الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كانت جمعية العلماء تقوم في كل مناسبة- كتبديل الجهاز الإداريّ هنا أو الجهاز الحكوميّ الأعلى في باريز، وفي اجتماعاتها العامة، وفي مقابلاتها لرجال الحكومة- باحتجاجات عن المعاملات الشاذة التي يعامل بها الإسلام في داره، وتعامل بها العربية في موطنها، وكانت تقوم بتظلمات وبيانات، ولكنها كانت تقابل دائمًا بالسكوت والإهمال، إلى أن كان شهر أغسطس من سنة 1944، وكانت الحكومة الفرنسية (3) إذ ذاك ممثلةً هنا بالجزائر فقدمت الجمعية مطالبها بصورة أوضحَ وأصرحَ من جميع ما تقدّمها في كراسة مفصّلة (4)، تشتمل على مطالب الأمة في
التعليم العربيّ
، وفي المساجد وأوقافها، وفي القضاء الإسلامي وإصلاحه، وقد لقيتْ تلك المطالب ما لقيه ما قبلها من سكوت وإهمال.
…
واليوم وقد عادت جريدة الجمعية إلى الظهور، وجب أن نحمل العددَ الأولَ على وجه التذكير خلاصةً من مواقف جمعية العلماء ومن مطالبها التي هي مطالب الأمة العربية الجزائرية، في أعزّ عزيز عليها، وهو دينها ولغتها.
وإنّ ما نقدمه هنا هو صورة من الحقيقة والواقع، وتصويرٌ لما تعانيه هذه الأمة من افتئات عليها، واستخفاف بمقدراتها، وإذا وُجد في ما نكتبه تنديد مرّ، فإن سوء المعاملة والتصامّ عن سماع صوت الحق هو الذي أملاه علينا.
التعليم العربي
…
اللغة العربية هي لغة الإسلام الرسمية، ومن ثمّ فهي لغة المسلمين الدينيةُ الرسمية، ولهذه اللغة على الأمة الجزائرية حقان أكيدان، كل منهما يقتضي وجوبَ تعلمها، فكيف إذا اجتمعا، حق من حيث انها لُغةُ دين الأمة، بحكم أنّ الأمة مسلمة، وحق من حيث إنها لغة جنسها، بحكم أن الأمة عربية الجنس؛ ففي المحافظة عليها محافظةٌ على جنسية ودين معًا، ومن هنا نشأ ما نراه من حرص متأصّل في هذه الأمة على تعلم العربية، وما نشهده من مطالبة إجماعية بحرّية تعليمها، وما نشاهده من قلق واضطراب في أوساط الأمة لموقف الحكومة المخجل من اللغة العربية، وما نراه من سخط عميق على القرارات والقوانين التي تعرقل تعليمها، وذلك كله لأنها مفتاحُ الدين، أو جزءٌ من الدين.
3) الحكومة الفرنسية في الجزائر: هي حكومة فرنسا الحرة برئاسة الجنرال دوغول.
4) نُشرت في الجزء الثاني من آثار الإمام، [ص:138 - 146].
وجمعية العلماء التي تعد أشرفَ أعمالها تعليمَ العربية، قد أقامت خمسة عشر عامًا تطالب في غير ملل بحرية التعليم العربي الذي هو أساسُ التعليم الديني، وما زالت تصارع العوارض الحائلةَ، وهي عوارض القرارات الإدارية، والقوانين الموضوعة لخنق العربية وقتلها؛ وما زالت الجمعية تنكر تلك القرارات وتقول عنها في صراحة: إنها قراراتٌ جائرة أنتجتها ظروف خالية من الرحمة ومن الكياسة، وأملتها أفكار خالية من الحكمة والسداد، وبواعثُ من الغرض والهوى؛ يؤيد ذلك كله وحيٌ من شيطان الاستعمار المريد، فجاءت في مجموعها لا تستند على منطق ولا نظر سديد، وإنما تستند على القوة أولاً، وعلى الحيلة ثانيًا، وعلى العنصرية البغيضة ثالثًا.
إن جمعية العلماء، باسم الأمة الجزائرية المسلمة عمومًا، تطالب الحكومة الجزائرية (3) الاستعمارية- في إلحاح- بإلغاء جميع القرارات القديمة المتعلقة بالتعليم العربيّ، واستبدال قانون موحد عادل بها، لا يكون من طرف واحد، كالقرارات القديمة، بل يكون للأمة رأيٌ فيه، ولجمعية العلماء اشتراك في وضعه، ويكون واضحَ الدلالة، بيِّنَ المقاصد، صريحَ المعاني، لا إبهام فيه ولا غموض.
وجمعية العلماء ترى أن التعليمَ العربي الذي تسعى لحريته وترقيته هو جزء من التعليم العام الذي هو وسيلة التثقيف، والتثقيف هو أشرف مقاصد الحكومات الرشيدة، وإن الحكومات الرشيدة لتلتمس المعونةَ على تثقيف شعوبها من كل من يستطيعه من جمعيات وأفراد، وتبذُل لهم من التنشيط والتيسير ما يحقق ذلك، فما بالُ الحكومة الجزائرية الاستعمارية تعاكسُ وتضَع العراقيلَ في طريق التثقيف مع أنها عاجزة- باعترافها- عن تعميمه ونشره؛
أليست تلك المعاكسات كلها لأن التعليم عربى إسلامي؛
أليست النتيجة المنطقية أن تلك المعاكسات كلها حرب على الإسلام والعربية؛
بلى
…
وإن ذلك لهو الحق الذي لا تغطيه مجاملات الخطب، ولا تزويق الألفاظ ولا أكاذيب رجال الحكومة، إن جمعية العلماء تشكوُ مر الشكوى من تلك القرارات بأجمعها، وتستنكر بنوع خاصّ ذلك القرار المتضمن لإيجاب الرخصة على المعلم، لأن هذا القرارَ إن سهل تنفيذُه في عمل شخصيّ، كمعلم، في مكتب، فإنه لا يسهُلُ العملُ به على جمعية عظيمة، تدير عشرات المدارس وتُشرف على مئات المعلمين، لأنها قد تنقل معلمًا في كل يوم، وقد ينفصل عنها معلمٌ في كل يوم وقد يموت. ففي تكليفها العملَ بهذا القرار تكليف بما لا يُطاق ولا يتم معه عمل.
5) الحكومة الجزائرية: هي الولاية العامة الفرنسية في الجزائر.