المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الأول دفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث المتعلقة بالآيات الحسية للنبي صلى الله عليه وسلم - دفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث المتعلقة بمسائل الاعتقاد

[عيسى النعمي]

فهرس الكتاب

- ‌بصائر

- ‌تقريظ فضيلة الشيخ الدكتور عبد الرحمن بن صالح المحمود حفظه الله تعالى

- ‌المقدمة

- ‌ أَهمية الموضوع ، ودوافعُ اختياره:

- ‌ خطة البحث

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأوَّل مفهوم المعارض العقلي المُدَّعى مُناقضته للنُّصوص الشرعية

- ‌المبحث الثاني ظاهر النص الشرعي بين القراءة العصين والقراءة النسقية

- ‌المبحث الثالث تقويض النظرة الاختزالية للسُّنَّة النبوية

- ‌المبحث الرَّابع تزييف دعوى استناد الصحابة رضي الله عنهم إلى المعقول المتمحض في محاكمة النُّصوص

- ‌الفصل الأولدَفْعُ دَعْوَى المُعَارِضِ العَقْلِيِّ عنالأحاديث المتعلّقةِ بحقيقة الإيمان والشفاعة

- ‌المبحث الأولدفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث المتعلّقة بحقيقة الإيمان

- ‌المطلب الأول: سَوْق الأحاديث المُدَّعى معارَضتُها للعقل:

- ‌المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي على الأَحاديث المتعلقة بحقيقة الإِيمان:

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث المتعلِّقة بحقيقة الإِيمان

- ‌المبحث الثانيدفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث المتعلّقة بالشفاعة

- ‌المطلب الأول: سوق أحاديث الشفاعة

- ‌المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي على أحاديث الشفاعة:

- ‌المطلب الثَّالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن أحاديث الشفاعةِ

- ‌الفصل الثانيدَفْعُ دَعْوَى المُعَارِضِ العَقْلِيِّ عنالأحاديث المتعلّقةِ بتوحيد العبادة

- ‌مبحث:دفع دعوى المعارض العقلي عن حديث: (لا تُشدّ الرّحال)

- ‌المطلب الأول: سَوْق حديث: (لا تُشدّ الرحال

- ‌المطلب الثاني: سَوْق دعوى المعارِض العقلي عن حديث (لا تُشدّ الرحال)

- ‌المطلب الثالث: دفْع المعارِض العقلي عن حديث (لا تُشدّ الرحال

- ‌الفصل الأول دَفْعُ دَعْوَى المُعَارِضِ العَقْلِيِّ عن الأحاديث المتعلّقةِ بعصمة الأنبياء

- ‌المبحث الأول دفع دعوى المعارض العقلي عن حديث سحر النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الأول: سوق ألأحاديث الدالة على سحر النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثَّاني: سوق دعوى المعارض العقلي على أحاديث سحر النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثَّالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن أحاديث سحر النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثَّاني دفع دعوى المعارض العقلي عن حديثي شقِّ صدر النبي صلى الله عليه وسلم، وإسلام شيطانه

- ‌المطلب الأوّل: سوق حديثي شقِّ صدر النبي صلى الله عليه وسلم، وإسلام شيطانه

- ‌المطلب الثاني: سَوْق دعوى المعارِض العقلي على حديثَيْ شقّ صدر النبي صلى الله عليه وسلم وإسلام شيطانه

- ‌المبحث الثّالث دفع المعارض العقلي عن حديث (لم يكذب إبراهيم عليه السلام إلا ثلاث كذبات)

- ‌المطلب الأول: سوق حديث (لم يكذب إبراهيم عليه السلام إلا ثلاث كذبات):

- ‌المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي على حديث (لم يكذب إبراهيم عليه السلام إلا ثلاث كذبات)

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن حديث (لم يكذب إبراهيم عليه السلام إلا ثلاث كذبات)

- ‌المبحث الثالث دفع دعوى المعارض العقلي عن حديث لطم موسى لملك الموت عليه السلام

- ‌المطلب الأوّل: سوق حديث لطم موسى عليه السلام لملك الموت

- ‌المطلب الثَّاني: سوق دعوى المعارض العقلي على حديث لطم موسى عليه السلام لملك الموت

- ‌المطلب الثَّالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن حديث لطم موسى عليه السلام لملك الموت

- ‌الفصل الثاني دَفْعُ دَعْوَى المُعَارِضِ العَقْلِيِّ عن الأحاديث المتعلّقةِ بآيات وبراهين الأنبياء

- ‌المبحث الأول دفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث المتعلقة بالآيات الحسِّيّة للنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثانيدَفْع دَعوى المعارِض العقلي عن أحاديث انشقاق القمر

- ‌المطلب الثاني: سَوْقُ دعوى المُعارِض العقلي على أحاديث انشقاق القمر:

- ‌المطلب الثالث: دفْع دعوى المعارِض العقلي عن أحاديث انشقاق القمر:

- ‌المبحث الثالثدَفْع دَعوى المعارِض العقلي عن أحاديث الإسراء والمعراج

- ‌المطلب الأول: سَوْق أحاديث الإسراء والمعراج

- ‌المطلب الثاني: سَوْق دعوى المعارِض العقلي على أحاديث الإسراء والمعراج

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارِض العقلي عن أحاديث الإسراء والمعراج:

- ‌المبحث الرابع دفع دعوى المعارض العقلي عن حادثة (سوخ قدمي فرس سراقة بن مالك رضي الله عنه

- ‌المطلب الأول: سَوْقُ حديث سُراقة بن مالك رضي الله عنه

- ‌المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي على حادثة "سوخ قدمي فرس سراقة بن مالك

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن حادثة "سوخ قدمي فرس سراقة بن مالك رضي الله عنه

- ‌الفصل الثالث دَفْعُ دَعْوَى المُعَارِضِ العَقْلِيِّ عن اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بعموم البعثة

- ‌مبحث دفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث الدالة على اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم.بعموم البعثة

- ‌المطلب الأول: سَوْق الأحاديث الدالّة على اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بعموم البعثة:

- ‌المطلب الثاني: سَوْقُ دعوى المُعارِض العقلي على الأحاديث الدَّالة على اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بعموم البعثة:

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المُعارِض العقلي عن الأحاديث الدالة على اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بعموم البعثة:

- ‌الفصل الأول دَفْعُ دَعْوَى المُعَارِضِ العَقْلِيِّ عن أحاديث أشراط السَّاعة

- ‌المبحث الأول دفع دعوى المعارض العقلي عن عموم أحاديث أشراط السَّاعة

- ‌المطلب الأول: سَوْقُ الأحاديث الدّالة على عموم أشراط السَّاعة:

- ‌المطلب الثاني: سوق المعارض العقلي على عموم أحاديث أشراط السَّاعة:

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي على عموم أحاديث أشراط السَّاعة:

- ‌المبحث الثَّاني دفع المعارض العقلي عن أحاديث المسيح الدجّال

- ‌المطلب الأول: سوق الأحاديث المتعلِّقة بالدجَّال:

- ‌المطلب الثَّاني: سَوْق دعوى المعارض العقلي على الأحاديث المتعلِّقة بالدجال:

- ‌المطلب الثَّالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث المُتعلقة بالدجال:

- ‌المبحث الثالث دفع دعوى المعارض العقلي عن حديث الجسّاسة

- ‌المطلب الأول: سوق حديث الجساسة:

- ‌المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي على حديث الجسّاسة:

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن حديث الجساسة:

- ‌المبحث الرابع دفع المعارض العقلي عن أَحاديث نزول المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام

- ‌المطلب الأول: سوق الأحاديث الدالة على نزول المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام

- ‌المطلب الثاني: سوق المعارضات العقلية المدعاة على أحاديث نزول عيسى عليها السلام

- ‌المطلب الثالث: نقض دعوى المعارض العقلي على أحاديث نزول عيسى عليها السلام

- ‌الفصل الثاني دَفْعُ دَعْوَى المُعَارِضِ العَقْلِيِّ عن الأحاديث المتعلّقة باليوم الآخر

- ‌المبحث الأوَّل دَفْعُ المُعارِضِ العقلِيّ عن أحاديثِ عَذَابِ القَبْر ونَعيمِهِ

- ‌المطلب الأوَّل: سوق أحاديث عذاب القبر و نعيمه:

- ‌المطلب الثاني: سَوْقُ دَعْوَى المعارِض العقليّ على أحاديث عذاب القبر ونعيمه:

- ‌المطلب الثالث: نَقْضُ دعْوَى المعارِض العقلي:

- ‌المبحث الثاني دفع دعوى المعارض العقلي عن أحاديث الميزان

- ‌المطلب الأول: سَوْقُ أحايث الميزان:

- ‌المطلب الثاني: سَوْق دعوى المعارِض العقلي على أحاديث الميزان:

- ‌المطلب الثالث: دفع دعْوى المعارض العقلي عن أحاديث الميزان:

- ‌المبحث الثالث دفع دَعوى المعارِض العقلي عن أحاديث الصِّراطِ

- ‌المطلب الأول: سَوْق الأحاديث الدَّالة على الصراط:

- ‌المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي على أحاديث الصراط:

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن أحاديث الصراط:

- ‌المبحث الرابع دَفْع دَعوى المعارِض العقلي عن الأحاديث الدالّة على وجود الجنّة والنّار

- ‌المطلب الأول: سَوْق الأحاديث الدالة على وجود الجنة والنار:

- ‌المطلب الثاني: سَوْق دعوى المعارض العقلي على الأحاديث الدالة على وجود الجنة والنار:

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث الدالة على وجود الجنة والنار:

- ‌المبحث الخامس دفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث الدَّالة على بقاء الجنة والنَّار

- ‌المطلب الأول: سوق الأحاديث الدالة على بقاء الجنة والنار:

- ‌المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي على الأحاديث الدالة على بقاء الجنة والنار

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث الدالة على بقاء الجنة والنار:

- ‌المبحث الأوَّل دفع دعوى المعارض العقلي عن حديث (احتج آدم وموسى)

- ‌المطلب الأوَّل: سوق حديث (احتج آدم وموسى)

- ‌المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي على حديث: (احتج آدم وموسى عليهما السلام

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن حديث (احتجَّ آدم وموسى عليهما السلام

- ‌المبحث الثَّاني دفْع دَعوى المُعارِض العقلي عن حديث: (إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم)

- ‌المطلب الأول: سوق حديث (إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم):

- ‌المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي على حديث: (إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم)

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن حديث (إنَّ الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم)

- ‌المبحث الثالث دَفْع دَعوى المعارِض العقلي عن حديث: (لا يُدخل أحدًا الجنَّة عمله)

- ‌المطلب الأول: سوق حديث: (لا يُدخل أَحدًا الجنَّة عَملُهُ)

- ‌المطلب الثاني: سَوق دعوى المعارِض العقلِي على حديث: (لا يُدخل أَحدًا الجنَّة عَملُهُ)

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارِض العقلي عن حديث (لا يُدخِل أحدًا الجنَّة عملُه)

- ‌الفصل الأول دَفْعُ دَعْوَى المُعَارِضِ العَقْلِيِّ عن الأحاديث المتعلّقة بالملائكة والجن والشياطين

- ‌تمهيد:

- ‌المبحث الأول دَفْع دَعوى المعارِض العقلي عن الأحاديث المتعلقة بالملائكة

- ‌المطلب الأول: سوق الأحاديث الدالّة على وجود الملائكة ووجوب الإيمان بهم:

- ‌المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي على الأحاديث الدالّة على وجود الملائكة:

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث الدالة على وجود الملائكة:

- ‌المبحث الثاني دَفْع دَعْوى المُعارِض العقلي عن الأحاديث الدالة على وجود الجن والشياطين

- ‌المطلب الأول: سوق الأحاديث الدَّالة على وجود الجن والشَّياطين:

- ‌المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي على الأحاديث الدَّالة على وجود الجن والشياطين:

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث الدَّالة على وجود الجن والشياطين:

- ‌الفصل الثاني دَفْعُ دَعْوَى المُعَارِضِ العَقْلِيِّ عن بقيَّة الأحاديث المتعلّقة بالشيطان

- ‌المبحث الأول دَفْع دَعوى المعارِض العقلي عن حديث: (ما من مولود يولد إلاّ نخسه الشيطان

- ‌المطلب الأول: سَوْق حديث (ما من مولود يولد إلا نخسه الشيطان

- ‌المطلب الثاني: سَوق دعوى المعارض العقلي على حديث (ما من مولود يولد إلا نخسه الشيطان):

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن حديث (ما من مولود يولد إلا نخسه الشيطان):

- ‌المبحث الثاني دَفْع دَعوى المعارِض العقلي عن حديث: (بال الشيطان في أُذنه)

- ‌المطلب الأوَّل: سوق حديث: (بال الشيطان في أُذنه)

- ‌المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي على حديث: «بال الشيطان في أُذُنه»

- ‌المطلب الثالث: دفع المعارض العقلي عن حديث: (بال الشيطان في أُذُنه)

- ‌المبحث الثالث دَفْع دَعوى المعارِض العقلي عن حديث:

- ‌المطلب الأوّل: سَوْق حديث: (إذا سمعتم صياح الدِّيكة فاسألوا الله من فضله .. وإذا سمعتم نهيق الحمار فتعوَّذوا بالله من الشيطان) وحديث: (إذا نودي للصَّلاة أدبر الشيطان وله ضراط

- ‌المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي عن الحديثين

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن حديث: (إذا سمعتم صياح الدِّيكة فاسألوا الله من فضله .. وإذا سمعتم نهيق الحمار فتعوَّذوا بالله من الشيطان)

- ‌الفصل الثالث دَفْعُ دَعْوَى المُعَارِضِ العَقْلِيِّ عن الأحاديث المتعلّقة بالرُّؤيا

- ‌المطلب الأوَّل: سوق الأَحاديث المُتعلِّقة بالرُّؤيا:

- ‌المطلب الثاني: سَوْق دعوى المعارض العقلي على أحاديث الرُّؤيا:

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن أحاديث الرُّؤيا:

- ‌الفصل الرابع دَفْعُ دَعْوَى المُعَارِضِ العَقْلِيِّ عن بقية الأحاديث المتعلّقة بالغيبيات

- ‌المبحث الأول دَفْع دَعوى المعارِض العقلي عن الأَحاديث الدالة عن: أنّ شدّة الحرّ وشدّة البرد من النار

- ‌المطلب الأوَّل: سوق الأحاديث الدالة على أن شدة الحر والبرد من النار:

- ‌المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي على الأَحاديث الدالة على أنّ شدة الحرِّ والبرد من جهنم:

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث الدالة على أنّ شدة الحر والبرد من جهنم:

- ‌المبحث الثاني دَفْع دَعوى المعارِض العقلي عن حديث سجود الشَّمس تحت العرش

- ‌المطلب الأول: سوق حديث: (سجود الشَّمس تحت العرش)

- ‌المطلب الثاني: سوق المعارض العقلي على حديث: سجود الشَّمس تحت العرش

- ‌المطلب الثالث: دَفْع دَعوى المعارِض العقلي عن حديث سجود الشَّمس تحت العرش

- ‌الخاتمة

- ‌قائمة المراجع

- ‌مُلَخَّص الرِّسالة

الفصل: ‌المبحث الأول دفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث المتعلقة بالآيات الحسية للنبي صلى الله عليه وسلم

‌المبحث الأول دفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث المتعلقة بالآيات الحسِّيّة للنبي صلى الله عليه وسلم

-

موقف المخالفين لأهل السُّنّة والجماعة حيال آيات الأَنبياء على جهة العموم، وآيات المصطفى صلى الله عليه وسلم على جهة الخصوص، يمكن إِجماله في موقفين:

الأول: تأويلها تأويلًاطبعيًّا.

الموقف الثَّاني: ردّها، وعدم قبولها.

أَمَّا من ذهب إلى تأويل آيات الأَنبياء تأويلًا طبعيًّا: فطائفة من الفَلاسِفة حيثُ لم يقبلوا التسليم بخرق تلك الآيات لنواميس الكون وخروجها عن مقدور الثّقلين، وأخذوا في حَمل ما يرونه قابلًا منها للتعليل حملًا لا يُخرجها عن حدِّ القانون الطَّبيعي، وأَمَّا ماعدا ذلك مما لا يمكن تفسيره تفسيرًا طبعيًا =فكذبوا به، وذلك بناءً على أَصلهم الفاسد من أَنَّه لا يُتصَّور أَن تفعل القوى والطبائع والمؤثِّرات إلاّ في المواد والأَعيان القابلة لذلك، فـ"الهواء" مَثلًا لمَّا كان قابلًا لأن يصير ماءً، أمكن أن يؤثِّر فيه مؤثرٌ فيصبح ماءً وينزل المطر، وأمّا ما لم يكن قابلًا لذلك؛ فلا.

فابن سينا يجوِّز صدور الآيات عن الأنبياء، لكنه يفسرها تفسيرًا يسلبها خاصيّة الخروج عن مقتضى السُّنن، ذلك لكونه يرجعها إلى القانون الطبيعي وأسبابه، فتراه يقول: (لعلّك تبلغك عن العارفين أَخبار،

ص: 313

تكاد تأتي بقلب العادة فَتُبادر بالتكذيب، وذلك مثل ما يُقال: إن عارفًا

(1)

اسْتسقى للنَّاس فَسُقوا، أو استشفى لهم فَشُفوا، أو دعا عليهم، فخسف بهم وزلزلوا .. ودعا لهم فصَرَف عنهم الوباء والمُوتان

(2)

. أو خشع لبعضهم سَبُع .. أو مثل ذلك، ممَّا لا تؤخذ في طريق الممتنع الصريح =فتوقَّف ولا تعجلْ، فإن لأمثال هذه أَسبابًا في أَسرار الطبيعة)

(3)

فابن سينا يُقرُّ بأن ما يجري للأنبياء ليس خارقًا للعادة وخارجا عن قوانين الطبيعة، وما ذكره من أمثلة لا يخرج عن قانون السننيَّة فليست تلك الصور المسوقة أمثلة صادقةً مطابقة لآيات الأنبياء، لذا قال شارح الإشارات

(4)

مبيِّنًا مراد ابن سينا بقوله: (تكاد تأتي بقلب العادة)، فقال: (إِنَّما قال "تكاد تأتي

" ولم يقل: "تأتي بقلب العادة"؛ لأَنَّ تلك الأفعال، ليست عند من يَقِفُ على عللها المُوجِبة إيَّاها بخارقةٍ للعادة، إِنَّما هي خارقة بالقياس إلى من لا يَعْرِف تلك العلل)

(5)

وابن سينا يُرجع كُلَّ سببٍ غريب سواء كان خارقًا للعادة عند التحقيق، أم لم يكن كذلك =إلى ثلاثة علل طبيعية، وفي تقرير ذلك يقول: (إنَّ الأمورَ الغريبةَ تنبعِثُ في عالم الطَّبيعةِ من مبادئ ثلاثة:

أحدها: الهيئة النَّفسيَّة المذكورة.

وثانيها: خواصّ الأجْسام العَصْريَّةِ، مثل جَذب المغناطيس الحديد بقوَّةٍ تَخُصّه.

(1)

كذا في النسخة المطبوعة، والمُثبت عند شيخ الإسلام ابن تيمية كما في الصفديَّة (1/ 178): نبيًّا، ولعلَّ النسخة التي اعتمد عليها المحقق تختلف عن نسخة ابن تيمية.

(2)

المُوتان: على وزن"الطوفان"، وهو موتٌ يقع في البهائم=انظر شرح نصير الطوسي للإشارات (4/ 151)

(3)

"الإشارات والتنبيهات"لابن سينا (4/ 150)

(4)

وهو نصير الدين الطوسي.

(5)

"شرح الإشارات والتنبيهات"(4/ 150)

ص: 314

وثالثها: قوى سَماوية، بينها وبين أَمْزجة أجسام أَرضيَّةٍ مخصوصة بهيئات وضعيَّة. أو بينها وبين قوى نفوس أَرضيَّة مخصوصة بأحوال فلكية فعليَّة، أو انفعالية مُناسبةٌ تَسْتتبع حدوث آثار غريبة. والسِّحر من قبيل القسم الأوَّل. بل المعجزات والكرامات، والنيرنجات من قَبيل القسم الثَّاني)

(1)

وممن انتحل هذا القول من أَتباع المدرسة الباطنية المُعاصرة=محمد شحرور حيث عدّ ما يقع للأنبياء من خوارق العادات لا يخرج عن كونها ظاهرة طبيعية قُدِّم زمنها، وليست خروجًا عن مقتضى السُّنن، فتراه يقول:(يمكنُ أَنّ نُعرِّفَ المعجزات للأنبياءِ بما يلي: المُعجِزةُ عند كُلِّ الأنبياء قبل محمد صلى الله عليه وسلم: هي تَقَدُّمٌ في عالم المحسوس ((ظاهرة طبيعية)) عن عالم المعقول السَّائد وقت المُعجِزة ((كشَقِّ البحرِ)) ولكنَّها بحالٍ من الأحوال ليست خروجًا عن قوانين الطبيعة أَو خَرْقًا لها، لقوله تعالى:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ (38)} الرعد. ودائمًا يدخل الإذن ضمن قوانين الطبيعةِ الصارمة =أي هي عبارة عن قَفْزةٍ زمانية إلى الأمام في تطويع قوانين الطبيعة. ولَرُبَّ سائلٍ يسأل: ألا يُعدُّ إحياء المسيح الموتى خرقًا لقانون الطبيعة؟ أقول: ليس هذا بخرق، لأنَّه يوم القيامةِ سَيُبَعثُ الناس جميعًا وهم في عداد الأموات

)

(2)

والحقُّ أنَّ تفسير آيات الأنبياء تفسيرًا طبيعيًّا يُخالف الحقيقة الموضوعية لهذه الآيات، فإنَّ إحياء الموتى، وانشقاق القمر، وانفلاق البحر، وخروج الناقة من الجبل =كلّها آيات خارجة عن سنن الطبيعة وقوانينها، لا يمكن ردّها إلى قوى النَّفس، ولا إلى كونها ((قَفْزة زمانيَّة))!

(1)

"الإشارات"(4/ 158 - 159)

(2)

"الكتاب والقرآن"لمحمد شحرور (185)

ص: 315

فإن هذه الآيات لا يمكن وقوعها إلَاّ لنبيٍّ ولن تقع لغير الأنبياء مهما تقدَّم الزَّمن.

فإرجاع هذه الآيات إلى علل طبعيَّةٍ =باطل لأنّه مؤسسٌ على أمرين باطلين:

الأوَّل: تعجيز الرَّب تبارك وتعالى، وهذا لازم نفيهما، فابن سينا يعتقد أنَّ الله تعالى علَّةٌ موجبة بالذَّات مُسْتَلْزِمةٌ لمعلولها، وإذا كان علةً فيمتنعُ أن تتغيَّر أَفعالُه عن القانون الطبيعي، فأنكر بذلك مشيئة الرَّب تعالى وقدرته على خلق الآيات وإجرائها على وفق أَسباب يخلقها، وبحكمة يقصدها

(1)

.

والأمر الآخر: أنَّ قصْر أَسباب الآيات على القانون الطبيعي ونفي ماعدا ذلك يفتقر إلى دليل يصححه، ولا دليل إلَاّ التحكُّم، فعدم الوجدان لا يعني وجدان العدم.

وأمَّا تأويل شحرور "الإذن" في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} بقوله: (ودائمًا يدخل الإذن ضمن قوانين الطبيعةِ الصارمة) =فخوضٌ في آيات الله بالباطل. ودعواه معلومة الفساد؛ لأنّها تقييد لإرادة الله تعالى بمخلوقاته، والله تعالى لامانع لما أراد، ولا دافع لما قضى:{إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82)} يس: 82 {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (16)} البروج. هذا أَمرٌ.

والأمر الآخر: أنَّ تأويله أَجنبيٌ عما دلَّت عليه الآية، ومنافٍ لسياقها، فالآية إِنَّما تُبيِنُ عن أنَّ الأَنبياء لا يقدرون على المجيء بآية دالة على صدقهم إلَاّ بإذنِ الله وأمره، وهي جواب لأقوامهم الَّذين اقترحوا الآيات على رسل الله. فاستبان أن وقوع الآيات منوطٌ بأمر الله.

(1)

انظر: "الصَّفدية"للإمام ابن تيمية (1/ 171)

ص: 316

وهذه التَبَعيَّة والإناطة هي بُرَهان على ربوبيَّته عز وجل وكمال قدرته.

وعلى هذا؛ يتحرّر الفرق بين التقريرين: تقرير الآية الدَّال على إثبات كمال ربوبية الله تعالى وتمام إرادته، وتقرير شحرور الّذي يسلب الله تعالى فيه إرادته ونفاذ أمره. وكُلُّ تأويل عاد على النصِّ بما يوهم النقص والإبطال فهو حقيق بالفساد والبطلان.

وفي بيان معنى الآية عند أئمة التفسير يقول الإمام ابن جرير رحمه الله: (وما يَقدِرُ رسولٌ أَرسَلَه الله إلى خَلْقه أن يأتي أمتَه بآيةٍ وعلامة: من تسيير الجبالِ، ونقلِ بلدةٍ من مكانٍ إلى مكانٍ آخر، وإحياء الموتى، ونحوها من الآيات {إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} يقول: إلاّ بأمر اللهِ الجبالَ بالسير، والأرضَ بالانتقالِ، والمَيِّت بأن يحيا)

(1)

وأمَّا سعيه للبرهنةِ على دعواه بضربه المثل بمعجزة إحياء الموتى، وتسويته بين زمن وقوعها في الدُّنيا، وزمن وقوعها يوم القيامةِ=فَسَعْيٌ ذاهب في الفساد، ذلك أنّ مثاله لا يُحرزُ مطلوبه؛ لأن جريان الإحياء على يد نبي -بإذن الله- خرق للعادة في زمن اتساق السنن، واطّرادها. وأمّا وقوع الإحياء يوم القيامة فإنه حاصل في زمنٍ تُخرق فيه العادة، وتنتقض فيه السُّنن.

فتحصَّل من ذلك: أنّ تسويته واقعة بين زمنين مختلفين وحالين متمايزين لا يمكن اعتبار أحدهما بالآخر. وعلى تقدير صحة ما ضربه من صورة لعدم خروج المعجزة عن مقتضى السنن فإنَّه يتعذر عليه تطويع بقية الآيات لهذا التفسير، فلا يستطيع البرهنة على خروج النَّاقة مرة أخرى يوم القيامة من صدع الجبل، ولا انقلاب العصا حية تسعى إلخ

(1)

"جامع البيان"(13/ 558)، وانظر:"تفسيرالقرآن"لأبي المظفّر السمعاني (3/ 99) و"زادالمسير" لابن الجوزي (737)

ص: 317

وأمَّا الموقف الثاني: فقد ذهبت طائفة من المستغربين إلى ردِّ المعجزات. والباعث لهم على ذلك: تأثُّرُهم البيِّن بالمنهج الوَضعي الَّذي كان فتنةً لكثيرٍ من بني جلدتنا، و الَّذي ينطلِقُ أَساسًا من نَفي الغيبيات، واستبعاد كل ما لا يقع عليه الحسّ. إذْ رسَخَ في أَذهانهم أنّ أساس قيام الحضارة الغربيّة الكافرة لم يتحقق إلَاّ عند رَفْضِهم كلّ ما يتعدَّى الواقع الحسِّي، وأنّه لا يمكن لأَهل الإِسلام أن يلحقوا بركب الحضارة؛ إلاّ بالسَّير الحثيث على سَنن هؤلاء الوضعييين.

وقد أَبان عن عُمق هذا التأثر، وعن الانهزامية التي سَرَت في نفوس هؤلاء العصريّين؛ ((محمد فريد وجدي)) - أَحد الَّذين درجوا على تطويع الدَّلائل الشَّرعيَة لتوافق ما رَسَمه أُولئك الكفرة في صورة قوالب وقوانين علميّة بزعمهم- بقوله: (وُلِد العلم، وما زالَ يجاهد القوى التي كانت تساوره؛ حتّى تغلّب عليها. فدالت الدولة إليه في الأرض، فنَظَر نظرةً في الأديان، وسرى عليها أسلوبه، فقذف بها جملةً إلى عالم " الميثولوجيا"

(1)

، ثم أخذ يبحث في اشتقاق بعضها عن بعض، واتصال أساطيرها بعضها ببعض، فجعل من ذلك مجموعةً تُقرَأُ؛ لا لتُقدَّس تقديسًا؛ ولكن ليعرف الباحثون منها الصور الذهنية التي كان يستعبد لها الإنسان نفسه، ويقف على صيانتها جهودَه؛ غيرَ مدّخِرٍ في سبيلها روحَه ومالَه. وقد اتّصل الشرق الإسلامي بالغرب منذ أكثر من مائة سنة، فأخذ يرتشف من مناهله العلمية، ويقتبس من مدينته المادية، فوقف - فيما وقف عليه - على هذه " الميثولوجيا "، ووجد دينَه مائلًا فيها، فلم ينبس بكلمة؛ لأنه يرى الأمرَ أكبرَ من أن يحاولَه، ولكنّه استبطَن الإلحاد، مستيقنًا أنه مصير إخوانه كافّةً؛ متى وصلوا إلى درجته العلمية .. وقد نبغ

(1)

يقصد: الأساطير.

ص: 318

في البلاد الإسلامية كتّابٌ وشعراء وقفوا على هذه البحوث العلمية، فسحرتهم، فأخذوا يهيّئون الأذهان لقبولها دسًّا في مقالاتهم وقصائدهم؛ غير مصارحين بها غير أمثالهم، تفاديًا من أن يُقاطَعوا، أو يُنفَوا من الأرض.

وقد عثرنا نحن في جولاتنا العلمية على ما عثروا عليه، فكانت صدمةً كادت تقذف بنا إلى مكانٍ سحيق، لولا أنْ منّ الله علينا بوجود المخلّص منها؛ وهو قوله تعالى:{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} سورة آل عمران: 7 فسجدنا شكرًا لله، وقلنا: مانعة الصواعق؛ بل مانعة الغَرق!)

(1)

والأَساسُ الَّذي يرتكزُ عليه المنهج الوضعي الَّذي تأثَّر به طوائف من المسلمين= عدُّه كلَّ ما لا يمرّ عبرَ قناةِ الحِس والتجربة باطلًا؛ بناءً على أنّه لا سبيل إلى المعرفة إلا من بوابة الواقع الحسّي، فهم يُلغون أَي حقيقةٍ تجاوزُ عندهم هذا الواقع: كـ (العقائد)، و (الغيبيَّات)، و (التخييلات)، وغير ذلك ممّا لا يمكن تمريره من هذه القناة.

ونتيجة لذلك: قرنوا بين علوم الأَنبياء المتضمِّنة للحقائق بـ (التخييلات) التي لا تخرج عن كونها ضَربًا من الباطل الَّذي لا موضوع له، في أنَّ كلًا منهما يمثل اللامعقول من حيث جانبيهما اللاهوتي، أو الماورائي

(2)

ورأوا أَنَّ الطبيعة لها قوانينها الثابتة التي تُفسِّرُها، والتي لا يمكن أَن تتغيَّر أَو تتبدَّل. و فرَّقوا بين ما هو خارق

(1)

نقلًا عن: " موقف العقل والعلم والعالم " للشيخ مصطفى صبري (1/ 165 - 166)

(2)

انظر: "نقد النص" لعلي حرب (119)

ص: 319

للسُّنن الكونيَّة، وبين ما لا يجري على سنن الطبيعة ممَّا لا يصلُ إلى حدِّ خَرْقِ السُّنن.

وبهذا التفريق الكاسِد أَنكروا الأَوَّل، وعدّوه ضربًا من الخيال، وقبلوا الآخر، وهو وجود ما يعتبر انحرافًا عارضًا عن جَوهر الطبيعة كـ (العادات غير العقلانيّة والجرائم)

(1)

وهذا الأَساسُ الباطل وقع أَسيرًا له نَفَر من الباحثين الّذين لم يكن لهم إلَاّ اجترار ما سطره أَرباب المنهج الوضعي؛ تقليدًا، وتبعيَّة، مع إعادة صياغته، والتنقير في كُتُب التّراث عمَّا يُسْعفهم لتوسيع دائرة الأَمثلة والشَّواهد؛ ليُؤخذ ما زبروه مأخذ التسليم والقبول. فـ "عبدالمجيد الشَّرفي" -مثلًا- يُغالط الحقائق بوسمه آيات الأنبياء عليه السلام بأنّها من توليد المِخيال الجمعي، لا أنَّها حقائق تواترت عنهم تواترًا قطعيًّا، وأَنَّها محصَّل ضرورتين: الضرورة الشَّرعيَّة، والضرورة العقليّة الحسيَّة؛ حيث وقع لأمم معاينتها. حيث يقول:(كُتبُ السِّيرة، ولا سيِّما المتأخرة منها، مَحشوَّة بهذه الخوارق الماديَّة التي ذهب المخيال الجَمْعي إلى أَنَّ كمال النُّبوّة لا يكون إلَاّ بها)

(2)

ونِسبةُ تلك الخوارق إلى كُتُب السِّيرة، تدليس كما لا يخفى؛ وذلك للتّعمية عن المصدرين الرَّئيسين اللَّذين يَستمِدُّ منهما المسلمون خبر تلك الآيات، ألا وهما: الكتاب، وما صح من سُنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ويتبعه أيضًا في توصيفه الجائر لتلك المعجزات =تلميذُهُ "بسَّام الجمل"؛ حيث يصف"آيات النبي صلى الله عليه وسلم " التي نَزَل القرآنُ بشأنها، بقوله: (عَثرنا في بعضِ أَخبار النُّزول على ضَرْبٍ من ضروب المُتخيَّل، لا تكونُ

(1)

انظر "العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة": للدكتور عبدالوهاب المسيري (1/ 291)

(2)

"الإسلام بين الرِّسالة والتَّاريخ"للشَّرفي (89 - هامش رقم [1])

ص: 320

فيه الأَحداث مَبنيَّةً على قانون في السَّببيَّةِ يُعلِّلُ حُصولها داخل المُتخيَّل الجمعيّ أَو خارجه في الواقع التَّاريخي لدى المؤمنين بحقيقة تلك الأَحداث.

إِنَّنا نُصادف داخل هذا المُتخيَّل نماذج من وقائع حَصَلَت على عهد الرَّسول أَلغت النِّظام المنطقي الَّذي تتأسّسُ عليه قوانين الطبيعة والعالم الفِيزيائي عُمومًا ممَّا يُقيم البُرهان على أَنَّ للمُتخيَّل معقوليَّته الخاصّة المُباينة للمعقوليَّة العلميَّة القائمة على الاستدلال والتعليل وغيرهما)

(1)

ويسِمُ "هشام جعيط" معجزات الأنبياء بالاستحالة الذاتية، وأنها لم تحدث. وفي ذلك يقول:(من هنا نفهم لماذا سجل القرآن عناصر هامة من مسار النبي .. ولماذا اتسم بالإقناع العقلاني وابتعد عن الخوارق؛ لأنها مستحيلة في ذاتها ومستحيل الإيمان بها في هذا الوسط. فمعجزات الأنبياء من قبل لم توجد فعلًا، وإِنَّما روي بعدهم أنها وجدت)

(2)

وأمَّا محمد عابد الجابري فيقصر ما اختص به النبي صلى الله عليه وسلم من المعجزات في القرآن، وليس من اختصاصه -بزعمه-الإتيان بآيات خارقة للعادة!! فتراه يقول:(نحنُ نؤكد فعلًا أنَّ الشيء الوحيد، الَّذي يُفْهم من القُرآن بأكمله أنَّه معجزةٌ خاصَّةٌ بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم هو القرآن لا غير، فالقُرآن يكفي ذاته بذاته في هذا الشأن. والدَّليل على ذلك: أنَّ كُفَّار قُريش قد أكثروا من مُطالبةِ الرَّسول صلى الله عليه وسلم بالإتيان بآيةٍ (مُعجزة) تخرقُ نظام الكون واستقرار سُننه؛ كدليل على صدق نبوَّته؛ فكان جواب القرآن أنَّ مهمَّة محمد بن عبد الله هو أنْ يُبلِّغ لأهل مكة (أم القُرى) ومن حولها رسالة الله إليهم (القرآن) وليس من اختصاصه الإتيان بآيات مُعجزاتٍ خارقة للعادة)

(3)

(1)

"أَسباب النُّزول"لبسام الجمل (402 - 403)

(2)

"الوحي والقرآن والنبوة"هشام جعيط (29)

(3)

"مدخل إلى القرآن الكريم"لمحمد الجابري (187)

ص: 321

فآيات الأَنبياءِ -عند هذه الطائفة- لا تخرج عن كونها مِخيالًا، ليس لها وجودٌ خارجي وهذا نَهْجُ من عَجَزَ عن إِقامة البرهان على بُطلان تلك الآيات، وهو مسلك المشركين حينما عَجِزوا عن ردِّ الآيات التي جاءهم بها النبي صلى الله عليه وسلم قال تعالى:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (24) لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (25)} النحل.

فهؤلاء ليس معهم إلَاّ النَّفي. والنَّفي المتجرد عن البرهان ليس علمًا.

وأمّا دعوى الجابري أنَّ القرآن هو الآية التي اختُصَّ بها النبي صلى الله عليه وسلم فلا تكون له آيةٌ أخرى تخرق العادة=فبيِّنة البطلان؛ لأنّ الاختصاص بالقرآن لا يقضي على الآيات الأخرى بالنَّفي فإنّ الرسل وإن اشتركوا معه صلى الله عليه وسلم في جنس تلك الآيات فإنّ ما أجراه الله له أعظم وأبهر، وأما استدلاله على نفيه، بقوله تعالى:{وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51)} العنكبوت. ثُمَّ إنَّ قوله تعقيبًا على الآية: (واضحٌ أنّنا أمام إغلاقٍ نهائي لمسألة إمكانية تخصيص خاتم النبيين والمرسلين بمعجزة من جنس ما طالبت به قريش. لقد قرّرت الآية أنَّ القرآن كافٍ وحده كمعجزة للنبي صلى الله عليه وسلم ثم أنهت الجدل في الموضوع بأن خاطبت النبيَّ أن: {قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (52)} العنكبوت: 52

)

(1)

فليس فيما استدلَّ به مُستمسك؛ لأن الإغلاق واقعٌ في إجابة أهل مكةَ فيما اقترحوه من الآيات، لا في مطلق الآيات، بدلالة قوله تعالى:

(1)

"المصدر السابق"(188)

ص: 322

{وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا (59)} الإسراء، فَسَبق القضاء بعدم إرسال الآيات المقترحة من المشركين؛ حتى لا يُعجَّل لهم العذاب كما عُجِّل لمن قبلهم ممن لم يُصدق بها كما هي سنّته تعالى فيمن اقترح الآيات ثم كفر بها.

ومما يوطِّد هذا المعنى ما ثبتَ عن ابن عباس، قال: سأل أهل مكة النبي صلى الله عليه وسلم أن يجْعل لهم الصَّفا ذهبًا، وأن يُنحِّي عنهم الجبال فيزرعوا، فقيل له: إن شئت أن تسْتأني بهم لعلنا نجتني منهم، وإن شئت أن تؤتيهم الذي سَألوا، فإن كَفَروا=أُهلِكوا كما أُهلك من قبلهم. قال:(لا، بل نستأني بهم) فأنزل الله الآية

(1)

.

وحصول الكفايةِ بالقرآن لا يقضي بنفي ماعداه من الآيات التي ثبتت في السُّنّة. وبذا يتحرر أنَّ القرآن لم ينف مطلق الإرسال للآيات. هذا من جهةٍ.

ومن جهة أُخرى: أنَّ القُرآن نفسَه أثبت بعض هذه المعجزات كانشقاق القمر، والإسراء والمعراج، والقرآن بمنزلة الكلمة الواحدة لا تقع بين آياته مُنافاة. فليس احتجاجه بالقرآن بأولى من احتجاج المُثبتين للمعجزات. فتكون دلالة العموم في منع الإرسال بالآيات مما أُريد بها الخصوص بدلالة القرآن نفسِه. وبدلالة السُّنّة الصحيحة، وهي:

(1)

أخرجه أحمد في "المسند"(4/ 26 - رقم [2166])، والنَّسائي في "السنن الكبرى": كتاب "التفسير"(10/ 151 - رقم [1126])، والحاكم في"المستدرك"(2/ 394) وصحّحه ووافقه الذهبي، وابن جريرفي"تفسيره"(14/ 635 - ط/هجر)، والواحدي في "أسباب النزول"(476)، وذكر الهيثمي في "مجمع الزوائد" أن رجاله رجال الصحيح (7/ 50)، وجوَّد إسناده الحافظ ابن كثير في"البداية والنِّهاية"(4/ 131)، وصححه الشيخان أحمد شاكر في شرحه للمسند (4/ 26)، و الألباني في "صحيح السيرة النبوية"(152)

ص: 323

الجهة الثَّالثة: أنَّ السُّنة قد استفاضت بإثبات آيات له صلى الله عليه وسلم غير القرآن، والسُّنّة مُفسِّرة له ومبيِّنة لمعانيه، فورود هذه الآيات فيها مبيِّنٌ عن مراد الله تعالى بكلامه.

ومن الفَوَاقر التي وقع فيها أَصحاب المنهج الوضعي؛ أَنّهم سوَّوا بين الرُّسل عليه السلام الّذين امتازوا بخصائص خصَّهم الله بها = وبين غيرهم من الخلق، ولمَّا كان من طرائق إثبات الرّسل عليه السلام لنبوَّتهم؛ ما يُجريه الله على أَيديهم من الآيات والبراهين الخارجةِ عن مقدورهم، ومقدور الثقلين، وكان هذا مما يوجب لهم الامتياز عن غيرهم من الخلق، وهو في الوقت ذاته خَرق للسُّنن =سارع أَصحاب المنهج الوضعي إلى نَفْيها، فضلًا عن نفيهم اختصاص الأَنبياء بالوحي.

فانظر -مثلًا-لـ "جوستاف لوبون" حيث يقول: (لو صدَّقنا بالخوارق لرجعنا إلى عصْر الخُرافات)

(1)

ويقول"جوليان هكسلي" يصف النُّبوّة بأنَّها: (إظهارٌ للتفوُّق بطريقة شاذّةٍ لا يمكن احتمالُها)

(2)

فمنشأ غَلَط أصحاب هذا المنهج هو من جِهة قياسهم الفاسد بين الرسول وبين غيره، مع تحققّ الفرق بينهما، فجحدوا ما فضل الله به هؤلاء الرُّسل عليه السلام وخرجوا بذلك عن مقتضى النَّقل والعقل، إذ جحدوا آيات الله الدَّالة على هذا الاختصاص، وكابروا المعقول، إذ النّظر الصحيح يوجب التفريق بين أمرين عند اتصاف أحدهما بما يُوجب امتيازه عن الآخر.

وقد ذكَر الله هذا المانع الّذي يحتجُّ به المشركون في رفضهم الانقياد والاتباع للرُّسُل عليه السلام فقال تعالى {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا (94)} الإسراء.

(1)

"العقائد" نقلًا عن "ظلمات أَبي ريَّة"للعلاّمة محمد عبدالرزّاق حمزة (271)

(2)

"الإسلام يتحدّى" لوحيد الدين خان (43)

ص: 324

يقول الإِمام ابن تيميَّة رحمه الله: (وجماعُ شُبَهِ هؤلاء الكفَّار أَنَّهم قاسوا الرَّسول على من فرَّق الله بينه وبينه، وكفروا بفضل الله الَّذي اختصَّ الله به رُسُلَه؛ فَاُتُوا من جهة القياس الفاسد، ولا بُدَّ في القياسِ من قَدْرٍ مُشْتَرَكٍ بين المُشَبَّه والمُشَبَّه به)

(1)

وقد التوى الطريق بورثة هذا المنهج من المستغربين، إذ حاولوا تقريب شخصيَّة النبي صلى الله عليه وسلم لهم، بِسَلْبِه ما اختصّه الله به من الاصطفاء، والإِيحاء، والآيات والبراهين الدالة على صدق نُبوَّته؛ وَ قصْر التميُّز في شخصيَّته صلى الله عليه وسلم على أَمر ذاتيٍّ نابع عن عبقريةٍ وعظَمةٍ اتّصفَ بهما. وممَّا يُبرهن على ذلك: الانحراف البيِّن الَّذي يعتور تفسير بعضهم (للوحي) فلا يخرجُ في حقيقته عن كونه تفسيرًا إشراقيًّا، أو ماديًّا؛ مقتضاه نفْي الوحي من الله، ونفي المَلَك الموكَّل به، ومِنْ ثَمّ إنكارَ الكتاب الذي أوحاه الله إلى نبيه صلى الله عليه وسلم.

(2)

فالنُّبوّة عند "محمد عبده" لا تخرج عن أن تكون فِطرةً فُطِر إنسان فيها على الحقّ علمًا وعملًا؛ بحيث لا يعملُ إلاّ حقًّا، ولا يعلم إلا حقًّا

(3)

والنُّبوَّة عند "مُحمَّد إِقبال" هي: (ضَرْبٌ مِن الوَعْي الصُّوفي يَنْزِع ما حصَّله النبيُّ في مَقام الشّهودِ إلى مُجاوزة حدوده، وتَلَمُّسِ كل سانحة لتوجيه قوى الحياة الجَمْعيَّة توجيهًا جديدًا، وتشكيلها في صورة مستحدثةٍ. فالمركزُ المُتناهي من شخصيَّة النبيِّ يغوص أغوارًا لا نهائية ليطفو ثانيةً مُفْعمًا بقوةٍ جديدةٍ تقضي على القديم وتكشف عن توجيهات جديدة للحياة. وهذا الاتصال بأصلِ وجُودِهِ ليس خاصًّا بأي حال من الأحوال)

(4)

(1)

"تفسير آيات أَشكلت "للإمام ابن تيمية (2/ 726)

(2)

انظر: " رسالة التوحيد " لمحمد عبده (105 - 106)

(3)

"محمد عبده بين الفلاسفة والمتكلمين"(3=شرح العضدية)

(4)

"تجديد الفكر الديني في الإسلام"لمحمد إقبال (204)

ص: 325

والنُّبوَّة عند "نصر أَبي زيد"إنَّما هي إعمال لوظيفة "المُخَيِّلة"التي يشترك فيها جميع البَشر إلَّا أَنَّها تأتي عند الأَنبياء على قمَّة الترتيب! وفي بيان ذلك يقول: (إنَّ تَفْسير النّبوَّةِ اعتمادًا على مَفْهومِ "الخيال" معناه أنَّ الانتقال مِن عالم البَشَر إلى عالم الملائكة انتقال يَتِم من خلال فاعليَّة "المُخيِّلة"الإنسانيَّة التي تكون في "الأَنبياء" بحكم الاصطفاء والفِطرة =أَقوى منها عند مَن سِواهم من البشَر. وإذا كانت فاعليَّة "الخيال"عند البشر العاديين لا تتبدَّى إلَّا في حالة النَّوم، وسكون الحواس عن الانشغال بنقل الانطباعات مِن العالم الخارجي إلى الدَّاخل، فإنَّ "الأَنبياءَ" و"الشُّعراء" و"العارفين" قادرون دون غيرهم على اسْتخدام فاعليَّة "المُخيَّلة"وفاعليتها، فالنبيُّ يأتي -دون شكٍّ- على قِمَّة الترتيب، يليه الصُّوفي العارف، ثُمَّ يأتي الشَّاعر في نِهاية الترتيب)

(1)

وأَمَّا الآيات والبراهين الحِسِّية، فقد ارتكبوا كلَّ عَسِرٍ لنفْيها؛ ولَيِّ أعناقِ النصوص التي تُثْبِتها؛ وهذا بيِّنٌ فيما اجترحه الشَّيخ (محمد عبده) عند تناوله الآياتِ الدالّة على المعجزات.

(2)

وحُجة هؤلاء في إنكار المعجزاتِ: أنَّ العلم التجريبيَّ؛ لا يستطيع إثباتَها، ولا نفْيَها، وإِذا كان الأمر كذلك - في نظرهم - فليست هذه الآيات والبراهين حقائقَ علميّة تستدعي الإيمان بها، ولا بمن جاءتْ على يديه.

يجلّي هذه المسألة (محمّد فريد وجدي)

(3)

بقوله: «تمتاز العصور النبوية بالخوارق والنواميس الطبيعيّة؛ فأساطير الأديان ملأى بذكر

(1)

"مفهوم النَّص"لنصر أبي زيد (49)

(2)

انظر مثلا: " تفسير المنار "(1/ 347)، و (3/ 211)

(3)

في سلسلة مقالاتٍ له كانت تُنشَرُ تباعًا في " مجلة الأزهر " حين كان مدير تحريرها. وقد اختار أن يعنْوِن لهذه السلسة بـ " السيرة المحمدية تحت ضوء العلم والفلسفة ".

ص: 326

حوادثَ من هذا القبيل كان لها أقوى تأثير في حمل الشعوب التي شهدتْها على الإذعان للمرسَلين الذين حدثتْ على أيديهم. وقد حدثتْ أمورٌ من هذا القبيل في هذا العصر المحمديّ؛ صاحبت الدعوةَ في جميع أطوارها

ولستُ أقصد بها ما تناقله الناس عن شقّ الصدر

(1)

، وتظليل الغمامة

(2)

وانشقاق القمر، وما إليها مما لا يمكن إثباتُه بدليل محسوس، أو يتأتى توجيهه إلى غير ما فُهِم منه؛ ولكنّي أقصد تلك الانقلابات الأدبية والاجتماعية التي تمّت على يد محمد صلى الله عليه وسلم في أقلّ من رُبع قرنٍ، وقد أعوزَ أمثالُها في الأمم القرونَ العديدةَ، والآمادَ الطويلةَ».

(3)

وإذا كانَ إثباتُ الآيات المادّية الحاصلة للنبي صلى الله عليه وسلم عند المتأثرين بهذا المنهج غيرُ متأت؛ لأنّ الدليل الحسّي لا يقوم بإثباتها = فإنَّهم خطوا خطوات لمسايرة من لا يؤمنون بالنبوّة، ولا بآياتِ الأنبياء؛ معانين صرْفَ كل آية عن مقتضى الإعجازِ، وتفسيرَها على ضوء المنهج المادّي الذي لا يؤمن بأن السننَ الكونيةَ يمكن أن تُخرَق متى ما أذِن الله تعالى

(1)

سيأتي تخريجه

(2)

أخرجه الترمذي في"السُّنن" كتاب"المناقب"، باب "بدء نبوَّة النبي صلى الله عليه وسلم " (5/ 551 - رقم [3620]) وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، وتعقبه الذهبي بقوله في "السِّيرة النبوية" (1/ 85):(تفرَّد به قُرَاد، واسمه عبدالرحمن بن غزوان، ثِقةٌ، احتجَّ به البخاري والنَّسائي؛ ورواه النَّاس عن قُراد، وحسَّنه الترمذي =وهو حديثٌ مُنكرٌ جِدًّا) ثُمَّ ساق علل هذا الخبر، وأخرجه الحاكم في مستدركه (2/ 615) وصحَّحه، وتعقَّبه الذهبي أَيضًا بقوله:(أظنّه= =موضوعًا فبعضه باطل)، وأخرجه البيهقي في "دلائل النبوَّة" (2/ 24 - 26) وقد ذكر الإمام ابن تيميَّة هذه القصّة بصيغة التمريض فقال:(وإِنَّما نُقِل أنَّ الغمام أظلَّته لمَّا كان صَغِيرًا .. ومع هذا =فهذا لا يُجزم بصحَّته) انظر: "الجواب الصَّحيح"(3/ 461)

(3)

سلسلة " السيرة المحمدية تحت ضوء العلم والفلسفة " مقال " الأمور الخارقة للنواميس الطبيعية في وقعة بدر "(385 - مجلة الأزهر [ج 1، المجلد 11] ". ومحمد فريد وجدي (1295 - 1373 هـ): هو باحث مصري عمل محررا لعدد من الجرائد والمجلات كـ"جريدة الدستور"، و "الوجديات"من مؤلفاته:"دائرة معارف القرن الرابع عشر، العشرين"و"ما وراء المادة"=انظر: "الأعلام"(6/ 329)

ص: 327

بذلك؛ فـ (محمد فريد وجدي) يعدّ السيرَ على سَنَن هؤلاءِ، إقامَةً للتثبُّت، ومحافظةً على الدستور العلمي، واحترامًا للنخبة المثقفة بزعمه، فتراه يقول:(وقد لاحظ قرّاؤنا أننا نحرصُ فيما نكتبُه في هذه السيرة على أن لا نُسرِف في صرفِ كلّ حادثةٍ إلى ناحية الإعجازِ؛ ما دام أنه يمكن تعليلُيها بالأسباب العادية؛ وحتى ولو بشيءٍ من التكلُّف؛ مسايرةً لمذهب المبالغين في التثبُّت، والمحافظين على إقامة الدستور العلمي؛ ثقةً منّا بأنّ بحثًا لا تتحرّمه النخبة المثقفة، ولا تجدُ فيه صورةً صحيحةً لِمَثَلِها الأعلى في عَرْض المسائل وتحليلها؛ لا يمكن أن يؤدّي إلى ما قُصِد منه من الخدمة العامة!)

(1)

ثم إنَّ هذه الآيات الخارقة للسُّنن؛ مع عدم قُدرة أَصحاب المنهج المادِّي الاستدلال عليها، هي أَيضًا -في نَظَرهم-ليست دلائلَ عقلية مستلزمة لصدق النبي؛ وهذا منصوص عليه عند كثير منهم فـ (محمد هيكل) يقرر ذلك بقوله:« .. وكانت يقظَةُ العقلِ ومنطقُه قد نبّهت الناسَ إلى أن الخوارقَ لا تنهضُ بذاتها دليلًا عقليًّا على شيءٍ» .

(2)

، و (لو أراد اللهُ أن تكونَ المعجزةُ الماديّةُ وسيلةً إلى اقتناعِ مَنْ نزلَ الإسلامُ على رسوله بينهم؛ لكانت، ولَذَكَرَها في كتابه

(3)

وبهذا المأخِذ -الَّذي يزعمونه-: دَنْدَنَ (حسن حنفي) ظنًا منه في متانته وجدواه، حيث قال مستفهِمًا مستنكرًا:(فهل تؤدّي المعجزةُ إلى تصديق الرسول؛ وهي برهانٌ خارجيٌّ عن طريق القدرة، وليس داخليًا عن طريق اتفاقها مع العقل، أو تطابُقِها مع الواقع؟!)

(4)

(1)

"المصدر السابق".

(2)

" حياة محمد "(569)

(3)

المصدر السابق (72)

(4)

" من العقيدة إلى الثورة "حسن حنفي (4/ 72)، وانظر كذلك:"النُّبوَّة من علم العقائد إلى فلسفة التَّاريخ"لعلي مبروك (224)

ص: 328

وهذا الاعتراض؛ قد سبقهم إليه (ابن رشد الحفيد) -مع تباين المنطلق -فقد ذهب إلى أن دليلَ صِدق النبي صلى الله عليه وسلم ما كان نابعًا من مضمون الرسالة؛ فانحصرَ برهانُ صدق النبي على الدليل الداخلي؛ وهو ما كان مُناطًا بالعلوم والشرائع التي تضمّنها الوحيُ. وأمّا ما كان - في نظره - خارجًا عن مضمون الرِّسالة من الآيات الخارقة؛ فليست ضرورية في دلالتها على الصدق لمن ادّعى النبوّة؛ إلاّ في حالة اقترانها - أو بالأصحّ: اعتمادها - على الدليل الأوّل؛ وهو ما تضمّنه الوحي من الشرائع

(1)

؛ فالعقل - عنده - لا يدركُ مدى الارتباط بين الآية والبرهان، وبين صِدقِ مَنْ وقعتْ له!!

(2)

.

وممّا استندوا إليه أَيضًا في إنكار الآيات والبراهين: أن هذه الخوارق - لو ثبتتْ -؛ لكان إيمانُ مَنْ آمنَ بها لم يكن عن حريّة واختيار؛ بل عن جبرٍ واضطرار

(3)

فهم يرون الآيات والبراهين قدْحًا في العقل وفي ما يزعمونه قوانين الطبيعة

(4)

. ويرون أن إثباتَها شُبهةٌ؛ لا حُجّةٌ على الخلق

(5)

؛ بل إنَّ الشيخَ محمد رشيد رضا حين تحدّث عن آيات الأنبياء المذكورة في القرآن الكريم؛ قال: (وهي - أي آيات الأنبياء - قد أصبحت في هذا العصر حجةً على دينهم؛ لا له، وصادّةً للعلماء والعقلاء عنه؛ لا مُقنِعةً به. ولولا حكاية القرآن لآيات الله التي أيّد بها موسى وعيسى عليه السلام؛ لكان إقبالُ أحرار الإفرنج عليه أكثر، واهتداؤهم به أعمَّ وأسرع

)

(6)

وبعدُ؛ فهذه نُبَذٌ مما جرتْ به أقلامُ هؤلاء الطاعنين في آيات النبي صلى الله عليه وسلم الظاهرة، وبراهين نبوّته الباهرة؛ التي أيّده الله بها.

(1)

انظر: " الكشف عن مناهج الأدلّة "لابن رشد (181)

(2)

"المصدر السابق"(174 - 175، 177)

(3)

انظر: " القرآن ومشكلات حياتنا المعاصرة " لمحمد أحمد خلف (76 - 77) وعنه: " الاتجاهات العقلانية الحديثة (216)

(4)

انظر: " من العقيدة إلى الثورة "(4/ 77)، و " حياة محمد "لمحمد هيكل (72)

(5)

انظر: " حياة محمد "(70)، وما نقله محمد هيكل عن مجلة المنار، عن محمد رشيد رضا. حيث تابَعَهُ محمد هيكل في ذلك؛ بأن جعل الروايات الدالة على آيات النبي صلى الله عليه وسلم مُزيغةً للقلوب؛ لا مثبّتةً لها!!

(6)

" الوحي المحمدي "للشيخ محمد رشيد رضا (30)

ص: 329

وفيما يلي نقضٌ للأصل الكُلِّي الّذي استندوا إليه في نَفيهم لآيات وبراهين الأنبياء:

فأمّا احتجاجهم بأنَّ المَنهجّ التجريبيَّ لعجزه عن الاستدلال على الآيات والبراهين؛ فإنه يجعل تلك الآيات والبراهين - بزعمهم - خارجة عن نطاق الحقائق العلمية، وهذه دعوى عَريَّةٌ عن التحقيق، يدحضها مايلي:

أولًا: أن الحس يُعدُّ مصدرًا للمعرفة؛ لا كلّ المعرفة؛ فالحقائقُ التجريبيةُ لا تُثبِت إلا حقائق جُزئيّة، وخروجُ بعض المعارف عن دائرتها لا ينفي عنها كونها حقائق ثابتة بمصدرٍ صحيح معتبَر؛ سوى الحس و التَجرِبة. وهذا الخروج في الوقت ذاته: لا ينقض تلك الحقائق التي توصّل إليها المنهج التجريبي. ومَنْ مارى في هذه الحقيقة فستجْبهُه معارفُ أضحتْ حقائقَ لا تقبل الشكّ عند أصحاب المنهج التجريبي

(1)

؛ هذه الحقائق والعلوم لم تباشرْها الحواسّ، أولم تُدرك في معامل البحث، ولم تخضع للتجريب.

وهذه الحقيقة قد أَبان عنها بعضُ منظري الوضعية أَنفسهم، فهذا "رودلف كارناب " يقول: (من أَهمِّ الملامح التي تُميز العلم الحديث،

(1)

انظر: " الإسلام يتحدى " لوحيد الدين خان (47)

ص: 330

بالمقارنة بعلم العصور المُبكِّرة =هو تأكيده على مايمكن أَن نُطلق عليه اسم "المنهج التجريبي"

الحقيقة أن هناك بعض المجالات التي يصعب استخدامه فيها مثلما نَستخدمه في الفيزياء. ففي علم الفلك مثلًا، لا يمكننا أَن نُعطي دفعة لكوكب في اتجاه آخر بعض الشيء، لنرى ما قد يحدث له نتيجة لهذه الدَّفعة. إذ أَنَّ الموضوعات الفَلَكيَّة بعيدة كُلّ البُعد عن متناولنا، ولا يَسَعنا إلَاّ أن نُلاحظها ونقوم بوصفها، كما أَنَّه يمكن لعلماء الفَلَك -في بعض الأحيان- أن يقوموا بخلق شروط في المعمل شبيهة بتلك التي تحدث على سطح الشمس أوالقمر .... ولكن هذا لا يُعَدُّ في حقيقة الأَمر تجربة فلكية حقيقية)

(1)

وعلى هذا؛ فإنَّ إنكارَ تلك الحقائق وطرد قضية التجريب على كُلِّ علم سيوقِفُ عجلةَ التقدُّم، وستنحَسِرُ حركةُ الاكتشافات. وسيُنحَر الإبداعُ بمُدى المنهج الوضعي. ذلك أَنَّ التجربةَ تتّجه إلى قضايا جزئية؛ لكن الانتقال من الأعيان الجزئية إلى قانونٍ علميٍّ عامٍّ لا يتأتّى بالتجربة فقط؛ لأن الحسّ والتجربة يُثْبِتَان أمرًا محدودًا معيّنًا؛ لا أمرًا كليًّا.

وحتى يتم بناء القوانين الكلية على مثل هذه التجارب؛ فلا بدّ من إعمال الخيال العلمي لوضع الفروض

(2)

وهذا ما تعامى المذهب الوضعي عنه، مما كان سببًا في توجيه النَّقد إليه مِن بعض أَنصار المدرسة نَفْسها

(3)

.

فتحصّل من ذلك: أنه كما أن الحقائق العلمية لا يمكن أن تُحصَر في دائرة الحس والتجربة؛ فكذلك الحقائق الشرعية؛ فإنّ للشرعيات معاييرها التي تستند إليها، كما أن للطبعيات والعقليات معاييرها وأُسسها الخاصة بهما. والتسوية بينهما غلط، و خلط بين هويتين مختلفتين.

ثانيًا: إذا كان المتأثرون بِرهَجِ المنهج التجريبي لا يقبلون من الحقائق إلا ما قضى به الحسّ وأثبتتهُ التجربة؛ فإنه يلزمهم أن يثبتوا

(1)

"الأُسس الفلسفيَة للفيزياء"لكارناب (55 - 56)

(2)

انظر: " المنطق الحديث ومناهج البحث " للدكتور محمود قاسم (153)

(3)

انظر: "حكمة الغرب"لبرتراند رسل (2/ 279 - 280)

ص: 331

- بالمنهج ذاته - بطلان الآيات والبراهين؛ وهذا ما يتعذّر عليهم؛ لأنّ الحسّ والتجربة - كما تقدّم - لا يملكان نفْيَ هذه الآيات؛ كما أنهما لا يملكان إثباتها.

ثالثًا: أن نفي الآيات والبراهين لكونها بطريق النقل لا التجربة؛ يلزم منه نفي كثير من الحقائق التجريبية التي لم يباشرْها أكثر الناس، ولم يدركوها بحواسِّهم؛ لأنها إِنَّما نُقِلت إليهم نقلًا عمّن جرّبها

(1)

؛ فنفيُ الأوّل دونَ الثاني تحكُّمٌ لا دليلَ عليه.

رابعًا: أن غاية المنهج الوضعي - حسب مفهوم مؤيديه -: إثباتُ ما كان داخلًا في الحس والتجربة؛ فالحكم إذًا على هذه الآيات والبراهين بالبطلان خروجٌ عن مفهوم هذا المنهج ووقوع في التناقض؛ لأن الحكمَ بالصِّحة والبطلان تحكّم ميتافيزيقي ليس من أُصُولِ هذا المنهج، ولا من شأنه.

(2)

خامسًا: أنّهم يعتمدون في نفيهم الآياتِ والبراهين؛ على دعوى أنها لم تخضع للتجربة والمشاهدة؛ فإنّ هذه الدعوى أَيضًا تنسحبُ على وجودِ الله تعالى، ووجود الملائكة، والجنة، والنار، والجنّ، وكل ما لم يدركوه بالمشاهدة، ولم يتحقّق لهم بالتجربة.

سادسًا: أن الاعتراض بأن العقلَ لا يُدرِك الارتباط بين المعجزة، وبين صدق الرسول صلى الله عليه وسلم؛ اعتراضٌ باطل؛ لأَنَّ دلالة المعجزةِ على مدلولها (صدق الرَّسول) دلالةٌ ضرورية لجَمْعها بين دلالة الحسِّ والعقل فهي من أَقوى أَنواع الدَّلالات لجمعها بين الأَمرين.

(1)

انظر: " الردّ على المنطقيين "(388 - 389، 393 - 394)

(2)

انظر: "الفكر المادي الحديث وموقف الإسلام منه"للدكتور محمود عتمان (448)

ص: 332

وفي تقرير ذلك يقول الإمام ابن القيِّم رحمه الله: (هذه الطَّريق من أَقوى الطُّرق وأَصحها، وأدلِّها

وارتباط أَدلّة هذا الطَّريق بمدلولاتها، فإنّها جمعت بين دلالة الحسِّ والعقل، ودلالتها ضروريَّة بنفسها؛ ولهذا يُسمِّيها الله آياتٍ بيِّناتٍ، وليس في طُرُق الأَدلَّةِ أَوثق ولا أَقوى منها؛ فإنَّ انقلاب عصا تقلَّها اليد ثعبانًا عظيمًا يبتلع ما يَمرّ به ثُمَّ يعود عصا كما كانت =من أَدل الدّليل على وجود الصَّانع وحياته وقدرته وإرادته وعلمه بالكُلِّيات والجزئيات، وعلى رسالة الرَّسول، وعلى المبدأ والمعاد فكلُّ قواعد الدِّين في هذه العصا ..... وهكذا سائر آياته وآيات الأَنبياء .. )

(1)

والمتأمل في هذا الاعتراض يجد أنه في حقيقته قد وجّه "ابنَ رشد" وكلَّ من جاء بعده إلى متكلمي الأشاعرة؛ ذلك أن الأشاعرة - ومَن تأثر بهم - يجعلون باب الآيات والبراهين الجارية على يد الرسل عليه السلام من جنس ما يأتي به السحرةُ والكهَنةُ، فالسَّاحرُ يجوز أن تجري على يديه من الخوارق كالتي تجري على يد الرسل عليه السلام؛ سواءً بسواءٍ. وكذلك الكاذب في دعواه يجوز أن تجري على يديه من الخوارق ما هو مِن فِعْل الله تعالى.

وعلى هذا؛ فإنّ المعجزة لم تعد دليلًا مستقلًا - حسبما تقرّر عند الأشاعرة - على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم. وما ذكَره "ابن رشد" هو في حقيقته اعتراضٌ على قول الأشاعرة؛ لا على مذهب أهل السنة والجماعة؛ ذلك أن هذه الآيات والبراهين خارجةٌ عن مقدور الثقلين، بخلاف ما يأتي به السحرة، وغيرهم. فلا يمكن أن يقع مثلُها لكاذبٍ. وإذا كان الأمر كذلك؛ فإنها من الله تعالى في مقام التصديق القولي لنبيه صلى الله عليه وسلم، وأنّه رسول من عند الله حقًّا؛ وحينئذٍ فالعقل يُدرِك ضرورةَ الارتباط بين الآية والبرهان، وبين صِدْق مَنْ جرتْ على يديه.

(1)

"الصواعق المرسلة"لابن قيِّم الجوزيَّة (3/ 1197 - 1198)

ص: 333

وهذا هو أيضًا: مقتضى حكمة الله تعالى؛ أنْ لا يُخلِيَ نبيَّه من دليلٍ، أو آيةٍ تدلّ على صدقه. فلا يجوز أن يسوِّيَ بين الصادق والكاذب؛ بأن يُجرِي على يد الصادق مثلُ ما يُجرِيَ على يد الكاذب، فيتعذَّر على الخلق حينئذٍ التمييزُ بينهما؛ وذلك مما يتنزَّه الله تعالى عنه. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «وما جعله الله آيةً، وعلامةً، ودليلًا على صِدْقِه؛ امتنَعَ أن يوجدَ بدون الصدق؛ فامتنَع أن يكون للكاذب المتنبي؛ فإن ذلك مما يقدح في الدلالة.

فهذا ونحوه مما يعرف به دلالة الآيات من جهة حكمة الرّبِّ، فكيف إذا انضمّ إلى ذلك أن هذه سننه وعادته؟ وأن هذا مقتضى عدله؟!

وكلّ ذلك - عند التصوُّرِ التامِّ - يوجِب علمًا ضروريًا بصدق الرسول الصادق، وأنه لا يجوز أن يسوي بين الصادق والكاذب؛ فيكون ما يُظهِره النبي من الآيات يظهَر مثلُه على يد كاذبٍ؛ إذْ لو فعل هذا لتعذّر على الخلق التمييز بين الصادق والكاذب.

وحينئذٍ: فلا يجوز أن يُؤمَروا بتصديق الصادق، ولا يُذَمُّوا على ترك تصديقه وطاعته؛ إذْ الأمر بدون دليله تكليف ما لا يُطاق؛ وهذا لا يجوز في عدله وحكمته. ولو قُدِّر أنه جائزٌ عقلًا؛ فإنه غير واقع».

(1)

ثمّ؛ إنه لو كانت تلك الآيات والبراهين ليست مستلزمة لصدق من ظهرتْ

له = كان ذلك طعنًا في الله تعالى؛ إذْ ترك شيئًا من لوازم الرسالة؛ وذلك إمّا لعدم القدرة، أو لجهله بضرورة هذا اللازم؛ وكلّ ذلك مما يُنزَّه المولى جل جلاله عنه.

(2)

سابعًا: الزّعمُ الباطل بأن إثبات وجود هذه الآياتِ يستلزمُ أن يكون إيمان مَنْ آمن بها عن جبرٍ واضطرار؛ لا عن حرية واختيار. فهذه

(1)

" النبوات "لابن تيميَّة (2/ 896)

(2)

انظر: " المصدر السابق"(2/ 896)

ص: 334

الدَّعوى يكذِّبُها واقعُ الأنبياء وأقوامهم؛ فإنّه قد عُلم من سِيَرِهم عليه السلام على وجه العموم؛ وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم على وجه الخصوص: أنّه مع ظهور تلك الآيات الدالّة على صدقه؛ إلا أنه وجد من الكفار من أعرض عن الإيمان، ورضي بالكفر. فلو كانتْ الآياتُ والبراهينُ مجبرةً لهم - على حدّ هذا الزعم -؛ لتحقّق إيمانُ كلّ من شهد هذه الآيات؛ وهذا مخالف لما تقرّر من أحوالهم وسِيرِهم.

وهذا لا يُضعِف دلالةَ هذه الآيات، وأنها تدلُّ - ضرورةً - على صدقِ أنبياء الله تعالى؛ فليس من شرط الدليل ألاّ يخالَف ويُعرَض عنه؛ فكم من دليلٍ بيِّنِ الدلالة أُعرِض عنه صفحًا.

وخلَّة أُخرى: إن الغَرضَ من إقامة هذه الدلائل والبراهين: أن يتفكّر فيها الناظر، ويستدلّ بها على صدق دعوى الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه مرسَل من عند الله تعالى، وأن الله لم يُظهِر على يد مدّعي الرسالةِ الآياتِ؛ إلا ليُعلَم اختيارُ الله له، واصطفاؤه لهذا الذي جرت على يديه الآيات.

فلو كانت هذه الآيات والبراهين في حقيقة أمرِها إجبارًا للخليقة؛ فإن ذلك ينفي عنها معنى الآية والبرهان؛ إذْ إنّ مدلول الآية في اللِّسان: العلامة

(1)

. فهي كأعلام الطريق المنصوبة لهداية السائرين؛ فكذلك آيات الأنبياء عليه السلام: أعلامٌ تهدي، وتدلّ على صدق ما أخبروا به. ومدلول " البرهان "

(2)

في لغة العرب: الحُجّةُ البيّنةُ الفاصلة.

فأيّ جدوى من هذه الآيات والبراهين؛ إذا كانتْ مجبِرةً للخلق على خلاف ما يعتقدون؟!

(1)

انظر: " لسان العرب " مادة: آية.

(2)

انظر: المرجع السابق. مادة: برهن.

ص: 335

ثامنًا: دعوى أن هذه الآيات خارقةٌ لسنن الكون، وللعادة المطَّرِدة، وخارقةٌ أيضًا للعقل.

وهنا يمكن القول: إن هذه الدعوى تتضمّن شقّين؛ الأول منهما حقٌّ في مَكْمَنِهُ مصائد للباطل، والآخر باطلٌ لا ينفق على أَهل البصيرة.

وبيان ذلك: أنَّ القولَ بأن هذه الآياتِ خارقةٌ للسنن الكونية حقٌّ؛ وهو مقتضى الضرورة الحسيَّة أَيضًا؛ لأنَّ بعض تلك الآيات عاينها بعض الخلق. والله تعالى هو الفاعل لذلك؛ ليقيم الدلائل على صدق من أرسله. ومكمن الضلال في هذه الدعوى: أنهم اعتقدوا استحالةَ ذلك؛ وهذه الاستحالة ناشئةٌ عن مسايرتهم للملاحِدة أصحاب المَنْهج الوضعيّ؛ وهذا هو محضُ العمى: -أعني التقليد في الباطل-.

وتوضيح ذلك: أن إحالةَ ذلك لا تصدرُ إلا ممن عمِيَ فلا يُبصِر في هذا الكون إلا الأسباب المادية، ومثل هؤلاء في غَلَط تصورهم (كغلَطِ النَّملةِ مثلًا، لو كانت تدبُّ على الكاغدِ فترى رأس القَلَم يُسوِّدُ الكاغد، ولم يمتدّ بَصَرُها إلى اليد والأَصابعِ فضلًا عن صاحب اليدِ، فَغَلِطت وظنَّت أَنَّ القلمَ هو المُسوِّد للبياض، وذلك لقصور بَصَرها عن مُجاوزةِ رأسِ القلمِ لضيق حَدَقتِها =فكذلك من لم يَنْشَرحْ بنور الله تعالى صدرُهُ للإِسلام؛ قَصُرت بصيرته عن مُلاحظة جَبَّار السموات والأَرض، ومُشاهدة كونه قاهرًا وراء الكُلِّ، فوقف في الطَّريق على الكاتب =وهو جهل محض)

(1)

يقول الشيخ سعيد النَّورسي رحمه الله واصفًا حال هؤلاء بقوله: «إنَّ مَنْ نظرَ النبوةِ والتوحيد، والإيمان، يرى الحقائقَ في نورِ الألوهيَّةِ والآخِرة، ووحدة الكونِ؛ لأنّه متوجهٌ إِليها. أمَّا العلمُ التجريبي والفلْسَفةُ

(1)

"إحياء علوم الدين"لأبي حامد الغزالي (4/ 329 - 330)

ص: 336

الحديثةُ فإنَّه يرى الأمورَ مِن زَوايةِ الأَسبابِ الماديَّةِ الكثيرة والطبيعة لأنّه متوجه إليها فالمسافة إذن بين زَوايتي النّظر بعيدة جدًّا ..... ولهذا فقد تقدَّم أهلُ العلم التجريبي كثيرًا في معرِفَةِ خَواصِّ الموجوداتِ وتفاصيلها وأَوصافها الدَّقيقة في حين تخلَّفوا كَثيرًا حتى عن أَبْسَطِ المؤمنين وأَقلِّهم علمًا في مَجَالِ العلم الحقيقي وهو العلوم الإِلهيّة السَّاميةُ، والمعَارفُ الأُخروية.

فالَّذين لا يُدْركون هذا السِّرَّ، يظنُّون أنَّ علماءَ الإِسلامِ مُتأخرون عن علماء الطبيعة والفلاسفة =والحال أَنّ مَنِ انحدَرت عُقولُهم إلى عيونهم، وأصبحوا لا يُفكِّرون إلاّ بما يرون، وغَرِقوا في الكَثْرَةِ من المخلوقات أَنّى لهم الجُرأةُ لِيلحقوا بورثةِ الأنبياءِ عليهم السلام الّذين بلغوا المقاصِدَ الإلهيّةَ السَّاميةَ وغاياتِها الرفيعة العالية .... وحتمًا لا تتعارضُ حقيقةٌ علميّةٌ قاطعة مع حقائق النُّصوصِ القرآنيّة المُقدّسة =إذِ اليدُ القصيرة للعلمِ التجريبي قاصرةٌ عن بلوغِ أَهدابِ طرَفٍ من حقائق القرآن الرَّفيعةِ المُنزَّهة»

(1)

فهؤلاء يرون أنَّ سنن الكون خاضعةٌ للقوانين العلميّة التي لا يمكن أنْ تُخرَق ولا تُنتَقَض؛ لإنكاره وجود الخالق القادر. فهو يفسِّرُ ما يجري في الكون تفسيرًا " ميكانيكيًّا " لا يتبدّل ولا يتغيّر.

وعلى هذا؛ فهؤلاء المنكرون لهذه الآيات:

• إمّا أن يوافقوا أرباب المنهج الوضعي في مقاصد مذهبهم ولوازمه، وحاصل هذه الموافقة إنكارُ وجود الربّ تبارك وتعالى، أو إنكار قدرته جلّ وعلا، وخضوعِ كلّ شيءٍ لسلطانه. فحينئذٍ يعود الخطاب معهم في إثبات وجود الربّ سبحانه وتعالى.

(1)

"أُصول فهم الأحاديث النبوية"لسعيد النورسي (34 - 35)، وسعيد النورسي (1293 - 1379 هـ): هو أحد الدعاة الإسلاميين. ولد في قرية "نورس"بتركيا أخذ العلم عن علماء منطقته ورحل للاستزادة من العلم إلى عدد من المحافظات التركية، ثم تفرغ للدعوة ومقاومة جمعية الاتحاد والترقي واعتقل عدة مرات بسبب مطالبته بتحكيم الشريعة، من مؤلفاته:"رسائل النور"=انظر ما ترجم به لنفسه في كتابه: "سيرة ذاتيَّة"ترجمة إحسان الصالحي.

ص: 337

• وإمّا أن يُقِرُّوا بقدرة الله تعالى على خرق هذه النواميس والسنن؛ لأنها خلق من خلقه؛ فالذي أجراها على مقتضى قانون " السببيّة "؛ قادرٌ على خرق هذا القانون متى شاء. وأمّا موافقة أرباب المنهج الوضعي في فروع مذهبهم دون أصوله؛ فهذا لا يصحّ؛ لأن كلّ فرع لا يرجع إلى أصلٍ؛ فهو باطلٌ.

واستدلالهم على استحالة انتقاض هذه السنن، وبُعْد خرقِها؛ بقوله تعالى:{سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (62)} الأحزاب. وقوله تعالى: {اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا (43)} فاطر.=باطلٌ لأنَّه ليس في الآية مستمسَك لما ذهبوا إليه من إحالة خرق سنن الكون؛ لأن معنى الآيتين: بيان سنة الله وعادته في إكرام، ونصر أوليائه، وسنّتُه، وعادتُه في إهلاك وعقوبة أعدائه. والبرهان على أنّ هذا المعنى هو المقصد من الآيتين: دلالة السياق؛ فالمتأمّل في كلا الآيتين سيهتدي إلى هذا المعنى؛ ذلك أن لفظ " السُّنَّة " التي سبق ذِكرُها في سورة " الأحزاب "؛ جاءتْ في سياق التهديد والوعيد للمنافقين؛ قال الله عز وجل: {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا (60) مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا (61) سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (62)} الأحزاب.

فقد أبان الله سبحانه وتعالى عن عادته في أهل النفاق - إن أظْهروا نفاقَهم -: أن يقتلهم تقتيلًا. فالآيات سيقتْ لبيان سنة الله في أعدائه. يقول الإمام محمد بن جرير الطبري مبينًا تأويل هذه الآية: «يقول تعالى ذِكرُه: ({سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ}: هؤلاء المنافقون الذين في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم معه من ضُرباءِ هؤلاء المنافقين؛ إذا هم أظهروا نفاقَهم أن يقتِّلهم، ويلعنهم لعنًا كثيرًا» .

(1)

(1)

"جامع البيان"(22/ 49)

ص: 338

وكذا آية "فاطر"؛ فإن سياق الآيات يدلّ على أن هذا الحرف؛ المقصود به ذِكْرُ عادة الله في مَنْ كذَّب الرُّسلَ؛ بأن ينتقم منه، ويعاجله بالعقاب الأليم في الدُّنيا؛ يقول تبارك وتعالى:{وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا (42) اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا (43)} فاطر.

يقول الإمام ابن جرير رحمه الله في بيان ذلك: «فهل ينتظر هؤلاء المشركون من قومك يا محمد إلا سنة الله بهم في عاجل الدنيا على كفرهم به؛ أليمَ العقاب؟!. يقول: فهل ينتظر هؤلاء إلا أن أُحِلَّ بهم من نقمتي على شركهم بي، وتكذيبهم رسولي؛ مثلَ الذي أحللتُ بِمَنْ قبلَهم من أشكالهم من الأمم

وقوله: {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا (43)} ؛ يقول: ولن تجد لسنة الله في خلقه تبديلا. يقول: لن يغيِّر ذلك، ولا يبدِّله؛ لأنه لا مردَّ لقضائه».

(1)

وممّا يدلّ على فساد ما استدلّوا به: أنّه يلزمُهم - على مقتضى قولهم - إنكارُ تغيُّرِ العالَم عند إيذانِ اللهِ تعالى بنهاية الدنيا. وعلى هذا؛ فلا تكوير للشمس، ولا تبدُّل للأرض، ولا انكدار للنجوم .. إلى غير ذلك مما أخبر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم بوقوعه. وهذا القول لا يقول به إلاّ الملاحدة المنكرون للجزاء والبعث. يقول شيخ الإسلام (ابن تيمية) رحمه الله-في الردِّ على بعض الملاحدة:

(وقد أراد بعض الملاحدة كـ " السهروردي " المقتول - في كتابه (المبدء والمعاد) الذي سمّاه (الألواح العِماديّة) - أن يجعل له دليلًا من

(1)

المصدر السابق (22/ 146)

ص: 339

القرآن والسنة على إلحاده؛ فاستدلّ بهذه الآية

(1)

على أنّ العالَم لا يتغيَّر: لا تزال الشمس تطلع وتغرب؛ لأنها عادة الله.

فيقال له: انخراق العادات أمرٌ معلومٌ بالحسّ والمشاهدة بالجملة، وقد أخبر في غير موضع أنه سبحانه لم يخلق العالَم عبثًا وباطلًا؛ بل لأجل الجزاءِ؛ فكان هذا من سنّتِه الجميلة، وهو: جزاؤه النّاسَ بأعمالهم في الدار الآخرة، كما أخبر به مِنْ نصرِ أوليائه، وعقوبة أعدائه؛ فبعثُ الناس للجزاء هو من هذه السُّنّة. وهو لم يُخبِر بأن كلّ عادةٍ لا تنتقض؛ بل أخبر عن السُّنّةِ التي هي عواقب أفعال العباد؛ بإثابة أوليائه، ونصْرِهم على الأعداء. فهذه التي أخبر أنه لن يوجد لها تبديلٌ ولا تحويل .. وذلك لأن العادة تتّبع إرادةً الفاعل، وإرادةُ الفاعلِ الحكيم هي إرادةٌ حكيمةٌ؛ فتسوّي بين المتماثلات، ولن يوجد لهذه السنة تبديلٌ، ولا تحويلٌ؛ وهو إكرامُ أهل ولايته وطاعته، ونصْرُ رسله والذين آمنوا على المكذبين. فهذه السُّنَّة تقتضيها حكمتُه سبحانه؛ فلا انتقاصَ لها.

بخلاف ما اقتضتْ حكمتُه تغييرَه؛ فذاك تغييرُه من الحكمة أيضًا، ومن سُنّته التي لايوجد لها تبديلٌ ولا تحويلٌ)

(2)

تاسعًا: دعوى أنّ هذه الآيات تُعدُّ قدْحًا في العقل.

فيقال: الأمرُّ بخلاف ذلك؛ لأنّ هذه الدلائل والآيات لا تتضمّن ما يناقض الضرورة العقليّة؛ فهي وإن كانتْ خارقةً للسُّنَن، فليست - في الوقت نفسه - خارقةً لمناهج العقول؛ إذ إنّ من المُحال تناقُضُ الضرورتَيْن: الضرورة الحسيّة، والضرورة العقليّة.

(1)

يقصد: قوله تعالى: {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا (43)} فاطر.

(2)

" الرد على المنطقيين "(390 - 391)، وانظر زيادةَ بسطٍ لشيخ الإسلام لهذا المعنى في رسالته "لفظ السُّنة في القرآن"(1/ 47 - 58=ضمن جامع الرَّسائل)

ص: 340

وقد يُشكل على بعضهم أَنّ وجه مخالفة هذه المعجزات لضرورة العقل خُرُوجُها عن مقتضى قانون السَّببيّة الَّذي لا يُشكُّ أَنّه من مقرّرات العقل الفطريّه.

ومن أَلْطَفَ النَّظرَ عَلِمَ أَنّ إِثبات أَهل السُّنة لهذه الآيات كما هو مقرر في الأدلة الشرعية لا يناقض الضرورة العقليَّةَ؛ لأنَّ حصول هذه المعجزات وخروجها عن مقتضى الأَسباب المخلوقة التي أجْراها الله في الكون=لا يلزم منه أَنّها حادثة بلا سبب مطلقًا؛ بل حدوثها كان مباشرة من مُسبِّبها الحقيقي وخالقها، وهو الله تعالى، دون توسُّط السبب المخلوق.

وبذلك انجابت عن الأحاديث المثْبِتَةِ لهذه الآياتِ غواشي الشبهات، وانكشف -بحمدلله-زيفُها.

ص: 341