الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرابع: قوله: "حديث حسن" يناقض قوله: "بل هو حديث صحيح"؛ لأن الأول - وهو قول شيخه الغماري كما تقدم - إنما يعني في اصطلاح العلماء أنه حسن لغيره، وهو حديث الترجمة، ولذلك ذكره عقبه، ولولا ذاك لقال: حسن الإسناد، كما لا يخفى على النقاد. وإذا كان الأمر كذلك، فاحتجاج ابن معين به وغيره لو صح عنهم - ولم يصح كما تقدم - لا يكون دليلاً على أنه صحيح؛ لأن الحسن يحتج به أيضاً عند العلماء.
فماذا يقول القراء الكرام فيمن يتكلف ما سبق في سبيل تقوية حديث واه جداً، مع مخالفته لما عليه جماهير العلماء من القول بكراهة قراءة القرآن عند القبور كما هو مشروح في الكتاب السابق:"أحكام الجنائز"؟! فليرجع إليه من شاء الزيادة.
4141
- (كان يصلي في السفر ركعتين، قالت عائشة: كان في حرب، وكان يخاف، هل تخافون أنتم؟!) .
باطل
أخرجه ابن جرير الطبري في "التفسير"(5/ 155) قال: حدثني أبو عاصم عمران بن محمد الأنصاري، قال: حدثنا عبد الكبير بن عبد المجيد، قال: حدثني عمر بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق قال: سمعت أبي يقول: سمعت عائشة تقول في السفر:
أتموا صلاتكم. فقالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم[كان] يصلي في السفر ركعتين، فقالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان
…
الحديث.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، ومتن منكر؛ بل باطل؛ عمران هذا؛ لم يوثقه غير ابن حبان، ولا وجدته عند غيره (8/ 499) . وقال:
"يروي عن مالك بن سعير بن الخمس، حدثنا عنه محمد بن أحمد بن علي الحواري بـ (الوصل) ".
وعمر بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق؛ لم أجد له ذكراً في شيء من كتب الرجال التي عندي، ولا ذكره ابن حجر في الرواة عن أبيه من "التهذيب"(6/ 11) ، وإنما ذكر ابنيه عبد الرحمن ومحمداً، الأمر الذي يدل على أنه غير معروف، مع أنه يحتمل أن "عمر" محرف "محمد"؛ لقرب الشبه بينهما. والله أعلم.
وأما بطلان متنه؛ فهو ظاهر جداً لمن عرف سيرة النبي صلى الله عليه وسلم واستمراره في قصر الصلاة في كل أسفاره، حتى في حجة الوداع؛ كما قال وهب بن حارثة رضي الله عنه:
"صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم آمن ما كان بمنى ركعتين".
رواه البخاري (1083) ، وغيره.
ولا أدل على ذلك من حديث يعلى بن أمية قال:
قلت: لعمر بن الخطاب: (ليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا) فقد أمن الناس؟ فقال: عجبت مما عجبت منه، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك؟ فقال:
"صدقة تصدق الله بها عليكم، فاقبلوا صدقته".
رواه مسلم وغيره، وهو مخرج في "صحيح أبي داود"(1083) .
بل قد صح عن عائشة نفسها ما يؤكد بطلانه؛ فقد روى البيهقي في "سننه"(3/ 143) عن جماعة من الثقات قالوا: حدثنا وهب بن جرير: حدثنا شعبة، عن هشام
ابن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها: أنها كانت تصلي في السفر أربعاً. فقلت لها: لو صليت ركعتين؟ فقالت: يا ابن أختي! إنه لا يشق علي.
وهذا إسناد صحيح كما قال الحافظ في "الفتح"(2/ 571) ، وأشار في أعلى الصحيفة المذكورة إلى بطلان حديث الترجمة، وهو واضح جداً لما ذكرته آنفاً، بخلاف هذا؛ فإنه يتعلق برأي لها، والعبرة بروايتها وليس برأيها.
وقد صح عنها أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي في السفر ركعتين في غير ما حديث، كما صح عنها قولها:"فرضت الصلاة ركعتين ركعتين في الحضر والسفر، فأقرت صلاة السفر، وزيد في صلاة الحضر"، ومعناه في "الصحيحين"، وهو مخرج في "صحيح أبي داود"(1082) .
وقد أنكر هذه الحقائق كلها ذاك السقاف المقلد الغماري فيما أسماه بـ "صحيح صلاة النبي صلى الله عليه وسلم
…
" وكان الأحرى به أن يسميه بـ "صحيح صلاة الشافعي" بل "الشافعية" لكثرة اعتماده عليهم، ولو فعل لما صدق، ولبيان ذلك مجال آخر، والغرض هنا أنه صرح (ص 275) أن قصر الصلاة في السفر رخصة جائزة، لا واجبة ولا مستحبة! واستدل بهذا الحديث الباطل؛ بل قال: "سنده حسن"! وهذا مما لا يقوله إلا جاهل لم يشم رائحة هذا العلم، أو مقلد مكابر متجاهل، كما أنه استدل بآية القصر المذكورة في حديث عمر، فلم يعرج عليه ولا دندن حوله، ولم يقبل صدقة الله المذكورة فيه، وأخشى ما أخشاه أن يكون ضعيفاً عنده لمخالفته لقوله المذكور، كما ضعف شيخه الغماري حديث "الصحيحين" عن عائشة الذي أشرت إليه آنفاً لتصريحه بفرضية القصر، وقد أشرت إلى ذلك في "تمام المنة" (319) ، ورددت عليه مفصلاً في المجلد السادس من "الصحيحة" (2814) ، وهو