المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الأول: سوق الأحاديث الدالة على نزول المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام - دفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث المتعلقة بمسائل الاعتقاد

[عيسى النعمي]

فهرس الكتاب

- ‌بصائر

- ‌تقريظ فضيلة الشيخ الدكتور عبد الرحمن بن صالح المحمود حفظه الله تعالى

- ‌المقدمة

- ‌ أَهمية الموضوع ، ودوافعُ اختياره:

- ‌ خطة البحث

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأوَّل مفهوم المعارض العقلي المُدَّعى مُناقضته للنُّصوص الشرعية

- ‌المبحث الثاني ظاهر النص الشرعي بين القراءة العصين والقراءة النسقية

- ‌المبحث الثالث تقويض النظرة الاختزالية للسُّنَّة النبوية

- ‌المبحث الرَّابع تزييف دعوى استناد الصحابة رضي الله عنهم إلى المعقول المتمحض في محاكمة النُّصوص

- ‌الفصل الأولدَفْعُ دَعْوَى المُعَارِضِ العَقْلِيِّ عنالأحاديث المتعلّقةِ بحقيقة الإيمان والشفاعة

- ‌المبحث الأولدفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث المتعلّقة بحقيقة الإيمان

- ‌المطلب الأول: سَوْق الأحاديث المُدَّعى معارَضتُها للعقل:

- ‌المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي على الأَحاديث المتعلقة بحقيقة الإِيمان:

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث المتعلِّقة بحقيقة الإِيمان

- ‌المبحث الثانيدفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث المتعلّقة بالشفاعة

- ‌المطلب الأول: سوق أحاديث الشفاعة

- ‌المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي على أحاديث الشفاعة:

- ‌المطلب الثَّالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن أحاديث الشفاعةِ

- ‌الفصل الثانيدَفْعُ دَعْوَى المُعَارِضِ العَقْلِيِّ عنالأحاديث المتعلّقةِ بتوحيد العبادة

- ‌مبحث:دفع دعوى المعارض العقلي عن حديث: (لا تُشدّ الرّحال)

- ‌المطلب الأول: سَوْق حديث: (لا تُشدّ الرحال

- ‌المطلب الثاني: سَوْق دعوى المعارِض العقلي عن حديث (لا تُشدّ الرحال)

- ‌المطلب الثالث: دفْع المعارِض العقلي عن حديث (لا تُشدّ الرحال

- ‌الفصل الأول دَفْعُ دَعْوَى المُعَارِضِ العَقْلِيِّ عن الأحاديث المتعلّقةِ بعصمة الأنبياء

- ‌المبحث الأول دفع دعوى المعارض العقلي عن حديث سحر النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الأول: سوق ألأحاديث الدالة على سحر النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثَّاني: سوق دعوى المعارض العقلي على أحاديث سحر النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثَّالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن أحاديث سحر النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثَّاني دفع دعوى المعارض العقلي عن حديثي شقِّ صدر النبي صلى الله عليه وسلم، وإسلام شيطانه

- ‌المطلب الأوّل: سوق حديثي شقِّ صدر النبي صلى الله عليه وسلم، وإسلام شيطانه

- ‌المطلب الثاني: سَوْق دعوى المعارِض العقلي على حديثَيْ شقّ صدر النبي صلى الله عليه وسلم وإسلام شيطانه

- ‌المبحث الثّالث دفع المعارض العقلي عن حديث (لم يكذب إبراهيم عليه السلام إلا ثلاث كذبات)

- ‌المطلب الأول: سوق حديث (لم يكذب إبراهيم عليه السلام إلا ثلاث كذبات):

- ‌المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي على حديث (لم يكذب إبراهيم عليه السلام إلا ثلاث كذبات)

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن حديث (لم يكذب إبراهيم عليه السلام إلا ثلاث كذبات)

- ‌المبحث الثالث دفع دعوى المعارض العقلي عن حديث لطم موسى لملك الموت عليه السلام

- ‌المطلب الأوّل: سوق حديث لطم موسى عليه السلام لملك الموت

- ‌المطلب الثَّاني: سوق دعوى المعارض العقلي على حديث لطم موسى عليه السلام لملك الموت

- ‌المطلب الثَّالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن حديث لطم موسى عليه السلام لملك الموت

- ‌الفصل الثاني دَفْعُ دَعْوَى المُعَارِضِ العَقْلِيِّ عن الأحاديث المتعلّقةِ بآيات وبراهين الأنبياء

- ‌المبحث الأول دفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث المتعلقة بالآيات الحسِّيّة للنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثانيدَفْع دَعوى المعارِض العقلي عن أحاديث انشقاق القمر

- ‌المطلب الثاني: سَوْقُ دعوى المُعارِض العقلي على أحاديث انشقاق القمر:

- ‌المطلب الثالث: دفْع دعوى المعارِض العقلي عن أحاديث انشقاق القمر:

- ‌المبحث الثالثدَفْع دَعوى المعارِض العقلي عن أحاديث الإسراء والمعراج

- ‌المطلب الأول: سَوْق أحاديث الإسراء والمعراج

- ‌المطلب الثاني: سَوْق دعوى المعارِض العقلي على أحاديث الإسراء والمعراج

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارِض العقلي عن أحاديث الإسراء والمعراج:

- ‌المبحث الرابع دفع دعوى المعارض العقلي عن حادثة (سوخ قدمي فرس سراقة بن مالك رضي الله عنه

- ‌المطلب الأول: سَوْقُ حديث سُراقة بن مالك رضي الله عنه

- ‌المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي على حادثة "سوخ قدمي فرس سراقة بن مالك

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن حادثة "سوخ قدمي فرس سراقة بن مالك رضي الله عنه

- ‌الفصل الثالث دَفْعُ دَعْوَى المُعَارِضِ العَقْلِيِّ عن اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بعموم البعثة

- ‌مبحث دفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث الدالة على اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم.بعموم البعثة

- ‌المطلب الأول: سَوْق الأحاديث الدالّة على اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بعموم البعثة:

- ‌المطلب الثاني: سَوْقُ دعوى المُعارِض العقلي على الأحاديث الدَّالة على اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بعموم البعثة:

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المُعارِض العقلي عن الأحاديث الدالة على اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بعموم البعثة:

- ‌الفصل الأول دَفْعُ دَعْوَى المُعَارِضِ العَقْلِيِّ عن أحاديث أشراط السَّاعة

- ‌المبحث الأول دفع دعوى المعارض العقلي عن عموم أحاديث أشراط السَّاعة

- ‌المطلب الأول: سَوْقُ الأحاديث الدّالة على عموم أشراط السَّاعة:

- ‌المطلب الثاني: سوق المعارض العقلي على عموم أحاديث أشراط السَّاعة:

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي على عموم أحاديث أشراط السَّاعة:

- ‌المبحث الثَّاني دفع المعارض العقلي عن أحاديث المسيح الدجّال

- ‌المطلب الأول: سوق الأحاديث المتعلِّقة بالدجَّال:

- ‌المطلب الثَّاني: سَوْق دعوى المعارض العقلي على الأحاديث المتعلِّقة بالدجال:

- ‌المطلب الثَّالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث المُتعلقة بالدجال:

- ‌المبحث الثالث دفع دعوى المعارض العقلي عن حديث الجسّاسة

- ‌المطلب الأول: سوق حديث الجساسة:

- ‌المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي على حديث الجسّاسة:

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن حديث الجساسة:

- ‌المبحث الرابع دفع المعارض العقلي عن أَحاديث نزول المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام

- ‌المطلب الأول: سوق الأحاديث الدالة على نزول المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام

- ‌المطلب الثاني: سوق المعارضات العقلية المدعاة على أحاديث نزول عيسى عليها السلام

- ‌المطلب الثالث: نقض دعوى المعارض العقلي على أحاديث نزول عيسى عليها السلام

- ‌الفصل الثاني دَفْعُ دَعْوَى المُعَارِضِ العَقْلِيِّ عن الأحاديث المتعلّقة باليوم الآخر

- ‌المبحث الأوَّل دَفْعُ المُعارِضِ العقلِيّ عن أحاديثِ عَذَابِ القَبْر ونَعيمِهِ

- ‌المطلب الأوَّل: سوق أحاديث عذاب القبر و نعيمه:

- ‌المطلب الثاني: سَوْقُ دَعْوَى المعارِض العقليّ على أحاديث عذاب القبر ونعيمه:

- ‌المطلب الثالث: نَقْضُ دعْوَى المعارِض العقلي:

- ‌المبحث الثاني دفع دعوى المعارض العقلي عن أحاديث الميزان

- ‌المطلب الأول: سَوْقُ أحايث الميزان:

- ‌المطلب الثاني: سَوْق دعوى المعارِض العقلي على أحاديث الميزان:

- ‌المطلب الثالث: دفع دعْوى المعارض العقلي عن أحاديث الميزان:

- ‌المبحث الثالث دفع دَعوى المعارِض العقلي عن أحاديث الصِّراطِ

- ‌المطلب الأول: سَوْق الأحاديث الدَّالة على الصراط:

- ‌المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي على أحاديث الصراط:

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن أحاديث الصراط:

- ‌المبحث الرابع دَفْع دَعوى المعارِض العقلي عن الأحاديث الدالّة على وجود الجنّة والنّار

- ‌المطلب الأول: سَوْق الأحاديث الدالة على وجود الجنة والنار:

- ‌المطلب الثاني: سَوْق دعوى المعارض العقلي على الأحاديث الدالة على وجود الجنة والنار:

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث الدالة على وجود الجنة والنار:

- ‌المبحث الخامس دفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث الدَّالة على بقاء الجنة والنَّار

- ‌المطلب الأول: سوق الأحاديث الدالة على بقاء الجنة والنار:

- ‌المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي على الأحاديث الدالة على بقاء الجنة والنار

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث الدالة على بقاء الجنة والنار:

- ‌المبحث الأوَّل دفع دعوى المعارض العقلي عن حديث (احتج آدم وموسى)

- ‌المطلب الأوَّل: سوق حديث (احتج آدم وموسى)

- ‌المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي على حديث: (احتج آدم وموسى عليهما السلام

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن حديث (احتجَّ آدم وموسى عليهما السلام

- ‌المبحث الثَّاني دفْع دَعوى المُعارِض العقلي عن حديث: (إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم)

- ‌المطلب الأول: سوق حديث (إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم):

- ‌المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي على حديث: (إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم)

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن حديث (إنَّ الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم)

- ‌المبحث الثالث دَفْع دَعوى المعارِض العقلي عن حديث: (لا يُدخل أحدًا الجنَّة عمله)

- ‌المطلب الأول: سوق حديث: (لا يُدخل أَحدًا الجنَّة عَملُهُ)

- ‌المطلب الثاني: سَوق دعوى المعارِض العقلِي على حديث: (لا يُدخل أَحدًا الجنَّة عَملُهُ)

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارِض العقلي عن حديث (لا يُدخِل أحدًا الجنَّة عملُه)

- ‌الفصل الأول دَفْعُ دَعْوَى المُعَارِضِ العَقْلِيِّ عن الأحاديث المتعلّقة بالملائكة والجن والشياطين

- ‌تمهيد:

- ‌المبحث الأول دَفْع دَعوى المعارِض العقلي عن الأحاديث المتعلقة بالملائكة

- ‌المطلب الأول: سوق الأحاديث الدالّة على وجود الملائكة ووجوب الإيمان بهم:

- ‌المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي على الأحاديث الدالّة على وجود الملائكة:

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث الدالة على وجود الملائكة:

- ‌المبحث الثاني دَفْع دَعْوى المُعارِض العقلي عن الأحاديث الدالة على وجود الجن والشياطين

- ‌المطلب الأول: سوق الأحاديث الدَّالة على وجود الجن والشَّياطين:

- ‌المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي على الأحاديث الدَّالة على وجود الجن والشياطين:

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث الدَّالة على وجود الجن والشياطين:

- ‌الفصل الثاني دَفْعُ دَعْوَى المُعَارِضِ العَقْلِيِّ عن بقيَّة الأحاديث المتعلّقة بالشيطان

- ‌المبحث الأول دَفْع دَعوى المعارِض العقلي عن حديث: (ما من مولود يولد إلاّ نخسه الشيطان

- ‌المطلب الأول: سَوْق حديث (ما من مولود يولد إلا نخسه الشيطان

- ‌المطلب الثاني: سَوق دعوى المعارض العقلي على حديث (ما من مولود يولد إلا نخسه الشيطان):

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن حديث (ما من مولود يولد إلا نخسه الشيطان):

- ‌المبحث الثاني دَفْع دَعوى المعارِض العقلي عن حديث: (بال الشيطان في أُذنه)

- ‌المطلب الأوَّل: سوق حديث: (بال الشيطان في أُذنه)

- ‌المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي على حديث: «بال الشيطان في أُذُنه»

- ‌المطلب الثالث: دفع المعارض العقلي عن حديث: (بال الشيطان في أُذُنه)

- ‌المبحث الثالث دَفْع دَعوى المعارِض العقلي عن حديث:

- ‌المطلب الأوّل: سَوْق حديث: (إذا سمعتم صياح الدِّيكة فاسألوا الله من فضله .. وإذا سمعتم نهيق الحمار فتعوَّذوا بالله من الشيطان) وحديث: (إذا نودي للصَّلاة أدبر الشيطان وله ضراط

- ‌المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي عن الحديثين

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن حديث: (إذا سمعتم صياح الدِّيكة فاسألوا الله من فضله .. وإذا سمعتم نهيق الحمار فتعوَّذوا بالله من الشيطان)

- ‌الفصل الثالث دَفْعُ دَعْوَى المُعَارِضِ العَقْلِيِّ عن الأحاديث المتعلّقة بالرُّؤيا

- ‌المطلب الأوَّل: سوق الأَحاديث المُتعلِّقة بالرُّؤيا:

- ‌المطلب الثاني: سَوْق دعوى المعارض العقلي على أحاديث الرُّؤيا:

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن أحاديث الرُّؤيا:

- ‌الفصل الرابع دَفْعُ دَعْوَى المُعَارِضِ العَقْلِيِّ عن بقية الأحاديث المتعلّقة بالغيبيات

- ‌المبحث الأول دَفْع دَعوى المعارِض العقلي عن الأَحاديث الدالة عن: أنّ شدّة الحرّ وشدّة البرد من النار

- ‌المطلب الأوَّل: سوق الأحاديث الدالة على أن شدة الحر والبرد من النار:

- ‌المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي على الأَحاديث الدالة على أنّ شدة الحرِّ والبرد من جهنم:

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث الدالة على أنّ شدة الحر والبرد من جهنم:

- ‌المبحث الثاني دَفْع دَعوى المعارِض العقلي عن حديث سجود الشَّمس تحت العرش

- ‌المطلب الأول: سوق حديث: (سجود الشَّمس تحت العرش)

- ‌المطلب الثاني: سوق المعارض العقلي على حديث: سجود الشَّمس تحت العرش

- ‌المطلب الثالث: دَفْع دَعوى المعارِض العقلي عن حديث سجود الشَّمس تحت العرش

- ‌الخاتمة

- ‌قائمة المراجع

- ‌مُلَخَّص الرِّسالة

الفصل: ‌المطلب الأول: سوق الأحاديث الدالة على نزول المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام

‌المطلب الأول: سوق الأحاديث الدالة على نزول المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام

-

عن سعيد بن المسيّب عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وَالَّذِي نَفْسِي بيده؛ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ ابنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلًا

(1)

: فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ

(2)

، وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ، وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ

(3)

، وَيَفِيضَ الْمَالُ

(4)

حتى لَا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ؛ حتّى تَكُونَ السَّجْدَةُ الْوَاحِدَةُ خَيْرًا من الدُّنْيَا وما فيها).

ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه: واقرءوا إن شئتم: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا (159)} النساء:159) متفق عليه

(5)

.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كَيْفَ أَنْتُمْ إذا نَزَلَ ابن مَرْيَمَ فِيكُمْ وَإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ؟) متفق عليه

(6)

.

(1)

"حَكَما عدلا":أى ينزل حاكما بهذه الشريعة لا ينزل نبيا برسالة مستقلة وشريعة ناسخة بل هو حاكم من حكام هذه الامة. انظر"شرح صحيح مسلم"(2/ 190).

(2)

"يكسر الصليب": أي يكسره حقيقة ويبطل ما يزعمه النصارى من تعظيمه. انظر"المصدر السابق".

(3)

"ويضع الجِزيةَ": أي لا يقبلها ولا يقبل من الكفار إلَاّ الإسلام ومن بذل منهم الجزية لم يُكَفَّ عنه بها. بل لا يقبل إلَاّ الإسلام أَو القتل. انظر"المصدر السابق".

(4)

"يفيض المال":بفتح الياء ومعناه يكثر وتنزل البركات وتكثر الخيرات بسبب العدل."المصدر السابق".

(5)

أخرجه البخاري في: كتاب الأنبياء، باب: نزول عيسى ابن مريم عليه السلام (4/ 168 - رقم [3448]) ومسلم في: كتاب الإيمان، باب: نزول عيسى بن مريم حاكمًا بشريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم (1/ 136 - رقم [155]).

(6)

أخرجه البخاري في: كتاب الأنبياء، باب: نزول عيسى ابن مريم عليه السلام (4/ 168 - رقم [3449]) ومسلم في: كتاب الإيمان، باب: نزول عيسى بن مريم حاكمًا بشريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم (1/ 136 - رقم [155]).

ص: 476

وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ من أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ على الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) قال: (فَيَنْزِلُ عِيسَى بن مَرْيَمَ صلى الله عليه وسلم فيقول أَمِيرُهُمْ: تَعَالَ صَلِّ لنا. فيقول: لَا؛ إِنَّ بَعْضَكُمْ على بَعْضٍ أُمَرَاءُ. تَكْرِمَةَ اللَّهِ هذهِ الْأُمَّةَ)

(1)

.

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (وَالَّذِي نَفْسِي بيده؛ لَيُهِلَّنَّ ابنُ مَرْيَمَ بِفَجِّ الرُّوحاءِ

(2)

؛ حَاجًّا، أو مُعْتَمِرًا، أو لَيَثْنِيَنَّهُمَا)

(3)

.

وعن النَّواس بن سمعان رضي الله عنه قال: ذَكَرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم الدَّجَّالَ ذاتَ غَدَاةٍ

الحديث. وفيه: (فبَيْنَما هُمْ كَذلِكَ [أي بينما الشاب الذي ضربه الدجال بالسيف فقطعه جَزْلَتَيْن، ثمّ دَعَاهُ، فأقبلَ ووجهُه يتهلّل من الضحك سُخْريةً بالدجال] إِذْ بَعَثَ الله الْمَسِيحَ ابنَ مَرْيَمَ، فَيَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ بين مَهْرُودَتَيْنِ، وَاضِعًا كَفَّيْهِ على أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ؛ إذا طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَطَرَ، وإذا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ منه جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤِ. فلا يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إلا مَاتَ، وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي طَرْفُهُ، فَيَطْلُبُهُ حتى يُدْرِكَهُ بِبَابِ لُدٍّ، فَيَقْتُلُهُ. ثُمَّ يَأْتِي عِيسَى ابنَ مَرْيَمَ قَوْمٌ قد عَصَمَهُمْ الله منه، فَيَمْسَحُ عن وُجُوهِهِمْ، وَيُحَدِّثُهُمْ بِدَرَجَاتِهِمْ في الْجَنَّةِ

)

(4)

الحديث.

(1)

أخرجه مسلم في: كتاب الإيمان، باب: نزول عيسى ابن مريم حاكما بشريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم (1/ 137 - رقم [156]) .

(2)

فج الرُّوحاء: بين مكة والمدينة كان طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر وإلى مكة عام الفتح وعام الحج، معجم البلدان (4/ 236) .

(3)

أخرجه مسلم في: كتاب الحج، باب: إهلال النبي صلى الله عليه وسلم وهدْيِه (2/ 915 - رقم [1252]) .

(4)

أخرجه مسلم في: كتاب"الفتن وأشراط السَّاعة"، باب:"ذِكر الدجال وصفته وما معه"(4/ 2253 - رقم [2937])

ص: 477

تمهيد:

تضمّنتْ الأحاديثُ المُسَاقةُ آنفًا إثباتَ نزول نبيِّ الله عيسى ابن مريم عليه السلام. وهذه الأحاديث قد بلغت في ذلك مبلغ التواتر ، وصَدَعَ أَهل العلم ببيان ذلك.

ومن أولئكم:

1 -

الإمام محمد بن جرير الطبري ـ رحمه الله ـ؛ حيث صَرَّح بتواتر أحاديث نزول عيسى عليه السلام ـ وسيأتي النقل عنه في موضعه ـ.

2 -

الإمام أَبو الحسين محمد بن الحسين الآبُرِيّ

(1)

ـ رحمه الله ـ كما نقله عنه غير واحد

(2)

؛ حين قال في كتابه " مناقب الشافعي ": (قد تواترت الأَخبار واستفاضت بكثرة رواتها عن المصطفى صلى الله عليه وسلم ـ يعني في المهدي ـ ، وأنه من أهل بيته ، وأنه يملك سبع سنين ، ويملأ الأَرض عدلًا ، وأنه يخرج عيسى ابن مريم فيساعده على قتل الدّجال بباب لُدّ بأرض فلسطين ، وأنه يؤم هذه الأمة [أي المهدي] وعيسى ـ صلوات الله عليه ـ يُصلِّي خَلْفَه)

وممن حَكَمَ بتواتر أحاديث نزول عيسى عليه السلام:

(1)

محمد بن الحسين بن إبراهيم بن عاصم: أبو الحسنين. وقيل: أبو الحسين السجستاني، الآبري، الشافعي. أحد الأئمة الحُفّاظ. من كتبه:"مناقب الشافعي"، توفي سنة (363 هـ) . انظر:"سير أعلام النبلاء"(16/ 299) ، و"طبقات الشافعية الكبرى"(3/ 149)

(2)

انظر: مثلًا"تهذيب الكمال"للحافظ المزي (6/ 297) ، و"فتح الباري"للحافظ ابن حجر (6/ 603 ـ ط دار السلام) ، و"الصواعق المحرقة"لابن حجر الهيتمي المكي (2/ 480)، = =و"نَظْم المتناثر"للكتاني (240) . وقد وقع تصحيف في اسم الإمام"أبو الحسين الآبري"في"فتح الباري"للحافظ ابن حجر (6/ 603) حيث جاء فيه:(أبو الحسن الخسعي الأبدي)،وقد نبَّه على ذلك الشيخ عبدالفتَّاح أبوغدَّة في تحقيقه لكناب "التصريح "

ص: 478

3 -

أَبو الوليد بن رشد؛ كما نقله عنه الأُبِّي في «إِكمال إكمال المُعلم»

(1)

؛ حيث قال: ( .. لا بُدَّ من نزوله؛ لتواتر الأَحاديث).

4 -

الإمام ابن كثير ـ رحمه الله ـ؛ حيث ساق الأَحاديث المُثْبِتَةَ لنزوله ـ عليها السلام. واستقصى بعضًا منها. ثم قال (فهذه أحاديثُ متواترةٌ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

)

(2)

وقال في موطن آخر: (وقد تواترت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أخبر بنزول عيسى عليها السلام قبل يوم القيامة

)

(3)

.

5 -

أبو الفضل شهاب الدين محمود الآلوسي ـ رحمه الله ـ؛ حيث قال: (ولا يقدحُ في ذلك [أي: في ختم رسالة النبي صلى الله عليه وسلم] ما أَجمعت الأمةُ عليه ، واشتهرت فيه الأخبار ، ولعلّها بلغت مبلغ التواتر المعنوي ، ونطق به الكتاب ـ على قَولٍ ـ ووجب الإيمان به

وأكفرهُ مُنكِرُه ـ كالفلاسفة ـ مِنْ نزول عيسى عليها السلام آخر الزمان)

(4)

.

ولثبوت أحاديث النزول وبلوغها مقام القطع في دلالتها، جرت أَقاويل الأئمةِ على نَظم مضمون تلك الأحاديث في أحرف الاعتقاد:

قال الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ: «والدَّجالُ خارجٌ في هذه الأمة لا محالة ، وينزل عيسى ابن مريم عليها السلام ، ويقتله ببابِ لُدٍّ» )

(5)

.

قال الإمام أبو القاسم إسماعيل الأَصبهاني ـ رحمه الله ـ: «وأَهل السُّنة يؤمنون بنزول عيسى عليها السلام»

(6)

.

وقال القاضي عياض: «ونزول عيسى المسيح وقتله الدّجَّالَ حقٌّ صحيح عند أهل السنة؛ لصحيح الآثار الواردة في ذلك؛ ولأنه لم يَرِدْ ما يُبطِلُه ويضعِّفُه»

(7)

. ونظمهم لهذه المقولة في أحرف الاعتقاد وتضافرهم

(1)

(1/ 445).

(2)

"تفسير القرآن العظيم"(3/ 1063).

(3)

المرجع السابق.

(4)

"روح المعاني"(226/ 34).

(5)

"طبقات الحنابلة"لابن أبي يعلى (2/ 169).

(6)

"الحجة في بيان المحجة"(2/ 463).

(7)

"إكمال المعلم"(8/ 492).

ص: 479

على ذلك هو مُحصَّل الأدلة الشرعية مما سبق ذكره من دلائل الكتاب والسُّنّة، وما تركَّب منهما من الإجماع الثَّابت نزوله عليها السلام. وقد نصَّ على ذلك غيرُ واحدٍ من الأئمة.

وممّن قرّر ذلك:

- أبو محمد عبد الحق بن عطية ـ رحمه الله ـ؛ حيث قال: «وأجْمَعَت الأمة على ما تضمّنه الحديث المتواتر؛ من أَن عيسى عليها السلام في السماء حَيٌّ ، وأنّه ينزل في آخر الزمان ، فيقتل الخنزير ، ويكسر الصليب ، ويقتل الدجال ، ويُظْهِر هذه الملة؛ ملة محمد صلى الله عليه وسلم ، ويحج البيت، ويعتمر ، ويبقى في الأرض أربعًا وعشرين سنة. وقيل: أربعين سنة ، ثم يميته الله تعالى»

(1)

.

- الإمام الثعالبي ـ رحمه الله ـ؛ حيث قال: «أجْمَعَت الأمة على ما تضمَّنه الحديث المتواتر؛ من أَن عيسى عليها السلام في السماء حَيٌّ ، وأَنه ينزل في آخر الزمان ، فيقتل الخنزير ، ويكسر الصليب ، ويقتل الدجال ، ويفيض العدل ، ويُظهِر هذه الملة ملة محمد صلى الله عليه وسلم»

(2)

.

وكذلك:

شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ؛ حيث قال: «وأَجْمعت الأمةُ على أن الله عز وجل رفع عيسى إليه إلى السماء»

(3)

.

ومن المتأخرين:

- العلامة السفَّاريني ـ رحمه الله ـ؛ حيث قال: « .. وأما الإجماع ، فقد أَجْمعت الأمّة على نزوله ، ولم يخالف فِيْه أحدٌ من أهل الشريعة. وإنما أنكر ذلك الفلاسفةُ والملاحدة»

(4)

.

(1)

"المحرر الوجيز"(308) .

(2)

"الكشف والبيان"(1/ 272) .

(3)

"بيان تلبيس الجهمية"(4/ 457) .

(4)

"البحور الزاخرة"(1/ 512) وانظر له أيضًا:"لوامع الأنوار البهية"(2/ 9 ـ 95) .

ص: 480

وغيرهم كثيرٌ من أَهل العلم؛ الَّذين نقلوا الإجماع على ذلك.

فإِن قيل: يُنَاكِدُ هذا الإجماعَ المنقولَ = حكايةُ أبي محمد بن حزم ـ رحمه الله ـ الخلافَ في هذه المسألة. فكيف تصحّ دعوى الإجماع حينئذٍ؟

فيقال: أَمَّا حكاية ابن حزم ـ رحمه الله ـ الخلاف في نزول عيسى عليها السلام: وذلك بقوله: «اتّفقوا

أنه لا نبيَّ مع محمد صلى الله عليه وسلم ولا بعده أبدًا. إلاّ أنَّهم اختلفوا في عيسى عليها السلام: أَيأتي قبل يوم القيامة أم لا؟ وهو عيسى بن مريم المبعوث إلى بني إسرائيل قبل مبعث محمد عليها السلام»

(1)

=فَوهْمٌ منه ـ رحمه الله ـ خَالفَ فيه أَهل العلم الذين حكَوْا الإجماعَ ، ولم يخالف ذلك إلاّ من لا يُعْتَدّ بخلافه من الملاحدة والمبتدعة ـ وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله ـ. ولذا قال "الأُبيّ " متعقّبًا ابنَ حزم:«فما ذَكر ابنُ حزمٍ من الخلاف في نزوله = لا يصحُّ»

(2)

.

وممّا يدلك على أَنَّ حكايته للخلاف وَهْمٌ منه ـ رحمه الله ـ أمران:

الأول: أنه حكى الخلاف ولم يُسَمِّ المخالف. وتسمية المخالف أمرٌ له شأنه.

الثاني: أنه نَقَل الإجماعَ على نزوله عليها السلام في كتابه الموسوم بـ " الدُّرَّة "؛ حيث قال: «وقد صَحّ النَّصُّ، وإجماعُ القائلين بنزوله ـ وهم أهل الحقِّ ـ أنّه إذا نزل لم يبقَ نصرانيٌّ أَصلًا إلا أسلموا»

(3)

.

فَعُلِم بذلك خطؤُه فيما ذكر من الخلاف. وعندئذٍ يتحصل للمتأمل: أنَّ الإجماع على بَابِهِ لا يُعرَف له مخالف ، ومُحالٌ أن تُجمِع الأمة على ضلالة. ومستند هذا الإجماع - بالإضافةِ إلى ما تقدم ذكره من الأحاديث الصحيحة الصريحة في رفع عيسى عليها السلام ونزوله- = دلائل الكتاب العزيز. وهي كالآتي:

(1)

"مراتب الإجماع"(268) .

(2)

"إكمال إكمال المعلم"(1/ 446) .

(3)

"الدرة"(199) .

ص: 481

- قوله تعالى {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (158) وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا (159)} النساء.

فقوله تعالى: {وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} آل عمران:55 وقوله: {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} نَصٌّ على إثبات رفعه عليها السلام ، رفعًا حِسّيًا.

فإن قيل: لِمَ لا يُحمَل الرّفعُ هنا على رفع المكانة والحظوة ، والقرآن قد أتى بهذا، فقد قال جل وعلا:{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} المجادلة: 11؟ وعلى هذا فدعوى النصيَّة والقطْع على أن المراد بالرفع هنا الرفع الحسِّي =فيها نظر.

فالجواب: إنّ احتمالَ تأرجُحِ (الرفع) في كتاب الله بين رفع المكانة والمنزلة، وبين الرفع الحسي لا يُنكَر بالنظر إلى الوضع؛ فتُلتَمَس حينئذٍ القرائن التي تُبِيْنُ عن المراد " بالرفع " في الآية. وبالنّظر إلى مجموع هذه القرائن نجد أَنها تحسِم الاحتمالَ، وتقود إلى القطع بالمراد بـ " الرفع " وأنه الرفع الحسّي لا غير.

وجُملة هذه القرائن تنقسم إلى قسمين:

-القسم الأول: قرائن خارجيّة.

-القسم الثاني: قرائن داخلية (=دلالة السياق).

فأما القسم الأوّل: وهي القرائن الخارجيَّة ، فتدور حول جملةٍ من الدلالات:

الدلالة الأولى: ما تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم تواترًا معنويًا من أَنَّ عيسى عليها السلام ينزل في آخر الزمان. ولا معنى للنزول إلاّ كونه كان مستقرًا في السماء.

ص: 482

الدَّلالة الثانية: دلالة الآثار الواردة عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومن ذلك: ما صَحَّ عن ترجمان القرآن عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنها ـ فيما رواه عنه ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال:(لما أَراد اللهُ أن يرفع عيسى عليها السلام إلى السماء .. ) وفيه: (ورُفِعَ عِيْسَى من رَوْزنَةٍ

(1)

كانت في البيتِ إلى السماءِ .. )

(2)

.

ومِثْل هذا الأثر الثابت عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ لا يكون من قبيل الرأي المُجرّد ، وما كان كذلك فهو إذنْ في حكم المرفوع {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (95)}

(3)

.

الدلالة الثالثة: دَلالةُ الإجماع المُتَيَقَّن؛ الذي سبق بيانه = فهذه قرائن من خارج النص ، فلو لم يكن في المسألة لبيان معنى الرَّفع في الآية إلا واحدة من تلك الدلالات = لَكَفَتْ في نَفْي الاحتمال. فكيف إذا تضافرت؟ بل كيف إذا اعتضدت بالقرينة الأخرى؟ وهي:

القسم الثاني: دلالة السياق:

فالسياق بمفرده قد ينقل الدلالة من الاحتمال الذي يكتنفها إلى النصيَّة ، فهو كاشفٌ عن المُجْمَلات ، ومُرجّحٌ للمحْتَمَلات

(4)

، وإنَّ مِنْ خلْف القول وفساد الرأي إغفالُ هذه الدلالة؛ لتمهيد الطريق للادعاء بعدُ بأن الآية ليست نَصًّا في إثبات رفع عيسى عليها السلام

(5)

. وهذا القول مَبْنيٌّ على

(1)

الروزنة: الكوة، القاموس المحيط (1549) .

(2)

"تفسير القرآن العظيم"(4/ 1110) من طريق الأعمش عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير به .. ،قال الحافظ ابن كثير عن هذا الإسناد:(وهذا إسنادٌ صحيحٌ على شَرْطِ مُسلمٍ) =انظر: "البداية والنهاية"(2/ 510)،ورواه أيضًا النَّسائيُ في"سنن الكبرى"(6/ 489 - رقم [11591]) من طريق أبي كريب عن أبي معاوية به نحوه.

(3)

انظر:"المستدرك"للحاكم (2/ 283) و"إعلام الموقِّعين"لابن قَيِّمٍ الجوزية (4/ 31 - 37)،و"النُّكت على كتاب ابن الصلاح"لابن حجر (2/ 531) .

(4)

انظر:"الإمام في بيان أدلة الأحكام": للعز بن عبد السلام (159) .

(5)

انظر:"نزول عيسى عليه السلام "لمحمود شلتوت (363) ، مجلة الرسالة العدد (496)(السنة الحادية عشرة ذو الحجة 1361) .

ص: 483

النظر في وَضْع الصيغ المجرّدة، مقطوعةً عن سياقاتها. وهذه ليست نهج المتحققين بالأصول.

قال إمام الحرمين ـ رحمه الله ـ: «ثم اعتقد كثير من الخائضين في الأُصول عزة النصوص ، حتى قالوا: إن النَّصَّ في الكتاب قَولُ الله عز وجل: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} الإخلاص: 1 ، وقولُه:{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ} الفتح: 29 وما يظهر ظهورهما. ولا يكاد هؤلاء يسمحون بالاعتراف بنص في كتاب الله تعالى؛ وهو مرتبط بحكم شرعي

(1)

، وقضوا بِنُدُور النصوص في السُّنة ، حتى عدُّوا أَمثلةً معدودة ومحدودة

= وهذا قولُ من لم يُحط بالغَرض من ذلك. والمقصود من النصوص: الاستفادةُ بإِفادة المعاني على قَطْع ، مع انحسَام جهات التأويلات، وانقطاع مسلك الاحتمالات؛ وإنْ كان بعيدًا حُصُولُه بوضع الصيغ ردًّا إلى اللُّغة. فما أكثر هذا الغَرَض مع القرائن الحالية والمقالية! وإذا نحن خُضنا في باب التأويلات ، وإبانة بطلان معظم مسالك المؤوّلين

= استبانَ للطالب الفَطِنِ أَنّ جُلّ ما يحسبه الناسُ ظواهرَ معرّضة للتأويلات = هو نصوص»

(2)

.

سياق الآيتين دَالٌّ على ثبوت رفع عيسى عليها السلام رَفْعًا حسيًا؛ لا مَعْدى عن ذلك لمن أَنصف.

وذلك من وجوه:

الوجه الأوَّل: أنّ سياق الآيات في بيان بُطْلانِ ما افتراه اليهود مِنْ قَتْلِهِ عليها السلام؛ بأنّ القتلَ إنّما وقع على شَبيهِه. لذا عقّب الرّبُّ جلَّ وعلا قولَه: {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ} بقوله: {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ}

(1)

ليس هذا على سبيل القيد ، بل الأَخبار داخلة في ذلك من باب الأولى.

(2)

"البرهان في أصول الفقه"(1/ 278) .

ص: 484

وهذا نَصٌّ في الرَّفْعِ الحِسِّيّ؛ لأن الإيقاف

بـ (بل) هنا التي تفيد الإضراب والإبطال، لنفي ما ظنّ اليهود من تسلطهم على نبي الله بالقتل: فيكون ما بعد " بل " منافيًا لما قبلها، بتكرير عدم تمكين الله لهم من التسلط على نبيه؛ وذلك برفعه رفعًا حِسِّيًا. ولو كان المرادُ رَفْعَ المكانةِ لاختلّ بذلك النّظْمُ القرآنيُّ؛ لأمرين:

الأول: أنَّ رَفْعَ المكانة ليس مختصًّا بعيسى عليها السلام في هذا الموقف، فلا وجه لتخصيصه به هنا؛ إلا لتضمُّنه معنىً زائدًا ناسب ذلك إضافته إليه.

الثاني: أن القتل لا ينافي رَفْعَ المكانةَ. إذ رفعة المكانة حاصلة حتى مع تقدير قتلهِ - عليه السلام -. فلا معنى حينئذٍ لدخول " بل " بينهما؛ لانتفاء التضادّ بينهما.

الوجه الثاني: أَنَّ وصْلَ {رَفَعَهُ اللَّهُ} بـ " إلى " يقضي على احتمال كون المقصُود بـ " الرفع " هنا رفع المكانة. وعِلَّةُ ذلك: أن رَفْع المكانة لا مُنْتَهى له؛ بخلاف الرفع الحسي. وهذا ظاهر في قوله تعالى: {وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} حيث أُضيفت "إلى"إلى ضمير المتكلّم.

فإن قيل: المقصود بالرفع هنا: رفع (روحه) لا غير.

فالجواب: إنّ هذا التأويل ليس على السَّنَن المحمود.

وبيان ذلك:

أن تعيين الرفع هنا بأنه بالرُّوح ، لا يُزيل شبهة قتْل عيسى عليها السلام الذي سيقت لأجله الآيات؛ لبقاء الشبهة بأن ارتفاع الرُّوح إنما وقع بعد القتل ، فلا معنى للإتيان بـ {بَلْ} النَّافية لما قبلها مِنْ ظَنِّ تسلُّطِهم عليه. هذا من جهة.

ومن جهة أخرى: أن تعيين الرفع (بالرُّوح) زيادةٌ لم ينطق بها النّص ، وتَقْديرٌ لم يدلّ عليه المَقَامُ فالأَصْلُ في كلام المُتَكلِّم أَنّ ألفاظَه

ص: 485

تامّةٌ. والقول بأنَّ الكلام يفتقر إلى تقدير شيء ما = هو في الحقيقة استدراكٌ على المُتكلِّم ، ودعوى لا يُصار إليها إلاّ ببرهان.

فلم يبق إلاّ أن يكون الرفع لشخصه عليها السلام روحًا وبدنًا؛ لا معنى إلَاّ ذلك

(1)

.

وأما معنى قوله تعالى: {مُتَوَفِّيكَ} أي: قابضٌ روحَك وبدنك.

وهذا اختيار أئمة التفسير؛ كالحسن البصري

(2)

، وزيد بن مسلم

(3)

، وابن

جريج

(4)

، والإمام ابن جرير الطبري

(5)

، وأبي عبد الله القرطبي

(6)

، وأبي العباس ابن تيميَّة

(7)

، والشوكاني

(8)

، وغيرهم- رحمهم الله تعالى-.

وفي بيان ذلك يقول الإمام ابن جرير ـ رحمه الله ـ: «وأَوْلى هذه الأَقوال بالصحة عندنا = قولُ من قال: معنى ذلك: إنّي قابضك من الأرض، ورافعك إليّ. لتواتُر الأَخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يَنْزِلُ عيسى ابنُ مريم فيقتل الدَّجَّالَ، ثم يَمْكُث في الأرض مُدّةً) - ذَكَرَها. واختلفت الرواية في مَبْلَغِها - ثم يموتُ فيصلِّي عليه المسلمون ، ويدفنونه)»

(9)

.

وقال ابن عبد البر: (

والصحيح عندي في ذلك = قول من

(1)

انظر:"القول الفصل"للشيخ مصطفى صبري (142 ـ 144) ، و"نظرة عابرة"(93 ـ 95) .

(2)

انظر:"تفسير القرآن العظيم"لابن أَبي حاتم (2/ 661) ، و"جامع البيان"لابن جرير (3/ 289) .

(3)

انظر:"جامع البيان"(3/ 290) ، و"الجامع لأحكام القرآن"(4/ 100) ، و"التمهيد"(15/ 186)

(4)

انظر:"تفسير القرآن العظيم"(2/ 662) ، و"جامع البيان"(3/ 290) .

(5)

المصدر السابق (3/ 291) .

(6)

انظر:"الجامع في أحكام القرآن"(4/ 100) .

(7)

انظر:"مجموع الفتاوى"(4/ 323) .

(8)

انظر:"فتح القدير"(2/ 135) .

(9)

"جامع البيان"(3/ 291) .

ص: 486

قال: {مُتَوَفِّيكَ} : قابضك من الأرض. لِمَا صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من نزوله)

(1)

.

وقال القرطبي ـ رحمه الله ـ: «والصحيح أنَّ الله تعالى رَفَعَهُ إلى السماء؛ من غير وفاةٍ، ولا نوم. كما قال الحسن، وابن زيد ، وهو اختيار الطبري، وهو الصحيح عند ابن عباس ، وقاله الضَّحاك .. »

(2)

.

واختيارُ هؤلاء الأئمة لهذا المعنى ـ أعني: القبضَ ـ مَعَ دَوَرَانِه في كتاب الله على معنيين آخرين؛ هما: قبض الرُّوح، وقبض حِسِّ الإنسان بالنوم

(3)

= لم يكن اعتباطًا؛ بل لاعتبارات سَبَقَ بيانها ، ومن أَبْرَزِها: دلالة السِّياق. إذْ لو كان المراد بقوله تبارك وتعالى: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ} الموتَ؛ لَمَا كان في إضافة " التوفِّي " إليه مَعْنى يختص به عن غيره من الرسل؛ فضلًا عن بقية الخلق. فالمؤمنون يعلمون أنّ الله يقبض أرواحهم، ويعرج بها إلى السماء = فاستبان أنّ في إضافة التوفي إلى عيسى عليها السلام، وعطف الرفع الموصول بـ " إلى " على قوله:{مُتَوَفِّيكَ} ليس له معنىً إلا القَبْضُ؛ الرُّوح، والبدن جميعًا. لوجود القرينة الدالة على ذلك.

قال الإمام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ مقررًا ذلك: «وأمّا قوله تعالى: {يَاعِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} فهذا دليل على أنه لم يعنِ بذلك الموتَ؛ إذ لو أراد بذلك الموتَ لكان عيسى [عليها السلام] في ذلك كسائر المؤمنين؛ فإن الله يقبضُ أرواحهم، ويعرج بها إلى السماء. فَعُلِمَ: أنْ ليس في ذلك خاصيّة. وكذلك قوله: {وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} ولو كان قد فارقتْ روحُه جسدَه = لكان بدنُه في

(1)

"التمهيد"(15/ 196) .

(2)

"الجامع"(4/ 100) .

(3)

انظر:"النكت في القرآن"لأَبي الحسن المجاشعي (1/ 192) ، و"نزهة الأعين النواظر"لابن الجوزي (213) .

ص: 487

الأرض كبدن سائر الأنبياء ، أو غيره من الأنبياء

ولهذا قال من قال من العلماء: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ} : أي قابضك. أي قابض روحك وبدنك ، يقال: توفيت الحساب واستوفيته ، ولفظ التوفّي لا يقتضي توفي الرُّوح دون البدن ، ولا توفيهما جميعًا؛ إلَاّ بقرنية منفصلةٍ)

(1)

.

وقد يقال: قد ورد عن ترجمان القرآن ابن عباس رضي الله عنهما تَفْسير الوفاة في الآية بالموت؛ فيكون ذلك حجة لمن قال بأن الرفع إنما كان لروحه دون بدنه.

والجواب عن ذلك يتحصَّل بتقرير ثلاثة أمور:

الأَوَّل: النَّظر في صِحَّةِ الوارد عن ابن عباس رضي الله عنهما والمتأمل في هذا المروي يجد أنَّ ابن جرير أخرجه من طريق معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة.

ومعاوية بن صالح قال عنه الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ: «صَدوقٌ. له أوهام من السابعة. مات سنة (158 هـ) وقيل: بعد (170 هـ)

»

(2)

.

وعلي بن أبي طلحة؛ وإنْ طعن بعض الحفاظ في روايته للحديث؛ كيعقوب بن سفيان؛ حيث قال: «وروى شعبة، وحماد بن زيد، عن بُديل بن ميسرة، عن علي بن أَبي طلحة. شامي، وهو يكنى أبا طلحة. وهو ضعيف الحديث، مُنْكَر ، ليس بمحمودِ المذهب»

(3)

. وكالإمام أَحمد؛ حيث قال: «له أشياء منكرات»

(4)

. = فلا يلزم من ذلك ـ فيما يظهر ـ أَنهم يطّرِدون هذا الطعن ليشمل ما يرويه في التفسير.

وليس قولُ أَبي يعلي الخليلي ـ رحمه الله ـ «وتفسير معاوية بن صالح قاضي الأندلس عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: رواهُ الكبار عن

(1)

"مجموع الفتاوى"(4/ 322 - ـ 323) .

(2)

" التقريب "لابن حجر (955) .

(3)

"المعرفة والتاريخ"للفسوي (2/ 457) .

(4)

انظر:"ميزان الاعتدال"للذهبي (3/ 134) .

ص: 488

أَبي صالح - كاتب اللَّيْث - ، عن معاوية. وأَجمعَ الحُفَّاظُ على أَنَّ ابنَ أَبي طلحة لم يَسْمعه من ابن عباس»

(1)

= طعنًا في صحَّة المرويِّ عن ابن عباس؛ وإنما هو بيانٌ منه عن سقوط الواسطة بين علي بن أَبي طلحة وبين ابن عباس؛ لأنه لم يسمع من ابن عباس. وسقوط الواسطة بينه وبين ابن عباس ـ رضي الله عنها ـ لا يقتضي الطعن في مُرْويّه لعدم الجهل بها؛ لأَنّ الحُفّاظ سَبَروا مرويّاتِه عن ابن عباس في التفسير ، فوجدوا أنه إنما يرويها عن ثقات أصحاب ابن عباس؛ كمجاهد بن جبر ، وعكرمة مولاه.

قال الذهبي ـ رحمه الله ـ: «أخذ تفسيرَ ابن عباس عن مجاهد ، فلم يذكر مجاهد؛ بل أرسله عن ابن عباس»

(2)

.

وقد أبان أبو جعفر النَّحاس ـ رحمه الله ـ عن مَأْخذ مَنْ طعَن في هذا الإسناد بقوله: «

والذي يطعن في إسناده يقول: ابن أبي طلحة لم يَسْمع عن ابن عَبّاس ، وإنما أَخذ التفسير عن مُجَاهد وعكرمة = وهذا القول لا يوجبُ طعنًا؛ لأنَّه أَخذه عن رجلين ثقتين. وهو في نفسه ثقةٌ، صدوق»

(3)

.

فإذا استبان لنا أَن مَأْخذ مَنْ طَعَن في هذا الإسناد هو إرسال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس = عُلِمَ أن هذا الطعن لا مُوجب له؛ للعِلْم بحالِ مَنْ أسقطه ابن أبي طلحة ، وكونهم من ثقات أصحاب ابن عباس. لذا احتمل الأئمة منه هذا الإرسال ، ولم يسووا بين روايته للحديث ، وبين روايته عن ابن عباس. ولذا تجد الإمام أَحمد يقول:«إِنّ بمصر صحيفة في التفسير رواها عليّ بن أبي طلحة ، لو رَحَل رجُلٌ فيها إلى مِصْر قاصدًا = ما كان كثيرًا»

(4)

. وقال الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ:

(1)

"الإرشاد في معرفة علماء الحديث"(1/ 393 ـ 394) .

(2)

"ميزان الاعتدال"(3/ 134) .

(3)

"الناسخ والمنسوخ"(1/ 461 - 462) .

(4)

انظر:"فتح الباري"(8/ 557) .

ص: 489

«وعليُّ [أي ابن أبي طلحة] صدوقٌ، لم يلق ابن عباس؛ لكنه حَمَلَ عن ثقات أصحابه؛ فلذلك كان البخاري، وابن أَبي حاتم، وغيرهما يعتمدون على هذه النسخة»

(1)

.

وزبدة القول: إنّ ارتضاء الأئمة لصحيفة علي بن أَبي طلحة في التفسير في الجُمْلة ، لا يلزم منه الرضا بآحاد ما رَوى. ولعل هذا ما جَعَل الإمام أَحمد ـ رحمه الله ـ يقول:«له أشياء منكرات» فإن حُكم بأنَّ هذه الرواية من مُنكر ما يرويه علي بن أَبي طلحة=انتفى الإشكال، وإن صُححت؛ أَخْذًا بثناء الأئمة على هذه الصحيفة من حيث الجملة ، بقي النَّظَرُ حينئذٍ في أمرين:

الأمر الأوّل: مُعَارَضة هذه الرواية لما صح عنه أيضًا: «أن عيسى رُفع من رَوْزنةٍ في البيت»

(2)

.

الأمر الثاني: أنَّ التسليم بمقتضى هذه الرِّواية يَسْتلزم مخالفة صريح القرآن؛ ذلك بأَن الله أخبر أنّ وقوع الموت على العباد يكون مرة واحدة ، ثم يحييهم. قال تعالى:{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ} الروم: 40

قال الإمام ابن جرير: «ومَعْلومٌ أنه لو كان قد أَماته الله عز وجل ، لم يكن بالذي يميته ميتةً أُخرى ، فيجمع عليه ميتتين؛ لأن اللهَ عز وجل إنما أَخبر عبادَه أنَّه يخلقهم، ثم يميتهم، ثم يحييهم. كما قال جَلَّ ثناؤه:{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ} الروم: 40)

(3)

.

والذي يظهر -والله أَعلم-: أنّه لا تعارُض بين رواية علي بن

(1)

"العُجاب في بيان الأسباب"لابن حجر (1/ 206 ـ 207) .

(2)

سبق تخريجه.

(3)

"جامع البيان"(3/ 291) .

ص: 490

أَبي طلحة، وبين ما دلّ عليه القرآن، والرواية الأخرى عن ابن عباس.

وبيان ذلك: أن قول ابن عباس في تفسير قوله تعالى: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ} : إني مُمِيتُك. ليس فيه بيان وقت الإماتة. والآية لا تدل على ذلك؛ لأن (الواو) في قول الله: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} لا تقتضي الترتيب؛ فيكون مُرادُ ابن عباس

رضي الله عنها والله أعلم -: إنّي مُميتك بعد نزولك من السماء في آخر الزمان. كما صحّت بذلك الأَخبار؛ ويكون هذا الوَجْهُ بناءً على أَن في الآية تقديمًا وتأخيرًا؛ أي: إِذْ قال الله يا عيسى إني رافعك إليَّ .. ومطهرك من الذين كفروا. ومتوفيك بعد إنزالي إيّاك إلى الدنيا.

وقد ذهب إلى هذا الجَمْع والتوفيق الإمامُ ابن عبد البر ـ رحمه الله ـ؛ حيث قال: «والصحيح عندي ـ في ذلك ـ: قول من قال: متوفيك، وقابضك من الأَرضِ. لما صَحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم من نزوله. وإذا حُمِلت رواية علي ابن أبي طلحة عن ابن عباس ، على التقديم والتأخير؛ أي: رافعُك، ومُمِيتُك = لم يكن بخلاف ما ذكرناه»

(1)

.

ومن الأدلَّة أيضًا: قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا (159)} النساء.

الضَمير في الموضعين في هذه الآية يعود على عيسى عليها السلام ، ودلالة السياق تدل على هذا الاختيار. لأمرين:

الأول: أنّ سياق الآيات قبلها جاء في تقرير بطلان دعوى اليهود في زعمهم قتل عيسى عليها السلام ، وبيان ضَلَال النّصارى في تسليمهم لليهود فيما ادّعَوْهُ = بأنَّ الله نجَّى نبيَّه، وطَهَّره من كيد أعدائه؛ برفعه حيًّا إلى السماء، وحصول القتل على شبيهه، وأنّه سينزل في آخر الزمان، فيكسر

(1)

"التمهيد"(15/ 186) .

ص: 491

الصليب ، ويضع الجزية ، ولا يقبل إلاّ الإسلام. وحينئذٍ يؤمن به جميع أهل الكتاب، ولا يتخلّف عن التصديق به أحد منهم.

الثاني: أن عَوْد الضميرين في {بِهِ} و {مَوْتِهِ} إلى عيسى عليها السلام هو الأَليق بالسياق والنَّظم؛ لأن «عَوْد أحدهما على غير ما يعود عليه الآخَر فيه تشتيتٌ للضمائر. وهذا مما يُنَزَّه عنه الكتاب الكريم»

(1)

.

قال أَبو حيان: «والظاهر: أنّ الضميرين في {بِهِ} ، و {مَوْتِهِ} عائدانِ على عيسى ، وهو سياق الكلام. والمَعْنِيّ "من أَهل الكتاب " = الذين يكونون في زمان نزوله»

(2)

.

وهذا ظاهر اختيار أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ؛ حيث ربَط بين حديث نزوله عليها السلام، وبين الآية ـ كما سبق سَوْقُه ـ. وهو اختيار ابن عباس ـ رضي الله عنها ـ

(3)

، وابن جرير

(4)

، وأَبي حَيَّان ـ كما سبق ـ ، وابن كثير

(5)

.

قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ

} الزخرف: 61

والضمير في {وَإِنَّهُ} عائد على " عيسى عليها السلام ". فيكون مقصود الآية ـ والله تعالى أعلم ـ: إن نزول عيسى عليها السلام إشْعَارٌ بقُرب السَّاعة ، وأَنَّ مجيئَه في آخر الزمان شَرطٌ من أشراط القيامة.

ومما يؤيد عَوْد الضمير إلى عيسى عليها السلام أُمورٌ:

الأمر الأوّل: أَن سياق الآيات قبل هذه الآية في شأن عيسى عليها السلام. قال الله تعالى: {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (57) وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (58) إِنْ

(1)

"نظرة عابرة"(100) .

(2)

"البحر المحيط"(3/ 392) .

(3)

أخرجه ابن جرير في"تفسيره"(6/ 18) من طريق سعيد بن جبير وصحح إسناده الحافظ ابن حجر = انظر:"فتح الباري"(6/ 601) .

(4)

"جامع البيان"(6/ 21) .

(5)

"تفسير القرآن العظيم"(3/ 1053) .

ص: 492

هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (59) وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (60) وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ} الزخرف: 57 - 61.

الأمر الثاني: أن قراءة {وَإِنَّهُ لَعَلم لِلسَّاعَةِ

} الزخرف: 61 بفتح اللام والعين توطِّد هذا الاختيار. وهي قراءة ابن عباس ، وأبي هريرة وقتادة ، ومجاهد ، والأعمش.

(1)

الثالث: أن هذا الاختيار يشهد له ظاهر القرآن ، وبه تتسق الضمائر، وتنسجم بعضها مع بَعْضٍ؛ ليس في هذا الموطن فقط ، بل في جميع المواطن التي ذُكِر فيها عيسى عليها السلام.

بيان ذلك:

أن الباري جل جلاله قال: {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ} ثم قال جل جلاله: {وَمَا قَتَلُوهُ} أي: عيسى. {وَمَا صَلَبُوهُ} أي: عيسى. {وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ} أي: عيسى. {وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ} أي: عيسى. {فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ} أي: عيسى. {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ} أي: عيسى. {وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا} أي: عيسى. {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ} أي: عيسى. {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ} أي: عيسى {قَبْلَ مَوْتِهِ} أي: عيسى. {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا} أي: يكون عيسى عليها السلام شهيدًا

(2)

.

الأمر الرابع: أَنّ هذا الاختيار تشهدُ له الأحاديث المتقدم ذكرها.

الأمر الخامس: أَن هذا القول احتفَل به جِلّة من أئمة التفسير من السَّلفِ والخَلَفِ؛ كابنِ عبّاسٍ، وأَبي هريرة ، ومجاهد ، وعكرمة ، وأبي العالية ، والحسن البصري ، والضحاك

(3)

، وابن كثير

(4)

، والأَمين الشنقيطي

(5)

.

(1)

انظر:"المحرر الوجيز"(1685)،و"معجم القرآات القرآنية"(4/ 362) .

(2)

انظر:"أضواء البيان"(7/ 282) .

(3)

انظر:"تفسير القرآن العظيم"(7/ 3154) .

(4)

انظر:"المصدر السابق".

(5)

اُنظُرْ:"أضواء البيان"(7/ 280) .

ص: 493

= ومن الدلائل القرآنية الدالة على نزوله عليها السلام: قوله تعالى: {وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ (46)} آل عمران: 46 وقال جل وعلا: {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا} المائدة: 110

ووجه الدلالة من هاتين الآيتين: أنَّ تخصيصَ وقوعِ التكليم من عيسى عليها السلام بِحالَيْ المَهد والكهولة؛ مع كونه متكلمًا فيما بين ذلك = دلالةٌ ظاهرة على أن لِتيْنِكَ الحالين مزيد اختصاصٍ، ومزيّةٍ؛ فَارقَا بهما جميع كلامه الحاصل بين تَيْنِكَ الحالين.

توضيح ذلك:

أَنّ الكلام في المَهْد خارقٌ للعادة ، خارجٌ عن السُّنن. وهذا بَيِّنٌ. فكذلك قوله تعالى:{وَكَهْلًا} هو عطف على مُتعلق الظرف قبله، آخِذٌ حكمَه؛ أي: يُكلِّم الناس في حال المَهد ، ويُكلّمهم في حال الكهولة. «وإذا كان كلامه في حالة الطفولة عقب الولادة مباشرة = آية؛ فلا بُدّ أن المعطوف عليه؛ وهو: كلامه في حال الكهولة كذلك؛ وإلا لم يُحْتجْ إلى التنصيص عليه؛ لأنَّ الكلام من الكهل أَمرٌ مألوف معتاد ، فلا يحسُن الإخبار به؛ لا سيما في مقام البشارة»

(1)

.

لذا قال ابن زيد: «قد كلّمهم عيسى في المهد ، وسيكلّمهم إذا قَتَل الدجال»

(2)

.

وقال الحُسين بن الفضل البجلي: المراد بقوله: {وَكَهْلًا} أن يكون كهلًا بعد أَن ينزل من السماء في آخر الزمان ، ويُكلِّم الناس ، ويقتل الدجال = وفي هذه الآية نصٌّ في أنه عليها السلام سينزل إلى الأرض

(3)

».

(1)

فصل المقال"للشيخ محمد خليل هرَّاس (24) .

(2)

انظر:"جامع البيان"لابن جرير (3/ 272) ، و"المحرر الوجيز" لابن عطيَّة (302) .

(3)

انظر:"مفاتيح الغيب"(3/ 225)

ص: 494

مع صراحة ما دلت عليه الأدلة من نزول عيسى عليها السلام، وتضافرها على ذلك ، وبلوغها مَبْلغ القطْع = إلَاّ أَنَّ طوائف من المخالفين لأَهل السُّنّة جالَدوا الدلائل ، وناقضوا البراهين؛ إمَّا ردًّا للأدلة صراحةً ، أو التلفُّع بمُرُط التّأْويل؛ تلطُّفًا في رَدِّها.

وممن نُقل عنه الرَّدُّ من متقدمي الخلَف: بعض الخوارج ، وبعض المعتزلة

(1)

.

ومن متأخريهم - أعني: متأخري الخلف-: الشيخ محمد عبده؛ حيث نقل عنه تلميذُه "محمد رشيد رضا" موقفَه من أحاديث نزول عيسى عليها السلام. وهو ـ أعني: محمد عبده ـ وإن لم يُصَرِّح بأنَّ هذا موقفه؛ لأنه يعزو ذلك للعلماء، إلاّ أن ظاهرَ طريقته يُفْهَم منها ذلك؛ حيث قال: «ولصاحب هذه الطريقة ـ أي: مَنْ يقول أن رفع عيسى كان بروحه ـ في حديث الرفع والنزول في آخر الزمان تخريجان:

أحدهما: أنَّه حديث آحاد متعلق بأمر اعتقادي؛ لأنه من أمور الغيب. والأمور الإعتقادية لا يؤخذ فيها إلا بالقطعي

وثانيهما: تأويل نزوله وحكمه في الأرض بغلَبَة روحه ، وسِرّ رسالته على النّاس. وهو ما غَلَب في تعليمه؛ من الأمر بالرحمة ، والمحبة ، والسِّلم ، والأَخْذ بمقاصد الشريعة دون الوقوف عند ظواهرها ، والتمسك بقشورها دون لُبابها

ولما كان أصحاب الشريعة الأخيرة [يعني: المسلمين] قد جمدوا على ظواهر أَلفاظها؛ بل وأَلفاظ مَنْ كتَب فيها معبرًا عن رأيه وفَهْمِهِ ، وكان ذلك مُزهقًا لروحها، ذاهبًا بحكمتها = كان لا بُدَّ من إصلاحٍ عيسوي؛ يبيّن لهم أَسرارَ الشريعة ، وروحَ الدِّين، وأدبَه الحقيقي. وكل ذلك مطويٌّ في القرآن الذي حُجبوا عنه بالتقليد؛ الَّذي

(1)

انظر::"إكمال المعلم"(8/ 492) .

ص: 495

هو آفة الحقِّ ، وعدوّ الدِّين في كلِّ زَمَان = فزمان عيسى على هذا التأويل: هو الزمان الذي يأخذ الناس فيه بروح الدين والشريعة الإسلامية؛ لإصلاح السرائر، من غير تَقيُّدٍ بالرّسُوم والظواهر»

(1)

.

وقد وافق الشيخُ رشيد رضا أستاذَه في إبطال معاني تلك الأحاديث؛ إلا أنه لم يسلك مسلك شيخه في التأويل ـ كما سيأتي ـ بل اكتفى بتفويض معاني تلك الأحاديث إلى الله

(2)

.

فكلاهما -في الواقع- يتفقان على تعطيل مدلول تلك الأَحاديث؛ إلا أن الشيخ " محمد عبده " لم يتركْ تلك الأحاديث معطّلةً من المعنى الحق؛ بل اختار أَن يلتمس غريب المعاني ليملأ هذا الفراغ.

وممن ذهب إلى إنكارِ رفع ونزول عيسى عليها السلام: الشيخ محمد شلتوت. حيث غَالَطَ الحقائق ، وأنكر البَدَهِيّات من دين المسلمين؛ فزَعَمَ أنه ليس في القرآن الكريم ولا في السنة المطهرة «مستند يَصْلح لتكوين عقيدة يطمئن إليها القلب؛ بأن عيسى رُفع بجسمه إلى السماء ، وأنّه حي إلى الآن فيها ، وأنه سينزل منها آخر الزمان إلى الأرض» !!

(3)

وإذا انتفى المُستند الذي يُثبِت هذه العقيدة؛ فإنّ فُشُوَّها في المحيط الإسلامي ـ بزعمهم ـ هو من أثر أحد العوامل الأجنبية التي رسّخت هذه العقيدة بينهم؛ ألا وهو: عامل الإسرائيليات؛ التي تأثر بها المسلمون نتيجة للانحطاط الديني الذي يعايشونه ، فتعلّقت آمالهم في الإصلاح والتجديد على مُخلّصٍ يَردُّ أمر الدين إلى حالته المثلى!

وفي تقرير ذلك يقول "حسن الترابي": «وفي بعض التقاليد الدينيَّة تَصَوُّر عقديٌّ؛ بأن خطّ التاريخ الديني بعد عهد التأسيس الأوَّل ينحدر

(1)

انظر:"تفسيرالمنار"(3/ 316 ـ 317) .

(2)

انظر:"المصدر السابق"(3/ 394) ، و"موقف المدرسة العقلية الحديثة"(340)

(3)

(نزول عيسى عليها السلام) مجلة الرسالة ، (ص 363) العدد (496) السنة الحادية عشرة.

ص: 496

بأمر الدين؛ انحطاطًا مطّرِدًا، لا يرسم نمطًا دوريًا. وفي ظل هذا الاعتقاد ستتركز آمال الإصلاحِ أو التجديدِ نحو حَدَثٍ أَو عَهد واحد بعينه ، مرجُوٍّ في المستقبل، يَردُّ أَمر الدِّين إلى حالته المُثْلى من جديد = وهذه عقيدةٌ نشأتْ عند اليهود ، واعْتَرت النصارى. وقوامها: انتظارُ المسيح يأتي ـ أو: يعود عندما يبلغ الانحطاطُ ذِرْوتَه بعهد الدجال؛ قبل أن ينقلب الحال صاعدًا بذلك الظهور

وقد انتقلت العقيدة بأثر مَن دَفَع الإسرائيليات إلى المسلمين، وما يزال جمهور من عامة المسلمين يعوّلون عليها في تجديد دينهم .. »

(1)

.

ويَسِمُ الدكتور مُصْطفى بو هندي تلك الأَحاديث الصحيحة الصريحة التي وقع الإجماع على مَدْلولها = بكونها «مشبّعةً بالمفاهيم الكتابية؛ التي سبق أَن أَشرنا إليها عن المسيح المنتظر. وهو ما يكشف عن مصدريّتها اليهودية والمسيحية، المخالفة لما في الإسلام»

(2)

.

(1)

قضايا التجديد"نحو منهج أُصولي"(77 ـ 78) نقلًا عن"الرد القويم لما جاء به الترابي والمجادلون عنه من الافتراء والكذب المهين"للشيخ الأمين الحاج محمد أحمد (76 ـ 77).

(2)

"التأثير المسيحي في تفسير القرآن"(191).

ص: 497