المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل [قال القاضي أبو الفضل قد بان مما قدمناه عقود الأنبياء في التوحيد والإيمان] - شرح الشفا - جـ ٢

[الملا على القاري]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثّاني

- ‌[المقدمة]

- ‌(الْقِسْمُ الثَّانِي فِيمَا يَجِبُ عَلَى الْأَنَامِ مِنْ حقوقه صلى الله تعالى عليه وسلم)

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ [فِي فَرْضِ الْإِيمَانِ بِهِ وَوُجُوبِ طاعته واتّباع سنّته]

- ‌فصل [وَأَمَّا وُجُوبُ طَاعَتِهِ فَإِذَا وَجَبَ الْإِيمَانُ بِهِ وتصديقه فيما جاء به]

- ‌فصل [وَأَمَّا وُجُوبُ اتِّبَاعِهِ وَامْتِثَالُ سُنَّتِهِ وَالِاقْتِدَاءُ بِهَدْيِهِ]

- ‌فصل [وأما وَرَدَ عَنِ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ مِنِ اتِّبَاعِ سُنَّتِهِ]

- ‌فصل [وَمُخَالَفَةُ أَمْرِهِ وَتَبْدِيلُ سُنَّتِهِ ضَلَالٌ وَبِدْعَةٌ مُتَوَعَّدٌ من الله تعالى عليه بالخذلان والعذاب]

- ‌الباب الثاني [في لزوم محبته عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [في ثواب محبته صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [فِيمَا رُوِيَ عَنِ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ مِنْ مَحَبَّتِهِمْ للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [في علامات محبته صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [في معنى المحبة للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم وحقيقتها]

- ‌فصل [في وجوب مناصحته صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌الْبَابُ الثَّالِثُ [فِي تَعْظِيمِ أَمْرِهِ وَوُجُوبِ تَوْقِيرِهِ وبره]

- ‌فصل [في عادة الصحابة في تعظيمه عليه الصلاة والسلام وتوقيره وإجلاله]

- ‌فصل [واعلم أن حرمة النبي بعد موته وتوقيره وتعظيمه لازم]

- ‌فصل [فِي سِيرَةِ السَّلَفِ فِي تَعْظِيمِ رِوَايَةِ حَدِيثِ رسول الله وسنته عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [ومن توقيره صلى الله تعالى عليه وسلم وبره بر آله]

- ‌فصل [ومن توقيره وبره توقير أصحابه عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [ومن إعظامه وإكباره إعظام جميع أسبابه]

- ‌الباب الرابع [في حكم الصلاة عليه صلى الله تعالى عليه وسلم والتسليم]

- ‌فصل [اعلم أن الصلاة على النبي فرض في الجملة]

- ‌فصل [في المواطن التي تستحب فيها الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ويرغب فيها]

- ‌فصل [في كيفية الصلاة عليه والتسليم]

- ‌فصل (في فضيلة الصلاة على النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم والتسليم عليه والدّعاء له)

- ‌فصل (فِي ذَمِّ مَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله تعالى عليه وسلم وإثمه)

- ‌فصل [في تخصيصه عليه الصلاة والسلام بتبليغ صلاة من صلى عليه صلاة أو سلم من الأنام]

- ‌فصل (فِي الِاخْتِلَافِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى غَيْرِ النَّبِيِّ صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

- ‌فصل (فِي حُكْمِ زِيَارَةِ قَبْرِهِ صلى الله عليه وسلم وَفَضِيلَةِ مَنْ زَارَهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ

- ‌فصل (فِيمَا يَلْزَمُ مَنْ دَخَلَ مَسْجِدَ النَّبِيِّ صَلَّى الله تعالى عليه وسلم من الأدب)

- ‌الْقِسْمُ الثَّالِثُ [فِيمَا يَجِبُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تعالى عليه وسلم وما يستحيل في حقه وما يمتنع]

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ (فِيمَا يَخْتَصُّ بِالْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ وَالْكَلَامُ فِي عِصْمَةِ نَبِيِّنَا عليه الصلاة والسلام وَسَائِرِ الأنبياء صلوات الله عليهم

- ‌فصل (فِي حُكْمِ عَقْدِ قَلْبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تعالى عليه وسلم)

- ‌فصل (وأمّا عصمتهم من هذا الفنّ)

- ‌فصل [قال القاضي أبو الفضل قد بان مما قدمناه عقود الأنبياء في التوحيد والإيمان]

- ‌فصل [وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ مُجْمِعَةٌ عَلَى عِصْمَةِ النَّبِيِّ من الشيطان إلى آخره]

- ‌فصل [وأما قوله صلى الله تعالى عليه وسلم فقامت الدلائل إلى آخره]

- ‌فصل [وقد توجهت ههنا لبعض الطاعنين سؤالات]

- ‌فصل [فصل هذا القول فيما طريقه البلاغ]

- ‌فصل (فإن قلت فما معنى قوله عليه الصلاة والسلام في حديث السّهو)

- ‌فصل (وأمّا ما يتعلّق بالجوارح)

- ‌فصل [وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي عِصْمَتِهِمْ مِنَ الْمَعَاصِي قَبْلَ النبوة]

- ‌فصل [هَذَا حُكْمُ مَا تَكُونُ الْمُخَالَفَةُ فِيهِ مِنَ الْأَعْمَالِ عَنْ قَصْدٍ وَهُوَ مَا يُسَمَّى مَعْصِيَةً ويدخل تحت التكليف]

- ‌فصل (فِي الْكَلَامِ عَلَى الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورِ فِيهَا السَّهْوُ

- ‌فصل (فِي الرَّدِّ عَلَى مَنْ أَجَازَ عَلَيْهِمُ الصَّغَائِرَ

- ‌فصل (فَإِنْ قُلْتَ فَإِذَا نَفَيْتَ عَنْهُمْ صَلَوَاتُ اللَّهِ عليهم الذّنوب)

- ‌فصل [قد استبان لك أيها الناظر بما قررناه ما هو الحق من عصمته عليه السلام]

- ‌فصل (في القول في عصمة الملائكة)

- ‌الْبَابُ الثَّانِي [فِيمَا يَخُصُّهُمْ فِي الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ]

- ‌فصل [فَإِنْ قُلْتَ فَقَدْ جَاءَتِ الْأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام سحر]

- ‌فصل [هذا حاله عليه الصلاة والسلام في جسمه]

- ‌فصل [وَأَمَّا مَا يَعْتَقِدُهُ فِي أُمُورِ أَحْكَامِ الْبَشَرِ إلى آخره]

- ‌فصل [وَأَمَّا أَقْوَالُهُ الدُّنْيَوِيَّةُ مِنْ أَخْبَارِهِ عَنْ أَحْوَالِهِ]

- ‌فصل (فَإِنْ قُلْتَ قَدْ تَقَرَّرَتْ عِصْمَتُهُ صَلَّى اللَّهُ تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَقْوَالِهِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ)

- ‌فصل (فَإِنْ قِيلَ فَمَا وَجْهُ حَدِيثِهِ أَيْضًا الَّذِي حدّثناه الفقيه أبو محمد الخشنيّ)

- ‌فصل (وأمّا أفعاله عليه الصلاة والسلام الدّنيويّة)

- ‌فصل [فَإِنْ قِيلَ فَمَا الْحِكْمَةُ فِي إِجْرَاءِ الْأَمْرَاضِ وشدتها عليه عليه الصلاة والسلام]

- ‌الْقِسْمُ الرَّابِعُ (فِي تَصَرُّفِ وُجُوهِ الْأَحْكَامِ فِيمَنْ تنقّصه أو سبّه عليه الصلاة والسلام

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ (فِي بَيَانِ مَا هُوَ فِي حقّه صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبٌّ أَوْ نَقْصٌ مِنْ تَعْرِيضٍ أو نصّ)

- ‌فصل (فِي الْحُجَّةِ فِي إِيجَابِ قَتْلِ مَنْ سَبَّهُ أو عابه صلى الله تعالى عليه وسلم)

- ‌فصل (فَإِنْ قُلْتَ فَلِمَ لَمْ يَقْتُلِ النَّبِيُّ صَلَّى الله تعالى عليه وسلم اليهوديّ الّذي قال له)

- ‌فصل (قَالَ الْقَاضِي تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي قَتْلِ الْقَاصِدِ لسبّه)

- ‌فصل [أن يقصد إلى تكذيبه فيما قاله إلى آخره]

- ‌فصل (الْوَجْهُ الرَّابِعُ أَنْ يَأْتِيَ مِنَ الْكَلَامِ بِمُجْمَلٍ)

- ‌فصل [أَنْ لَا يَقْصِدَ نَقْصًا وَلَا يَذْكُرَ عَيْبًا ولا سبا لكنه ينزع إلى آخره]

- ‌فصل [أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُ ذَلِكَ حَاكِيًا عَنْ غَيْرِهِ وآثرا عن سواه]

- ‌فصل [أن يذكر ما يجوز على النبي أو يختلف في جوازه عليه]

- ‌فصل (وَمِمَّا يَجِبُ عَلَى الْمُتَكَلِّمِ فِيمَا يَجُوزُ عَلَى النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم وما لا يجوز)

- ‌الْبَابُ الثَّانِي [فِي حُكْمِ سَابِّهِ وَشَانِئِهِ وَمُتَنَقِّصِهِ ومؤذيه]

- ‌فصل (إذا قلنا بالاستتابة حيث تصحّ)

- ‌فصل (هذا حكم من ثبت عليه ذلك)

- ‌فصل [هذا حكم المسلم]

- ‌فصل (فِي مِيرَاثِ مَنْ قُتِلَ فِي سَبِّ النَّبِيِّ صلى الله تعالى عليه وسلم وغسله والصلاة عليه)

- ‌الْبَابُ الثَّالِثُ (فِي حُكْمِ مَنْ سَبَّ اللَّهَ تعالى وملائكته وأنبياءه وكتبه وآل النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم وأزواجه وصحبه

- ‌فصل (وَأَمَّا مَنْ أَضَافَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مَا لَا يَلِيقُ بِهِ لَيْسَ عَلَى طَرِيقِ السَّبِّ)

- ‌فصل [فِي تَحْقِيقِ الْقَوْلِ فِي إِكْفَارِ الْمُتَأَوِّلِينَ قَدْ ذكرنا مذاهب السلف وإكفار أصحاب البدع والأهواء]

- ‌فصل (فِي بَيَانِ مَا هُوَ مِنَ الْمَقَالَاتِ كُفْرٌ وَمَا يُتَوَقَّفُ أَوْ يُخْتَلَفُ فِيهِ وَمَا لَيْسَ بكفر)

- ‌فصل [هَذَا حُكْمُ الْمُسْلِمِ السَّابِّ لِلَّهِ تَعَالَى وَأَمَّا الذمي الخ]

- ‌فصل [هَذَا حُكْمُ مَنْ صَرَّحَ بِسَبِّهِ وَإِضَافَةِ مَا لَا يَلِيقُ بِجَلَالِهِ وَإِلَهِيَّتِهِ فَأَمَّا مُفْتَرِي الْكَذِبِ الخ]

- ‌فصل (وأمّا من تكلّم من سقط القول)

- ‌فصل (وَحُكْمُ مَنْ سَبَّ سَائِرَ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وملائكته)

- ‌فصل (واعلم أن من استخفّ بالقرآن)

- ‌فصل [من سب آل بيته وأزواجه وأصحابه عليه الصلاة والسلام وتنقصهم حرام ملعون فاعله]

- ‌ نظم

- ‌فهرس محتويات الجزء الثاني من شرح الشفا

الفصل: ‌فصل [قال القاضي أبو الفضل قد بان مما قدمناه عقود الأنبياء في التوحيد والإيمان]

موحدة وكسر مهملة مقصورا وممدودا وقد رواها ابن سعد عن نفيسة بنت منبه (حين استحلف) أي بحيرا (النبي صلى الله تعالى عليه وسلم باللّات والعزّى إذ لقيه) أي بحيرا (بالشّام) أي في قريب منها (فِي سَفْرَتِهِ مَعَ عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ وَهُوَ) أي النبي عليه السلام (صبيّ) أي غير بالغ (ورأى) أي بحيرا (فيه علامات النّبوّة فاختبره بذلك) أي فامتحنه بحيرا بذلك الاستحلاف (فقال له النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لا تسألني بهما) أي باللات والعزى (فو الله ما أبغضت شيئا قطّ بغضهما) أي مثل بغضهما (فقال له بحيرا فبالله) أي فأسألك بالله أن لا أقول شيئا (إِلَّا مَا أَخْبَرْتَنِي عَمَّا أَسْأَلُكَ عَنْهُ؛ فَقَالَ سل عمّا بدا) بالألف أي ظهر (لك) الحديث (وكذلك المعروف من سيرته عليه الصلاة والسلام وتوفيق الله تعالى له) أي في تحقيق مراعاة شرائع الأحكام (أنّه كان قبل نبوّته يخالف المشركين) أي من قبيلة قريش (في وقوفهم) أي عشية عرفة (بمزدلفة في الحجّ) أي معللين بأنهم من خواص الحرم المحترم فلا يخرجون بالكلية من الحرم خلافا لغيرهم حيث كانوا يفقون بعرفات وهذا مبنى قوله تعالى ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ وقوله فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ (فكان يقف هو) أي النبي عليه الصلاة والسلام مخالفا لقومه (بعرفات) أي مراعاة لسابقة شرائع الأحكام (لأنّه) أي موضع عرفات (كان موقف إبراهيم عليه السلام بل وموقف سائر الأنبياء من آدم وغيره عليهم الصلاة والسلام وقد بينت هذه المسألة في رسالة مستقلة والله تعالى أعلم.

‌فصل [قال القاضي أبو الفضل قد بان مما قدمناه عقود الأنبياء في التوحيد والإيمان]

(قال القاضي أبو الفضل رضي الله تعالى عنه) يعني المصنف (قد بان) أي ظهر (بما قدّمناه عقود الأنبياء) أي ما عقد عليه قلوبهم (في التّوحيد والإيمان) أي الإجمالي قبل الوحي والتفصيلي بعده (والوحي) أي الجلي والخفي (وعصمتهم في ذلك) أي عما ينافي ما هنالك (على ما بيّنّاه) أي فيما قررناه وحررناه، (فأمّا ما عدا هذا الباب) بالنصب أو الجر أي غير باب التوحيد وما يتعلق به من التفريد (من عقود قلوبهم) أي ثبوتها ورسوخها (فجماعها) بكسر الجيم أي ما اجمع عليه أو جملتها (أنّها) أي قلوبهم (مملوءة علما ويقينا) أي مقرونين (على الجملة) أي من غير تفصيل في المسألة (وأنّها) أي قلوبهم (قد احتوت) أي اشتملت (من المعرفة) أي في الجزئيات (والعلم) في الكليات (بأمور الدّين) أي جميعها (والدّنيا) مما يحتاج إليه (ما لا شيء فوقه) أي شيئا لا مزيد عليه (ومن طالع الأخبار واعتنى بالحديث) أي اهتم بالآثار (وتأمّل ما قلناه وجده) أي مطابقا لما ذكرناه (وقد قدّمنا منه في حقّ نبيّنا صلى الله تعالى عليه وسلم في الباب الرّابع أوّل قسم) أي في أول قسم (من هذا الكتاب) أي في فصل ذكر معجزاته في أواخر القسم الأول (ما ينبّه على ما وراءه) أي من فصل الخطاب (إلّا أنّ) أي لكن (أحوالهم في هذه المعارف تختلف) أي بحسب اختلاف متعلقاتها؛ (فَأَمَّا مَا تَعَلَّقَ مِنْهَا بِأَمْرِ الدُّنْيَا فَلَا يشترط فِي حَقِّ الْأَنْبِيَاءِ الْعِصْمَةُ مِنْ عَدَمِ مَعْرِفَةِ الأنبياء ببعضها) كما

ص: 210

توهمت الشيعة فإنه يرده قول الهدهد لسليمان عليه الصلاة والسلام أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ (أو اعتقادها) أي أو من عدم اعتقادهم إياها (على خلاف ما هي عليه) أي على خلاف حقيقتها كما يشير إليه قوله صلى الله تعالى عليه وسلم للأنصار وهم يؤبرون النخل لا عليكم أن لا تفعلوا فتركوا تأبيره فلم يلقح منه ذلك إلا قليل فقال أنتم أعرف بدنياكم وكذا رجوعه إلى رأي الحباب بن المنذر ببدر على ما مر (ولا وصم) بسكون الصاد المهملة أي لا عيب لهم ولا عتب (عليهم إذ همتهم) أي توجههم وعزيمتهم وفي نسخة هممهم (متعلّقة بالآخرة وأنبائها) أي اخبارها من أحوالها وأهوالها (وأمر الشّريعة وقوانينها) أي ضوابطها الكلية المشتملة على المسائل الجزئية (وأمور الدّنيا) أي باعتبار توجه الهمة إليها مبتدأ خبره (تضادّها) كتضاد الضرتين والكفتين وقد ورد من أحب آخرته أضر بدنياه ومن أحب دنياه أضر بآخرته فآثروا ما يبقى على ما يفنى (بخلاف غيرهم) أي غير الأنبياء واتباعهم وهم العلماء والأولياء (من أهل الدّنيا) كالكفار والفجار (الذين) قال الله فيهم (يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا) أي لا باطنها من أنها تعبر ولا تعمر (وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ) أي مع أنهم في أمر دنياهم عاقلون (كَمَا سَنُبَيِّنُ هَذَا فِي الْبَابِ الثَّانِي إِنْ شاء الله ولكنّه) أي الشأن (لا يقال) أي مع هذا (أنّهم) أي الأنبياء (لا يعلمون شيئا من أمر الدّنيا) أي على وجه الإطلاق (فإنّ ذلك يؤدّي إلى الغفلة) أي إلى نسبة الغفلة (والبله) بفتحتين أي البلاهة المنافية لكمال العقل والفطانة فقيل الأبله الذي لا عقل له وقيل الأبله الكثير الغفلة ويقال الأبله أيضا للذي طبع على الخير فهو غافل عن الشر وعليه الحديث أكثر أهل الجنة البله (وهم المنزّهون عنه) أي عن مثل ذلك فإنهم الكاملون المكملون فيما هنالك (بل قد أرسلوا إلى أهل الدّنيا) أي لينبهوهم من غفلتهم ويمنعوهم عن بلاهتهم (وقلّدوا) بصيغة المجهول أي وتقلدوا (سياستهم) أي محافظتهم عما يضرهم (وهدايتهم) أي دلالتهم إلى ما ينفعهم (والنّظر في مصالح دينهم) يروى صلاح دينهم (ودنياهم) أي المرتبطة بأمور أخراهم، (وهذا) أي ما ذكر (لا يكون) أي لا يتصور (مع عدم العلم بأمور الدّنيا بالكلّيّة) نعم قد يكون لهم عدم علم ببعضها لعدم التفاتهم إليها في الأمور الجزئية، (وأحوال الأنبياء وسيرهم) أي عند العلماء (في هذا الباب معلومة) وفي الكتب مسطورة (وَمَعْرِفَتُهُمْ بِذَلِكَ كُلِّهِ مَشْهُورَةٌ وَأَمَّا إِنْ كَانَ هذا العقد) أي عقد قلوبهم (ممّا يتعلّق) يروى فيما يتعلق (بالدّين) أي بأموره (فلا يصحّ من النبيّ إِلَّا الْعِلْمُ بِهِ وَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِ جَهْلُهُ جملة) أي بأسرها (لأنّه لا يخلو) أي من أحد أمرين (أن يكون) أي النبي عليه الصلاة والسلام (حصل عنده ذلك) أي العلم (عن وحي من الله فهو ما لا يصحّ الشّكّ منه) أي من النبي عليه السلام (فيه على ما قدّمناه) من أنه لا يصح منه إلا العلم بما أوحى (فكيف الجهل) أي فكيف يصح الجهل منه به (بَلْ حَصَلَ لَهُ الْعِلْمُ الْيَقِينُ أَوْ يَكُونُ) أي أو أن يكون النبي (فعل ذلك) وفي نسخة عقد ذَلِكَ (بِاجْتِهَادِهِ فِيمَا لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ فِيهِ شيء) بصيغة المفعول أو الفاعل (على القول) أي قول بعض العلماء (بتجويز وقوع

ص: 211

الاجتهاد منه) أي من النبي (في ذلك) أي فيما لم ينزل عليه فيه شيء وهو الحق المبني (على قول المحقّقين) أي من علماء الدين وكبراء المجتهدين (وعلى مقتضى حديث أمّ سلمة) أم المؤمنين (إنّي إنّما أقضي بينكم برأيي) أي أحيانا (فِيمَا لَمْ يَنْزِلْ عَلَيَّ فِيهِ شَيْءٌ خَرَّجَهُ) أي خرج حديث أم سلمة (الثّقات) أي من الرواة كأبي داود، (وكقصّة أسرى بدر) وهي معروفة وسيأتي بيانها وقد نزل فيها ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ (والإذن للمتخلّفين) أي من المنافقين عن غزوة تبوك حيث نزل فيها عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ (على رأي بعضهم) أي بأن ما صدر عنه كان باجتهاد منه وقيل لا يجوز له الاجتهاد بالرأي المبني على الظن لقدرته على علم اليقين بالوحي بانتظاره ورد بأن انزال الوحي ليس في قدرته وتحت اختياره مع أنه قَالَ تَعَالَى لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ (فَلَا يَكُونُ أَيْضًا مَا يَعْتَقِدُهُ مِمَّا يُثْمِرُهُ اجتهاده إلّا حقّا) أي وصدقا (وصحيحا) أي صريحا (هذا هو الحقّ الّذي لا يلتفت) أي معه (إلى خلاف من خالف فيه) أي ممن أجاز عليه الخطأ في الاجتهاد كما في نسخة فقال بمنع اجتهاده مطلقا أو بمنعه في غير الأسرى والحروب وجوازه فيهما بل اجتهاده حق وصواب فيما لم ينزل عليه فيه شيء (لا على القول بتصويب المجتهدين) فيما لا قاطع فيه من مسائل الفروع (الّذي هو الحقّ والصّواب عندنا) أي على ما ذهب إليه الأشعري والباقلاني ومختار أبي يوسف ومحمد وابن شريح بأن كل مجتهد مصيب (ولا على القول الآخر) وهو مذهب الجمهور (بأنّ الحقّ في طرف واحد) وأن مصيبه من المجتهدين في كل مسألة واحد مكلف بإصابته لقيام إمارة عليه وإشارة إليه فإن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر واحد ولا إثم عليه بخلاف اجتهاد النبي فإن الصواب عدم خطأه في هذا الباب (لعصمة نبي صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْخَطَأِ فِي الِاجْتِهَادِ فِي الشّرعيّات) وأما القول بأنه قد يخطىء وينبه عليه فمما لا يلتفت إليه وأما ما سبق من عتابه في قصة اسرى بدر وإذن المتخلفين عن تبوك فمحمول على أنه كان خلاف الأولى (ولأنّ القول في تخطئة المجتهدين) أي على القول بأن المصيب واحد منهم لا بعينه (إِنَّمَا هُوَ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الشَّرْعِ وَنَظَرُ النَّبِيِّ صلى الله تعالى عليه وسلم) أي تأمله وتفكره (وَاجْتِهَادُهُ إِنَّمَا هُوَ فِيمَا لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ فيه شيء ولم يشرع له قبل) مبني على الضم أي قبل نظره واجتهاده وفي نسخة قبل هذا، (هذا) أي ما تقدم (فيما عقد عليه) أي النبيّ كما في نسخة (النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم قلبه) أي عزم عليه واستقر لديه (فَأَمَّا مَا لَمْ يَعْقِدْ عَلَيْهِ قَلْبَهُ مِنْ أمر النّوازل الشّرعيّة) أي مما يحتاج إلى بيان الأمر فيه رعاية للرعية (فقد كان لا يعلم منها أوّلا) أي قبل الوحي والإذن (إلّا ما علّمه الله شيئا شيئا) أي فشيئا على وجه التدريج بحسب ما يقتضيه الحكم والحكمة من الفعل والترك (حتّى استقرّ علم جملتها) أي إجمالها وتفصيلا ويروى علم جميعها (عنده) بعد وصوله إلى مقام يوجب كمالا وتكميلا (إِمَّا بِوَحْيٍ مِنَ اللَّهِ أَوْ إِذْنٍ لَهُ أن يشرع في ذلك) أي فيما أبداه (ويحكم بما أراه الله) كما أشار إليه قوله سبحانه وتعالى إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ

ص: 212

النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ أي وحيا جليا أو الهاما خفيا (وَقَدْ كَانَ يَنْتَظِرُ الْوَحْيَ فِي كَثِيرٍ مِنْهَا) أي من النوازل ولم يبادر إلى الاجتهاد فيها ولعله في الأمور الكلية لا في المسائل الفرعية المعلومة من القواعد الشرعية (ولكنّه لم يمت حتّى استفرغ) أي استوفى واستجمع وفي نسخة استقر أي ثبت واستمر (علم جميعها عنده عليه الصلاة والسلام كما يدل عليه قوله تعالى الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ (وَتَقَرَّرَتْ مَعَارِفُهَا لَدَيْهِ عَلَى التَّحْقِيقِ وَرَفْعِ الشَّكِّ) بصيغة المجهول أي ارتفع التردد (والرّيب) أي الشبهة (وانتفاء الجهل) أي بأن ينسب في شيء إليه (وبالجملة فلا يصحّ منه) أي من النبي عليه الصلاة والسلام (الْجَهْلُ بِشَيْءٍ مِنْ تَفَاصِيلِ الشَّرْعِ الَّذِي أُمِرَ بالدّعوة إليه إذ لا تصلحّ دعوته إلى ما لا يعلمه) أي إلى ما لا علم به لديه صلى الله تعالى عليه وسلم (وأمّا ما تعلّق بعقده) أي بجزم قلبه في معرفة ربه (من ملكوت السّموات والأرض) أي ظواهرهما وبواطنهما (وخلق الله تعالى) أي وسائر مخلوقاته العلوية والسفلية (وتعيين أسمائه الحسنى) أي المشتملة على نعوت الجمال وصفات الجلال كما يقتضيه ذات الكمال (وآياته الكبرى) أي العظمى من عجائب مخلوقاته وغرائب مصنوعاته (وأمور الآخرة) من نشر وحشر وشدائد أحوالها ومكابد أهوالها (وأشراط السّاعة) أي علاماتها من قطيعة الأرحام وقلة الكرام وكثرة اللئام وكثرة الظلم من الأنام (وأحوال السّعداء) في جنة النعيم (والأشقياء) في محنة الجحيم (وعلم ما كان) في بدء الأمر (وما يكون مما لم يعلمه) ويروى فيما لا يعلمه (إلّا بوحي فعلى ما تقدّم) جواب أما أي فمحمول على ما سبق (مِنْ أَنَّهُ مَعْصُومٌ فِيهِ لَا يَأْخُذُهُ فِيمَا أعلم به) بصيغة المجهول (منه شكّ) أي تردد (ولا ريب) أي شبهة لقوله تعالى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (بل هو فيه على غاية اليقين) في طريق الدين المبين (لكنّه) أي الشأن أو النبي عليه الصلاة والسلام (لَا يَشْتَرِطُ لَهُ الْعِلْمَ بِجَمِيعِ تَفَاصِيلِ ذَلِكَ) بل ربما يقال إنه لا يتصور له الاستقصاء بما هنالك (وإن كان عنده من علم ذلك) أي بعضه مما حكم له في القدر (ما ليس عند جميع البشر) أي افرادا وجمعا (لقوله) أي النبي عليه الصلاة والسلام فيما رواه البيهقي (إِنِّي لَا أَعْلَمُ إِلَّا مَا عَلَّمَنِي رَبِّي ولقوله) فيما رواه الشيخان عنه عليه الصلاة والسلام حكاية عن ربه اعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت (ولا خطر على قلب بشر بله ما اطلعتم عليه اقرؤوا إن شئتم فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ) بصيغة المفعول وقرأ حمزة بصيغة المتكلم (مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ [السجدة: 17] ) أي مما تلذ به وبله اسم فعل بمعنى دع واترك (وَقَوْلِ مُوسَى لِلْخَضِرِ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ) وفي قراءة بإثبات الباء (مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً [الكهف: 66] ) وقرأ أبو عمرو بفتحهما أي علما ذا رشد وفيه أن المفضول قد يتميز بشيء لم يكن عند من هو أفضل منه كما يشهد له قصة الهدهد مع سليمان عليه السلام (وقوله صلى الله تعالى عليه وسلم) فيما رواه الديلمي عن أنس رضي الله تعالى عنه (أسألك بأسمائك الحسنى ما علمت منها وما لم أعلم وقوله) فيما رواه أحمد (أسألك بكلّ اسم هو لك) أي خاصة (سمّيت به نفسك أو استأثرت به) أي انفردت

ص: 213