الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: سَوق دعوى المعارِض العقلِي على حديث: (لا يُدخل أَحدًا الجنَّة عَملُهُ)
احتجّت المعتزلة في إبطال دلالة الأحاديث المتقدمة بما يلي:
الأول: أن التكليف بالأمور الشاقَّةِ يجب أن يكون مقابل منفعة الثواب = وإلَّا كان حصول التكليف من الله بذلك قبيحًا؛ والله لا يختار القبيح.
وفي ذلك يقول القاضي عبد الجبّار: « .. فاعلم أنه تعالى إذا كلّفنا الأفعال الشاقّة؛ فلا بدّ من أن يكون في مقابلها من الثواب ما يقابله؛ بل لا يكفي هذا القدر حتى يبلغ في الكثرة حدًّا لا يجوز الابتداء بمثله، ولا التفضُّل به، وإلاّ كان لا يحسن التكليف لأجله»
(1)
.
ويقول أيضًا في موطن آخر: «اعلم أنه تعالى قد ثبت أنّه لا يختار فِعْل القبيح؛ بكونه عالِمًا، غنيًّا. فيجب القطع على أنه لا يجوز أن يكلّف الأمور الشاقّة إلاّ على جهة التعريض للمنفعة = وإلاّ كان ذلك قبيحًا»
(2)
.
الثاني: أنّ نعيم الجنة خالصٌ لا يشوبه كدر؛ فلو كان دخولها على سبيل التفضُّل والرّحمة، لا على سبيل الجزاء والعمل = لأفضى ذلك إلى تحمُّل المِنّة. وتحمُّلُها ذِلّة عظيمةٌ، وكَدَرٌ في النّعمة. وهذا خلاف المتقرّر الثَّابتِ من أَنَّه لا كَدَر في الجنّة
(3)
.
(1)
"شرح الأصول الخمسة"(ص 614).
(2)
"المغني في أبواب التوحيد والعدل"(165 - 166 - قسم التكليف) وانظر أيضًا: (187 - مبحث: الأصلح، واستحقاق الذمّ).
(3)
انظر: "الإيضاح في أصول الدين"(ص 551).
وفي تقرير ذلك يقول الزمخشري في تفسير قوله تعالى: {وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ (3)} القلم: 3: «
…
غير ممنونٍ عليك؛ لأنه ثوابٌ تستوجبه على عملك، وليس بتفضُّلٍ ابتداءً، وإنما ثمن الفواضل، لا الأجور على الأعمال»
(1)
.
(1)
"الكشاف"(ص 1129) .