الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرَّابع تزييف دعوى استناد الصحابة رضي الله عنهم إلى المعقول المتمحض في محاكمة النُّصوص
هذه جُملةٌ من القضايا تُساقُ مجردةً عن براهينها ابتداءً، ثم بعد ذلك تقام سُوق البراهين المصححة لها، وهي كالتالي:
القضيَّة الأولى: لم يكن في الصحابةِ من يقول بتقديم عقله على نصِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
القضيَّة الثَّانية: ليس أحدٌ من الصحابة يقولُ إنَّ في الدلائل النقليّة ما يَرِدُ مناقضًا للدلائل العقليَّة.
القضيَّة الثَّالثة: النّظرُ العقلي المُستعمل عند الصحابة رضي الله عنهم نظرٌ وظيفي مركب من الدلائل النَّقلية أصالة لا على نظر عقلي مرسل.
أمَّا القضيَّتان الأوليان فبرهان تصحيحهما =انتفاء الدَّليل الدَّال على نقيضهما، فهاتان قضيَّتان كُلِّيتان سالبتان يعجز المخالف عن نقضهما بجزئية موجبة بسوق النقل المصحح لنقضه عن واحد من أَصحاب رسول صلى الله عليه وسلم يقول بتقديم عقله على النص الشرعي، أو يقول: إن الدلائل النقلية منطوية على ما ينافي الدلائل العقليَّة. لذا قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: (لم يكن في الصَّحابةِ من يقول: إنَّ عقله مُقدَّمٌ على نصِّ الرسول، وإنَّما كان يُشْكِلُ على أحدهم قوله فيسألُ عمَّا يُزيل شُبهته، فيتبيَّن له أَنَّ النصَّ لا شُبهة فيه)
(1)
وقال: (ليسَ من الصحابةِ من قال: إنَّ القرآن أو الخبر
(1)
"درء التعارض"للإمام ابن تيميَّة (5/ 229)
يُخالفُ العقل والأدلة العقليَّة)
(1)
وأَمَّا القضيَّة الثالثة: فتحرير القول فيها أن يقال: إنَّ النَّظر العقلي الذي أعمله الصحابة حين نظرهم في النُّصوص = نَظرٌ وظيفيٌّ أي أنّهم وقع منهم في وقائع محدودة توظيف العقل المستند إلى الدلائل النقلية الأخرى في معارضة خبر من الأخبار، فتكون المعارضة في واقع الأمر بين دليلين نقليين، لا بين نظر عقليٍّ محض ودليل نقلي.
وأمَّا ما شَغبَ به أَهل الأهواءِ على أَهل السُّنّةِ من استدلالهم ببعض المروي عن الصحابةِ في توقفهم في قبول بعض ما يروى لهم من حديثه صلى الله عليه وسلم،أَو ردِّه-في زعمهم- بناءً على معارضة العقل له. جاعلين مما يُروى على وجه الخصوص عن أُمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها تكأةً فيما يَردُّون من النُّصوص بحجَّة التأسِّي بهم في ذلك
(2)
، في محاولةٍ يائسةٍ لنَقضِ ما قعّده أهل السُّنّة مِن أُصول متينة تقضي بانتفاء معارضة العقل للنَّقل، وأَن المتقرر عند السَّلف هو التسليم المؤسَّسُ على العقل لما جاء عن المصطفى صلى الله عليه وسلم بعد ثُبوته عنه صلى الله عليه وسلم وَفْق قواعد الصِّناعة الحديثية=فليس فيما أوردوه ما يحقق لهم مقصودهم، لأنّه لا يخرج عما حرر من قبل من أنَّ النظر المستعمل لديهم هو نظر مُركَّبٌ من الدلائل النقلية أصالة.
والاستدلال بما ساقه الزركشي في كتابه "الإجابة" من استدراكات أُمِّ المؤمنين رضي الله عنها لايُسْعِف أَصحابه فيما يرومون التأثيل له، وذلك
…
للآتي:
(1)
"بيان تلبيس الجهميَّة"للإمام ابن تيميَّة (8/ 526)
(2)
انظر أمثلةً لاستدلال أتباع المدرسة العصرية المتمعقلة على الأدلّة الشرعية بما يروى عن عائشة رضي الله عنها": أضواء على السُّنّة النبوية"لمحمود أبي رية (200،75)،وكذا مقدمة الكتاب السابق لطه حسين (10)، و"السُّنَّة النبويَّة بين أهل الفقه والحديث"للشيخ محمد الغزالي (21)،و"مشكلة الحديث"لمحمد يحي (158،148)
1 -
أَنّ ما ساقه الإمام الزركشي
(1)
مما يروى عن عائشة رضي الله عنها ليس واقعًا كلَّه موقع القبول من جهة صحة ما يُعزى إِليها مما ساقه الزركشي رحمه الله بل فيه المقبول إِسنادًا، وفيه غير ذلكِ
(2)
2 -
أَنَّ الوارد من صنيعها وصنيع غيرها من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قلَّته - لا يعدو أَن يكون من قَبيل المُتشابه من قولهم وفعلهم الَّذي يُفسَّرُ في ضوء المُحكم من أَقوالهم التي تدلُّ على تعظيم شأن ما ثَبَت عن النبي صلى الله عليه وسلم،والاستقراء دالٌّ على صدق ذلك.
وحتى لا يعدو ماقُرِّر سابقًا =دعوى ليس لها وقائع تُصدِّقها، وأَمثلةٌ توطدها =أُوردُ أمثلة تُبينُ عمّا سبق، وتكون دليلًا على نظَائرهِا:
° المثال الأوّل:
ما ورد عن أَبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَن غَسَّل ميتًا اغتسلَ، ومن حمَلَه توضأ)
(3)
.
(1)
الزركشي (745 - 794 هـ):هو محمد بن بهادر بن عبدالله المِصري، بدر الدين أبو عبدالله الزَّركشي الشَّافعي إمام متفنن مُحرِّر كثير التصنيف، من تآليفه:"البحر المحيط"،و"لقطة العجلان وبلّة الظمآن"=انظر:"شذرات الذهب"(8/ 572)
(2)
انظر: "منهج النقد عند المُحدِّثين " للدكتور محمد مصطفى الأَعظمي (77)
(3)
أخرجه أَبو داود في "السُنن"،كتاب "الجنائز" باب "في غسل الميت "(3/ 333 - 334 رقم [3161])،و الترمذي في سننه كتاب"الجنائز"،باب"ما جاء في الغُسْل من غُسل الميت "(3/ 318 - رقم [993]) وحسّنه، وكذا حسنه ابن حجر في "التلخيص الحبير"(1/ 144)، وقوَّاه الحافظ الذهبي في "المهذب في اختصار السنن الكبير"(1/ 301)،وصححه ابن حزم في المحلى (2/ 25)،وابن حبّان في "صحيحه"(3/ 435 - الإحسان) وابن دقيق العيد كما في "الإمام"(2/ 372)،و الألباني في الإرواء (1/ 173)،،واستقصى طرقه كل من ابن دقيق العيد، وابن الملقن في "البدر المنير"(2/ 524)، والإمام ابنُ القيِّم في "تهذيب سنن أبي داود "(4/ 306)،ونقل البخاري عن الإمامين أحمدبن حنبل وعلي بن المديني أنهما قالا: لا يصح في هذا الباب شيء، انظر:"العلل الكبير"للترمذي (1/ 402)، وكذا روى= =البيهقي في السنن الكبرى (1/ 302) عن أبي بكرٍ المُطرِّز قال سمعت محمد بن يحي [يعني الذهلي] يقول: لا أعلم في "من غسل ميتاً"=حديثاً ثابتاً "، وقال ابن المنذر: ليس في الباب حديثٌ يثبت، كما نقله عنه الحافظ في التلخيص (1/ 145)،ونقل ابن أبي حاتم عن أبيه قوله في الحديث: قال أبي: هذا خطأٌ؛ إنّما هو موقوفٌ على أبي هريرة، لا يرفعه الثِّقات =العلل (801) وقد تابعه على ذلك البيهقي في"السنن الكبرى" (1/ 307) والنووي في المجموع (5/ 144)،إذ صححا وقفه على أبي هريرةوالراجح -والله أعلم- هو ما ذهب إليه الأئمة النُّقاد من عدم ثبوت شيءٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب
فبلغ ذلك عائشة رضي الله عنها فقالت: (سبحان الله! أَمواتُ المسلمين أَنجاسٌ؟ وهل هو إلَاّ رجلٌ أَخذ عودًا فحمله؟!)
(1)
وهذا المثال لا حجة فيه؛ من وجوه:
الأوَّل: أنَّ الحديثَ موقوفٌ على أبي هريرة لا يصح رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيكون القول بالاغتسال من غسل الميت والتوضئ من حمله= اجتهادًا ذهب إليه رضي الله عنه، فإن بدا اعتراض عليه فالاعتراض موجَّهٌ لاجتهاد أبي هريرة رضي الله عنه لا لقول المعصوم صلى الله عليه وسلم،فالمثال حينئذٍ خارج عن محل النزاع.
الوجه الثَّاني: أن قول عائشة رضي الله عنها لا يصح إسنادًا إليها للانقطاع بينها وبين محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي المديني
(2)
الذي روى هذا القول عنها كما صرح بذلك الإمام الدَّراقطني فقال: (محمد بن إبراهيم لم يسمع من عائشة)
(3)
وضبَّب الإمام الذهبي في هذه الرِّواية فوق
(1)
أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" كتاب "الطهارة" باب " الغسل من غسل الميت"(1/ 307)
(2)
قال عنه الإمام أحمد: (محمد بن إبراهيم التيمي مديني في حديثه شيءٌ يروي أحاديث مناكير أو منكرة والله أعلم) قال ابن عدي معقبا: (إن كان ابن حنبل أراد محمد بن إبراهيم ابن الحارث التيمي مديني يحدث عن أبي سلمه =فهو عندي لابأس به، ولا أعلم له شيئاً منكراً إذا حدَّث عنه ثقةٌ)، وقال الحافظ ابن حجر:(ثقة له أفراد) =انظر: "الكامل في ضعفاء الرجال"(6/ 131)،و"الضعفاء"للعقيلي (5/ 184)،و"تهذيب الكمال" للمزي (6/ 196)،و"تقريب التهذيب" لابن حجر (819)
(3)
"العلل"للدَّارقطني (14/ 414)
محمد بن إبراهيم إشارة للانقطاع بينه وبين عائشة رضي الله عنها
(1)
.
وبذا يجتث الإشكال من جذره.
الوجه الثالث: أنه على تقدير صحة رفع الحديث، واتصال الرواية عن عائشة=يخرَّجُ اعتراضِ عائشة رضي الله عنها على ما استقرَّ عندها من الدلائل الشرعية الدَّالة على انتفاء النجاسة عن المؤمن، والأَصلُ في ذلك ما وقع لأَبي هريرة نفسِهِ مع النبي صلى الله عليه وسلم في قصة انخناسه منه لكونه جُنُبا، فقال عليه السلام:(إنّ المسلم لا ينجُسُ)
(2)
لذا أَرادت رضي الله عنها أَن تُعضّد المستقرّ عندها بـ"النظر العقلي "، وهو أنّ الأمر بالاغتسال من غسل الميت، والوضوء من حَمله =أَمرٌ يُخالفُ المعروف من هديه صلى الله عليه وسلم والعقل أَيضًا لا يدلُّ عليه؛ لأنَّه إذا كان غير واجب على الإنسان الوضوء من مسّ جيفة، أو دم، أو خنزير ميت بالإجماع=فلأن يكون غير واجبٍ من مس الميت المسلم أو حمله أحرى
(3)
.
فاعتراضها رضي الله عنها توظيف عقلي لدلالة النص الدَّال على البراءة من إيجاب الوضوء. ثم يبقى النّظرُ في صحة اجتهادها من عَدَمه في ردِّ الحديث؛ إذ قد يقال جوابًا لما قد استشكلته -لو قُدِّر صحة رفع الحديث-= ليس الغسل من غسل الميت تنجيسا من الميت، بل هو طاهر إن كان مؤمنا لكنه شريعة كالغسل من الإيلاج وإن كان كلا الفرجين طاهرا وكالغسل من الاحتلام
(4)
.
(1)
انظر: "المهذب في اختصار السُّنن"للحافظ الذَّهبي (1/ 304)
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب "الوضوء" باب "عرق الجُنُب، وأن المسلم لا ينجُس"(1/ 109 - رقم [283]) ومسلم في كتاب "الحيض"، باب"الدليل على أن المسلم لاينجس "(1/ 282 - رقم [371])
(3)
انظر: "الأوسط"لابن المنذر (5/ 351)
(4)
انظر: "المحلى"لابن حزم (11/ 363)
والمقصود: بيان أَنّ النظر العقلي المتمحض لم يكن مستعملًا لدى عائشة رضي الله عنها،.لذا كان الغُسل من غُسْلِ الميتِ: منسوخًا عند جَماعةٍ من أَهل العلم. فقد قال الإِمام أَبوداود السجستاني رحمه الله بعد إخراجه لهذا الحديث: (هذا منسوخٌ)
(1)
. وعند بعضهم: الأمر فيه للاستحباب؛ لا للوجوب. ومن أهل العلم من يرى الأمر فيه على بابه وهو الوجوب
(2)
، وليس المقام مقام استتمام للأقوال في المسألة والترجيح بينها.
- المثال الثَّاني:
ما ورد عن عائشة رضي الله عنها أنَّها لمَّا بلغها الحديث الذي يرويه أبوهريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يُدخِل يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثًا)
(3)
فقالت رضي الله عنها: (يا أبا هريرة، فما نصنع بالمهراس؟)
(4)
وهذه الرِّوايةُ لا تثبتُ عن عائشة، ولا عن ابن عباس رضي الله عنهم،كما صرَّح بذلك الحافظُ ابن حجر؛ حيث قال معقبًا على إيراد بعض الأصوليين لها: (يعني أنَّ ابن عبّاس، وعائشة رضي الله عنهم، خالفا حديث أَبي هريرة في الأمر بغسل اليد لمن استيقظ قبل إدخالها في الإناء، واستشكلاه بما ذُكِرَ، وتَبِع المُصنِّف
(5)
في ذلك كلام الآمدي= ولا وجود لذلك في شيءٍ من كُتُبِ الحديث
(6)
.
(1)
"السُّنن" لأبي داود السِجستاني (3/ 334)
(2)
انظر: "الاستذكار"لابن عبدالبر (3/ 12)،و"شرح السُّنّة"للبغوي (2/ 169)،و"المغني "لابن قدامة (1/ 123)
(3)
أخرجه مسلم في "الصحيح"كتاب "الطهارة"،باب"كراهة غمس المتوضي وغيره يده في الإناء"(1/ 233 - رقم [278])
(4)
المهراس: الحجر العظيم الذي تمتحن برفعه قوة الرجل وشدته ="النهاية"(1/ 253)
(5)
يعني: ابن الحاجب.
(6)
انظر: "موافقة الخُبْر الخَبَرَ"(1/ 461)
وهذا الاعتراض إنَّما يثبتُ عن قين الأشجعي؛ حيث قال لأبي هريرة رضي الله عنه لمَّا ذكر الحديث: (كيف إذا جئنا مهراسكم هذا؟) فقال أبوهريرة رضي الله عنه: (أعوذ بالله من شرّك يا قين)
(1)
وقين الأشجعي معدود في التَّابعين من أصحاب عبد الله بن مسعود رضي الله عنه لا في الصَّحابة
(2)
، فمعارضته خارجةٌ عن شرط هذه المُقدِّمة. ثم لوصحّ اعتراض عائشة لم يكن اعتراضها على حديث أبي هريرة لمخالفته معقولًا تحرر لديها؛ إذ لا معقول هنا يقتضي عدم وجوب غسل اليد قبل الإدخال في الإناء
(3)
ثم يُقال: لو كانت المُحاكمة العقليَّة للنصوصِ هي الأَصل والأَساسُ عندها رضي الله عنها =لما جرى إِنكارها على تلك المرأةِ التي سألتها قالت: أَتقضي إحدانا صلاتها أَيَّام حيضها؟ فكأنّ أمَّ المؤمنين رضي الله عنها سبق إلى نفْسها أن تلك المرأة تنتحل مذهب الحروريّةِ الخوارج الّذين يردُّون السُّنن. فقالت رضي الله عنها: أَحروريَّة أَنتِ؟ قد كانت إحدانا تحيضُ فلا تؤمرُ بالقضاءِ
(4)
.
قال العلاّمةُ أَحمد بن محمد شاكر رحمه الله مُحشَّيًا على هذا الأَثر: (وأَمرُ الحائضِ بقضاءِ الصومِ وترك أَمرها بقضاء الصلاة؛ إنّما هو تعبد صِرْفٌ، لا يتوقف على معرفة حِكْمَته، فإن أَدركناها فذاك، وإلَاّ فالأَمر على العين والرأْسِ =وكذلك الشأْنُ في جميع أُمُورِ الشَّريعة، لا كما
(1)
أخرجه أحمد في "المسند"(3/ 82 - رقم [8741])،وأبي يعلى في "المسند" (1060 - رقم [5966]) وسنده حسن =انظر:"الإرواء"(1/ 187)
(2)
انظر: "الإصابة في تمييز الصحابة"للحافظ ابن حجر (5/ 567)
(3)
انظر: "تيسير التحرير"(3/ 118)
(4)
أخرجه البخاري كتاب"الحيض" باب "لا تقضي الحائض الصلاة"(1/ 120 - رقم [321])، ومسلم كتاب "الحيض"باب "وجوب قضاء الصوم على الحائض دون الصلاة"(1/ 265 - رقم [335])
يفعل الخوارجُ، ولا كما يفعل كثيرٌ مِن أَهل هذا العصر: يريدون أَن يُحكِّموا عُقولهم في كُلِّ شأْنٍ من شؤون الدِّينِ، فما تقبلته قبلوه، وما عَجَزَت عن فَهمهِ، وإِدْراكه أَنكروه، وأَعرضوا عنه، وشَاعتْ هذه الآراءُ المُنكرةُ بين النَّاسِ، وخاصة المُتعلِّمين منهم، حتى ليكاد أَكثرهم يُعرضُ عن كثير من العبادات، ويُنكرُ أكثرَ أَحكام الشَّريعةِ في المُعاملات =اتِّباعًا للهوى، ويَزعمون أَن هذا ما يُسمُّونه روحَ التشريع أَو حكمة التشريع، وإنَّه لَيُخشى على من يَذهب هذا المذهب الرديء =أَن يَخرجَ به من ساحة الإِسلام المُنيرةِ إلى ظلام الكُفْرِ والردَّة والعياذُ بالله من ذلك، ونسأله أَن يَعْصِمنا باتِّباع الكتاب والسُّنّة والاهتداء بهديهما)
(1)
المثال الثالث:
مِن الأَمثلة كذلك التي قد يظنُّ أَنّها مما يكسر أصل أهل السنة في التسليم للنصوص =ما ورد من اعتراض عبد الله بن عبّاس رضي الله عنه على أَبي هريرة رضي الله عنه فيما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّه قال: (الوضوء ممّا مسَّت النَّار، ولو مِن ثور أَقط) فقال ابن عبّاس رضي الله عنه:يا أَبا هريرة، أَنتوضأُ من الدُّهنِ؟ أَنتوضأُ من الحميم؟! فقال أَبو هريرة: يا ابن أخي إِذا سمعتَ حديثًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تضْرب له مثلًا
(2)
.
فمعارضةُ ابن عبّاس رضي الله عنه للخبر ليست مؤسَّسةً على نَظَرٍ عقلي أصالة، وإنّما على جهة التبع لدلالة النصية، ذلك أنَّ ما يرويه أبوهريرة رضي الله عنه ليس هو المحكم الذي استقر عليه فعل النبي صلى الله عليه وسلم والذي
(1)
شرح الشيخ أحمد شاكر لسنن الترمذي (1/ 235)
(2)
أخرجه الترمذي في "السنن" كتاب " الطهارة " باب "ما جاء في الوضوءمما غيرت النار "(1/ 114 - 115) وصحّح إسناده الشيخ أحمد شاكر، وحسَّنه الألباني انظر:"صحيح الجامع"(1/ 1201)
شَهِده ابن عباس منه صلى الله عليه وسلم =وإنما المحكم و آخر الأمرين منه صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء ممَّا مَسَّت النار. لذا روى ابن عباس أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم (جمع عليه ثيابه ثم خرج إلى الصلاة فأُتي بهديَّةٍ خُبْزٍ ولَحْمٍ. فأكل ثلاثَ لُقَمٍ. ثُمَّ صلَّى بالنَّاس. وما مسَّ ماءً)
(1)
فلمّا رأى ابن عباس إصرار أَبي هريرة على التحديث بما نُسِخ حكمه =أبان عن المحكم في هذه المسألة واعتضد بضَرب المعقول المُبرهن على صِحَّةِ ما شهده من النبي صلى الله عليه وسلم.
ومما يُقيمك على الواضحة في ذلك وينفي عنك حوائم الرَّيب =ماتراه من جمعه رضي الله عنه بين ما شهده من النبي صلى الله عليه وسلم وبين المعقول الشرعي المُبرهِن على صحة ما ذهب إليه كما في الرواية الأخرى: فعن محمد بن عمرو بن عطاء قال: كنتُ مع ابن عباس في بيت ميمونة في المسجد، فجعل يعجبُ ممن يزعمُ أنَّ الوضوء ممَّا مَسَّت النار، ويضرب فيه الأمثال، ويقول: إنَّا نستحمُّ بالماء المُسَخَّنِ، ونتوضأ به وندَّهن بالدُّهن المطبوخ. وذكَرَ أَشياء مما يُصيب النَّاس ممَّا قد مَسَّتِ النَّار، ثم قال: لقد رأيتني في هذا البيت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد توضأ ولبِس ثيابَه، فجاء المؤذن فخرج إلى الصَّلاة حتَّى إذا كان في الحُجْرَةِ خارجًا من البيتِ لقيَته هدية عضو من شَّاة، فأكل منها لقمة -أو لُقمتين -ثُمَّ صلّى وما مسَّ ماء)
(2)
. قال الإمام البيهقي بعد سوقه لرواية ابن عباس رضي الله عنه: (فيه دلالةٌ على أَنَّ ابن عبَّاسٍ شهد ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم)
(3)
والرِّواية الأخرى التي أخرجها مسلم مُصرِّحة
(1)
رواه مسلم في صحيحه: كتاب "الحيض"باب"نسخ الوضوء مما مست النار"(1/ 275 - رقم [359])
(2)
أخرجها البيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 153)
(3)
المصدر السَّابق (1/ 153)
بشهوده رضي الله عنه إذ فيها أنَّ ابن عباس شهد ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم
(1)
.
لذا كان من فقه الإمام الترمذي رحمه الله-بعد أَن أَورد حديثَ أَبي هريرة رضي الله عنه أَن أعقبه ببابٍ عَنْون له بـ "ما جاء في تركْ الوضوء ممّا غيَّرتِ النَّارُ" ثم ساق بسنده حديث جابر رضي الله عنه وفيه (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأَنا معه، فدخل على امرأةٍ من الأَنصار فذبحتْ له شاةً فأكلَ، وأَتته بقناع من رطب فأكل منه، ثمَّ توضأ وصلّى، ثم انصرف، فأتته بعُلالة من علالة الشَّاة فأكل، ثم صلّى ولم يتوضأ)
(2)
ثم قال: (والعمَلُ على هذا عند أَكثرِ أَهل العلم من أَصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، والتَّابعين، ومن بعدَهم
…
وهذا آخرُ الأَمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكأنَّ هذا الحديث ناسخٌ للحديث الأَوَّلِ =حديثِ الوضوء مما مسَّت النار)
(3)
فإن قال قائلٌ: دعوى أَن النظر العقلي لم يكن مُحكَّمًا عند هؤلاء الصحابة بالأَصالةِ =دعوى بُنيت على الظّن، والظَّنُ مذموم، ثم لنا أَن نقلب عليكم الدَّعوى ونقول: إنّ المُحكّمَ عند ذاك الجيل هو النظر العقلي و الدلائل الشَّرعيةِ تقع على سبيل الاعتضاد؟
فيُقال: البرهان على صدقِ ما سبق بيانُهُ وتوضيحه، ما يلي:
1 -
الآثار المتكاثرة عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتي في جُملتها تدلُّ دلالةً تقطعُ الشَّك وتزرع اليقين =على تعظيمهم لسنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم،
(1)
أخرجه مسلم في صحيحه كتاب "الحيض"باب"نسخ الوضوء مما مست النار"(1/ 275 - رقم [359])
(2)
أخرجه الترمذي في سننه: كتاب "الطهارة"،باب "ما جاء في ترك الوضوء مما مسَّت النَّار"(1/ 116 - 117 - رقم [80]) وصححه العلاّمة أحمد شاكر
(3)
المصدر السابق (1/ 119 - 120)،وهو مذهب الخلفاء الراشدين ترك الوضوء ممامسته النار -إلاّ لحم الجزور- انظر:"معرفة السنن والآثار "للبيهقي" (1/ 447)،و"المجموع" للنووي (2/ 69)،والنَّفح الشَّذي"لابن سيد الناس (2/ 250)
واتِّهامهم لرأْيهم عند سُنَّته صلى الله عليه وسلم، ولذلك عَقدَ "الخطيب البغدادي " رحمه الله بابًا في كتابهِ "الفقيه والمُتفقِّه" وَسَمه بـ " ذكْرُ ما روي من رُجوع الصحابةِ عن آرائهم التي رأوها إلى أَحاديثِ النبي صلى الله عليه وسلم إِذا سمعوها ووعوها)
والمقامُ يستدعي ذكر بعض تلك الصور النيَّرة التي تُبرهن على تعظيم ذلك الجيل لسنته صلى الله عليه وسلم
أ- فعن سعيد بن المُسيّب قال: كان عمرُ بن الخطَّاب يقول: الدِّية للعاقلةِ لاترثُ المرأةُ مِن ديةِ زوجها شيئًا.
فقال له الضحاك بن سُفيان: كتب إليَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: أَن أورّث امرأة أَشيم الضبابي من دية زَوجها. =فرجع عُمرُ عن قوله
(1)
.
فرجوعه رضي الله عنه عن رأيه -وهو الخليفة الرَّاشد- علامة على تعظيمه رضي الله عنه للسُّنن.
ب- ما ورد عن ابن عمر رضي الله عنه أَنّه كان يكْري
(2)
أَرض آل عمر، فسأل رافع بن خُديج، فأخبره (أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء الأَرضِ) =فترك ذلك ابن عمر رضي الله عنه
(3)
بل ثبت عنه أَنّه رضي الله عنه كان يُكري مَزارعه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي إمارة أَبي بكر وعمرَ وعثمانَ، وصَدْرًا من خِلافة معاوية حتى بلغه في آخر خلافةِ معاوية، أنَّ رافعَ بن خديج يُحدِّثُ فيها بنهي عن النبي صلى الله عليه وسلم
(4)
؛فترَكه رضي الله عنه طواعيةً لله بعد هذا العمر في
(1)
أخرجه أَبو داود في "السُنن" كتاب" الفرائض" باب"في المرأة تَرثُ دية زَوجِها "(3/ 227 - 228_رقم [2927])، والترمذي كتاب"الفرائض" باب"ما جاء في ميراث المرأة من دية زوجها "(4/ 371 - رقم [2110]) دون ذكر رجوع عمر، وابن ماجه كتاب "الدِّيات " باب"الميراث من الدِّية" (2/) وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، والخطيب البغدادي= =في "الفقيه المتفقه "(2/ 364 - رقم [359])
(2)
الكراء: الإجارة =معجم لغة الفقهاء (347)
(3)
أخرجه مسلم كتاب "البيوع" باب"كراء الأرض"(3/ 1179 - رقم [1547])،والخطيب البغدادي (2/ 368 - رقم [367])
(4)
أخرجه مسلم في كتاب"البيوع" باب"كراء الأرض"(3/ 1180 - رقم [1547])
العمل بما علمه من النبي صلى الله عليه وسلم فما أَن بلغته سُنةٌ عن رسول الله =حتى لزِم غرزها، وانقاد لها.
ج- فعن أبي الجوزاء قال: سألت ابن عبَّاس عن الصَّرف
(1)
فقال: (يدًا بيدٍ لا بأس به) ثم حججتُ مرَّة أُخرى، والشيخُ حيٌّ، فأتيته فسألته عن الصَّرف قال:(وزنًا بوزنٍ) قلتُ له -القائل أبو الجوزاء-: إنَّك كُنت أَفتيتني اثنتين بواحد، فلم أَزل أُفتي به منذُ أَفتيتني =قال ابن عباس: كان ذلك عن رأْيٍ، وهذا أَبو سعيد الخُدري يُحدِّثُ عن النبي صلى الله عليه وسلم، فتركتُ رأيي لحديثِ رسول الله صلى الله عليه وسلم)
(2)
د- بل يبلغ الأَمر في ذات السُّنّة إلى الهجر والتقاطع: فعن سالم بن عبدالله بن عمر عن أَبيه أَنَّه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تمنعوا نساءكم المساجد إذا استأذنّكم إليها) قال: فقال بلال بن عبد الله: والله لنمنعهن. فأقبل عليه عبدالله بن عمر فسبَّه سبًّا سيئًا ما سمعته سبّه مثله قط، وقال: أُخبرُك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم،وتقول والله لنمنعهن!!
(3)
والآثار في ذلك كثيرة جدًّا ليس المقام مقام إحاطة بالمرويّ في هذا الباب، إذِ المقصود بيان أَن المتقرر لدى ذاك الجيل هو تعظيم السُّنّة، واطِّراح كلِّ ما يُخالفها من الآراء.
(1)
الصرف: مبادلة نقد بنقد =انظر: معجم لغة الفقهاء (244)
(2)
أخرجه أحمد في المسند (3/ 51)،وابن ماجه في "السُّنن"كتاب "التِّجارات"،باب"من قال لا ربا إلّا في النَّسيئة"(2/ 759 - رقم [2258]) مُختصراً، والبيهقي في"السُّنن الكبرى" (5/ 282) والخطيب البغدادي (1/ 369 - رقم [369]) وإسناده صحيح =انظر:"إرواء الغليل"(5/ 187 - 188)
(3)
أخرجه مسلم في كتاب" الصلاة " باب"خروج النساء إلى المساجد "(1/ 327 - رقم [442])
2 -
ومن البراهين الدَّالة على أَنَّ النَّظر الشَّرعي هو المقدّم = انتفاء ما يدلُّ دلالة مُحَقَّقةً على نقيض ما هو ثَّابت عنهم من التعظيم للسنة والانقياد لها.
3 -
أَن ذلك النَّظر الذي وقع من بعض صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن نظَرًا، ورأْيًا صرْفًا فذلك لا يكون إلَّا من أَهل الأهواء، الّذين حذّر منهم عمر بن الخطاب صحابةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله:(أصبح أهل الرَّأي أَعداء السُّنن، أَعيتهم الأحاديثُ أَن يعوها وتفلّتت منهم أن يرووها، فاستبقوها بالرأْي)
(1)
بل كان من النظر المستعصم بالدلائل الشَّرعية.
ثم قد يكون هذا الدَّليلُ الشّرعي مُحْكمًا، وقد يكون قد دخله النسخ، أو التخصيص، أو التقييد، أَو يكون قد دخل الوهم في تحمُّل الرِّواية. كلُّ ذلك قد يقع.
4 -
أَنَّ شاهدَ العقل يُحيلُ أَن يكون أولئك الكرام الجلّة من أَصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يستسيغون ردَّ أحاديثه، ويتجاسرون على تركْ العمل بها =لا يقولُ ذلك إلَاّ جاهل بحالِ أولئك الأبرار، وما استفاض عنهم من طواعيتهم لله استفاضةً تُحيلُ ذلك عليهم.
= وخلاصة القول: أنَّ التمعقل على النَّص الشَّرعي ليس ثابتًا عن الصحابة رضي الله عنهم. وإنّما المستقرّ تعظيم النَّصِ، والتسليم له، وهذا التسليم هو معطى عقليٌ، ونتيجةٌ بدهية لقيام البرهان لديهم على صدقه صلى الله عليه وسلم وعصمة شريعته، وجريانها على منهج العقل الفطري.
وإنَّما المتحقق من حالهم انقداح الاستشكال لدى بعضهم في فهم بعض النصوص، فيأتي الجواب النبوي رافعًا لما استُشْكِل. كما ثبت من جوابه صلى الله عليه وسلم لعُمر حين أشكل عليه مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل القليب
(2)
.
(1)
أخرجهما ابن عبد البر في "جامع بيان العلم "(2/ 1041 - رقم [2001 - 2002])
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه كتاب "المغازي " باب "قتل أبي جهل"(3/ 86 - رقم [3976])، ومسلم كتاب "الجنَّة وصفة نعيمها وأهلها"،باب"عرض مقعد الميت من الجنة والنار عليه"(4/ 2204 - رقم [2875])
وكما ثبت من جوابه لعائشة لمّا أَشكل عليها قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من نوقش الحساب عُذِّب)
(1)
وكاستشكالهم حشْر صنفٍ من الناس يوم القيامة على وجوههم، كما ثبت عن أَنس بن مالك رضي الله عنه،أنَّ رجلًا قال: يا نبيَّ الله كيف يُحْشر الكافرُ على وجْهِهِ يوم القيامة؟ قال صلى الله عليه وسلم: (أليسَ الَّذي أَمْشَاهُ على الرِّجلين في الدُّنيا قادرًا على أَن يُمْشيه على وجهه يوم القيامة)
(2)
وغيرها من الشواهد الدَّالة على إعمالهم العقل في فهم الدَّلائل =أو حصول المعارضة للنَّصِّ بعد وفاته صلى الله عليه وسلم بدليل شرعي قد يعتضد بنظر عقلي يؤيده لا بمعقول محض، وذلك في وقائع نادرة كما تقدم.
وبالجملة: فإنَّ الحديثَ متى كان صحيحًا محكمًا، فالأمر فيه كما قرَّره الإمام الشَّافعي رحمه الله عندما سئل بأي شيءٍ يثبت الخبر، فقال:(إذا حَدَّث الثقةُ عن الثقةِ حتى ينتهي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يُترك له حديثٌ أَبدًا= إلا حديثٌ واحدٌ يُخالفُه حديثٌ، فيذهب إلى أَثبت الرِّوايتين، أو يكون أَحدهما مَنسوخًا فيعمل بالنَّاسخِ، وإن تَكَافيَا =ذَهَبَ إلى أشبههما بكتاب الله وسنة نَبيِّه فيما سواهما. وحديث رسول صلى الله عليه وسلم مستغن بنفسه وإذا كان يروى عمن دونه حديث يخالفه لم ألتفت إليه وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى)
(3)
.
(1)
أخرجه البخاري كتاب"العلم" باب"من سمع شيئاً فراجع حتى عرفه"(1/ 54 - [103])
(2)
أخرجه البخاري في "صحيحه" كتاب "التفسير"،باب"سورة الفرقان"(6/ 109 - رقم [4760]) ومسلم في "صحيحه"كتاب "صفات المنافقين وأحكامهم"،باب"يحشر الكافر على وجهه"(4/ 2161 - رقم [2806])
(3)
أخرجه الهروي بإسناده في "ذمِّ الكلام وأهله"(2/ 175) ،وهو في كتاب"اختلاف مالك والشَّافعي"(8/ 513 - 514 - الأم)،وإنَّما سُقتُ ما أخرجه الهروي مع وجود الأَصل؛ لأنَّ الرِّواية عنده مختصرة ودالَّة على المقصود
وحينئذٍ كان قول من ردّه أو تأوّله على خلاف ظاهره =مرجوحًا، ويكون الصواب مع ما دلَّ عليه الحديث. يقول الإمام ابن تيمية رحمه الله:(ما علِمْنا أحدًا من الصَّحابة والتَّابعين مع فضل عقلهم، وعلمهم، وإيمانهم؛ ردُّوا حديثًا صحيحًا وتأولوه على خلاف مُقتضاه، لمخالفة ظاهر القرآن في فهمهم، أو لمخالفة المعقول، أو القياس=إلا كان الصَّوابُ مع الحديثِ ومَن اتَّبعهُ، فكيف بمن بعدهم؟! وهذا من معجزات الرَّسول، وآيات حفظِ دينِهِ وشرعه وسُننِه)
(1)
.
* * *
(1)
"جواب الاعتراضات المصرية"للإمام ابن تيميَّة (76)
الباب الأول
دَفْعُ دَعْوَى المُعَارِضِ العَقْلِيِّ
عن الأحاديث المتعلّقةِ بالإيمانِ والتَّوحيدِ
وفيه فصلان:
- الفصل الأول: دَفْعُ دَعْوَى المُعارِض العَقْليِّ عن الأحاديث المتعلّقة بحقيقة الإيمان والشفاعة.
- الفصل الثاني: دَفْعُ دَعْوى المُعَارِض العقلي عن أحاديث الألوهيّة.