الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على أن ما يجب التنبيه إليه منذ البداية هو أن لقراءة هذا الكتاب ودراسته، قواعد وشروطًا، لابد من توفرها لمن أراد القيام بهذه الرسالة العلمية. فمضمون الكتاب يحتوي على رموز قرآنية، وإيحاءات معرفية، وألغاز سياسية، واستعارات مجازية، ولا بُدَّ لمن رام الإقدام على هذه المهمة من التحلي باستعداد فكري خاص، والتسلح بأدوات معرفية معينة، تُمكِّن من تخطِّي الصعاب، وكشف أسرار الحجاب. ولعل من أهم الأدوات المعرفية المطلوبة في فنَّ قراءة "عيون البصائر" التزود بما يمكن من فهم الرموز التالية:
1 -
الرمز القرآني:
إن في مقدمة الرموز التي يحيل إليها الإمام محمد البشير الإبراهيمي في خطابه، الآية القرآنية، التي يدمجها ببراعة وسط عباراته، ويوظفها توظيفًا رائعًا في الدفاع عن قضاياه، فلا يدرك كنهها وبعدها، إلا العارفون بالقرآن المتضلّعون في فن إعجازه البياني.
ولا يكاد يخلو مقال من هذه الرمزية القرآنية التي غَدت سمة من سمات الخطاب الإبراهيمي والتي أضفت عليه سُمُوًّا، تجلَّى على الخصوص في حسن تصريفه للأفعال والمصادر، في اقتباس عجيب من الآيات، ولجوء حكيم إلى مرجعية القرآن- وهل "البصائر في حقيقتها [إلا] فكرة استولت على العقول، فكانت عقيدة مشدودة العقد ببرهان القرآن".
"وإن الصحف في لسان العُرْف، كالصحائف في لسان الدِّين، منها: "صحائف الأبرار" و "صحائف الفجار" لذلك كان من حظ الأولى الابتلاء بالتعطيل والتعويق".
إن الصحف والصحائف إحالات إلى رموز قرآنية لا يدرك أبعادها إلامن ذاق حلاوة العربية بحلاوة القرآن.
وجاءت القضية الوطنية الجزائرية، فوجد الخطاب الإبراهيمي في القرآن خير ينبوع، يغرس فيه ريشته ليصوغ عباراته القذائفية، ويرسلها على الاستعمار وأذْنابه.
يأخُذُ الإبراهيمي أحد الأمثلة في مقارنة الاستعمار الإنجليزي بالاستعمار الفرنسي في علاقة كل منهما بالشعوب الرازحة تحت نيرهما
…
فيقول: "قرأنا سير الإنجليز في الهند فوجدناهم بالغوا في إعطاء الحرية للأديان
…
[حتى] سووا في تلك الحرية بين "قراء البقرة" بالحق [وهم المسلمون] وبين "عبَّاد البقرة" بالباطل [وهم الهندوس] " [ص:104].
وعندما يشير الإبراهيمي إلى من يسمون برجال الدين الحكوميين آنذاك، يتجه إلى قطبهم وهو الشيخ محمد العاصمي "المفتي الحنفي" الذي عينته الحكومة الفرنسية، فيأخذ من القرآن وصف الأصنام، ومقارعة الأنبياء لها، ويقف على الخُصوص عند قصة إبراهيم عليه السلام مع
كبير أصنام قومه ليستخلص النتيجة من انتصار النُّبوة- وهي حق- على الصنم- وهو باطل-. فيرسم لنا الصورة التالية: "ما أشأم العاصمي على نفسه! فقد سكتنا عنه فأبى، بعد أن جارانا فكبَا، وما تحدثنا عَنه في الماضي إلا باعتباره أداة لا شخصًا، وما سكتنا عنه بعد ذلك إلا لأننا أوسعنا تلك الأدوات تحطيمًا وتهشيمًا و"رغنا عليها ضربًا باليمين" ويضيف: "هاج هذا المخلوق الشر بتماديه في الشر .. لأن هذه الطريقة هي التي تُظهره وتقربه زُلفى إلى آلهته .. إنه لهم مولى شؤم، وعشير سوء، لبئس المولى، ولبئس العشير" [ص:150].
ثم يعمد إلى الاستعمار فيقارن بينه وبين المستضعفين المبتلين بحكمه ليقول "ألا إن في الاستعمار لفحة من جهنم، وإن في المستضعفين سِمات من أهلها أظهرها أنهم لا يموتون ولا يحيون"[ص:220].
وفي موضع آخر نقرأ له: "يا هؤلاء! إن الاستعمار شيطان، وإن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوًّا "[ص:288].
وعند توعيته الأحزاب الجزائرية بواجب الوحدة، ومغبة الافتراق يمهد لذلك بالقرآن أيضًا فَيُعرِّضُ بالفرقة قائلاً: "ما ذكر القرآن الأحزاب بلفظ الجمع إلا في مقام الخلاف والهزيمة {فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ} [الآية 37 السورة مريم]، {جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزَابِ} [الآية 11، سورة ص] وإن حزب الله في الأمة الجزائرية هو جمعية العلماء [ص:66].
ثم يتجه مباشرة إلى قادة الأحزاب فيخاطبهم- مُستخدمًا نفس الرمزية القرآنية- "يا قادة الأحزاب! إن في صفوفكم دساسين مدخولين من الرجال لهم أغراض في المنافع والكراسي، ولهم مقاصد في الإفساد، وإنَّكم لتعرفونهم بسيماهم وتعرفونهم في لحن القول فأخرجوهم من الصفوف"[ص:302].
وفي ردّ الإبراهيمي على الزعم الاستعماري الفرنسي بأن "الجزائر فرنسية" ينبري لهذا الزعم بالبراهين القرآنية الرائعة، ومنها قوله:"ولو أن الاستعمار شرعها زجلًا بالتسبيح في ناشئة الليل، وجعل كفاء سماعها جزاء الأبرار، لكان في آذاننا وقر من سماعها، ولعددناها غثّة مرذولة، ممزوجة مملوءة، ولهدينا بالفطرة إلى الطيب من القول، وهي أن الجزائر ليست فرنسية، ولن تكون فرنسية، كلمات قالها أولنا، ويقولها آخرنا، ومات عليها سلفنا، وسيلقى الله عليها خلفنا"[ص:349].
أما عن فلسطين السليبة، فإن الإبراهيمي جعل منها قضية كل جزائري وكل عربي، وكل مسلم
…
فخصها بسلسلة من المقالات حاول فيها استنهاض الهمّة العربية، والعزة الإسلامية، فاستعان على ذلك بنفس الإعجاز القرآني، خصوصًا "وأن فلسطين وديعة محمد