الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: سَوْق دعوى المعارض العقلي على الأحاديث الدالة على وجود الجنة والنار:
ومع وضوح تلك الدلائل؛ أَبَتْ طوائف من المعتزلة - فيما حكى عنهم أهل المقالات والتَرَاجم، وقد نسبوا ذلك على جهة الخصوص لِـ "بشر المريسي"
(1)
، و"ضرار بن عمرو"
(2)
- القبولَ بما تضمَّنته تلك النُّصوص. فأنكروا وجود الجنة والنار في الخارج وأنهما مخلوقتان الآن ، و" زعموا " أن وجودها في العِلم لا أنَّه متحقق في الخارج ، وإنما ينشئهما الله تعالى يوم القيامة.
والباعث لهم على هذه المُنَابذه الصريحة لمجموع تلك البراهين: توظيفهم الأقيسة الفاسدة في مقابل تلك الأدلة؛ حيث قاسوا الله على خلقه ، فأوجبوا
…
عليه تبارك وتعالى أُمورًا ، وحَظَروا عليه - تعالى - أُخرى. ولذلك نُعتوا بأنهم "مشبهة في الأفعال "؛ لتشبيهم الله تعالى بخلقه. فجمعوا بين النقيضين: التشبيه، والتعطيل.
ومستندهم في إنكار أن تكون الجنة والنار مُتَحَقِّقتَي الوجود في الخارج لا في العلم؛ أنهم قالوا: إن الحاجة إليهما إنما هي في الآخرة ، فوجودهما قبل تلك الحاجة عبثٌ؛ لأنهما ستبقيان مُعطِّلتين مُددًا طويلة!!
وفي تقرير مذهبهم يقول الجويني رحمه الله: (وقد أنكرت طوائف من المعتزلة خلق الجنة والنار، وزعموا أن لا فائدة في خلقهما قبل يوم
(1)
انظر:"تاريخ بغداد"(7/ 534).
(2)
انظر: "سير أعلام النبلاء"(10/ 545).
الثواب والعقاب، وحملوا ما نصّت الآية
(1)
عليه في قصة آدم عليه السلام على بساتين من بساتين الدُّنيا، وهذا تلاعُب بالدين ، وانسلالٌ عن إجماع المسلمين)
(2)
.
ويقول الإمام ابن القيِّم رحمه الله أيضًا: (لم يزل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعون وتابعوهم وأهل السنة والحديث قاطبة ، وفقهاء الإسلام، وأهل التصوف والزهد على اعتقاد ذلك وإثباته [أي وجود الجنة]
…
إلى أن نبغت نابغة من القدرية والمعتزلة ، فأنكرت أن تكون الآن مخلوقة، وقالت: بل الله يُنشئها يوم المعاد. وحمَلهم على ذلك أصلهم الفاسد الذي وضعوا به شريعة لما يفعله الله تعالى ، وأنَّه ينبغي له أن يفعل كذا ، ولا ينبغي له أن يفعل كذا ، وقاسوه على خلقه في أفعاله. فهم مشبهة في الأفعال ، ودخل التجهم فيهم ، فصاروا مع ذلك معطلة في الصفات)
(3)
.
وقد نَسَب البغداديُّ هذا القولَ أيضًا إلى الجهميَّة
(4)
.
(1)
يعني: قوله تعالى: {وَقُلْنَا يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} البقرة: 35،وغيرها من الآيات الدالة على مسكن آدم وزوجه الجنة قبل حصول المعصية منهما.
(2)
"الإرشاد"للجويني (378) .
(3)
"حادي الأرواح"(1/ 24 - 25)، وانظر:"شرح العقيدة الطحاوي"لابن أبي العز (2/ 615) .
(4)
انظر:"أصول الدين"(237) .