الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الأول: سوق الأحاديث الدالّة على وجود الملائكة ووجوب الإيمان بهم:
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في حديث جبريل المشهور -، وفيه:(قال فَأَخْبِرْنِي عن الْإِيمَانِ قال أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ) متفق عليه
(1)
وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خُلِقَتْ الْمَلَائِكَةُ من نُورٍ، وَخُلِقَ الْجَانُّ من مَارِجٍ من نَارٍ، وَخُلِقَ آدَمُ مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ) أخرجه مسلم.
(2)
وعنها رضي الله عنها أنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَنْزِلُ في الْعَنَانِ وهو السَّحَابُ فَتَذْكُرُ الْأَمْرَ قُضِيَ في السَّمَاءِ فَتَسْتَرِقُ الشَّيَاطِينُ السَّمْعَ فَتَسْمَعُهُ فَتُوحِيهِ إلى الْكُهَّانِ فَيَكْذِبُونَ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ من عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ) أخرجه البخاري.
(3)
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ وَيَجْتَمِعُونَ في صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ فَيَسْأَلُهُمْ وهو أَعْلَمُ بِهِمْ كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي فَيَقُولُونَ تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ). أخرجه البخاري.
(4)
(1)
أخرجه البخاري في كتاب: الإيمان، باب: سؤال جبريل النبي صلى الله عليه وسلم (1/ 27 - رقم [50])، وأخرجه مسلم في كتاب: الإيمان، باب: بيان الإيمان والإسلام .. (1/ 37 - رقم [8]) واللفظ لمسلم.
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه كتاب: الزهد والرقائق، باب: في أحاديث متفرقة (4/ 2294 - رقم [2996]).
(3)
أخرجه البخاري: في: كتاب "بدء الخلق "، باب:"ذِكْر الملائكة"، (3/ 1175 - رقم [3038]).
(4)
أخرجه البخاري في: كتاب: مواقيت الصلاة، باب: إثم من فاتته صلاة العصر (1/ 203 - رقم [530]).
وعن سَمُرة رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (رأيت اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي قالا الذي يُوقِدُ النَّارَ مَالِكٌ خَازِنُ النَّارِ وأنا جِبْرِيلُ وَهَذَا مِيكَائِيلُ) أخرجه البخاري.
(1)
باستقطاب النَّظَر في الأَحاديث المتقدمة يتقرّر من جُمْلتها أُمورٌ:
الأمر الأول: إثبات وجود الملائكة الكرام، وجودًا موضوعيًّا.
الأمر الثاني: أَنَّ الإيمان بهم يُعدُّ من مباني الإيمان العظام. ومعنى ذلك: أنَّ الكفر بهم هو في حقيقة الأمر كفْر بالله، ورسله، وكتبه.
الأمر الثالث: أَنَّهم مَرْبوبون، مخلوقون، منقادون لطاعة الله تعالى ولازم هذه الطاعة: أنهم أحياءُ ناطقون.
الأمر الرابع: أَنَّ النَّور مادّةٌ خلقهم الله منها.
الأمر الخامس: أنَّ الله تعالى رتّب لهم وظائف يقومون بها؛ فمنهم الموكّل بالوحي، ومنهم الموكّل بجهنَّم، ومنهم الموكّل بالقَطْر، ومنهم الموكّل بكتابة أفعال العباد .. إلخ هذه الوظائف، والأعمال التي نيطت بهم.
وبهذه الأمور نطق الكتاب العزيز، وانعقد إجماع المسلمين. فأمّا الدلائل من القرآن الكريم، فدونك نُبَذًا يتقرر بها ما سلف:
قال تعالى - ذاكرًا مباني الإيمان -: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285)} البقرة.
وقال جل وعلا - مبيّنًا كُفْر من أنكر وجود الملائكة: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (136)} النساء.
(1)
أخرجه البخاري في: كتاب: بدء الخلق، باب: إذا قال أحدكم آمين والملائكة في السماء (3/ 1182 - رقم [3064]) .
وفي استسلامهم لربهم، وخضوعهم له، وعبادتهم إيّاه، وخوفهم منه، يقول تعالى:{وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (20)} الأنبياء، وقال تبارك وتقدّس:{وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27)} الأنبياء، وقال جل وعلا:{يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (50)} النحل.
وأخبر - سبحانه - أنها تنزل إلى الأرض ثم تصعد إلى السماء، وأنّ من أجلّ الأعمال الموكَلة إليهم: تبليغ وحْيه -سبحانه- إلى أنبيائه ورسله. قال عز وجل: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194)} الشعراء.
ومن أعمالهم: نُصْرة المؤمنين، وقتال الكافرين، قال تعالى:{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9)} الأنفال. وقال: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12)} الأنفال. وقال: {فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا} التوبة.
ومما أوكله الله تعالى إليهم: كتابة أعمال العباد. قال - سبحانه -: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (80)} الزخرف، وقال:{وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11)} الانفطار.
ونَعَتَهُم تبارك وتعالى بأنهم على الطاعة مُجْبولون، فلا تقع منهم المعصية؛ لأنهم مجرّدون عن سببيْها: الشهوة، والغضب. قال تعالى:{لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6)} التحريم.
والآيات في هذا الباب كثيرة، ليس المقامُ مقام استيفاءٍ لها.
وأمّا الإجماع: فقد نقله غيرُ واحدٍ؛ منهم الإمام ابن القطّان رحمه الله حيث قال: (واتفقوا أنَّ الملائكةَ حقٌّ، واتفقوا أنَّ جبريلَ وميكائيل ملكان رسولان لله عز وجل مُقرَّبان عظيمان عند الله تعالى، واتفقوا أنَّ الملائكة كلَّهم مؤمنون فضلاء.،وأجمع المسلمون أنَّ الملائكة مجبولون على طاعة الله عز وجل معصومون من الغَلَطِ، والخلافِ على الله .. )
(1)
وقال الطُّوفي: (قوله عز وجل: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (97) مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ (98)} البقرة.
الآيتان فيهما إثبات الملائكة، وهم أحد أركان أصول الدّين. ومتعلّقات الاعتقاد .. ونصوص الكتب الإلهية، وإجماع الرُّسل = على إثبات الملائكة .. )
(2)
.
(1)
"الإِقناع في مسائل الإجماع"(1/ 34 - 36) .
(2)
"الإشارات الإلهية"(1/ 282) .