الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: سَوْق دعوى المعارِض العقلي عن حديث (لا تُشدّ الرحال)
ساق المخالفون جملةً من الاعتراضات العقلية؛ لإبطال دلالة الحديث الدالّ على المنع من شدّ الرحال إلى بقعة من البقاع؛ إلاّ ما استُثْنِيَ في الحديث من المساجد الثلاثة. وتتلخّص هذه الاعتراضات في التالي:
الأول: أنّ القول بجواز الزيارة للقبور، ومنْع الرحلة إليها = تناقضٌ؛ إذْ كيف يباح المقصد، وتُمنع الوسيلة؟!
وفي تقرير ذلك يقول الإخنائي كما نقله عنه الإمام ابن تيمية: (وكيف تكون الرحلة إلى القُربة معصيةٌ محرَّمة، والقصد المطلوبُ طاعةٌ معظَّمة؟ فالسفر إلى القبر من باب الوسائل إلى الطاعات؛ كنقل الخُطى إلى المساجد والجماعات = فلو علم هذا القائل ما في كلامه من الخطأ والزلل، وما اشتمل عليه قوله من المناقضة والخلل؛ لما أبدى لهم عواره، ولَسَتَر عنهم شنارَه)
(1)
وقال السُّبكي مبينًا أدلة استحباب السفر إلى زيارة قبره عليه السلام: (إنَّ وسيلةَ القربة قربة، فإنَّ قواعدَ الشَّرعِ كلَّها تشهد بأنَّ الوسائلَ مُعتبرةٌ بالمَقَاصد. .ولاشكَّ أَنَّ المتوسِّل إلى قُربة بمباح فيه مَشقة كالسَّفر وغيره =مُتحمِّلٌ لتلك المَشقّةِ من أجل الله تعالى فهو بعين الله والله ناظرٌ إليهِ)
(2)
(1)
"الإخنائية"لابن تيمية (391) و الإخنائي (658 - 750 هـ):هو محمد بن أبي بكر بن عيسى بن بدران السعدي المصري =تقي الدين الإخنائي المالكي، من قضاة مصر =انظر:"شجرة النور الزكية"(1/ 187)
(2)
"شِفاء السقام"للسُّبكي (86) وانظر: "الجوهر المنظم"للهيتمي (54)،والسبكي (683 - 756 هـ):هو علي بن عبدالكافي بن علي بن تمام السبكي تقي الدين أبو الحسن، فقيه نظَّار من أعلام الشّافعية تولى قضاء دمشق=انظر"البدر الطالع"(470)
الثاني: أَنَّ تعظيمَ النَّبي صلى الله عليه وسلم واجبٌ، وشدُّ الرَّحل إلى قبره تعظيمٌ = فشدُّ الرحال إلى قبره واجبٌ. وفي سوق هذه الشُّبهة يقول السُّبكي - عفا الله عنه - وهو وإن صاغ هذا القياس في خصوص الزيارة؛ فقد أراد أيضًا تعميمًا لشدِّ الرِّحال؛ حيث قال:(فزيارته صلى الله عليه وسلم مطلوبة بالعموم والخصوص؛ بل أقول: إنّه لو ثبت خلافٌ في زيارة قبر غير قبر النبي صلى الله عليه وسلم لم يلزم من ذلك إثبات خلافٍ في زيارته؛ لأن زيارة القبر تعظيمٌ، وتعظيم النبي صلى الله عليه وسلم واجبٌ، وأمّا غيره فليس كذلك)
(1)
الثَّالث: أنّه لا يمكن أن تقع الزيارة منفكّة عن الحركة من مكان إلى مكان؛ فالزَّائرُ لا يُطلق عليه زائر إلاّ بعد حركته وانتقاله، وخروجه من محلّه، وانتقاله. وقد نصب هذا الاعتراض الإخنائي في ردّه على شيخ الإسلام
(2)
،وكذا ابن حجر الهيتمي
(3)
.
فهذا محصّل ما وقفتُ عليه؛ مما أوردوه على هذا الحديث. ودونك الآن نقض تلك الاعتراضات، وبيان فسادها من أُسِّها.
* * *
(1)
"شفاء السقام"(69)
(2)
انظر: "الإخنائية"(391)
(3)
انظر: "الجوهر المُنظّم"للهيتمي (54) وابن حجر الهيتمي (909 - 974 هـ):هو أحمد بن محمد بن محمد بن علي بن حجر السَّلْمُنْتي الهيتمي الأزهري المكي، من فقهاء الشَّافعية، من تصانيفه:"الفتح المبين بشرح الأربعين"، و "الفتاوى الحديثية"=انظر:"النور السافر"للعيدروس (390 - 396)،و"الأعلام"(1/ 234)