المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌وشهد شاهد * - آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي - جـ ٣

[البشير الإبراهيمي]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثالث

- ‌مقدمة الطبعة الثالثة من "عيون البصائر

- ‌ الرمز القرآني:

- ‌ الإبداع البياني:

- ‌ العمق العرفاني:

- ‌ الفكر العقلاني:

- ‌ السياق التّارِيخاني:

- ‌السياق التاريخي (1947 - 1952)

- ‌مقدمة الطبعة الثانية من "عيون البصائر

- ‌ 1

- ‌ 2

- ‌ 3

- ‌ 4

- ‌ 5

- ‌ 6

- ‌ 7

- ‌ 8

- ‌ 9

- ‌ 10

- ‌مشاعل حكمة

- ‌إستهلال *

- ‌من الحقائق العريانة *

- ‌ التعليم العربيّ

- ‌ والصحافة العربية

- ‌والنوادي

- ‌ والمساجد وأوقافها

- ‌جمعية العلماء: أعمالها ومواقفها *

- ‌ 1

- ‌عملها في توجيه الأمة:

- ‌عملها للعروبة:

- ‌موقفها من السياسة والساسة *

- ‌ 2

- ‌جمعية العلماء: أعمالها ومواقفها *

- ‌ 3

- ‌فصل الدين الإسلامي عن الحكومة الفرنسية فى الجزائز

- ‌قضية فصل الدين

- ‌الأديان الثلاثة في الجزائر *

- ‌طلائع ومقدمات

- ‌التقرير الحكومي العاصمي *

- ‌كتاب مفتوح إلى رئيس الجمهورية الفرنسية *

- ‌هل دولة فرنسا لائكية *

- ‌فصل الدين عن الحكومة…*- 1

- ‌فصل الدين عن الحكومة- 2

- ‌فصل الدين عن الحكومة- 3

- ‌فصل الدين عن الحكومة- 4

- ‌فصل الدين عن الحكومة (5)

- ‌فصل الدين عن الحكومة (6)

- ‌فصل الدين عن الحكومة (7)

- ‌فصل الدين عن الحكومة (8)

- ‌فصل الدين عن الحكومة (9)

- ‌فصل الدين عن الحكومة (10)

- ‌التعليم القضائي:

- ‌الوظائف القضائية:

- ‌السلطة العليا:

- ‌محاكم الاستئناف:

- ‌الدين المظلوم *

- ‌فصل الدين عن الحكومة (11)

- ‌فصل الدين عن الحكومة (12)

- ‌فصل الدين عن الحكومة (13)

- ‌فصل الدين عن الحكومة (14)

- ‌فصل الدين عن الحكومة (15)

- ‌فصل الدين عن الحكومة (16)

- ‌فصل الدين عن الحكومة (17)

- ‌فصل الدين عن الحكومة (18)

- ‌فصل الدين عن الحكومة (19)

- ‌فصل الدين عن الحكومة (20)

- ‌القضية ذات الذنب…الطويل *

- ‌القضية ذات الذنب…الطويل *- 2

- ‌كتاب مفتوح

- ‌كلمتنا عن الأئمة *

- ‌وشهد شاهد *

- ‌حرية التعليم العربيوحرية الصحافة العربية

- ‌إلى أبنائي الطلبة

- ‌اللغة العربية في الجزائر

- ‌حقائق *

- ‌بوركت يا دار *

- ‌المعهد الباديسي *

- ‌التعليم العربي والحكومة *- 1

- ‌التعليم العربي والحكومة *- 2

- ‌التعليم العربي والحكومة *- 3

- ‌التعليم العربي والحكومة *- 4

- ‌التعليم العربي والحكومة *- 5

- ‌التعليم العربي والحكومة *- 6

- ‌التعليم العربي والحكومة *- 7

- ‌التعليم العربي والحكومة *- 8

- ‌التعليم العربي والحكومة *- 9

- ‌التعليم العربي والحكومة *- 10

- ‌معهد عبد الحميد بن باديس *

- ‌مدارس جمعية العلماء *

- ‌إلى أبنائنا المعلمين الأحرار *

- ‌كلمات واعظة لأبنائنا المعلمين الأحرار *- 1

- ‌كلمات واعظة لأبنائنا المعلمين الأحرار- 2

- ‌حقوق الجيل الناشئ علينا *

- ‌حقوق المعلّمين الأحرار على الأمّة *

- ‌اختلاف ذهنين في معنى التعليم العربي *

- ‌دروس الوعظ في رمضان *

- ‌الكلمة الأخيرة للأمّة *

- ‌المشاكلالإجتماعية

- ‌من مشاكلنا الاجتماعية (1)

- ‌من مشاكلنا الاجتماعية (2)

- ‌دعوة صارخة إلى إتحاد الأحزاب والهيئات *

- ‌دعوة مكررة إلى الإتحاد *

- ‌عواقب سكوت علماء الدين عن الضلال في الدين *

- ‌ثلاث كلمات صريحة *

- ‌ إلى الأمة:

- ‌ إلى تلامذة الزيتونة والقرويين

- ‌ إلى أولياء أولئك التلامذة

- ‌من مشاكلنا الإجتماعية (3)

- ‌من مشاكلنا الإجتماعية (4)

- ‌جمعية العلماء والسياسةالفرنسية بالجزائر

- ‌ذكرى 8 ماي *- 1

- ‌ذكرى 8 ماي *- 2

- ‌الأسابيع في عرف الناس *

- ‌أفي كلّ قرية حاكم بأمره

- ‌عادت لعترها لميس *

- ‌الشك في الإيجاب…نصف السلب *

- ‌لجنة "فرانس - إسلام" *- 1

- ‌لجنة "فرانس - إسلام" *- 2

- ‌ويح المستضعفين *

- ‌حدّثونا عن العدل فإننا نسيناه *- 1

- ‌حدّثونا عن العدل فإننا نسيناه *- 2

- ‌حدّثونا عن العدل فإننا نسيناه *- 3

- ‌ويحهم…أهي حيلة حربية

- ‌أين موقع "بسكرة" من أفريقيا الشمالية

- ‌كلمتنا عن إدارة البريد *

- ‌جمعية العلماءوالمغرب العربي

- ‌أفي كل حي، عبد الحي

- ‌عيد العرش المحمدي العلوي *

- ‌موجة جديدة *

- ‌ليبيا، موقعها منا *

- ‌ليبيا، ماذا يراد بها

- ‌إضراب التلامذة الزيتونيين *

- ‌إبليس ينهى عن المنكر

- ‌إبليس يأمر بالمعروف

- ‌أرحام تتعاطف *

- ‌سكتُّ…وقلت

- ‌عروبة الشمال الافريقي *

- ‌جمعية العلماءوفلسطين

- ‌فلسطين (1)

- ‌فلسطين (2)

- ‌فلسطين (3)

- ‌فلسطين (4)

- ‌فلسطين (5)

- ‌فلسطين (6)

- ‌فلسطين (7)

- ‌فلسطين (8)

- ‌فلسطين (9)

- ‌جمعية العلماء والشرقوالإسلام

- ‌عيد الأضحى *

- ‌هجرة النبوّة من مكة إلى يثرب *

- ‌شهر رمضان

- ‌معنى العيد *

- ‌من وحي العيد *

- ‌الإسلام *

- ‌من نفحات الشرق *

- ‌محنة مصر محنتنا *

- ‌يا مصر

- ‌أثر الأزهر في النهضة المصرية *

- ‌ ثلاثة كتب:

- ‌كلمات مظلومة *

- ‌الشاب الجزائري كما تمثّله لي الخواطر *- 1

- ‌الشاب الجزائري كما تمثّله لي الخواطر *- 2

- ‌الشاب الجزائري كما تمثّله لي الخواطر *- 3

- ‌الشاب الجزائري كما تمثّله لي الخواطر *- 4

- ‌سجع الكهّان *- 1

- ‌سجع الكهّان *- 2

- ‌سجع الكهّان *- 3

- ‌سجع الكهّان *- 4

- ‌سجع الكهّان *- 5

- ‌سجع الكهّان *- 6

- ‌سجع الكهّان *- 7

- ‌شخصيات

- ‌عبد الحي الكتاني *

- ‌محمد الطاهر بن عاشور وعبد الحميد بن باديس

- ‌ 1

- ‌ 2

- ‌دمعة على المنصف *

- ‌إلى الزاهري *

- ‌الأستاذ الشيخ محمد بهجة البيطار *

- ‌بدء معرفتي به:

- ‌محمد خطاب *

- ‌ذكرى مبارك الميلي *

- ‌أثارة من أعمال رابح الفرقاني

- ‌لمحة من أخلاق الشاعر محمد العيد

- ‌السلطان محمد بن يوسف *

- ‌ذكرى عبد الحميد بن باديس *

- ‌الفضيل الورتيلاني *

الفصل: ‌وشهد شاهد *

‌وشهد شاهد *

شهادة الشيخ بيرك على "رجال الدين"

ــ

في أيام الحملة الكبرى على الحكومة، وكتابة تلك السلسلة الوثيقة الحلقات من المقالات، في قضية فصل الحكومة عن الدين، ظهر "رجال الدين" بمظهر مناقض للدين، فكشفوا الستر عن حقيقتهم المستورة، ووقفوا في صف الحكومة مؤيّدين لها، خاذلين لدينهم وللمدافعين عن حرّيته، مطالبين بتأبيد استعباده، عاملين بكل جهدهم على بقائه بيد حكومة مسيحية تخرّبه بأيديهم، وتشوّه حقائقه بألسنتهم، وتلوّثُ محاريبه ومنابره بضلالتهم

وتمسخ أحكامه بفتاويهم، وقد أخذوا في الزمن الأخير ببعض مظاهر العصر، وتسلّحوا ببعض أسلحته بإملاء من الحكومة للدفاع عن الباطل، فكوّنوا جمعية، وأنشأوا مجلة، وجهّزوا كتيبةً من الكتاب يقودها أعمى، خذلانًا من الله ليشترك عاقلهم وسفيههم في هذه المخزيات، بحكم العضوية في الجمعية، والاشتراك في المجلة، بعد ما كانوا يعملون فرادَى، فيمتاز البريء منهم من المجرم، ولو في دائرته الضيّقة وبين أهله وجيرانه.

دافعناهم- عندما ظهروا بذلك المظهر- بالحق فركبوا رؤوسهم، فتسامحنا قليلًا إبقاءً على حرمة المحراب والمنبر التي انتهكوها، فتشدّدوا إبقاءً على "حرمة" الخبزة، فكشفنا عن بعض الحقائق المستورة فلجّوا وحاصُوا، وثاروا وخاروا، فلما عتوا عن أمر ربّهم رميناهم بالآبدَة

وهي أن الصلاة خلفهم باطلة

لأن إمامتهم باطلة

لأنهم جواسيس

...

* نشرت في العدد 177 من جريدة «البصائر» ، 17 ديسمبر سنة 1951.

ص: 193

فعل ذلك الحكم الصادر فعله في نفوس القوم، وكان وقعه فيها أليمًا، وهم أول من يعلم أنه حق، ولكنهم كانوا يسترونه بظواهرَ كاذبة، معتزّين بقوّة الحكومة مغترّين بغفلة الجمهور الذي يغشى المساجد، آمنين أن تقال فيهم كلمة الحق الفاصلة.

وكان تأثير ذلك الحكم في طبقات الأمّة بحسب درجاتها في الفهم ذكاءً وغباءً، وبحسب حالاتها في الحكم على الأشياء صراحةً ونفاقًا، وعلى قدر تأثّرها بالدين احتياطًا وتساهلًا، فأما الأذكياء الصرحاء المحتاطون فأقلعوا عن ائتمام يقودهم إلى غضب الله، واستشفاع يجرّهم مع الشفعاء إلى الدرك الأسفل، وأما غيرهم فقالوا: إنا وجدنا آباءنا على أمّة، ووجدناهم يأتمون بهذا الصنف من الأئمة، وأما بعض القَعَدة من الفقهاء الذين لا ينصرون حقًّا، ولا يخذلون باطلًا فلبسوا لبوس القاضي أبي الحسن النباهي الأندلسي في موقفه من لسان الدين ابن الخطيب حين ألّف كتابه في ذم الوثيقة والموثقين

فتناجَوا بالإنكار علينا، ودافعوا عن هذه الطائفة بما هو أنكى فيها، وأشنع من السب الصريح، وهو "إبقاء الستر مسدولًا على الختر" وهم يعلمون أنه لا تستر إلا العورات، فالقوم- في نظر أنصارهم من الفقهاء- عورات يجب أن تستر، وهكذا تكون النصرة، وهكذا يكون الدفاع.

وما كانت تلك الآبدة التي رميناهم بها من آثار لجاج الجدل المحتدم، ولا كانت سلاحًا مدخرًا لآخر المعركة، ولا كانت منا خطرةً عارضة، ولكننا كنا فيها على يقين من أمرنا، وعلى بيّنة من ربنا، وعلى علم ضروري بما يجري من الفضائح التي رتّبنا عليها ذلك الحكم، فالوظيفة الدينية الإسلامية أصبحتْ عند الحكومة- بتهافت هؤلاء القوم عليها- مشروطةً بالجوسسة، والقوم أصبحوا بها جواسيس على الأمّة على حساب دينها، إلا القليل، ولا حكم للقليل.

ونحن لم نستثن هذا القليل من ذلك الحكم، لأنه إذا حافظ على شرف نفسه في نظرنا ونظر الناس، وعُرف بتوفر شروط الكمال عندنا وعند الناس، فبماذا يتحصن أمام الحاكم حين يريده على شيء مما ينافي الشرف، ما دام عزله وولايته بيده؟

إن كلامنا على عمومه، في الوظيفة على عمومها، لا في الموظف، وما دامت الجوسسة في حكم الحاكم من لوازم هذه الوظيفة، وفي ترجيح طالب على طالب، فلا معنى للاستثناء، ولا قيمة عند الله لاستقامة لم تربأ بصاحبها عن طلب وظيفة دينية من حكومة معتدية على دينه.

كلامنا في أصل القضية، وهو غير قابل للاستثناء، ولا كلام لنا في الفضل والعلم والاستقامة، فنحن أعرفُ الناس بأهلها، وبحظوظهم من العلم أو الفضْل، ولكنهم مغمورون بهذه الطائفة كلها، فليقصر اللائمون لنا على التعميم، وليعرفوا هذه الحقيقة، ولينصفوا الدين قبل الأشخاص إن كانوا مؤمنين، ونحن نرى أن هذه القلّة المحتمية بالفضل غير محمية من غضب الحاكم عليها، واحتقاره لها، ومن إهماله إياها في الاعتبار والمنزلة.

ص: 194

ولحا الله هذه الوظائف، فكم كانت سببًا في إفساد الدين، وفي تخريب الدنيا، وكم جرّ التكالب عليها إلى تفريق شمل، وتمزيق وحدة، وإذا كان هذا في الوظائف الدنيوية سيئًا، فهو في الوظائف الدينية أسوأ، وإن البلاء المنصبّ على جامع الزيتونة لآتٍ- في معظمه- من هذا الوادي.

وما زلنا نشهد من صنع الله في نصر الحق أنه يأتي ببيّناته وحججه من حيث لا يحتسب أهله، وينتزع الشهادة له من أعدائه من حيث لا يشعرون، كما ينزل النصرَ على عباده المؤمنين بعد أن يستيئسوا؛ فقد عثرنا في الأسابيع الأخيرة على مقال للشيخ "بيرك" مدير الشؤون الأهلية بالولاية العامة بالجزائر أثناء الحرب الأخيرة، نشرته مجلة "البحر المتوسط" الفرنسية التي تصدر بالجزائر في جزئها الحادي عشر، الصادر عن شهري جويليه- أوت من سنة 1951 شهد فيه كاتبه المتخصص في شؤون هذه الطائفة بحقيقتها، ووصفها بصفات أهونها هذه الصفة، وهي الجوسسة، التي كنا نستحي من وصفهم بها لو لم يحرجونا.

والشيخ "بيرك " رجل إداري، شابَ قرْناه في الوظائف الإدارية الخاصة بالمسلمين، وكانت خاتمة تلك الوظائف إدارة الشؤون الأهلية المعروفة في تاريخ الاستعمار بأقطابها: لوسياني، وميرانت، وميو، وبيرك، وما منهم إلّا له فيها مقام معلوم وتصرف مذموم، وله من تمكين أوضاعها جزء مقسوم

وهذه الإدارة هي مرجع رجال الدين في التوْلية والعزل، والتيسير والتوجيه، ومنها يتنزّل الرضى والسخط عليهم، فالشيخ "بيرك" كان رئيس القوم وموجّههم ومربّيهم ومكمّلَ ما كان ناقصًا فيهم من رسوم الخضوع والامتثال المطلق، وقد لابسهم ولابسوه، وعرف مداخلهم ومخارجهم، وأكمل تربيتهم و"تسليكهم"؛ فإذا شهد عليهم بشيء فهي شهادة عيان، وإذا وصفهم بنقيصة فهي من صنع يده فيهم.

عنوانُ هذه القطعة التي قرأناها من كلامه، واقتطفنا منها هذه الشهادة "العلماء والمرابطون"(1) وقد كتبها سنة 1946، فهو قد كتبها في أخريات أيامه، وضمّنها شيئًا من

1) هذه الكلمة شائعة في المغرب العربي وقصرها في الجزائر، وأصلها منحدر من مرابطة الثغور يوم كان لهم شأن في سداد الثغور التي يطرق منها العدوّ، وكانوا لا يرجعون إلى حكومة ولا نظام، وإنما كانوا يجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم، ثم انتقل هذا الاسم إلى العباد المنقطعين لعبادة الله في الجبال والمغاور، وفي هذه الأزمنة المتأخرة أجمعت العامة على أن تطلق هذا الوصف على كل درويش وكل دجّال وكل مشعوذ بالنسب أو بالدين، ولا يطلقها العوام على العلماء، ولما قامت جمعية العلماء استنجد بهم الاستعمار لحرب الجمعية ولكن الله خذلهم جميعًا.

ص: 195

تاريخ حركتنا، وآراءه، فينا وفي غيرنا، فجاءت هذه الشهادة التي نقلناها من كلمته وكأنها وصية محتضر، يعترف بالخطأ، وينعى على حكومته سوءَ تصرّفها، ويُنذرها عواقب هذا التصرف، ويقول كلمة الحق في هذه الطائفة، وكأنه يقول كلمة الحق في نفسه

لا يهمّنا ما قاله عنا وعن حركتنا، ولا تهمّنا أغلاطه العلمية في أطوارها التاريخية، ولا تهافُت استنتاجه في القضايا الإسلامية، ولا جعله للجزئيات كليات، شأن الكتّاب الغربيين حين يكتبون عنا، وإنما يهمّنا من "مقاله" رأيه في أصحابه وصنائعه رجال الدين، الذين ذمّهم بما كان يمدحهم عليه، ووضعهم في مرتبة دنية، بالأعمال التي كان يرشّحهم بها للمقامات العلية.

قال ما ترجمته الحرفية:

"إن خطأنا الفاحش في سياستنا الدينية منذ عشرين سنة، هو أننا تساهلنا في وجود موظفين دينيين في المساجد، يسيطر عليهم الجهل المركّب والطمع وعدم التهذيب، ولا حدّ لرغباتهم في أن يُحمدوا بما لم يفعلوا.

فعدم الكفاءة، والمبالغة في الخضوع والانقياد، هي الشهادات الوحيدة التي يمكن لهم أن يعتزّوا بها.

لقد رأينا مفتيًا يستفتي الطيب العقبي في موضوع صبياني، حكم فيه علماء الدين أكثرَ من مائة مرّة، لكن هذا المفتي كان جاسوسًا مخبرًا للبوليس، كما سمعنا أحد الموظفين الدينيين في مؤتمر عام يظهر فكرًا من الأفكار البالية التي يمجّها الذوق، حتى انفجر زملاؤه التونسيون والمغاربة ضحكًا لم يستطيعوا له دفعًا، لكن هذا الموظف الديني ممن لا يكادون يفارقون مكاتب البوليس، ورأينا أحد الحزابين لم تمكّنه معلوماته القرآنية التافهة من اتقاء أغلاط في الحفظ والتجويد لا تصدُر عن أقلّ المسلمين علمًا، لكن هذا الحزاب كان عونًا مأجورًا للانتخابات.

وهكذا ظهرَ في "الإسلام الجزائري" مراؤون لا همّ لهم سوى الامتثال إلى الظاهر من الأوامر، وزنادقة (يدافعون عما احتكروه من امتيازات)، ولا يقيمون لكبريات المشاكل وزْنًا، فأغلبيتهم مارقون من الدين جهلًا أو قلة إدراك.

وهكذا شاركنا في انحطاط "هيئتنا الدينية الإسلامية" معجّلين بإذلالها

هذا هو الخطأ الكبير، والذنب الذي لا يغتفر، وإنا لنؤدّي اليوم ثمنه غاليًا".

(مقتطف من مجلة "البحر المتوسط"، جزء11، جويليه - أوت 1951).

هذه شهادة الرجل في أصحابه، ولا يستطيع أحدٌ تجريحها، لأنها شهادة صاحب في أصحابه، في شيء من صميم الصحبة الجامعة بينهم، ومن صلب الموضوع الذي كانوا مصطحبين عليه، ويا ليته زاد في التمثيل للوقائع الشخصية سرقة أكفان الموتى يوم كانت

ص: 196

الأكفان "مقسطة"، فقد سرق إمام قماش الأكفان، فلما تحقّقت التهمة رفعته الحكومة من منصب إمام إلى منصب مفتٍ

...

نعجب- أولًا- لاختيار القائمين على المجلة نشر هذا المقال في هذا الوقت، وفيه هذه الشهادة الصريحة، ونعجب- ثانيًا- كيف لم ينشره الكاتب في حياته؟ وكيف لم يسعَ في إصلاح هذه الحالة التي صوّرها، يوم كان يملك الإصلاح؟ وكيف لم يغيّر هذا المنكر حين كان قادرًا على تغييره بعد ما عرف الخطأ وغلاءَ ثمنه؟

ولقد عرفْنا هذا الرجل ولقيناه وفاوضناه مفاوضات رسميةً- بحكم منصبه- في قضية فصل الدين، وفي حرية التعليم العربي، فلم نر منه إلا مدافعًا عن الاستعمار وأوضاعه، ولم نجد منه تساهلًا في القضيتين، ولا اعترافًا بحقنا فيهما، وإن كان يحسنُ الإصغاء لكلامنا، ويُظهر التسليم لحججنا.

إننا نرسل إليه- وهو في العالم الآخر- شكرنا، لا على هذه الفضيحة التي نخجل منها قبل أن يخجل هؤلاء القوم الذين صلبتْ على عضّ الهوان جلودهم، وإنما نشكره على أن وضع في أيدينا الحجة القاطعة على ما نتهم به هذه الحكومة- صراحةً- من أنها عاملة على إفساد الإسلام بإفساد رجاله

وكفى بكلام هذا الرجل دليلًا لنا، وحجّة عليها.

وإن في الجمل التي نقلناها من مقاله كلمتين، كل واحدة منهما حجة لنا في جميع ما كتبناه، وأدرنا عليه كلامنا في الحكومة وفي هذا الموضوع، الأولى تصريحه بالإسلام الجزائري: L'Islam algérien، والثانية نسبته الهيئة الدينية الإسلامية إليه وإلى حكومته، في قوله: Notre clergé musulman ومن قرأ مقالاتنا في الموضوع، عرف موقع هاتين الكلمتين، وأثرهما البليغ في تصديق اتهاماتنا للحكومة، وأننا لم نكن متجنّين ولا مبالغين.

والآن أوجه الخطاب إلى المشهود عليهم، وكأنه ليس في الميدان إلا أنا وهم، فأقول:

أيها السادة: لقد أقمتم عليّ القيامة يوم كتبت فيكم ما كتبت، ولم أصفْكم إلا ببعض ما وصفكم به الشيخ "بيرك"، وثارت ثائرتكم عليّ، ورميتموني بالعظائم، وأطلقتم العنان لألسنتكم العيية، وأقلامكم المفلولة، فنضحتْ بسبي، ورشَحت بثلبي، ولم تتركوا سبيلًا للتأليب عليّ والإغراء بي إلا سلكتموه، فأين أنتم اليوم؟ وأين حميتكم في الانتصار للكرامة الشخصية؟ ولا أقول: لكرامة الإسلام، فقد برّأتم أنفسكم منها.

ص: 197

كنت وصفتكم ببعض هذه الصفات تفاريق، وقد جمعها الشيخ "بيرك " ووصفكم بها جملة، وإن التفاريق لأخف وقْعًا من الجملة، وأنا اليوم حي وهو ميت لا ترجون رحمته ولا تخافون بطشه؛ فما لكم لا تثورون عليه بعضَ ثورتكم علي؟ وما لكم لا تحشدون الأنصار للرد عليه ونقض كلامه؟

الحجة قائمةٌ عليكم، ولكن أحد مقيميها اسمه "محمد البشير" والآخر اسمه "أوغستان بيرك " وهذا وحده عند الجبناء أمثالكم كاف في ثورتكم عليّ، وسكوتكم عليه.

لتعلموا أن قعودكم عن نقض شهادته عليكم، هو آخر الشهادات وأقطعها على أن كل ما قاله فيكم حق وواقع، وأنكم جواسيس

وأن الصلاة خلفكم باطلة

ص: 198