الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي على حديث: (احتج آدم وموسى عليهما السلام
.
مما أورده الطاعنون للقدح في هذا الحديث، ما يلي:
الأول: أن هذا الخبر يقتضي أن يكون موسى قد ذَمَّ آدم على الصغيرة، ويلزم من هذا نسبته في حق موسى عليه السلام، وأن الذم على ذلك غير جائز.
الثاني: أن الولد لا يحق له مشافهة والده بالقول الغليظ.
الثالث: أن في لوم موسى آدم رضي الله عنه أنه كان سببًا في إخراج الذرية وشقاءها، غير سائغٍ، وقد عَلِمَ أن شقاءَ الخلق وإخراجَهم من الجنة لم يكن من جهة آدم؛ بل اللهُ أخرجه منها.
وهذه الاعتراضات نقلها عن المعتزلة: الرازي في تفسيره
(1)
.
الرابع: أن آدم عليه السلام احتج بما ليس بحجةٍ؛ إذْ لو كان حجةً، لكان لفرعون، وهامان، وسائر الكفار أن يحتجوا بها = ولمّا بطل ذلك عَلِمْنا فساد هذه الحجة.
وقد نُقل عن أبي علي الجبَّائي أنَّه سُئل: (ما تقول في حديث أبي الزناد عن الأَعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: ألا تُنكح المرأة على عمتها، ولا على خالتها؟ فقال أبو علي: هو صحيح. قال البركاني: فبهذا الإسناد نُقل حديث: حَجّ آدم موسى. فقال أَبو علي: هذا خَبَرٌ باطل. فقال البركاني: حديثان بإسناد واحد؛ صحّحت أحدهما وأبطلت الآخر! قال أبو علي: لأن القرآن يدل على بطلانه. وإجماع المسلمين، ودليل العقل. فقال: كيف ذلك؟ قال أبو علي: أليس في
(1)
"مفاتيح الغيب"(2/ 291).
الحديث: أن موسى لقي آدم في الجنة ..... ، قال أبو علي للبركاني: أليس هذا الحديث هكذا؟ قال: بلى. قال أبو علي: أليس إذا كان عذرًا لآدم يكون عذرًا لكل كافر وعاصٍ من ذريته، وأن يكون من لامهم محجوجًا؟ فسكت البركاني)
(1)
.
فأنت ترى أنَّ أبا علي الجُبَّائي لما استقر عنده ما هو نقيض الظاهر من الحديث؛ انبنى على ذلك اعتقاده مناقضة الحديث للضرورتين النَّقليَّة والعقلية = فردّ الحديث بناءً على فهمه المغلوط.
وتابعه على ذلك من المعاصرين: إسماعيل الكردي؛ حيث قال: (الإشكال الكبير في الحديث: أنه ينسب لآدم احتجاجه على معصيته لله، بأن الله تعالى قَدَّرها عليه من قبل. وبالتالي: فلا يجوز ملامته عليها! وهذا عين قول فرقة الجبرية. وعليه؛ لا يجوز لَوْم أحد من العصاة جميعِهم من البشر؛ لأن كلَّ ما فعلوه كان مقدرًا عليهم من الأزل!! إذن فلماذا الحدود، والقَصاص، والجنّة، والنار؟!
والأنكى من ذلك: أنه ينسب للرسول موافقته لكلام آدم، واعتباره أنه غلب موسى وحَجَّه؛ مكررًا ذلك أكثر من مرة! هذا مع أن القرآن أبطل هذا النوع من الاحتجاج بصريح العبارة حين قال:{سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (148) قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (149)} الأنعام: 148 - 149 ويستحيل أن يعلّمنا رسولُ الله أمرًا يخالف القرآن)
(2)
.
(1)
"طبقات المعتزلة"(81) .
(2)
"نحو تفعيل قواعد نقد متن الحديث"(284) .
ويقول سامر إسلامبولي: (فالنبي موسى يلوم آدمَ على إِخراجِ الذُّريَّةِ من الجَنَّة، وسببُ ذلك هو معصيةُ آدم، فاللَّوم هو على المعصيةِ التي نتج عنها الإخراج من الجنة، ولا علاقة هنا لكونِ آدمَ تاب من المعصية أو لم يَتُب؛ لأنَّ ذلك متعلِّقٌ به وبمغفرة الله له، والَّذي يهمنا ما ترتب على المعصية الذي هو الإخراجُ من الجَنَّةِ. أمَّا تبرير آدم فكان بالقدر، واحتج أنَّ ذلك الإخراجَ كان مكتوبًا عليه قبل خلْقه بأربعين سَنة. والجواب النبوي هو: أنَّ آدم حجَّ موسى.
لاشَكَّ هنا أَنَّ احتجاج آدم بالقدر على إخراجه من الجنَّة =يتضمَّن تبرير المعصية؛ لأنَّ الإخراجَ نتيجة المعصية، ولا مُبرِّر لأي تأويلٍ ولفٍّ ودوران لجعل النَّصَّ صحيحًا، وأنَّ الاحتجاج بالقدر كان على الإخراج فقط دون معصيةٍ، أو أنَّه يصحُّ الاحتجاج بالقدر على المعصية التي تاب منها الإنسان وهي في حكم الماضي =ذلك كله تأويل متهافت لنصٍّ باطل. فالنَّص صريحٌ في ترسيخ فكرة أنَّ المعاصي، وما يَنتُجُ عنها إنما هو بتقدير الله عزوجل وذلك مكتوب قبل الخلق، وذلك يُرسِّخُ فكرة الإجبار والإكراه على الأعمال!!)
(1)
.
(1)
"تحرير العقل من النَّقل"(237 - 238) .