الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
علمي بك (صوّاما قوّاما) أي كثير الصيام والقيام (تحبّ الله ورسوله) صلى الله تعالى عليه وسلم.
فصل [في علامات محبته صلى الله تعالى عليه وسلم]
(في علامة محبته صلى الله تعالى عليه وسلم) وفي أصل الدلجي في علامة حبه على أنه مصدر مضاف إلى معموله أي يذكر فيه ما يؤذن بحب غيره له (اعلم أنّه) وفي نسخة أن (من أحبّ شيئا آثره) بالمد أي اختاره على نفسه (وآثر موافقته) على مخالفته (وإلّا) أي وإن لم يؤثرها (لم يكن صادقا في حبّه) أي في مودته (وكان مدّعيا) أي في محبته وكان كما قيل
وكل يدعي وصلا بليلى
…
وليلى لا تقر لهم بذاكا
(فالصّادق في حبّ النبيّ صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ تَظْهَرُ عَلَامَةُ ذَلِكَ عَلَيْهِ) أي دلالة الحب لديه (وأوّلها) أي أول علاماته وأسبق دلالاته (الاقتداء به) أي في ملته (واستعمال سنّته) أي في طريقته (واتّباع أقواله وأفعاله) أي في جميع أحواله (وامتثال أوامره) أي وجوبا وندبا (واجتناب نواهيه) أي حرمة وكراهة (والتّأدّب بآدابه) أي في جميع أبوابه من مكارم شمائله ومحاسن فضائله (في عسره ويسره) أي في وقت ضره وشكره على صعوبة أمره وسهولته ومحنته ونعمته وجوعه وشبعه وبلائه ورخائه وقبضه وبسطه ومحوه وصحوه وفنائه وبقائه (ومنشطه ومكرهه) بفتح أولهما وثالثهما مصدران بمعنى النشاط والكراهة أو اسما زمان أي في حال سعته وضيقه أو حال رضاه وغضبه أو وقت فرحه وحزنه أو زمن انشراح صدره أو انقباض أمره (وشاهد هذا) أي دليل ما ذكر كله (قوله تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ) أي تريدون طاعته أو تدعون محبته (فَاتَّبِعُونِي) أي في طريقته (يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران: 31] يثبكم عليه ويقربكم إليه وتمامه قوله تعالى وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ أي يتجاوز عما فرط من عيوبكم (وإيثار ما شرعه) أي وشاهده أيضا تقديم ما أظهره واختيار ما بينه من وجوب ومندوب ومحظور ومكروه ومباح ونحوه (وحضّ عليه) أي وإيثار ما حث وحرض على فعله أو تركه (على هوى نفسه) أي على ما تميل إليه نفس المحب (وموافقة شهوته قال الله تعالى) أي في مدح الأنصار من جهة الإيثار الذي هو في الجملة من شين الأبرار وسمة الأحرار (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ) أي اتخذوا المدينة منزلا والإيمان منزلة ومحملا والمعنى لزموهما ولم يفارقوهما (مِنْ قَبْلِهِمْ) أي من قبل نزول المهاجرين عليهم (يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ) ولا يثقل أحد من قريش ولا غيرهم عليه و (وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ) كذا في النسخ المصححة وفق الآية ووقع في أصل الدلجي في أنفسهم فقال صوابه في صدورهم (حاجَةً) أي حزازة (مِمَّا أُوتُوا) أي لم يخطر ببالهم ما تطمح به نفوسهم إلى ما أعطي المهاجرون وغيرهم من فيء وغيره (وَيُؤْثِرُونَ) أي يقدمون المهاجرين وغيرهم (عَلى أَنْفُسِهِمْ) في محبة الله ورسوله (وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ)
[الحشر: 9] أي مجاعة وشدة حاجة حتى أن من كان عنده داران أو بستانان ترك أحسنهما للمهاجرين ومن كان عنده امرأتان نزل عن إحدى زوجتيه التي كانت أكرمهما لديه وزوجها بأحدهم بين يديه هذا وسبب نزول الآية أنه عليه الصلاة والسلام قسم أموال بني النضير بين المهاجرين ولم يعط الأنصار منها شيئا إلّا ثلاثة محاويج أبا دجانة سماك بن خراشة وسهل ابن حنيف والحارث بن الصمة وقال لبقية الأنصار إن شئتم شركتكم في هذا الفيء معهم وقسمتم لهم من دياركم وأموالكم وإن شئتم كانت لكم دياركم وأموالكم ولا تأخذوا منه شيئا فقالوا بل نقسم لهم من ديارنا وأموالنا ونؤثرهم بالفيء علينا ولا نشاركهم فيه أصلا (وإسخاط العباد) أي وشاهدوا أيضا إسخاط العباد (في رضى الله تعالى) أي في تحصيل رضاه فمن ارضاه تعالى بسخط عباده رضي عنه وأرضى عنه العباد ومن أرضاهم بسخطه سخط عليه وأسخطهم عليه كما ورد به حديث هذا مبناه أو معناه (حدّثنا القاضي أبو عليّ الحافظ) وهو ابن سكرة (ثنا) أي حَدَّثَنَا (أَبُو الْحُسَيْنِ الصَّيْرَفِيُّ وَأَبُو الْفَضْلِ بْنُ خيرون) بخاء معجمة مفتوحة وتحتية ساكنة وراء مضمومة وهو غير منصرف في النسخ المصححة (قالا) أي كلاهما (ثنا) أي حدثنا (أبو يعلى البغداديّ) ويقال له ابن زوج الحرة (ثنا) أي حدثنا (أبو عليّ السّنجي) بكسر السين وسكون النون والجيم (ثنا) أي حدثنا (محمّد بن محبوب) ويروى أحمد بن محبوب (ثنا) أي حدثنا (أبو عيسى) أي الترمذي الإمام (ثنا) أي حدثنا (مسلم بن حاتم) أي الأنصاري إمام جامع البصرة وثقه الترمذي وغيره (ثنا) أي حدثنا (محمّد بن عبد الله الأنصاري) قاضي البصرة يروي عن حميد وابن عوف وطبقتهما وعنه البخاري وأحمد وابن معين وخلائق أخرج له الأئمة الستة (عن أبيه) أي عبد الله بن المثنى ابن عبد الله بن أنس بن مالك الأنصاري يروي عن عمومته والحسن وجماعة وعنه طائفة قال أبو حاتم صالح ووثقه وغيره وقال النسائي ليس بالقوي وقال أبو داود لا أخرج حديثه لكن أخرج له البخاري والترمذي وابن ماجه (عن عليّ بن زيد) أي ابن جدعان التيمي البصري الضرير تابعي أحد الحافظ وليس بالثبت وقال منصور بن زادان لما مات الحسن قلنا لابن جدعان اجلس مجلسه أخرج له مسلم متابعة (عن سعيد بن المسيّب) تقدم ذكره (قَالَ قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تعالى عليه وسلم يا بنيّ) بكسر الياء المشددة وفتحها لغتان وقراءتان متواترتان وهو تصغير شفقة (إن قدرت أن تصبح وتمسي) أي تدخل في الصباح والمساء أو يمر عليك النهار والليل (ليس في قلبك غشّ) أي حقد وحسد (لأحد) أي من المسلمين جملة حالية معترضة (فافعل) أي كن ثابتا على هذا العمل فإن من غشنا فليس منا على ما ورد (ثمّ قال لي: يا بنيّ وذلك) أي هذا المقام (من سنّتي) أي من طريقتي (ومن أحيا سنّتي) أي بالعمل بها أو بانتشارها في تعلمها وتعليمها ويروى ومن أحب سنتي (فقد أحبّني) أي بالغ في حبي (ومن أحبّني) أي بالمبالغة (كان معي في الجنّة) أي في درجة أرباب المحبة وأصحاب القربة (فمن اتّصف بهذه الصّفة)
الظاهر بهذه الصفات التي هي علامات المحبة أو المراد بهذه الصفة إحياء السنة وأمثالها من أنواع الموافقة والمتابعة الصادقة (فهو كامل المحبّة لله تعالى) أي أصالة (ولرسوله) أي تبعا (ومن خالفها) أي هذه الصفات (في بعض هذه الأمور) أي المذكورة (فهو ناقص المحبّة ولا يخرج) أي ولكن لا يخرج مع هذا (عن اسمها) أي عن اسم المحبة فيجوز إطلاق المحب عليه في الجملة (ودليله) أي ودليل عدم خروج ناقص المحبة عن أصل المحبة (قوله صلى الله تعالى عليه وسلم) أي كما في حديث البخاري عن عمر رضي الله تعالى عنه (للّذي حدّه في الخمر) أي لأجله وفي حقه وهو عبد الله الملقب بالحمار كذا وقع في صحيح البخاري وهو صاحب مزاح كان يهدي للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم ويضحكه (فلعنه بعضهم) وفي صحيح البخاري فقال بعض القوم أخزاك الله تعالى قال بعض الحفاظ القائل به هو عمر ابن الخطاب رضي الله تعالى عنه رواه البيهقي وفي رواية له فقال رجل من القوم اللهم العنه (وقال) أي ذلك البعض تعليلا لطعنه ولعنه (مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَلْعَنْهُ فَإِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ ورسوله) وفي كلام الدمياطي في حواشيه على البخاري أن هذا وهم منه فإن صاحب القصة نعيمان تصغير نعمان بن عمرو بن رفاعة بن الحارث بن سواد بن غنم بن مالك بن النجار شهد العقبة مع السبعين وبدرا واحدا والخندق وسائر المشاهد وأتي به في شرب الخمر إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فجلده أربعا أو خمسا فقال رجل من القوم اللهم العنه ما أكثر ما يشرب وأكثر ما يجلد فقال عليه الصلاة والسلام لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله وكان صاحب مزاح انتهى وقال الواقدي بقي نعيمان حتى توفي أيام معاوية وكان كثير المزاح يضحك النبي صلى الله تعالى عليه وسلم من مزاحه انتهى ومما يحكى عن نعيمان هذا أنه كان لا يدخل في المدينة طرفة أو تحفة إلّا اشترى وجاء بها إليه صلى الله تعالى عليه وسلم ويقول أهديته لك فإذا جاء صاحبه يطالبه بثمنه جاء به إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقال يا رسول الله أعطه ثمن متاعه فيقول النبي عليه الصلاة والسلام أو لم تهده فيقول يا رسول الله لم يكن والله عندي ثمنه وأحببت أن تأكله فيضحك رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ويأمر لصاحبه بثمنه وفي هذا الحديث بشارة عظيمة وإشارة جسيمة لعصاة المؤمنين وحجة واضحة وبينة لائحة لأهل السنة والجماعة على الخوارج والمعتزلة حيث قالوا يكفر من فعل كبيرة أو هي مخرجة له من الإيمان ولا تدخله في الكفر فيثبتون لصاحبها منزلة بين المنزلتين ويقولون بتخليده في النار (ومن علامات محبّة النبيّ) أي محبته للنبي (صلى الله تعالى عليه وسلم كثرة ذكره له) أي في الحالات والأوقات (فمن أحبّ شيئا أكثر من ذكره) أي وصرف إليه غالب فكره وقوله من أحب شيئا أكثر من ذكره حديث رواه الديلمي في مسند الفردوس عن عائشة رضي الله تعالى عنها (ومنها) أي من علامات محبته عليه عليه الصلاة والسلام (كثرة شوقه إلى لقائه) أي إلى مشاهدة طلعة ذاته في دار بقائه (فكلّ حبيب) أي محب (يحبّ لقاء حبيبه) أي محبوبه
والجملة كالعلة لما قبلها (وفي حديث الأشعريّين) أي أبي موسى وأصحابه (عند قدومهم المدينة) أي من اليمن أو الحبشة (أنّهم كانوا يرتجزون) أي يقولون هذا الرجز قبل حصول الصحبة ووصول القربة (غدا نلقى الأحبّة) جمع حبيب فعيل بمعنى مفعول (محمدا وصحبه) ويروى وحزبه والمراد بالرجز هنا الشعر الذي يشبه الرجز إذ ليس هذا من بحر الرجز المعروف فإنه بفتحتين ضرب من الشعر وزنه مستفعلن ست مرات سمي لتقارب أجزائه وقلة حروفه وزعم الخليل أنه ليس بشعر وإنما هو انصاف من أبيات وأثلاث (وتقدّم قول بلال) أي انشاده هذا الرجز عند موته شوقا إلى لقائه (ومثله قال عمّار قبل قتله) وفي نسخة وكما قال عمار أي ابن ياسر أبو اليقظان العبسي من السابقين المعذبين في الله البدريين وكان معذبا بالنار في أيدي المشركين وكان عليه الصلاة والسلام يمر به فيمر يده عليه ويقول يا نار كوني بردا وسلاما على عمار كما كنت على إبراهيم روى عنه علي وابن عباس وغيرهما قتل بصفين مع علي عن ثلاث وتسعين من عمره وقد قال صلى الله تعالى عليه وسلم له تقتلك الفئة الباغية وقتله أبو الغادية واسمه يسار بن سبع سكن الشام ونزل واسط وعداده في الشاميين أدرك النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وهو غلام وسمع منه قوله لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض وكان محبا لعثمان رضي الله تعالى عنه وكان إذا استأذن على معاوية يقول قاتل عمار بالباب أخرج له أحمد في المسند (وما ذكرناه) أي وتقدم أيضا ما ذكرناه (من قصّة خالد بن معدان) وفي نسخة في قصة خالد بن معدان (ومن علاماته) أي ومن دلالة شوق المحب إلى لقاء محبوبه (مع كثرة ذكره تعظيمه له) أي لذاته أو لأمره (وتوقيره) أي له كما في نسخة (عند ذكره) أي تنويها لرفعة محله (وإظهار الخضوع) وفي نسخة وإظهاره الخضوع وفي نسخة الخشوع بدل الخضوع والمعنى بهما التواضع والتذلل ظاهرا وباطنا (والانكسار) أي بوصف الافتقار وفي نسخة الانكماش أي الانقباض والاجتماع (مع سماع اسمه) أي حين سماع اسمه أو وصفه (قال إسحاق) وفي نسخة أبو إسحاق (التّجيبيّ) بضم التاء الفوقية وتفتح وقيل هو الأصح وبكسر الجيم نسبة إلى تجيب بطن من كندة منهم كنانة بن بشر التجيبي قاتل عثمان رضي الله تعالى عنه وتجوب قبيلة من حمير منهم ابن ملجم قاتل علي كرم الله تعالى وجهه (كان أصحاب النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم بعده) أي بعد وفاته (لا يذكرونه) أي في حال من الأحوال (إلّا خشعوا) أي خضعوا وتذللوا (واقشعرّت جلودهم) أي انقبضت لحسرتهم عليه (وبكوا) أي لفراقه شوقا إليه (وكذلك) أي ومثل أصحابه في ذلك (كثير من التّابعين منهم) في نسخة كان منهم (من يفعل ذلك) أي يخشع ويقشعر ويبكي (محبّة له وشوقا إليه، ومنهم) أي من التابعين أو من الصحابة والاتباع أجمعين (من يفعله) أي ما ذكر من الخشوع والاقشعرار والبكاء (تهيّبا) أي مهابة (وتوقيرا) أي إجلالا وعظمة والحاصل أن بعضهم كانت المحبة غالبة عليهم وبعضهم كانت المخافة ظاهرة لديهم وهما مقامان شريفان لطائفتين من الصوفية السنية لكن مقام
الرجاء والمحبة أفضل من مقام الخوف والهيبة بالنسبة إلى المنتهين وعكسه بالإضافة إلى المبتدئين ويسمى الأولون بالطيارين والآخرون بالسيارين ثم هذه الأوصاف المحمودة كلها مقتبسة من قوله تعالى في مدح المؤمنين الموقنين حيث قال تعالى أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ إلى أن قال تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ الآية فذكر الله وذكر رسوله متلازمان في حصول كل واحد ووصوله (ومنها) أي ومن علامات محبة الإنسان للنبي عليه الصلاة والسلام (محبّته لمن أحبّ النّبيّ) بالرفع أي أحبه النبي (صلى الله تعالى عليه وسلم) ويجوز أن ينصب كما في نسخة وهو المعنى الأعم الأتم لكن الأول هو المناسب لسياق الكلام والله تعالى أعلم ولذا عطف عليه بقوله (ومن) أي ولمن (هو بنسبه) أي بسبب نسبه ونسبته وفي نسخة نسبه أي منسوبه (من آل بيته) أي أهل بيته وفي أصل الحجازي بنون وشين معجمة وموحدة (وَصَحَابَتِهِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَعَدَاوَةُ مَنْ عَادَاهُمْ) أي تجاوز الحد الشرعي في حقهم من الكفار (وبغض من أبغضهم) أي كرههم وقلاهم من الفجار (وسبّهم) أي وبغض من شتمهم من كلاب أهل النار (فمن أحبّ شيئا) أي أحدا (أحبّ من يحبّ) وفي نسخة من يحبه أي ذلك المحبوب ويبغض من يبغضه (وقد قال صلى الله تعالى عليه وسلم) كما في البخاري وغيره (في الحسن والحسين) أي في حقهما وشأنهما (اللهمّ إنّي أحبّهما فأحبّهما) أي زد لهما الهدى والتوفيق في الدنيا وحسن المثوبة ورفعة الدرجة في العقبى (وقال) أي في رواية (من أحبّهما فقد أحبّني) أي فكأنه أحبني (ومن أحبّني) حقيقة (فقد أحبّ الله تعالى ومن أبغضهما فقد أبغضني) أي فكأنه أبغضني (ومن أبغضني) حقيقة (فقد أبغض الله تعالى) أي ومن أبغض الله فقد كفر بالله (وفي رواية) أي أخرى (في الحسن) أي قال في حق الحسن وحده (اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُ وَقَالَ) أي في رواية الترمذي (الله الله) بالنصب فيهما أي اتقوه واحذروه (في أصحابي) ولا تذكروهم بسوء فإنهم أحبابي (لا تتّخذوهم غرضا) بمعجمتين أي هدفا ترمونهم بما لا يليق من الكلام كما يرمى الهدف بالسهام وفي نسخة عرضا بالعين المهملة والظاهر أنه تصحيف (بعدي) أي في غيبتي أيام حياتي أو بعد مماتي (فمن أحبّهم فبحبّي) أي فبسبب حبه إياي أو حبي إياهم (أحبّهم ومن أبغضهم فببغضي) أي فبسبب بغضه إياي (أبغضهم) ومن هنا قول بعض المالكية من سبهم قتل (ومن آذاهم) أي بما يسوؤهم (فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله تعالى) أي خالفه وكره الله فعله (ومن آذى الله يوشك) أي يقرب ويسرع (أن يأخذه) أي الله تعالى كما في نسخة ولعل الحديث مقتبس من قَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (وقال) أي كما رواه البخاري وغيره (في فاطمة) أي في شأنها (أنّها بضعة) بفتح الموحدة وتكسر أي جزء وقطعة (منّي) أي من لحمي ودمي (يغضبني ما أغضبها) وفي نسخة ما يغضبها وقد
ورد هذا الحديث حين خطب علي رضي الله تعالى عنه جويرية ابنة عدو الله أبي جهل على فاطمة رضي الله تعالى عنها قال مسرور بن مخرمة سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقول وهو على المنبر إن بني هشام بن المغيرة استأذنوني أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب فلا آذن ثم لا آذن إلّا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم فإنما هي بضعة مني فمن أبغضها أبغضني فهذا من خصوصياتها (وقال) أي في رواية (لعائشة رضي الله تعالى عنها في أسامة بن زيد) أي في حقه (أحبّيه فإنّي أحبّه) وقد ورد أنه أراد عليه الصلاة والسلام أن ينحي مخاط أسامة فقالت عائشة رضي الله تعالى عنها دعني حتى أنا الذي أفعل قال يا عائشة أحبيه فإني أحبه (وقال) كما في الصحيحين (آيَةُ الْإِيمَانِ حُبُّ الْأَنْصَارِ وَآيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُهُمْ) أي علامة كمال إيمان من آمن أو علامة نفس إيمانه حبهم ويؤيده ظاهر الحديث وحديث لا يحبهم إلّا مؤمن ولا يبغضهم إلّا منافق ولعل وجه تخصيصهم أنهم كانوا مختلطين فيما بين المنافقين والمخلصين أو للإشعار بأن حكم المهاجرين أولى بذلك كما يشير إليه قوله عليه الصلاة والسلام لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار إيماء إلى جلالة رتبة الهجرة وأنه عليه الصلاة والسلام نبي مهاجر من المهاجرين وقد جاء بطريق العموم حب العرب إيمان وبغضهم نفاق كما رواه الحاكم في مستدركه عن أنس رضي الله تعالى عنه (وفي حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما) أي كما تقدم (مَنْ أَحَبَّ الْعَرَبَ فَبِحُبِّي أَحَبَّهُمْ وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ فببغضي أبغضهم) ظاهر مبناه اخبار ولا يبعد أن يكون معناه انشاء أي من أحبهم فينبغي أن يكون بسبب حبي لهم أحبهم حيث يكونون صالحين وكذا البغض إذا كانوا طالحين لما ورد عنه عليه الصلاة والسلام من أحب لله وأبغض لله فقد استكمل إيمانه وفي رواية حب قريش إيمان وبغضهم كفر وحب الأنصار من الإيمان وبغضهم كفر فمن أحب العرب أي جنسهم والمراد مؤمنوهم أو متقوهم فقد أحبني ومن أبغض العرب فقد أبغضني رواه الطبراني في الأوسط عن أنس رضي الله تعالى عنه وروى ابن عساكر عن جابر مرفوعا حب أبي بكر وعمر من الإيمان وبغضهما كفر وحب الأنصار من الإيمان وبغضهم كفر وحب العرب من الإيمان وبغضهم كفر ومن سب أصحابي فعليه لعنة الله ومن حفظني فيهم فأنا أحفظه يوم القيامة والأحاديث كثيرة في هذا الباب وبالجملة فيجب على كل أحد أن يحب أهل بيت النبوة وجميع الصحابة من العرب والعجم لا سيما جنسه عليه الصلاة والسلام ولا يكون من الخوارج في بغض أهل البيت فإنه لا ينفعه حينئذ حب الصحابة ولا من الرافض في بغض الصحابة فإنه لا ينفعه حينئذ حب أهل البيت ولا يكون من جملة الجهلاء العوام حيث يكرهون العرب بالطبع الملام ويذمونهم على الإطلاق بسوء الكلام فإنه يخشى عليهم من سوء الختام (فَبِالْحَقِيقَةِ مَنْ أَحَبَّ شَيْئًا أَحَبَّ كُلَّ شَيْءٍ يحبّه) أي يحب ذلك الشيء وهذا أظهر (وهذه) أي الطريقة الموافقة للحقيقة (سيرة السّلف) أي سمة الصحابة والتابعين في حبهم ما أحبه عليه الصلاة والسلام
في جميع الحالات (حتّى في المباحات وشهوات النّفس) أي فيحبون ما اشتهاه ويتكلمون بمقتضاه ويكلفون أنفسهم بموافقة ما يهواه مبالغة في طاعة مولاه (وقد قال أنس رضي الله تعالى عنه حين رأى النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم يتتبّع الدّبّاء) بالمد ويقصر أي يطلبه (من حوالى القصعة) بفتح اللام والقاف أي من أطرافها لكمال محبته له (فما زلت) أي ما دمت وعشت (أحبّ الدّبّاء من يومئذ) بفتح الميم وكسرها أي من حين رأيته يتتبعه ويأكل حبا له لحبه عليه الصلاة والسلام إياه وروي عن أنس رضي الله تعالى عنه أنه ما صنع لي طعام ويوجد الدباء إلّا وقد جعل فيه وقد روي في مجلس أبي يوسف أنه عليه الصلاة والسلام كان يحب الدباء فقال رجل أنا ما أحب الدباء فسل له السيف وقال جدد الإسلام وإلّا قتلتك نظرا إلى ظاهر معارضته له عليه الصلاة والسلام (فهذا الحسن بن علي وعبد الله ابن عباس وابن جعفر رضي الله تعالى عنهم) أي ابن أبي طالب (أتوا سلمى) أي خادمته صلى الله تعالى عليه وسلم ومولاة له أو مولاة عمته صفية زوجة أبي رافع قابلة ابنه إبراهيم وداية ابنته فاطمة وغاسلتها مع أسماء بنت عميس قال الحلبي في الصحابيات وسلمى غير هذه خمس عشرة امرأة وإنما يدل على أنها المراد هنا ما أخرجه الترمذي في الشمائل بسنده عنها أنهم أتوها (وَسَأَلُوهَا أَنْ تَصْنَعَ لَهُمْ طَعَامًا مِمَّا كَانَ يعجب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم) أي يشتهيه ويستحسن أكله فقالت يا بني لا تشتهيه اليوم قال بلى اصنعيه لنا فقامت وأخذت شيئا من الشعير فطحنته ثم جعلته في قدر وصبت عليه شيئا من الزيت ودقت الفلفل والتوابل فقربته فقالت هذا مما كان يعجب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ويستحسن أكله (وكان ابن عمر رضي الله تعالى عنهما) على ما في الصحيحين وأما ما وقع في أصل الدلجي من ابن عباس بدل ابن عمر فليس في محله (يلبس) بفتح الموحدة (النّعال السّبتيّة) بكسر السين نسبة إلى السبت وهو جلد البقر المدبوغ بالقرظ وهو ورق السمر وقيل صمغه يتخذ منه النعال سميت بذلك لأن شعرها قد سبت عنها أي أزيل وقيل منسوبة إلى موضع يقال له سوق السبت بالكسر (ويصبغ) بتثليث الموحدة وضمها أشهر (بالصّفرة) أي بالحناء (إذ رأى النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم يفعل ذلك) أي مثل ما ذكر من لبس النعال السبتية وصبغ اللحية بالصفرة لكمال المتابعة في الهيئة الموافقة من الكمية والكيفية (ومنها) أي من علامات محبته عليه الصلاة والسلام (بغض من أبغض الله ورسوله) بالنصب في النسخ المصححة أي من أبغضهما ووقع في أصل الدلجي بالرفع فقال أي من ابغضاه والأول أيضا قد نص عليه الحلبي وهو الأظهر فتدبر لأن بغض الله تعالى للعبد إرادة عقابه وإيقاع الهوان به وهذا غير معلوم لنا بخلاف من ظهر منه بغضهما كأبي لهب وأبي جهل ونحوهما واسم الله للتزيين وللإشعار بأن من أبغض رسوله فقد أبغضه وإلّا فلا يوجد في العالم من أبغض الله تعالى فكل يدعي محبته إلا أن أكثرهم أخطأوا طريق ما يقتضي مودته ولذا اكتفى بضميره عليه الصلاة والسلام في قوله (ومعاداة من عاداه) أي من اتخذه عليه
الصلاة والسلام عدوا (ومجانبة من خالف سنّته) أي طريقته أي عمل بغيرها (وابتدع في دينه) أي أظهر البدع في سبيله (واستثقاله) أي عد المؤمن المحب ثقيلا (كلّ أمر) أي من قول أو فعل أو حال ويروى واستثقال كُلَّ أَمْرٍ (يُخَالِفُ شَرِيعَتَهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى) أي اعلاما بما ذكر من كمال محبته (لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) أي يكملون في الإيمان بحسب الباطن والظاهر (يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ)[المجادلة: 22] أي يحابون ويصادقون من خالفهما والمعنى أنه لا ينبغي أن يكون هذا الأمر بل حقه أن يمتنع مبالغة في النهي عنه بمجانبة أعدائهما (ولو كانوا آباءهم) أي أصولهم (أو أبناءهم) أي فروعهم (أو إخوانهم) أي أقرانهم (أو عشيرتهم) أي أقاربهم وأهل صحبتهم وهو تعميم بعد تخصيص (وهؤلاء) أي المؤمنون بالله واليوم الآخر حقا (أصحابه) أي عدلا وصدقا (قد قتلوا أحبّاءهم) أي أحبابهم وأصحابهم (وقاتلوا آباءهم وأبناءهم في مرضاته) أي في سبيل رضى الله ورسوله روي عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أن الآية عني بها جماعة من الصحابة فقوله ولو كانوا آباءهم يريد أبا عبيدة قتل أباه يوم أحد أو أبناءهم يريد أبا بكر رضي الله تعالى عنه لأنه دعا ابنه للبراز يوم بدر فأمره رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أن يقعد أو إخوانهم يريد مصعب بن عمير لأنه قتل أخاه يوم أحد أو عشيرتهم يريد عليا ونحوه ممن قتلوا عشائرهم كذا في مبهمات القرآن لشيخ مشايخنا الجلال السيوطي وقد قتل عمر خاله العاص بن هشام يوم بدر على ما نقله الدلجي (وقال له) أي للنبي عليه الصلاة والسلام (عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ) وكان أبوه علم النفاق ورأس الكفر ورئيس الشقاق وهو من أكابر أهل الوفاق (لو شئت) لو أردت وأمرت بقتله (لأتيتك برأسه يعني) أي يريد بضميره (أباه) أي عبد الله والحديث رواه البخاري وقال ذلك لما هموا بأبيه حين بلغ رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أنه قال لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الأذل وعنى بالأعز نفسه وبالأذل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فأتى ابنه عبد الله إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وقال يا رسول الله بلغني أنك تريد قتل عبد الله بن أبي لما بلغك عنه فإن كنت فاعلا فمرني به وأنا أحمل إليك رأسه فو الله لقد علمت الخزرج ما كان بها رجل أبر بوالديه مني وإني أخشى أن تأمر به غيري فيقتل فلا تدعني نفسي أن انظر إلى قاتل عبد الله بن أبي يمشي في الناس فاقتله فاقتل مؤمنا بكافر فأدخل النار فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بل نرفق به ونحسن صحبته ما بقي معنا استشهد عبد الله رضي الله عنه يوم اليمامة في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه سنة اثنتي عشرة روى عنه أبو هريرة وعائشة رضي الله تعالى عنهما وغيرهما (ومنها) أي من علامات محبته عليه الصلاة والسلام (أَنْ يُحِبَّ الْقُرْآنَ الَّذِي أَتَى بِهِ صَلَّى الله تعالى عليه وسلم وهدى به) أي بسببه الأنام (واهتدى) أي في نفسه بأخلاق الكرام (وتخلّق به) أي اتخذه خلقا في جميع الأحكام (حتّى قالت عائشة رضي الله تعالى عنها) أي في تفسير قوله تعالى وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (كان خلقه القرآن) أي كان ممتثلا
بأوامره ومنتهيا عن زواجره ومتمسكا بآدابه وما اشتمل عليه من مكارم أخلاقه نحو قوله تعالى خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ وأمثاله (وحبّه القرآن) أي علامة حبه له (تلاوته) أي دوام قراءته (والعمل به) والأنسب ما في نسخة من تأخيره عن قوله (وتفهّمه) أي طلب فهمه في مواعظه وقصصه ووعده ووعيده وبيان أحوال أنبيائه وأوليائه وعاقبة أعدائه (ويحبّ) أي وأن يحب (سنّته) أي أحاديثه (ويقف عند حدودها) أي أوامرها ونواهيها (قال سهل بن عبد الله) التستري (عَلَامَةُ حُبِّ اللَّهِ حُبُّ الْقُرْآنِ وَعَلَامَةُ حُبِّ القرآن حبّ النّبي صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَامَةُ حُبِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تعالى عليه وسلم حبّ السّنّة) أي حب أحاديثه وأخباره وأحواله وسيره وآثاره (وعلامة حبّ السّنّة) أي بعد علمها وفهمها (حبّ الآخرة) إذ أقل العلم معرفة أن الدنيا فانية والآخرة باقية ونتيجته أن يعرض عن الدنيا ويقبل على العقبى وهذا معنى قوله (وعلامة حبّ الآخرة بغض الدّنيا) لأنهما لا يجتمعان لقوله عليه الصلاة والسلام من أحب آخرته أضر بدنياه ومن أحب دنياه أضر بآخرته فآثروا ما يبقى على ما يفنى وقد شبهتا بالضرتين وبالكفتين (وعلامة بغض الدّنيا أن لا يدّخر منها) أي لا يأخذ ولا يمسك منه (إلّا زادا) أي قدر ما يتزود به (وبلغة) بضم فسكون أي مقدار ما يبلغه (إلى الآخرة) فإن تحصيل الزيادة على قدر الضرورة وبال وحسرة فإن حلالها حساب وحرامها عقاب والاشتغال بها حجاب وفي أصل الحجازي زاد وبلغة بالرفع فيقرأ لا يدخر مجهولا (وقال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه لا يسأل أحد عن نفسه) أي عن طيب حالها وخبث مآلها (إلّا القرآن) فإنه ميزان الإنسان للعدل والإحسان (فإن كان يحبّ القرآن) أي تلاوته ومتابعته (فهو يحبّ الله ورسوله) أي ومن يحبهما فهما يحبانه أيضا والمعنى أنه لا ينبغي لأحد أن يرضى بما في نفسه من الدعوى فإنه كما قيل ما أيسر الدعوة وما أعسر المعنى (ومن علامات حبّه) أي أصل حب المؤمن المحب (للنّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم شفقته) أي خوفه ومرحمته (على أمّته ونصحه لهم) أي قيامة بنصيحتهم في أمرهم ونهيهم وموعظتهم (وسعيه في مصالحهم) أي الدينية والدنيوية الضرورية (ورفع المضارّ عنهم) أي بعد وقوعها ووصولها وفي نسخة ودفع المضار عنهم أي عند خوف حصولها (كما كان صلى الله تعالى عليه وسلم بالمؤمنين رؤوفا رحيما) والرأفة شدة الرحمة ولعلها كانت مختصة بكمل المؤمنين وعموم الرحمة لعامة المؤمنين مع أنه كان رحمة للعالمين وفيه إشارة إلى حسن المتابعة وكمال الموافقة وإيماء إلى قوله عليه الصلاة والسلام تخلقوا بأخلاق الله تعالى والمعنى أن التخلق يكون بقدر التعلق في باب التحقق (ومن علامة تمام محبّته) أي وكمال متابعته (زهد مدّعيها) أي قلة رغبة مدعي محبته عليه الصلاة والسلام (في الدّنيا) أي التي هي دار الأكدار ومقام الآلام (وإيثاره) أي اختياره (الفقر) أي قلة المال على كثرته (واتّصافه به) أي بالفقر حال ضرورته ويكون غني القلب في صورته وهذا إنما يكون بإعراضه عنها وتركه الالتفات إليها وعدم الإقبال عليها وسئل الزهري عن الزهد فقال هو إن