الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي على الأحاديث الدالة على بقاء الجنة والنار
فيما تقدم إيراده من الأحاديث براهين ظاهرة على بقاء الجنة والنار، وأبديتهما؛ وعلى ذلك مضى اتفاق الأُمَّة، إلا من شَذَّ ممّن لا يُعوَّل على خلافة؛ كالجهم بن صفوان ، وأبي الهذيل العَلَاّف.
يقول الإمام ابن حزم رحمه الله: (اتفقت الأمة كُلّها بَرُّها وفاجرُها؛ حاشا جهم بن صفوان السمرقندي ، وأبي الهذيل محمد بن الهذيل العَلاّف العبدي البصري؛ على أن الجنة لا فناء لنعيمها، والنار لا فناء لعذابها، وأن أهلها خالدون أبدَ الأبد فيها لا إلى نهاية)
(1)
.
وقال الإمام أَبو زكريا السَّلماسي رحمه الله: (وأَجمعوا أَنَّ نعيم الجَنَّة لا يبيد ولا يفنى، وأَهلها لا يموتون، قال الله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100)} التوبة: 100)
(2)
.
وقال ابن القطان: (وأجمعوا على أنهما لا يبيدان، ولا يفنيان وأجمعوا على أن أهل الجنة خالدون فيها أبدًا، خلودًا لا انقطاع له، ولا انقضاء)
(3)
.
(1)
"الأصول والفروع"(145).
(2)
"منازل الأَئمة الأَربعة"(125).
(3)
"الإقناع"(1/ 67 - 70).
وهذا الاتفاق مُقَامٌ على دلائل من الكتاب والسنة ، فأمَّا السُّنة فقد تقدم إيراد بعضها ، وأما الكتاب ، فمن ذلك:
وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا (57)} النساء.
وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا (122)} النساء وقوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا (168) إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (169)} النساء.
وقوله تعالى: {أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا} الرعد: 35
وقوله تبارك وتعالى: {إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ (54)} ص.
وقوله: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} النحل: 96
وقوله: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا} النساء: 56.
وقوله: {كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا (97)} الإسراء: 97
وقوله تعالى: {لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا} فاطر: 36
وقوله: {وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167)} البقرة.
وقوله: {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا} السجدة: 20
وقوله: {وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (37)} المائدة.
إلى غير هذه الآيات الدالة على أَبديَّة الخلود في الدَّارين لأهلها، وعدم فنائهما
(1)
؛ إمّا بمنطوقها، أو بمفهومها.
وأمَّا مَن منَع بقاء الجنة والنار ودوامهما ، فقد اعترض بما يلي:
الأول: امتناع ما لا يتناهى من الحوادث: وقد ذهب إلى ذلك الجهم بن صفوان؛ حيث قال بفناء الجنة والنار ، واستحالة بقائهما. ومنشأ هذه الإحالة لِما استقرّ عند الجهم ومن جاء بعده من المتكلمين امتناع حوادثَ لا أوّل لها؛ لتثبيت القول بحدوث الأجسام، وأنّ ما لا يخلو من الحوادث فهو حادث ، وإبطال القول بقدم العالم = طَرَد الجهم بن صفوان الدليل ، فقال بامتناع ما لا يتناهى من الحوادث.
وهذا الدَّليلُ البدعي اسْتَولَدَ صنوفًا من التعطيل لما تدل عليه كثير من النصوص ، وكذا التعطيل لأفعال الرب تعالى.
وليس الغَرضُ في هذا المبحث الاسترسال في شرح دليل الحدوث، ومقدماته ولوازمه؛ إذْ باب الأسماء والصفات أَلْيَقُ بمثل ذلك ، وإنّما الغَرضُ ضبْطُ أصل الجهم في نَفْيهِ لأبديّةِ الجنةِ والنَّار. فالجهم بن صفوان طَرَد دليلَه في امتناع ما لا يتناهى من الحوادث في الماضي والمستقبل؛ فكما أنه يستحيل عند الجهم ومن وافقه - من متكلمي المعتزلة الكلابية والأشاعرة والماتريدية - وجود حوادث لا أوّل لها في الماضي؛ كذلك يمتنع عنده وجود حوادث لا آخر لها في المستقبل.
فالله - تعالى عما يقول الظالمون - كان معطَّلًا عن الفعل وعن الكلام بمشيئته وقدرته؛ إذ كان ممتنعًا في الماضي ثم صار ممكّنًا ، وكذا فيما يتعلق بالمستقبل، فالفعل منه يصبح ممتنعًا. وكذا نعيم الجنة وعذاب
(1)
انظر: في استيفاء الكلام على هذه الدلائل"دفع إيهام الاضطراب"للعلامة محمد الأمين الشنقيطي (134 - 139).
النار يصيران إلى الفناء. ووجه ذلك: أنّ كُلًا من نعيم الجنة وعذاب النار مخلوق ، وكل مخلوق - على أصله - له بداية ، وكل ما له بداية فله نهاية = فنتيجة تلك المقدمات أن الجنة والنَّار لهما نهاية تفنيان بعدها.
ثم جاء أبو الهذيل العَلَاّف
(1)
فوافق «الجهم» على أصله؛ إلا أنه لم يوافقه في جميع لوازمه؛ بل كان هذا الأصل وهو امتناع ما لا يتناهى من الحوادث - يقتضي عنده فناء الحركات لكونها متعاقبة - شيئا بعد شيء. وعلى هذا؛ فحركاتُ أَهل الجنة والنار آيلة إلى الفناء حتى يصيروا في سكون دائم
(2)
.
وفي تقرير مذهب أبي الهذيل ، يقول ابن الخياط: (وأبو الهذيل كان يزعم أَن أكلَ أهل الجنة وشربَهم، وجِماعَهم ، وتزاوُرَهم ، وجميعَ لَذَّاتِهم باقية مجتمعة فيهم؛ لا تفنى ولا تنقضي ، ولا تزول ولا تبيد. وإنما هذا الذي حكاه صاحب الكتاب [يعني ابن الراوندي] قولُ جهم؛ لأنَّ جهمًا كان يزعم أن الله يُفني الجنة والنار وما فيهما، ويبقى وحده
…
)
(3)
.
وقول أبي الهذيل: (إنّ أكلَ أهل الجنة وشربَهم و
…
باقية مجتمعه فيهم) مؤدَّاه: نفي حركات أهل الخُلد. ثم يُورد ابن الخياط عن ابن الرواندي عمدةَ كلٍّ من الجهم وأبي الهذيل فيما ذهبوا إليه، فيقول: (قال الماجن. فقيل له: ولِمَ قلت ذلك؟ وما برهانك عليه؟
قال: فأجابَ بأنَّه لو جاز أن يستأنف شيئًا بعد شيء لا إلى آخر؛
(1)
أبو الهذيل (؟ -227 هـ):هو محمد بن الهذيل البصري العلَاّف، رأس المعتزلة، لم يكن على الجادّة في الاعتقاد، والمسلك، وله مقالات هي كفر وإلحاد كقوله: بأن لما يقدر عليه الله نهاية وآخرا .. قال عنه الذهبي: لم يكن أبو الهذيل بالتقيِّ =انظر:"السِّير"(10/ 542) . أبو الهذيل (؟ -227 هـ):هو محمد بن الهذيل البصري العلَاّف، رأس المعتزلة، لم يكن على الجادّة في الاعتقاد، والمسلك، وله مقالات هي كفر وإلحاد كقوله: بأن لما يقدر عليه الله نهاية وآخرا .. قال عنه الذهبي: لم يكن أبو الهذيل بالتقيِّ =انظر:"السِّير"(10/ 542) .
(2)
انظر"الفصل"(4/ 145) ، و"حادي الأرواح"(2/ 724) .
(3)
"الانتصار"لابن الخيَّاط (18) وابن الخيَّاط (؟ -؟):هو عبدالرحيم بن محمد بن عثمان، أبو الحسين البصري، شيخ المعتزلة البغداديين، له ذكاء مُفرط، وكانت له جلالة عجيبة عند المعتزلة، من تصانيفه:"الاستدلال"، و"نقض نعت الحكمة" =انظر:"السِّير"(14/ 220)، و"طبقات المعتزلة" لابن المرتضى (85) .
لم يمتنع مُضيّ شيء قبل شيء؛ لا إلى أوَّل =ولو جاز هذا لم يكن لنا فيما زعم سبيل إلى تثبيت حدوث الجسم، ويلزمنا نَفْي مُحْدِثِهِ بِنَفْيِنَا حَدَثَه إذ كان لا يعرف حِسًّا ، وإنما يُعرف بأفعاله)
(1)
.
وقد اضطرب موقف بعض المتكلمين في هذه المسألة؛ فمع موافقتهم للأصل الذي انطلق منه الجهم، وهو امتناع حوادث لا نهاية لها؛ إلَاّ أنهم منعوا من طرد الدليل في المستقبل، ولهم في هذه المسألة موقفان:
الموقف الأَوَّل: من رأى أنَّ القياس يقتضي عدم التفريق بين منع تسلسل الحوادث في الماضي، وتسلسلها في المستقبل؛ إلَاّ أن ورود السَّمع بجوازه في المستقبل يوجب الامتناع عن طرد مقتضى هذا القياس!!
وممَّن قال بهذا القول: «ابن الزَّاغوني» من متكلمة الحنابلة؛ حيث يقول: (والجواب [أي على شبهة الجهم: أنّ كل مخلوق لا محالة له بداية ونهاية]: أن القياس يقتضي ذلك؛ لكن تركناه بالنصوص المقطوع بصحتها الواردة في القرآن)
(2)
.
الموقفُ الثَّاني: وهو ما عليه جماهير المُتكلِّمين =فقد تناقضوا في هذه القضيَّة؛ فمع تسليمهم لأصل الدليل؛ إلا أنّهم فرّقوا بين الماضي والمستقبل بتفريق عليل ، فقالوا: إن الماضي دخل في الوجود بخلاف المستقبل، والذي يمتنع هو دخول ما لا يتناهى في الوجود ، لا تقدير دخوله شيئًا بعد شيء
(3)
.
(1)
"المصدر السابق".
(2)
"الإيضاح في أصول الدين"(554) . وابن الزَّاغوني (455 - 527 هـ):هو علي بن عبيدالله بن نصر بن السَّري الزَّاغوني البغدادي، من أعيان الحنابلة وفقهائهم مُتفَنِّنًا في علوم شَتَّى، له تصانيف عديدة، منها"الواضح"،و"المفردات"=انظر:"السِّير"(19/ 605)،و"الذَّيل على طبقات الحنابلة"(1/ 401) .
(3)
انظر:"حادي الأرواح"(2/ 725) .
وفي بيان قولهم يقول الإسكافي
(1)
: (في إيجاب أن حركةً قبل حركةٍ لا إلى أوَّل إيجابٌ: أن الفاعل لم يسبق فعله، ولم يكن قبله؛ وهذا مُحالٌ ، وليس في إيجاب أن فِعْلَ بعد فعلٍ لا إلى آخر، إيجابٌ أن الفاعل لم يتقدم فِعْله، ولم يكن قبله)
(2)
.
أي: أن في القول بحوادث لا أوَّل لها؛ يلزم منه قِدَمُ العالم مع الله تبارك وتعالى، بخلاف القول بحوادث لا آخر لها.
ويقول الجويني؛ إجابةً على اعتراض من اعترض بأنَّه: إذا لم يبعُد إثبات حوادث لا آخر لها كما ثبت ذلك في نعيم الجنة، لم يبعد إثبات حوادث لا أوَّل لها:
(قلنا: المستحيلُ أن يدخل في الوجود ما لا يتناهى آحادًا على التوالي ، وليس في توقّع الوجود في الاستقبال والمآل قضاءٌ بوجود ما لا يتناهى
…
وضرب المُحصّلون مثالين في الوجهين ، فقالوا: مثال إثبات حوادث لا أوَّل لها: قول القائل لمن يخاطبه: لا أُعطيك درهمًا إلا وأعطيك قبله دينارًا ، ولا أُعطيك دينارًا إلَاّ وأعطيك قبله درهمًا. فلا يتصور أن يُعطى على حكم شرطه دينارًا، ولا درهمًا.
ومثال ما ألزمونا: أن يقول قائل: لا أعطيك دينارًا إلا وأعطيك بعده درهمًا ، ولا أعطيك درهمًا إلَاّ وأعطيك بعده دينارًا. فيتصور منه أن يجري على حكم
…
الشرط)
(3)
.
قال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله في تحرير قول المتكلمين: (والأكثرون الذين وافقوا جَهْمًا ، وأبا الهذيل على أصلهما ، فرّقوا بين
(1)
الإسكافي (؟ -240 هـ):هو محمد بن عبدالله السمرقندي، أبو جعفر الإسكافي، من متكلمي المعتزلة وصف بالذَّكاء وسعة المعرفة مع الدِّين والتصون، من تصانيفه:"الرَّد على من أنكر خلق القرآن"،و"تفضيل علي"=انظر:"السير"(10/ 550) .
(2)
نقله عنه أبو الحسن الخياط في الانتصار (19) .
(3)
"الإرشاد"(26 - 27) .
الماضي والمستقبل من جهة العقل؛ بأنَّ الماضي قد دخل في الوجود بخلاف المستقبل. والممتنع إنما هو أن يدخل في الوجود ما لا يتناهى)
(1)
.
ومما أورده المخالفون على بقاء عذاب النار خصوصًا =أن دوام الإحراق مع بقاء الحياة خروج عن مناهج العقل.
وقد أورد هذا الاعتراض صاحبُ المواقف ، ولم يُسمِّ صاحبه
(2)
وممَّا أوردوه على خصوص حديث ذبح الموت، أنّ الموت عَرَضٌ، فكيف يُذبح؟
وفي تقرير ذلك يقول القرطبي رحمه الله في تَوْجيه الحديث: (ومُحالٌ أن الموتَ ينقلِبُ كبشًا؛ لأن الموت عَرَضٌ، وإنّما المعنى: أن الله سبحانه وتعالى يخلق شخصًا يسمّيه الموت، فيُذبَح بين الجنة والنار)
(3)
.
ولم يقف التحريف عند هذا الحديث فحسب؛ إذْ لو كان كذلك لهان الأمر، ولَعُدّت " سَقْطَةً " تُطوَى ولا تُذْكَر؛ بل إن القرطبي في هذا الموضع يؤسس قانونًا كُلِّيًا لكلّ ما يَرِدُ من النصوص التي تدل بأنّ العرض يمكن أن يُعامَل في الآخرة معاملة الجواهر والأجسام؛ فيقول بعد ذلك: (وهكذا كلّما
(4)
ورد عليك في هذا الباب: التأويلُ فيه ما ذكرتُ لك. والله أعلم!!)
(5)
.
ومن قبله يقول الغزاليّ - بعد أن رَسم للناظر في النصوص درجاتٍ للتأويل، وما يسوغ فيه التأويل، وما لا يسوغ -: (وأمّا الوجود الحسّي فأمثلته في التأويلاتِ كثيرةٌ. واقْنَعْ منها بمثالَيْنِ:
(1)
"الرد على من قال بفناء الجنة والنار"(45) .
(2)
انظر:"المواقف"للايجي (3/ 497 - مع شرح للجرجاني) .
(3)
"التذكرة"(1/ 386) .
(4)
هكذا رُسمت في النسخة المحققة. ولعل الصواب:"كلّ ما". فـ"ما"هنا موصولة.
(5)
"المصدر السابق ".
أحدُهما: قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يُؤْتى بالموت يوم القيامة في صورة كبش
…
) فإنّ مَنْ قام عنده البرهان على أن الموت عَرَضٌ أو عدم عَرَضٍ، وأن قلب العرض جسمًا مستحيل غير مقدورٍ = يُنزَّلُ الخبرُ
(1)
على أن أهل القيامة يشاهدون ذلك، ويعتقدون أنّه الموت، ويكون ذلك موجودًا في حسّهم، لافي الخارج، ويكون سببًا لحصول اليقين باليأس عن الموت بعد ذلك؛ إذْ المذبوح ميئوسٌ منه ..
(2)
ومن يقم عنده هذا البرهان، فعساه يعتقد أن نفس الموت ينقلب كبشًا في ذاته ويُذبَح)
(3)
.
ويقول المَازِري: (الموتُ عندنا عَرَضٌ من الأعراض، وعند المعتزلة عَدَمٌ مَحْضٌ. وعلى المذهبين لا يصحّ أن يكون كبشًا ولا جسمًا: والمراد التمثيل،
…
والتشبيه)
(4)
.
وقد نحا هذا المنحى في الاستبعاد والإحالة من المعاصرين: الدكتور يوسف القرضاوي؛ فبعد أن نقل إنكار العلاّمة أحمد شاكر رحمه الله على ابن العربي في تأويل الحديث، وأن القضايا الغيبية لا تدركها العقول؛ لعجزها، وقصورها، وأن مسْلك الشيخ أحمد شاكر يقوم على " منطق قوي ومقنِع "
(5)
=حاد - هداه الله - عن الجادّة، وعاد إلى نُصرة طريقة المؤولين لهذه النصوص فقال: (وكلام الشيخ رحمه الله[يعني: أحمد شاكر] قويّ ومُقنِعٌ = ولكنه في هذا المقام خاصّةً غير مُسَلَّم، والفرار من التأويل هنا لا مبرّر له، فمن المعلوم المتيقّن الذي اتفق عليه العقل
(1)
في النسخة المطبوعة:"الخير".
(2)
لعلّ في الكلام في هذا الموطن سَقْطًا؛ لأنه مخالف لما سبق أن قرره في الأحرف السابقة.
(3)
فيصل التفرقة (258 - ضمن رسائل الغزالي) .
(4)
نقلًا عن:"رفع الصوت بذبح الموت"للإمام السيوطي (2/ 182 - مُدْرَجٌ ضمن الحاوي للفتاوي) .
(5)
"كيف نتعامل مع السنة النبوية" للقرضاوي (162) .
والنقل: أنّ الموت الذي هو مفارقة الإنسان للحياة ليس كبشًا، ولا ثورًا، ولا حيوانًا من الحيوانات؛ بل هو معنىً من المعاني، أو كما عبّر القدماء عرَضٌ من الأعراض. والمعاني لا تنقلِبُ أجسامًا ولا حيواناتٍ؛ إلاّ من باب التمثيل والتصوّر الذي يجسّم المعاني والمعقولات. وهذا هو الأليق بمخاطبة العقل المعاصر. والله أعلم)
(1)
.
(1)
المصدر السَّابق.