المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الأول مفهوم المعارض العقلي المدعى مناقضته للنصوص الشرعية - دفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث المتعلقة بمسائل الاعتقاد

[عيسى النعمي]

فهرس الكتاب

- ‌بصائر

- ‌تقريظ فضيلة الشيخ الدكتور عبد الرحمن بن صالح المحمود حفظه الله تعالى

- ‌المقدمة

- ‌ أَهمية الموضوع ، ودوافعُ اختياره:

- ‌ خطة البحث

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأوَّل مفهوم المعارض العقلي المُدَّعى مُناقضته للنُّصوص الشرعية

- ‌المبحث الثاني ظاهر النص الشرعي بين القراءة العصين والقراءة النسقية

- ‌المبحث الثالث تقويض النظرة الاختزالية للسُّنَّة النبوية

- ‌المبحث الرَّابع تزييف دعوى استناد الصحابة رضي الله عنهم إلى المعقول المتمحض في محاكمة النُّصوص

- ‌الفصل الأولدَفْعُ دَعْوَى المُعَارِضِ العَقْلِيِّ عنالأحاديث المتعلّقةِ بحقيقة الإيمان والشفاعة

- ‌المبحث الأولدفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث المتعلّقة بحقيقة الإيمان

- ‌المطلب الأول: سَوْق الأحاديث المُدَّعى معارَضتُها للعقل:

- ‌المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي على الأَحاديث المتعلقة بحقيقة الإِيمان:

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث المتعلِّقة بحقيقة الإِيمان

- ‌المبحث الثانيدفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث المتعلّقة بالشفاعة

- ‌المطلب الأول: سوق أحاديث الشفاعة

- ‌المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي على أحاديث الشفاعة:

- ‌المطلب الثَّالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن أحاديث الشفاعةِ

- ‌الفصل الثانيدَفْعُ دَعْوَى المُعَارِضِ العَقْلِيِّ عنالأحاديث المتعلّقةِ بتوحيد العبادة

- ‌مبحث:دفع دعوى المعارض العقلي عن حديث: (لا تُشدّ الرّحال)

- ‌المطلب الأول: سَوْق حديث: (لا تُشدّ الرحال

- ‌المطلب الثاني: سَوْق دعوى المعارِض العقلي عن حديث (لا تُشدّ الرحال)

- ‌المطلب الثالث: دفْع المعارِض العقلي عن حديث (لا تُشدّ الرحال

- ‌الفصل الأول دَفْعُ دَعْوَى المُعَارِضِ العَقْلِيِّ عن الأحاديث المتعلّقةِ بعصمة الأنبياء

- ‌المبحث الأول دفع دعوى المعارض العقلي عن حديث سحر النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الأول: سوق ألأحاديث الدالة على سحر النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثَّاني: سوق دعوى المعارض العقلي على أحاديث سحر النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثَّالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن أحاديث سحر النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثَّاني دفع دعوى المعارض العقلي عن حديثي شقِّ صدر النبي صلى الله عليه وسلم، وإسلام شيطانه

- ‌المطلب الأوّل: سوق حديثي شقِّ صدر النبي صلى الله عليه وسلم، وإسلام شيطانه

- ‌المطلب الثاني: سَوْق دعوى المعارِض العقلي على حديثَيْ شقّ صدر النبي صلى الله عليه وسلم وإسلام شيطانه

- ‌المبحث الثّالث دفع المعارض العقلي عن حديث (لم يكذب إبراهيم عليه السلام إلا ثلاث كذبات)

- ‌المطلب الأول: سوق حديث (لم يكذب إبراهيم عليه السلام إلا ثلاث كذبات):

- ‌المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي على حديث (لم يكذب إبراهيم عليه السلام إلا ثلاث كذبات)

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن حديث (لم يكذب إبراهيم عليه السلام إلا ثلاث كذبات)

- ‌المبحث الثالث دفع دعوى المعارض العقلي عن حديث لطم موسى لملك الموت عليه السلام

- ‌المطلب الأوّل: سوق حديث لطم موسى عليه السلام لملك الموت

- ‌المطلب الثَّاني: سوق دعوى المعارض العقلي على حديث لطم موسى عليه السلام لملك الموت

- ‌المطلب الثَّالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن حديث لطم موسى عليه السلام لملك الموت

- ‌الفصل الثاني دَفْعُ دَعْوَى المُعَارِضِ العَقْلِيِّ عن الأحاديث المتعلّقةِ بآيات وبراهين الأنبياء

- ‌المبحث الأول دفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث المتعلقة بالآيات الحسِّيّة للنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثانيدَفْع دَعوى المعارِض العقلي عن أحاديث انشقاق القمر

- ‌المطلب الثاني: سَوْقُ دعوى المُعارِض العقلي على أحاديث انشقاق القمر:

- ‌المطلب الثالث: دفْع دعوى المعارِض العقلي عن أحاديث انشقاق القمر:

- ‌المبحث الثالثدَفْع دَعوى المعارِض العقلي عن أحاديث الإسراء والمعراج

- ‌المطلب الأول: سَوْق أحاديث الإسراء والمعراج

- ‌المطلب الثاني: سَوْق دعوى المعارِض العقلي على أحاديث الإسراء والمعراج

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارِض العقلي عن أحاديث الإسراء والمعراج:

- ‌المبحث الرابع دفع دعوى المعارض العقلي عن حادثة (سوخ قدمي فرس سراقة بن مالك رضي الله عنه

- ‌المطلب الأول: سَوْقُ حديث سُراقة بن مالك رضي الله عنه

- ‌المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي على حادثة "سوخ قدمي فرس سراقة بن مالك

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن حادثة "سوخ قدمي فرس سراقة بن مالك رضي الله عنه

- ‌الفصل الثالث دَفْعُ دَعْوَى المُعَارِضِ العَقْلِيِّ عن اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بعموم البعثة

- ‌مبحث دفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث الدالة على اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم.بعموم البعثة

- ‌المطلب الأول: سَوْق الأحاديث الدالّة على اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بعموم البعثة:

- ‌المطلب الثاني: سَوْقُ دعوى المُعارِض العقلي على الأحاديث الدَّالة على اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بعموم البعثة:

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المُعارِض العقلي عن الأحاديث الدالة على اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بعموم البعثة:

- ‌الفصل الأول دَفْعُ دَعْوَى المُعَارِضِ العَقْلِيِّ عن أحاديث أشراط السَّاعة

- ‌المبحث الأول دفع دعوى المعارض العقلي عن عموم أحاديث أشراط السَّاعة

- ‌المطلب الأول: سَوْقُ الأحاديث الدّالة على عموم أشراط السَّاعة:

- ‌المطلب الثاني: سوق المعارض العقلي على عموم أحاديث أشراط السَّاعة:

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي على عموم أحاديث أشراط السَّاعة:

- ‌المبحث الثَّاني دفع المعارض العقلي عن أحاديث المسيح الدجّال

- ‌المطلب الأول: سوق الأحاديث المتعلِّقة بالدجَّال:

- ‌المطلب الثَّاني: سَوْق دعوى المعارض العقلي على الأحاديث المتعلِّقة بالدجال:

- ‌المطلب الثَّالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث المُتعلقة بالدجال:

- ‌المبحث الثالث دفع دعوى المعارض العقلي عن حديث الجسّاسة

- ‌المطلب الأول: سوق حديث الجساسة:

- ‌المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي على حديث الجسّاسة:

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن حديث الجساسة:

- ‌المبحث الرابع دفع المعارض العقلي عن أَحاديث نزول المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام

- ‌المطلب الأول: سوق الأحاديث الدالة على نزول المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام

- ‌المطلب الثاني: سوق المعارضات العقلية المدعاة على أحاديث نزول عيسى عليها السلام

- ‌المطلب الثالث: نقض دعوى المعارض العقلي على أحاديث نزول عيسى عليها السلام

- ‌الفصل الثاني دَفْعُ دَعْوَى المُعَارِضِ العَقْلِيِّ عن الأحاديث المتعلّقة باليوم الآخر

- ‌المبحث الأوَّل دَفْعُ المُعارِضِ العقلِيّ عن أحاديثِ عَذَابِ القَبْر ونَعيمِهِ

- ‌المطلب الأوَّل: سوق أحاديث عذاب القبر و نعيمه:

- ‌المطلب الثاني: سَوْقُ دَعْوَى المعارِض العقليّ على أحاديث عذاب القبر ونعيمه:

- ‌المطلب الثالث: نَقْضُ دعْوَى المعارِض العقلي:

- ‌المبحث الثاني دفع دعوى المعارض العقلي عن أحاديث الميزان

- ‌المطلب الأول: سَوْقُ أحايث الميزان:

- ‌المطلب الثاني: سَوْق دعوى المعارِض العقلي على أحاديث الميزان:

- ‌المطلب الثالث: دفع دعْوى المعارض العقلي عن أحاديث الميزان:

- ‌المبحث الثالث دفع دَعوى المعارِض العقلي عن أحاديث الصِّراطِ

- ‌المطلب الأول: سَوْق الأحاديث الدَّالة على الصراط:

- ‌المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي على أحاديث الصراط:

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن أحاديث الصراط:

- ‌المبحث الرابع دَفْع دَعوى المعارِض العقلي عن الأحاديث الدالّة على وجود الجنّة والنّار

- ‌المطلب الأول: سَوْق الأحاديث الدالة على وجود الجنة والنار:

- ‌المطلب الثاني: سَوْق دعوى المعارض العقلي على الأحاديث الدالة على وجود الجنة والنار:

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث الدالة على وجود الجنة والنار:

- ‌المبحث الخامس دفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث الدَّالة على بقاء الجنة والنَّار

- ‌المطلب الأول: سوق الأحاديث الدالة على بقاء الجنة والنار:

- ‌المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي على الأحاديث الدالة على بقاء الجنة والنار

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث الدالة على بقاء الجنة والنار:

- ‌المبحث الأوَّل دفع دعوى المعارض العقلي عن حديث (احتج آدم وموسى)

- ‌المطلب الأوَّل: سوق حديث (احتج آدم وموسى)

- ‌المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي على حديث: (احتج آدم وموسى عليهما السلام

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن حديث (احتجَّ آدم وموسى عليهما السلام

- ‌المبحث الثَّاني دفْع دَعوى المُعارِض العقلي عن حديث: (إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم)

- ‌المطلب الأول: سوق حديث (إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم):

- ‌المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي على حديث: (إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم)

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن حديث (إنَّ الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم)

- ‌المبحث الثالث دَفْع دَعوى المعارِض العقلي عن حديث: (لا يُدخل أحدًا الجنَّة عمله)

- ‌المطلب الأول: سوق حديث: (لا يُدخل أَحدًا الجنَّة عَملُهُ)

- ‌المطلب الثاني: سَوق دعوى المعارِض العقلِي على حديث: (لا يُدخل أَحدًا الجنَّة عَملُهُ)

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارِض العقلي عن حديث (لا يُدخِل أحدًا الجنَّة عملُه)

- ‌الفصل الأول دَفْعُ دَعْوَى المُعَارِضِ العَقْلِيِّ عن الأحاديث المتعلّقة بالملائكة والجن والشياطين

- ‌تمهيد:

- ‌المبحث الأول دَفْع دَعوى المعارِض العقلي عن الأحاديث المتعلقة بالملائكة

- ‌المطلب الأول: سوق الأحاديث الدالّة على وجود الملائكة ووجوب الإيمان بهم:

- ‌المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي على الأحاديث الدالّة على وجود الملائكة:

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث الدالة على وجود الملائكة:

- ‌المبحث الثاني دَفْع دَعْوى المُعارِض العقلي عن الأحاديث الدالة على وجود الجن والشياطين

- ‌المطلب الأول: سوق الأحاديث الدَّالة على وجود الجن والشَّياطين:

- ‌المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي على الأحاديث الدَّالة على وجود الجن والشياطين:

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث الدَّالة على وجود الجن والشياطين:

- ‌الفصل الثاني دَفْعُ دَعْوَى المُعَارِضِ العَقْلِيِّ عن بقيَّة الأحاديث المتعلّقة بالشيطان

- ‌المبحث الأول دَفْع دَعوى المعارِض العقلي عن حديث: (ما من مولود يولد إلاّ نخسه الشيطان

- ‌المطلب الأول: سَوْق حديث (ما من مولود يولد إلا نخسه الشيطان

- ‌المطلب الثاني: سَوق دعوى المعارض العقلي على حديث (ما من مولود يولد إلا نخسه الشيطان):

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن حديث (ما من مولود يولد إلا نخسه الشيطان):

- ‌المبحث الثاني دَفْع دَعوى المعارِض العقلي عن حديث: (بال الشيطان في أُذنه)

- ‌المطلب الأوَّل: سوق حديث: (بال الشيطان في أُذنه)

- ‌المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي على حديث: «بال الشيطان في أُذُنه»

- ‌المطلب الثالث: دفع المعارض العقلي عن حديث: (بال الشيطان في أُذُنه)

- ‌المبحث الثالث دَفْع دَعوى المعارِض العقلي عن حديث:

- ‌المطلب الأوّل: سَوْق حديث: (إذا سمعتم صياح الدِّيكة فاسألوا الله من فضله .. وإذا سمعتم نهيق الحمار فتعوَّذوا بالله من الشيطان) وحديث: (إذا نودي للصَّلاة أدبر الشيطان وله ضراط

- ‌المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي عن الحديثين

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن حديث: (إذا سمعتم صياح الدِّيكة فاسألوا الله من فضله .. وإذا سمعتم نهيق الحمار فتعوَّذوا بالله من الشيطان)

- ‌الفصل الثالث دَفْعُ دَعْوَى المُعَارِضِ العَقْلِيِّ عن الأحاديث المتعلّقة بالرُّؤيا

- ‌المطلب الأوَّل: سوق الأَحاديث المُتعلِّقة بالرُّؤيا:

- ‌المطلب الثاني: سَوْق دعوى المعارض العقلي على أحاديث الرُّؤيا:

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن أحاديث الرُّؤيا:

- ‌الفصل الرابع دَفْعُ دَعْوَى المُعَارِضِ العَقْلِيِّ عن بقية الأحاديث المتعلّقة بالغيبيات

- ‌المبحث الأول دَفْع دَعوى المعارِض العقلي عن الأَحاديث الدالة عن: أنّ شدّة الحرّ وشدّة البرد من النار

- ‌المطلب الأوَّل: سوق الأحاديث الدالة على أن شدة الحر والبرد من النار:

- ‌المطلب الثاني: سوق دعوى المعارض العقلي على الأَحاديث الدالة على أنّ شدة الحرِّ والبرد من جهنم:

- ‌المطلب الثالث: دفع دعوى المعارض العقلي عن الأحاديث الدالة على أنّ شدة الحر والبرد من جهنم:

- ‌المبحث الثاني دَفْع دَعوى المعارِض العقلي عن حديث سجود الشَّمس تحت العرش

- ‌المطلب الأول: سوق حديث: (سجود الشَّمس تحت العرش)

- ‌المطلب الثاني: سوق المعارض العقلي على حديث: سجود الشَّمس تحت العرش

- ‌المطلب الثالث: دَفْع دَعوى المعارِض العقلي عن حديث سجود الشَّمس تحت العرش

- ‌الخاتمة

- ‌قائمة المراجع

- ‌مُلَخَّص الرِّسالة

الفصل: ‌المبحث الأول مفهوم المعارض العقلي المدعى مناقضته للنصوص الشرعية

‌المبحث الأوَّل مفهوم المعارض العقلي المُدَّعى مُناقضته للنُّصوص الشرعية

المعارضُ العقلي مركَّبٌ تقييدي، يتحصَّل إدراكه بإدراك مُفْرديه:

فالمُعارِض: مُفَاعِل. أَصْلُ مادته من عَرَضَ. وهذه المادة تدور في اللِّسان على عِدَّةِ معانٍ؛ ترجع -مع كثرتها- إلى أَصلٍ واحدٍ؛ وهو: "العَرْض الذي يخالف الطُّول"

(1)

ومن معانيها التي لها عُلْقة بهذه المُقدِّمة = مَعْنيانِ، وهما: المَنْعُ، والمُقَابَلةُ. فالأوَّل، كقوله تعالى:{وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا} البقرة: 224 أي: لا تجعلوا الحَلِفَ بالله معترضًا مانعًا لكم أن تبرّوا. فالعُرْضَة هنا بمعنى: المعترض

(2)

والمعنى الآخر فكقولك: عارضَ الشيءَ بالشيء مُعارَضةً أي: قَابَلَه. وعارضتُ كتابي بكتابه؛ أي: قابلته

(3)

.

ومن هذين المَعْنَيين يستمد "المُعارِض" معناه الاصطلاحي، والذي يُقصدُ به: تقابُل الدليلين على سبيل الممانعة والمُدَافَعَةِ

(4)

.

وأَمَّا مَفْهوم العقلِ في اللِّسان: فتدور مادته =على المنع والحبس والإمساك ومن ذلك: (عَقَلَ الدواءُ بطنَه يعقِله عقلًا = أمسكه)

(1)

انظر: "مقاييس اللُّغة" لابن فارس (4/ 369)

(2)

انظر: "تهذيب اللغة" للأزهري (1/ 454)

(3)

انظر: "لسان العرب"(4/ 302) مادة (عرض)

(4)

انظر: "شرح الكوكب المنير"(4/ 605)

ص: 25

ومنه: تسميةُ الدية عقلًا؛ (لأن القاتل كان يُكَلَّفُ أن يسوق الدِّية إلى فناء ورثة المقتول فيعقلها بالعُقُل ويسلمها إلى أوليائه)

(1)

ويسمى عقل الإنسان عقلا. وهو مصدر: عقل يعقل عقلا ومعقولا فهو عاقل؛ لأَنَّه يمنع صاحبَه من التَّورُّط في المَهَالِك

(2)

وأَمَّا مفهومه في المواضعة و الاصطلاح: فيدور على مَعَانٍ، والذي يراد به في هذا المقام و يمتنع معارضته للدلائل النقليَّة =هو العقل الفِطري بمبادئه الأوليَّة التي فُطر عليها العقل الإنساني، والذي يحده النّظَّارُ والمتكلمون بأنَّه (عِبارةٌ عن جُمْلَةٍ من العلومِ مخْصوصَةٍ، متى حَصَلتْ في المُكلَّفِ صحَّ منه النظرُ، والاستدلالُ، والقيامُ بأداءِ ما كُلِّف منه)

(3)

وهذه المبادئ والعلوم يمكن رَدُّها إلى مبدأين:

الأول: مبدأ عدم التناقض. والذي يُراد به: امتناع أن يوجد الشيء، وأن لا يوجد؛ في نفس الوقت، ومن ذات الجهة.

المبدأ الآخر: مبدأ السببيّة. أو "السبب الكافي". ويقصد به: أن كلَّ ما يوجد فلا بُدَّ أَن يكون لوجوده سببٌ.

(4)

فهذان المبدآن يَتّسمان بالضرورة، والكُليَّة:

فأمَّا الضرورة فبمعنى: امتناع تصوُّر نقيضها، وامتناع البرهنة عليها؛ لكونها بيّنة لا تفتقر إلى برهانٍ، فهي أصل كل برهان.

وأما الكليّة فالمراد بها: انطباقها على كل وجود ذاتيّ، أو موضوعي

(5)

(1)

انظر: " لسان العرب" ابن منظور (4/ 394 - 396) مادة (ع ق ل)

(2)

انظر: "القاموس المحيط"للفيروز آبادي (1336)

(3)

"المغني في أبواب العدل والتوحيد"للقاضي عبد الجبار (375 - جزء التكليف)

(4)

انظر: "العقل والوجود" ليوسف كرم (138)

(5)

المصدر السابق (140)

ص: 26

ويندرج تحت مفهوم العقل أيضًا: العقلُ الحسّي، الذي يكون أساس استناده على نَقْل الحِسّ ومعطياته.

وبعد بيان معاني المفردات التي ينحل عنها مصطلح المعارض العقلي=يتحرّر المقصود بهذا المركب التقييدي -أعني: المعارض العقلي-؛ فيقال: هو تقابل الدَّليلين العقلي والدليل النقلي على سبيل الممانعة والمُدافعة؛ فإنّ الدليل النقلي

-وأعني به: الوحي كتابًا وسُنَّة- يمتنع أَن يكون مناقضًا للعقل - بمفهومَيْه الفِطري والحِسّي-و وجه ذلك: أنَّ النَّقلَ لا يكون منافيا للعقل الفطري؛ بحيث تكون دلالته منافية لمبدأ عدم التناقض، أو منطوية على ما فيه خرق لقانون السببيَّة. وكذا يمتنع وروده بِرَفْعِ ما يَقْطَعُ الإدراكُ الحسي بثبوته.

وأَمَّا ورود البرهان النقلي بما لم يدلّ عليه العقلُ فهذا متحقق، ولا معارضة حينئذٍ؛ لأن الكلام إنّما هو في دليلٍ نقليٍّ يؤدي مفهومًا على خلاف الضَّرورة العقليَّة، لا فيما يختصُّ به الدليل النقلي دون العقلي. ذلك أن الموضوع الذي يكون قابلًا للإدراك لا يخلو حال العقل بالنِّسبة للدلالةِ عليه من عدمها من إحدى الأوجه التالية:

الأول: أن يختص العقل بالدلالة عليه دون الدليل النقلي.

فالممانعة حينئذٍ مُنْتفية.

الثاني: أن تقع الدلالة مشتركة بين العقل وبين الدليل النقلي.

فتكون العلاقة بينهما علاقة تكاملٍ.

الثالث: ما يَعزُبُ عن العقل الدلالة عليه؛ لخروجه عن مَجَالِهِ.

فالعقل عندئذٍ لا يَدلُّ عليه ولا ينفيه أيضًا؛ فتكون الدَّلالةُ عليه واقعة بالدَّليل النَّقلي.

وعلى هذا فالمُدافعة غير مُتأتّيةٍ.

الرابع: لم يَرد به النَّقل ولم يدل عليه العقل.

ويندرج تحته من الأمثلة: كتفصيل آحاد نعيم أهل الجنَّة، وما

ص: 27

استأثر الله بعلمه من أسمائه وصفاته، وغير ذلك مما لم يرد تعيينه في النَّقل.

فاستبان لك أَن المنافاة بين الدليلين غير واقعة، وإنما تَتحقق المنافاة إمَّا بين عَقْلٍ مدخولٍ وبين نقلٍ صحيح -وهذا الصنف من التعارض، هو المراد تناوله في هذه الدِّراسة-، أو بين نَقْلٍ منحولٍ وبين عقلٍ صريح. فمفهوم العقل والنقل كلاهما دخلته مادة من الاشتباه والإجمال

(1)

؛ إذْ كل طائفةٍ أَصَّلت لها أُصولا بدعية، جعلتها عَقلًا تتمعْقلُ به على الدَّلائل الشرعيَّة، فما وافقه قُبِلَ، وما خالفه رُدّ.

والأَصْلُ الجامع الذي ينتظم المخالفين لأهل السنة مع تفاوت رُتَبِهم في مُفارقة الدَّلائل الشَّرعيَّة =هو اعتقادهم بأوّلية العقل على النقل؛ بدءًا بالمدارس الكلامية والفلسفيّة، وانتهاءً بالمدرسة الخَلَفيَّةِ المعاصرة بشتى طوائفها.

وبسَوْق أحرفهم في هذا المقام يتجلى لك ما سبق ذكره.

فمِن أوائلِ الفرق التي قُرن اسمها مع العقل غلوًّا في توظيفه =المعتزلة. ومن شواهد هذا الانحراف في توظيف العقل، ماتراه منقولًا عن أئمَّة المعتزلة.

فالنظَّام يُقرِّر أَنَّ العَقْلَ في رُتبة الدَّليلِ النَّقلي بالنَّظر إلى إمكان نسخ

(1)

انظر: "مجموع الفتاوى"لشيخ الإسلام ابن تيمية (16/ 469)

ص: 28

الأَخبار به، فتراه يقول:(إنّ جهةَ حُجّة العَقْلِ قد تنسخ الأخبار)

(1)

ويقول القاضي عبد الجبَّار الهمداني: (وإذ قد عرفت ذلك؛ فاعلم أنَّ الدَلالةَ أَربعةٌ: حُجّةُ العقلِ، والكتاب، والسُّنّة، والإجماع. ومعرفةُ الله لا تُنالُ إلَاّ بِحُجّة العقل)

(2)

ويقول الزَّمخشري في مَعْرض تفسيره لقوله تعالى: {وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111)} يوسف: ({وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ} يُحتاجُ إليه في الدِّين؛ لأنَّه القانون الَّذي يستنِد إليه السُّنّة، والإجماع، والقياس بعد أدلة العقل)

(3)

وبهذه النُّصوص يتبين أَنّ المعتزلة تجعل العقلَ حجةً ودليلًا مُستقلًا، وتُقَدِّمه على سائر الأدلة.

وهذا التقديم وإن لم تدَّعِ المعتزلة بأنّه تقديم رتبة وتفضيل لأنّه لا يُعرف عن أحد منهم -فيما أعلم- التنصيص على أَفضليَّته على الدَّلائل الشرعية من كتابٍ وسنّة صَراحةً = إلَّا أنَّ تصرُّفاتِهم العملية برهان يدل على جعلهم العقل حاكمًا على النُّصوص، ويظهر ذلك فيما يتناولونه من الدلائل السّمعية، فأمَّا الدَّلائل القُرآنيةُ، فلكونها قطعيةَ الثُّبوت لم يستطيعوا ردَّها، بل اكتفوا بتطريق الاحتمالات على دلالاتها

(1)

انظر: "تأويل مختلف الحديث"لابن قُتيبة (47)

(2)

"شرح الأصول الخمسة"للقاضي عبد الجبار (88)،والقاضي عبد الجبار (ت 415 هـ): هوعبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار، أبو الحسن الهمداني الأسدآباذي الشّافعي القاضي، أُصولي متكلم تُلقبه المعتزلة بـ"قاضي القُضاة" من أئمة المعتزلة، من تصانيفه "شرح الأصول الخمسة"،و"تنزيه القرآن عن المطاعن"=انظر:"طبقات الشافعية الكبرى"(5/ 97)

(3)

"الكشَّاف"للزمخشري (533)،والزمخشري (467 - 538 هـ): هو محمود بن عمر بن محمد= =الخوارزمي الزمخشري، جار الله، أبو القاسم، من أئمة المعتزلة له اليد الطولى في علوم اللغة والبلاغة، من تصانيفه:"أساس البلاغة"،و"المقامات"=انظر:"الأعلام"(7/ 178)

ص: 29

لينفى عنها إفادة اليقين، وأَمّا أخبار الآحاد=فهي المَرتع الخصب لظهور الطغيان الاعتزالي، فإنَّهم يردُّون السُّنن بحجّة ظنية ثبوتها فضلًا عن دلالتها. فكُتُبهم ترشحُ بنَفَس التعطيلِ لمدلولات تلك الأخبار، والرَّدِّ لها. وسيأتي -بإذن الله - ضرب الشَّواهد على ذلك.

ثُمَّ إنَّ أَقاويلهَم الدّالة على عدم اعتبار النصِّ حين يخُالفُ مَعقولاتهم برهان آخر على أوليّة العقل عند قيام التعارض.

وبذلك يُعلَم أَنّه لا مناص من ردِّ التّمحّلات التي تتسابق في تبرئة المُعتزلة بدعوى الإنصاف لهم

(1)

،فالإنصاف متى كان في موضعه فهو الواجب ديانةً، وإلاّ كان طَمْسًا للحقائق.

والإِنصاف حقيقةً الّذي يُلفت إليه: أَنَّ المعتزلة مع غلوِّها في الاعتداد بما ظنُّوه "معقولا"وضلالها وانحرافها في ذلك، إلَاّ أنّ أَصْلَ التعظيم والإجلال للشَّريعة والرِّسالة، وقصد التنزيه وإثبات الكمال للربِّ تبارك وتعالى، مطلبان سعى إليهما المعتزلة من حيث الجملة، مع فوات الحقِّ عليهم في كثير من مسائل الاعتقاد.

وبهذا يُعلم أَنَّ المستغربين الّذين رفعوا راية الدَّعوة إلى التمرُّد على النّص الشرعي وتجاوزه، وإن أظهروا الإشادة بالتيّار الاعتزالي لانحرافه في فهم حقيقة وظيفة "العقل"= إلَاّ أَنّهم في حقيقة الأمر أَظهروا الإشادة ليستتروا خلف هذا الأنموذج ويُظهروا لمن لا يعرف حقيقة مقاصدهم أنّهم إِنّمّا يستلهمون من ذات التاريخ الإسلامي وما نشأ فيه من حَرَكات وفِرق حادت عن الحق =ما زعموا أنَّه نواة للإبداع والتحديث، فيخفوا بهذا الاحتفاء الأنموذج الحقيقي الّذي وقعوا في تبعيَّته واجترار رجسه وآفاته.

هذا الأُنْموذج الباطن كامنٌ في الفكر الغربي الوثني.

وهذه الحقيقة لم يستطع كبارهم كتمها، فأَدونيس يُعلي من شأن الانحراف الاعتزالي لانعتاقه -نسْبيًّا- من سلطة الوحي، لكنّه مع ذلك كُلِّه يرتكسُ ليؤكد أَنَّ هذا الأنموذج لا يمُثِّل الأنموذج المرتضى الّذي

(1)

قارِن ذلك بما جاء في كتاب "البعد الزَّماني والمكاني وأَثرهما في التعامل مع النَّصِّ الشَّرعي"لسعيد بوهراوة (54)

ص: 30

يُنْسجُ على منواله إذ يبقى أنّه عقل وليد التديُّن لا التساؤل، فهو -بحسب زعمه - ابن الله والوحي! فتراه يقول: (ومن هنا قالت المعتزلة: إنَّ العقلَ لا النَّقل هو الّذي يحكم على العالم، ويُقرِّر طبيعة الصِّلة بينه وبين الله. فالكونُ عقلي، والدِّين نفسه لا قيمة له إِنْ تناقض مع العقل. كان هذا تحوَّلًا حاسمًا في تاريخ الفكر العربي، فلقد أخذ الإنسانُ يجْرؤ على أَن يُخضع الوجودَ كلَّه، المادي والغيبي، لمقاييس العقل وأَحكامه، بعد أن كان الامتثال السَّلفي -التقليدي هو الّذي يسود الحياةَ والفِكرَ. . . .ومع ذلك لم يكن ممكنًا أن تنشأ الفلسفةُ العقلانيَّةُ بمعناها الخالص الجذري، استنادًا إلى حركة الاعتزال بحدِّ ذاتها؛ لسببين:

الأَوَّل: هو أَن العقل العربي، حتَّى في صيغته الاعتزالية، لم يَنفِ، في تفسيره ظواهر الطبيعة، الفعل الإلهي المستمر المباشر في الطبيعة. . .

والسَّببُ الثَّاني: هو أَنَّ هذا العقل ظل إيمانًا -أي ظلَّ ينطلقُ من مُقدِّمات شرعيّة يفرضها صحيحة لاشك فيها، وهذا يعني أَنَّه ظلَّ أُسطوريًّا. .فالعقل العربي وليد التديُّن لاالتساؤل؛ إنَّه ابن الله والوحي، وليس ابن الإنسان والطبيعة)

(1)

=وأَمَّا الأَشاعرةُ فتجد الجويني يحدّد معالم ما يدرك بالسَّمَعِ والعقل من العقائد، وما ينفرد كل دليل منهما بتقريره:

(اعلموا -وفقكم الله - أنَّ أُصول العقائدِ تنقسمُ إلى:

- ما يُدركُ عقلًا، ولا يَسوغُ إِدراكه سَمْعًا.

- وإلى ما يُدركُ سمعًا ولا يتقدَّر إدراكه عقلًا.

- وإلى ما يجوزُ إدراكه سمعاً وعقلًا.

(1)

"الثَّابت والمُتحوِّل"لأدونيس (1/ 126 - 128) وانظر: "الفكر الإسلامي نقد واجتهاد"لمحمد أركون (236)

ص: 31

فأمَّا ما لا يُدركُ إلَّا عَقلًا =فكُلُّ قاعدةٍ في الدين تتقدَّمُ على العلمِ بكلامِ الله تعالى، ووجوبِ اتصافه بكونهِ صِدْقًا؛ إذِ السمعيَّاتُ تستندُ إلى كلامِ الله تعالى، وما يسبقُ وجوده في الترتيبِ ثُبوت الكلام وجوبًا، فيستحيلُ أن يكون مُدركه السمع.

وأمَّا ما لا يُدركُ إلَاّ سمعًا =فهو القضاءُ بوقوع ما يجوز في العقل وقوعه، ولا يجبُ أن يتقرر الحكم ثبوت الجائز ثبوته فيما غاب عنَّا إلَاّ بسمع

)

(1)

فأنت ترى أنَّ هذا التقسيم من موارد الخلل فيه جَعْلُ ما كان إدراكُه مُختصًّا من تلك العقائد بالدَّلالة السّمعيّة =مقيَّدًا بتجويز العقل له، فإن لم يحصل التجويز لم يقع تصحيح ذلك المُدرك من ذلك الطريق!

ويقول الغزالي: (

أمّا ما قَضَى العَقْلُ باسْتحالتِهِ =فيَجِبُ فيه تأويلُ ما وَرَدَ السَّمْعُ به، ولا يُتصوَّرُ أَنْ يَشْتَمِلَ السَّمْعُ على قاطعٍ مُخالفٍ للعقولِ، وظَوَاهرُ أَحاديثِ التَّشبيه أَكثرها غيرُ صحيحةٍ، والصَّحيحُ منها ليس بقاطعٍ، بل هو قابل للتأويلِ)

(2)

وعلى وَفْق هذا القانون -أعني القول بأوليَّة العقل-درج كُلُّ من جاء من المتأخرين المتمعقلين على النُّصوص على اختلاف مَشاربهم وتفاوت منازلهم في الانحراف، فترى الشيخ محمد عبده يؤصل للإسلامِ أُصولًا، فيعدُّ الأصل الثّاني من الأصول التي قام عليها الإسلام ما ذكره بقوله: (الأصلُ الثَّاني للإِسلام: تقديمُ العقلِ على ظاهرِ الشَّرعِ عند التعارض. أَشْرَعُ إليك بذكر أَصلٍ يتبع هذا الأَصلَ المُتقدِّم قبل أن انتقل إلى غيره=اتّفق أهلُ المِلّةِ الإِسلاميَّةِ

(3)

-إلاّ قليلًا ممن لا يُنظر إليه-

(1)

"الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أُصول الاعتقاد" للجويني (358 - 360)

(2)

"الاقتصاد في الاعتقاد" لأبي حامد الغزالي (272)

(3)

في حكايةِ هذا الاتِّفاقِ نَظَرٌ؛ فهي دعوى ساقها الشيخ محمد عبده مُرْسَلَةً دون أن يقيم عليها البرهان، وهو في الحقيقة إنَّما عَنى حكاية اتِّفاق المُخالفين لأهل السُّنَّة والجماعة من طوائف المُتكلِّمين وغيرهم، وهؤلاء ليسوا جميع أهل المِلَّةهذا أَمر، وأَمرٌ آخر، فإنَّ اتِّفاق المتكلِّمين على خصوص هذه مَسألة =لا يعتدُّ به مادام خارقًا لاتِّفاقِ أئمَّة السَّلف.

ص: 32

على أَنّه إذا تعارض العقلُ والنَّقل أُخذَ بما دلَّ عليه العقلُ.

وبقي في النقل طَريقان:

[الأولى]: طريق التسليم بصحة المنقولِ مع الاعتراف بالعجزِ عن فَهْمِهِ، وتفويضِ الأمر إلى الله في علمه.

والطريق الثانيةُ: تأويلُ النَّقلِ، مع المُحافظةِ على قوانين اللُّغَةِ، حتّى يتّفِقُ معناهُ مع ما أثْبتَه العقلُ. وبهذا الأصلِ، الّذي قام على الكتابِ وصحيحِ السُّنّةِ، وعَمَلِ النبي صلى الله عليه وسلم، مُهِّدت بين يدي العقل كل سبيل، وأزيلت من سبيله جميع العقبات)

(1)

بل إنَّه يجعل النَّظَرَ في الحقائق مُقدَّمًا على الأَخْذِ بالدَّلائل الشرعيَّة، فيقول:(الواجب على كُلِّ ذي عقل أَن ينظرَ في الحقائق، ويسبُرها على وجه أدق، بحَسَبِ طاقته، ويُقيم البراهين القطعيَّة، على النَّفي والإثبات. ثُمَّ يأخذ ألفاظ الشَّارع مُسَلَّمة مقبولة، قائلًا: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (7)} آل عمران.

ولا يتعسَّف طريق التأويل؛ فإنَّ هذا حالٌ شَرحُه طويل؛ فإنَّا لا ندري ماذا أراد بما قال، فرُبَّما ذهب اشتغالنا هباء منثورًا. فالحقُّ أن لا يُهمل النَّظر، وأن يكون من التأويل على خَطر =وهذه رُتبة الرَّاسخين في العلم الذين وقفوا على الحقائق بصفاء عقولهم، ثم يقبلون ما جاءهم من ربهم، مع عدم الاستطلاع لما هو دفينٌ تحت حُجُب أستاره)

(2)

وأمّا نصر حامد أبو زيد فيأْبى أَن تكون النُّصوصُ الشَّرعية مرجعيّةً

(1)

"الأعمال الكاملة للشيخ محمدعبده"لمحمد رشيد رضا (3/ 301)

(2)

"حاشية الشيخ محمد عبده على العقائد العضدية"(501 - 502)

ص: 33

شاملةً يتحاكمُ إليها المُسلم في كُلِّ شؤونه الدّنيوية والدِّينية؛ ويزعم أَنَّ جعل هذه النُّصوص -ويعني: الكتاب والسُّنّة- في رُتبة الحاكم المُطلق الّذي تُرَدُّ إليه الخصومات، وتفئ إليه الجزئيات =إنّما هو من توليد الفكر الدِّيني، لا أنّ ذلك نابع مِن حقيقتها التي أَرادها الله منها، ثمّ إنّ بَسْطَ سلطان هذه النُّصوص -بِزعْمِه- سببٌ في تضاؤل سُلطة العقل!

فتأمل قولَه: (. .إِنَّما ينشأُ التَّصادمُ بين العقل وسُلطة النُّصوص؛ وذلك أَنَّه حين تتحوَّل النُّصوص إلى سُلطة مُطلقةٍ، ومَرجعيَّة شاملةٍ بفعل الفكر الدِّيني

.تتضاءل سُلطة العقل، وفي تضاؤلِ سُلطة العقل يكمنُ التَّخلّف الَّذي نُعانيه على جَميع المُستويات والأَصعدة)

(1)

ويقول عادل ضاهر: (

أَي مَصدرٍ نلجأ إليه غير العقل، مهما كانت درجةُ مَوثوقيَّته، فإنَّها لا تَرْقى إلى مُستوى مَوثوقيَّة العقل. إنَّ هذا ما توضِّحهُ الأُطروحة الثَّانية في تأكيدِها على كون الاعتبارات العقليَّة في حال حصول تعارضٍ بينها وبين الاعتبارات الصَّادرةِ من مصدر غير عقلي =هي دائمًا مُبطلة للأخيرة. فإذا كان اللُّجوء إِلى السُّلطةِ المُناسِبةِ للحُصولِ على مَعلومات مُعينة له ما يوجبه في ظلِّ ظروفٍ مُعيَّنة=فإنَّ هذا لا يجوزُ أن يُنسِينا أنَّ موثوقيَّة هذه السُّلطةِ، بدئيًّا، تأسَّست على أدلَّة عقليّة، وأنَّه في أيِّ لحظَةٍ قد تظهر أَدلّةٌ عقليَّةٌ جديدةٌ تضع مَوثوقيَّة هذه السُّلطةِ موضع السُّؤال. وفي حالِ ظهور أَدلَّةٍ كهذه؛ فإنَّ اللجوءَ إلى هذه السُّلطة يُصبِحُ أَمرًا مُتعارضًا مع الاعتباراتِ العقليّة، وإذا كانت اعتباراتٌ من النَّوعِ الأخير. .هي الأكثر موثوقيَّة، إذن ما يتبع فورًا هو أنَّ من يُريد أن يضمن اقترابَه من معرفةِ الحقيقةِ إلى الحدِّ الأقصى -في الحالة التي تَعنينا-=لايملكُ سوى أن يُعطي للاعتبارات العقليَّة وزنًا أكبر من

(1)

"الإمام الشَّافعي وتأسيس الأيدلوجيَّة الوسطيَّة"نصر حامد أبوزيد (16)

ص: 34

الاعتبارات المُسّتمدَّة مِن السُّلطة المُعيَّنة)

(1)

ثم يُبيِّن أنَّه لا وجودَ للتعارض الحقيقي بين النَّقل والعقل، وإنّما التعارض بينهما تعارض ظاهري، وانتفاء وجود التعارض حقيقة -لديه- ليس على أَساس استحالة التعارض بينهما؛ لكون الدَّلائل العقلية موافقة للدلائل النقليَّة وتَضمُّن الأخيرة للأولى =وإنّما على أساس امتناع وجود معرفةٍ يُوثقُ بها تكون في رُتبة المعرفة العقليَّة لِيقع التعارض

(2)

!!

وفي ذلك يقول: (الموقفُ من أيِّ تعارضٍ بين النَّقلِ والعقلِ، مِن قِبَلِ الَّذين يعتبرون النَّقلَ مَصْدَرًا من مصادر المعرفةِ= هو أنَّهم لن يتخلَّوا عمَّا وَصَلَهم عن طَريقِ النَّقلِ، حتَّى ولو تبيَّن على نحو قاطعٍ أَنَّ تعارضَه مع العقل هو تعارضٌ حقيقيٌ، وليس مُجرَّد تعارضٍ ظاهري، حتَّى موقف كهذا لا يفلت من المعايير العقليَّة. فإذا اختار واحدُنا التَّمسكَ، مثلًا، بالفهم الحَرْفي لِقِصَّة الخلق في وجه كُلِّ الأَدلَّةِ التي نَجِدُها في نَظَريَّة التطوّر، وعِلم الإحاثةِ، وعلم الفَلَك

(3)

،

حتَّى في حال اعترافهِ بعدَم إمكان التوفيق بين هذا الفهم والأدلَّة الأخيرة =فإنَّه مُطالبٌ بأنْ يُبيِّنَ لماذا يَثِقُ بالنَّقلِ أكثر من ثِقَتِه بالعقلِ، بمعنى آخر =إنَّ عليه أن يُعطي أَسْبابًا لترجيح أحكام النَّقلِ على أحكام العقل، وإلَاّ يكونُ موقِفُهُ تحكُّميًّا، من الواضحِ إذنْ؛ أنَّ العقلَ يبقى مَرجِعنا الأخير بِخصوصِ قَبولِ، أو رفض موقف كهذا

(4)

، فالعقلُ هو سَبيلُنا الوحيد لتقويمِ أَيّ

(1)

"أوليّة العقل"عادل ضاهر (156) .

(2)

انظر: "الأسس الفلسفيَّة للعلمانيّة"لعادل ضاهر (362) .

(3)

نظريَّة التطور التي قال بها دارون لم تَرقَ إلى درجة الحقيقة العلميَّة المقطوع بها بشهادة علماء الغرب أَنفسهم الذين فوَّقوا سهام النّقد والتمحيص إليها، ناهيك عن مناقضتها للدَّلائل الشَّرعيَّة=انظر:"مصرع الدَّارونيَّة"لمحمد علي يوسُف (35) ..

(4)

هذه مغلطةٌ؛ ويمكن قلب الدعوى عليه بأن يُقال: إنَّ صِحَّة النَّقل ثُبوتًا ودلالةً يقضي= =بِقبولِ حُكْمِهِ لمن كان مؤمنًا، لقيام البرهان العقلي لديه على صدقِ كل ما يجيءُ به الشَّرعُ لكونه من عند الله، وثبوت ذلك لديه =سبب موجب للإيمان إيجابًا حتمًا كُليًّا، وعندئذٍ يكون قيامُ البرهانِ العقلي على صِّحّةِ النَّقل من حيث الأَصل =لايكونُ حُكْمًا بأوليَّته من حيث التقديم لحكمه ابتداءً وانتهاءً، وإنّما هو اعتضاد به ابتداء لكونِ الخطاب موجَّهاً إليه ليقوم بأمانة التكليف، ثُمَّ تكون السُّلطة للنَّقلِ؛ لأنَّ العِبرةَ بمن تنفذُ أحكامه في آخر الأمر. وأَمَّا البرهنةُ على خُصوصِ قَضيَّة شرعيَّة ما مما يقع للعقل إدراكها =لا يعني أَيضاً أنَّ ذلك حُكماً بأوليَّته-أعني العقلَ- على النَّقلِ؛ لأنَّ الهيمنةَ في جليّة الأمر لسُلْطان النَّقلِ =فالبرهنةُ العقلية بمثابة طليعة الجيشِ المُمهِد لقيام دولةِ النَّقلِ ونفوذ أحكامهِ.

ص: 35

أسبابٍ قد يأتي بها من يتبنَّى مَوقِفًا كهذا لتدعيمِ موقفِهِ.

ولكن قد يتساءلُ بعضهم: لماذا لا نُطالب مَن يَرفض قِصَّة الخلق، أو الفهم الحرفي لها بالأحرى في وجه الأدلَّة المُشار إليها؛ بإعطاء أَسباب لترجيحهِ أحكام العقلِ على النَّقلِ؟ =الجواب بسيطٌ، وهو يتلخَّص في القول: إنّ العقل أثبتَ موثوقيتَه خِلال أزمنة طويلة وضعت طُرقَه ومبدءه، ومعاييرَه فيها باستمرار على مَحكِّ التجرِبَةِ العمليَّة

(1)

.. )

(2)

ويقول محمّد حمزة: (إنَّ العقلَ بما هو فعَالية اجتماعيَّة تاريخيَّة متحرِّكة قابل للخطأ لكنَّه وبنفْسِ الدَّرجةِ قادرٌ على تَصْويبِ أخطائهِ؛ ولأَنّ العقلَ سُلْطَةٌ اجتماعيَّةٌ وتاريخيَّةٌ =فهو ضدُّ الأحكامِ النِّهائية والقطعيّة

هكذا يُصبحُ العقلُ أوَّلًا والنَّصُّ ثانيًا

(3)

؛ لأنَّ النَّصَّ يجِبُ

(1)

هذا عين التناقض! إذ كيف تجتمِعُ الثِّقةُ بالعَقْل مع ديمومة المُراجعةِ لأحكامِهِ، والفَحْص لنتائجه؟! فخضوعُهُ للفحصِ والمراجعةِ بُرهانٌ بيِّن على قُصوره، و استحالة الثِّقةِ بحُكمه على جهة الاطِّرادوالتَّاريخُ شاهد بثبوت خطإ ما يُظنّ أنّه من يقين العقل في حالات، ولم يَثبُت خطأ ما صحَّ من النَّقلِّ ثبوتاً ودلالةً ولو مرّة واحدة =فمنهج العقلِ يَقْضِي حينئذ بتقديم اليقين النّقلي على مايتعارض معه -في الظاهر- من دلالةٍ عقليّةٍ قابلة للاستدراك والمراجعة.

(2)

"أوليَّة العقل"لعادل ضاهر (188 - 189)

(3)

القول بأوليَّة العقل على النَّقل حكمٌ قطعي نهائي عند محمد حمزة، وهذا الحكم مُناقض لما قرَّره قبل ذلك من أنَّ العقل ضد الأحكام القطعيَّة النِّهائيّة. فانظر: كيف جمع في سِياق= =واحد بين النقيضين؟!

ص: 36

أَلَاّ يُخالفَ أغراضَ الإِسلامِ العُليا التي تَرْمي إلى سعادةِ الإِنسان في الدُّنيا والآخرة.

إنّ انتقادات هذه الرِّوايات ذات البنية الأُسطوريَّة

(1)

يعني رفضَ إلغاء العقلِ لصالح نُصوصٍ لا يمكن أنْ يُصدِّقُها عَقلٌ إلَاّ إذا كان مُتعفِّنًا ومن أَجل ذلك لا يُمكِنُنا أن نَسكُت عنها غير أَنَّ تحكيمَ العقلِ في هذه النُّصوص لا يمكن أنْ يَقْبَلَهُ الفكر الدِّيني المحافظ؛ لأنَّه لايُنْتجُ إلاّ الفوضى في قَبول الأحاديث أَو رفْضِها فما يسْتغربه العقل ولا يقبله من أحاديث الصحاح أَمرٌ نِسْبيٌ يَتْبَعُ الثقافةَ والبيئة مما لا يَضْبِطُه ضابطٌ، ولا يُحدِّده مقياسٌ، وما كان غامضًا على العقولِ أَصبح اليوم واضحًا جَليًّا يستحيلُ العقلُ مِن خلال هذا الفَهمِ لدوره إلى تابعٍ يَلوذُ بالنَّصِّ، ويحتمي به، وهو ما حدث في تاريخِ الثقافةِ العربيِّةِ الإسلاميَّةِ بشكْلٍ تدريجيٍّ حين تمَّ القضاءُ على الاعتزالِ بعد عَصر المأْمونِ، وتمَّ بالمِثلِ حِصارُ العقل الفلسفيِّ في دوائرَ ضيِّقةٍ، ويستمرُّ الخطاب السَّلفيُ في هذا الفَهمِ لدور العقلِ، ويتصَوَّر بذلك أَنَّه يؤسّس العقلَ =والواقعُ أنَّه يَنْفيهِ بنفي أَساسِهِ المَعْرفي، ويُسوِّغُ النَّقل والاتباعَ والتقليدَ باعتمادِ عَقلٍ اتِّباعي نقلي)

(2)

وأمَّا محمد شحرور فالعقل لديه ليس له حدود يقف عندها، لذا

(1)

المغالطة عند العلمانيين تكمنُ في عدِّهم ما دلَّت عليه النُّصوص الشرعية وما هو من قبيل الخُرافةِ من بابةٍ واحدة؛ والحقُّ أنَّ الفرق بينهما كالفرق بين النُّور والظلمة، فكما أنّه لا يمكن التسويةُ بين ما هو من مُحصَّلات يقين العقل وبين الخُرافة والأُسطورة=فكذلك لا يُمكن التسوية بالأحرويَّة بين ما هو من مُحصَّلات صحيح النَّقل وبين الأُسطورة. والأَساس الفارقُ بينهما -أعني: الأخبار الشَّرعيّة والأُسطورة- =أنَّ مضمون الخبر الشَّرعي قام برهان الشَّرعِ على تصحيحه وإثباته، وهذا البرهان مُركَّبٌ من دلالة الوحي المعصوم والنَّظر المُسدَّد. على نقيض الأُسطورة؛ فإنها تفتقر إلى السَّند العلميِّ الذي يُصحِّحها ..

(2)

"الحديث النبوي ومكانته في الفكر الإسلامي الحديث" محمد حمزة (335) .

ص: 37

تراه يُنكر كل معرفة تتجاوز العالم المادِّي، وفي ذلك يقول: (الكونُ مادي، والعقلُ الإنساني قادر على إِدراكِهِ ومعرفتهِ، ولا توجد حدودٌ يتوقفُ العقلُ عندها

ولا يعترفُ العلمُ بوجود عالمٍ غير مادي =يعجزُ العقلُ عن إدراكه)

(1)

.

وبلغ الغلو العلمانيُّ في العقل مبلغَه، حين ادَّعى حسن حنفي عدم افتقار البشريَّة للنُّبوّة لكفاية العقل لهم، ولأنَّ النبوّة لا فائدة منها إلَاّ بعث النَّاس على الفُرقة والتعصب، فالنُّبوَّة عنده ضررٌ محقق لا نفع فيه، وفي تقرير ذلك يقول:

(فالنبوَّات لا يُحتاج إليها العقلاء، كما أنَّها تبعث النَّاسَ على التحزُّبِ والتعصُّب، وتزيدُ من حِدّة الانفعالات، وتغرق الإنسان في الوهم، وبإمكانيةِ خرق قوانين الطبيعة. كما أَنَّها توقع في التشبيه وهو ما يعارض التنزيه العقلي. وتدفعُ نحو الخيال أكثر مما تدفع نحو العقل. وتَعِدُ النَّاس بِسعادةٍ أُخرويَّة. والفعل الأخلاقي لا يقوم على إلزام أَو جزاء

)

(2)

.

وممَّا تقدَّم سوقه يتجلَّى للنَّاظر أمور:

الأمر الأوَّل: اعتقادُ المُخالفين لأهلِ السُّنَّة والجماعة بوجود الخصومة

بين النَّقل والعقل ووقوع التّعارض أو إمكانه وجوازه، وأنَّ تقديم النَّقل

على العقل يستلزم الدَّور المُحال بداهة إذ حُجيَّة الخبر الشَّرعي لا يمكن أن

تعلم إلَاّ بإثبات الدلالة العقليَّة، ولولا تصحيح العقل له لما أفاد،

فتقديم النَّقل عندئذٍ يستلزم القدح في أَصله، وهذا ما

(1)

"القراءة المعاصرة" لمحمد شحرور (43) .

(2)

"هل النَّقْدُ وقفٌ على الحضارة الغربيَّة؟ "حسن حنفي (9 - بحث ضمن بحوث أعمال الندوة الفلسفية الخامسة عشرة التي نظَّمتها الجمعية الفلسفيَّة المصرية بعنوان: فلسفة النقد ونقد الفلسفة في الفكر العربي والغربي) .

ص: 38

ادَّعاهُ المخالفون

بدءًا من المعتزلة

(1)

، ومرورًا بالأشاعرة والماتريديَّة

(2)

، وانتهاءً بالعلمانيين

(3)

، والدَّور في حقيقة الأَمْرِ مُنتفٍ؛ لأنَّ تصورَه مُقامٌ-كما سبق- على افتعال الخصومة بين العقل والنقل، ولا خصومة بينهما عند التحقيق. ودعوى مركزية العقل دعوى وهميّة لا تحقق لها، ولا ينقض رفضَ هذه الخصومة =التسليمُ بوجود مبادئ فطرية مركوزة في العقل الإِنساني، بل وجود هذه المبادئ والإِقرار بها يوطِّد وهن هذه الدعوى؛ ذلك أنَّ هذه المبادئ مع كونها من مكوّنات العقل البشري إلَاّ أنَّها غير كافيةٍ في تحصيل الحقائق إمَّا مُطلقًا، وإمَّا على وجه التفصيل، فهي مُفْتَقِرة إلى نُور الوحي.

الأَمر الثَّاني: أنَّ اعتقاد الخصومة بين الدلالتين أَصلٌ تولَّد منه القول بأوَّليَّةِ العقلِ على النَّقل، هذه الأوَّليَّة إمَّا مُطلقة وهذا ما تراه عند العلمانيين الّذين لا يعتبرون بمعرفة سوى ما كان مُحصَّلًا من طريق العقل =أَو كانت هذه الأَوليَّة مُقيَّدة في حال التعارض المُدَّعى، وهذا التقييد تجده عند الطوائف الكلاميَّة المُعظِّمة للشَّريعة ومن شايعهم، والتي رامت تنزيه الدِّين عن مُناقضة الضرورة العقلية بحسب اعتقادها.

فإن قيل: إنَّ في إطلاقات جُملةٍ من المُتكلِّمين ما يدلُّ على استحالة تعارض العقل والنَّقل، كما قال الغزاليُّ في وَصْفِ معتقد الأَشَاعرةِ:(وتحقَّقوا أن لا مُعاندة بين الشَّرعِ المنقول، والحقِّ المعقول)

(4)

.

(1)

انظر: "شرح الأصول الخمسة"للقاضي عبد الجبار (88 - 89) .

(2)

انظر: "البرهان"للجويني (1/ 111)،و"الاقتصاد في الاعتقاد"للغزالي، و"العواصم من القواصم "لابن العربي (231)،و"شرح المقاصد"للتفتازاني (1/ 39) .

(3)

انظر: "الأسس الفلسفيّة للعلمانيَّة"لعادل ضاهر (363) .

(4)

"الاقتصاد في الاعتقاد"للغزالي (65) .

ص: 39

فيقال: إنَّ التعارضَ المنفي في أَقوالهم تراه عند التأمَّل، يقع في فلَك ما لا يُعارض معقولًا اسَّتقرَّ لديهم، أَو فيما كان من قبيل الشَّرعِ المُبدَّل -لا المُنزّل- أي الشَّرع الّذي سُلِّط عليه آلة التأويل ليُوافق أُصولهم الثَابتة لديهم.

الأَمرُ الثَّالثُ: أنَّ العقلَ المقول بأوليَّته غير منضبِطِ المعالم لدى أَصحابه، فالطوائفُ الكلاميَّةُ على ما بينها من شَتات في الأُصول، تنصبُ كُلُّ طائفة منها أُصولها عقلًا تُحاكمُ إليه الدَّلائل الشَّرعيّة، وهذه الأُصول درج عليها حتَّى المُتأخرون ممن انتحل طريقتهم، إلَاّ أنَّ فئامًا منهم -كالشَّيخ محمد عبده، مثلًا-لم تكن المركزيَّة لديهم لعقل واحدي وهو العقل المُستبطِن أُصول الطائفة، بل أَصبح العقل لديهم مُركَّبًا من أُصول الطَّائفةِ التي ينْتَحِلون طريقتها وممَّا استولده الفكر البشري من نظريَّاتٍ علميَّةٍ ثبتت قطعية بعضها ولم يرق كثيرٌ منها إلى رُتبة الحقائق المقطوع بها =ممَّا آل إلى توسيع دائرة المُناقضة للدَّلائلِ الشَّرعيَّةِ.

وأَمَّا العقلُ عند التيَّارات الفكريّة الحديثة فمع اختلاف جذورها المعرفيَّة، إلَّا أنَّ الأَصلَ الجامع والقدر المُشترك الّذي يتبدَّى بينها =منح المركزيَّة للعقل المادِّي الَّذي يُرجِع كُلَّ شيء إلى عالم المادة وينْفي ما جاوزها من الغيبيَّات والمُطلقات.

ومُحصَّلُ القول أنَّ العقلَ الذي يلحُّ المخالفون على أوليَّته، لا يضْبِطه حدٌّ، وليس بين هذه العقول ائتلاف=فنتج من ذلك استحالة القول بأوّليّتِهِ.

ص: 40