الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي على الأحاديث الدَّالة على وجود الجن والشياطين:
احتج المنكرون لوجود الجن والشياطين بعدد من المعارضات العقليَّة. وضَبْط القول فيها: أَنَّها ترجع عند التحقيق إلى شُبْهةِ عَدَم شهود الحسّ لهاتين الحقيقتين. وهذه الاعتراضات كالآتي:
الاعتراض الأول: إن الجنّ لو كانوا موجودين يلزم؛ إمّا أن يكونوا أجسامًا كثيفة، أو لطيفة. والقسمان باطلان = فبطل القول بوجودهم؛ وذلك أنه يمتنع أن يكونوا أجسامًا كثيفة، ثم لا يقع تسليم الحس بإدراكهم. وكذلك يمتنع أن يكونوا أجسامًا لطيفةً؛ إذ لو كانت كذلك لوجب أن تتمزّق، أو تتفرّق عند هبوب الرياح العاصفة القويّة، ويلزم أيضًا: أن لا يكون لها قوة وقدرة على الأعمال الشاقّة
(1)
.
الاعتراض الثاني: أن هذه الأشخاص المسمّاة " الجنّ" إن كانوا حاضرين في هذا العالَم مُخَالِطين للبشر فالظَّاهر الغالب أن يحصل لهم بسبب طول المُخالَطةِ أحدُ أمرين: إما صداقةٌ، أو عداوة. فإن حصلت الأولى وَجَب ظهور المنافع بسبب تلك الصداقة. وإن كانت الأخرى وجب ظهور المضار، بسبب تلك العداوة = والواقع أنه لا يُرى أثر؛ لا من تلك الصداقة، ولا من تلك العداوة. وانتفاءُ الأثر يدلّ على انتفاء المؤثّر
(2)
.
الاعتراض الثالث: أَنَّ طريقَ إثبات وجود الجنّ؛ إمَّا أن يكون الحسّ، وإمَّا الخبرُ:
(1)
انظر: "مفاتيح الغيب" للرَّازي (1/ 80).
(2)
انظر: "المصدر السابق"(1/ 80).
فالأول: لم يدل على وجودهم؛ لأَنَّ وجودهم إمّا بالصورة، أو الصوت. فإذا كُنّا لا نرى صورةً ولا سمعنا صوتًا؛ فكيف يمكننا أن ندّعي الإحساس بها.
والثاني: وهو ثبوت وجودهم بأخبار الأنبياء والرسل = فباطل؛ لأَنَّ هذه الأشياء لو ثبتت لبطلت نبوة الأنبياء؛ فإن على تقدير ثبوتها يجوز أن يقال: إن كلّ ما تأتي به الأنبياء من المعجزات، إنما حَصَل بإعانة الجن والشياطين = وكلُّ فرْعٍ أدّى إلى إبطال الأصْل كان باطلًا
(1)
.
الاعتراض الرابع: إذا كان الجن موجودين حقًّا فلِمَ لم ينصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابَه في جهادهم في الذود عن دين الله؟!
وفي تقرير هذا الاعتراض، يقول "محمد منير أدلبي" القادياني: (والإشكال هنا هو: على فَرْض أَنَّ الجنَّ الذين آمنوا بالإسلام بعد أن استمعوا للقرآن كانوا يملكون - كغيرهم من الجنّ - القُوى الجِنيَّة الخارقة = فلماذا لم يهبّوا بقدراتهم الخارقة الخفيّة لنصر محمد صلى الله عليه وسلم؛ طاعةً لأمر الله تعالى؟
…
)
(2)
.
(1)
انظر: "المصدر السابق"(1/ 80) .
(2)
"أبناء آدم من الجن والشياطين" محمد منير أدلبي (90 - 91) .