الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثلاث كلمات صريحة *
…
1 -
إلى الأمة:
هذه الحركة العلمية الجليلة القائمة بالقطر الجزائري، هي الأساس المتين للوطنية الحقيقية، وهي التوجيه الصحيح للأمة الجزائرية، فغايتها التي ترمي إليها هي تصحيح القواعد المعنوية من عقل وروح وفكر وذهن، وتقوية المقوّمات الاجتماعية من دين ولغة وفضائل وأخلاق، وتلك وهذه هي الأُسس الثابتة التي بُنيت عليها الوطنيات في الأمم، هذه حقيقة لا يماري فيها إلا مكابر أو جاهل.
وهذه الحركة العلمية لم يضع أصولها العملية، ولم ينظّم قوافلها، ولم يحم حماها من كل دسّاس وكل خنّاس، إلا جمعية العلماء، ولا يعلي بناءها ويرفع سمكها في المستقبل إلا جمعية العلماء. وهذه حقيقة أخرى لا يكابر فيها إلا حسود، أو متّبع لهواه، أو مسخَّر للاستعمار.
وهذه الحركة لا تبلغ مداها، ولا تؤتي ثمراتها، ولا تتمخّض عن نهضة ثابتة إلا إذا استندتْ على عمادين قارين من علم وعمل. واعتمدت على سندين قويين من جمعية العلماء والأمة. وهذه حقيقة ثالثة أوضح من الصبح.
فجمعية العلماء والأمة شريكتان متضامنتان في احتضان هذه الحركة، والقيام عليها، والعمل على نمائها، حتى تتشقّق عن نهضة شاملة تفرّع النهضات رسوخًا وتمكّنًا، ولا يشترك اثنان في عمل إلا كان العمل بينهما كالطائر لا ينهض إلا بهما، ولا يقصر أحدهما إلا كان الجناح الذي يمثّله مهيضًا. فالواجب على الشريكين أن يقوم كل واحد منهما بقسطه على
* نشرت في العدد 54 من جريدة «البصائر» ، 25 أكتوبر سنة 1948.
أكمل وجه، وإلا باء بجريمتين: الإساءة إلى العمل في صميمه، والإساءة إلى الشريك العامل بالفتّ في عضده.
أما جمعية العلماء فقد قامت بقسطها وبرئت إلى الله من تبعة التقصير، وإلى الأمة من خيانة الأمانة، وما زالت دائبة في ترقية الحركة، جاهدة في حياطتها بالنظام، تنتقل بها في كل عام من عالٍ إلى أعلى، ومن نافع إلى أنفع، لا تريد من الأمة على ذلك جزاء ولا شكورًا، ولا تبغي منها إلا أن تقوم بقسطها من العمل، وهو بذل الماعون من مال لا تقوم الحركة إلا به، وتصميم لا تتمّ الأعمال إلا به، وإجماع على التعليم لا تخرقه الحزبيات والانتخابات، فهل قامت الأمة بذلك؟ وهل بذلت من مالها ما يكافئ ذلك الجهد الذي بذلته جمعية العلماء؟ يسوء الأمّة أن نقول الحقيقة، ويسوءنا أن نكتمها.
هذا معهد عبد الحميد بن باديس هو الخطوة الثانية إلى النهضة العلمية العتيدة بعد المدارس الابتدائية، ومنزلته منها منزلة من يأخذ ليعطي؛ يأخذ منها المتعلّمين، ويعطيها المعلّمين؛ وقد لقينا في تأسيسه من العقبات المالية ما لم نجتزه إلا بالصبر وتوفيق الله، وقد صفّت اللجنة المالية للمعهد حسابها للسنة الماضية وسينشر فيقرأ القرّاء أن المعهد مدين، وها نحن أولاء في السنة الثانية من إنشائه، وقد حفز نجاح التعليم الأمة وأطربها الحادي، فتضاعف عدد التلاميذ، فتضاعف عدد المدرّسين، فتضاعفت النفقات الشهرية حتى زادت على نصف مليون من الفرنكات. وإن ألزم الضروريات السكنى للمدرّسين والتلامذة، والسكنى عقبة كأداء لا يذللها إلا المال الوفير. وقد اشترينا في الأيام الأخيرة دارًا لسكنى شيخين من شيوخ المعهد، بلغت قيمتها مليونًا ونصف مليون، ووضعنا أيدينا على دار عربية تسع مائة وخمسين تلميذًا، وتبلغ قيمتها ونفقاتها أكثر من خمسة ملايين. ولجنة الإسكان جاهدة في إحضار الأماكن بالكراء أو بالشراء، ومن ورائها ستمائة تلميذ يطلبون السكنى ومن أمامها أصحاب أملاك يطلبون الملايين، ولكن أين الملايين؟
قد بلغنا في الاحتياط أبعدَ حد، وقرأنا لكلّ شيء حسابه قبل أوانه، وكشفنا للأمة عن كل شيء ولكن الأمة لم تقدّر الأمر كما قدّرناه، فقمنا بواجبنا، ولم تقم بواجبها، فاللهمّ اشهد.
لا نُنكر أن عشرات من المدارس العظيمة قد شيّدتها الأمة بعشرات من الملايين تولّت الجمعيات المحلية قبضها وصرفها، ولا نُنكر أن الأمة في أوائل نهضة من شأنها أن تكثر فيها الجمعيات، ويكثر فيها طلاب المال، وأن نتيجة ذلك الإفقار أو الملل، ولكننا نعلم أن من لوازم النهضات يقظة الفكر، وأن من آثار يقظة الفكر التنبّه لتدجيل الدجّالين، والموازنة بين شعب النهضة وتقديم الأهمّ منها على المهم
…
***