الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاتِّساق بين الدلائل الشرعية. ولا يتحقق ذلكَ إلا بلزوم سابلة المنهج السلفي المعصوم.
وإن من واجب الوقت ، وحق الدّيانة= النُّهودَ إلى مُراغَمَةِ هذه الأَهواءِ المُضَلِّلةِ ، والفِتن المتماحلةِ؛ بِنُصرةِ السُّنن، وذلك بدفْعِ ما يعارضُها مِنْ شُبَهِ المعقولات ، وإِزهاقِ ما يناقضها من أَغاليط السفسطات.
وما هذا المرقوم إلَاّ تَأخٍّ لهذا المقصد ، لِيكون لَبِنةً متواضعةً من لبنات النّزَال مع الباطل، وحلقة تَتّصِلُ أَسبابُها بأسباب تلك الصحائف المباركة، التي خَطَّها أَئمَّةُ أهل السُّنَّة؛ باستحياءِ مناهجهم ، وتوظيفِ كُلّيات طرائقِهم. وقد وُسِمَ بـ "دفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث المتعلقة بمسائل الاعتقاد " دراسةٌ لما في الصحيحين.
-
أَهمية الموضوع ، ودوافعُ اختياره:
تتجلّى أَهمّيةُ هذا الموضوع في التالي:
1 -
أَنّ فيه تجليةً للحقِّ ، وإِمعانًا في تحقيق إحدى كليات الاعتقاد التي لَهَج أهل السنة في تقريرها = مِنْ أَنَّ الرُّسل قد تأتي بِمُحارات العقول، لا بما تحيله وتُناقِضه. وتوظيفًا للأُصول الرَّاسخةِ المُحْكَمة التي قرّرها أئمةُ السّلف رحمهم الله؛ وذلك بتخريج آحادِ وأعيانِ النصوص المُدعَّى معارضُتها للضرورة العقليَّة على تلك القواعدِ والأُصول. وذلك من الأَهمية بمكان؛ إذ القواعدُ لا تُتَصَوَّرُ إلاّ في الأَذهان، وإِعمالها على آحاد النصوص هو المقصود.
2 -
بيان أَنَّ حَظَّ أَهلِ السُّنة من مَوارِدِ العقول أَتَمُّ الحظِّ وأَعلاه ، وأَنَّ من خَالَفَهم إِنما يرتكز على جهالاتٍ يَظُنّها معقولاتٍ ، وشُبهات يَحسِبُها حقائقَ جليّاتٍ. فدعوى معارضة الضرورة العقلية للدلائل النقلية
= أَشْبَهُ بالَظْرف الخالي ، فهي كوميضِ برْقٍ يخطِفُ أَبصارَ من أَراد اللهُ فتنتَه. فإذا قرَّت الأُمورُ قرارَها، وعطفتِ الفروعُ على أُصولها؛ أَلفَيْتَها مُطّرَحةً مع نظائرها من أَصناف الباطل.
3 -
أَنّ في دراسة هذا الموضوع إعلاءً للسُّنّةِ ، وإحْلالًا للتعزير والتعظيم مكان الرّدِّ والتحطيم ، ودَفْعًا في صدور الذين يتناولون سُنّة المصطفى عليه الصلاة والسلام بِنَفَسٍ مَشُوبٍ بمرضِ التجهيلِ والتعطيل لدلالات تلك النّصوص.
4 -
ظهور عَدوى الاستطالة على النصوص -بدعوى معارضتها للعقل- بين بعض المنتسبين للسُّنّة؛ وذلك تحت وطْأةِ الضغوطِ النفسيَّة ، والإِرجافِ الأَثيم الذي يجابهُ أَهلَ السُّنة بوصفهم بِشِنَعِ التعيير ، وسيئِ الألقابِ؛ كَرَمْيِهم بالتخلُّفِ والرجعيّة ، وعبادةِ النصوص ، والبَداوَةِ الفكريّةِ ، والنُّصوصيّةِ ، والظَّلامِيَّةِ ، والسّلفَوية = إلخ تلك الشِّنَعِ الفَجَّةِ ، والأَوصافِ الأثيمَةِ ، التي أَجلبَ بها أَهل الأَهواء على السائرين على السَّننِ الأَبْين في الاعتقاد ، وراوَدُوا بها أَهلَ الحق عن اعتقادهم المنبعث عن يقين بصحّة أصولهم. فكان مِن جرّاء ذلك: أَنْ وقع في شَرَاكِ إِجْلابهم فئامٌ ، وصُرِعَ في زَوْبعةِ خَوضِهم أَقوامٌ؛ مما استدعى بيانَ أنّ ذلك الإِجلابَ إنّما هو جَوْلةُ باطلٍ ، متى لَقِيَ في طريقة الحقائقَ تكتنفُها البراهين = زالَ، واضْمحلّ.
5 -
ليس هُناك - حسب اطلاعي القاصر - من قام بمعالجة المعارضات العقليَّة المدَّعَى معارضُتها للأحاديث الاعتقادية -على جهة الخصوص دون غيرها من المُعارضات - في دراسة جامعة تتسم بالإيعاب إلى حدٍّ ما؛ بل كلام أَهل العلم في هذا الباب نُتَفٌ مُتفرِّقة في مَنَاجِمِ زُبُرِهم ، وأُمّاتِ أَسفارِهم. فكانت الحاجة إلى دراسةٍ تحقِّق قدْرًا من ذلك، مع لَحْظِ تجدُّد الشبهات والمعارضات في هذا
الزمان؛ مما يستدعي نظرًا آخر ينضاف إِلى ما سبق من الأَنظار.
6 -
أَنّ وقوعَ الطعن فيما هو في أَعلى مَراتبِ الصّحة من الأخبار النبوية، ممثلًا ذلك في صحيح البخاري ومسلم -رحمهما الله- مُؤْذِنٌ بخَطَرٍ عظيمٍ جدًّا على معاقِد الدين وأُصوله ، ودليلٌ على شِدّةِ انحراف الخائضين، وعدم مبالاتهم بما هو في منأى عن الطعون عند علماء الأمة.
7 -
وجودُ من يبعث الحياةَ في رُفاتِ هذه الوساوِس في زَمانِنِا؛ باتّخاذ قنواتٍ شتّى ، ووسائلَ عديدةٍ؛ خصوصًا ممن يتربعون على كراسي التدريس في الجامعات. ومن أشدها كيدًا: توافُر نَفَرٍ من الطاعنين على مَشَاريعَ تُبذَل فيها أَعمارُهم ، وتُقضَى فيها أنفاسُهم، وتُحقرُ فيها ملذّاتُ الدنيا في سبيل تفكيك الدين وهدمِه. والأَلْأَم من ذلك: اتخاذُ الجامعاتِ مَسَاجدَ ضرارٍ لتفريغ هذا الفِكر المادي، متمثلًا ذلك بسلسلة من الأَطاريحِ الجامعية التي يشرف عليها أولئك المستغربون، متناولةً تلك الأطاريحُ السُّنةَ وعلومَها بأَقلامٍ حِدادٍ. فأضحت السُّنة نَهْبًا لهذا الفريقِ المسلوبِ، الخائض بهوى جامح ، وشَكٍّ مُغْرِقٍ.
8 -
دَفْعُ عجلة الرُّقي الحضاري للأُمّةِ؛ لأنَّه متى اطمأنّت القلوبُ بسلامةِ ما انعقدت عليه = انبعثتْ الجوارحُ إِلى إِعمار الأَرض على وفق ما يُرضِي الله تعالى. ذلك أنّه "متى زاغت العقائد كانت أَعمالُ صاحبها بمنزلةِ مَن يَرْمي عن قوسٍ مُعوجّةٍ".
وإذا كان في الأنابيب حَيْفٌ
…
وَقَعَ الطَّيشُ في صدور الصّعادِ
9 -
تحقيقًا للنّصرةِ ، وحياطةً لمعاقل الاعتقادِ من أن تُكدَّر بما هو في حقيقته أَجنبي عنها. ومحبةً في معايشة السُّنةِ، والتفيُّؤِ بظلِّها الوارف.
وقد انطوت هذه الرِّسالةُ على تمهيد في تضاعيفه أَربعة مباحث، يتلوه خمسةُ أَبوابٍ مُدارةٍ على أُصول الإيمان وأَركانه. ما خلا ما يتعلق