المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثاني ظاهر النص الشرعي بين القراءة العصين والقراءة النسقية - دفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث المتعلقة بمسائل الاعتقاد

[عيسى النعمي]

فهرس الكتاب

- ‌بصائر

- ‌تقريظ فضيلة الشيخ الدكتور عبد الرحمن بن صالح المحمود حفظه الله تعالى

- ‌المقدمة

- ‌ أَهمية الموضوع ، ودوافعُ اختياره:

- ‌ خطة البحث

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأوَّل مفهوم المعارض العقلي المُدَّعى مُناقضته للنُّصوص الشرعية

- ‌المبحث الثاني ظاهر النص الشرعي بين القراءة العصين والقراءة النسقية

- ‌المبحث الثالث تقويض النظرة الاختزالية للسُّنَّة النبوية

- ‌المبحث الرَّابع تزييف دعوى استناد الصحابة رضي الله عنهم إلى المعقول المتمحض في محاكمة النُّصوص

- ‌الفصل الأولدَفْعُ دَعْوَى المُعَارِضِ العَقْلِيِّ عنالأحاديث المتعلّقةِ بحقيقة الإيمان والشفاعة

- ‌المبحث الأولدفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث المتعلّقة بحقيقة الإيمان

- ‌المطلب الأول: سَوْق الأحاديث المُدَّعى معارَضتُها للعقل:

- ‌المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي على الأَحاديث المتعلقة بحقيقة الإِيمان:

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث المتعلِّقة بحقيقة الإِيمان

- ‌المبحث الثانيدفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث المتعلّقة بالشفاعة

- ‌المطلب الأول: سوق أحاديث الشفاعة

- ‌المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي على أحاديث الشفاعة:

- ‌المطلب الثَّالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن أحاديث الشفاعةِ

- ‌الفصل الثانيدَفْعُ دَعْوَى المُعَارِضِ العَقْلِيِّ عنالأحاديث المتعلّقةِ بتوحيد العبادة

- ‌مبحث:دفع دعوى المعارض العقلي عن حديث: (لا تُشدّ الرّحال)

- ‌المطلب الأول: سَوْق حديث: (لا تُشدّ الرحال

- ‌المطلب الثاني: سَوْق دعوى المعارِض العقلي عن حديث (لا تُشدّ الرحال)

- ‌المطلب الثالث: دفْع المعارِض العقلي عن حديث (لا تُشدّ الرحال

- ‌الفصل الأول دَفْعُ دَعْوَى المُعَارِضِ العَقْلِيِّ عن الأحاديث المتعلّقةِ بعصمة الأنبياء

- ‌المبحث الأول دفع دعوى المعارض العقلي عن حديث سحر النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الأول: سوق ألأحاديث الدالة على سحر النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثَّاني: سوق دعوى المعارض العقلي على أحاديث سحر النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثَّالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن أحاديث سحر النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثَّاني دفع دعوى المعارض العقلي عن حديثي شقِّ صدر النبي صلى الله عليه وسلم، وإسلام شيطانه

- ‌المطلب الأوّل: سوق حديثي شقِّ صدر النبي صلى الله عليه وسلم، وإسلام شيطانه

- ‌المطلب الثاني: سَوْق دعوى المعارِض العقلي على حديثَيْ شقّ صدر النبي صلى الله عليه وسلم وإسلام شيطانه

- ‌المبحث الثّالث دفع المعارض العقلي عن حديث (لم يكذب إبراهيم عليه السلام إلا ثلاث كذبات)

- ‌المطلب الأول: سوق حديث (لم يكذب إبراهيم عليه السلام إلا ثلاث كذبات):

- ‌المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي على حديث (لم يكذب إبراهيم عليه السلام إلا ثلاث كذبات)

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن حديث (لم يكذب إبراهيم عليه السلام إلا ثلاث كذبات)

- ‌المبحث الثالث دفع دعوى المعارض العقلي عن حديث لطم موسى لملك الموت عليه السلام

- ‌المطلب الأوّل: سوق حديث لطم موسى عليه السلام لملك الموت

- ‌المطلب الثَّاني: سوق دعوى المعارض العقلي على حديث لطم موسى عليه السلام لملك الموت

- ‌المطلب الثَّالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن حديث لطم موسى عليه السلام لملك الموت

- ‌الفصل الثاني دَفْعُ دَعْوَى المُعَارِضِ العَقْلِيِّ عن الأحاديث المتعلّقةِ بآيات وبراهين الأنبياء

- ‌المبحث الأول دفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث المتعلقة بالآيات الحسِّيّة للنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثانيدَفْع دَعوى المعارِض العقلي عن أحاديث انشقاق القمر

- ‌المطلب الثاني: سَوْقُ دعوى المُعارِض العقلي على أحاديث انشقاق القمر:

- ‌المطلب الثالث: دفْع دعوى المعارِض العقلي عن أحاديث انشقاق القمر:

- ‌المبحث الثالثدَفْع دَعوى المعارِض العقلي عن أحاديث الإسراء والمعراج

- ‌المطلب الأول: سَوْق أحاديث الإسراء والمعراج

- ‌المطلب الثاني: سَوْق دعوى المعارِض العقلي على أحاديث الإسراء والمعراج

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارِض العقلي عن أحاديث الإسراء والمعراج:

- ‌المبحث الرابع دفع دعوى المعارض العقلي عن حادثة (سوخ قدمي فرس سراقة بن مالك رضي الله عنه

- ‌المطلب الأول: سَوْقُ حديث سُراقة بن مالك رضي الله عنه

- ‌المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي على حادثة "سوخ قدمي فرس سراقة بن مالك

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن حادثة "سوخ قدمي فرس سراقة بن مالك رضي الله عنه

- ‌الفصل الثالث دَفْعُ دَعْوَى المُعَارِضِ العَقْلِيِّ عن اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بعموم البعثة

- ‌مبحث دفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث الدالة على اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم.بعموم البعثة

- ‌المطلب الأول: سَوْق الأحاديث الدالّة على اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بعموم البعثة:

- ‌المطلب الثاني: سَوْقُ دعوى المُعارِض العقلي على الأحاديث الدَّالة على اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بعموم البعثة:

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المُعارِض العقلي عن الأحاديث الدالة على اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بعموم البعثة:

- ‌الفصل الأول دَفْعُ دَعْوَى المُعَارِضِ العَقْلِيِّ عن أحاديث أشراط السَّاعة

- ‌المبحث الأول دفع دعوى المعارض العقلي عن عموم أحاديث أشراط السَّاعة

- ‌المطلب الأول: سَوْقُ الأحاديث الدّالة على عموم أشراط السَّاعة:

- ‌المطلب الثاني: سوق المعارض العقلي على عموم أحاديث أشراط السَّاعة:

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي على عموم أحاديث أشراط السَّاعة:

- ‌المبحث الثَّاني دفع المعارض العقلي عن أحاديث المسيح الدجّال

- ‌المطلب الأول: سوق الأحاديث المتعلِّقة بالدجَّال:

- ‌المطلب الثَّاني: سَوْق دعوى المعارض العقلي على الأحاديث المتعلِّقة بالدجال:

- ‌المطلب الثَّالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث المُتعلقة بالدجال:

- ‌المبحث الثالث دفع دعوى المعارض العقلي عن حديث الجسّاسة

- ‌المطلب الأول: سوق حديث الجساسة:

- ‌المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي على حديث الجسّاسة:

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن حديث الجساسة:

- ‌المبحث الرابع دفع المعارض العقلي عن أَحاديث نزول المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام

- ‌المطلب الأول: سوق الأحاديث الدالة على نزول المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام

- ‌المطلب الثاني: سوق المعارضات العقلية المدعاة على أحاديث نزول عيسى عليها السلام

- ‌المطلب الثالث: نقض دعوى المعارض العقلي على أحاديث نزول عيسى عليها السلام

- ‌الفصل الثاني دَفْعُ دَعْوَى المُعَارِضِ العَقْلِيِّ عن الأحاديث المتعلّقة باليوم الآخر

- ‌المبحث الأوَّل دَفْعُ المُعارِضِ العقلِيّ عن أحاديثِ عَذَابِ القَبْر ونَعيمِهِ

- ‌المطلب الأوَّل: سوق أحاديث عذاب القبر و نعيمه:

- ‌المطلب الثاني: سَوْقُ دَعْوَى المعارِض العقليّ على أحاديث عذاب القبر ونعيمه:

- ‌المطلب الثالث: نَقْضُ دعْوَى المعارِض العقلي:

- ‌المبحث الثاني دفع دعوى المعارض العقلي عن أحاديث الميزان

- ‌المطلب الأول: سَوْقُ أحايث الميزان:

- ‌المطلب الثاني: سَوْق دعوى المعارِض العقلي على أحاديث الميزان:

- ‌المطلب الثالث: دفع دعْوى المعارض العقلي عن أحاديث الميزان:

- ‌المبحث الثالث دفع دَعوى المعارِض العقلي عن أحاديث الصِّراطِ

- ‌المطلب الأول: سَوْق الأحاديث الدَّالة على الصراط:

- ‌المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي على أحاديث الصراط:

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن أحاديث الصراط:

- ‌المبحث الرابع دَفْع دَعوى المعارِض العقلي عن الأحاديث الدالّة على وجود الجنّة والنّار

- ‌المطلب الأول: سَوْق الأحاديث الدالة على وجود الجنة والنار:

- ‌المطلب الثاني: سَوْق دعوى المعارض العقلي على الأحاديث الدالة على وجود الجنة والنار:

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث الدالة على وجود الجنة والنار:

- ‌المبحث الخامس دفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث الدَّالة على بقاء الجنة والنَّار

- ‌المطلب الأول: سوق الأحاديث الدالة على بقاء الجنة والنار:

- ‌المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي على الأحاديث الدالة على بقاء الجنة والنار

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث الدالة على بقاء الجنة والنار:

- ‌المبحث الأوَّل دفع دعوى المعارض العقلي عن حديث (احتج آدم وموسى)

- ‌المطلب الأوَّل: سوق حديث (احتج آدم وموسى)

- ‌المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي على حديث: (احتج آدم وموسى عليهما السلام

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن حديث (احتجَّ آدم وموسى عليهما السلام

- ‌المبحث الثَّاني دفْع دَعوى المُعارِض العقلي عن حديث: (إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم)

- ‌المطلب الأول: سوق حديث (إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم):

- ‌المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي على حديث: (إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم)

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن حديث (إنَّ الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم)

- ‌المبحث الثالث دَفْع دَعوى المعارِض العقلي عن حديث: (لا يُدخل أحدًا الجنَّة عمله)

- ‌المطلب الأول: سوق حديث: (لا يُدخل أَحدًا الجنَّة عَملُهُ)

- ‌المطلب الثاني: سَوق دعوى المعارِض العقلِي على حديث: (لا يُدخل أَحدًا الجنَّة عَملُهُ)

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارِض العقلي عن حديث (لا يُدخِل أحدًا الجنَّة عملُه)

- ‌الفصل الأول دَفْعُ دَعْوَى المُعَارِضِ العَقْلِيِّ عن الأحاديث المتعلّقة بالملائكة والجن والشياطين

- ‌تمهيد:

- ‌المبحث الأول دَفْع دَعوى المعارِض العقلي عن الأحاديث المتعلقة بالملائكة

- ‌المطلب الأول: سوق الأحاديث الدالّة على وجود الملائكة ووجوب الإيمان بهم:

- ‌المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي على الأحاديث الدالّة على وجود الملائكة:

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث الدالة على وجود الملائكة:

- ‌المبحث الثاني دَفْع دَعْوى المُعارِض العقلي عن الأحاديث الدالة على وجود الجن والشياطين

- ‌المطلب الأول: سوق الأحاديث الدَّالة على وجود الجن والشَّياطين:

- ‌المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي على الأحاديث الدَّالة على وجود الجن والشياطين:

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث الدَّالة على وجود الجن والشياطين:

- ‌الفصل الثاني دَفْعُ دَعْوَى المُعَارِضِ العَقْلِيِّ عن بقيَّة الأحاديث المتعلّقة بالشيطان

- ‌المبحث الأول دَفْع دَعوى المعارِض العقلي عن حديث: (ما من مولود يولد إلاّ نخسه الشيطان

- ‌المطلب الأول: سَوْق حديث (ما من مولود يولد إلا نخسه الشيطان

- ‌المطلب الثاني: سَوق دعوى المعارض العقلي على حديث (ما من مولود يولد إلا نخسه الشيطان):

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن حديث (ما من مولود يولد إلا نخسه الشيطان):

- ‌المبحث الثاني دَفْع دَعوى المعارِض العقلي عن حديث: (بال الشيطان في أُذنه)

- ‌المطلب الأوَّل: سوق حديث: (بال الشيطان في أُذنه)

- ‌المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي على حديث: «بال الشيطان في أُذُنه»

- ‌المطلب الثالث: دفع المعارض العقلي عن حديث: (بال الشيطان في أُذُنه)

- ‌المبحث الثالث دَفْع دَعوى المعارِض العقلي عن حديث:

- ‌المطلب الأوّل: سَوْق حديث: (إذا سمعتم صياح الدِّيكة فاسألوا الله من فضله .. وإذا سمعتم نهيق الحمار فتعوَّذوا بالله من الشيطان) وحديث: (إذا نودي للصَّلاة أدبر الشيطان وله ضراط

- ‌المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي عن الحديثين

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن حديث: (إذا سمعتم صياح الدِّيكة فاسألوا الله من فضله .. وإذا سمعتم نهيق الحمار فتعوَّذوا بالله من الشيطان)

- ‌الفصل الثالث دَفْعُ دَعْوَى المُعَارِضِ العَقْلِيِّ عن الأحاديث المتعلّقة بالرُّؤيا

- ‌المطلب الأوَّل: سوق الأَحاديث المُتعلِّقة بالرُّؤيا:

- ‌المطلب الثاني: سَوْق دعوى المعارض العقلي على أحاديث الرُّؤيا:

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن أحاديث الرُّؤيا:

- ‌الفصل الرابع دَفْعُ دَعْوَى المُعَارِضِ العَقْلِيِّ عن بقية الأحاديث المتعلّقة بالغيبيات

- ‌المبحث الأول دَفْع دَعوى المعارِض العقلي عن الأَحاديث الدالة عن: أنّ شدّة الحرّ وشدّة البرد من النار

- ‌المطلب الأوَّل: سوق الأحاديث الدالة على أن شدة الحر والبرد من النار:

- ‌المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي على الأَحاديث الدالة على أنّ شدة الحرِّ والبرد من جهنم:

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث الدالة على أنّ شدة الحر والبرد من جهنم:

- ‌المبحث الثاني دَفْع دَعوى المعارِض العقلي عن حديث سجود الشَّمس تحت العرش

- ‌المطلب الأول: سوق حديث: (سجود الشَّمس تحت العرش)

- ‌المطلب الثاني: سوق المعارض العقلي على حديث: سجود الشَّمس تحت العرش

- ‌المطلب الثالث: دَفْع دَعوى المعارِض العقلي عن حديث سجود الشَّمس تحت العرش

- ‌الخاتمة

- ‌قائمة المراجع

- ‌مُلَخَّص الرِّسالة

الفصل: ‌المبحث الثاني ظاهر النص الشرعي بين القراءة العصين والقراءة النسقية

‌المبحث الثاني ظاهر النص الشرعي بين القراءة العصين والقراءة النسقية

إن العلاقة بين العقل وبين ظواهر النصوص -عند المخالفين لأهل السنة والجماعة- = علاقةٌ مركّبة مِن نظرتين متنافيتين:

إحداهما: نظرة تصادمية، تقرّر إمكان مناقضة ظاهر النَّص للبراهين العقلية.

وهذه النظرة لها صورتان عند المخالفين:

- فإنهم تارة يجعلون المعنى الفاسد الذي توهموا أنه المراد من الدليل السمعي هو الظاهر. وعلى مذهبهم - كما سيأتي نَصُّهم على ذلك - يمكن أن يكون ظاهر الأدلة ما هو كفر وإلحاد.

- وتارةً يجعلون المعنى الحقّ الذي قرره الدليل السمعي المناقض لأُصولهم هو الظاهر الذي لا يمكن أن يكون مرادًا.

وفي كلتا الصورتين يتسلطون بالتأويل؛ طلبًا لأن تكون معاني ما دلت عليه البراهين الشرعية موافقة لمرادهم وأصولهم، لا لمراد المتكلم بها.

والنَّظرة الأخرى: ذرائعيَّة نفعيَّة، تنصب الوفاق بين الظواهر والعقل متى كانت هذه الظواهر المُدَّعاة من النص توافق ما أثّلوه وقرروه.

وكلتا النظريتين تؤول في الحقيقة إلى نظرةٍ واحدية تنصبُ "العقل المَدْخول" حَكَمًا؛ ما وافَقه قُبِلَ وكان هو الظاهر المراد، وما ناقضه رُدّ وكان ظاهرًا غير مراد.

ص: 41

ولتوطيد ما سلف؛ أَضرب أَمثلةً تكشف عن دلائل هذه النظرة التشذيبية الاختزالية عند المخالفين؛ ومِن ثَمَّ يتسنّى بَعدُ إِقامةُ النظرة الشمولية السلفية؛ لبيان العلاقة بين العقل وظواهر الأدلة على أَنْقَاضِ النظرة الخَلَفيَّة البدعيّة.

فيقال: إن من أمثلة هذه النظرة الخَلَفِيّة: ما تراه عند القاضي عبد الجبار؛ فإنَّه في الموضع الذي يريد فيه نُصرة مذهبه، يقرر لزوم الأَخذ بظاهر النصّ، امتناعَ أنْ يدل هذا الظاهرُ على غير مراد الله، ثم لا يكون منه بيانٌ يُعْرفُ به مرادُه. وفي بيان نصرته لإيجاب الاستحقاق وإنفاذ الوعيد يقول:(. . . وكذلك الوعد والوعيد، فإنَّا إذا كنا -كما نعلم- أنه تعالى عَدْلٌ حكيمٌ، لا يُلغِز، ولا يُعمِّي، ولا يخلف في وَعْدِهِ ووعيده؛ فلا بُدَّ من أن نعتقد أن مَا وَعَدَ به المؤمنين من الثواب واصلٌ إليهم لا محالة، وما توعد به العُصَاة نازل بهم. وأنه لا شَرْطَ ههنا، ولا استثناء؛ إذ لو كان لبيَّنَهُ. فلا يجوز -وهو حكيمٌ- أن يخاطِبَ بخطاب يُفيدُ ظاهرُه من الأمور، ولا يُريده به = ثم لا يَدلُّ عليه)

(1)

ويقول -مُثبتًا "للميزان" الذي دلّت عليه النصوص: (أمَّا وَضْعُ "الموازين"، فقد صَرَّح الله تعالى في محكم كتابه، قال الله تعالى:{وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} الأنبياء: 47

ولم يُرِدِ الله تعالى بالميزان إِلَاّ المعتدلَ منه المتعارفَ فيما بيننا، دون العدل وغيره -على ما يقوله بعض النَّاس-؛ لأنَّ الميزان وإن ورد بمعنى العدل في قوله تعالى:{وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ} الحديد: 25 فذلك على طريق التَوسُّع والمجاز = وكلام الله تعالى مهما أَمكن حَمْله على الحقيقة لا يجوز أن يُعدل به إلى المجاز)

(2)

(1)

"شرح الأصول الخمسة"للقاضي عبد الجبار (598) .

(2)

المصدر السابق (735)

ص: 42

فالظاهر المراد عند القاضي عبد الجبار هو ما جرى على وَفْق أُصوله الاعتزاليَّة = فإن خالفها لزِمَ حينئذٍ حَمْله على المجاز. قد أبان عن ذلك بقوله: (إن الكلام متى لم يمكن حمله على ظاهره وحقيقته؛ وهناك مجازان: أحدهما أقربُ، والآخر أبعد = فإن الواجبَ حمله على المجاز الأقرب دون الأبعد

(1)

.

فَبيِّنٌ ممّا سبق سوقه: جَمْع القاضي عبد الجبار بين النظريتين: النظرة التعاندية؛ التي تقرر إمكان مخالفة ظواهر النصوص للعقل. والنظرة النفعية؛ التي توظّف النص ليكون تبعًا لأصوله الاعتزاليَّة. والواقع أنْ ليس هناك إلَّا العقل المدخول، والذي أعني به: العقل الذي استبطن أُصولًا بدعيةً مفارقةً للدَّلائل الشرعيَّةِ؛ نقليّها، وعقليّها.

ومما يبرهن على أن لا حُجَّة عند المعتزلة إلّا ما قرره العقل الاعتزالي = ما كشف عنه القاضي عبد الجبار نَفْسُهُ بقوله: (فإِن قال: فيجب أَن تقولوا: إنّ ما في القرآن لا يَدُلُّ على التوحيد والعدل، وأنْ لا تحتجوا بذلك على المخالفين. قيل له: ليسَ يصحُّ الاحتجاج بذلك في إثبات التوحيد والعدل، وإنما نُورِدُه لنبيِّنَ خروج المخالفين عن التمسك بالقرآن، مع زعمهم أَنّهم أَشَدُّ تمسكًا به، ونُبيِّن أَنَّ القرآنَ كالعقلِ، في أنَّه يَدلُّ على ما نقول، وإنْ كانت دلالتُه على طريق التأكيد)

(2)

.

ولم يكن الجمع بين هاتين النَّظرتين المُتنافيتين =مختصًّا بالمعتزلة، بل إنَّ الأَشاعرةً أَصابوا حظًّا من ذلك، فالقاضي أبو بكر بن العربي يُقنِّن في العلاقة بين الظواهر النَّقلية والعقل قانونًا، فيقول: (مِمَّا. . .جرى فيه

(1)

المصدر السابق (660)

(2)

" المغني في أبواب التوحيد والعقل "(94 - الشرعيات) .

ص: 43

توقّف وغلط، أحاديث يُعارضُ ظاهرُها المقتضى بالعقل، لا تتعلَّق بالباري و لاصفاته، ولكنَّها تتعلَّق بما أخبر عنه من المعاني. . .=فإذا جاء ما ينفي العقلُ ظاهرَه =فلا بُدَّ من تأويله؛ لأنَّ حمله على ظاهره مُحالٌ فيكون غيرَ مفهوم، والشَّرعُ لا يأتي به؛ فلا بُدَّ من تأويله)

(1)

وعلى وَفْق هذه النَّظرة الاختزالية للظاهر الشرعي أَسَسَّ الرازي قانونه الكُلّي، الذي أقامه على إمكان حصول التعارض بين الدلالة العقلية وبين الظاهر الشرعي، مختزلًا القطعية في الدليل العقلي، والظَنِّيَّة في الدَّليل النقلي؛ ومِنْ ثَمَّ جعلَ الغَلَبةَ والتقديم للدَّلالة العقليَّة، وإقصاء الظَّاهر الشرعي، بِعَدِّه غيرَ مراد للمتكلم به.

وفي بيان هذا القانون الكلي يقول الفَخْر الرَّازي: (اعلم أنَّ الدَّلائلَ القطعيَّة العقليَّة إذا قامت على ثبوت شيءٍ، ثم وجدْنا أدلةً نقليَّةً يُشْعِرُ ظاهرُها بخلاف ذلك = فهناك لا يخلو الحال من أَحدِ أمورٍ أربعةٍ:

- إمَّا أن يُصدَّق مقتضى العقل والنقل فيلزم تصديق النقيضين، وهو محال.

- وإمّا أن يُبطل فيلزم تكذيب النقيضين، وهو محال.

- وإمّا أَن يصدق الظواهر النقليَّة ويكذب الظواهر العقليَّة، وذلك باطل؛ لأنه لا يمكننا أن نعرف صحة الظواهر النقليَّة إلا إذا عرفنا بالدلائل العقليَّة إِثبات الصانع وصفاتِهِ، وكيفيَّة دلالة المعجزة على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم، وظهور المعجزات على محمد صلى الله عليه وسلم.

- ولو جوّزنا القَدْحَ في الدلائل العقليَّة القطعيَّة؛ صار العقل مُتَّهمًا غير

(1)

"العواصم من القواصم"(230 - 231) و أبوبكر بن العربي (468 - 543 هـ): هو محمد ابن عبدالله بن محمد، المعروف بـ=ابن العربي الأندلسي الإشبيلي، حافظ متبحر في العلوم ينتحل في الفروع مذهب الإمام مالك، ولي قضاء إشبيلية ثم عُزل، من تصانيفه:"أحكام القرآن"،و"القبس"=انظر:"السِّير"(20/ 197) .

ص: 44

مقبول القول في هذه الأصول. وإذا لم نثبت هذه الأُصول خرجت الدلائل النقليَّة عن كونها مفيدة = فثبت أنّ القَدْحَ لتصحيح النَّقلِ يُفضي إلى القَدْحِ في العقل والنقل معًا، وأَنَّه باطل.

ولمَّا بطلت الأَقسام الأربعةُ لم يبق إلَاّ أن يقطع بمقتضى الدلائل العقليَّة، القاطعة بأن هذه الدَّلائلَ النقليَّةَ إمّا أن يقال غيرُ صحيحة، أو يقال إنَّها صحيحة؛ إِلَّا أنَّ المراد منها غيرُ ظواهرها

)

(1)

.

ويقول الدكتور سُليمان دُنيا، متابعًا الرَّازي فيما قرّره من تعميق النظرة التصادمية بين الدّلالة العقليَّة وظواهر النصوص الشَّرعيَّة:(تمشِّيًا معَ قاعدةِ أَنّ العقلَ أَساسُ الدِّينِ =قَرّرَ عُلماءُ الإِسلامِ أَنَّ ما يَرِدُ من النُّصوصِ الدِّينيَّةِ مُخَالفًا لصريح العقل يُعْفى المُكَلَّفُ مِن الأمر باعتقاد ظاهره؛ لأَنّ التكليفَ بما يُخَالفُ صريحَ العقلِ =إِرْغامٌ وجبر، ولا جَبْرَ في الإِسلامِ ولا إِرْغام، وإذا لم يقع تكليف بما يُخالف ظاهره صَريح العقلِ، فللمُسلمِ الحق بعد أن رُفِعَ عنه إصرُ الإِيمان بهذا الظاهر الَّذي يُنافي صَريحَ العقل =في أَن يُفوِّضَ الأمرَ في تحديدِ المُرادِ بهذا النَّصِ إلى الله، كأَن يقول: آمنتُ بما أَرادَ اللهُ مِن هذا النَّصِّ، ولا حاجةَ بي إلى التَقصِّي عن المُرادِ منه =أو يميل بالنَّصِ إلى مَعنى يَقْبَلُه العقلُ ويَحْتمِلُهُ النَّصُّ)

(2)

فالمتأمِّل في كلام الرَّازي ومن تابعه يتحرّر لديه أَنَّ منشأ الغلَط لديهم، مُتأتٍّ من جهة اعتقادهم إِمكان حصول التعارُض بين الدَّلالتين. وهذا الاعتقاد باطل؛ ذلك أَنَّ الدَّليلَ العقليَّ جزءٌ من مفهوم الدليلِ الشَّرعيِ، شاهدٌ على صدق البراهين النقلية. فيمتنع وقوع التناقض بينهما؛ لأن بطلان الدليل مستلزمٌ بطلانَ المَدلول. هذه خَلَّة.

(1)

" أساس التقديس "(130).

(2)

"التفكير الفلسفي الإسلامي "للدكتور: سُليمان دنيا (222).

ص: 45

وخَلّة أخرى: أَن افتراض التعارُض -حتى على تقدير التَّسليم بمذهبه- ممتنعٌ؛ لأنَّ الدلائل العقلية عنده قطعيةٌ، والدلائل اللفظية ظَنّية مطلقًا. ومن المعلوم أنه لا تعارض بين القطعي والظني

(1)

و وجه امتناع أن تكون الدلائل النقلية مناقضة للبراهين العقلية = أنَّه لو كانت منافيةً لم يتحقق كونها أدلةً للعباد على مُرادات الله تعالى من خَلْقِهِ؛ لأن العقل حينئذٍ يأبى قبولها والعملَ بمقتضاها. واتفاق العقلاء يدل على كونها أدلةً؛ فبطل قولهم بالتنافي بين الدلالتين. هذا أمر.

والأمر الثاني: أن ورود التكليف بما يتنافى مع مُدْركات العقل ممّا لا يمكن بحال أن يصدقه العقل ويقبله = هو عند التحقيق تكليف بما لا يطاق. والتكليف بهذا النَّوع ساقط في الشريعة؛ فَعُلِم امْتناع تنافي الدلالتين.

والأمر الثالث: لو كانت الدَّلائل النَّقليَّةُ مُنْطويةً عَلَى مُخَالَفة الضَّرورةِ العقليَّة= لكان الكفار أوَّل من سارع لردِّها؛ لما عُلِمَ من تضاعُف كَلَبِهم في رَدِّ ما جاء به النبيّ صلى الله عليه وسلم، وتَشَوّفهم للظَّفَرِ بأدنى مَطْعن للطعن فيما بُعث به عليه الصلاة والسلام؛ حتى إنهم كانوا يفترون عليه، وعلى ما جاء به فتارة ينعتونه صلى الله عليه وسلم بأنه شاعر، وتارةً ساحر، وتارة مجنونٌ. ويفترون على ما جاء به: بأنه سحرٌ، وشعرٌ، وأَساطير الأولين. فلو كان فيما جاء به ما يتناقض مع دلائل العقل لكان ذلك أَوْلى ما يَنْعتُون به ما جاء به صلى الله عليه وسلم = فانتفاء ذلك منهم ضرورةٌ يُعلم منه جريان الدلائل النقلية على وفق مقتضى العقل الفطري.

وإنّما كان تكذيبهم للوحي لأمور أخرى؛ كالعناد، والاستكبار

(2)

.

ومصادمته للذهنية الوثنية التي كانت بمثابة القالب المعياري المنسوج بخيوط العادة والتقليد لما كان عليه الأسلاف.

(1)

انظر: " درء تعارض العقل والنقل "لابن تيميَّة (1/ 185).

(2)

انظر: "الموافقات"(3/ 208 - 209).

ص: 46

ويقال -على فَرْض إمكان التعارض-: إنَّ التقديم للدلالة العقلية عند التعارض ليس بالنظر لجهة ورودها؛ بل لاتّصَافِها بالقَطْع. فالدليل السمعي يكون قطعيًّا في موارد عدة. ومن نَفَى ذَلك فإنما يخبر عن جَهْله، لا بما هو ثابت في نفس الأمر.

وبرهان إفادتها القطع واليقين ضرورتان:

إحداهما: أَن الصحابة رضوان الله عليهم فهموا مُراده صلى الله عليه وسلم من خطابه.

الضرورة الثانية: أنّهم نقلوا إلينا مراده كما نقلوا اللّفط الدَّال عليه

(1)

.

فإذا تقرر ذلك؛ فكلا الدَّليلين تَعْتورهما القطعيَّة والظنيَّة. فليست القطعية صفةً ملازمةً للدليل العقلي، وليست الظنية محصورة في الدليل النقلي. وعلى هذا؛ فلا يخلوا الحال = إمَّا أن يكون الدليلان قطعيين أو ظنيين، أَو أحدهما قطعي والآخر ظني. فإن كانا قطعيّين فإنه يمتنع حصول التعارض بينهما؛ لأنه يلزم من ذلك الجمع بين النقيضين. وإن كانا ظنيين فإنه يُلْتَمَس طلب ترجيح أحد الدليلين، فأيُّهما تَرجّح كان هو المُقدّم. أما في حالة كون أحد الدليلين -سمعيًّا كان، أو عقليًّا- قطعيًّا كان أوظنِّيًا؛ فإن التقديم حاصل للقطعيّ منهما

(2)

.

وبهذا الإجمال يُعْلمُ فَسَاد ما ذهب إليه الرازي ومن وافقه؛ من طريقين:

الأول: نفي التسليم بأصل إمكان التعارض.

الثاني -على تقدير صحة الأصل -: منع الحصر في التقسيم الذي رَسَمَه في قانونه.

(1)

انظر: "الصواعق المرسلة" لابن القيم (2/ 637) .

(2)

انظر: "درء تعارض العقل والنقل" للإمام ابن تيمية (1/ 79 - 80) .

ص: 47

وبه يُعلم فساد ما ذهب إليه السنوسي

(1)

ومن وافقه -كالصاوي

(2)

-؛ مِنْ عَدِّ التمسك بظواهر الأدلة النقلية من أصول الكُفر، حيث قال الصَّاوي:(وأصول الكفر والبدعة سبعة. . التَّمسُّك في عقائد الإيمان بمجرد ظواهر الكتاب والسنة، من غير عرضها على البراهين العقلية، والقواطع الشرعية)

(3)

وعلة الوقوع في هذه الفاقرة هو اعتقادُهم أَنَّ ظواهرَ النُّصوص قد تدل على ما لا يليق نسبته إلى الشَّرع بحسب ما اعتقدوه، لا بحسب الواقع. وهذا الاعتقاد هو أَصل أَهل الكفر، وقد عُلِمَ فَسادُه بالضرورة؛ فإن الله أنزل وحيه بيانًا للخلق، وهدايةً.

وبعد الإبانة عن النظرة النَّكِدَة عند المخالفين للعلاقة بين العقلِ وظواهر النصوص = فإن من المتحتم الكشف عن حقيقة العلاقة الاتساقيّة التوافقية بين دلالة العقل وبين هذه الظواهر.

فيقال: الظاهر إذا أُطلق فإنه يُقْصَدُ به: ما يسبق إلى العقل الفطري لمن يفهم بتلك اللُّغة المخاطب بها. ثم هذا الظهور قد يكون بمجرد الوَضْعِ، وقد يكون بسياق الكلام والقرائن المحتفَّة به

(4)

.

فلا يمكن بحالٍ أن يكون النّصُّ الشرعي غُفْلًا عما يُبينُ عن مراد المتكلِّم به؛ فإنّ هذا ممتنع على من قَصَد بِشَرْعِهِ أن يكون هدايةً للخلق

(1)

السنوسي (832 - 985): محمد بن يوسف السنوسي، الحسني من جهة الأم فقيه مالكي من فقهاء تلمسان في عصره من تصانيفه:"عقيدة أهل التوحيد" = ويُسَمَّى "العقيدة الكبرى" و "أم البراهين" = انظر: "شجرة النور الزكية"(1/ 266)

(2)

الصاوي (1175 - 1241 هـ): أحمد بن محمد الصاوي، الخلوتي، شهاب الدين، أبو العباس فقيه مالكي، متصوف، تلقى العلم في الأزهر من تصانيفه:"الفرائد السنية على متن الهمزية" و "حاشية على تفسير الجلالين" = انظر: "شجرة النور الزكية"(1/ 364)

(3)

"شرح الصاوي على جوهرة التوحيد"(249) .

(4)

انظر: "الرسالة المَدَنيّة" للإمام ابن تيميّة (31) .

ص: 48

وعِصْمةً لهم من الضلال. فإحراز الظاهر الحقيقي يستلزم لحظ الضوابط التالية:

الضابط الأول: أن الألفاظ -كما هو معلوم - قوالبُ المعاني. فاللفظ يكون له معنى معجَميٌّ إذا تجرَّد عن التركيب، وقد يكون له معانٍ أخرى تظهر حين الاستعمالِ. وهذا المعنى "الاستعمالي" لا يَسْتَبينُ مدلُولُه إلا من خلال تركيبه؛ فإن من سَنَن العَرَبِ في خِطَابها التَوسّع في الاستعمال، فيخاطبون-مثلًا-الجميع بلفظ الواحد، والواحد بلفظ الجميع، والجميع الذي يُراد به الاثنان

(1)

، ويسمون الشيءَ باسم الشيء إذا جاوره

(2)

. = فمن لم يلحظ هذا المنزع = أَخطأَ في فَهْم الوحي الذي جاء على وفق معهودهم في الخطاب، قال الإمام مكي بن أبي طالب رحمه الله: (و لا يَحْسُنُ نقلُ المعروفِ في كَلامِها

(3)

إلى غَيْرهِ إلَاّ بِحُجَّةٍ ودليلٍ يَجِبُ له التَّسليم)

(4)

الضابط الثاني: أنّ من الغَلَطِ المُحقَّق حين تناول النص تجريدُ اللفظ من تركيبه وسياقه، ثم قَصْر الظاهر على ما يتبادر من اللفظ مجرّدًا

(1)

انظر: "الصاحبي"لابن فارس (348 - 355)

(2)

انظر: "نكت القرآن"لابن القصَّاب (4/ 519)

(3)

أي: في كلام العَرب.

(4)

"الهداية إلى بلوغِ النِّهاية"(10/ 6504) ومكي بن أبي طالب (355 - 437 هـ):هو مكي بن أَبي طالب حمّوش بن محمد، أبو محمد القيسي القيرواني القرطبي، علّامة في القراءات وعلوم اللُّغة، مالكي المذهب، من تصانيفه "مُشكل إعراب القرآن"، و"الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه"=انظر:"السير"(17/ 591) .

ص: 49

عن تركيبه. فهذا -بلا ريب- قصور في تحصيل الظاهر. ثم تجد المخالف يبني على قصور نظرهِ معاندة العقل للظاهر الشرعي.

والحقيقة: أن المُناقضة واقعة بين العقل وظاهره "المتوهم"، لا ظاهر الدليل في نَفْسِ الأَمر. ولهذا المقام أَمثلة عديدة، اجتزئ منها بمثالٍ دالٍّ على المقصود. ومن ذلك: ما جاء في قول الله تعالى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (16)} الملك. فهذه الآية يدل ظاهرها على إثبات علو الله تعالى على مخلوقاته، وهذا الظاهر مُحصَّل بدلالة السياق، وبإدراك العقل المسدَّد. وأما من نَظَر إلى الحرف "في" نظرًا مُجرَّدًا عن سياقه ومتعلقاته؛ فإنه سيتوهم أَن ظاهر الآية أن الله - تعالى - مظروفٌ للسماء، وأنها محيطة به -تعالى الله عن ذلك -؛ ومن ثَمّ يلزم من هذا الفهم المغلوط القطعُ بأَنَّ الآية ليست على ظاهرها، لمخالفتها الدلائل العقلية. لذا ترى ابن جماعة يقرّرُ ذلك بقوله: (اعلم أَن الدَّليل العقلي القاطع، والنقلي الشَّائع على أن الآيات المذكورة

(1)

ليست على ظاهرها؛ لوجوه:

الأول: أنَّ لفظة (في) للظرفية، وتعالى الله أَن يكون مظروفًا لخلق من خلقه. فإن قيل:(في) ها هنا بمعنى (على) كقوله تعالى: {فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} طه: 71

قلنا: هذا مردود لوجهين:

أحدهما: أن ذلك خلاف الأصل، وموضوع الُّلغةِ التي نزل بها القرآن، وممنوع عند المحققين من نحاة البصرة.

الثاني: لو أريد معنى (على) كان لفظه أَفخمَ وأَعظمَ، فإن قوله:

ص: 50

(من على) السماء أَفخم وأعظم من قوله: {مَنْ فِي السَّمَاءِ}

)

(1)

والخطأ الذي وقع فيه ابن جماعة، أَنَّه حَمَلَ اصطلاح النحاة وعُرْفهم المختص في تسمية هذه الألفاظ كـ (في) و (عند) وغيرهما؛ ظروفًا؛ لنوع من المشابهة لَحَظها النحاة بينها وبين ما تواضع عليه أهل اللُّغة من تسميةِ بعض الأشياء ظروفًا وأوعيةً؛ من شأنها الإحاطة بالمظروف، واحتواؤه، كما يحيط الإناء بالمائعات، والمسكن بالساكن = حَمَلها على مواضعة اللغويين حَمْلًا مطلقًا؛ بحيثُ يُحْرزُ اصطلاحُهم هذا المعنى المعروف عند اللغويين بتمامه.

وموطن الغلط: أن النحويين لم يقصدوا ذلك باصطلاحهم؛ بدليل تقسيمهم للظرفية إلى ظرفيةٍ حقيقة، وأخرى مجازية

(2)

والتحقيق: أن هذه الألفاظ المصطلح عليها بالظروف يتنوّع تعلُّقها بمعاني الأَسماء والأفعال؛ بحسب حقائق تلك الأسماء والأفعال، المتواضع عليه في اصطلاح النحويين بـ"المظروفات"، لا أنّ ما أفاده اللفظ في مَوْضعٍ يفيد نَفْسَ المعنى في جميع الموارد؛ فإِنّ طرْد ذلك غَلَطٌ على لسان العرب؛ لأن الأصل عدم الاشتراك.

ومما يوطِّد هذا المعنى: أَنَّ النحاةَ يقولون: رأيتُ فلانًا في الدار. ويقولون: رأيتُ فلانًا في المنام. ويقولون: رأيتُ فلانًا في المرآة = فأنت ترى أَنَّ هذا الحرفَ - أعني (في) - المفيد لمعنى الظرفيَّة المكانيَّة عند النحاةِ؛ قد وَرَدَ في هذه المواطن جميعها. ومن المعلوم أن المعنى

(1)

"إيضاح الدليل"لابن جماعة (113 - 116) وبدر الدين بن جماعة (639 - 733 هـ) هو: محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة الكناني الحموي الشَّافعي، بدر الدين أبو عبدالله قاضٍ، له مُشاركة في العلوم، من تصانيفه:"المنهل الرَّوي في الحديث النبوي"،و"تذكرة السَّامع والمُتكلِّم"=انظر:"الأعلام"(5/ 297)

(2)

انظر: "المقاصد الشافية في شرح الخلاصة الكافية" للشاطبي (3/ 624) .

ص: 51

الظاهر الذي تفيده جملة (في الدَّار) ليس هو ذات المعنى الظاهر الذي تفيده جملة (في المنام) وليس هو المعنى الظَّاهر الذي تفيده جملة (في المرآة) مع كون كلِّ جملة حقيقةً في معناها الذي دلَّت عليه. ومع ذا؛ فالمعنى المُحرز من قولك: (فلان في الدار) أي: ذاته كانت في الدار. وهذا ما لا يُحصّل من قولك: (رأيتُ فلانًا في المنام) ولا محصّلًا كذلك من

قولك: (رأيت فلانًا في المرآة) وكذلك؛ فإن وجود المرئيَّ في المنام ليس مطابقًا لوجوده في المرآة

(1)

.

وزُبْدةُ القَوْلِ أنَّ ما اعترض به ابن جماعة رحمه الله على أهل السُّنَّة والجماعة ليس مُخلَّصًا من كدر الوهم والغَلط، وجميع الأوجه التي ساقها يعلم بطلانها ببطلان أَصلها المذكور آنفًا. وينتظم من ذلك: أن الآية على ظاهرها في إِثبات عُلوِّ الله تعالى على خَلْقِه، وهي حقيقة في معناها التي دلت عليه، وأنَّ مدلولها لم يَنْفِهِ البرهان العقلي. والذي نفاه ليس مدلولها، وإنما هو الظاهر "المتوهَّم".

الضَّابِط الثَّالث: أنَّ الظَّاهرَ الحقيقيَّ لا يُقتصرُ في تحصيلِهِ على نصٍ واحد، بل النَّظرُ يتجه إلى جُملة الدَّلائل الشَّرعية؛ لأنَّ الوحي كالكلمة الواحدة يصدِّقُ بعضُه بَعْضًا.

يقول الإمام الخطَّابي رحمه الله: (القُرآنُ كلُّه بمنزلةِ الكلمة الواحدة

(2)

، وما تقدَّر نُزُوله وما تأخَّرَ في وجوب العمل سواء، ما لم يقع بين الأوَّل والآخر مُنافاة)

(3)

(4)

.

(1)

انظر: "بيان تلبيس الجهميّة"(6/ 253 - 256)، وانظر:"التدمرية"(85 - 86) .

(2)

ليس هذا قيدًا، بل الوحي كلُّه قرآنًا وسُنّةً بمنزلة الكلمةِ الواحدة.

(3)

المُنافاة قد تقع في الأحكام من جِهةِ ورود الحكم الآخر ناسخًا للحُكْمِ المُتقدّم، وأمَّا العقائد فلا تقع المُنافاة بينها؛ لكونها أَخبارًا، والأخبار المحضة مُحكمة لا يتطرَّق إليها نَسْخٌ ولا تبديل.

(4)

نقلاً عن "الجامع لِشُعَبِ الإيمان"للبيهقي (1/ 470) والخطَّابي (319 - 388 هـ):هو حَمْد بن محمد بن إبراهيم بن الخطَّاب القُرشي العدوي البُستي، كان فقيهًا أديبًا، من تصانيفه:"غريب الحديث"،و"معالم السُّنن"=انظر:"مسالك الأبصار"(5/ 453) .

ص: 52

ويقول الإمام الشَّاطبي رحمه الله: (مآخذ الأدلَّة عند الأئمَّة الرَّاسِخين إنّما هي أنْ تؤخذ الشَّريعةُ كالصورة الواحدة؛ بحَسَبِ ما ثبت من كُليّاتِها، وجزئياتها المرتبة عليها ، وعامِّها المُرتب على خاصها ، ومُطْلَقِها المحمول على مُقيِّدها ، ومُجْمَلها المفسَّر بمبينها. إلى ما سوى ذلك من مَنَاحيها. فإذا حَصَل للنَّاظر مِن جُمْلتها حُكْمٌ من الأحكام = فذلك هو الذي نطقت به حين اسْتُنْطِقَت)

(1)

.

الضَّابِط الرابع: أنَّ الدلالة العقليَّة الفطرية والحسيَّة قرينةٌ متصلَةٌ بالخطاب، مبيّنةٌ له، دالّةٌ على الظاهر الحقيقي المراد للمخاطب بخطابه، كدلالة القرائن اللفظية المتصلة - كالشرط، والاستثناء، والصفة - التي لا يُفهم ظاهر الخطاب دونها.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (القرينة المتصلة بالَّلفظ إذا كانت لَفْظيَّةً بيّنت معناه، وكان ظاهره ما دَلَّت عليه. فكذلك القرينة المتصلة -وإن لم

تَكن لفظيَّةً- فالحِسُّ، والظاهرُ، والعقل الذي يُعلم به أَنَّ المخاطبُ لم يُرِدْ

بكلامِهِ ما يخالفه عندهم = قرينة متّصلة؛ إذ لا يظُنُّ المستمعُ بالمُخَاطب أنَّه

أراد ذلك. ومن المعلوم أن فهم الخطاب لا بُدَّ فيه من عِلم المُخَاطَبِ

والمُخاطِبِ جميعًا، فكما أَنَّ عِلْمَ المُخَاطَبِ المُستمع أَنَّ المخاطِب المتكلّم

لا يُريد بلفظه إلا مفهومه ومعناه = يُوجبُ أنْ لا يحمله على غيره = فكذلك

عِلْمُ المُخاطِب المُتكلِّم أنّ المخاطَب المستمع لا يفهم أنه أراد ما يخالف

حِسَّه وعَقْلَه قرينةٌ وضميمة يَضُمُّها إلى كلامه)

(2)

.

(1)

"الاعتصام"للشَّاطبي (2/ 50) .

(2)

"جواب الاعتراضات المصرية"(100)، وانظر:"درء تعارض العقل والنقل"(5/ 236)، و "بيان تلبيس الجهمية"(6/ 251 - 253) .

ص: 53

فإن قيل: هل يَصحُّ أن تقع القرينة الحسيّة متأخرةً عن الخطاب غير محتفّةٍ به، بحيث يفوت الظاهر الحق من الخير الشرعي على جميع السَّلف، ولا تَنْتَصِبُ هذه القرينة الكاشفة عن الظاهر الحقيقي = إلا للخلف؟

فيقال: أَمّا فيما يتعلّق به تكليف فبالاتفاق يمتنع أن يفوت إحراز الظاهر على المخاطَبين في زمن التشريع، ومَنْ بَعْدَهم = لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة

(1)

أما فوات الظاهر فيما لا تكليف فيه؛ كأنْ يُخبِر النَّصُّ الشرعيُّ بشيءٍ من الأمور الكونية الطبيعيَّة، فيكون ما كان ظاهرًا للسَّلف مناقضًا للحقيقة الموضوعيَّة التي لا تتحرر إلَاّ للخالفين ممن جاء بعدهم = ذهب إلى ذلك العَلاّمة عبد الرحمن بن يحيى المعلمي رحمه الله. وفي تقرير ذلك يقول: (سمعت بَعْضَ العلماء يقول: إن القرآن لم يُنَزَّلْ لتعلّم الطبيعة، والفلك، والتاريخ، والتشريح، والطب، ونحو ذلك من العلوم الكونية. وإنما نُزِّل لبيان الدِّين عقائدَ وأحكامًا، وإنما يذكر بعض ما يتعلق بالطبيعة والفلك

ونحوها لمغزىً ديني

وهكذا السُّنَة

ومقصودُ هذا العالِم - على ما فهمته -: أنّه لا يَصحُّ الاستناد إلى ظاهر آية من القرآن أو حديث من السنة في تقرير أمر من تلك العلوم الكونية؛ كما هو بالنسبة إلى غالب الناس غيبٌ

والمقصود: أن قول ذلك العالم: إِنَّ الشريعة إنما جاء لتعليم الدين عقائد وأحكامًا، وأما ما جاء فيها مما يتعلق من العلوم الطبيعية والتاريخ فليس المقصود من ذكره التعريف بكنهه وحقيقته وكيفيته مفصلًا، وإنما يُذْكَرُ تَنبيهًا على الآيات والمَثُلات = كلّ هذا صحيح، ولكن: هل يقتضي هذا جوازَ أن يكون الواقع في تلك الأمور خلافَ ظاهر الخبر

(1)

انظر: "المُسوَدَّة في أصول الفقه"(1/ 392) .

ص: 54

الشرعي؟ قد كنت أُنكر هذا أشَدَّ الإنكار، وأقول: إن الظّاهر حجةٌ قطعية، وإنه إذا كان الواقع خلاف ظاهر الخبر = كان الخبر كذبًا، وإن لم يكن المقصود من الخبر بيان ذلك الأمر = ثُمَّ رأيتُ في أصول الفقه مسألةً تعضد ما قاله ذلك العالم، وهو قول بعضهم: إنَّ النص إذا سيق لمعنى غير بيان الحكم وكان عامًّا؛ لا يُحتَجُّ بعمومه في الحكم، ويمكن أن يَطَّرد ذلك في سائر الدلالات الظاهرة. ووجه ذلك: أنَّ المُتكلِّم إنما يعتني بالمعنى المقصود بالذات، وأما ما ذكر عَرَضًا فإنَّه لا يعتني به؛ كأنه يَكِلُ تحقيقَ حكمه إلى مَوضْعه

فإن قلتَ: فهل يجوزُ أن يُخبر عن شيء من الطبيعيات بكلام ظاهره مخالف للحقيقة؟ هذا هو موضوع السؤال.

قلت: أمّا إذا ثبت أَنَّ الظاهر في مثل ذلك لا يُعتدُّ به، بل يحتمل أنَّه مراد، ويحتمل أنه ليس بمراد، فلا مانع من ذلك؛ إذا لم يبق ذلك الظاهر ظاهرًا.

فتدبّر!

فإذا أطلق الشارع نصًا في حكم لم يحضر وقته، وللنَّصِّ ظاهر لفظي، ثم بيَّن عند الحاجة ما يرفع ذلك الظاهر = لم يلزم من إطلاق النص كَذِبٌ، ولا شبه كَذِبٍ. فتدبّر، وأمعن النظر! ثم نقول: معرفة صفات الأمور الطبيعية ليس لها حاجة في الشَّريعة أصلًا، فلا مانع مِن ترْك بيان ما يتعلق بها أصلًا، وإنّما يظهر البيان عندما يطّلع الإنسان على صفة فعل الشيء، فيتبين له حينئذٍ المعنى المراد من النص. ولا يلزم كذب ولا شبه كذب؛ إذا تبين أن الواقع خلاف الظاهر اللفظي من النص

(1)

ثم إنه رحمه الله استدلَّ على جواز تأخُّرِ القرينة التي تدل على خلاف

(1)

"رسالة في حقيقة التأويل"(109 - 122)

ص: 55

الظاهر للمخاطبين أثناء الخطاب بقول النبي صلى الله عليه وسلم لأزواجه لمّا سألنه: أيهنَّ أسرع لحوقًا به؟ "فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أسرعكن لحاقًا بي، أطولُكُنّ يدًاقالت: فكنّ يتطاولن أَيتُهن أطولُ يدًا. قالت: فكانت أَطولُنا يدًا زينب؛ لأنّها كانت تعمل بيديها وتصَّدَّق)

(1)

.

ما ذكره العلامة المعلمي رحمه الله مرجوحٌ نظرًا. ووجه ذلك: استحالة أَن يخبر الشارع بأمر يَظْهر للسلف منه غير المراد، ويَعْزُب عنهم درك ظاهره الحقيقي، ولو كان الخبر وارادًا تبعًا لا بالقصْد الأوَّل للشَّارع؛ إذ يلزم من هذا القول لوازمُ باطلةٌ، منها: أَنَّ في ذلك تجويزَ أن يدلّ ظاهر الخبر على أَمر مناقضٍ للحقِّ في الواقع. هذا الأمر الأول.

والأمر الثاني: تجويز أن يعتقد السَّلف ما هو نقيض الحق في نفس الأمر، ولو في أمرٍ لا صلةَ له بالمقاصد الأصلية للشارع.

الثَّالث: أَنَّه على هذا القول لا يتأتَّى الجزم بالظاهر؛ لأنه مُناط بتصحيح الواقع المجهول؛ إذْ من المعلوم أن كثيرًا من المُكتشفات الطبعية يَدّعي ابتداءً أَصحابُها أنّها قطعيَّةٌ، مع كونها في الحقيقة نسبيَّة؛ لورود ما يَنْقضها ويَحِلّ مكانَها. فيبقى الظاهر الذي أخبر به من يَمْلك الحقيقة القطعية = مُعطَّلًا، ومُرْتَهَنًا لفوضى النَّظريات.

ومما يدل على مرجوحيَّة ما ذكره رحمه الله تجويزه أن يُقرَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أصحابه على المعنى الظاهر المناقض للواقع، مع عِلْمِه صلى الله عليه وسلم بأن ما ظهر لهم ليس هو الحق؛ لكون هذا الظاهر لا يضرّهم في دينهم، أو لكونه مما يَدِقّ على أَفهامهم! وفي ذلك يقول: (المعلم النَّاصح يتجنّبُ أن يَخْرج بالطالب في الدرس عن ذلك العلم. فهكذا النبي صلى الله عليه وسلم كان يتجنّب

(1)

أخرجه البخاري في: كتاب "الزكاة" باب رقم "11"(2/ 110 - رقم (1420))، ومسلم في كتاب "فضائل الصحابة" باب "من فضائل زينب أم المؤمنين رضي الله عنها"(4/ 1907 - رقم (2452)) واللفظ لمسلم

ص: 56

أن يشغل الناس بما لم يُبعث لأجله؛ بل كثيرًا ما يُقرُّهم على ما يعلم أنّه خطأٌ وغَلَطٌ؛ لأن ذلك لا يضرُّهم في دينهم. فإذا دعت المصلحة إلى ذكر ما يتعلّق بشيءٍ من الأمور الطبيعية ذَكره على وجه لا يجرُّ إلى إيقاع السامعين في الخوض في أحوالها الطبيعية، فيشتغلوا بذلك عن المقصود. ومن ضرورة هذا المعنى: أَن لا يذكر لهم في الأمور الطبيعية خلاف ما يعرفون، أو يذكر لهم مما لا يعرفون شيئًا فيه دِقّةٌ وغرابة؛ فلا يذكر لهم مثلًا: الأرض كُروَّيةٌ، أَو أَنَّها تدور)

(1)

ففي مطاوي كلامه رحمه الله من مُسْتكره اللوازم التي يُعلم عدم قصده لها =ما يُشرِف بك على فساد ملزومها. فإِن في تجويز كَثْرة إقرار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه على الخطأ؛ ولو في أمرٍ لا يضر بدينهم =سَلْبٌ لصفةِ النّصح عنه صلى الله عليه وسلم - من حيث لا يشعر -، وإن كان قصْدُه رحمه الله نقيضَ هذا المعنى. فهذه مغلطةٌ.

والمغلطة الأخرى: أَنَّ لازم قوله تجهيل الصَّحابة، واتصافهم بالسذاجة وضحالة الفهم؛ بحيث يمكن أنْ يغمُض عليهم جميعًا معاني الظواهر المتعلقة بالكون. ومما يقطع بفساد ما ذكره رحمه الله من جواز أن يخفى الظاهر الحقيقي عن السَّلف = أنه لم يجد دليلًا لتصحيح ما قَعّد لَهُ = إلا حديث عائشة رضي الله عنها؛ مما يدّلُ على وَهْن الأَصل وتَرَهُّلِهِ.

وما استدل به لا يصلح للاستدلال في هذا المقام لعلتين:

الأُولى: أن دليله ليس متعلقًا بالأمور الطبعية والكونية أَو الطبية، أَو التَّاريخيَّة؛ فهو استدلالٌ بما هو خارجٌ عن مَحل النِّزاع.

العلة الأخرى: أَنَّ سؤال أَزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن أَيتهن أَسرع لحوقًا به =هو سؤالٌ عن فضيلةٍ. ومَيْسمُ ذلك: حرصهن رضي الله عنهن على معرفة ذلك؛ إذ من المعلوم من حالتهن وحال الصحابة عمومًا ترْكُ الأسئلة التي لا يندرج تحتها فائدة شرعية؛ فيبعد -على ذلك- أن يطرقن هذا السؤال مجرّدًا عن

(1)

" رسالة في حقيقة التأويل "(119)

ص: 57

الغاية والغرض = فإذا ثبت ذلك؛ كان جواب النبي صلى الله عليه وسلم مناسبًا لسؤالهن، بعد أن أطْلَعَهُ الله تعالى على أيِّ نسائه أسْرَع به لحوقًا، مضمنًا جوابه ما يُلمِحُ بأن هذه الفضيلة تُدرَك بفضيلة. فالقرينة المبينة لخطابه محتفّة بجوابه صلى الله عليه وسلم، وانقداح الظاهر المُتوهم لأزواجه رضي الله عنهن لا يرفع الظاهر الحقيقي الذي أراده النبي صلى الله عليه وسلم؛ فيكون فوات الصواب في فهم مراده صلى الله عليه وسلم واقع منهن. وجائزٌ أن يفوت فهم مراده عن بعض أَفراد أَصحابه؛ وإِنما الممتنع -والذي هو مَحلُّ النزاع- أَن يفوت الظاهر على جميع أصحابه رضي الله عنهم.

فإن قيل: تَرْكُه صلى الله عليه وسلم لهن على ما فهمنه من خطابه؛ بدليل المقايسة بينهن = برهانٌ على إقراره صلى الله عليه وسلم على الخطأ؛ وهو المطلوب إثباته.

فيقال: يكون التَّرك إِقرارًا لو أنَّ المُقايسة بالأيدي وقعت بحضرته، أو في حياته، أو حصل التصريح بهذا الظاهر المتوهَّم من خطابه صلى الله عليه وسلم أمامه = وكل ذلك لم يُقِم العلامة عبد الرحمن المعلمي برهانَ التصحيح عليه. والذي يبرهن أن هذا الإقرار منه صلى الله عليه وسلم على خطأ الظاهر الذي فهموه منتفٍ = هو ما أخرجه الحاكم في مستدركه عن عائشة رضي الله عنها قالت: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأزواجه: (أسرعكن لحوقًا

بي أطولكن يدًا) قالت عائشة: فكنا إذا اجتمعنا في بيت إِحدانا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم لنمدُّ أيدينا في الجدار نتطاول، فلم نَزَل نفعل ذلك حتى تُوفّيت زينب بنت جحش

)

(1)

فهذا برهان صَادِعٌ يُبطِل القول بإمكان إِقرار النبي صلى الله عليه وسلم أَصحابه على خطأٍ فهموه من خطابه.

(1)

أخرجه الحاكم كتاب " معرفة: الصحابة " باب " ذكر زينب بنت جحش ل"(4/ 25) قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه ولم يتعقبه الذهبي، واستشهد به= =الحافظ ابن حجر وصنيعه يدل على صحة الحديث عنده انظر:"فتح الباري"(3/ 363)

ص: 58

وبعد بيان مناحي الغَلَط في كلام العلامة عبد الرحمن المعلمي: يبقى السؤال: هل يمكن أَن يظهر للمتأخرين معنى صحيح في نفسه للخبر الشرعي لا يناقض ما ظهر للمتقدمين من سلف هذه الأمّة؟

= والجواب: نعم، قد يكون في الخبر الشرعي المنطوي على إِشاراتٍ للأمور الكونية والطبيعية، ما يُفهم من ظاهره لمن كان في زمن التشريع معنى صحيحًا، ثم يظهر للمتأخرين بَعدُ بوسائلهم الحديثة معنى صحيح آخر قطعي الثبوت؛ يحتمله الخبر من جهة اللُّغةِ والسياق، ولا يناقض المعنى الأوَّل. وحينئذٍ يُمْكِن حَمْل الظاهر على هذين المعنيين؛ لأنَّ اللَّفظَ -حسبما تقرر في القواعد- متى احتمل معنيين وأمكن الجمع بينهما، لكون الاختلاف بينهما اختلاف تنوع لا تضادّ = جاز

(1)

.

والذي يعتقد أَن توظيف القرينة العقلية لفهم الخطاب؛ هو في جليَّة الأمر لا يعدو أَن يكون تقديمًا للعقل على النقل = فقد أَخطأ في اعتقاده؛ لأنَّ القرينةَ العقليَّة - كما سبقت الإبانة- فطريّة كانت، أو حِسِّيَّة= من مُحصلات الظاهر الذي قَصَدَهُ المُتكلِّم بكلامه. والتَمايزُ بين قولِ من يقول بأن العقلَ وظيفتُه تَطَلُّب مَقَاصد المُخَاطِبِ بخطابه، وبين قول من يَعدُّ ذلك تقديمًا للعقل = لائح، والاختلاف حقيقي، لا لفظي

(2)

وبيان مدرك المُنَافَاةِ بين القولين يتأتّى في الوجهين التاليين:

الأوَّل: أَنَّ في هذا القول تَوْهينًا لجانب النَّصِّ، وإزهاقًا لِحُرْمتِهِ، ورَمْيًا له بجريانه على نقيض الدلائل العقلية القاطعة.

الثاني: أَنَّ من لوازم القول بالتقديم = إِهدارَ النَّصِ ودلالته، والاستغناء بالدلالة العقليَّة؛ فيكون مراد صاحب الخطاب غير مستفاد من خطابه ألبتَّة.

(1)

انظر: " مقدمة في أصول التفسير " للإمام ابن تيمية (50)

(2)

كما يقرره الشيخ أبو عبد الرحمن ابن عقيل - غفر الله له - في " قانون التوفيق بين الدين والعقل "(131)

ص: 59

وأَمَّا دَعوى الشيخ أَبوعبد الرحمن ابن عقيل الظاهري بأنَّ تقديم العقل "لا شنعة فيه، ولا محادّة للشَرْع" =فهي لاتصح.

وتعليله عدم الشناعة بالنظر إلى الأمور التالية، حيث قال:

1 -

(أنَّ تقديم العقل لا يعني تقديم العقل في الرُّتبة. . بمعنى: أن ما تيقنه العقل أَصحّ مما جاء به الشرع = وإنما المعنى أَنّ يَقِيْنَ العقل متحقق في هذه الصورة، وهو دَالٌّ على أن نسبة الخبر إلى الشرع غير يقينية بهذا الوجه.

2 -

أنَّ التقديم ليس لِمُطْلَق ما قيل: إنه معقول؛ بل ما دخله الاحتمال من المعقولات المعارِضة للخبر؛ فلا يكون أولى بالتقديم. بل المجال هاهنا مجال ترجيح للشرع؛ لظهور صحّته، وقطعيته. ودخول الاحتمال على المعارض = وإنما التقديم لقطعيَّة عقليَّة لا يَرِدُ عليها احتمال.

3 -

أَن اليقين في العقل حاضر مُسْتدرك جلاؤه، وتصحيحه: بتحليله؛ حتى يقف عند ضرورة عقلية بدهية، أو ضرورة عقلية مكتسبة. والخبر تحصَّل لنا ظاهر صحته ثبوتًا ودلالة، ثم حَضَر يقين عقلي يشككنا فيه. وقد غَرْبَل المفكرون اليقين العقلي، فلم يَرِدْ عليه قادح. والخبر الذي ظاهره الصحة غير مستدرك وجه نقله؛ لأنه لمّا جاءنا مصحّحًا بلا خلاف = عَلِمْنا أن العلماء فاتهم وجه الخطأ في إسناده، أو دلالته؛ فكان ذلك غير مستدرك. وقد يَسْتَدرِك اللاحق ما لم يستدركه السابق. والاحتمالات غير المستدركة الواردة على الإسناد والدلالة كثيرة جدًّا

)

(1)

= فهذا اعتلال في تضاعيفه صنوف من المآخذ، اسَّسَها على إمكان حدوث التعارض. والحقُّ - كما سلف - أنه لا تعارض بين الظاهر النقلي واليقين المحصل من العقل؛ فإن يقينَ العقل -إنْ تحقق في صورةٍ- دَالٌ على مَقْصَدِ النصّ، لا مُعارضًا له؛ كما تَوهّم. هذا أَمْرٌ.

(1)

" قانون التوفيق بين الدين والعقل "(137 - 138)

ص: 60

الأمر الثاني: أَنَّ جزْمَه بانتفاء الاستدراك على اليقين العقلي لارتفاع القوادح عليه؛ دون الجزم بانتفاء الاستدراك على الخَبَرِ الذي لا خلاف في تصحيحه؛ لِفَوْت وجه الخطأ على العلماء في إسناده ودلالته = باطل؛ لأن انتفاء القوادح على المُقدِّمات اليقينيّة لا يلزم منه يقين نتائجها؛ لاحتمال عدم انتفاء القوادح على الواسطة بين المقدمات ونتائجها. فيكون مَنْبعُ الزلل من جهة تحقيق مناط المقدمة المتيقّنة على نتيجتها وفرعها. ثم إن الاتفاق على تصحيح الخبر دافع للاستدراك على صحته ثبوتًا ودلالة؛ لأن العصمة المحصّلة من الاتفاق أَقوى من مما يُظَنّ أنه يقين عقلي؛ لأَنّ إِجماع أَهل الحديث واقع على أَمر شرعي، يمتنع أَن يكون إجماعًا على خطأٍ؛ لسبق القضاء الكوني بِحفظِ الله لهذه الأُمة من نفوق الخطأ عليها. ثُمَّ إنَّه يمتنع أَن يُصحّح أئمة الحديث وصيارفته حديثًا مع معرفتهم بمخارج الحديثِ، وأَحوال الرُّواة، وما يَصِحُّ نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم وما لا يَصِحُّ =ثُمَّ تقعُ الغفلة منهم عَن مُناقضة النَّص للضَّرورة العقليَّة!؛هذا لا يكونُ أَبدًا. والواقع برهان على ذلك.

لذا كان الصدور عن أحكامهم ونظرهم للأَخبار =هو القَدْر المتحتِمُ لزومه على من ليس من أَهل هذه الصِّناعة الشَّريفة.

يقول الإمامُ أَبوالمظَفَّرِ السَّمعاني رحمه الله: (اتَّفَقَ أَهلُ الحديثِ أَنَّ نقدَ الأَحاديثِ مَقْصورٌ على قومٍ مخصوصين فما قبلوه؛ فهو المقبول، وما ردُّوه فهو المردود. وهم أَبو عبدالله أحمد بن حنبل الشَّيباني، وأَبو زكريا يحي بن مَعين البغدادي، وأبو الحسن علي بن عبدالله المديني، وأبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ...... وجَماعةٌ يكثُر عددهم، ذكرهم عُلماءُ الأُمَّة =فهؤلاء وأَشْباههم؛ أَهل نَّقدِ الأحاديث، وصيارفَةُ الرِّجالِ. وهم المرجوعُ إليهم في هذا الفنِّ، وإليهم انتهتْ رئاسةُ العلمِ

ص: 61

في هذا النَّوعِ =فَرَحِمَ الله امرءًا عَرَف قَدْر نَفْسِهِ وقد بضاعته من العلم، فيطلب الرِّبحَ على قَدْرهِ)

(1)

وقال الإمامُ أَبو شامة المقدسي رحمه الله: (وأئمةُ الحديثِ هم المُعتبرون القدوة في فَنِّهم؛ فوجب الرُّجوعُ إليهم في ذلك، وعرض آراء الفقهاء على السُّنَنِ والآثار الصَّحيحةِ، فما ساعده الأثر فهو المعتبر، وإلَاّ فلا نُبْطِلُ الخبر بالرَّأي، ولا نُضعّفه إن كان خلافَ وجوه الضَّعف من عِلل الحديثِ المعروفةِ عند أَهله، أو بإجماعِ الكافَّةِ على خلافه)

(2)

ومما يبرهن على خطأ الشيخ ابن عقيل فيما قررّه =أنَّه يُقِر بأن ما ساقه المخالفون لأهل السنة والجماعة من معارضات عقلية على النصوص الشرعية المتعلقة بالغيبيات، والتي تدور على طلب تكييف وتحديد كَمِّي لأمرٍ مغيّب، أو المتعلقة بالقسم الطلبي من الشريعة، بإحالة ما يتعلق بالعبادات المَحْضَةِ = أن تلك المعارضات باطلةٌ، مع كونها عند أَصحابها من اليقين العقلي الذي لا يمكن الاسْتدْراكُ عليه!!

فتحرّر من ذلك: أن الواقع يشهد أن اتفاق أَهل الحديث على صحة خَبَرٍ مُحْكَمٌ لم ينكسر؛ إذْ لم يُرَ لهم نِزَاعٌ بعد اتفاق. على ضِدّ حال المعترضين على النصوص؛ فإِن النزاع فيما يدَّعون أنَّه من بديهة

(1)

"قواطع الأدلَّة "(2/ 407 - 411) وانظر: "شروط الأئمَّة"لابن منده (42) وأَبو المظفَّر السمعاني (426 - 489 هـ):منصور بن أحمد بن محمد بن عبد الجبار التيمي، أبو المظفَّر السمعاني= =المروزي مُفتي خُراسان وشيخ الشَّافعيَّة، من المنتصرين للسُّنَّة والجماعة، من تصانيفه:"البرهان"،و"الأمالي في الحديث"=انظر:"السير"(19/ 114)

(2)

"المؤمل في الرَّدِّ على الأمر الأوَّلِ"(3/ 30 - ضمن مجموعة الرسائل المنيرية) وأَبو شامة المقدسي (599 - 665 هـ):هو عبدالرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم، شهاب الدِّين أبو شامة المقدسي، أحدُ أئمة الشَّافعيَّة برع في فنون العلم، من تصايفه "الباعث على إنكار الحوادث"،و"السملة الكبير"=انظر:"طبقات الشافعية الكبرى"(8/ 165) .

ص: 62

العقل قائم. واتفاقهم مُنْثَلِمٌ لم تتحقق له صورة تصدّقه؛ فليس من بديهة العقل إذن نَبْذُ عصمة الاتفاق، والتعلّق بأذيال الافتراق.

ومما يَجتثُّ هذه الدَّعوى من جَذْرِها = ما تراه من انعدام المثال الصادق، والصورة الصحيحة للتعارض بين الدلالة العقلية القاطعة و ظَوَاهر النُّصوصِ؛ فإنّ كل ما مَثّل به الشيخ أبو عبد الرحمن يكشف عن خَللٍ في التنظير، جَرَّه إلى أَخطاءٍ في التخريج والتطبيق. وليس من حظِ هذه المقدمات استيفاء الكلام عن أمثلته؛ لذا سأكتفي بخبر واحدٍ، ظَنّ الشيخ - عفا الله عنه - معارضته ليقين العقل، وهو ما رواه أبو موسى الأشعري رضي الله عنه قال:(لما أُصيب عمر جَعَل صهيبٌ يقول: وا أَخاه!! فقال عمر: أَما علمت أَنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنّ الميت لَيُعذّب ببكاء الحي)؟!

(1)

وهذا الحديث رواه طائفة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم: عمر بن الخطاب، وعبد الله بن عمر

(2)

، والمغيرة بن شعبة

(3)

، وغيرهم رضي الله عنهم.

قال الشيخ أبو عبدالرحمن الظاهري معقبًا على هذا الحديث: (نَجِدُ صورًا يجب فيها تقديم العقل على النقل؛ نجد ذلك في صور ظَهَرَ فيها تنافي التناقض أَو التضادّ في أَذهاننا؛ لا في الواقع، كالخبر الصحيح: بأن الميت يُعذّب ببكاء أهله عليه. مع العلم القطعي بأنه لا تزر وازرة وزر أخرى

فتقديم العقل في هذه الصور لا يعني تكذيب الشَرْع، وإنما يعني الأَخذ بالراجح

(1)

أخرجه البخاري في كتاب " الجنائز " باب " قول النبي صلى الله عليه وسلم يعذب الميت ببعض بكاء أهله إذا كان النوح من سنته "(2/ - رقم [1290] ومسلم كتاب " الجنائز " باب " الميت يعذب ببكاء أهله (2/ 640 - رقم [927])

(2)

أخرجه البخاري في كتاب: " الجنائز " باب " قول النبي صلى الله عليه وسلم يعذب الميت ببعض بكاء أهله إذا كان النوح من سنته "(2/ 79 [1286 - 1288]) ومسلم في: كتاب " الجنائز " باب " الميت يعذب ببكاء أهله عليه "(2/ 640 - رقم [928])

(3)

رواه البخاري في كتاب: " الجنائز " باب " قول النبي صلى الله عليه وسلم يعذب الميت ببعض بكاء أهله إذا كان النوح من سنته "(2/ 80 - رقم [1291]) ومسلم في كتاب " الجنائز " باب " الميت يعذب ببكاء أهله "(2/ 643 - 644 - رقم [933])

ص: 63

من الدليلين؛ وهو اليقين المتعيّن في العقل لابتغاء العلم بغير المتعين في ظاهر الخطاب الشرعي. والرجحان هاهنا تعيَّن في العقل تعينًا لا احتمال فيه بأن تعذيب الله للميت بغير فعل منه =ليس من العدل الذي أَوجبه ربنا على نفسه؛ إذ حَرَّم الظلم على نفسه، وليس مِن عصمة الشرع التي حَكَم بها العقل ابتداءً، وتنافي ما بَيَّنه الشرع: أن المكلف مسؤول عما جناه مباشرةً، أو بتسبب. وليس مسؤولًا عن جناية غيره)

(1)

فتلحظُ أَنَّ الشيخَ ابن عقيل-عفا الله عنه- لم يُصِبْ في أَمرين:

الأوَّل: توهُّمه أَنَّ ظاهر الحديث هو معاقبة الميت بلا وزرٍ اقترفه، ولا ذنب جناه.

ثم قاده ذلك إلى:

الأمر الثاني: أنَّ هذا الظاهر مَدْفوع بيقين العقل، وضرورة الشرع = فكان هذا الدفع مثالًا - عنده - لتقديم العقل على النَّقل.

ومكمن الغَلَطِ في هذين الأمرين، يتحرر من طريقين:

الأول منهما: أنَّه على تقدير صحة القول بأن ظاهر الخَبرِ هو معاقبة الميت بلا سبب منه = فإِنَّ صَرْفَ هذا الخبر عن هذا الظاهر لا يُعدُّ تقديمًا للعقل؛ لأنَّ توظيف الضرورة العَقليَّة في هذه الصورة =إِعمال لبديهة العقل لتحصيل المراد من النَّصِ، ودفْع الظاهر المتوهم.

فإنْ قال الشيخ: إنَّ هذه الصورة ليس فيها إِعمالُ عقلٍ لتحصيل الظاهر، وإنما تقديم للعقل بترجيح يقينه على النقل؛ لِتَعَسُّر تأويل ظاهره إلا بِكُلْفَةٍ.

فيقال: إِنَّ رَدَّ الخبر - لو صح حينئذٍ - ليس تقديمًا للعقل على النَّقل عند التحقيق، إنما هو تقديم لدلالة نقليَّةٍ قاطعة على دلالة نقليَّة ظنيَّة؛ لإقراره بأن الموجب لاستنكار الخبر لمن لم يتحرر له ظاهره = مناقضته لقوله تعالى:{أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (38)} النجم. وهذا هو موجب

(1)

" قانون التوفيق بين الدين والعقل "(22) وانظر: كذلك (63 - وما بعدها، 86)

ص: 64

التقديم عند بعض الصحابة رضي الله عنهم الذين رَدّوا الخبر لظنهم معارضته لمدلول الآية. فقد روى ابن أَبي مُليكة، قال: (توفّيْت لعثمان ابنةٌ بمكة، وجئنا لنشهدها، وحضرها ابن عمر وابن عباس، وإني لَجَالسٌ بينهما

-أو قال: جلست إلى أحدهما -، ثم جاء الآخر فَجَلس إلى جنبي، فقال عبد الله بن عمر لعمرو بن عثمان: "ألا تنهى عن البكاء؟ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الميت يُعذَّب ببكاء أهله فقال ابن عباس: كان عمر يقولُ بعضَ ذلك، ثم حَدَّث، قال: صَدَرْتُ مع عمر من مكة، حتى إذا كنَّا بالبيداء إِذا هو بِرَكْبٍ تحت ظِلّ سَمُرة، فقال: اذهب فانظر من هؤلاء الركب، قال: فنظرت فإذا صُهيبٌ، فأخبرتُه، فقال: ادْعه لي. فرجعتُ إلى صهيب، فقلت: ارْتحِل فالحقْ أَميرَ المؤمنين.

فلما أُصيب عمرُ دَخَل صُهيب يبكي، يقول: وا أَخاه! وا صاحباه! فقال عمر: يا صهيب، أتبكي عليَّ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إن الميت يُعذَّب ببعض بكاء أَهله عليه)؟! قال ابن عباس: فلما مات عمر ذكرتُ ذلك لعائشة، فقالت: رَحِمَ الله عمرَ، والله ما حَدَّث رسولُ الله صلى الله عليه وسلم (إن الله ليعذِّب المؤمن ببعض بكاء أهله عليه) ولكنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(إن الله ليزيد الكافر عذابًا ببكاء أهله عليه) وقالت: حَسْبُكم القرآن {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} الزمر: 7 قال ابن عباس رضي الله عنهما عند ذلك: واللهُ هو أضْحكَ، وأبكى. قال ابن أبي مليكة: والله ما قال ابن عمر رضي الله عنهما شيئًا)

(1)

فعائشة وابن عباس إنّما عارضا الرواية؛ لظنهما معارضتها للقرآن، لا لكونها معارضة للعقل. وهذا ظاهر. لذا قال الحافظ ابن حجر رحمه الله بعد أن ساق قولَ من يحتجّ بالحديث من الصحابة-: (ويقابِلُ قولَ هؤلاء

(1)

أخرجه البخاري في: كتاب "الجنائز" باب "قول النبي صلى الله عليه وسلم يُعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه"(2/ 80 - رقم [1286 - 1288])، ومسلم في كتاب "الجنائز" باب "الميت يعذب ببكاء أهله عليه"(2/ 640 - رقم [928])

ص: 65

قولُ مَن رَدّ هذا الحديث وعارضه بقوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الزمر: 7]

)

(1)

وهذا التقرير هو على تَقْدير التسليم بأن ظاهر الحديث هو ما ظنه. والحقيقة: أن ظاهره لا ينافيه العقل؛ فضلًا عن الدلائل النقلية. والذي ظنه منافيًا لهذا الظاهر، ليس هو مدلوله ولا ظاهره.

بيان ذلك: أنّه قَصَرَ معنى العذاب على العقاب. والصواب: أَنَّ العذاب أَعمّ من العقاب؛ فكل عِقابٍ عذاب، لا العكس. ومما يبرهن على هذه الدَّعوى الدَّلائل التالية:

- تسمية الله تعالى على لسان أيوب عليه السلام ما ابْتَلِى به عبدَه عذابًا فقال: {أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41)} ص: 41 والعذاب هنا بمعنى: الضُرّ في بدنه، وأهله الذي ابتلاه الله به

(2)

، لا على سبيل العقوبة له عليه السلام؛ وإنما ابتلاءٌ له.

ومن البراهين الدالة على بطلان قصر مفهوم العذاب على العقاب: ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (السَّفرُ قطعةٌ من العَذَابِ يمنع أَحدكم طعامَه وشرابه ونومه، فإذا قضى أحدكم نَهْمَتَهُ من سَفَرِه فَلْيعجِّل بالرجوع إلى أهله)

(3)

فَسَمَّى النبي صلى الله عليه وسلم السَّفر قطعةً من العذاب. ومن المعلوم أنه إنما أراد الألم الحَاصِلَ للمسافر على جهة العِقَاب.

ومن براهين ذلك أيضًا: أن من العقوبات ما يصيب غيرَ المعاقب؛

(1)

"فتح الباري"(3/ 197 - ط دار السلام)

(2)

انظر: "جامع البيان" لابن جرير (20/ 106 - 107 - ط دار هجر)، و "معاني القرآن وإعرابه" للزجاج (4/ 334)

(3)

رواه البخاري في كتاب: "العمرة" باب "السفر قطعة من العذاب"(3/ 8 - رقم [1804])

ص: 66

فيكون مصيبة في حقه، كما قال صلى الله عليه وسلم:(إذا أنزل الله بقومٍ عذابًا أصاب العذابُ من كان فيهم، وبُعِثُوا على نياتهم)

(1)

فإذا تَحَصَّل من ذلك عموم معنى العقاب = عُلِم أنّ ما يجده الميت من الألم بسبب النياحة عليه قد يكون عقوبةً له؛ إن كان من سُنَّة أَهله فِعْلُ ذلكَ، ولم ينههم، أو أمَرَ به بعد موته. وقد يكون ما يجده من الألم من جرَّاء ذلك من جنس الضغطة، وانتهار الملكين، والمرور على الصراط، وغيرها من أهوال يوم القيامة. فهذه الآلام تكون سببًا لتكفير خطايا المؤمن.

وفي بيان هذا المعنى يقول الإمام ابن تيميَّة رحمه الله: (فهذا الحديثُ قَبِلَه أَكابر الصحابةِ مثلُ عمرَ، وهو يُحدِّث به حين طُعن، وقد دخل عَليه المهاجرون والأنصار، وينهى صهيبًا عن النياحة، ولا ينكر ذلك أَحد. وكذلك في حال إمرته يعاقِبُ الحيَّ الذي يُعذِّب الميتَ بفعله. وتلقاه أكابر التَّابعين مثل سعيد بن المسيب وغيره، ولم يَردُّوا لَفْظَه، ولا معناه. . والذي عليه أَكابر الصحابةِ والتابعينَ = هو الصواب؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يُعذِّب) ولم يقل: (يعاقب) والعذابُ أعم من العقاب

فالعذاب هو: الآلام التي يُحْدِثُها الله تعالى؛ تارةً يكون جزاءً على عَمَل فيكون عقابًا، وتارةً يكون تكفيرًا للسيئات. . ثم ذلك الألم الذي يَحْصُل للميت في البرزخ إذا لم يكن له فيه ذَنْبٌ = من جنس الضغطة، وانتهار منكر ونكير، ومن جنس أهوال القيامة؛ يكفّر الله به خطايا المؤمن، ويكون من عقوبة الكافر)

(2)

.

(1)

أخرجه البخاري في كتاب: "الفتن" باب "إذا أنزل الله بقوم عذاباً"(9/ 56 - رقم [7108])، ومسلم في كتاب:"الجنة وصفة نعيمها وأهلها" باب "الأمر بحسن الظن بالله تعالى عند الموت"(4/ 2206 - رقم [2879])

(2)

"جواب الاعتراضات المصريَّة"(62 - 72)، وهذا القول ذهب إليه جِلَّةٌ من العلماء؛ كابن جرير الطبري، وابن المرابط، والقاضي عياض = انظر:"إكمال المعلم" للقاضي عياض (3/ 371 - 372) و "فتح الباري"(3/ 198)

ص: 67

الضابط الخامس: أَنَّ ظاهر النّص حقٌّ لا يُصرَف عنه إِلى بَاطِن إِلا بِبُرهان شرعي يصححه.

وفي بيان هذا الضابط يقول الإِمام الشافعي رحمه الله: (ولو جاز في الحديث أن يُحال شيءٌ على ظاهره إلى معنىً باطنٍ يحتمله = كان أكثر الحديث يحتمل عددًا من المعاني، ولا يكون لأَحدٍ ذَهَبَ إلى معنى منها حجةٌ على أحدٍ ذهب إلى معنى غيره = ولكن الحقَّ فيها واحدٌ على أنّها على ظاهرِها وعُمُومِها؛ إلاّ بدلالةٍ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو قولِ عامّة أَهل العلم

(1)

بأنَّها على خاصٍّ دون عامٍّ، وباطنٍ دون ظاهرٍ؛ إذا كانت إذا صُرفت إليه عن ظاهرها محتملة للدخول في معناه)

(2)

فتقرير الإمام الشَّافعيُّ رحمه الله يعني به: وجوب حمْل السُّنن على الظاهر، وأن العدول بها عن هذا الظاهر - بلا موجب - مُؤْذِنٌ بإبطال خاصيّة

السنة؛ وهي: التحاكُم إليها عند الاختلاف؛ لعدم دلالتها على الحق في موارد النِّزاع، لاحتمال ألفاظها معانٍ ظاهرة وباطنة؛ لا يُدرَى أيها المراد!!

ويقول الإمام ابن جرير الطبري: (وغيرُ جائزٍ ترْكُ الظاهر المفهوم إلى باطنٍ لا دلالةَ على صِحَّتهِ)

(3)

وقد نقل الإجماعَ على عدم جواز صرْف ظواهر النصوص إِلى بواطن لم يقُم عليها دليل شرعي = العلامةُ محمد الأَمين الشنقيطي رحمه الله؛ حيث قال: (وقد أَجْمَعَ مَن يُعتدّ به من أَهل العلم على أَنّ النّصوص من الكتاب والسُّنة لا يجوز صَرْفُها عن ظاهرها إِلَاّ بدليل يجبُ الرجوع إليه)

(4)

* * *

(1)

يعني: الإجماع.

(2)

الأم (10 - 22 - اختلاف الحديث)

(3)

" جامع البيان "(1/ 621 - ط هجر) .

(4)

" أَضواء البيان "(6/ 319 - 320) .

ص: 68