الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العلم
…
العلم
…
أيها الشباب لا يلهيكم عنه سمسار أحزاب، ينفخ في ميزاب، ولا داعية انتخاب، في المجامع صخاب، ولا يلفتنكم عنه معلّل بسراب، ولا حاوٍ بجراب، ولا عاوٍ في خراب، يأتم بغراب، ولا يفتنّنكم عنه منزوٍ في خنقة، ولا ملتو في زنقة، ولا جالس في ساباط، على بساط، يحاكي فيكم سنّة الله في الأسباط. فكل واحد من هؤلاء مشعوذ خلّاب وساحر كذّاب.
إنكم إن أطعتم هؤلاء الغواة، وانصعتم إلى هؤلاء العواة، خسرتم أنفسكم، وخسركم وطنكم، وستندمون يوم يجني الزارعون ما حصدوا، ولات ساعة ندم
…
...
3 -
إلى أولياء أولئك التلامذة
…
لكم الحق- أيها السادة- دينًا وعقلًا وعادة أن توجّهوا أولادكم ما داموا صغارًا حيث تشاءون من وجهات الخير، ما لم يكن في ذلك مأثم أو قطيعة رحم. فإذا بلغوا الرشد تقاضيتموهم برًّا ببر، وإحسانًا بإحسان، فإذا خرجتم في سلطتكم عن حدود الدين، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وهؤلاء التلامذة أبناؤكم وجّهتموهم للعلم واخترتم لهم طريقه، فكان ذلك منكم نهاية البر بهم والنظر لهم، وكان في ذلك رضى أنفسكم ورضى الله ورسوله وصالحي المؤمنين، وكان ذلك منكم معدودًا عند المفكّرين في ما يخدم به الرجال أوطانهم، لأن أبناء اليوم هم ذخائر الوطن في المستقبل، وكل ما نزوّدهم به من تربية صالحة، وأخلاق وعلم فهو إعداد وتجنيد وتسليح للوطن.
ولكن ما قولكم- يرحمكم الله- إذا اعترض أبناءكم وهم في طريقهم إلى العلم لصوص يحاولون أن يقطعوا عنهم طريقه، أتسكتون وتقعدون عن نجدتهم؟ وتتركونهم للصوص يعبثون بهم، فتضيع آمالكم وأموالكم، وتخيب نيّاتكم ومقاصدكم؟ أم تهبون سراعًا إلى استخلاصهم من أيدي اللصوص؟
الدين والعقل والعادة، كل هؤلاء يفرض عليكم أن تصونوا أبناءكم وتحفظوهم من هؤلاء اللصوص.
إلا أن لصوص العقول أفتك من لصوص الأموال وأشدّ منهم عبثًا وإفسادًا، وإن اللصوص الذين أعنيهم لصوص عقول يتحكّمون بأبنائكم في مطارح هجرتهم إلى العلم. وفي
مسارح غيبتهم عنكم، فيضلونهم عن سواء السبيل، ويوجّهونهم لغير الجهة التي أردتم، ويأتونهم- كالشيطان- من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم، ويصدّونهم عن ذكر الله وعن الصلاة وعن العلم إلى أحاديث يزوقونها لهم، تملأ السمع، ولا تملأ العقل، ويصرفونهم عن كتب العلم ودروس العلم إلى جرائد حزبية مملوءة بالكذب والنقائص والمهاترات والسباب.
إن هؤلاء اللصوص المأجورين بأموالكم قد نالوا مأربهم في إفساد عقول أبنائكم في غفلة منكم، وصدّوهم عن العلم، وشغلوهم بالسفاسف الحزبية، حتى أصبح المقهى أحبّ إليهم من الجامع، والجريدة أحب إليهم من الكتاب، والمناقشات الحزبية أشهى إليهم من المذاكرات العلمية، وقد فرّقوهم شيعًا وأوزاعًا، بعد أن جمع العلم بين قلوبهم وأفكارهم، وأيسر ما في هذا الداء أنهم يزيّنون لهم عقوقكم، ويهونون عليهم حقوقكم.
إن هؤلاء اللصوص يغدون على أبنائكم ويروحون، ويقعدون لهم بكل صراط، ويتنقلون بهم في الإفساد وتضييع الأوقات وتعطيل المواهب من منزلة إلى منزلة، ومن مرحلة إلى مرحلة، وآخر مرحلة لمن تمّ تسليكه على أيديهم أن يقتلعوه من حلقة الدرس ويبعثوا به من تونس إلى الجزائر داعية انتخاب، وخطيبًا يدعو لذلك الصنف الذي تعرفونه من النوّاب. أفلهذا أرسلتم أبناءكم إلى تونس؟ أم أنتم لا تبصرون؟
أليس من المبكيات أن لا ينجح في شهادة التحصيل من جامع الزيتونة إلا ستة أو سبعة من ألف تلميذ وبضع مئات من أبنائنا؟ وما السبب؟ السبب يرجع بالخصوص إلى هؤلاء اللصوص.
…
أيها الآباء- وكلنا آباء- إن جمعية العلماء هي الهيئة الوحيدة التي تحضن حركة التعليم العربي في داخل القطر، تقوم بها وتحوطها وتناضل عنها، وتقوم بأمانة الله في توجيه هذا الجيل للدين والعلم. وهي- بطبيعة عملها- المؤتمنة على عقول الصغار حتى لا تضل ولا تطغى، وعلى عقائدهم حتى لا تفسد ولا تزيغ، وإن من أداء الأمانة أن تتقدّم بهذه الحقائق إلى الأمة. كما تقدّمت بالنصائح السالفة إلى التلامذة.
وجمعية العلماء تعتقد أنه لا يتمّ إصلاح التعليم في الداخل إلا إذا تمّ إصلاحه في الخارج، لشدة الاتصال بينهما، ولأن التعليم في الخارج هو الذي يغذّي التعليم الداخلي بالمعلّمين، ومحال أن ينال التعليم الداخلي خيرًا من معلّمين يتخرّجون من المقاهي، ويحصلون معلوماتهم من الجرائد الحزبية، ويتدرّبون في الميادين الحزبية على السباب،
وتنقص التعليم، والتنكّر للعلم، والترويج للأميّة بتمجيد الأميين والسير في ركابهم والتمسّح بأعتابهم، أفيرجى من أمثال هؤلاء المعلّمين خير؟ اللهم لا!
…
إن جمعية العلماء مصمّمة على أن تحوط التعليم في الخارج برقابة تمدّها على التلامذة، ونصائح تشتد فيها، ليحذروا أولئك اللصوص، ولينقطعوا إلى العلم، وليضعوا بين أعينهم الواجب الذي ينتظرهم في وطنهم، وهو التعليم.
فأعينوها- أيها الآباء- بقوة تجعل بين أبنائكم وبين أولئك اللصوص رَدْمًا، وما هذه القوة بزبر الحديد، ولكنّها بالإعانة والتأييد، وبالمراقبة والتشديد، وبالوصايا الحازمة للتلامذة أن يعرفوا قيمة ما هاجروا إليه، فيقصروا جهودهم وأوقاتهم عليه.