المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثالث تقويض النظرة الاختزالية للسنة النبوية - دفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث المتعلقة بمسائل الاعتقاد

[عيسى النعمي]

فهرس الكتاب

- ‌بصائر

- ‌تقريظ فضيلة الشيخ الدكتور عبد الرحمن بن صالح المحمود حفظه الله تعالى

- ‌المقدمة

- ‌ أَهمية الموضوع ، ودوافعُ اختياره:

- ‌ خطة البحث

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأوَّل مفهوم المعارض العقلي المُدَّعى مُناقضته للنُّصوص الشرعية

- ‌المبحث الثاني ظاهر النص الشرعي بين القراءة العصين والقراءة النسقية

- ‌المبحث الثالث تقويض النظرة الاختزالية للسُّنَّة النبوية

- ‌المبحث الرَّابع تزييف دعوى استناد الصحابة رضي الله عنهم إلى المعقول المتمحض في محاكمة النُّصوص

- ‌الفصل الأولدَفْعُ دَعْوَى المُعَارِضِ العَقْلِيِّ عنالأحاديث المتعلّقةِ بحقيقة الإيمان والشفاعة

- ‌المبحث الأولدفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث المتعلّقة بحقيقة الإيمان

- ‌المطلب الأول: سَوْق الأحاديث المُدَّعى معارَضتُها للعقل:

- ‌المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي على الأَحاديث المتعلقة بحقيقة الإِيمان:

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث المتعلِّقة بحقيقة الإِيمان

- ‌المبحث الثانيدفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث المتعلّقة بالشفاعة

- ‌المطلب الأول: سوق أحاديث الشفاعة

- ‌المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي على أحاديث الشفاعة:

- ‌المطلب الثَّالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن أحاديث الشفاعةِ

- ‌الفصل الثانيدَفْعُ دَعْوَى المُعَارِضِ العَقْلِيِّ عنالأحاديث المتعلّقةِ بتوحيد العبادة

- ‌مبحث:دفع دعوى المعارض العقلي عن حديث: (لا تُشدّ الرّحال)

- ‌المطلب الأول: سَوْق حديث: (لا تُشدّ الرحال

- ‌المطلب الثاني: سَوْق دعوى المعارِض العقلي عن حديث (لا تُشدّ الرحال)

- ‌المطلب الثالث: دفْع المعارِض العقلي عن حديث (لا تُشدّ الرحال

- ‌الفصل الأول دَفْعُ دَعْوَى المُعَارِضِ العَقْلِيِّ عن الأحاديث المتعلّقةِ بعصمة الأنبياء

- ‌المبحث الأول دفع دعوى المعارض العقلي عن حديث سحر النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الأول: سوق ألأحاديث الدالة على سحر النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثَّاني: سوق دعوى المعارض العقلي على أحاديث سحر النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثَّالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن أحاديث سحر النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثَّاني دفع دعوى المعارض العقلي عن حديثي شقِّ صدر النبي صلى الله عليه وسلم، وإسلام شيطانه

- ‌المطلب الأوّل: سوق حديثي شقِّ صدر النبي صلى الله عليه وسلم، وإسلام شيطانه

- ‌المطلب الثاني: سَوْق دعوى المعارِض العقلي على حديثَيْ شقّ صدر النبي صلى الله عليه وسلم وإسلام شيطانه

- ‌المبحث الثّالث دفع المعارض العقلي عن حديث (لم يكذب إبراهيم عليه السلام إلا ثلاث كذبات)

- ‌المطلب الأول: سوق حديث (لم يكذب إبراهيم عليه السلام إلا ثلاث كذبات):

- ‌المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي على حديث (لم يكذب إبراهيم عليه السلام إلا ثلاث كذبات)

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن حديث (لم يكذب إبراهيم عليه السلام إلا ثلاث كذبات)

- ‌المبحث الثالث دفع دعوى المعارض العقلي عن حديث لطم موسى لملك الموت عليه السلام

- ‌المطلب الأوّل: سوق حديث لطم موسى عليه السلام لملك الموت

- ‌المطلب الثَّاني: سوق دعوى المعارض العقلي على حديث لطم موسى عليه السلام لملك الموت

- ‌المطلب الثَّالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن حديث لطم موسى عليه السلام لملك الموت

- ‌الفصل الثاني دَفْعُ دَعْوَى المُعَارِضِ العَقْلِيِّ عن الأحاديث المتعلّقةِ بآيات وبراهين الأنبياء

- ‌المبحث الأول دفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث المتعلقة بالآيات الحسِّيّة للنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثانيدَفْع دَعوى المعارِض العقلي عن أحاديث انشقاق القمر

- ‌المطلب الثاني: سَوْقُ دعوى المُعارِض العقلي على أحاديث انشقاق القمر:

- ‌المطلب الثالث: دفْع دعوى المعارِض العقلي عن أحاديث انشقاق القمر:

- ‌المبحث الثالثدَفْع دَعوى المعارِض العقلي عن أحاديث الإسراء والمعراج

- ‌المطلب الأول: سَوْق أحاديث الإسراء والمعراج

- ‌المطلب الثاني: سَوْق دعوى المعارِض العقلي على أحاديث الإسراء والمعراج

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارِض العقلي عن أحاديث الإسراء والمعراج:

- ‌المبحث الرابع دفع دعوى المعارض العقلي عن حادثة (سوخ قدمي فرس سراقة بن مالك رضي الله عنه

- ‌المطلب الأول: سَوْقُ حديث سُراقة بن مالك رضي الله عنه

- ‌المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي على حادثة "سوخ قدمي فرس سراقة بن مالك

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن حادثة "سوخ قدمي فرس سراقة بن مالك رضي الله عنه

- ‌الفصل الثالث دَفْعُ دَعْوَى المُعَارِضِ العَقْلِيِّ عن اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بعموم البعثة

- ‌مبحث دفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث الدالة على اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم.بعموم البعثة

- ‌المطلب الأول: سَوْق الأحاديث الدالّة على اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بعموم البعثة:

- ‌المطلب الثاني: سَوْقُ دعوى المُعارِض العقلي على الأحاديث الدَّالة على اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بعموم البعثة:

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المُعارِض العقلي عن الأحاديث الدالة على اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بعموم البعثة:

- ‌الفصل الأول دَفْعُ دَعْوَى المُعَارِضِ العَقْلِيِّ عن أحاديث أشراط السَّاعة

- ‌المبحث الأول دفع دعوى المعارض العقلي عن عموم أحاديث أشراط السَّاعة

- ‌المطلب الأول: سَوْقُ الأحاديث الدّالة على عموم أشراط السَّاعة:

- ‌المطلب الثاني: سوق المعارض العقلي على عموم أحاديث أشراط السَّاعة:

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي على عموم أحاديث أشراط السَّاعة:

- ‌المبحث الثَّاني دفع المعارض العقلي عن أحاديث المسيح الدجّال

- ‌المطلب الأول: سوق الأحاديث المتعلِّقة بالدجَّال:

- ‌المطلب الثَّاني: سَوْق دعوى المعارض العقلي على الأحاديث المتعلِّقة بالدجال:

- ‌المطلب الثَّالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث المُتعلقة بالدجال:

- ‌المبحث الثالث دفع دعوى المعارض العقلي عن حديث الجسّاسة

- ‌المطلب الأول: سوق حديث الجساسة:

- ‌المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي على حديث الجسّاسة:

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن حديث الجساسة:

- ‌المبحث الرابع دفع المعارض العقلي عن أَحاديث نزول المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام

- ‌المطلب الأول: سوق الأحاديث الدالة على نزول المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام

- ‌المطلب الثاني: سوق المعارضات العقلية المدعاة على أحاديث نزول عيسى عليها السلام

- ‌المطلب الثالث: نقض دعوى المعارض العقلي على أحاديث نزول عيسى عليها السلام

- ‌الفصل الثاني دَفْعُ دَعْوَى المُعَارِضِ العَقْلِيِّ عن الأحاديث المتعلّقة باليوم الآخر

- ‌المبحث الأوَّل دَفْعُ المُعارِضِ العقلِيّ عن أحاديثِ عَذَابِ القَبْر ونَعيمِهِ

- ‌المطلب الأوَّل: سوق أحاديث عذاب القبر و نعيمه:

- ‌المطلب الثاني: سَوْقُ دَعْوَى المعارِض العقليّ على أحاديث عذاب القبر ونعيمه:

- ‌المطلب الثالث: نَقْضُ دعْوَى المعارِض العقلي:

- ‌المبحث الثاني دفع دعوى المعارض العقلي عن أحاديث الميزان

- ‌المطلب الأول: سَوْقُ أحايث الميزان:

- ‌المطلب الثاني: سَوْق دعوى المعارِض العقلي على أحاديث الميزان:

- ‌المطلب الثالث: دفع دعْوى المعارض العقلي عن أحاديث الميزان:

- ‌المبحث الثالث دفع دَعوى المعارِض العقلي عن أحاديث الصِّراطِ

- ‌المطلب الأول: سَوْق الأحاديث الدَّالة على الصراط:

- ‌المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي على أحاديث الصراط:

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن أحاديث الصراط:

- ‌المبحث الرابع دَفْع دَعوى المعارِض العقلي عن الأحاديث الدالّة على وجود الجنّة والنّار

- ‌المطلب الأول: سَوْق الأحاديث الدالة على وجود الجنة والنار:

- ‌المطلب الثاني: سَوْق دعوى المعارض العقلي على الأحاديث الدالة على وجود الجنة والنار:

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث الدالة على وجود الجنة والنار:

- ‌المبحث الخامس دفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث الدَّالة على بقاء الجنة والنَّار

- ‌المطلب الأول: سوق الأحاديث الدالة على بقاء الجنة والنار:

- ‌المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي على الأحاديث الدالة على بقاء الجنة والنار

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث الدالة على بقاء الجنة والنار:

- ‌المبحث الأوَّل دفع دعوى المعارض العقلي عن حديث (احتج آدم وموسى)

- ‌المطلب الأوَّل: سوق حديث (احتج آدم وموسى)

- ‌المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي على حديث: (احتج آدم وموسى عليهما السلام

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن حديث (احتجَّ آدم وموسى عليهما السلام

- ‌المبحث الثَّاني دفْع دَعوى المُعارِض العقلي عن حديث: (إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم)

- ‌المطلب الأول: سوق حديث (إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم):

- ‌المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي على حديث: (إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم)

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن حديث (إنَّ الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم)

- ‌المبحث الثالث دَفْع دَعوى المعارِض العقلي عن حديث: (لا يُدخل أحدًا الجنَّة عمله)

- ‌المطلب الأول: سوق حديث: (لا يُدخل أَحدًا الجنَّة عَملُهُ)

- ‌المطلب الثاني: سَوق دعوى المعارِض العقلِي على حديث: (لا يُدخل أَحدًا الجنَّة عَملُهُ)

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارِض العقلي عن حديث (لا يُدخِل أحدًا الجنَّة عملُه)

- ‌الفصل الأول دَفْعُ دَعْوَى المُعَارِضِ العَقْلِيِّ عن الأحاديث المتعلّقة بالملائكة والجن والشياطين

- ‌تمهيد:

- ‌المبحث الأول دَفْع دَعوى المعارِض العقلي عن الأحاديث المتعلقة بالملائكة

- ‌المطلب الأول: سوق الأحاديث الدالّة على وجود الملائكة ووجوب الإيمان بهم:

- ‌المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي على الأحاديث الدالّة على وجود الملائكة:

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث الدالة على وجود الملائكة:

- ‌المبحث الثاني دَفْع دَعْوى المُعارِض العقلي عن الأحاديث الدالة على وجود الجن والشياطين

- ‌المطلب الأول: سوق الأحاديث الدَّالة على وجود الجن والشَّياطين:

- ‌المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي على الأحاديث الدَّالة على وجود الجن والشياطين:

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث الدَّالة على وجود الجن والشياطين:

- ‌الفصل الثاني دَفْعُ دَعْوَى المُعَارِضِ العَقْلِيِّ عن بقيَّة الأحاديث المتعلّقة بالشيطان

- ‌المبحث الأول دَفْع دَعوى المعارِض العقلي عن حديث: (ما من مولود يولد إلاّ نخسه الشيطان

- ‌المطلب الأول: سَوْق حديث (ما من مولود يولد إلا نخسه الشيطان

- ‌المطلب الثاني: سَوق دعوى المعارض العقلي على حديث (ما من مولود يولد إلا نخسه الشيطان):

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن حديث (ما من مولود يولد إلا نخسه الشيطان):

- ‌المبحث الثاني دَفْع دَعوى المعارِض العقلي عن حديث: (بال الشيطان في أُذنه)

- ‌المطلب الأوَّل: سوق حديث: (بال الشيطان في أُذنه)

- ‌المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي على حديث: «بال الشيطان في أُذُنه»

- ‌المطلب الثالث: دفع المعارض العقلي عن حديث: (بال الشيطان في أُذُنه)

- ‌المبحث الثالث دَفْع دَعوى المعارِض العقلي عن حديث:

- ‌المطلب الأوّل: سَوْق حديث: (إذا سمعتم صياح الدِّيكة فاسألوا الله من فضله .. وإذا سمعتم نهيق الحمار فتعوَّذوا بالله من الشيطان) وحديث: (إذا نودي للصَّلاة أدبر الشيطان وله ضراط

- ‌المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي عن الحديثين

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن حديث: (إذا سمعتم صياح الدِّيكة فاسألوا الله من فضله .. وإذا سمعتم نهيق الحمار فتعوَّذوا بالله من الشيطان)

- ‌الفصل الثالث دَفْعُ دَعْوَى المُعَارِضِ العَقْلِيِّ عن الأحاديث المتعلّقة بالرُّؤيا

- ‌المطلب الأوَّل: سوق الأَحاديث المُتعلِّقة بالرُّؤيا:

- ‌المطلب الثاني: سَوْق دعوى المعارض العقلي على أحاديث الرُّؤيا:

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن أحاديث الرُّؤيا:

- ‌الفصل الرابع دَفْعُ دَعْوَى المُعَارِضِ العَقْلِيِّ عن بقية الأحاديث المتعلّقة بالغيبيات

- ‌المبحث الأول دَفْع دَعوى المعارِض العقلي عن الأَحاديث الدالة عن: أنّ شدّة الحرّ وشدّة البرد من النار

- ‌المطلب الأوَّل: سوق الأحاديث الدالة على أن شدة الحر والبرد من النار:

- ‌المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي على الأَحاديث الدالة على أنّ شدة الحرِّ والبرد من جهنم:

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث الدالة على أنّ شدة الحر والبرد من جهنم:

- ‌المبحث الثاني دَفْع دَعوى المعارِض العقلي عن حديث سجود الشَّمس تحت العرش

- ‌المطلب الأول: سوق حديث: (سجود الشَّمس تحت العرش)

- ‌المطلب الثاني: سوق المعارض العقلي على حديث: سجود الشَّمس تحت العرش

- ‌المطلب الثالث: دَفْع دَعوى المعارِض العقلي عن حديث سجود الشَّمس تحت العرش

- ‌الخاتمة

- ‌قائمة المراجع

- ‌مُلَخَّص الرِّسالة

الفصل: ‌المبحث الثالث تقويض النظرة الاختزالية للسنة النبوية

‌المبحث الثالث تقويض النظرة الاختزالية للسُّنَّة النبوية

إن المُتحقِّق -واقعًا- من سَلَفِ الأمة: الاحتجاج بنصِّ السُّنةِ المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ متى توفرت شرائط الصحة فيها، بأن يرويها العدولُ الضابطون، بالسّند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لا فرق في هذا الاحتجاج بين ما يتعلق بأصول الديانةِ أو فروعها. وقد كان الأَمر كذلك إلى أنْ نَجَمَ أَهل الاعتزال، الذين استولدوا أصولًا مفارِقة لمادلت عليه القواطع الشرعية؛ فكان من لوازم الحفاظ على المذهب تضييق المسالك الناقضة لأُصولهم؛ فَعَمدوا إلى السُّنة:

فشطروها إلى متواترٍ: أبان عنه القاضي عبد الجبار بقوله: (ما يُعلم صِدْقُه اضطرارًا: فكالأخبار المتواترة؛ نحو الخبر عن البلدان والملوك، وما يجري هذا المجرى، ونحو: خَبَرِ مَنْ يخبرنا أَن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتديَّن بالصلوات الخمس، وإيتاء الزكاة، والحج إلى بيت الله الحرام. وغير ذلك=فإن ما هذا سبيله يُعْلَم اضطرارًا)

(1)

.

وإلى آحادٍ: وهو ما حَدّه الباقلاني بقوله: (كلّ خَبَرٍ قَصُرَ عن إيجاب العلم

سواء

رواه الواحد، أو الجماعة التي تزيد على الواحد)

(2)

.

وهذا الاختزال والانغلاق في الاحتجاج - في الظاهر - على دائرة القرآن والسنة المتواترة؛ مِن قِبَل المعتزلة وغيرهم = كان مقصودًا؛ إذْ راموا به حماية ما أَثلوه من أُصولٍ. لذا قال الإمامُ أبو المُظَفَّر

(1)

"شرح الأصول الخمسة"(768)

(2)

"تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل"للباقلَاّني (125)

ص: 69

السمعاني: (أمَّا مخالفونا فجعلوا قاعدةَ مذاهبِهم المعقولات والآراء، وبنوا الكتاب والسُّنَّة عليها، وطلبوا التأويلات المُسْتكرهة، وركبوا كُلَّ صعب وذلول وسلكوا كُلَّ وعر وسهل، وأطلقوا أعنَّة عقولهم كلَّ الإطلاق، فهجَمَتْ بهم كُلَّ مهجم وعثرت بهم كُلَّ عِثار؛ ثمَّ إذا لم يجدوا وجهًا للتأويل =طلبوا ردَّ السُّنن بكُلِّ حيلة يحتالونها، ومكيدة يكيدونها؛ ليستقيم وجهُ رأيهِم، وجِهةُ معْقولِهم، فقَسَّموا الأقسامَ ونوَّعوا الأَنواع، وعرضوا الأحاديث عليها، فما لم يوافقها ردوها، وأساؤا الظَّنَّ بنقلتها، ورموهم بما نزَّههم الله عنه

(1)

؛ فإن القرآن يَرِدُ على أَلفَاظِهِ المعاني المختلفة؛ من مجازٍ، واشتراك، وغير ذلك؛ فهو حَمَّال أوْجهٍ.

وأما السّنة فإن تفتيتها إلى هذين القسمين؛ إنما جاء لعلمهم أنّ رَسْم المتواتر بشروطه التي ذكروها لا تكاد تظفر به في كتب السنة. ولذا فقد نَصَّ غير واحدٍ من الأئمة على تعسُّر ضَرْب أمثلة صالحة لهذا القِسْم. فقد قال أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله في ذلك: (

المتواترُ: الذي يذكره أَهل الفقه وأُصوله. وأَهل الحديث لا يذْكرونه باسْمِهِ الخاصِ، المُشْعِر بمعناه الخاص. وإن كان الحافظُ الخطيبُ قد ذكره ففي كلامِهِ ما يُشْعِرُ بأنه اتّبع فيه غيرَ أَهل الحديث. ولعلَّ ذلك لكونه لا تشمله صناعتهم، ولا يكاد يوجد في رواياتهم؛ فإنه عبارة عن: الخبر الذي ينقله من يحصُل العلم بِصِدْقه ضرورةً، ولا بد في إسناده من استمرار هذا الشرط في رواته؛ من أوله إلى مُنْتهاه = ومن سئل عن إِبراز مثالٍ لذلك فيما يروى من الحديث = أعياه تطلُّبُه. . نعم، حديث:(من كذب علي متعمدًا. .) نراه مِثَالًا لذلك

)

(2)

.

(1)

"قواطع الأدلة"لأبي المظفر السمعاني (2/ 412)

(2)

"علوم الحديث"لابن الصلاح (267 - 268)

ص: 70

وقال الإمام أبو بكر الحازمي رحمه الله: (

الحديثُ الواحدُ لا يخلو: إمَّا أَن يكون من قَبِيل المتواتر، أَو من قبيل الآحاد = و إثباتُ المتواتر في الأَحاديث عَسيرٌ جدًّا؛ سيما على مذهب من لم يعتبر العدد في تحديده)

(1)

ومع هذه الشروط التي زعموها في الخبر المتواتر = يبقى أَنّ هذا الخبر لا يقع الاحتجاج به متى قام الإمكان العقلي على تواطئ المخبرين فيما أخبروا به.

وفي تقرير ذلك يقول واصل بن عطاء

(2)

: (إنّ كلَّ خَبَرٍ لا يمكن التواطؤ، والتَراسُل، والاتفاق على غير التواطئ = فهو حُجَّةٌ؛ وما يصح ذلك فيه فهو مُطّرح)

(3)

فمدار القول والاحتجاج بالخبر عند مُقَدَّم المعتزلة ورئيسهم = هو انتفاء الإمكان العقلي على التواطئ والاتفاق على اختلاق الحديث؛ فإن أمكن التواطؤ سقط الاحتجاج، ولو اجتمعت سائر الشرائط المذكورة!

وقد تفطن الإمام ابن حبان رحمه الله إلى أَن محصلة اختراع هذا التقسيم

(1)

"شروط الأئمة الخمسة"(142) وانظر: "الاعتصام" للشاطبي (1/ 188)،و"المنهج المُقترح "للدكتور الشَّريف حاتم العوني (97 - ومابعدها) والإمام أبو بكر الحازمي (548 - 584 هـ) هو: محمد بن موسى بن عثمان الحازمي، الهمداني من الأئمة الحفاظ العالمين بفقه الحديث ومعانيه عُرف بالزهد والورع من مصنفاته:"الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من= =الحديث"، و "عجالة المبتدئ وفضالة المنتهي" في النسب = انظر:"سير أعلام النبلاء"(21/ 167)، "طبقات الشافعية" للسبكي (7/ 13)

(2)

واصل بن عطاء (80 - 131 هـ):هو الغَزَّال مولى بني ضبة، رأس المعتزلة ومؤسس هذه الفرقة، كان تلميذاً للحسن البصري ثم اعتزله، من تصانيفه:"المنزلة بين المنزلتين"، و"معاني القرآن"=انظر:"الفهرست"لابن النديم (209)،و"الملل والنحل"(59)

(3)

"فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة" للقاضي عبد الجبار (234)

ص: 71

والتأبّي عن قبول أخبار الآحاد = عند التحقيق هو: نَبْذُ السنن كُلِّها.

وفي تقرير ذلك يقول: (فأما الأخبارُ فإنّها كلها أخبار آحاد؛ لأنه ليس يوجد عن النبي صلى الله عليه وسلم خَبَرٌ من رواية عَدْلين ، روى أَحدهما عن عَدْلين ، وكل واحد منهما عن عَدْلين ، حتّى ينتهي ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فَلمَّا استحال هذا، وبَطَل = ثَبَتَ أَن الأَخبار كُلَّها أَخبار آحاد. وأَنّ من تنكَّب عن قبول أخبار الآحاد ، فَقَد عَمَدَ إلى تركِ السُّنَنِ كُلِّها؛ لعَدَمِ وجود السُّنن إلا من رواية الآحاد)

(1)

فإذنْ؛ لم يبق من جِهة الواقع إلا السنة الآحادية التي تُقرِّر معاني القرآن، وتُبِينُ عن معناه تبيانًا مفصلًا يرفع عما كان محتملًا الاحتمال = لذا عَمَد المعتزلة إلى سَلْب هذه الأَخبار العلميةِ؛ ليتلطّفوا في إهدار الاحتجاج بها.

وبالجُملة: فكلُّ مَن نَفى إفادة خبر الآحاد العلمَ مطلقًا؛ ومِن ثَمَّ التَّأبِّي عن قَبُولِ الاحتجاج به في أُصول الدين = فإنه متأثر في الأَصل بمادةٍ اعتزاليةٍ أدّته إلى هذه النتيجة.

وبطلان هذه النظرة التقويضية للوحي، يتأتَّى عَبْر طرائق ثلاثٍ:

الأولى: الكشف عن المطابقة بين وحي القرآن وبين وحي السُّنّةِ.

الثانية: الإبانة عن بطلانِ إهدار الاحتجاج بالسنة الآحاديةِ.

الثالثة: الإبانة عن فساد سَلْب العلمية عن أخبار الآحاد.

الطريقة الأولى: الكشف عن المطابقة بين وحي القرآن وبين وحي السنة في الاعتقادات.

إِنَّ الاتِّساق والمطابقة بين القرآن وبين السُّنَّة الثَّابتة الصحيحة؛ من

(1)

"الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان"(1/ 156)

ص: 72

حيثُ الدَّلالة = برهان جليٌّ يؤكّد صِدْق نِسبة تلك الأَخبار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولهذا كان من فِقْهِ الأئمَّةِ وعظيم بَصَرهم: أَنَّهم حين عَقْدِهم للمسائل العلميَّة الخبرية وغيرها، يُوردون الآيات، وما يتسق معها من الأحاديث؛ لتقْرير ما أرادوا الاحتجاج له.

وشواهد ذلك: ما تراه عند الإمام أحمد في كتابه: (الرَّد على

الزنادقة والجهمية) وعند الإمام البخاري في (الجامع الصَّحيح) وعند الإمام ابن خزيمة

(1)

في (كتاب التوحيد وإثبات صفات الرب عز وجل وغيرهم من أئمة السلف- رحمهم الله تعالى - فَدَرَج هؤلاء الأئمَّة مثلًا للاحتجاج على أحاديث النزول بالآيات الدالة على مجيء الله تعالى وإتيانه، وعلى الأحاديث الدالة على زيادة الإيمان بالآيات المطابقة لها. وغير ذلك من المسائل العلمية والعملية، التي تكْشِفُ على النَّظرةِ الشُموليَّة لهؤلاء الأئمَّة للوحي، وأنه من مِشْكاة واحدة يصدق بعضه بعضًا، ويوافق بعضه بعضًا؛ كما قال حسان بن عَطيَّة: (كان جبريل عليه السلام ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم، بالسُّنةِ كما ينزل عليه بالقرآن يُعلِّمُهُ إيَّاها كما يُعلِّمه القُرآن)

(2)

وفي بيان هذا المعنى يقول شيخ الإسلام رحمه الله: (الأَحاديث الواردة الصحيحة في هذا الباب

(3)

توافق القرآن، ويطابقها، ويَدلُّ على ما دلت

(1)

ابن خزيمة (223 هـ-311 هـ): هو أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة بن المغيرة النيسابوري، إمام الأئمة الحافظ الفقيه، كان على مذهب الإمام الشافعي، من مصنفاته:"شأن الدعاء وتفسير الأدعية المأثورة" = انظر: "سير أعلام النبلاء"(4/ 379)

(2)

أخرجه الدَّارمي في "السُّنن""المقدمة"،باب"السنة قاضية على الكتاب"(1/ 145) واللالكائي في "شرح أُصول اعتقاد أهل السُّنّة"(1/ 93 - رقم [99])،وأبو إسماعيل الهروي في "ذم الكلام"(2/ 148 - 149 - رقم [224])،والخطيب البغدادي في "الكفاية في علم الرِّواية"(27) وقد صحَّح الحافظُ ابن حجر إسناده في "الفتح"(13/ 357 - ط/دار السَّلام)

(3)

يعني: المسائل العلمية الاعتقادية.

ص: 73

عليه. وإنما الحديث مع القرآن بمنزلة الحديث مع الحديث الموافق له، والآية مع الآية الموافقة لها، وبمنزلة موافقة القرآن للتوراة؛ حتى قال النجاشي لمّا سمع القرآن: إن هذا والذي جاء به موسى ليخرُج من مشكاةٍ واحدة

ولهذا كان أَئمةُ السَّلف يذكرون الآيات وما يناسبها من الأحاديث في هذا الباب وسائر أبواب العلم

إذا ذُكِرت الآيات في محبة العبد لربه وتوكله عليه، وإخلاصه له، وخوفه، ورجائه، ونحو ذلك = ذُكر معه الأحاديث الموافقة للقرآن في ذلك. وكذلك؛ إذا ذُكِرَ ما في القرآن من صفة المعاد، والجنة، والنار = ذُكر ما في الأحاديث مما يوافق ذلك

ومعلومٌ بالضرورة أَنَّ هذا مِمَّا اتَّفَقَ عليه المسلمون، وهو أحسن ما يكون مِنْ بيان اتفاقِ القُرآن والحديثِ. فهذا نَافعٌ في تفسير القرآن الذي هو تأويله الصحيح، ونافعٌ في إثبات ما دل عليه القرآن والحديث من الأحكام الخبرية العلميَّة الاعتقاديَّة، والأحكام العمليَّة والإِرادية

)

(1)

وهذا الاتساق والمطابقة يكشف عن مَغْلطةِ رَدّ هذه الأخبار بدعوى أَنَّ ثبوتَها ليس قطعيًا؛ ذلك لأَنَّ الدَّلائل القرآنيَّة دلَّت على أصل هذه الأخبار. ولا مكان لطروء الظن في ثبوت القرآن؛ فلم يك للمخالفين بُدٌّ للخروج من وَرْطةِ هذه المُناقضة = إلا بالتَنصُّل بأحَدِ مسلكين فاسدين:

الأول: رَهْن صحة الاستدلال بالدلالة السَّمعية؛ على مقدمات عقليَّة نَظموها لتكون أصلًا -بزعمهم-؛ ليصح الاستدلال بالسمع بعدها.

يقول القاضي عبد الجبار -في رَدِّه على من يستدل بآيات القرآن على كون أفعال المخلوقين خلق لله تعالى-: (والقوم يتمسكون بآيات القرآن، ويستدلّون بها على أن أفعال العباد موجودة من جهة الله تعالى = والجوابُ

(1)

"جواب الاعتراضات المصرية" لابن تيمية (4 - 7)

ص: 74

عنها من طرق؛ الجملة: أن نقول: لا يمكنكم الاستدلال بالسمع على هذه المسألة؛ لأن صحة السمع تنبني على كونه تعالى عدلًا حكيما، لا يُظْهرُ المعجزَ على الكذابين، وأنتم قد جوّزتم ذلك على الله تعالى؛ فكيف تقع لكم الثقة بكلامه؟! وهلاّ جوّزتم أن يكون كَذِبًا؟!)

(1)

والقاضي عبد الجبار لم يعتبر صحة الاستدلال بالدليل السمعي مرتبًا على إثبات المقدمات في هذه المسألة فقط؛ لأنه لا يعتدّ بالدلالة السمعية مطلقًا إذا خالفت أصوله -كما سبق تقرير ذلك-.

وأَمَّا المَسْلك الثاني: فتطريق الاحتمالات على دلالة النص؛ بحيث لا يبقى مكان للقطع والنّصية.

يقول الرَّازي مؤصِّلًّا لهذا المَنْحى: (الدَّلائِلُ اللَّفْظيَّةِ لا تكون قطعيَّةً؛ لأنّها موقوفة على نقل اللُّغات، ونقل وجوه النَّحو والتصريف، وعلى عدم الاشتراك، والمجاز، والتخصيص، والإضمار، وعدم المعارض النقلي والعقلي = وكلّ واحدة من هذه المقدّمات مظنونة. والوقوف

(2)

على المظنون أولى أن يكون مظنونًا = فثبت أَن شيئًا من الدلائل اللفظيَّة لا يمكن أن يكون قطعيًا)

(3)

وهذا المَسْلك -أَي: طرد نفي دلالة الأدلة اللفظية- في حقيقته هَدْمٌ للشريعةِ؛ لأنه سَلْب لليقين في أَحكامها وأَخبارها - وقد تقدم بطلانه -.

الطريقة الثانية: بطلان إهدار الاحتجاج بالسنة الآحادية.

الضرورة الإجماعية قائمة على الاحتجاج بالسنة الآحادية متى

(1)

"شرح الأصول الخمسة"(381) وانظر: له أمثلة أخرى على هذا المسلك (226، 315، 354، 355، 469)

(2)

كذا في الأصل، ولعلَّ الصواب: والموقوف.

(3)

"أساس التقديس"للرازي (137)

ص: 75

صَحّت. وهذا الإجماع مُسْتفاد بطريق التنصيص على ذلك من الأئمة المعتبرين، ومن طريق الإجماع العملي الذي عُلِم من حال الصحابة رضي الله عنهم من روايتهم عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديثه الاعتقادية العلميَّة، والعمليَّة الإرادية، وتَلَقِّي بعضهم عن بعض. وقد كان الأَمر كذلك حتى حدثت المُشاقّة من قِبَل الطائفة الاعتزالية؛ التي منعت الاحتجاج بخبر الآحاد في أبواب الاعتقاد

(1)

، ثم تبعها على ذلك طوائف من أَهل الكَلام، وغيرهم.

وممن نقل الإجماع على حُجّية خبر الآحاد في المسائل الخبرية العلميَّة والعملية = الإمام ابن عبد البر رحمه الله حيث قال عن ما يدين به أهل الفقه والأثر جميعهم: (وكلُّهم يدين بخبر الواحد العدل في الاعتقادات، ويعادي ويوالي عليها، ويجعلها شرعًا ودينًا في معتقده = على ذلك جميع أَهل السُّنة، ولهم في الأحكام ما ذكرنا)

(2)

.

وقال الإمام ابن تيمية رحمه الله: (مما اتفق عليه سَلفُ الأمةِ وأئمة الإسلام =أنَّ الخبرَ الصحيحَ مقبولٌ مُصدَّقٌ به في جميع أبواب العلم، لا يُفَرَّق بين المسائل العلميَّة

(3)

والخبرية، ولا يُردُّ الخَبَرُ في بابٍ من الأبواب؛ سواءً كانت أُصولًا، أَو فروعًا = بكونه خَبَر واحدٍ؛ فإن هذا من مُحدثاتِ أَهل البدع المخالفةِ للسُّنَّة والجَمَاعةِ

)

(4)

فإنْ اعترض معترض بأن الإجماع لو كان مُحْكمًا في هذا الباب = لما هاب الإمام الشافعي رحمه الله القولَ به، وعدل إلى الاكتفاء بعدم مخالفة من علمهم من أَئمَّةِ الفِقْهِ في تَثْبيْتِ خَبَرِ الآحاد؛ حيث قال: (ولو جاز لأَحدٍ من النَّاس أن يقول في علم الخاصَّةِ = أَجمع المسلمون قديمًا

(1)

انظر: "الإحكام في أصول الأحكام" لابن حزم (1/ 113 - 114)

(2)

"التمهيد"لابن عبدالبرّ (1/ 11)

(3)

كذا في الأَصل، ولعل الصواب: العمليَّة. بدلالة السياق.

(4)

"جواب الاعتراضات المصريَّة على الفُتيَا الحَمَويَّة"(50)، وانظر أيضًا:(85 - 86)

ص: 76

وحديثًا على تثبيت خبر الواحد والانتهاء إليه، بأنه لم يُعلم من فقهاء المسلمين أَحدٌ إلا وقد ثبّته = جاز لي، ولكنْ أقول: لم أحفظ عن فقهاء المسلمين أَنهم اختلفوا في تثبيت خبر الواحد، بما وصفت من أنّ ذلك موجودًا على كُلِّهم

(1)

فعدوله كما يدَّعي حمَّادي ذويب: (يَصوغُ القضيَّة صياغةً واقعيَّة)

(2)

قيل: إنَّ تحريرَ مقاصد الإمام الشَّافعي رحمه الله من عبارته = لازم للفهم عنه، وعدم تحميل كلامه ما لا يدل عليه بحالٍ. لذا كانت الإِبانةُ عن مُرَادِهِ بـ (خبر الخاصَّةِ) وعن حَدِّ (الإجماع) عنده = مطلبين لِدَرْك مرامي عدوله عن رتبةِ الصَّدْعِ بالإجماع إلى رتبةِ نقل انتفاء الاختلاف بين فقهاء المسلمين. وخبر الخَاصَّة عند الإمام الشافعي يتأتّى فَهمه من خلال فَهم أقسام الخبر عنده. فالأخبار - كما يُقسِّمها- تنقسم إلى قسمين: خبر العامّة عن العامة. وحقيقتُهُ: أنَّه المعلوم من الدين بالضرورة؛ مثل كون الصلوات خمسًا، والحجّ فريضةً، والخمر حرامًا؛ مِمَّا لا يُنازع فيه أَحدٌ من المسلمين؛ علمائهم وعامتهم. ولا يَسعُ أحدًا جهلُه.

وفي بيان هذا القسم يقول رحمه الله: (العِلمُ علمانِ: عِلمُ عامة؛ لا يَسَعُ بالغًا غير مغلوبٍ على عقله = جَهْلُه. قال

(3)

: ومثل ماذا؟ قلتُ: مِثلُ الصلوات الخمس، وأن لله على الناس صَومَ شهر رمضان، وحجَّ البيت إذا استطاعوه، وزكاةً في أموالهم. . . وهذا الصنف كلّه من العلم موجودٌ نصًّا في كتاب الله، وموجودًا عامًا عند أهل الإسلام، ينقله عوامُّهم عن من مَضَى من عوامِّهم؛ يحكونه عن رسول الله، ولا ينازعون في حكايته،

(1)

"الرسالة"(457 - 458)

(2)

"السنة بين الأصول والتاريخ" حمادي ذويب (161)

(3)

القائل المناظر للشافعي رحمه الله -

ص: 77

ولا وجوبه عليهم = وهذا العلم العام لا يمكن فيه الغَلَطُ من الخبر، ولا التأويل، ولا يجوز فيه التنازع)

(1)

ومما يُبيِّن هذا المصطلح عند الإمام الشافعي = جَرَيانُه بالمعنى نفسه عند غيره من العلماء ممن جاء بعده. ومثال ذلك: قول ابن خزيمة رحمه الله: (بابُ ذِكْر إثبات العلم لله عز وجل -تباركت أسماؤه وجّلّ ثناؤه- بالوحي المُنزَّل على النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم؛ الذي يُقرأ في المحاريب والكتاتيب = من العلْمِ الذي هو من علم العام، لا بنقل الأَخبار التي هي من نَقْلِ علم الخاص

)

(2)

فَبيّنٌ أَنَّ مرادَ ابنِ خزيمة بـ (علم العام) ما كان معلومًا ضرورةً من الدِّين؛ فإن إثباتَ العلمِ لله تعالى مما لا يُنَازِع في أَصْلِهِ أَهلُ الإسلام. فكلامه مبين لمراد الشَّافعي رحمه الله كاشف عن مَقصوده بـ (العلم العام)

وأما خبر الخاصة = فهو ما كان مفتقرًا إلى إسنادٍ ومعرفتُهُ واقعة للعلماء؛ إذْ لم يقع التكليف به لِمَنْ دونهم.

فإذا استبان مرادُهُ رحمه الله من خبر الخاصة؛ بقي أنْ يُعْلَم أَنَّ حَدَّ ما يَصحُّ عند الشافعي أن يطلق عليه إجماع هو = ما كان معلومًا من الدِّين بالضرورة؛ بحيث لا يعزب عن أَحدٍ علمُه، وتنقلُه العامة عن العامة. أي = إنه ما كان من الرُّتبة الأُولى -وهو علم العامّة- فلا تتأتّى حكايته حينئذٍ في خبر الخاصة.

وفي تقرير الإِجماعِ عنده-: -يقول: (لستُ أَقولُ، ولا أَحدٌ من أهل العلم: هذا مُجْمَعٌ عليه = إلَاّ لِمَا لا تَلْقَى عالمًا أبدًا إلاّ قاله لك، وحكاه عن من قبله؛ كالظُهر أربع، وكتحريم الخمر، وما أَشْبَه

(1)

"الرسالة"للإمام الشَّافعي (357 - 359)

(2)

"كتاب التوحيد"للإمام ابن خزيمة (1/ 22)

ص: 78

هذا

)

(1)

وبهذا يتحرّر أنَّ تثبيت خبر الواحد، وإِن لم يك عند الشافعي بمنزلة الرُّتبة الأولى؛ فليس معنى ذلك انتفاء الإجماعِ بالمرَّةِ في هذا الباب، وكونُه ليس محكمًا. ذلك أنْ نقله لعدم اختلاف فقهاء المسلمين في تثبيته = هو إجماع في واقع الأمر؛ لكنه من الإجماع الخاصِّ "السكوتي" الذي يَخْرجُ عن حَدِّه الذي أبانه رحمه الله وعَدَمُ تسميته إياه إجماعًا لا يضيرُ ما دام الاحتجاج به قائمًا، وكان انعقادُهُ مقطوعًا به.

ومن قرائن قطعيته: أَنّ الإمام الشافعيَّ نَفْسَهُ لم يَعْدُدْ مخالفًا في تثبيت خبر الآحاد؛ إلا طائفةً نَعَتَهَا بأَنَّها فرقة من أَهل الكلام، وممن نسبته العامة إلى الفقه وليس كذلك. وفي ذلك يقول: (لم أسمع أحدًا نَسَبَهُ النّاسُ أو نَسَبَ نفسه إلى علم =يُخالِف في أن فَرْضَ الله عز وجل اتباع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم والتسليم لحكمه. . . وأن الله فرض علينا، وعلى مَن بعْدَنا وقبْلنا في قبول الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدٌ؛ لا يختلف في أن الفَرْضَ والواجبَ قبولُ الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا فرقةٌ سأصف قولها - إن شاء الله -

ثم تَفرّق أهل الكلام في تثبيت الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تفرقًا متباينًا، وتفرق غيرهم ممن نَسَبَتْه العامة إلى الفقه فيه تفرُّقًا)

(2)

ثم بعد أن حكى قولَ الطائفة التي ردّت الأخبار كلها، قال عن فرقة أخرى من فرق أهل الكلام: (فوافقَنا طائفةٌ في أن تثبيت الأَخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم لازم للأمة. ورأوا ما حكيتُ مما احتججتُ به على من رَدَّ الخبر = حجّة بثبوتها

ثم كلّمني جماعة منهم مجتمعين ومتفرقين

فكانت جملةُ قولهم أَن قالوا: لا يسعُ أحدًا من الحكام والمفتين أن يُفْتيَ

(1)

"الرسالة"(534)

(2)

"جماع العلم"للإمام الشَّافعي (9/ 5 - الأم)

ص: 79

ولا يحكمَ = إلا من جهة الإحاطة. والإحاطةُ: كلُّ ما عُلم أنه حق في الظاهر والباطن، يُشهد به على الله. وذلك الكتابُ، والسنة المُجْمَع عليها

)

(1)

فإذا تحرَّرَ أنَّ المخالفة ليست محفوظةً إلا عن فرقة من أَهل الكلام، ومن وافقهم من أَهل الجهالة؛ ممن لم يوسم بالفقه في الدين. وعَلِمْتَ حكمَ الإمام الشافعي رحمه الله، وغيره من الأئمة في أهل الكلام بأَنهم أهل ابتداع ومفارقة للسنة والجماعة؛ إذْ قال رحمه الله فيهم:(حُكْمِي في أَصحاب الكلام: أن يُضربوا بالجريد، ويُحْمَلوا على الإبل، ويُطاف بهم في العشائر والقبائل، ويقال: هذا جزاءُ مَنْ ترك الكتاب والسنة، وأخذ في الكلام)

(2)

=تبيّن حينئذٍ أَنَّ الإجماعَ قطعي؛ للقطع بانتفاء المخالف من أهل السنة؛ إذ متى جزم بانتفاء المخالف كان الإجماع السكوتي في هذه الحال قطعيًا، لا ظنيًا

(3)

. ومخالفة أَهل الأهواء ليست قادحة في الإجماع؛ لعدم الاعتداد بخلافهم

(4)

.

محصّل القول أنَّ ترك الاحتجاج بالسُّنَّة الآحادية في المسائل العلميَّة؛ بدعوى عدم إفادتها العلم =باطلٌ، كما تراه عند طائفة المتكلمين كالقاضي عبد الجبار يقول: (وأما ما لا يُعلم كونه صدقًا ولا كذبًا

(5)

فهو كأخبار الآحاد، وما هذا سبيله؛ يجوز العمل به إذا ورد بشرائطه. فأما قبوله فيما طريقه الاعتقادات = فلا)

(6)

.

(1)

المصدر السابق (19 - 20)

(2)

"أحاديث في ذم الكلام وأهله" للإمام أبو الفضل المقرئ (98 - 99)، وانظر:"أصول المنطق والكلام" للسيوطي (31)

(3)

انظر: "مجموع الفتاوى"(19/ 268)

(4)

انظر: "أصول السَّرخسي"(1/ 321)،و "تيسير التحرير"لأَمير بادشاه (3/ 239)

(5)

يعني: من الأخبار

(6)

"شرح الأصول الخمسة"(769) وانظر: (269، 672، 690)

ص: 80

ويقول الفخر الرَّازي: (أَمَّا التَّمَسُّكُ بخبر الواحد في معرفة الله تعالى فغير جائز)

(1)

.

بل ذهب محمود شلتوت إلى ما هو أبعد شأوًا في ذلك؛ حيث ادَّعى أنَّ إجماعَ العلماء على عدم الاحتجاج بخبر الآحاد في العقيدة، فقال:(نصوص العلماء متكلمين وأصوليين مجتمعة على أن خبر الآحاد لا يفيد اليقين، فلا تثبت به العقيدة. ونجد المحققين من العلماء يصفون ذلك بأنه ضروري، لا يصح أن ينازع أحد في شيء منه)

(2)

=هذه الأقوال معلوم فسادها من جهتين:

الأولى: كونها مُحْدثةً بعد انعقاد الإجماع المحكيّ في هذا الباب.

الجهة الثانية: فساد سلْب العلم عن أَخبار الآحاد.

و يستبين ذلك في:

الطريقة الثالثة: سلب العلمية عن أَخبار الآحاد التي يرويها الثقات بالسند المتصل، مطلقًا سواء حفتها القرائن، أو تجردت عنها.

لا ريب أنه غلط من جهة برهان النقل والنظر، وهو مَيْسَمٌ بارزٌ للنظرة الاختزالية القاصرة، المفارقة لنظر أئمة السلف؛ فإن رواية العدل الضابط عن مثله بالسند المتصل إذا تجردت عن القرائن = تفيد العلم والحق في الظاهر. وإِفادتها العلم، وتسميتها بذلك = هي مقتضى ما دَلَّ عليه الدليل الشرعي، وأقوال الأئمة. فإن الله تعالى سمّى الاعتقاد

(1)

"أساس التقديس"(127)

(2)

"الإسلام عقيدة وشريعة"(60) ومحمود شلتوت (1310 - 1383 هـ) هو: فقيه مفُسِّر مصري، كان ينادي بفتح باب الاجتهاد، وإصلاح الأزهر، فعارضه كبار شيوخ الأزهر، وطرد منه هو ومناصروه، ثم أعيد إليه وترقى فيه إلى أن أصبح شيخاً للأزهر، من مؤلّفاته:"الدعوة المحمديَّة"،و"القرآن والقتال"=انظر:"الأعلام"(7/ 173)

ص: 81

الراجح علمًا فقال عز وجل: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} الممتحنة: 10 ومعرفة إيمان هؤلاء النسوة من نساء أَهل العهد المشركين اللاتي هاجرن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم = إنما كان بحسب إقرارهن بالإسلام في الظاهر، مع حال خفاء الباطن. كما أبان الله عن ذلك بقوله:{فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ} الممتحنة: 10 أي: أَعْلمُ إنْ كن صدقنَ، أم كذْبنَ.

وفي تقرير إفادة هذا الخبر العلمَ والحق في الظاهر بلا إحاطةٍ = يقول الإمام الشافعي-: -: (العِلمُ من وجوهٍ: منه إحاطةٌ في الظاهر والباطن، ومنه حقٌ في الظاهر. فالإحاطة منه: ما كان نصَّ حكمٍ للّهِ، أَو سنةٍ لرسولِ الله؛ نقلها العامّةُ عن العامة = فهذان السبيلان اللذان يُشْهد بهما فيما أُحلّ أنّه حلال، وفيما حُرِّم أنه حرام = وهذا الذي لا يَسَعُ أحدًا عندنا جهلُه، ولا الشَّكَّ فيه.

و عِلْمُ الخاصة: سُنَّة من خَبَر الخاصةِ؛ يعرفُها العلماءُ، ولم يكلفها غيرهم. وهي موجودة فيهم أو في بعضهم، بصدق الخاصِّ المُخبِر عن رسول الله بها = وهذا اللازم لأهل العلم أَن يصيروا إليه، وهو الحق في الظاهر؛ كما نقتل بشاهدين. وذلك حَقٌ في الظاهر، وقد يمكن في الشاهدَين الغَلَطُ

)

(1)

فجعل الشَّافعي خبر الآحاد الذي يرويه الصادق الذي تجرّد خبره عن القرائن = عِلْمًا وحقًا في الظاهر، يلزم أَهلَ العلم اتباعُه؛ وإن كانت إِفادته للعلم لا على جهة الإحاطة التي أبان عن مقصوده بها بقوله:(والإحاطةُ = كلُّ ما عُلِم أنه حق في الظاهر والباطن؛ يُشهد به على الله. وذلك الكتاب، والسنة المُجْمَع عليها، وكلّ ما اجتمع الناس عليه، ولم يفترقوا فيه)

(2)

.

(1)

"الرسالة"(478)

(2)

"جماع العلم"(9/ 20 - الأم)

ص: 82

ومما يدل على إفادة هذا الخبر العِلمَ؛ لا على جهة الإحاطة = أَنَّ أَبا بكر المَرُّوْذِي

(1)

، قال:(قلت لأبي عبد الله: ها هنا إنسان يقول: إنَّ الخبر يوجب عملًا، ولا يوجب عِلمًا، فَعَابه، وقال: ما أدري ما هذا؟!)

(2)

وإفادة خبر الآحاد للعلم رواية عن الإمام مالك

(3)

والرِّواية الأخرى عنه أنَّه يوجب العمل، دون القطع على غيبه، وهذه الرِّواية هي التي يستند إليها متأخرو أصحابه ممن دخلت عليهم مادةٌ كلاميَّةٌ كالمازري

(4)

في نفي إفادةِ خبر الواحدِ العلم؛ وهذه الرِّواية عن الإمامِ مالكٍ وإن كانت هي الأَشهر عنه عند أَصحابه إلَاّ أنَّها لا حُجّة فيها لمن نفى إفادةَ العلم والحق في الظاهر عن خبر الآحاد؛ وذلك لأمرين:

الأوَّل: أنَّ هذه الرِّوايةَ وردت مُرسلة فيقيَّد نفي القطعية عن هذه الأخبار في حال تجردها عن القرائن المفيدة للعلم.

الثَّاني: أنَّ الإمام مالكًا ومتقدمي أَصحابه لم يرد عنهم نفي العلم عن أخبار الآحاد، وإنّما المنقول عنهم نَفْيُ القطع على مُغيبه،

(1)

أبو بكر المَرُّوْذِي (200 - 275 هـ) هو: أحمد بن محمد بن الحجاج المقدم من أَصحاب أحمد، لورعه وفضله، وكان الإمام أحمد يأْنسُ به، وينبسط إليه وهو الذي تولّى= =إغماضه لمّا مات، وغَسّله روى عن أحمد مسائل كثيرة = انظر:"طبقات الحنابلة" لابن أبي يعلى (1/ 137)

(2)

"العدة في أصول الفقه" للقاضي أَبي يعلى (3/ 899)

(3)

انظر: "الإحكام في أُصول الأحكام"لابن حزم (1/ 108 - 109)،و"إيضاح المحصول "للمازري (443)

(4)

انظر: "إيضاح المحصول"(443) والمازري (453 - 536 هـ):محمد بن علي بن عمر التميمي المازري، أحد أئمة المالكية حافظ نظَّار، واسع الباع في العلم والاطِّلاع، من تصانيفه:"إيضاح المحصول من برهان الأصول"،و"الكشف والإنباء على المترجم بالإحياء"=انظر:"شجرة النور الزكيَّة"(1/ 127)

ص: 83

وإحاطة العلم به في الظاهر والباطن. وهذا حقٌّ وهو الأَصل في خبر الواحد الذي يرويه العدل ما لم يحتفَّ بخبره قرينةٌ ترقى به إلى رُتْبةِ القطع.

وممَّا يُبيِّنُ ذلك: ما ذكره الإمام ابن القصَّار رحمه الله مُحقِّقًا مذهب الإمام مالك رحمه الله في خبر الواحد، فقال:(ومذهبُ مالكٍ رحمه الله قبولُ خَبَرِ الوَاحِدِ العدل، وأَنَّه يُوجِبُ العمَلَ دون القَطْعِ على غَيْبِهِ، وبه قال جَميعُ الفقهاءِ ...... وإنَّما لم يُقطَعْ على غَيْبِهِ؛ لأنَّ العلم لا يَحْصلُ من جِهَتِهِ، إِذ لو كان يَحْصُلُ من جِهَتِهِ العلمُ =لوَجَبَ أَنْ يَسْتوي فيهِ كُلُّ مَن سَمِعَهُ كما يستوون في العلم بُمخْبِرِ خَبَر التَّواتُرِ، فلمَّا كُنَّا نَجِدُ أَنْفُسَنَا غَيْرَ عالمِينَ بِصِحَّةِ مُخْبِرِه =دَلَّ على أنَّه لا يُقطَعُ على مُغيَّبه، وأنَّه بخلاف التَّواتُر، وصار خبر الواحِدِ بِمَنْزِلَةِ الشَّاهد الَّذي قد أُمِرنا بِقَبُولِ شهادته، وإن كُنَّا لا نقطعُ على صِدقهِ)

(1)

ومحصل القول: أن خبر الآحاد المجرد عن القرائن يفيد العلم؛ لا على جهة الإحاطة التي يقع الجزم معها بأنه كذلك في نفس الأَمر.

فإن قيل: ما دام الجزم والقطع منتفٍ فما وجه القطع في مثله؟

قيل: القطع حاصل من جهة انبعاث الدليل لدى الناظر فيه على رجحان صدق الخبر. وهذا الرجحان مقطوع به عنده في هذه الحال، وإلا لما اعتقد موجبه

(2)

؛ فإنَّ الشريعة لم تُوجِب اتباع الجهل

(1)

"المُقدِّمةُ في الأُصول"(65 - 67) وابن القصَّار (؟ -397 هـ):هو علي بن عمر بن أحمد البغدادي، القاضي أبو الحسن ابن القصَّار، شيخ المالكية، من تصانيفه: كتاب في الخلاف، و"المُقدمة في الأصول"=انظر:"السير"(17/ 107)،و"شجرة النور الزكيَّة"(1/ 92)

(2)

انظر: "مختصر الصواعق المرسلة"(4/ 1534)

ص: 84

ولا الظن، بل أَمرت باتِّباع العلم، وزَجَرَت عن تَقفِّي الظنون. وهذا معلوم بيِّنٌ.

وما سبق هو بالنسبة لخبر الآحاد المتجرد عن القرائن، وأمَّا إذا احتفّت به القرائن، ومنها تلقي الأمة للحديث بالقبول -كما هو الحال في جمهور أحاديث الصحيحين- = فإنه حينئذٍ يبلغ أَعلى درجات اليقين، والعلم بمضمونه على سبيل الإحاطة. وهذا مما لا نزاعَ فيه بين سَلَفِ الأُمَّة، وهو مذهب الفقهاء الكبار من أصحاب الأئمة الأربعة

(1)

وإنما نازع في ذلك بعض المتأخرين من المتكلمين، ومن وافقهم.

وممن ذهب إلى إفادة الخبر إذا تلقته الأمة بالقبول؛ العلمَ =الإمام أَبو عمرو ابن الصَّلاح رحمه الله، حيث قال مُقرّرًا ذلك بعد بيانه أقسام الصحيح: (

وأعلاها

(2)

الأوَّلُ =وهو الَّذي يقولُ فيه أهل الحديث كثيرًا: ((صحيح مُتَّفقٌ عليه))،يُطلقونَ ذلك ويعنون به اتِّفاق البخاري ومسلم، لا اتِّفاق الأمَّة عليه. لكن اتفاق الأُمَّةِ عليه لازم من ذلك وحاصِلٌ معه؛ لاتِّفاقِ الأُمَّةِ على تلقِّي ما اتَّفقا عليه بالقبول. وهذا القسم جميعُهُ مَقطوع بصحَّته والعلمُ اليقينيُّ النَّظريُّ واقعٌ به؛ خلافًا لقول مَن نفى ذلك مُحْتجًّا بأنَّه لا يُفيد في أَصْلهِ إلَاّ الظَّنّ، وإنَّما تلقته الأُمَّةُ بالقبول لأنَّه

يَجِبُ العملُ بالظَّنِّ، والظنُّ قد يُخطئ. وقد كنتُ أميلُ إلى هذا وأَحْسبُه قويًّا ثُمَّ بان لي أنَّ المذهب الَّذي اخترناه أوَّلًا هو الصَّحيحُ =لأنَّ ظنَّ من هو معصومٌ مِن

الخطإ لا يُخطئ، والأُمَّةُ في إِجماعها معصومةٌ من الخطإ، ولهذا كان

(1)

انظر: "جواب الاعتراضات المصرية"لابن تيميَّة (43)

(2)

يقصد أعلى أقسام الصحيح صحةً

ص: 85

الإجماعُ المُنْبني على الاجتهاد حجَّةً مقطوعًا بها، وأكثر إجماعات العُلماء كذلك)

(1)

وممن ذهب إلى ذلك أَيضًا الإمام أبو الوليد الباجي. فإنه لمّا عدّد الأَخبار التي يقع العلم بها بدليلٍ = أَدخْل خبر الآحاد في زُمْرتِها، فقال: (الكلام ههنا في أَخبار الآحاد، وهي تنقسم قسمين أيضًا: قسم يقع به العلم، وقسم لا يقع العلم به. فأمَّا ما يقع العلمُ بصحته من أخبار الآحاد فإنّ العلم يقع به بدليلٍ، وهو ستّة أَضْرُبٍ

السادس: خبر الآحاد؛ إذا تلقّته الأمة بالقبول)

(2)

وكذلك أَبو إسحاق الشيرازي؛ حيث قال: (واعلمْ أَن خبر الواحد ما انحطَّ عن حَدِّ التواتر، وهو ضربان: مُسْنَدٌ، ومُرْسَلٌ

وأما المُسْنَدُ فضربان: أحدهما: يُوجب العلمَ، وهو على أَوجه: منها

خَبَرُ الواحد الذي تلقته الأمة بالقبول؛ فيُقْطَع بصدقه؛ سواء عَمِلَ الكلُّ به، أَو عمل به البعض وتأوَّله البعضُ = فهذه الأَخبار توجب العمل، ويقع العلم به استدلالًا)

(3)

.

(1)

"علوم الحديث"(28) وابن الصلاح (577 - 643 هـ):هو عثمان بن عبدالرحمن بن عثمان الكردي الشهرزوري، تقي الدين أبو عمرو المعروف بـ="ابن الصَّلاح" أحد الأئمة الحُفَّاظ على مذهب الشَّافعي في الفروع، من مؤلفاته:"طبقات الفقهاء الشَّافعية"،و"شرح الوسيط"=انظر:"تذكرة الحفاظ"(4/ 1430) و"الأعلام"(4/ 369)

(2)

"إحكام الفصول"(329 - 330)، وأبو الوليد الباجي (403 - 474 هـ):سُليمان بن خلف بن سعد التجيبي القرطبي، فقيه مالكي كبير، ومن أئمة الحديث، من مؤلفاته:"السِّراج في علم الحجاج"،و"الحدود"=انظر:"الأعلام"(3/ 125)

(3)

"اللمع"لأبي إسحاق الشيرازي (153 - 154) أَبو إسحاق الشيرازي (393 - 476 هـ): الإمام إبراهيم بن علي بن يوسف جمال الدين، الفيروزآبادي من أئمة المذهب الشافعي من مصنفاته:"التبصرة" في أصول الفقه، "المهذب" في الفقه = انظر:"طبقات الشافعية"(4/ 215)

ص: 86

والذين نفَوْا إفادة مثل هذا الخبر العلم = مَردُّ تأبِّيهم أَمران:

الأوَّل: اعتقادهم: أَنّ العلم لا يتفاوت؛ بل هو خصلة واحدة.

الثاني: أَنّ العلم قرين التواتر؛ فلا علمَ إلا ما كان محصّلًا بالتواتر.

وكلا الأَمرين باطل؛ فإِنَّه من المعلوم بالضرورة الشرعية أن علم النبي صلى الله عليه وسلم بحقّ الله ليس مماثلًا لعلم سائر الخلق. فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم قوله: (إِنَّ أتقاكم وأعلمكم بالله أنا)

(1)

فعِلْمه بالله وشرعِه يفوق غيره؛ من جهة قوَّته في نفَسه، ومن جهةكثرة متعلقاته.

وأما الضرورة الوجدانية فأمر يَشْعُرُ به كل عاقل؛ فليس العلم المحصّل من دليل واحد مع انتفاء العلم بفساد ما يناقضها = كالحاصل بأكثر من دليل، مع العلم بِبُطول الشُّبَه المعارضة لها

(2)

.

فلا ريب أن التواتر يفيد العلم في أعلى درجاته، لكن لا يلزم من ذلك قَصْر العلم على ما كان متواترًا؛ فإنّ العِلمَ قد يتحصّل من حَالِ الخَبَرِ؛ وذلك بأن تنتفي عنه العلل القادحةُ. أو صِفة المُخْبرِ؛ كإمامته، وصِدْقِه، وضبطه. وبقوةِ إدراكِ المُخبَرِ، وحِذْقِهِ. فإن الذكي يستفيد العِلمَ من الخَبر ما لا يستفيده غيره

(3)

.

فهذه قرائن تفيد العلم بمفردها، فكيف إذا اجتمعَت؟

وأما جهة الإحاطة القطعية المحصَّلة من أخبار الآحاد التي

(1)

أخرجه البخاري في: كتاب"الإيمان"،باب " باب قول النبي صلى الله عليه وسلم أنا أعلمكم بالله وأن المعرفة فعل القلب "(8 - رقم [20])

(2)

انظر: "مجموع الفتاوى"(7/ 566)

(3)

انظر: "جواب الاعتراضات"(41)

ص: 87

تلقتها الأمة بالقبول؛ فمَردّها عصمة الأُمّة أن تجتمع على الخطأ. وأمّا قَصْرُ غاية ما يفيده هذا الإجماع على قبول الخبر = وجوب العَمَل بمضمونه، مع تجويز أن يكون في الباطن خطأ كما ذهب إليه النووي رحمه الله

(1)

= فلا ريب في بطلانه ببطلان لازمه؛ إذ معنى هذا: إمكان أن تجمع الأمة على العَمَلِ بما هو خطأ في نفس الأمر. واللازم باطل = والملزوم كذلك.

قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: (والحُجَّة على قول الجمهور: أنّ تلقِّي الأمة للخبر تصديقًا وعملًا = إجماعٌ منهم، والأُمَّة لا تجتمع على ضلالة؛ كما لو اجتمعت على عموم أو أمر أو مطلق، أو اسم حقيقةٍ، أو موجب قياس. بل كما لو اجتمعت على ترك ظاهرٍ من القول؛ فإِنَّها لا تجتمع على خطأ. وإن كان ذلك لو جَرَّد الواحد إليه نظره لم يأمن على الخطأ؛ فإن العصمة ثبتت بالهيئة الاجتماعية. كما أَن خبر التواتر كُلّ من المخبرين يُجوِّز العقلُ عليه أن يكون كاذبًا أو مخطئًا، ولا يجوز ذلك إذا تواتر. . والواحد في الرواة قد يجوز عليه الغَلَط، وكذلك الواحد في رأيه وفي رؤياه وكشفه؛ فإنَّ المفرداتِ في هذا الباب تكون ظنونًا بشروطها = فإذا قويت تكون علومًا، وإذا ضعفت تكون أوهامًا وخيالات فاسدة. وأَيضًا: فلا يجوز أن تكون في نفس الأمر كذبا على الله ورسوله وليس في الأمة من يُنكره؛ إذ هو خلاف ما وصفه الله. . وأما العمل به: فنقول: لو جاز أن يكون في الباطن كذبا، وقد وجب عليهم العمل بما هو كذب فهذا هو الخطأ، ولا معنى لإجماعِ الأمة على خطأ إلا ذلك)

(2)

.

(1)

انظر: "التلخيص شرح الجامع الصحيح"للنَّووي (1/ 215)،و "شرح صحيح مسلم"(1/ 20)

(2)

"جواب الاعتراضات المصرية"(44 - 46)

ص: 88

والأحاديث المتلقّاةُ بالقبولِ المقطوعُ بصحتها تنتظم ما قَبِلَتْهُ الأُمّة، وما قَبِلَهُ الأئمة النُّقاد من أَهل الحديث العالمين به، وإن خالفهم من لا خبرة له بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من المتكلمين وغيرهم. وهذا التلقي يندرج تحته جمهور أحاديث الصحيحين التي لم يقع التنازع في صحتها، والتي لم يقع التجاذب بين مدلولاتها، وكذا غيرها من الأحاديث التي لم تخرج في الصحيحين مما قطع بمضمونه.

وبذا يُعْلمُ فسَادُ ما ذَهَبَ إليه إسماعيل كردي وغيره من المُتجاسرين على الطعن في أَحاديث النبي صلى الله عليه وسلم بلا عِلْم؛ في قولهم: (لا يكون في نقد بعض أَحاديث الآحاد في الصحيحين أَو غيرهما - بناء على اجتهاد مُسْتسَاغ، ودليل علمي مقبول - أي مَسَاسٍ بالعقيدة، أو تهمةٍ بردّ سنة رسول الله، ما دام أنَّ القضيَّة رَدُّ شيءٍ ظنّي من الأساس. وفرْقٌ بين أن يقول الإنسان: هذا حديث رسول الله، وأنا لا أقبله، ولا أُصدقه. وبين أن يقول: أن أرى؛ بناءً على الأدلة التي قامت عندي، وهي كذا، وكذا: أن هذه الرواية الظنية المنسوبة لرسول الله في البخاري، أو مسلم، أو غيرهما = لم يقلها الرسول؛ بل نُسبت إليه خَطأ؛ لذا لا نأخذ بها)

(1)

ويبقى أنَّ الظنَّ ليس رُتبة واحدة من حيث الاعتداد به من عدمه، فالتسوية بين تيك الرُّتب خلل مَنهجي لا يُقبل

(1)

"نحو تفعيل قواعد نقد متن الحديث"(45)

ص: 89

وأمَّا كون الدلائل العلميَّة تَكشف عن خطإ الرّوايات التي انعقدت صحتها عند أهل العلم = فدعوي، وسيأتي - بإذن الله - في تضاعيف هذا المرقوم ما يُبيِّن عن مدى صدقها الواقعي.

* * *

ص: 90