الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تحت الطبع، وسيكون بين يدي القراء قريباً إن شاء الله تعالى (1) .
4142
- (إن يأجوج ومأجوج من ولد آدم، وإنهم لو أرسلوا إلى الناس لأفسدوا عليهم معايشهم، ولن يموت منهم أحد إلا ترك من ذريته ألفاً فصاعداً، وإن من ورائهم ثلاث أمم: تاويل، وتاريس، ومنسك) .
منكر
أخرجه الطيالسي في "مسنده"(2282)، ومن طريقه الطبراني كما في "نهاية ابن كثير" (1/ 185) : حدثنا المغيرة بن مسلم - وكان صدوقاً مسلماً - قال: حدثنا أبو إسحاق، عن وهب بن جابر، عن عبد الله بن عمرو مرفوعاً.
قلت: المغيرة هذا؛ هو القسملي، وهو صدوق كما قال الطيالسي، وقد تابعه زياد بن خيثمة؛ وهو ثقة، أخرجه من طريقه الطبراني في "المعجم الأوسط"(2/ 244/ 1/ 8762)، وقال الهيثمي في "المجمع" (8/ 6) :
"رواه الطبراني في "الكبير" و "الأوسط"، ورجاله ثقات"!
كذا قال، وفيه علتان:
الأولى: جهالة وهب بن جابر، ولم يوثقه غير ابن حبان (5/ 489) ، ولم يذكر له راوياً غير أبي إسحاق هذا؛ وهو السبيعي، ولذا قال الذهبي فيه:
"قال ابن المديني: "مجهول". قلت: لا يكاد يعرف، تفرد عنه أبو إسحاق".
قلت: ولذلك أشار في "الكاشف" إلى تليين توثيق ابن حبان إياه - وهو عمدة الهيثمي! - بقوله:
"وثق".
(1) وقد طبع، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. (الناشر) .
والعلة الأخرى: اختلاط أبي إسحاق، وقد اختلف عليه في إسناده، فراوه الثقتان المذكوران كما تقدم. وخالفهما زيد بن أبي أنيسة فقال: عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون الأودي، عن ابن مسعود مرفوعاً به.
أخرجه ابن حبان (1907 - موارد) .
قلت: وزيد بن أبي أنيسة ثقة من رجال الشيخين، وقد خالف في موضعين: أحدهما: جعله من مسند ابن مسعود، وهو عندهما من مسند ابن عمرو، والآخر: سمى تابعيه عمرو بن ميمون - وهو ثقة - وعندهما: وهب بن جابر المجهول.
ويغلب على الظن أن هذا الاضطراب إنما هو من تخاليط أبي إسحاق، حدث به في اختلاطه.
ثم تكشفت لي علة ثالثة؛ وهي الوقف والاختصار في المتن، فقال شعبة: عن أبي إسحاق، عن وهب بن جابر، عن عبد الله بن عمرو قال:
"إن من بعد يأجوج ومأجوج لثلاث أمم لا يعلم عدتهم إلا الله: تاويل، وتاريس، ومنسك".
أخرجه أبو عمرو الداني في "الفتن"(ق 141/ 1) من طريقين عن محمد ابن يحيى، عن أبيه، عن عاصم بن حكيم، عن شعبة به.
ولعل هذه الرواية أصح مما تقدم؛ لما هو معروف أن شعبة روى عن أبي إسحاق قبل اختلاطه، لكن في الطريق إليه محمد بن يحيى، عن أبيه، ولم أعرفهما الآن. والله أعلم.
وبالجملة؛ فمدار الحديث على أبي إسحاق، والأكثر على أن شيخه فيه وهب ابن جابر؛ وهو مجهول، فهو علة هذا الحديث. وقد سكت عنها الحافظ في
"تخريج الكشاف"(4/ 104/ 329) ! وقد عزاه أيضاً لـ "المستدرك" عن عبد الله ابن عمرو رفعه: "إن يأجوج ومأجوج
…
" إلخ، وهو فيه (4/ 490 و 500-501) مختصراً ومطولاً، وابن جرير (17/ 70) من طريق شعبة وغيره عن أبي إسحاق، وقال الحاكم:
"صحيح على شرط الشيخين". ووافقه الذهبي، وقد ذهل عن جهالة وهب ابن جابر التي نقلتها عنه آنفاً، مع أنه ليس من رجال الشيخين.
وذكر له الحافظ شاهداً من رواية النسائي عن عمرو بن أوس، عن أبيه رفعه:
"إن يأجوج ومأجوج يجامعون ما شاؤوا، ولا يموت رجل منهم إلا ترك من ذريته ألفاً فصاعداً".
وسكت عنه أيضاً! وكنت أود له أن يبدأ بذكر إسناد الحديث من حيث يمكن للباحث أن يكشف عن علته؛ إذ هو سكت عنها، لا سيما والحديث ليس في "سنن النسائي الصغرى" المتداولة بين الناس، وإنما هو في "السنن الكبرى" له (6/ 408) ومن طريق ابن عمرو بن أوس، عن أبيه، عن جده.
فابن عمرو هو العلة؛ إذ إنه لا يعرف، فقد أورده الحافظ في "باب من نسب إلى أبيه
…
" وقال:
"يقال: اسمه عبد الرحمن. تقدم في ابن أوس".
وهناك لما رجعت إليه لم أجده. وكذلك لم يذكره في أصله في "التهذيب"، وإنما أورده فيه في الباب المشار إليه (12/ 305) مختصراً:
"ابن عمرو بن أوس: هو عبد الرحمن".
هكذا لم يحل به إلى الأسماء، وإنما إلى أول الباب المذكور، لكنه قال:
"ابن أبي أوس الثقفي، يقال: اسمه عبد الرحمن، ويقال: هو ابن عمرو بن أوس".
وهو خلاصة ما في "تهذيب المزي"(34/ 425) ، ولم يذكروا فيه جرحاً ولا تعديلاً، فهو مجهول، فهو علة هذا الإسناد. وقد عزاه الحافظ أيضاً في "الفتح" (13/ 109) لابن أبي حاتم وابن مردويه من طريق ابن عمرو هذا بزيادة في متنه وسكت عنه أيضاً! وقد أشار الحافظ ابن كثير في "تفسيره" (3/ 104) إلى هذا الحديث ونحوه بقوله:
"وروى ابن أبي حاتم عن أبيه في ذلك أحاديث غريبة لا تصح أسانيدها".
ولهذا؛ قال في "النهاية"(1/ 184) :
"يأجوج ومأجوج ناس من الناس، يشبهون الناس كأبناء جنسهم من الأتراك المخرومة عيونهم، الزلف أنوفهم، الصهب شعورهم، على أشكالهم وألوانهم، ومن زعم أن منهم الطويل الذي كالنخلة السحوق أو أطول، ومنهم القصير الذي هو كالشيء الحقير، ومنهم من له أذنان يتغطى بإحداهما، ويتوطى بالأخرى؛ فقد تكلف ما لا علم له به، وقال ما لا دليل عليه، وقد ورد في حديث: "إن أحدهم لا يموت حتى يرى من نسله ألف إنسان"، فالله أعلم بصحته".
وما أشار إليه رحمه الله من الاختلاف في الطول والقصر وغيره؛ قد جاء فيه حديث، لكن إسناده مما لا يفرح به، بل هو موضوع، كما يأتي بيانه في الذي يليه.
ثم وجدت لحديث الترجمة شاهداً آخر؛ فقال ابن جرير (17/ 69) : حدثني عصام بن رواد بن الجراح قال: حدثني أبي قال: حدثنا سفيان بن سعيد الثوري قال: حدثنا
منصور بن المعتمر، عن ربعي بن حراش قال: سمعت حذيفة بن اليمان يقول: فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً؛ يخشى أن يكون من تخاليط رواد أبي عصام، فقد قال الحافظ فيه:
"صدوق اختلط بأخرة؛ فترك، وفي حديثه عن الثوري ضعف شديد".
قلت: وهذا من حديثه عنه كما ترى.
وابنه عصام؛ لينه الحاكم أبو أحمد، لكن قال أبو حاتم:
"صدوق".
وذكره ابن حبان في "الثقات"(8/ 221) ، فالعلة أبوه.
ثم رأيت له طريقاً أخرى عن حذيفة؛ عند الداني (ق 139/ 1) . وفيه من لم أعرفه.
ثم وقفت على تخريج الحديث من المعلقين على "موارد الظمآن"(6/ 172-173) ، فإذا فيه عجائب وغرائب؛ لأنهما لم يعربا عن رأيهما فيه صحة وضعفاً، فمن عادتهما تصدير الحديث بمرتبته وهنا صدراه بقولهما:"رجاله ثقات". ثم استمرا في الكلام فنقلا عن الحافظ أنه صححه وأقراه، فبهذا الاعتبار يمكن أن يقال عنهما: إنهما صححاه، لكنهما قبل ذلك أعلاه باختلاط أبي إسحاق!
وأغرب من ذلك كله أنهما قالا:
"ويشهد له حديث عبد الله بن عمر عند الطيالسي
…
".
وقد عرفت مما تقدم أنه من رواية أبي إسحاق المختلط، فجعلاه شاهداً لنفسه!