الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي عن الحديثين
المعارض الأوَّل: أن تعليل صياح الديك بكونها رأت مَلَكًا، مع تقرر أن لكل ابن آدم ملائكةً حفظة وملكين يكتبان أعماله = يلزم منه: أن تصيح الديكة ليل نهار كلما رأت إنسانًا؛ لرؤيتها الملائكة مع كل إنسان، وهذا لم يحدث = فالحديث كذِبٌ على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لتكذيب الواقع المحسوس له. هذا ما يتعلق بتعليل صياح الديك.
وكذا تعليل نهيق الحمار برؤيته الشيطان؛ فإنه يشكل عليه أن المتقرر شرعًا أن لكل إنسان شيطانًا موكلًا به، وأن الشيطان كثير الوسوسة لبني آدم؛ فلو كانت العلة كما ذكر في الحديث = لوجب أن تنهق الحمر في الأوقات كلها، ولدى رؤيتها للناس.
بل إذا وضعنا الحديث بجانب حديث: "إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان" مع كثرة ما يصادف وجود حمار -أو حمير- عند المسجد، مع انتفاء سماع نهيق الحمار حينئذ = يلزم منه حسب حديث المناداة =خروج الشيطان له ضراط. وحسب الحديث الثاني: أن الحمار يرى الشيطان، وينهق عند رؤيته!
المعارض الثاني: كيف يدرك الحمار والديك مالا يدركه الإنسان، مع كونهما أقل إدراكًا ومَلَكةً من الإنسان؟
وفي تقرير هاذين المعارضين اللَّذين تفرّد بهما "إسماعيل الكردي" يقول: (ورد في الحديث استحباب الدعاء عند سماع صوت الديك، خاصة أن الديك يصيح عند الفجر، فيوقظ الناس لصلاة الفجر. وورد أن صياح الديك تسبيحه، أما كون صياح الديك سببه أنه يرى ملاكًا = فهذا من غرائب المرويات عن أبي هريرة [رضي الله عنه] ويبدو لي أنه إضافة مدرجة
من حديث أبي هريرة، ظن الرُّواة أنها مرفوعة، ذلك؛ لأَنَّ التعليل لسبب صياح الديك يُشكِل عليه: أن القرآن الكريم والحديث نصّا على أن لكل ابن آدم ملائكةً حفَظَةً، وملكين يكتبان أعماله. وعليه؛ فالمفروض أن تصيح الديكة ليل نهار كلما رأت إنسانًا؛ لأجل أنها ترى معه أولئك الملائكة، مع أن شيئًا من هذا لا يحدث!
وقديمًا قال علماء الحديث: أكذبُ الحديث ماكذّبته المشاهدة، والواقع المحسوس.
وكذلك تعليل نهيق الحمار برؤيته لشيطان؛ فإنه يشكل عليه: ما ورد في صحيح الحديث أن لكل إنسان شيطانًا موكلًا به، ومثله ما جاء في القرآن الكريم من وجود القرين للإنسان:{وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (25)} فصلت. وقد بين لنا الحق تعالى أن الشيطان كثير الوسوسة للإنسان، وعلّمنا أن نستعيذ بالله من شَر الوسواس الخناس
…
إلخ والحاصل أن الناس في غالب أحوالهم مُعرَّضون لمحاولات الإضلال من قبل الشيطان، ولوساوسه. فلو كان نهيق الحمار سببه رؤية الشيطان = لوجب أن تنهق الحمير في الأوقات كلها، ولدى رؤيتها للناس! ويلزم: أنه إذا كان الإنسان راكبًا حمارًا، فكلما وسوس له الشيطان بشيء وجب أن ينهق الحمار من تحته لرؤيته الشيطان!
وكذلك يُشْكِلُ متن الحديث إذا وضعناه بجانب الحديث الأخير؛ حيث كثيرًا ما يكون حمار أو حمير - في القرى - على باب مَسْجد أو قريبًا منه، ثم نرى أن المؤذن يؤذن ولكن لا نسمع نهيق الحمار! مع أنه من المفروض حسب الحديث الأول: أن الشيطان خرج من المسجد له
ضراط، وحسب الحديث الثاني: أن الحمار يرى الشيطان، وينهق عند رؤيته!.
هذا عدا عن التساؤل: كيف يكون للحمار والديك - وهما أدنى مستوى وأقل بكثير عقلًا ومَلَكة واستعدادًا من الإنسان - أن يريا مالا يراه الإنسان، ويدركا مالا يدركه؟! مع أن القرآن إذا أراد أن يضرب مثلًا لجهالة الإنسان بكافر، وتعطّل حواسه عند رؤية الحق شبّهه بالحيوان، فقال عن الكفار مثلًا:{إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ} الفرقان: 44 .... )
(1)
.
(1)
"نحو تفعيل قواعد الفقه من الحديث "إسماعيل كردي (ص 276 - 277) .