المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الأول: سوق حديث: (لا تشد الرحال - دفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث المتعلقة بمسائل الاعتقاد

[عيسى النعمي]

فهرس الكتاب

- ‌بصائر

- ‌تقريظ فضيلة الشيخ الدكتور عبد الرحمن بن صالح المحمود حفظه الله تعالى

- ‌المقدمة

- ‌ أَهمية الموضوع ، ودوافعُ اختياره:

- ‌ خطة البحث

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأوَّل مفهوم المعارض العقلي المُدَّعى مُناقضته للنُّصوص الشرعية

- ‌المبحث الثاني ظاهر النص الشرعي بين القراءة العصين والقراءة النسقية

- ‌المبحث الثالث تقويض النظرة الاختزالية للسُّنَّة النبوية

- ‌المبحث الرَّابع تزييف دعوى استناد الصحابة رضي الله عنهم إلى المعقول المتمحض في محاكمة النُّصوص

- ‌الفصل الأولدَفْعُ دَعْوَى المُعَارِضِ العَقْلِيِّ عنالأحاديث المتعلّقةِ بحقيقة الإيمان والشفاعة

- ‌المبحث الأولدفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث المتعلّقة بحقيقة الإيمان

- ‌المطلب الأول: سَوْق الأحاديث المُدَّعى معارَضتُها للعقل:

- ‌المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي على الأَحاديث المتعلقة بحقيقة الإِيمان:

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث المتعلِّقة بحقيقة الإِيمان

- ‌المبحث الثانيدفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث المتعلّقة بالشفاعة

- ‌المطلب الأول: سوق أحاديث الشفاعة

- ‌المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي على أحاديث الشفاعة:

- ‌المطلب الثَّالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن أحاديث الشفاعةِ

- ‌الفصل الثانيدَفْعُ دَعْوَى المُعَارِضِ العَقْلِيِّ عنالأحاديث المتعلّقةِ بتوحيد العبادة

- ‌مبحث:دفع دعوى المعارض العقلي عن حديث: (لا تُشدّ الرّحال)

- ‌المطلب الأول: سَوْق حديث: (لا تُشدّ الرحال

- ‌المطلب الثاني: سَوْق دعوى المعارِض العقلي عن حديث (لا تُشدّ الرحال)

- ‌المطلب الثالث: دفْع المعارِض العقلي عن حديث (لا تُشدّ الرحال

- ‌الفصل الأول دَفْعُ دَعْوَى المُعَارِضِ العَقْلِيِّ عن الأحاديث المتعلّقةِ بعصمة الأنبياء

- ‌المبحث الأول دفع دعوى المعارض العقلي عن حديث سحر النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الأول: سوق ألأحاديث الدالة على سحر النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثَّاني: سوق دعوى المعارض العقلي على أحاديث سحر النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثَّالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن أحاديث سحر النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثَّاني دفع دعوى المعارض العقلي عن حديثي شقِّ صدر النبي صلى الله عليه وسلم، وإسلام شيطانه

- ‌المطلب الأوّل: سوق حديثي شقِّ صدر النبي صلى الله عليه وسلم، وإسلام شيطانه

- ‌المطلب الثاني: سَوْق دعوى المعارِض العقلي على حديثَيْ شقّ صدر النبي صلى الله عليه وسلم وإسلام شيطانه

- ‌المبحث الثّالث دفع المعارض العقلي عن حديث (لم يكذب إبراهيم عليه السلام إلا ثلاث كذبات)

- ‌المطلب الأول: سوق حديث (لم يكذب إبراهيم عليه السلام إلا ثلاث كذبات):

- ‌المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي على حديث (لم يكذب إبراهيم عليه السلام إلا ثلاث كذبات)

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن حديث (لم يكذب إبراهيم عليه السلام إلا ثلاث كذبات)

- ‌المبحث الثالث دفع دعوى المعارض العقلي عن حديث لطم موسى لملك الموت عليه السلام

- ‌المطلب الأوّل: سوق حديث لطم موسى عليه السلام لملك الموت

- ‌المطلب الثَّاني: سوق دعوى المعارض العقلي على حديث لطم موسى عليه السلام لملك الموت

- ‌المطلب الثَّالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن حديث لطم موسى عليه السلام لملك الموت

- ‌الفصل الثاني دَفْعُ دَعْوَى المُعَارِضِ العَقْلِيِّ عن الأحاديث المتعلّقةِ بآيات وبراهين الأنبياء

- ‌المبحث الأول دفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث المتعلقة بالآيات الحسِّيّة للنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثانيدَفْع دَعوى المعارِض العقلي عن أحاديث انشقاق القمر

- ‌المطلب الثاني: سَوْقُ دعوى المُعارِض العقلي على أحاديث انشقاق القمر:

- ‌المطلب الثالث: دفْع دعوى المعارِض العقلي عن أحاديث انشقاق القمر:

- ‌المبحث الثالثدَفْع دَعوى المعارِض العقلي عن أحاديث الإسراء والمعراج

- ‌المطلب الأول: سَوْق أحاديث الإسراء والمعراج

- ‌المطلب الثاني: سَوْق دعوى المعارِض العقلي على أحاديث الإسراء والمعراج

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارِض العقلي عن أحاديث الإسراء والمعراج:

- ‌المبحث الرابع دفع دعوى المعارض العقلي عن حادثة (سوخ قدمي فرس سراقة بن مالك رضي الله عنه

- ‌المطلب الأول: سَوْقُ حديث سُراقة بن مالك رضي الله عنه

- ‌المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي على حادثة "سوخ قدمي فرس سراقة بن مالك

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن حادثة "سوخ قدمي فرس سراقة بن مالك رضي الله عنه

- ‌الفصل الثالث دَفْعُ دَعْوَى المُعَارِضِ العَقْلِيِّ عن اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بعموم البعثة

- ‌مبحث دفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث الدالة على اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم.بعموم البعثة

- ‌المطلب الأول: سَوْق الأحاديث الدالّة على اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بعموم البعثة:

- ‌المطلب الثاني: سَوْقُ دعوى المُعارِض العقلي على الأحاديث الدَّالة على اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بعموم البعثة:

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المُعارِض العقلي عن الأحاديث الدالة على اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بعموم البعثة:

- ‌الفصل الأول دَفْعُ دَعْوَى المُعَارِضِ العَقْلِيِّ عن أحاديث أشراط السَّاعة

- ‌المبحث الأول دفع دعوى المعارض العقلي عن عموم أحاديث أشراط السَّاعة

- ‌المطلب الأول: سَوْقُ الأحاديث الدّالة على عموم أشراط السَّاعة:

- ‌المطلب الثاني: سوق المعارض العقلي على عموم أحاديث أشراط السَّاعة:

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي على عموم أحاديث أشراط السَّاعة:

- ‌المبحث الثَّاني دفع المعارض العقلي عن أحاديث المسيح الدجّال

- ‌المطلب الأول: سوق الأحاديث المتعلِّقة بالدجَّال:

- ‌المطلب الثَّاني: سَوْق دعوى المعارض العقلي على الأحاديث المتعلِّقة بالدجال:

- ‌المطلب الثَّالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث المُتعلقة بالدجال:

- ‌المبحث الثالث دفع دعوى المعارض العقلي عن حديث الجسّاسة

- ‌المطلب الأول: سوق حديث الجساسة:

- ‌المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي على حديث الجسّاسة:

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن حديث الجساسة:

- ‌المبحث الرابع دفع المعارض العقلي عن أَحاديث نزول المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام

- ‌المطلب الأول: سوق الأحاديث الدالة على نزول المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام

- ‌المطلب الثاني: سوق المعارضات العقلية المدعاة على أحاديث نزول عيسى عليها السلام

- ‌المطلب الثالث: نقض دعوى المعارض العقلي على أحاديث نزول عيسى عليها السلام

- ‌الفصل الثاني دَفْعُ دَعْوَى المُعَارِضِ العَقْلِيِّ عن الأحاديث المتعلّقة باليوم الآخر

- ‌المبحث الأوَّل دَفْعُ المُعارِضِ العقلِيّ عن أحاديثِ عَذَابِ القَبْر ونَعيمِهِ

- ‌المطلب الأوَّل: سوق أحاديث عذاب القبر و نعيمه:

- ‌المطلب الثاني: سَوْقُ دَعْوَى المعارِض العقليّ على أحاديث عذاب القبر ونعيمه:

- ‌المطلب الثالث: نَقْضُ دعْوَى المعارِض العقلي:

- ‌المبحث الثاني دفع دعوى المعارض العقلي عن أحاديث الميزان

- ‌المطلب الأول: سَوْقُ أحايث الميزان:

- ‌المطلب الثاني: سَوْق دعوى المعارِض العقلي على أحاديث الميزان:

- ‌المطلب الثالث: دفع دعْوى المعارض العقلي عن أحاديث الميزان:

- ‌المبحث الثالث دفع دَعوى المعارِض العقلي عن أحاديث الصِّراطِ

- ‌المطلب الأول: سَوْق الأحاديث الدَّالة على الصراط:

- ‌المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي على أحاديث الصراط:

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن أحاديث الصراط:

- ‌المبحث الرابع دَفْع دَعوى المعارِض العقلي عن الأحاديث الدالّة على وجود الجنّة والنّار

- ‌المطلب الأول: سَوْق الأحاديث الدالة على وجود الجنة والنار:

- ‌المطلب الثاني: سَوْق دعوى المعارض العقلي على الأحاديث الدالة على وجود الجنة والنار:

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث الدالة على وجود الجنة والنار:

- ‌المبحث الخامس دفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث الدَّالة على بقاء الجنة والنَّار

- ‌المطلب الأول: سوق الأحاديث الدالة على بقاء الجنة والنار:

- ‌المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي على الأحاديث الدالة على بقاء الجنة والنار

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث الدالة على بقاء الجنة والنار:

- ‌المبحث الأوَّل دفع دعوى المعارض العقلي عن حديث (احتج آدم وموسى)

- ‌المطلب الأوَّل: سوق حديث (احتج آدم وموسى)

- ‌المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي على حديث: (احتج آدم وموسى عليهما السلام

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن حديث (احتجَّ آدم وموسى عليهما السلام

- ‌المبحث الثَّاني دفْع دَعوى المُعارِض العقلي عن حديث: (إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم)

- ‌المطلب الأول: سوق حديث (إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم):

- ‌المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي على حديث: (إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم)

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن حديث (إنَّ الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم)

- ‌المبحث الثالث دَفْع دَعوى المعارِض العقلي عن حديث: (لا يُدخل أحدًا الجنَّة عمله)

- ‌المطلب الأول: سوق حديث: (لا يُدخل أَحدًا الجنَّة عَملُهُ)

- ‌المطلب الثاني: سَوق دعوى المعارِض العقلِي على حديث: (لا يُدخل أَحدًا الجنَّة عَملُهُ)

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارِض العقلي عن حديث (لا يُدخِل أحدًا الجنَّة عملُه)

- ‌الفصل الأول دَفْعُ دَعْوَى المُعَارِضِ العَقْلِيِّ عن الأحاديث المتعلّقة بالملائكة والجن والشياطين

- ‌تمهيد:

- ‌المبحث الأول دَفْع دَعوى المعارِض العقلي عن الأحاديث المتعلقة بالملائكة

- ‌المطلب الأول: سوق الأحاديث الدالّة على وجود الملائكة ووجوب الإيمان بهم:

- ‌المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي على الأحاديث الدالّة على وجود الملائكة:

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث الدالة على وجود الملائكة:

- ‌المبحث الثاني دَفْع دَعْوى المُعارِض العقلي عن الأحاديث الدالة على وجود الجن والشياطين

- ‌المطلب الأول: سوق الأحاديث الدَّالة على وجود الجن والشَّياطين:

- ‌المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي على الأحاديث الدَّالة على وجود الجن والشياطين:

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث الدَّالة على وجود الجن والشياطين:

- ‌الفصل الثاني دَفْعُ دَعْوَى المُعَارِضِ العَقْلِيِّ عن بقيَّة الأحاديث المتعلّقة بالشيطان

- ‌المبحث الأول دَفْع دَعوى المعارِض العقلي عن حديث: (ما من مولود يولد إلاّ نخسه الشيطان

- ‌المطلب الأول: سَوْق حديث (ما من مولود يولد إلا نخسه الشيطان

- ‌المطلب الثاني: سَوق دعوى المعارض العقلي على حديث (ما من مولود يولد إلا نخسه الشيطان):

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن حديث (ما من مولود يولد إلا نخسه الشيطان):

- ‌المبحث الثاني دَفْع دَعوى المعارِض العقلي عن حديث: (بال الشيطان في أُذنه)

- ‌المطلب الأوَّل: سوق حديث: (بال الشيطان في أُذنه)

- ‌المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي على حديث: «بال الشيطان في أُذُنه»

- ‌المطلب الثالث: دفع المعارض العقلي عن حديث: (بال الشيطان في أُذُنه)

- ‌المبحث الثالث دَفْع دَعوى المعارِض العقلي عن حديث:

- ‌المطلب الأوّل: سَوْق حديث: (إذا سمعتم صياح الدِّيكة فاسألوا الله من فضله .. وإذا سمعتم نهيق الحمار فتعوَّذوا بالله من الشيطان) وحديث: (إذا نودي للصَّلاة أدبر الشيطان وله ضراط

- ‌المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي عن الحديثين

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن حديث: (إذا سمعتم صياح الدِّيكة فاسألوا الله من فضله .. وإذا سمعتم نهيق الحمار فتعوَّذوا بالله من الشيطان)

- ‌الفصل الثالث دَفْعُ دَعْوَى المُعَارِضِ العَقْلِيِّ عن الأحاديث المتعلّقة بالرُّؤيا

- ‌المطلب الأوَّل: سوق الأَحاديث المُتعلِّقة بالرُّؤيا:

- ‌المطلب الثاني: سَوْق دعوى المعارض العقلي على أحاديث الرُّؤيا:

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن أحاديث الرُّؤيا:

- ‌الفصل الرابع دَفْعُ دَعْوَى المُعَارِضِ العَقْلِيِّ عن بقية الأحاديث المتعلّقة بالغيبيات

- ‌المبحث الأول دَفْع دَعوى المعارِض العقلي عن الأَحاديث الدالة عن: أنّ شدّة الحرّ وشدّة البرد من النار

- ‌المطلب الأوَّل: سوق الأحاديث الدالة على أن شدة الحر والبرد من النار:

- ‌المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي على الأَحاديث الدالة على أنّ شدة الحرِّ والبرد من جهنم:

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث الدالة على أنّ شدة الحر والبرد من جهنم:

- ‌المبحث الثاني دَفْع دَعوى المعارِض العقلي عن حديث سجود الشَّمس تحت العرش

- ‌المطلب الأول: سوق حديث: (سجود الشَّمس تحت العرش)

- ‌المطلب الثاني: سوق المعارض العقلي على حديث: سجود الشَّمس تحت العرش

- ‌المطلب الثالث: دَفْع دَعوى المعارِض العقلي عن حديث سجود الشَّمس تحت العرش

- ‌الخاتمة

- ‌قائمة المراجع

- ‌مُلَخَّص الرِّسالة

الفصل: ‌المطلب الأول: سوق حديث: (لا تشد الرحال

‌المطلب الأول: سَوْق حديث: (لا تُشدّ الرحال

. . .)

عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تُشدُّ الرِّحال إلا إلى ثلاثة مساجدَ: المسجد الحرامِ ومسجدالرسول صلى الله عليه وسلم، والمسجد الأقصى) متفق عليه

(1)

.

عن قُزعة مولى زياد قال سمعتُ أبا سعيد الخُدري رضي الله عنه يُحدِّث بأربع عن النبي صلى الله عليه وسلم، فأعجبنَنِي، وآنقنني

(2)

قال: (لاتسافر المرأة مسيرة يومين إلَاّ معها زَوجُها، أو ذو مَحْرم، ولا صوم في يومين: الفطرِ والأَضْحَى، ولا صلاة بعد صلاتين: بعد الصبح حتى تطلع الشمس، وبعدِ العصرِ حتى تغرب الشمس، ولا تشدُّ الرِّحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجد الحرام، ومسجد الأقصى، ومسجدي) متفق عليه

(3)

.

وعن قزعة عن أبي سعيد قال: سمعت منه حديثًا فأعجبني، فقلت له: أَنتَ سمعتَ هذا مِن رسول الله صلى الله عليه وسلم،؟ قال: فأقولُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم أسمع؟! قال: سمعتُه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تَشُدُّوا الرِّحالَ إلَا إلى ثلاثةِ مساجد: مَسجِدي هذا، والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى) وسمعته يقول: (لا تسافر المرأة يومين من الدهر إلا ومعها ذو

(1)

أخرجه البخاري في: كتاب"العمل في الصلاة"،باب"فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة"(2/ 60 - رقم [1189])،ومسلم في: كتاب"الحج"،باب "لا تُشَدَّ الرِّحال إلَاّ إلى ثلاثة مساجد"(2/ 1014 - رقم [1397])

(2)

آنقنني: أي أعجبْنَني. والأنَقَ -بالفتح-: الفَرح والسرور. والشيء الأنيقُ: المُعْجِب =انظر" النهاية في غريب الحديث"لابن الأثير (50)

(3)

رواه البخاري في: كتاب "العمل في الصلاة"باب"فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة"(2/ 61 - رقم [1197]) ومسلم في: كتاب "الحج"، باب "سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره"(2/ 975 - رقم [827])

ص: 198

محرم منها، أو زوجها)

(1)

* * *

تمهيد:

قبل سَوْق دعاوى المخالفين التي اعترضوا بها على هذا الحديث؛ لصرْف دلالته، كان لزامًا التعرُّض لبيان مسائل تتعلق بهذا الحديث. هذه المسائل يمكن إجمالُها في ثلاثة أنظار:

الأول: بيان علاقة هذا الحديث بتوحيد العِبادة.

الثاني: بيان دلالة الحديث على تحريم شَدّ الرحل إلى مكان بعينه للعبادة.

الثالث: بيان الانفكاك بين تحريم شدّ الرحل والسفر لزيارة قبور الصالحين والأنبياء، وبيان مشروعية زيارة هذه القبور الزيارة الشرعية، دون إنشاءِ سفرٍ لها.

أمّا النظرُّ الأول: بيان علاقة هذا الحديث بتوحيد العبادة:

فوجه إدخال هذه المسألة في توحيد العبادة، أَن الشَّريعة قصدت حسم مادة الشرك من تعلّق القلوب بالبقاع والأمكنة بالحجِّ إليها، والتماس البركة منها، فالسَّفر إلى بقعة من البقاع غير ما استثناه الشَّارعُ صار وسيلة للوقوع في الشِّرك الأكبر، خصوصًا ما تراه في العصور المتأخرة من الحج إلى المشاهد والقبور، وطلب الغياث من أَصحابها، والنذر والذَّبح لها، والطواف بها، والسجود لها إلى غير ذلك مما يُناقض أَصل التّوحيد، ويخْرِم أُسّ الملة؛ لذا درج عددٌ مِن أَهل

(1)

أخرجه مسلم في: كتاب ""،باب""(2/ 975 - رقم [827])

ص: 199

العلمِ على تضمين مسائل توحيد الإلهية الكلام على مسألة شدِّ الرحال إلى المشاهد والقبور

(1)

.

ثم إن من رأى جواز شدِّ الرِّحال إلى بقعة غير المساجد الثلاثة، كمثل السَّفر إلى المشاهد والقبور =فلا بد أَنّه قد قصد بسفره هذا التَقرُّب، ولا ريب أَنَّ العبادات مبناها على التوقيف، ولا تصحُّ إلَاّ بشرطين اثنين:

الأوّل: تجريد التوحيد لله تعالى؛ بألاّ نعبد إلاّ إيّاه.

الثاني: تجريد المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم؛ بألاّ نعبد الله إلاّ بما شرعه وبلّغه عن الله تعالى. وهذان الشرطان هما جماع الدّين. قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)} الكهف.

(2)

ولهذا نصَّ أهلُ العلم على بيان أن العبادات موقوفةٌ على النصّ ومَوْرِدِهِ، وأنّها مبنيّةٌ على الحظر؛ وعلةُ ذلك هو ما ذكره الطوفي بقوله:(العباداتُ حقّ الشَّرعِ خاصٌ به، ولا يمكن معرفة حقِّه كمًّا، وكيفًا، وزمَانًا، ومكانًا =إلَّا مِن جِهتهِ؛ فيأتي به العبدُ على ما رسَمَ له سيِّدُهُ)

(3)

فمن تعبد الله بالسَّفر وشدِّ الرحل إلى بقعة لم تأذن الشَّريعة في

(1)

انظر: مثلاً: "الدُّر النضيد" للإمام الشَّوكاني (1/ 384 =ضمن الفتح الربَّاني)،و "معارج الألباب" للعلامة حُسين النُّعمي (2/ 790 - ومابعدها) و"تيسير العزيز الحميد"للعلامة سليمان بن عبدالله (1/ 635)

(2)

العبودية (137)

(3)

"التعيين في شرح الأَربعين"(279) و الطوفي (بعد 670 - 717 هـ) هو: سليمان بن عبدالقوي ابن عبدالكريم الطُّوفي الصرصري ثم البغدادي، من علماء الحنابلة، اتهم بالتشيع والانحراف في الاعتقاد، من مصفاته:"شرح مختصر الروضة"، و"شرح الأربعين للنووي"، و"الإِكسير في قواعد التفسير"=انظر:"الذيل على طبقات الحنابلة"لابن رجب الدمشقي (4/ 404)

ص: 200

قصدها =ففعله بدعة. وقد صحَّ من حديث أُمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أَحدث في أَمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ)

(1)

وبذلك تستبين وجه إيراد هذا الحديث في طيّ هذا المبحث.

وأمَّا النظر الثاني: بيان دلالة الحديث على تحريم شَدّ الرحل إلى مكان بعينه للعبادة.

فإن قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تُشدّ الرحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد) تضمّن المنْعَ والنّهي عن شدّ الرحال إلى بقعة للعبادة؛ إلاّ إلى ما قَصَر النبي صلى الله عليه وسلم شدّ الرّحل إليه من المساجد الثلاثة. وقد تقرّر في الأصول: أن صيغة: (لا تُشدّ الرحال) هي خبرٌ في معنى النهي، والنَّهيُ المجرّدُ من القرائن يقتضي التحريم

(2)

. والتعبير بصيغة: (لا) المفيدة للنفي أبلغُ في الخطاب من النهي بصيغة: (لا تشدّوا)

وبيان ذلك: أنَّ النَّفي متضمن للنَّهي وزيادة، وذلك أنَّ الشّارع أَخبر أن شدّ الرحل إلى بقعة غير المساجد الثلاثة منفيٌّ، فلم يكن ثابتًا قبل ذلك، ولا ينبغي وقوعه.

وفي تقرير ذلك يقول الإمام الطِّيبي رحمه الله: (قوله: (لا تُشدّ الرحال): كناية عن النهي عن المسافرة إلى غيرها من المساجد؛ وهو أبلغ مما لو قيل: لا يسافر؛ لأنّه صوّر حالة المسافرة وتهييء أسبابها، وعدّتها من المراكب والأدوات، والتزوّد، وفِعْل الشدّ، ثم أخرج النهيَ مخرج الإخبار؛ أي: لا ينبغي، ولا يستقيم أن يقصد الزيارة بالرحلة إلا

(1)

أخرجه البخاري كتاب "الصلح" باب"إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مرود"(3/ 184 - رقم [2697])،ومسلم كتاب"الأقضية" باب"نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور"(3/ 1343 - رقم [1718])

(2)

انظر: "تحقيق المراد"للعلائي (274)،و"قواطع الأدلَّة"للسمعاني (1/ 251)، و"شرح الكوكب المنير"(4/ 78)، و"إِرشاد الفحول"(1/ 406)

ص: 201

هذه البقاع الشريفة؛ لاختصاصها بالمزايا والفضائل

(1)

.

فإن قيل: قد منع بعضهم

(2)

ورود النهي بغير صيغته المعروفة: " لا تفعل"؛ فلا مُستَمسَك لمن مَنَع شدّ الرحل إلى غير هذه المساجد الثلاثة.

فالجواب عن هذا الاعتراض من وجهين:

الأوّل: أنه قد ذهب المحققون من أهل الأصول إلى إلحاق (الخبر الذي في معنى النهي) إلى الصِّيَغ المفيدة للنهي. كما ذهب إلى ذلك القفّال الشاشي، وغيره

(3)

. واستدلوا على ذلك بدخول النَّسْخ فيه. ومن المعلوم أَنَّ الأخبار المَحْضَة لا يلحقُها النَّسْخ.

الثاني: أنّه على فرْض التسليم بامتناع ورود النهي بغير صيغته، فإنّه قد وردَ النهي مصرّحًا به في حديث بلفظ:(لا تشدّوا الرحال)؛ فبطل بذلك توجيه مَن صرف دلالة الحديث عن المنع والتحريم.

وأمّا مَن حَمَل صيغة النفي المقتضية للنهي هنا على محامل؛ منها: " نفي الأفضلية "، كما هو اختيار طائفة من متأخري أَتباعِ المَذَاهِبِ؛ كالإمام ابن الملك

(4)

،وابن قدامة

(5)

، والنَّووي

(6)

، وغيرهم = فهذا الحمل ممتنع؛ لأمور:

(1)

"الكاشف عن حقائق السنن"للطيبي (2/ 224)،و الطيبي (-743 هـ):هو الحسين بن محمد ابن عبدالله الطيبي إمام في علم الوحيين، عُرف بإقباله على استخراج الدَّقائق من الكتاب والسُّنّة، من مصنفاته:"شرح مشكاة المصابيح"،و "حاشية على الكَشَّاف"،و"التبيان في المعاني والبيان"=انظر:"البدر الطالع"(241)

(2)

كابن الزملكاني المالكي.

(3)

انظر: "البحر المحيط"(2/ 371)،و القفَّال الشَّاشي (291 - 365 هـ) هو: محمد بن علي بن إسماعيل القفَّال الكبير، من كبار فقهاء الشَّافعية كان على مذهب الاعتزال أول أمره ثم انتحل مذهب أبي الحسن الأشعري، من مصنفاته "شرح الرسالة"=انظر:"سير أعلام النُّبلاء"(16/ 283)،و"طبقات الشّافعية"(3/ 200)

(4)

انظر: "مبارق الأَزهار"لابن المَلك (1/ 483) وابن الملك (كان موجودًا في سنة 791 هـ) هو: عبداللطيف بن عبدالعزيز بن أمين بن فرشتا، الشهير=بـ (ابن الملك) من علماء الحنفية برع في جملة من العلوم، من مُصنفاته:"شرح المنار"في أُصول الفقه، و"شرح الوقاية"=انظر:"الفوائد البهية"للكنوي (107)،و"الأعلام"للزِرِكْلي (4/ 59)

(5)

انظر: "المغني"لابن قدامة (3/ 118)

(6)

انظر: "شرح صحيح مسلم "للإمام النَّووي (9/ 168)

ص: 202

الأول: أنّه جاءَ مصرّحًا بالنَّهي في الرِّواية الأُخرى: (لا تشدّوا) كما سبق.

الثاني: أَنَّ الحديثَ فَهم منه الصحابةُ - رضوان الله عليهم - التحريمَ والمنعَ؛ كما سيأتي بيانه - بحول الله تعالى -.

ومما يكشف أَنَّ النَّهي في الحديث المرادُ به التحريم لا غير = ورود النَّهي - في إحدى طُرق حديث أبي سعيد - عن شدّ الرحال مُقْتَرِنًا بالنِّهي عن ثلاثة أمور أُخَر قد عُلم تحريمُها في الشَّرعِ؛ وهي:

سفر المرأة بغير محرم، وصوم يومي الفطر والأَضحى، والصلاة بعد الصبح والعصر

(1)

=فدلَّ على أَنَّ شَدَّ الرِّحال آخذٌ حُكمها.

فتخصيص شدّ الرحل إلى غير هذه المساجدِ الثلاثةِ بالتنزيه دون الباقي = لا شكّ أنّه لا مسوّغ له، والحديث يدفعه.

(2)

ثم إنّه يقال: إذا قيل بامتناع النهي وأنّ معنى الحديث: أنّه لا يُشرع، وليس بواجب، ولا مستحبّ؛ فيقال: لا ريب أنّ من أنشأ السَّفر، وشدَّ الرحال إلى تلك القبور أو البقاع؛ إنما قصد العبادة بفعله، والعبادة إنما تتحصَّل بواجب أو مستحبّ؛ فإذا حصل الاتفاق على أَنَّ السفر إلى القبور ليس بواجبٍ ولا مستحب = كان مَن فعلَه على وجه التعبُّد مبتدعًا مخالِفًا للإجماع، والتعبُّد بالبِدَع ليس بمباح.

(3)

بقي أن يقال: إن دلالة النهي تشمل جميع ما يقع في حيّزها من المواضع والبقاع التي تُقصد للعبادة، وهذا الشمول يدلّ عليه القصر

(1)

سبق سوقه في المطلب الأول.

(2)

انظر: " الثمر المستطاب " للعلامة محمد ناصر الدين الألباني (2/ 562)

(3)

انظر: "الصَّارم المُنكِي" لابن عبد الهادي (34)

ص: 203

الواقع في الحديث؛ فهو قصْر حقيقي

(1)

؛

ذلك أَنَّ الاستثناءَ المُفَرّغَ

(2)

يُقدَّرُ فيه المستثنى منه بأعم الأحوال.

(3)

والتقدير: لا تُشدّ الرحال إلى بقعة؛ كما قرّره الحافظُ ابنُ حجر العسقلاني

(4)

ابتداءً ، ولا يلزم على هذا التقدير منعُ السفر إلى زيارة صالحٍ، أو قريبٍ، أو سفرٍ لطلب العلم؛ كما ظنّه القسطلاني

(5)

،وغيره كأحمد زيني دحلان؛ حيث قال في تأويل هذا الحديث، وإيراد ما ظنّه لازمًا لمن قال بعمومه: (وأمّا قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تُشدّ الرحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد

)

فمعناه: أن لا تُشدّ الرحال إلى مسْجِدٍ لأجلِ تعظيمه والصلاة فيه إِلَاّ إلى المساجد الثلاثة؛ فإنها تُشدّ إليها لتعظيمها، والصلاة

(1)

القَصر عند أَهل المعاني: تخصيصُ شيءٍ بشيءٍ بعبارة كلاميّة تدلُّ عليه، وهو نوعان: النوع الأول: حقيقيٌ =وهو: ما كان مضمونه موافقاً للواقع، كقولنا "لا إله إلَاّ الله" أي لا يوجد في الوجود كلِّه معبود بحقٍّ إلَاّ الله

النوع الثَّاني: إضافيٌّ =وهو: مبنيَّ على النَّظَر لشيءٍ آخر يُقابل المُخصَّص به فقط، لإبطال دخول ذلك المقابل، كقولنا:"إنّما الكاتب زيدٌ" أي لا عمرو ردَّاً على من زعم أن عمرواً كاتبٌ انظر: "المطوَّل شرح تلخيص المفتاح "للتّفتازاني (204)، "موجز البلاغة" لمحمّد الطاهر عاشور (19)،و"مُعجم البلاغة العربيّة"لبدوي طبَّانة (542،179)

(2)

الاستثناءُ المُفرَّغُ: هو الذي تُرك منه المستثنى منه فَفرغ الفعل قبل (إلَّا) وشُغِل عنه بالمُستثنى المذكور بعد (إلَّا) =انظر: "أَوضح المسالك"لابن هشام (2/ 250)،و"شرح الحدود النحوية "للفاكهي (367)،و"مُعجم القواعد العربيّة" لعبدالغني الدقر (465)

(3)

انظر: "شرح الكافية في النحو"للرّضي (2/ 151)

(4)

انظر: " فتح الباري "لابن حجر (3/ 82)،و"عمدة القاري" للعيني (7/ 252)

(5)

انظر: "إرشاد السَّاري"للقسطلاني (2/ 344)،والقسطلاني (851 - 923 هـ):هو أحمد بن محمد بن أبي بكر بن عبدالملك القسطلاني الأصل المصري الشَّافعي إمام مقرئ، من مُصنفاته:"الكنز في وقف حمزة وهشام على الهمز"،و"العقود السنية في شرح المقدمة الجزرية"،و"المواهب اللدنية"=انظر:"البدر الطالع"للشوكاني (116)،والموسوعة الميسرة في تراجم أئمة التفسير والإقراء واللغة (1/ 369)

ص: 204

= وهذا التقدير لا بدّ منه، ولولم يكن التقدير هكذا لاقتضى منْع شدّ الرحال للحجّ، والجهاد، والهجرة من دار الكفر، ولطلب العلم، وتجارة الدنيا، وغير ذلك؛ ولا يقول بذلك أحدٌ)

(1)

وهو كما قال: لا يقول بهذا أحد. ولا يِرِدُ هذا اللازم على مَنْ سلّم بعموم الحديث؛ ذلك أن هذه المصالح الديني منها والدنيوي، لا يُقصَد فيها مكانٌ بعينه، وإنّما مرام أصحابها ذلك المطلوب حيث كان صاحبه؛ وبه يندفع هذا اللازم.

يقول شيخ الإسلام رحمه الله: (قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تُشدّ الرحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد

) يتناول المنع من السفر إلى كلّ بقعةٍ مقصودةٍ؛ بخلاف السفر للتجارة، وطلب العلم، ونحو ذلك؛ فإن السفر لطلب تلك الحاجة حيث كانت، وكذلك السفر لزيارة الأخ في الله؛ فإنه هو المقصود حيث كان

(2)

.

وكذلك يُعلَم خطأُ مَن جعل القصْر الواردة في الحديث إضافيًا لا حقيقيًا؛ أي: قَصَر النهي عن شدّ الرحال على أيّ مسجدٍ سوى المساجد الثلاثة المتقدّم ذكرُها في الحديث دون غيرها من المواضع؛ فهو ليس قصْرًا حقيقيًا عامًّا؛ بل منحصرٌ في حيّز المساجد فقط.

فترى " يوسف الدجوي " يقول ناثرًا سخائمه على شيخ الإسلام رحمه الله -إِيهامًا منه أنه هو المتفرّد بهذا القول-: (ولْنرجعْ إلى مَن قبلهم من رؤسائهم وأئمتهم، لنرى إمامهم

(3)

ابن تيمية الذي قدّموه على جميع

(1)

الدرر السَّنِيّة في الرّد على الوهابية (6)، وأَحمد زيني دحلان (1232 - 1304 هـ):هو أحد فقهاء ومؤرخي مكة، ولد بمكة وتولى الإفتاء والتدريس، توفي بالمدينة، من تصانيفه:"خلاصة الكلام في أُمراء البلد الحرام"،و"السيرة النبوية"=انظر:"الأعلام"للزركلي (1/ 129 - 130)

(2)

"مجموع الفتاوى"لابن تيمية (27/ 21) وانظر: له أيضاً: " قاعدة عظيمة "(94)

(3)

يعرّض بأتباع الدعوة الإصلاحية السلفية

ص: 205

الأئمة كيف منع شَدّ الرحال لزيارته صلى الله عليه وسلم، وجعل السفر للزيارة سفرَ معصيةٍ لا يصحّ فيه قصر الصلاة، خارقًا بذلك إجماعَ المسلمين؛ غير مستحْيٍ من سيّد المرسلين! ودليله الذي استند إليه واستنبط منه ما لم يستنبطه أحدٌ من الأولين والآخرين هو: منعُه صلى الله عليه وسلم من شدّ الرحال إلاّ

(1)

لأحد المساجد الثلاثة، ففهم من ذلك النهي: أنَّ الرِّحالَ لا تُشدُّ للزيارة؛ بناءً على خبالٍ قام برأسه أنّ القصر حقيقيّ لا إضافيّ. ولو كان كما فهم ذلك المجتهد الكبير؛ لكان شدّ الرحال لصلة الرحم، أو زيارة الإخوان، أو التجارة، أو غير ذلك = محرَّمًا؛ فإذًا تقفُ مصالح العالم، وتتعطّل أمور الدين والدنيا! ولو تبصّر قليلًا لعلِمَ ما أراد صلى الله عليه وسلم من أنّ المساجد متساوية في الفضل، فكلها سواء؛ إلاّ هذه المساجد الثلاثة؛ وذلك ظاهرٌ لا خفاءَ فيه؛ فإن الأصل أن الشيء يستثنى جنسه القريب. فإذا قلنا: ما ماتَ إلاّ زيدٌ؛ كان معناه: ما مات إنسانٌ إلا زيدٌ. وليس معناه: ما مات حيوان إلاّ زيدٌ. ومَن فهم ذلك كان من الحيوان، لا من الإنسان)

(2)

وكلام " الدجوي " -بنظرة عجْلى فيه- قد انطوى على أَغاليط عدة، مع التغافل عما اشتمل عليه كلامُه من ضروب القصْب. وإنما ينصبّ الحديث معه حول المغالطات العلميّة التي انتظمها كلامه السالف:

فيقال: أمّا عدّ " الدجوي " القولَ بتحريم شد الرحال لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم من مفردات الإمام ابن تيمية رحمه الله؛ فقولٌ لا يصدُر إلا عن أحد رجلين:

(1)

في الأصل المطبوع: " إلى "

(2)

"مقالات وفتاوى الشيخ يوسف الدجوي "(1/ 358 - 359)،والدجوي (1287 - 1365 هـ) هو: يوسف بن أحمد بن نصر بن سويلم الدجوي، فقيه مالكي من علماء الأزهر، كف= =بصره في طفولته بمرض الجدري، من تآليفه:"خلاصة علم الوضع"، "تنبيه المؤمنين لمحاسن الدين"=انظر:"الأعلام" للزركلي (7/ 216)

ص: 206

- إمّا مُلبّسٌ يريد تضليل القارئ؛ بإيهامه أنّ هذا القول محدَثٌ لا سلف له.

- وإمّا جاهل بأقوال الأئمة، مفرِّطٌ في استيفائها، والنظر فيها.

وبالجملة: فإن بُطلان قوله يُوجَز في الأوجه التالية:

الأوَّل: أنْ يقال: قد سبقَ شيخَ الإسلام إلى القول بتحريم شدّ الرحال إلى زيارة القبورِ جماعةٌ من أهل العلم من أتباع المذاهب:

- كالإمام ابن بطّة رحمه الله؛ حيث قال في سياق تعداد البدع المحرّمة: "ومن البدع: البناء على القبور، وتجصيصها، وشدّ الرحال إلى زيارتها. . .

(1)

- والإمام أبو محمد الجويني الشافعي

(2)

، والإمام أبو الوفاء ابن عقيل رحمه الله

(3)

، والقاضي حسين بن محمد المرورذي الشافعي

(4)

.

(1)

الشرح والإبانة (342)،وابن بطة (304 - 387 هـ):هو عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان العُكبري الحنبلي، الإمام القدوة شيخ العراق، من تصانيفه:"الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية"=انظر: "سيرأعلام النُّبلاء"(16/ 529)

(2)

انظر: " إكمال المعلِم "(4/ 448 - 449) و "شرح مسلم"(9/ 168)،وأَبو محمد الجويني (438 هـ):هو عبدالله بن يوسف بن عبدالله بن يوسف أبو محمد الجويني النَّيسابوري، أحد أئمة الشَّافعية، ووالد إمام الحرمين أبي المعالي، من تصانيفه:"التبصرة"في الفقه،=

"الوسائل في فروق المسائل"=انظر: "السير"(17/ 617)،و"طبقات الشَّافعية"(5/ 73)

(3)

انظر: "التذكرة"لابن عقيل (354)،و "المغني"لابن قدامة (3/ 117) وابن عقيل (431 - 513 هـ):هو علي بن عقيل بن محمد بن عقيل البغدادي، أبو الوفاء شيخ الحنابلة، وأحد أذكياء بني آدم، مُتفنن في الفقه والأصول والكلام، من تصانيفه:"الفنون"،و"الواضح في أُصول الفقه"=انظر:"الذيل على طبقات الحنابلة"(1/ 316)

(4)

انظر: "الدِّين الخالص"للعلامة صدِّيق حسن خان (3/ 400)،والحسين بن محمد المرورذي (462 هـ) هو: الحسين بن محمد بن أحمد =أبو علي القاضي المرورُّذي، إمام من أئمة الشّافعية، قال عنه الرافعي: حبر الأُمة، من تصانيفه "التعليقة"=انظر:"طبقات الشَّافعية"(4/ 356)

ص: 207

وقد تقلَّد هذا القولَ بعد شيخ الإسلام ابن تيميَّة جماعة مِن متأخّري الحنفيّة نصّوا على تحريم شدّ الرحال إلى زيارة القبور، ومنهم:

- الإمام البركوي رحمه الله؛ حيث قال في سياق بيانه لمفاسد اتخاذ القبور مساجد: (ومنها: السَّفرُ إليها، مع التعب الأليم، والإثم العظيم؛ فإن جمهور العلماء قالوا: السفر إلى زيارة قبور الأنبياء والصالحين بدعة؛ لم يفعلها أحدٌ من الصحابة والتابعين، ولا أمر بها رسول رب العالمين، ولا استحبّها أحدٌ من أئمة المسلمين. فمن اعتقد ذلك قُربةً وطاعةً = فقد

خالف الإجماع، ولو سافر إليها بذلك الاعتقاد؛ يحرُم بإجماع المسلمين. فصار التحريم من جهة اتخاذه قربة = ومعلومٌ أن أحدًا لا يسافر إليها إلا لذلك. .)

(1)

والإمام وليّ الله الدهلوي، وسيأتي نقل قوله رحمه الله.

- وكذلك الإمام محمود شكري الآلوسي

(2)

، وكتابه " غاية الأماني " زاخرٌ بتقرير هذا المعنى.

القضية الثانية: أن يقال: ليس مع المُستحبِّين لشدِّ الرِّحالِ إلى زيارة القبور=دليلٌ يُعتمَد عليه، وحجةٌ يُعوَّلُ عليها؛ بل جُلُّ اعتمادهم على أحاديث مكذوبة، وأقوالٍ لمتأخّري أصحاب المذاهب في ميزان الحقِّ مرجوحة، وهؤلاء لا يُجعَل قولُهم حجّة على كلام الأئمة المتقدّمين؛ فضْلًا عن أن يكون حجة على الشّرع.

فأين أقوال الأئمة الأربعة على استحباب ذلك؟ وما مستندُ الإجماع

(1)

زيارة القبور (213) والبركوي (929 - 981 هـ): هو محمد بير علي بن إسكندر البركوي الرومي، محي الدين، من علماء الحنفية، وأحد القضاة الدولة العثمانية، من مؤلفاته:"الطريقة المحمدية"=انظر: "الأعلام "للزركلي (6/ 61)

(2)

محمود شكري الآلوسي (1273 - 1342 هـ):هو محمود شكري بن عبد الله بن شهاب الدين الآلوسي الحُسيني، أبو المعالي، عالم مُتفنِّن، من الدُّعاة إلى السُّنة، من تصانيفه"بلوغ الأرب في أحوال العرب"،و"تاريخ نجد"=انظر:"الأعلام"(7/ 172)

ص: 208

على استحباب شدّ الرحال إلى بقعة غير المساجد الثلاثة؟ دون إثباتِهم لذلك خرْطُ القَتَاد.

القضية الثالثة: أنّه لو قيل: إِنَّ الإِجماعَ في نَقِيض ما ادّعوا لما بَعُد.

بيان ذلك: أنّ الصحابة رضي الله عنهم؛ كأبي سعيد الخدري، وعبد الله بن عمر، وبصرة بن أبي بصرة = فهموا من الحديث العموم والاستغراق لغير المساجد.

فأمّا أبو سعيد الخدري رضي الله عنه فيذكر شهرُ بنُ حوشب أنه لقِيه وهو يريد الطور، " فقال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تُشدّ المطيّ إلاإلى ثلاثة مساجد

)

(1)

.

وأمّا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فقد روى عنه قزعة، قال: سألتُ ابنَ عمر: آتي الطور؟ قال: (دع الطور، لا تأتِه وقال: لا تُشدُّ الرِّحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد)

(2)

وأما أبو بصرة الغفاري رضي الله عنه؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خرجتُ إلى الطور

قال أبو هريرة: فلقيت بصرة بن أبي بصرة الغفاري

(3)

، فقال: من أين أقبلْتَ؟ قلتُ: من الطور. فقال: لو أدركْتُك قبل أن تخرُج إليه ما خرجتَ = سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تُعمل المطيّ إلاّ إلى ثلاثة مساجد

) الحديث.

(4)

(1)

أخرجَه الإمام أحمدُ (3/ 93) وحسّنه الألباني انظر: " الثمر المستطاب "(2/ 551)

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنّف " كتاب الحج، باب:" فيمَ تُشدّ الرحال؟ "(5/ 629) والحديث موقوف، وإسناده صحيح انظر:" الثمر المستطاب " للألباني (2/ 556)

(3)

نبّه الحافظان: ابن عبد البرّ، وابن حجر إلى أن الحديث من رواية والد أبي بصرة انظر:= ="التمهيد"(4/ 60) و"التقريب"لابن حجر (174)

(4)

أخرجه مالك في " الموطأ " كتاب "الجمعة" باب: "ما جاء في الساعة التي يوم الجمعة"(108) والنسائي (3/ 114) وابن حبَّان في "صحيحه"(7/ 7 - رقم [2772]-الإحسان) وسنده صحيح كما قال الحافظُ ابن حجر في الإصابة (1/ 320) وقال العلامة الألباني: هو على شرط الشيخين = انظر: " الثمر المستطاب "(2/ 554)

ص: 209

فهؤلاء أربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فَهموا استغراق النَّهي لجميع البقاع من هذا الحديث، ولم يُعرَف لهم مخالف يُناقض صَراحة ما فهموه؛ فيتحصَّلُ مِن ذلك اتفَاقُهم على عدم جواز شدّ الرحال إلى غير المساجد الثلاثة.

وممَّا يَفْصِل في الأَمر، ويرتقي بالنَّاظر إلى مدارج اليقين بصحة ما فُهم من مذهب الصَّحابة رضي الله عنهم =ما تراه من عدم ورود ما يُناقض ذلك المُتقَرِّر في القرن الأوَّل عند التابعين، ومَنْ جاء بعدهم من الأئمة الأربعة؛ فيتحرّر عندئذٍ: أَنَّ الأصلَ عندهم المَنْع من ذلك، وعدمُ جوازِهِ.

وقد يُقال: عدم الوقوف على ما يُناقض هذا الأصل من فعل الصحابة أو أَقوالهم، وفعل أو أقوال من جاء بعدهم من التابعين، ليس علمًا بالعدم.

فيُقال: أولًا: قد يصِحُّ هذا الاعتراض عند انتفاء أي قرينة أو دليلٍ على حرمة السَّفر للمشاهدِ والقبور لزيارتها، فحينئذٍ قد يستساغ هذا الإِيراد، كيف وقد وُجدت القرائن المقتضية لصحة المنع من ذلك، ومن أَعظم تلك القرائن:

-أنَّه يستحيل في مَسْألة عباديَّةٍ كهذه أَن يَسودَ قولٌ وينتشرُ في عصر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مع كونه مرجوحًا، ولا ينبري المخالف له في عصر سادات الأُمّةِ في بيان خطإ هذا الفَهم مع ما أُثِرَ عنهم من الحرص على بيان الحقِّ متى ما ظهرت رسومه، وارتفعت لهم أَعلامُهُ.

فإن قيل: لعلّه أُثر لكن لم ينهض التَّابعون في نَقْله وبثِّهِ.

فالجواب عنه كالجواب عن الأوّل: بأنّه يستحيل أن يندثر الحق ولا يتهيّأ من أتباعهم من فضلاء التَّابعين من ينقله ويُشيعه، ثمَّ لو سُلِّم بصحة ذلك لاستدللنا على أنَّ بقاء أحدِ القولين دون الآخر، دليل على

ص: 210

أنَّ الله لم يكن ليذر الأُمّة على خلاف الحقِّ. ومثل هذا الجواب عن هذا الافتراض يقدر في خصوص التَّابعين، ومن بعدهم.

ثانيًا: أَنَّ التسليم بأنَّ ما فهمه هؤلاء الصحابة الذين تقدم نقل فُهومهم؛ هو الأَصل =يستدعي البقاء على هذا الأَصل وعدم الخروج عنه إلَاّ بيقين، فأين الدليل الموجب للخروج عن هذا الأصل عند المخالفين؟

ثالثًا: ما سبق بيانه هو في تقدير انتفاء ما يؤكِّد سلامة بقاء ذلك الأصل عند متقدمي الأمَّة، كيف وقد نَقل المناوي المنع عن السَّفر لبقعة غير مااستثناه الشَّارعُ عن الإمام مالك رحمه الله

(1)

،والأئمة الثلاثة إخوانٌ له و تَبَعٌ له فيما ذهب إليه، ولم يُنقل عنهم ما يكُدِّرُ ذلك.

ولا يضير هذا الاتفاقَ خلافُ المتأخّر؛ فإنَّ المخالِف محجوج بالاتفاق المستقرّ قبل حدوث مخالفته.

يقول الإمام ابن تيميَّة: (ولهذا لا يقدِر أحدٌ أن ينقل عن إمام من أئمة المسلمين، أنّه يُستحبّ السفر إلى زيارة قبر نبي، أو رجلٍ صالحٍ؛ ومَنْ نقل ذلك فليُخرِج نقله.

وإذا كان الأمر كذلك، وليس في الفتيا إلاّ ما ذكره أئمة المسلمين وعلماؤهم = فالمخالف لذلك مخالف لدين المسلمين وشرعِهم، ولسنّة نبيّهم، وسنّة خلفائه الراشدين، ولما بعث الله به رسله، وأنزل به كتبه)

(2)

رابعًا: يتأكد ما سبق بما علم ضرورة من سدِّ الشريعة لكُلِّ ذريعة من شأنها أن تُوصِلَ إلى الشِّرك، وأحاديثُ الباب تُفهم في ضوء هذا المعقد الجليل من معاقد التوحيد.

وبذلك تسْتبينُ زيف دعوى الإجماع على استحباب السفر إلى زيارة

(1)

انظر: "فيض القدير "للمناوي (6/ 140)،و"جلاء العينين"للآلوسي (580)

(2)

"الجواب الباهر " لشيخ الإسلام ابن تيمية (27/ 369=من مجموع الفتاوى)

ص: 211

قبر نبينا صلى الله عليه وسلم، وقبر غيره من الأنبياء والصالحين، وأنّ نقيض هذا الإجماع هو المستقرّ الثَّابت الذي لا يُعلَم خلافُه، والذي نطق به الحديث، وفهمه الصحابة، ونصّ عليه المتقدمون من الأئمة.

القضية الرابعة: كَوْنُ القصر في الحديث قصرًا إضافيًّا. فيُقالُ: قد تقدّم سَوْق آثار الصَّحابةِ الَّذين فهموا أَنَّ القصرَ في الحديث هو قصْر حقيقيّ، لا إضافيّ: تقدير في المستثنى منه بأعم العام؛ كما صرّح بذلك في البدء الحافظُ ابنُ حجر، ولا يضير رجوعه بعد ذلك إلى تقرير أَنَّ المستثنى منه خاصّ يُقدَّر بالمساجد؛ ذلك أن عمدته وعمدةَ كلّ من جعل القصر في الحديث قصرًا إضافيًّا

(1)

-فيما يظهر-: اعتمادُهم على المرويّ عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أنه قال:(لا يبنغي للمطيّ أن تشدّ رحاله إلى مسجد يبتغى فيه الصلاة غير المسجد الحرام)

(2)

فسندُ احتجاجهم بهذه الرواية تصريحُها بالمستثنى منه الذي خلت منه جميع الروايات الواردة في هذا الباب. وهذه الرواية لا يُحفَل بها؛ لعلّتين:

الأولى: أنّ آفتها من جهة الإسناد: شهر بن حوشب، والراوي عنه عبد الحميد بن بهرام، وقد قال فيهما الحافظُ ابنُ عَديّ بعد أن أورَد للأوّل بعضًا من الأحاديث التي انتُقِدت عليه: (ولشهر بن حوشب غير ما ذكرتُ من الحديث، ويروي عنه عبد الحميد بن بهرام أحاديث غيرها = وعامّة ما يرويه هو وغيره من الحديث فيه من الإنكار ما فيه. وشهرٌ هذا

(1)

انظر: " طرح التثريب " للعراقي (6/ 43) الدُّرر السَّنية في الرد على الوهابية " أحمد زيني دحلان (6)،و" مفاهيم يجب أن تُصحَّح " لمُحمَّد علوي المالكي (261)، و"المهنَّد على المفنّد"لخليل بن أحمد السهارنفوري (47)

(2)

أخرجه أحمد في مسنده (3/ 64)،وعمر بن شبّة في "تاريخ المدينة"،وعنه " الأخنائية"لابن تيمية (115 - 116)،ولم أظفر به في تاريخه، وقال الهيثمي:(هو في الصحيح بنحوه، وإنّما أخرجته لغرابة لفظه، وشهر فيه كلام، وحديثه حسن)"مجمع الزَّوائد"(4/ 3)

ص: 212

ليس بالقويّ في الحديث، وهو ممّن لا يُحتجّ بحديثه، ولا يُتديّن به)

(1)

.

وقال الحافظ ابن حجر في " شهر ": (صدوق، كثير الإرسال والأوهام، من الثالثة)

(2)

وقد أُمِن إرسالُه بتصريحِه بالتحديث عن أبي سعيد. ومن كان في هذه المرتبة عند الحافظ في درجة الحسن، وقد حسّن حديثه الحافظ

(3)

؛ إِلَاّ أنَّ تحسين حديثه هنا لا يُحتمل لتفرّده بهذه الزيادة، ومخالفته للرُّواة الذين رووه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه؛ فكلهم لم يرووا هذه الزيادة، مع كونهم أوثق منه، لمخالفته الرواية المحفوظة عن سبعة ممن روى هذا الحديث من الصحابة. ومَنْ كان كذلك فلا يُلتفت إلى روايته

(4)

.

وبهذا تعلم ضعف هذه الرواية من جهة إسنادها، وخطأَ من ذهب إلى تحسينها؛ كالحافظ ابن حجر، وشَيْخِه الهَيْثَمي -رحمهما الله-

(5)

.

العلة الثانية: نكارة متنها، و في بيان هذه العلَّة يقول العلَاّمةُ الألباني رحمه الله:(في حديث شهر نفْسِه أَنَّ أبا سعيد أنكرَ عليه الذهاب إلى الطور، واحتجّ عليهم بهذا الحديث؛ فلو كان فيه هذه الزيادة التي تخصّ معناه بالمساجد دون سائر المواضع الفاضلة = لما جاز لأبي سعيد - وهو العربي الصميم - أن يحتجّ به؛ لأنّ شهرًا لم يقصد الذهاب إلاّ إلى الطور، وليس هو مسجدًا، وإنما هو جبل مقدّسٌ كلَّم الله عليه موسى عليه السلام، فلا يَشْمله الحديث لو كانت فيه الزيادة؛ فإنكارُه الذهابَ إليه أكبرُ دليل على بطلان نِسبتها إلى حديثه)

(6)

.

(1)

"الكامل في ضعفاء الرجال "لابن عَدي (4/ 40)

(2)

"التقريب"للحافظِ ابن حجر (441)

(3)

"فتح الباري" للحافظِ ابن حج العسقلاني (3/ 85)

(4)

انظر: " شرح علل الترمذي "لابن رجب (2/ 840)

(5)

انظر: "مجمع الزاوئد"للهيثمي (4/ 3)

(6)

"الثمر المستطاب"(2/ 561)

ص: 213

ثُمَّ إنّه لو صحّت هذه الرواية، لما انتهضت لدفْع حكم التحريم في شدّ الرحال إلى زيارة القبور؛ ذلك: أن هذا التحريم إمّا أن يكون مستفادًا من العموم المقدّر فيه المستثنى منه، وإمّا أن يكون منتزعًا بدلالة مفهوم الأَولى؛ وذلك على فرض التسليم بصحة هذه الرواية؛ فإنه إذا ثبت النهي عن شد الرحال إلى مسجدٍ غير المساجد الثلاثة، مع كون المساجد أفضل البقاع، وهي بيوت الله تعالى، ومظنّة حصول الشرك فيها منتفية فغيرها من باب أَوْلَى. وهذا لا يُماري فيه كلّ مَن نظر بإنصاف، ولم يهُلْهُ كثرة المخالفين من المتأخّرين.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (بخلاف السَّفر إلى البقاع المعظّمة؛ كطور موسى، وكقبور الأنبياء والصالحين؛ فإن الصحابة والتابعين، والأئمة، فهموا دخولها في الحديث، ولم يكن في السَّلف من يُنكِر دخولَها في الحديث. ودخولُها على أحد وجهين:

إن قيل: إن المستثنى منه: جنس البقاع المعظّمة؛ فقد دخلت هذه، فلا يُشرع بطريق الأولى؛ فإن المساجد أفضلُ البقاع؛ كما ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(أحبّ البقاع إلى الله المساجدُ، وأبغضُ البقاع إلى الله الأسواقُ)

(1)

والمساجدُ يُؤمر بقصدها، ويُسافَر إلى بعضها، ويجب السفر إلى بعضها؛ فإذا كانت لا يُشرع السفر منها إلى غير الثلاثة = فغير المَساجدِ أَولى أَن لا يُشرع السفر إليها. ولهذا لم يقل أحدٌ من علماء المسلمين: إنَّه يُسافر إلى زيارة القبور، ولا يُسافر إلى المساجد. وإنّما حُكِي عن بعضهم العكس. . . ولم يقل أحد من أئمة المسلمين: إِنَّه مَنْ نذر السَّفرَ

(1)

أخرجه مسلم بنحوه: كتاب "المساجد" باب: "فضل الجلوس في مصلاه بعد الصبح"(1/ 464 - رقم [671])

ص: 214

إلى قبر نبي أو غير نبي؛ وفَىَّ بنذره؛ بل نصّوا على أنه لا يوفي بنذره. ليس بين الأئمة الأربعة وغيرهم من نُظَرائهم خلافٌ في ذلك. بل كلّهم متفقون على أنّه من نذر السفر إلى قبر نبيٍّ - أيّ نبيٍّ كان - أو قبر صالحٍ؛ أنّه لا يوفي بنذره. ومالك رحمه الله إذا كان نصّ على ذلك في قبر النبي صلى الله عليه وسلم فسائرُ الأئمة يوافقونه، وهم أولى بذلك منه)

(1)

.

وأما قول " الدجوي ": (فإنّ الأصل: أنَّ الشيء يستثنى من جنسه

القريب

) الخ.

فيقال: هذه دعوى كأخواتها السابقات!! فأين الدليل الذي ينصّ على هذا الأصل؟ ومَنْ مِنْ أئمة اللغة نطق بذلك؟

فالذي يقال هنا: إنَّ التقدير خاضعٌ للقرائن التي بها يستدلُّ النَّاظر على عموم المقدَّرِ أَو خصوصه. وفي مسألتنا هذه، قد وُجِدت القرينة الدَّالّة على عموم جنس المستثنى منه؛ هذه القرينة هي فَهْمُ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهُمْ مَنْ هُمْ في فهْمِ مقاصد أحاديثه عليه الصلاة والسلام.

وعلى القول بالتسليم بصحّة هذا الأصل؛ فهنا أمران:

الأول: أن يقال - على فرض التسليم-: إنَّ الأصل أنَّ الشيء يُستثنى من جنسه القريب؛ إلَاّ أن ذلك لا يمنع من صحة الخروج عن مقتضى هذا الأصل، إذا تحقّق ما يوجبُ ذلك.

الثاني: أنه إنْ سُلِّم أن الأصل ما ذُكر، فقد تقدّم أنّ دخولَ غيرِ المساجد من البقاع والمواطن في حكم النهي عن شدّ الرحال إلى مسجدٍ غير المساجد الثلاثة مُنتزَع من دلالة " تنبيه الخطاب ".

وأما قوله: " فإذا قلنا: ما مات إلاّ زيدٌ. كان معناه: ما ماتَ إنسانٌ إلاّ زيدٌ. وليس معناه: ما ماتَ حيوانٌ إلاّ زيدٌ. ومَنْ فهم ذلك كان من الحيوانِ لا من الإنسان "!!

(1)

" قاعدة عظيمة "(94 - 95)

ص: 215

فالجواب عنه: أنّ ما ذكره مَغْلَطَةٌ لأنَّه قاس قياسًا مع الفارق، إِذ الفرق بيّنٌ بين قول: ما مات حيوانٌ إلاّ زيد. وتقدير: لا تُشدّ الرحال إلى بقعة إلاّ إلى ثلاثة مساجد.

فالأول: عند أهل اللسان يسمى استثناءً مُنقطعًا؛ لكون المستثنى ليس من جنس المستثنى منه؛ إذا قَصد بالحيوان - وهو ظاهر كلامه - العجماوات من الدّواب.

وأما الثاني: فالمساجد الثلاثة التي استُثْنِيت في الحديث هي من جنس

المستثنى منه (البقعة)، وليس الاستثناء هنا بهذا التقدير منقطعًا. وبرهانُ كون المساجد من جنس البقاع: ما تقدّم سَوْقه من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أحبّ البقاع إلى الله المساجد)

(1)

وبذا يتضح خطل التسوية بين المَثَلين، وأنّ التسوية بينهما مكابرة، وعدولٌ عن منهج الحق والصواب. والله أعلم.

وأَمَّا النَّظر الثالث: وهو لزوم التفريق بين مسألة " شدّ الرحال " لزيارة القبور، وبين زيارة القبور بلا شدّ للرحال إليها.

فإنّ بعض المخالفين لمّا أعياهم تطلُّب الأدلّة المسوّغة لشدّ الرحال إلى القبور = لجئوا إلى المغالطة والشّغب على أهل السنة والجماعة؛ بالخلط بين المسألتين، وأوْهَموا - مَن لا يدري - أن أهل السنة يمنعون مِن زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم الزيارة الشرعية، أو يمنعون من شدّ الرحال إلى مسجده صلى الله عليه وسلم. كما نرى ذلك جليًّا عند خصوم شيخ الإسلام ابن تيمية

(2)

.

والفرق بين المسألتين واضحٌ؛ فإنّ زيارة قبره عليه الصلاة والسلام مندوبٌ إليها، داخلة تحت عموم قوله صلى الله عليه وسلم: (كنتُ نهيتكم عن زيارة

(1)

تقدم تخريجه.

(2)

كتقي الدِّين السُّبكي كما في كتابه "شفاء السقام"(106)

ص: 216

القبور، فزوروها فإنّها تذكّر الموت)

(1)

لكن هذه الزيارة تكون مرضيّةً متى ما وقعت دون إنشاءِ سفرٍ لها، وعلى الكيفيّة المشروعة من السلام عليه صلى الله عليه وسلم. وأمّا شدّ الرحال بقصد زيارة قبره عليه الصلاة والسلام؛ فهذه هي الزيارة البدعيّة التي جاء النصّ بخلافها.

وفي بيان أن السفر إلى مسجده صلى الله عليه وسلم، ثم زيارة قبره عليه الصلاة والسلام قُربة يُثاب المرءُ عليها؛ يقول شيخ الإسلام:(والصلاة تُقصَر في هذا السفر المستحبّ، باتفاق أئمة المسلمين، لم يقل أحدٌ من أئمة المسلمين أن هذا السفر لا تُقصَر فيه الصلاة، ولا نهى أحدٌ عن السفر إلى مسجده؛ وإن كان المسافر إلى مسجده يزور قبره صلى الله عليه وسلم؛ بل هذا من أفضل الأعمال الصالحة. ولا في شيءٍ من كلامي وكلام غيري ينهى عن ذلك، ولا نهي عن المشروع في زيارة قبور الأنبياء والصالحين، ولا عن المشروع في زيارة سائر القبور؛ بل قد ذكرتُ في غير موضع: استحباب زيارة القبور. . . . وإذا كانت زيارة قبور عموم المسلمين مشروعة، فزيارةُ قبور الأنبياء والصالحين أَوْلى)

(2)

والزيارة المندوب إليها في نصوص الشريعة هي التي يُقْصَد بها السلامُ على الميت، والدعاء له، وأخْذ العظة والاعتبار، وتذكّر الآخرة. فهذه الزيارة مأذون للزائر بها.

وأما الزيارة البدعية المحرمة = فهي التي يروم منها الزائر صَرفَ الرّغاب إلى الميت، وسؤاله. أو: يُقصَد بها الدعاء عند قبره؛ ظنًّا منه أَنَّ ذلك أَحْرى لإجابةِ سؤاله. أو اتخاذ قبره مسجدًا.

(1)

أخرجه أحمد في "المسند"(5/ 361)،والحاكم في "المستدرك" (1/ 376) وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.

(2)

مجموع الفتاوى (27/ 330 - 331)

ص: 217

وفي بيان الفرق بين الزيارتين؛ يقول ابن تيمية في منسكه الذي نقله عنه الإمام ابن عبد الهادي: (وزيارة القبور على وجهين: زيارة شرعية، وزيارة بِدْعيّة.

فالشرعية: المقصود بها السلام على الميت، والدعاء له؛ كما يُقصد بالصلاة على جنازته. فزيارتُه بعد موته من جنس الصلاة عليه؛ فالسنة فيها: أن يسلّم على الميت، ويدعو له؛ سواءً كان نبيًّا أَو غير نبيٍّ. . .

وأمّا الزيارة البدعية: فهي أن يكون مقصود الزائر أن يطلب حوائجَه من ذلك الميت، أو يقصد الدعاء عند قبره، أو يقصد الدعاء به = فهذا ليس من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا استحبّه أحدٌ من سلف الأمة؛ بل هو من البدع المنهي عنها باتفاق سلف الأمة وأئمتها)

(1)

وقال الإمام ابن قيّم الجوزيَّة رحمه الله في بيان مقاصد زيارة الموحّدين للقبور: (أما زيارة الموحدين = فمقصودُها ثلاثة أشياء:

أحدها: تذكّر الآخرة، والاعتبار، والاتعاظ. . .

الثاني: الإحسان إلى الميت، وأن لا يطول عهده به، فيهجره، ويتناساه؛ كما إذا ترك زيارة الحيّ مدةً طويلةً تناساه. فإذا زار الحيَّ فرح بزيارته، وسُرّ بذلك = فالميت أَوْلَى. .

الثالث: إحسان الزَّائر لِنفسه؛ باتِّباع السُّنَّة، والوقوف عند ما شرعه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم؛ فيُحسِن إلى نفسه، وإلى المَزُور

)

(2)

* * *

(1)

"الصارم المنكي"(47 - 48)

(2)

إغاثة اللفهان (218 - 219)

ص: 218