الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التعليم العربي والحكومة *
- 7
-
هذه هي مقدّمة المشروع الذي وضعه الشيخ (باي) بمعونة الرجال الاختصاصيين في الإدارة وتقدّموا به إليّ، كأساس للمفاوضة، على أننا إذا اتفقنا على ما فيه قدّم للوزارة لتصدر بنصوصه (ديكري) ينسخ "الديكريات" ويأكل القرارات، ولا أدري، بماذا مهّدتْ إدارة الجزائر لهذا المشروع عند الوزارة، وفي الديوان الجزائري هناك؟ وإنما الذي ندريه أن الوزارة وكل ما تفرّع عنها من اللجان والإدارات (ذات الاختصاص) خاضعةٌ في كل ما يتعلّق بنا للإدارة الجزائرية، ترجع إليها، وتتلقّى الوحي منها، وتصدُر عن رأيها، ولا تنقض ولا تبرم إلا بإشارتها. ألم ترَ أن المقدّمة التي نشرناها خُتمت بهذه الجملة:"وبإيعاز من الوالي العام على الجزائر".
وبعد هذه الديباجة التي تشير إلى جميع القوانين، وتعتمد عليها، و (تأخذ بخاطرها) وتنبّهنا إلى مواقعها، وترمز بكثرتها إلى أن العبء الذي سيخفّف عنا بسببها عظيم، وأن المنّة علينا بها جسيمة، بعد ذلك تأتي مواد المشروع مبنية بأحجار القوانين القديمة، موضوعةً على أساسها، على هذا النسق.
"المادة الأولى: قد أُلغي العنوان الثالث وهو: (التعليم الخاص بالأهالي الأنديجان) من قانون 18 أكتوبر 1892 المتعلّق بالتعليم الابتدائي الحرّ عند الأهالي الجزائريين، وكل النصوص التي كمّلته أو غيّرته".
وهذه المادة هي الجملة الوحيدة المغرية من المشروع، لأن قانون 18 أكتوبر 1892 هو أصل البلاء كله على التعليم العربي في جملته وتفصيله، وكل ما جاء بعده فهو فرع عنه أو تكميل له، ويقول الشيخ (باي) في أول حديث له معنا في المشروع: إن هذه المادة
* نُشرت في العدد 71 من جريدة «البصائر» ، 14 مارس سنة 1949.
محقّقة لشرطنا الأساسي، وهو إعلان إلغاء جميع القوانين القديمة وتعويضها بقانون واحد جديد؛ ونحن لا نصدّق بذلك ولا نعدّه محقّقًا لشيء ولا مفيدًا لشيء، لأن ذلك القانون وجميع القوانين التي تشبهه، مصوغة كالسلسلة كلها حلق متشابكة، أو كالشبكة كلها خروق لا تسدّها إلا بقلب وضعها؛ وهي غير محقّقة للإلغاء، لأننا اقترحنا على الحكومة أن يكون الإلغاء معلنًا من جانبها. وعرَض هذا الاقتراح مفاوضو جمعية العلماء على مفاوضي الإدارة في المرّة الأولى بصورة أوسع، وهي أن يُعلنَ الإلغاء في الجرائد ويُعلن معه الشروع في المفاوضات، فأبى ذلك مفاوضو الحكومة، وقالوا لممثّلي الجمعية: أعلنوا أنتم إن شئتم
…
"المادة الثانية: يجب على المعاهد الدينية على اختلافها، والتي لا يشتمل برنامج تعليمها سوى الدروس الدينية وبعض مبادئ القراءة والكتابة ولا تعلم المواد الأخرى التي تُدرس في المدارس الابتدائية، وهي المواد المشار إليها في المادة 27 من قانون 18 جانفي 1887 الخاص بالتعليم الابتدائي العام: على هذه المعاهد أن تخضع للنظام الآتي:
أولًا: على المدير الذي يريد فتح مدرسة من هذا النوع أن يخبر- كتابيًّا- نائب عامل العمالة (1) في منطقته، وإذا كان في المناطق الجنوبية العسكرية فليخبر رئيس تلك المنطقة العسكرية. ويستطيع أحد المعلّمين أن يقومَ بهذا الإخبار بدلًا من المدير.
ويجب أن يتضمن هذا الإخبار بصفة خاصة عدد التلاميذ الذين سيدخلون المدرسة.
كما يجب أن يرسل مع الإخبار الأوراق التالية:
1 -
تصميم المحل.
2 -
شهادة ولادة المدير أو المعلم تثبت أن صاحبها ذو جنسية فرنسية.
3 -
شهادة براءة من الأحكام الجنائية لا يزيد تاريخها عن ثلاثة أشهر.
4 -
شهادة استقامة وحسن أخلاق.
فإذا لم يجب عامل العمالة أو رئيس المنطقة الجنوبية في ظرف شهر من يوم إرسال هذه الأوراق المشروطة فيمكن فتح المدرسة دون توقف. ولا يرفض طلب فتح مدرسة إلا إذا كان السبب يرجع إلى دواعي الصحة في المحلات، أو سيرة المدير أو المعلمين.
ثانيًا: يجب على المدير أو المعلم أن يسجّل في دفتر خاص أسماءَ التلاميذ وتاريخ ولادتهم وتاريخ دخولهم المدرسة وأسماءَ آبائهم ووكلائهم الشرعيين وعناوينهم. وهذا السجّل يجب أن يكون دائمًا تحت طلب الحكومة".
…
1) نائب عامل العَمالة: نائب الوالي أو المحافظ.
ثم يذكر المشروع منع العقوبات البدنية، واشتراط التلقيح، وإبعاد المصابين من التلاميذ بالأمراض المعدية، واستكمال المدرسة للشرائط الصحية، وهي شروط تقوم بها مدارسنا دون اشتراط، لأن ديننا يهدي إلى النظافة والصحة والنظام.
ويرى القارئ لهذه المواد، التي نشرناها بنصها من المشروع، أنها تذكر المدير والمعلم ولا تذكر الجمعية، مع أن مدارسنا كلها تديرها جمعيات لا أفراد، والجمعية أقوى على تحمل المسؤولية، وأقرب للقيام بالتعهدات والشروط، وأدنى أن تحقّق النظام المطلوب في مصلحة اجتماعية كهذه؛ ولكن الحكومة لا تعنيها المصلحة ولا النظام، وإنما يعنيها أن تكثر من أسباب التعطيل، وما يسهّل أسباب التعطيل، لذلك تعترف بالمدير وتتجاهل الجمعيات. لتكون أعمال التعليم كلها فردية، وليكون المسؤولون عنها أفرادًا، وقلع الأفراد أهون عليها من قلع الجماعات؛ واستهواءُ الفرد، أو أخذه بالترغيب والترهيب والمساومات أسهل وأمكن.
وقد ناقشتُ محدّثي الرسمي في هذه النقطة وشرحت له معنى ما ذكرت هنا بإسهاب، وبيّنتُ له ما نعتقده من مقاصد الحكومة فيها، فاقتنع ولم ينكره بذوقه الخاص؛ وإن لكل واحد من رجال الحكومات في كل نازلة ذوقين: ذوقًا إنسانيًّا كأذواق الناس يميّزون به المعقول من غير المعقول، والحلو من المرّ، والحسن من القبيح، لا يخرجون فيه عن طبائع الأشياء وخصائصها وأشكالها ومقاديرها؛ وذوقًا حكوميًّا يتكيّف بالاعتبارات الحكومية، وينعكس وينتكس، بالتعمل والتأثّر، حتى يصير الحلو عند صاحب هذا الذوق مرًّا، والحسن قبيحًا.
اقتنع صاحبي بأن حركتنا التعليمية حركة جمعيات، وأنها هي المسؤولة، وأن الخطاب يجب أن يكون معها، وأن المدير أو المعلم إنما هو موظف عندها، وأن تكليفه بهذه الشروط مدرجة إلى تعطيل أعمال الجمعيات؛ ولكن ذوقه الحكومي لم يسمح له بتجرع هذا
…
وفي المادة الثانية وجوب الإخبار بفتح المدرسة، إلخ. والإخبار المجرّد أمر بسيط، نقبله ولا نتحرج منه؛ ولكننا نقبله على أنه إخبار مجرّد مقرون بالشروع في التعليم؛ أما الحكومة فتسمّيه إخبارًا، وتفسّره استئذانًا، لأنها تقول: إذا لم يجب عامل العمالة أو رئيس المنطقة في ظرف شهر من يوم الإخبار فللطالب أن يفتح المدرسة. إذن فهو استئذان، وترخيص، لاإخبار؛ ولو كان إخبارًا فقط لما توقف على إذن ولا تأجيل؛ وما دام التأجيل مقرّرًا فمعناه أن لعامل العمالة أن يجيب بالرفض، وأن يتعلّل بتلك العلل المستثناة.
هذه واحدة من بقايا المعاني القديمة في هذا المشروع.