الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سجع الكهّان *
- 5
-
والعتاق الضمر، والعقبان والحمَّر (1)، والهامة ودُمَّر (2)، والزامر إذا زمّر، والخادع وما دمّر، والعامر إذا عمّر، والشمّري إذا شمّر، ومن حبس الجيوش جمَّر، ومن
دخل ظفار فحمَّر (3)، إن للظماء مآرب في ماء مارب (4)، إنها تلوب على مطلوب، كوَّنه الحيا فكوّن به الحياة، فلا تجد إلا السراب والخراب والغراب.
يا عاد، أودى درم (5)، فما عاد، ويا سبأ، هل كنت من سيل العرِم على ميعاد؟ أغنى أسلافك عن ماء مأرب، ماءُ يثرب، وبرَّد أحشاءهم ماءُ بردى، واتخذ أبناء قَيْلَة في ظلال النخل مقيلًا، واتخذت غسّان منه (6) إلى جنان الشام سبيلًا، فماذا أغنى أخلافك اليوم؟ إنهم عُراة، بالسَّراة، وظماء بلا ماء، ورعية لراعٍ غير ترعية (7)، حطّمهم رعاة البر، فأصبحوا خولًا لرعاة البحر، حفَّ مارب وروافده، فخرب اليمن ومحافده.
يا أخلاف لم يسبق مخلاف، بنيتم السد وأحكمتم للثغور السد، وأحسنتم لأواخي الأخوّة الشدّ، وجددتم للأبناء ما بناه الجدّ. هلّا وجهتم العناية إلى هذه الآية. {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ} . إنها- وأبيكم- عبرة العبر، في وصْل المبتدإ بالخبر، أين الجنتان عن يمين وشمال؟ وأين البلدة الطيبة؟ إنها اليوم رمال، وأين القرى الظاهرة والعمارة
* نشرت في العدد 74 من جريدة «البصائر» ، 4 أفريل سنة 1949.
1) نوع من الطير.
2) متنزهان بظاهر دمشق.
3) صار حميريًا، وهو مثل.
4) مأرب: سد أثري في اليمن، وقصته في القرآن.
5) مثل، ودرم رجل في عاد غاب ولم يرجع، وأودى هلك.
6) الضمير إلى غسان لأنه في الأصل اسم ماء نزلوا عليه.
7) الترعية، بالكسر والتخفيف: الذي يحسن الرعي.
المتكاثرة؟ إنها اليوم قفار، وأين تقدير السير بالأميال، لتيسير الاتصال؟ إنها اليوم مجاهل، يضلّ فيها القطا، ويقطع فيها من المطايا المطا (8). أجدبت الخمط والأثل، فضلًا عن الكرم والنخل.
أعرض أسلافكم عن هدى الله فباعد بين أسفارهم، وجعلهم أحاديث، ومزقهم كل ممزق. وأعرضتم عن سنن الله فباعد بين قلوبكم، وكنتم أهون عليه من أن يُسَيَّر فيكم حديث، أو يسطّر في شأنكم قصص، أولئك أخذوا على قوّة، فالأحاديث عنها تملأ المسامع، وتهزّ المجامع؛ وأنتم أخذتم على ضعف وانحلال، فالحديث عنكم لا يُثير عزّة، ولا ينير السبيل إلى قدوة.
لو بذل الكُهّان، ما عزَّ وما هان، في أن يأتوا بمثل قوله:{فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ} لما حصّلوا، ولو رقوا إلى سماء البلاغة بسلّم وكان فيهم العض (9) والملهم والمكلم، لما وصلوا؛ جلّ كلام الله، وقلّ كلام الكاهن.
…
يا أسلاف، ورّثتم الحكمة وسيّرتم الأمثال والفِقَر، وعمرتم من التاريخ صحائف بالمحامد، وشغلتم القرون بالحديث عنكم، وشدتم الباقيات للحضارة، وزيّنتم الحياة بالقوة والبأس الشديد، وسبقتم العالم إلى موارد العزة في الدنيا، ووقفتم في نصف هذه الكرة تحكمون وتتحكّمون، وتصلون شرقها بغربها وتقسمون، فبدتم وما بادت آثاركم ولا أخباركم.
ويا أخلاف، ماذا صنعتم؟ وبماذا اقتنعتم؟ هذه آثار سلفكم، عرف الغريب مواقعها، وجهلتم مواضعها، فهل النسب مدخول؟ أو الانتساب غير منخول؟ ويلكم! إن الألوان، على الدلالة أعوان، سوّد بنو العباس لسؤددهم، وبيَّض العلويون لطهارتهم، وخضَّر العبيديون لدعواهم ودعايتهم، وزرّقتم (10)
…
لماذا؟
…
كاهن الحي
8) المطا: الظهر.
9) العض: العالم الخبير، والعضان زيد بن الكيس ودغفل أعلما العرب بالنسب.
10) لبستم الزرقة، وبدو اليمن يعشقون هذا اللون.