الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جمعية العلماء: أعمالها ومواقفها *
-
1
-
لجمعية العلماء أعمال ومواقف؛ لها أعمال في الميدان الديني، لا يتطرق إليها التبديل والتغيير؛ لأن المرجع فيها إلى نصوص الدين من كتاب الله، وصحيح السنة وإجماع السلف.
ولها أعمال في ميدان التعليم العربي، لا يعتريها الفتور والتخاذل، ولا النكوص والتراجع؛ لأن الدافع إليها طبيعي وحيوي، والجمعية في هذين الميدانين إمام لا يقلد، وقائدٌ لا يستوحي، وحارسٌ لا يؤامر ولا يستشير.
ولها في الحياة السياسية والاجتماعية للأمة الجزائرية آراء محصتها التجربة، وأيدها المنطق؛ ومواقف لم تراع فيها إلا المصلحة المحققة أو الراجحة، ولم تبال في مواقفها بمن طار ولا بمن وقع؛ فالطائر قد تصدمه نواميس الخفة والثقل، فينقلب مضعضعًا أو مكسورًا، والواقع قد تزعجه الحوادث فيتحرك مختارًا أو مقهورًا.
ولجمعية العلماء أضداد في أعمالها، يقصرون جهودَهم على التنقيص منها، والزّراية بها؛ وخصومٌ في مواقفها، يلوون ألسنتهم بانتقادها واتهامها، ويُشيعون عليها قالة السوء والعيب؛ وأعداءٌ يقفون لها بالمرصاد في كلا الميدانين، فلا تعمل عملًا إلا تقوّلوا، ولا تقفُ موقفًا إلا تغوّلوا، وقد تجمع الغايةُ بين هؤلاء جميعًا، فيتكون منهم مزيج غريب، يجمعه قولك "أعداء العروبة والإسلام ". نسميهم بهذا على رغم أنوفهم، لأن أعمالهم وأقوالهم شاهدة عليهم بذلك.
* نشرت في العدد 2 من جريدة «البصائر» ، 1 أوت سنة 1947.
من أعداء الجمعية الاستعمار وأنصاره وصنائعه، يعادونها لأنها وقفت بينهم وبين الأمة سدًّا، وفضحت سرائرهم في ما يبيتون للإسلام والعربية من كيد.
ومن خصومها رجال الأحزاب السياسية من قومنا من أفراد وأحزاب، يضادونها كلما جروا مع الأهواء فلم توافقهم، وكلما أرادوا احتكار الزعامة في الأمة فلم تسمح لهم، وكلما طلبوا تأييد الجمعية لهم في الصغائر- كالانتخابات- فلم تستجب لهم، وكلما هاموا بالشعريات والخيالات، فردتهم إلى الحقائق، وكلما أرادوا تضليل الأمة وابتزاز أموالها فعارضتهم.
الواقع أن جمعية العلماء لم تزل في نزاع وصراع مع هؤلاء جميعًا، وأن محل هذا النزاع وهدف هذا الصراع هو الأمة الجزائرية، فالجمعية تريدُها أمةً عربيةً مسلمةً كما هو قسمها في القدر، وحظها في التاريخ، وحقها في الإرث، وحقيقتها في الواقع والمصطلح- تريدها كذلك، وتعمل لتحقيق ذلك؛ والاستعمار يريدها هيكلًا لا تترابط أجزاؤه، ولا تتماسك أعضاؤه، يوجه وجهه إلى الغرب، ويمكن في أفكاره لأهواء الغرب، وفي لسانه لرطانات الغرب؛ بل يريد الاستعمار أن يقتلع جذور هذه الأمة من تربة، ويغرسها في تربة، فتأتي مضعوفة هزيلة، لا من هذه ولا من هذه.
ورجال السياسة من قومنا يريدونها متبوَّأ لزعامتهم المزعومة، وسيادتهم الموهومة، فيعللونها بالأباطيل، ويروضونها على التصفيق والتهليل، ويسوسونها بطرقية سياسية، لا تختلف عن تلك الطرقية الدينية- التي حاربناها حتى قتلناها- في كثير ولا قليل.
…
هذه هي الحقيقة طال عليها الكتمان حتى شابتها شوائب من الباطل، وأحاطت بها شبهات من الظنون الخاطئة، ولو كان هذا التشويه للحقائق مقصورًا علينا، ودائرًا في المدار الضيق من مجتمعاتنا، لهان الأمر؛ ولكن رياح الإعلان حملته إلى ما وراء الحدود، وأوصلته إلى إخوان لنا يسوءنا أن يفهمونا على غير حقيقتنا، وأوترتها في آذان يسوءنا أن تسمع عنا غير الحق، ويسوءنا بعد ذلك كله أن يبنى تاريخ نهضة الجزائر بغير أحجاره.
إن جمعية العلماء لا يخرجها عن وقارها لغو اللاغين، فتجاريهم في الدعوى والإعلان، ولكنها تفخر بأعمالها ومواقفها ولا تقول إلا حقًّا.
وإن «البصائر» بعد هذا السكوت الطويل يسرها أن تسجل للجمعية غرر أعمالها للإسلام والعروبة والجزائر، ومواقفها المشرفة لها ولهذه الثلاثة.