المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل الدين عن الحكومة (5) - آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي - جـ ٣

[البشير الإبراهيمي]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثالث

- ‌مقدمة الطبعة الثالثة من "عيون البصائر

- ‌ الرمز القرآني:

- ‌ الإبداع البياني:

- ‌ العمق العرفاني:

- ‌ الفكر العقلاني:

- ‌ السياق التّارِيخاني:

- ‌السياق التاريخي (1947 - 1952)

- ‌مقدمة الطبعة الثانية من "عيون البصائر

- ‌ 1

- ‌ 2

- ‌ 3

- ‌ 4

- ‌ 5

- ‌ 6

- ‌ 7

- ‌ 8

- ‌ 9

- ‌ 10

- ‌مشاعل حكمة

- ‌إستهلال *

- ‌من الحقائق العريانة *

- ‌ التعليم العربيّ

- ‌ والصحافة العربية

- ‌والنوادي

- ‌ والمساجد وأوقافها

- ‌جمعية العلماء: أعمالها ومواقفها *

- ‌ 1

- ‌عملها في توجيه الأمة:

- ‌عملها للعروبة:

- ‌موقفها من السياسة والساسة *

- ‌ 2

- ‌جمعية العلماء: أعمالها ومواقفها *

- ‌ 3

- ‌فصل الدين الإسلامي عن الحكومة الفرنسية فى الجزائز

- ‌قضية فصل الدين

- ‌الأديان الثلاثة في الجزائر *

- ‌طلائع ومقدمات

- ‌التقرير الحكومي العاصمي *

- ‌كتاب مفتوح إلى رئيس الجمهورية الفرنسية *

- ‌هل دولة فرنسا لائكية *

- ‌فصل الدين عن الحكومة…*- 1

- ‌فصل الدين عن الحكومة- 2

- ‌فصل الدين عن الحكومة- 3

- ‌فصل الدين عن الحكومة- 4

- ‌فصل الدين عن الحكومة (5)

- ‌فصل الدين عن الحكومة (6)

- ‌فصل الدين عن الحكومة (7)

- ‌فصل الدين عن الحكومة (8)

- ‌فصل الدين عن الحكومة (9)

- ‌فصل الدين عن الحكومة (10)

- ‌التعليم القضائي:

- ‌الوظائف القضائية:

- ‌السلطة العليا:

- ‌محاكم الاستئناف:

- ‌الدين المظلوم *

- ‌فصل الدين عن الحكومة (11)

- ‌فصل الدين عن الحكومة (12)

- ‌فصل الدين عن الحكومة (13)

- ‌فصل الدين عن الحكومة (14)

- ‌فصل الدين عن الحكومة (15)

- ‌فصل الدين عن الحكومة (16)

- ‌فصل الدين عن الحكومة (17)

- ‌فصل الدين عن الحكومة (18)

- ‌فصل الدين عن الحكومة (19)

- ‌فصل الدين عن الحكومة (20)

- ‌القضية ذات الذنب…الطويل *

- ‌القضية ذات الذنب…الطويل *- 2

- ‌كتاب مفتوح

- ‌كلمتنا عن الأئمة *

- ‌وشهد شاهد *

- ‌حرية التعليم العربيوحرية الصحافة العربية

- ‌إلى أبنائي الطلبة

- ‌اللغة العربية في الجزائر

- ‌حقائق *

- ‌بوركت يا دار *

- ‌المعهد الباديسي *

- ‌التعليم العربي والحكومة *- 1

- ‌التعليم العربي والحكومة *- 2

- ‌التعليم العربي والحكومة *- 3

- ‌التعليم العربي والحكومة *- 4

- ‌التعليم العربي والحكومة *- 5

- ‌التعليم العربي والحكومة *- 6

- ‌التعليم العربي والحكومة *- 7

- ‌التعليم العربي والحكومة *- 8

- ‌التعليم العربي والحكومة *- 9

- ‌التعليم العربي والحكومة *- 10

- ‌معهد عبد الحميد بن باديس *

- ‌مدارس جمعية العلماء *

- ‌إلى أبنائنا المعلمين الأحرار *

- ‌كلمات واعظة لأبنائنا المعلمين الأحرار *- 1

- ‌كلمات واعظة لأبنائنا المعلمين الأحرار- 2

- ‌حقوق الجيل الناشئ علينا *

- ‌حقوق المعلّمين الأحرار على الأمّة *

- ‌اختلاف ذهنين في معنى التعليم العربي *

- ‌دروس الوعظ في رمضان *

- ‌الكلمة الأخيرة للأمّة *

- ‌المشاكلالإجتماعية

- ‌من مشاكلنا الاجتماعية (1)

- ‌من مشاكلنا الاجتماعية (2)

- ‌دعوة صارخة إلى إتحاد الأحزاب والهيئات *

- ‌دعوة مكررة إلى الإتحاد *

- ‌عواقب سكوت علماء الدين عن الضلال في الدين *

- ‌ثلاث كلمات صريحة *

- ‌ إلى الأمة:

- ‌ إلى تلامذة الزيتونة والقرويين

- ‌ إلى أولياء أولئك التلامذة

- ‌من مشاكلنا الإجتماعية (3)

- ‌من مشاكلنا الإجتماعية (4)

- ‌جمعية العلماء والسياسةالفرنسية بالجزائر

- ‌ذكرى 8 ماي *- 1

- ‌ذكرى 8 ماي *- 2

- ‌الأسابيع في عرف الناس *

- ‌أفي كلّ قرية حاكم بأمره

- ‌عادت لعترها لميس *

- ‌الشك في الإيجاب…نصف السلب *

- ‌لجنة "فرانس - إسلام" *- 1

- ‌لجنة "فرانس - إسلام" *- 2

- ‌ويح المستضعفين *

- ‌حدّثونا عن العدل فإننا نسيناه *- 1

- ‌حدّثونا عن العدل فإننا نسيناه *- 2

- ‌حدّثونا عن العدل فإننا نسيناه *- 3

- ‌ويحهم…أهي حيلة حربية

- ‌أين موقع "بسكرة" من أفريقيا الشمالية

- ‌كلمتنا عن إدارة البريد *

- ‌جمعية العلماءوالمغرب العربي

- ‌أفي كل حي، عبد الحي

- ‌عيد العرش المحمدي العلوي *

- ‌موجة جديدة *

- ‌ليبيا، موقعها منا *

- ‌ليبيا، ماذا يراد بها

- ‌إضراب التلامذة الزيتونيين *

- ‌إبليس ينهى عن المنكر

- ‌إبليس يأمر بالمعروف

- ‌أرحام تتعاطف *

- ‌سكتُّ…وقلت

- ‌عروبة الشمال الافريقي *

- ‌جمعية العلماءوفلسطين

- ‌فلسطين (1)

- ‌فلسطين (2)

- ‌فلسطين (3)

- ‌فلسطين (4)

- ‌فلسطين (5)

- ‌فلسطين (6)

- ‌فلسطين (7)

- ‌فلسطين (8)

- ‌فلسطين (9)

- ‌جمعية العلماء والشرقوالإسلام

- ‌عيد الأضحى *

- ‌هجرة النبوّة من مكة إلى يثرب *

- ‌شهر رمضان

- ‌معنى العيد *

- ‌من وحي العيد *

- ‌الإسلام *

- ‌من نفحات الشرق *

- ‌محنة مصر محنتنا *

- ‌يا مصر

- ‌أثر الأزهر في النهضة المصرية *

- ‌ ثلاثة كتب:

- ‌كلمات مظلومة *

- ‌الشاب الجزائري كما تمثّله لي الخواطر *- 1

- ‌الشاب الجزائري كما تمثّله لي الخواطر *- 2

- ‌الشاب الجزائري كما تمثّله لي الخواطر *- 3

- ‌الشاب الجزائري كما تمثّله لي الخواطر *- 4

- ‌سجع الكهّان *- 1

- ‌سجع الكهّان *- 2

- ‌سجع الكهّان *- 3

- ‌سجع الكهّان *- 4

- ‌سجع الكهّان *- 5

- ‌سجع الكهّان *- 6

- ‌سجع الكهّان *- 7

- ‌شخصيات

- ‌عبد الحي الكتاني *

- ‌محمد الطاهر بن عاشور وعبد الحميد بن باديس

- ‌ 1

- ‌ 2

- ‌دمعة على المنصف *

- ‌إلى الزاهري *

- ‌الأستاذ الشيخ محمد بهجة البيطار *

- ‌بدء معرفتي به:

- ‌محمد خطاب *

- ‌ذكرى مبارك الميلي *

- ‌أثارة من أعمال رابح الفرقاني

- ‌لمحة من أخلاق الشاعر محمد العيد

- ‌السلطان محمد بن يوسف *

- ‌ذكرى عبد الحميد بن باديس *

- ‌الفضيل الورتيلاني *

الفصل: ‌فصل الدين عن الحكومة (5)

‌فصل الدين عن الحكومة (5)

أو فصل، رمضان والأعياد عن

قاضي الجزائر

*

ــ

وما ظنُّ الناس؟ أيظنون أننا نقصد في ما كتبنا ونكتب من هذه الأسماء والألقاب أصحابها المعروفين؛ لا والله، فهم عندنا أقل من أن يجول لنا فيهم خاطر، أو يثور لنا فيهم اهتمام، وإنما نقصد من هذه الأسماء والألقاب- التي تجري على أقلامنا في هذه المواضيع- معاني خبيثة، وفكرًا شيطانية أصبحت هذه الأسماء دوال عليها، وأعلامًا لها، ومرتبطة بها ارتباط اللفظ بمدلوله الوضعي.

إن هذه الأسماء والألقاب التي فرضت علينا كلمة الحق تناولها بالنقد والتجريح، ليست أعلام أشخاص، ولا ألقاب أشخاص، وإنما هي أعلام أجناس لمعانٍ استعمارية، كما قالوا في فجار، إنه علم للفجرة،

فإذا حاربنا اسمًا من هذه الأسماء فإنما نحارب الفكرة التي رضي صاحبه أن يمثّلها، والصوت الذي رضي أن يكون بوقًا له، لا الشخص الذي تحده الحدود، وتنمّيه الجدود، والفِكَر إنما تتمثل في المظاهر ذات القابلية. والناس يحملون من طبائع الأرض ألوانًا شتى، ففيهم القار المكين، وفيهم القابل للانخساف، والمتداعي للانهيار؛ وما ذنبنا إذا رضي أصحاب هذه الأسماء والألقاب أن يكونوا مظاهر للفكرة التي ينكرها الإسلام، ويمقتها المسلمون، وتحاربها منا الألسنة والأقلام؟ وما ذنبنا إذا رضي هؤلاء أن يتمثّلوا أفكارًا خبيثة لا رجالًا، ومبادئ لعينة لا أشخاصًا، وظلالًا من يحموم لا باردة ولا كريمة؟

لا ذنب لنا في ذلك وإنما الذنب لمن جعل نفسه عرضة لوطء الأقدام ووخز الأقلام.

نحن نريد- جادّين- فصل ديننا بجميع شعائره وعلائقه عن حكومة الجزائر اللائكية المسيحية فصلًا ناجزًا حاسمًا، لا تلكؤ فيه ولا هوادة؛ ونريد بتّ حباله من حبالها في المعنويات والماديات، ونعمل لذلك متساندين في الحق، مستندين على الحق، والحكومة

* نشرت في العدد 89 من جريدة «البصائر» ، 8 أوت 1949.

ص: 112

تريد بقاء حبالها بحباله مربوطة، ويدها في التصرّف فيه مبسوطة، وتحاور فلا تصدق في محاورة، وتشاور فلا تخلص في مشاورة، فإذا أعشاها الحق بنوره، وأفحمها البرهان بظهوره عمدت إلى شخص من هذه الشخوص فغطّت به مقصدًا من مقاصدها المفضوحة وسترت باسمه الإسلامي وصبغته الإسلامية مكيدة من مكائدها المكشوفة، فبالأمس غطت فضيحة استعباد المساجد باسم المفتي العاصمي، واليوم تستر مكيدة تدخلها في الأعياد الإسلامية باسم القاضي، ولا مفتي، ولا قاضي، وإنما هي الحكومة متسترة بهذه الأسماء التي لا تستر، متقنعة بهذه الأسماء والصفات والثياب، لابسة لها لِبسة الممثل

كأنها تقصد ما يقصده (القالب الحيران)(1).

هذه أهدافنا نسدد إليها سهام التجريح، وهي مبادئ ظهرتْ بمظهر رجال، أو رجال صيّرتهم قابلية الاستعمال مبادئ؛ ولكن ما بالهم كلّما مسّهم النقد بحرارته صاحوا وناحوا، وثاروا وخاروا، وتظلموا وتألموا؟ أنا لا أصدق أن ذلك كله انتصار للكرامة الشخصية، وإنما هو إغراء لنا بموالاة الحملات عليهم، ليزداد شأنهم نباهة عند مسخّريهم، وليتّخذوا بذلك وسيلة وزلفى لأسيادهم، وذريعة لنيل الممتنع من مرادهم، وإن شأنهم في التظلّم منا شأن القائل:

أدعو عليه وقلبي

يقول: يا رب لا لا

ولم ننتقل بالقرّاء من ميدان إلى ميدان، وإنما حدث في القضية ما أوجب تغيير العنوان،

فقد كان الصوم والإفطار والأهلة والأعياد كلها بعيدة عن تدخّل الحكومة، وكانت كالناحية المستقلّة من الوطن المستعمر، لم يصبها من تسلّط الحكومة ما أصاب المساجد والأوقاف والحج، فالأعياد لا تقام مسايرة لمقصدها، والأهلة لا تُرى بعينها، ولا بمرصدها، ولم يكن ذلك استعفافًا منها، وإنما كان استخفافًا بها، لعدم وجود المال فيها

فرمضان ليس له أوقاف تنفق عليه، ولا سفينة تحمل إليه، والأعياد، عاطلة الأجياد، آمنة من طروق زياد، وطارق بن زياد

وكان المسلمون يصومون ويفطرون متفقين أو مختلفين، لا يتبعون في ذلك إلا أحكام الدين أو تأويلات لا تخرج في الأغلب عن الدين، ولا ينقادون إلا لعوائد إن كان بعضها قبيحًا، فليس منه الانقياد للحكومة.

1) من مزاعم العرب أن من حار ولم يتبين له وجه الصواب فدواؤه أن يلبس ثوبه مقلوبًا لتزول عنه الحيرة، يقول شاعرهم:

جدت جداد بلاعب وتبدلت

في الحي لبسة قالب حيران

ص: 113

ولما جد جد القضية الدينية بيننا وبين الحكومة انتهى بنا الأمر إلى إمعان في الذياد، وانتهى بها إلى غلو في الكياد، فرأت أن (تُلحق) الصوم والأعياد الدينية بالمساجد والحج، حتى يعمّها الاستعمار، ويشملها الاحتكار، وبنت الجديد في القضية- وهو لجنة الأهلة والأعياد الإسلامية- على القديم، وهو لجنة الأهلة التي كانت وبانت واستصدرت قانونًا يجعل الأعياد الإسلامية رسمية، تعطل فيها الأعمال والمصالح الحكومية، لتفتن العمّال والموظفين بذلك، فيكون صغوهم إليها، وهواهم معها، ولها في ذلك مآرب أخرى، وعمدت إلى قاضٍ من قضاتها المخلصين في ابتغاء مرضاتها، فنصّبته رئيسًا لتلك اللجنة، وشدّت عضده بعصبة من طرازه، لتحرّك النار بأيديهم، وتعمل ما شاءت بأسمائهم وألقابهم، وبدأت التجربة العملية المفضوحة في العام الماضي.

ومن أغرب المتناقضات في شؤون هذه الحكومة أنها تقتل الشيء، ثم تحاول استغلال خصائص الإحياء منه، فهي التي مسخت هذه الألقاب الإسلامية وامتهنتها، وجرّدتها من كل احترام، باحتكارها للتصرّف فيها، ووضعها في غير مواضعها، وإلباسها لغير مستحقّيها، ثم بدت لها بدَوات، فجاءت الآن تريد أن تستغل آثار هذه الألقاب في نفوس المسلمين، وهيهات

إن المسلمين لا يحترمون هذه الألقاب إلا إذا كانت من وضعهم في اللغة الدينية، وما زالت فيهم بقية من الرشد الديني يُفرقون بها بين ما يريدونه لأنفسهم وبين ما يراد بهم، وبين ما يحوكونه بأيديهم، وبين ما يُحاك لهم

...

وفي هذا العام

جاءت ليلة الثلاثين من شعبان، فباتت جمعية العلماء مرابطة بمركزها الذي لا يغلق حتى تغلق مراكز التليفون، تتلقّى الأخبار وتوزّعها، وباتت الأمّة متّصلة بها، اتصال من يهمّه الأمر بمن يعنيه الأمر، وأصبحت الأمّة صائمة في شبه إجماع على الثبوت، وعلى إلهام واحد من الحق، لا يد لهذه اللجنة فيه.

أما لجنة الأهلة فباتت نائمة ملء جفونها من غير علة

لم تمتثل من سنن الله إلا جعل الليل لباسًا

وإنما أرادت أن تثبت وجودها، وتعلنَ عن نفسها، فأوعزت من أول الليل إلى الإذاعة- كما بلغنا من مستمعيها- أن تدعو بالشفاء لرئيسها المريض، وأن تقول على لسانها: إن الصوم ثبت عندها ثبوتًا شرعيًا

ولم تُبين وجه الثبوت، أهو بالرؤية، أو بحساب المرصد؟

ففهمنا من ذلك الإجراء البسيط أن شهر رمضان خفيف الوزن عند الحكومة لأنه لا عطلة فيه، بقدر ما هو ثقيل على اللجنة، وفهمنا أن هذه اللجنة ترتجل هذه الإعلانات ارتجالًا من غير تثبّت ولا عناية، لتفيد البسطاء أنها حية كإفادة حياة المتكلّم من

ص: 114

وراء جدار، وفهمنا أنّ آخرَ ما يعني هذه اللجنة هو دين الأمة وصومها وإفطارها.

وجاء العيد فوقعت الواقعة

جاءت ليلة الثلاثين من رمضان، فجرَتْ جمعية العلماء على عادتها من السهر والاحتياط، وجرَت الأمة على عادتها من الاتصال بها للإخبار والاستخبار، وجرت اللجنة على عادتها من الارتجال وعدم الانتظار، وما كنا ندري أن الأمر دُبِّر بليل بين الحكومة وبين اللجنة- قبل ذلك بيوم أو بأيام- على (جعل) العيد يوم الأربعاء، وقطع النظر عن الرؤية والرائين، والمسلمين أجمعين، حتى المحاكم الأخرى ووثائقها وشهودها، كأن الحكومة ولجنتها لا يعنيها في أمر العيد وعطلته إلا العاصمة، ولا يعنيها من المسلمين إلّا سكّان العاصمة، ولا يعنيها من إفساد شؤون الدين إلا ما كان في العاصمة؛ فإذا نجحتْ في شيء من ذلك فيها فذلك هو النجاح

وكأن هذا القاضي على الأهلة والأعياد ظن أنه رقي أسباب السماء بسلّم، فتوهّم أن (تصويم) المسلمين (وتفطيرهم) أصبحا من مشمولات نظره وحكمه، كما يحكم في طلاق امرأة، أو زواج رجل، أو مال محجور، وسكت عنه الناس فيما يوافق الحق، فتمادى فيما يخالفه، وقال: ما دمتُ أحكمُ على الأهلة فلأقل لها كوني فتكون، ولا تكوني فلا تكون، وما دام المرصد طوعَ إشارتي، والإذاعة تؤدّي- بالأمانة- عبارتي، فلآخذ من هنا، وأضعْ ههنا، ولأخرج عن طاعة الخارج، فهنا المُحُّ وهناك (المارج)

وهكذا أصبح يقدم على العظائم في الدين، وأصبح (يحكم) بالصوم في شوال والفطر في رمضان، ولعلّه لو قيل له: إن حكم القاضي لا يدخل هنا، يجيب بأنه يدخل بصفته رئيسًا للأهلة أو رئيسًا عليها

وينسى أنه لو لم يكن قاضيًا لم يكن رئيسًا على الأهلة

وأن القضاء هو الذي رقّاه إلى الرياسة على مخلوقات ليست من جنسه، وليس من جنسها.

أعلنت اللجنة قبيل العيد بأيام، بواسطة الإذاعة تقول لمستمعيها: انتظروا هلال شوال ليلة الثلاثاء. ومن رآه، فليخبر اللجنة، ومقتضى هذا البلاغ أن تنتظر اللجنة في مركزها، وتتلقى الأخبار والشهادات طول الليل، لأن القطر متباعد الأطراف، والراءون في الغالب بعيدون عن مراكز الأخبار، ومكاتب البريد.

ولكن اللجنة احتاطت في ذلك البلاغ لنومها، فحدّدت الإخبار الرسمي بالساعة العاشرة ليلًا، وهي مدة لا تكفي لإفطار الشهود واتصالهم بمراكز الأخبار أو تأدية الشهادات. وجاءت الليلة الموعودة، فكان القاضي بين عاملين، أهونهما الوفاء بوعده، وأجلّهما ما قالت حذام

فقذف الإذاعة ببلاع محضر، أعلن فيه الرأي المدبر، وهو أن العيد يوم الأربعاء، لأن مرصد "بوزريعة" قال إن الهلال لا يُرى، ولأن الشيخ بخيت الفقيه قال كذا، ولأن الفلكي التونسي قال كذا، وكل هذا تجديد في عالم البلاغات من اللجنة المجددة،

ص: 115

وكل هذا تغطية لقول حذام، هالا فالقول ما قالت حذام

والناس كلهم يعلمون أنه إذا ذكرت اللجنة أو رئيسها القاضي فقد ذكرت الحكومة، كما يطلق الخاص، ويراد به العام. ويعلمون أن من لا يُعجزه أن يُرغم نتائج الانتخابات على الظهور عشية السبت، من غير اعتبار لشهادة الصندوق، لا يعجزه أن يعكس القضية فيرغم الهلال على عدم الظهور إلى يوم الأربعاء، من غير التفات إلى شهادة الرؤية.

وقذفت اللجنة ذلك البلاغ المدبّر إلى الإذاعة، ومن يدرينا؟ فلعلّها أرسلته في النهار، وأوصتْ أن لا يُذاع إلا في الميقات المحدود، تغطية لذنب الفضيحة، وإلا فما الذي منع اللجنة أن تنتظر حتى تسمع وثائق القضاة الرسميين على الأقلّ؟ إن كانت لا تقيم وزنًا لشهادة غيرهم

بل بلغنا أن اللجنة تلقّت أخبارًا بالرؤية، ولكنها تصامَّت عن سماعها، وأغلقت الباب واستسلمت للنوم والهدوء.

أما جمعية العلماء فقد انتظرت إلى الساعة الثالثة صباحًا، وأما الأمّة فقد اتصلت بها مخبرة مستخبرة بقدر ما وسع الإمكان، وسمح التليفون، فكانت النتيجة أن الهلال رُئي بالشهادة العادلة في بلدان متعددة منها: الغزوات، وندرومه، وفرنده، من عمالة وهران، ومنها: برج بوعريريج، وبني ورتيلان، وبريكة، وورقلة، وتمرْنة، وبعض نواحي الميلية، وعنابة، من عمالة قسنطينة، ومنها فحص الجزائر.

استوفينا الشهادات من البلدان المذكورة بتلقّي السماع من عدلين إلى عدلين فأكثر، وكانت الأصوات معروفة من الطرفين معرفة قطعية، وتمّ ذلك عندنا نصف الليل، وأدّى إلينا قاضي قسنطينة بنفسه ما ثبت لديه منها؛ فشرعنا في الأداء والتبليغ على الوجه الشرعي السابق، ونشرنا الخبر وعمّمناه في معظم القطر بعد أن عمّمناه في العاصمة وأحوازها بكل واسطة، وأخبرْنا نادي الترقّي بهذه الشهادات كلها بواسطة عدلين، فبلغني أن بعضَ الناس ما زالوا مفتتنين ببلاع الراديو المحفوف بشهادة الفلك والعلم وفتوى الشيخ بخيت، فخشيت أن تأخذ هذه الفتنة الجديدة مأخذها في بعض النفوس فيضيع الحق، ونفقد جلالة الإجماع عليه، وتضيع فرصة من فرص اجتماع الأمة على شعيرة من شعائرها فيفرح المبطلون الذين يعيشون على الافتراق والتفريق، فذهبتُ بنفسي إلى النادي، وأعلنتُ في الملأ كل ما تأدَّى إليّ من الشهادات، فآمن المؤمنون، وأجمعوا على إقامة سنته في وقتها بمراكز الإصلاح من العاصمة، ببلكور، وسلام باي، وحي السانتوجين، والجزائر، وأردنا أن نبلغ صوت الحق لهذه اللجنة الهاجعة، ونوقظ أعضاءها النائمين أو المتناومين، فنقيم عليهم الحجة إبلاغًا في النصيحة، ومبالغة في جمع الكلمة، وقمعًا لفتنة الراديو وفتنة المشوّشين الذين رأيناهم يدخلون في صفوف الأمة المتراصّة، يوسوسون بالباطل، ويغرون بالخلاف، وقلنا: نبلغ القوم

ص: 116

ما ناموا عنه، فإما رجوع إلى الحق ونسخ لإذاعة الراديو بضدها، وإما مكابرة وعناد في الشمس وضحاها فيفتضحون وتتكشّف للأعين تلك اليد التي تسيرهم.

وذهبت أنا والأستاذ الشيخ الطيب العقبي وجماعة كثيرة من العقلاء، فبدأنا برئيس اللجنة. وتقدم من العقلاء من طرق الباب، وأفهم القضية من وراء حجاب، فتوارى ولم يرد الجواب، فتقدّم الشيخ العقبي بنفسه وخاطبه بالصوت الذي يعرف ففعل مثل ذلك، ففهم من لم يكن يفهم، وعلم من لم يكن يعلم، حقيقة هذه اللجنة، وأنها أداةُ إفساد للدين وتفريق لأهله، ورجعنا في السحر- بعد أن أفشينا العيد على أهل الحي- فأعلمنا الجماهير المحتشدة بالعيد وحثثناهم على إقامة سنّة الصلاة واستماع خطبتها، فانصرفوا يعلوهم جمال الإجماع وجلاله، مبشّرين بالعيد، محذّرين من هذه اللجنة، داعين لجمعية العلماء، هاتفين باسمها، ذاكرين لفضلها على الدين، شاكرين للعلماء الأحرار لطف مداخلهم في إقامة الحجة على أعوان الباطل وأدوات الحكومة.

وما طلعت الشمس حتى كانت الألوف من المصلين رجالًا ونساءً في الأماكن التي عيّنتها جمعية العلماء للصلاة، وعيّنت أئمتها، وأقيمت صلاة العيد وخطبته في أربعة مواضع من العاصمة على صورة لم يسبق لها نظير، روعة وجلالًا وسلفية.

صلّى وخطب في بطحاء جامع "بيلكور"، كاتب هذه السطور، وعيّن للإمامة والخطبة بمدرسة الحراش- الشيخ ربيع أبو شامة، وللإمامة والخطبة بجامع "سانتوجين "- الشيخ أحمد سحنون، وللإمامة والخطبة بمدرسة سلام باي- الشيخ سعيد صالحي.

وأحقَّ الله الحق، وأبطل الباطل، وفرح المؤمنون بنصر الله لدينه، ولاذ اللطيم بأمّه يشكو وينتصر، فأصبحت المساجد محاطة بشراذم من البوليس تحمي بيوت الله من عباد الله، وكانت هذه الفعلة أكبرَ سيئات اللجنة البغيضة، ورجحت العاصمة- التى هي ميدان الصراع- كفة الحق على كفة الباطل، وأوقف السائق الإلهي الأمور عند غايتها.

ثم كانت خاتمة الفضائح ما كتبه رئيس اللجنة في ذلك اليوم في جريدة "آخر ساعة"

وقد تناولته الجرائد الإفرنسية وأفاضت فيه، وقد لفت الناس إليه اعتراف القاضي بأن المرصد قرّر أن هلال شوّال يولد ليلة الثلاثاء ويبقى ثماني عشرة دقيقة

ولكنه قد لا يُرى لعوامل جوية. وسخّر الله صاحب الجريدة لنصرة الحق، فاستخرج من شهادة المرصد أن الهلال يبقى أكثر من خمسين دقيقة. وقرأ الذين سمعوا بلاغ الإذاعة هذا التناقض فقالوا: سبحان من يطبع على القلوب، ليجعل للحق أنصارًا من خصومه وأعدائه

ص: 117