية، وكل بطل من أبطال الكيد لها، وكل ذي نية خبيثة في القضاء عليها، وكل ذي دخلة سيئة للإسلام، وكل ذي يد ملوثة بدماء أبنائه.
إنهم قد تداعوا جهرة إلى الاتحاد هنا كما اتّحدوا هناك. اتّحدوا هناك على إحباط برامجكم فنجحوا، وعلى تخييب مطالبكم فأفلحوا، وإنهم قد اتّحدوا هنا على إسكات أصواتكم، وإخماد حركاتكم، وبيدهم أزمة القوة من حُكم ومال، ومطابع وجرائد وقسيسين.
إن ضعف الضعيف لا يكون- في سنّة الله- إلا زيادة في قوة القوي، وإن اختلافكم ضعف، فهو لا يكون إلا زيادة في قوة خصومكم وخصوم قضيتكم.
لا تستيئسوا. إن لم يكن لكم بعض ما لديهم من القوة المادية، فعندكم من القوة المعنوية ما لو أحسنتم تصريفه واستغلاله لغلب ضعفكم قوّتهم.
* نشرت في العدد 10 من جريدة «البصائر» ، 13 أكتوبر سنة 1947.
إن قوّتكم في الاتحاد فاتّحدوا.
إن الأمة من ورائكم، وهي مختلفة باختلافكم، فإذا اتحدتم اتحدتْ، وإنها متألمة من اختلافكم في مثل هذا الوقت، وفي مثل هذا الموقف، وإن هذا التألّم قد يفضي بها إلى اليأس وانعدام الثقة بكم، فأنعشوا آمال أمّتكم باتحادكم وقوُّوا معنوياتها بجمع كلمتكم.
إن خصومكم يتقدّمون إلى الميدان بقائمة واحدة مختارة من أهل الكفاءات في حربكم وبغضكم، ومن أهل السوابق في الكيد لكم، يؤيّدها الموافق المتحمّس، ويرجع إليها النافر والشارد والمحايد، فتكتسب من وحدتها قوة الاتحاد، ومن التفاف الفرق قوة الإجماع. وإن هذه القوة تُصيّر الباطل حقًّا في نظر القانون.
أما أنتم فتتقدمون- ما دمتم مختلفين- بقوائم مختلفة متعددة مبنية على عصبية الحزبية، لا على أساس الكفاءة، ولا على اعتبار المصلحة الوطنية، تصحبها دعايات يلعن بعضها بعضًا، ولا تنتهي حتى تقطع ما بقي من أوصال هذه الأمة الضعيفة، وتأتي على ما بقي من وشائج القربى وصلات الأخوة، ثم تترك بعدها نيرانًا من العداوة لا يطفئها ماء البحر، وندوبًا من الحزازات والأضغان لا يمحوها كرّ الزمن، وتصيّر الأخ ينظر إلى أخيه وكأنما ينظر إلى قاتله، فهي كالأمراض المستعصية إن لم تقتل تركت الضعف والارتخاء والفتور والنحول، ثم تبرز القوائم الناجحة فإذا هي هزيلة مضعوفة، مرقّعة الأطراف، خالية من الكفاءات خالية من روح النضال خالية من القيادة الصحيحة، وإذا بتلك الحمية قد بردت، لأن باعثها هو الانتخاب، وعصبية الأحزاب، لا مصلحة الوطن وحقوق الأمة، ومن المحزن أننا ما زلنا نعتبر الانتخاب غاية لا وسيلة في حين أنه في حقيقته وفي نظر الأمم الحية وسيلة لا غاية، وهذه إحدى نقط الضعف في عقليتنا العامة، فليعتبر بها رجالنا وأحزابنا، تضاف إليها أخرى من نقائصنا وهي أن الانتخابات في نظر الأمم الحية كميدان المصارعة الرياضية، لا ينتهي المتصارعان حتى يتصافحا على الوفاء للفن، أما عندنا فهي مجال خصام، تبتدئ بالسباب، وتنتهي بالعداوة، وما ذلك إلا لأن حظ النفس لم يزل عندنا مقدمًا على حظ الوطن وعلى المصلحة العامة.
يا قادة الأحزاب! إن في مبادئكم دسائس دخيلة من الأفكار، تؤرّث العداوة الحزبية بين الإخوة بحجّة المحافظة على المبدإِ، فانبذوها بضرورة الاتحاد ومراعاة الظروف، وادحضوا شبهتها بحجة الوطن الصريحة، وإن في صفوفكم دساسين مدخولين من الرجال لهم أغراض في المنافع والكراسي ولهم مقاصد في الإفساد، وإنكم لتعرفونهم بسيماهم وتعرفونهم في لحن القول، فأخرجوهم من الصفوف، ولا تسمعوا لهم كلمة ولا تطيعوا لهم رأيًا، وإن إخراجهم لا ينقص عددًا ولا يقطع مددًا، بل يقطع دابر الفساد من صفوفكم ويسأصل مادة الضعف من أتباعكم.
يا قادة الأحراب! إنكم مسؤولون أمام الله وأمام التاريخ وأمام الوطن وأمام الأمّة، فاعرفوا قيمة هذه المسؤولية الثقيلة، واشتركوا في تحمّلها بإخلاص تخف ويخف عليكم ثقلها.
إن العمل النافع للجزائر يبتدئ من الجزائر، وإن الانتخابات باب للمرور، لا دار للاستقرار، فاعبروه متكاتفين، ولا تعبروه متخالفين، واجعلوا مصلحة الوطن قبل مصلحة الحزب، ومصلحة الحزب قبل مصلحة الشخص.
أيّتها الأمة الجزائرية! إن هذه الأحزاب تستمدّ قوّتها منك، وأنت الزاد والمدد، والعدّة والعدد؛ فاحمليها- بجميع الوسائل- على الاتحاد؛ إنها متكلمة باسمك، فاحمليها على الاتحاد باسمك، إنها إن اختلفت كنت أنت الخاسرة على كل حال، وقضيتك هي المهضومة على كل حال، ويومئذٍ لا ينفعك نجاح الناجح منهم؛ أما إذا اتحدوا وتقدّموا للانتخاب بقائمة واحدة، فإن نجاحهم في النيابة عنك محقق، ونجاح قضيتك قريب، فإذا لم تربحي الحق ربحت الاتحاد وكفى به ربحًا.
أيتها الأحزاب! أيها النوّاب!
…
دعوْناكم إلى "اتحاد أجزائكم الطبيعية بعضها مع بعضها" في تلك الكلمة المدوية في العدد الرابع من «البصائر» ، واتصلنا بكثير من المسؤولين منكم وبينّا لكم ضرورة الاتحاد في هذا الوقت الحرج، فوجدنا بعضكم يقول في الاتحاد بلسانه، ما ليس في قلبه، ويسارع إليه بالقول ويبطى عنه بالعمل، ووجدنا بعضكم لا يفهم من الاتحاد إلا أن يكون اندماجًا وإلحاقًا، لا كما يفهمه الناس من حفظ كل حزب لكيانه، والاتحاد والتعاون على ما فيه مصلحة الوطن، ووجدنا بعضكم لا يرضى إلا بأن تكون جمعية العلماء جزءًا من هذا الاتحاد. وجمعية العلماء- كما هي في حقيقتها، وكما أعلنت- فوق الأحزاب. ومن مصلحة الأحزاب أن تكون جمعية العلماء فوق الأحزاب.