الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي على حديث: (إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم)
.
أنكر بعض الزيدية أن يكون في السُّنَّةِ ما يدل على جريان الشيطان في الإنسان = وهذا الإنكار جارٍ على مذهب الزيدية، التي تنتحل جُملة من أصول المعتزلة؛ لا سيما فيما يتعلق بالعدْل ونفْيِ القدَر
(1)
. لذا يقول أحمد بن يحيى العلوي
(2)
: (ومما احتجوا به: أن إبليس يجري من الإنسان مجرى الدم = وهذا خَبَرٌ لم يأت في كتابٍ ولا سنّة، ولا أجمعت عليه الأمة. وما ليس في الكتاب، ولا في السنة، ولا في الإجماع = فهو باطل؛ لأن الله عز وجل يقول: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} الأنعام: 38).
(3)
وقد تلا تِلْوه "إمام حنفي" في إبطال دلالة الحديث، ومنع إجرائه على ظاهره. وفي تقرير ذلك تراه يقول -مُعقّبًا على قول الحافظ ابن حجر رحمه الله:(وقوله صلى الله عليه وسلم (يبلغ) أو (يجري) قيل: هو على ظاهره، وإن الله تعالى أقدره على ذلك
…
).
قال إمام حنفي: (وهو ما نستبعده؛ لأن اللُّغة عرفت المجاز، وهو
(1)
أحمد بن يحيى بن الحسين بن القاسم الحسني العلوي (275 ـ-325 هـ): من كبار علماء الزيدية، تولى الإمامة باليمن بعد اعتزال أخيه (محمد بن يحيى) وجهز جيشًا في (30) ألفًا دخل به "عدن" وقاتل القرامطة فظفر بهم. من مصنفاته: كتاب "الدامغ"، وكتاب "التوحيد"، وكتاب "النجاة" = انظر:"الأعلام" للزركلي (1/ 268)، و "مقدمة تحقيق الرد على مسائل المجبرة" للإمام حنفي (261 - 262).
(2)
"الرَّد على مسائل المُجبِّرة"(329).
(3)
"إبليس في التصور الإسلامي"(154).
كناية على سرعة وقوع الإنسان في الهوى والشهوات، ومنها إساءة الظن. وكل ذلك من أَفعال إبليس .. )
(1)
.
ونزوعهما إلى إبطال الحديث، يرجع إلى ما قام عندهما من دعوى معارضة العقل لدلالته. ومما أورداه لإبطال الحديث، ما يلي:
1 -
أن الحديث يستلزم الجبر؛ لأنه من كان يجري منا مجرى الدم، فكيف نحذره ونتقيه؟!
(2)
.
2 -
أنَّ ذلك مناقض لمقتضى عدل الله عز وجل؛ إذ (كيف يخرج هذا في حق العادل الحكم الذي لا يجور على عباده؟! = وما نقض العدل ووافق الجبر = فقد صح فسادُه؛ بلا شك).
(3)
3 -
أن الشيطان ذليل حقير ضعيف منذ أخرجه الله من الجنة. ومَن أذلّه الله كيف يجعله قادرًا على التأثير في عباده، فيؤثر في قدراتهم، وإرادتهم في الطاعة؟! يقول إمام حنفي:(الشيطان منذ خرج من الجنة فهو ذليل حقير ضعيف .. ومن أذلّه الله كيف يُقْدِرُه على عباده، فيؤثر في قدراتهم، وإرادتهم الطاعة؟! .. وهو ظن سيئ في الله: أنْ يُحبّ عبادُه الإيمانَ به، فيسلِّطَ عليهم من يضلهم عنه! وقال تعالى في حقه: {قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا} الأعراف: 18 .. ولا يعقل لمن هذا شأنه أن يقدر على ما قدر عليه ربه من الوصول إلى أسرار القلوب، فيتلاعب بها، ويوسوس فيها!)
(4)
.
(1)
"إبليس في التصور الإسلامي"(154)
(2)
"الرد على المجبرة"(329).
(3)
المصدر السابق.
(4)
"إبليس في التصور الإسلامي"(154 - 155).