المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل (واعلم أن من استخف بالقرآن) - شرح الشفا - جـ ٢

[الملا على القاري]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثّاني

- ‌[المقدمة]

- ‌(الْقِسْمُ الثَّانِي فِيمَا يَجِبُ عَلَى الْأَنَامِ مِنْ حقوقه صلى الله تعالى عليه وسلم)

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ [فِي فَرْضِ الْإِيمَانِ بِهِ وَوُجُوبِ طاعته واتّباع سنّته]

- ‌فصل [وَأَمَّا وُجُوبُ طَاعَتِهِ فَإِذَا وَجَبَ الْإِيمَانُ بِهِ وتصديقه فيما جاء به]

- ‌فصل [وَأَمَّا وُجُوبُ اتِّبَاعِهِ وَامْتِثَالُ سُنَّتِهِ وَالِاقْتِدَاءُ بِهَدْيِهِ]

- ‌فصل [وأما وَرَدَ عَنِ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ مِنِ اتِّبَاعِ سُنَّتِهِ]

- ‌فصل [وَمُخَالَفَةُ أَمْرِهِ وَتَبْدِيلُ سُنَّتِهِ ضَلَالٌ وَبِدْعَةٌ مُتَوَعَّدٌ من الله تعالى عليه بالخذلان والعذاب]

- ‌الباب الثاني [في لزوم محبته عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [في ثواب محبته صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [فِيمَا رُوِيَ عَنِ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ مِنْ مَحَبَّتِهِمْ للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [في علامات محبته صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [في معنى المحبة للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم وحقيقتها]

- ‌فصل [في وجوب مناصحته صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌الْبَابُ الثَّالِثُ [فِي تَعْظِيمِ أَمْرِهِ وَوُجُوبِ تَوْقِيرِهِ وبره]

- ‌فصل [في عادة الصحابة في تعظيمه عليه الصلاة والسلام وتوقيره وإجلاله]

- ‌فصل [واعلم أن حرمة النبي بعد موته وتوقيره وتعظيمه لازم]

- ‌فصل [فِي سِيرَةِ السَّلَفِ فِي تَعْظِيمِ رِوَايَةِ حَدِيثِ رسول الله وسنته عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [ومن توقيره صلى الله تعالى عليه وسلم وبره بر آله]

- ‌فصل [ومن توقيره وبره توقير أصحابه عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [ومن إعظامه وإكباره إعظام جميع أسبابه]

- ‌الباب الرابع [في حكم الصلاة عليه صلى الله تعالى عليه وسلم والتسليم]

- ‌فصل [اعلم أن الصلاة على النبي فرض في الجملة]

- ‌فصل [في المواطن التي تستحب فيها الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ويرغب فيها]

- ‌فصل [في كيفية الصلاة عليه والتسليم]

- ‌فصل (في فضيلة الصلاة على النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم والتسليم عليه والدّعاء له)

- ‌فصل (فِي ذَمِّ مَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله تعالى عليه وسلم وإثمه)

- ‌فصل [في تخصيصه عليه الصلاة والسلام بتبليغ صلاة من صلى عليه صلاة أو سلم من الأنام]

- ‌فصل (فِي الِاخْتِلَافِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى غَيْرِ النَّبِيِّ صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

- ‌فصل (فِي حُكْمِ زِيَارَةِ قَبْرِهِ صلى الله عليه وسلم وَفَضِيلَةِ مَنْ زَارَهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ

- ‌فصل (فِيمَا يَلْزَمُ مَنْ دَخَلَ مَسْجِدَ النَّبِيِّ صَلَّى الله تعالى عليه وسلم من الأدب)

- ‌الْقِسْمُ الثَّالِثُ [فِيمَا يَجِبُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تعالى عليه وسلم وما يستحيل في حقه وما يمتنع]

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ (فِيمَا يَخْتَصُّ بِالْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ وَالْكَلَامُ فِي عِصْمَةِ نَبِيِّنَا عليه الصلاة والسلام وَسَائِرِ الأنبياء صلوات الله عليهم

- ‌فصل (فِي حُكْمِ عَقْدِ قَلْبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تعالى عليه وسلم)

- ‌فصل (وأمّا عصمتهم من هذا الفنّ)

- ‌فصل [قال القاضي أبو الفضل قد بان مما قدمناه عقود الأنبياء في التوحيد والإيمان]

- ‌فصل [وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ مُجْمِعَةٌ عَلَى عِصْمَةِ النَّبِيِّ من الشيطان إلى آخره]

- ‌فصل [وأما قوله صلى الله تعالى عليه وسلم فقامت الدلائل إلى آخره]

- ‌فصل [وقد توجهت ههنا لبعض الطاعنين سؤالات]

- ‌فصل [فصل هذا القول فيما طريقه البلاغ]

- ‌فصل (فإن قلت فما معنى قوله عليه الصلاة والسلام في حديث السّهو)

- ‌فصل (وأمّا ما يتعلّق بالجوارح)

- ‌فصل [وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي عِصْمَتِهِمْ مِنَ الْمَعَاصِي قَبْلَ النبوة]

- ‌فصل [هَذَا حُكْمُ مَا تَكُونُ الْمُخَالَفَةُ فِيهِ مِنَ الْأَعْمَالِ عَنْ قَصْدٍ وَهُوَ مَا يُسَمَّى مَعْصِيَةً ويدخل تحت التكليف]

- ‌فصل (فِي الْكَلَامِ عَلَى الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورِ فِيهَا السَّهْوُ

- ‌فصل (فِي الرَّدِّ عَلَى مَنْ أَجَازَ عَلَيْهِمُ الصَّغَائِرَ

- ‌فصل (فَإِنْ قُلْتَ فَإِذَا نَفَيْتَ عَنْهُمْ صَلَوَاتُ اللَّهِ عليهم الذّنوب)

- ‌فصل [قد استبان لك أيها الناظر بما قررناه ما هو الحق من عصمته عليه السلام]

- ‌فصل (في القول في عصمة الملائكة)

- ‌الْبَابُ الثَّانِي [فِيمَا يَخُصُّهُمْ فِي الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ]

- ‌فصل [فَإِنْ قُلْتَ فَقَدْ جَاءَتِ الْأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام سحر]

- ‌فصل [هذا حاله عليه الصلاة والسلام في جسمه]

- ‌فصل [وَأَمَّا مَا يَعْتَقِدُهُ فِي أُمُورِ أَحْكَامِ الْبَشَرِ إلى آخره]

- ‌فصل [وَأَمَّا أَقْوَالُهُ الدُّنْيَوِيَّةُ مِنْ أَخْبَارِهِ عَنْ أَحْوَالِهِ]

- ‌فصل (فَإِنْ قُلْتَ قَدْ تَقَرَّرَتْ عِصْمَتُهُ صَلَّى اللَّهُ تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَقْوَالِهِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ)

- ‌فصل (فَإِنْ قِيلَ فَمَا وَجْهُ حَدِيثِهِ أَيْضًا الَّذِي حدّثناه الفقيه أبو محمد الخشنيّ)

- ‌فصل (وأمّا أفعاله عليه الصلاة والسلام الدّنيويّة)

- ‌فصل [فَإِنْ قِيلَ فَمَا الْحِكْمَةُ فِي إِجْرَاءِ الْأَمْرَاضِ وشدتها عليه عليه الصلاة والسلام]

- ‌الْقِسْمُ الرَّابِعُ (فِي تَصَرُّفِ وُجُوهِ الْأَحْكَامِ فِيمَنْ تنقّصه أو سبّه عليه الصلاة والسلام

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ (فِي بَيَانِ مَا هُوَ فِي حقّه صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبٌّ أَوْ نَقْصٌ مِنْ تَعْرِيضٍ أو نصّ)

- ‌فصل (فِي الْحُجَّةِ فِي إِيجَابِ قَتْلِ مَنْ سَبَّهُ أو عابه صلى الله تعالى عليه وسلم)

- ‌فصل (فَإِنْ قُلْتَ فَلِمَ لَمْ يَقْتُلِ النَّبِيُّ صَلَّى الله تعالى عليه وسلم اليهوديّ الّذي قال له)

- ‌فصل (قَالَ الْقَاضِي تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي قَتْلِ الْقَاصِدِ لسبّه)

- ‌فصل [أن يقصد إلى تكذيبه فيما قاله إلى آخره]

- ‌فصل (الْوَجْهُ الرَّابِعُ أَنْ يَأْتِيَ مِنَ الْكَلَامِ بِمُجْمَلٍ)

- ‌فصل [أَنْ لَا يَقْصِدَ نَقْصًا وَلَا يَذْكُرَ عَيْبًا ولا سبا لكنه ينزع إلى آخره]

- ‌فصل [أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُ ذَلِكَ حَاكِيًا عَنْ غَيْرِهِ وآثرا عن سواه]

- ‌فصل [أن يذكر ما يجوز على النبي أو يختلف في جوازه عليه]

- ‌فصل (وَمِمَّا يَجِبُ عَلَى الْمُتَكَلِّمِ فِيمَا يَجُوزُ عَلَى النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم وما لا يجوز)

- ‌الْبَابُ الثَّانِي [فِي حُكْمِ سَابِّهِ وَشَانِئِهِ وَمُتَنَقِّصِهِ ومؤذيه]

- ‌فصل (إذا قلنا بالاستتابة حيث تصحّ)

- ‌فصل (هذا حكم من ثبت عليه ذلك)

- ‌فصل [هذا حكم المسلم]

- ‌فصل (فِي مِيرَاثِ مَنْ قُتِلَ فِي سَبِّ النَّبِيِّ صلى الله تعالى عليه وسلم وغسله والصلاة عليه)

- ‌الْبَابُ الثَّالِثُ (فِي حُكْمِ مَنْ سَبَّ اللَّهَ تعالى وملائكته وأنبياءه وكتبه وآل النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم وأزواجه وصحبه

- ‌فصل (وَأَمَّا مَنْ أَضَافَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مَا لَا يَلِيقُ بِهِ لَيْسَ عَلَى طَرِيقِ السَّبِّ)

- ‌فصل [فِي تَحْقِيقِ الْقَوْلِ فِي إِكْفَارِ الْمُتَأَوِّلِينَ قَدْ ذكرنا مذاهب السلف وإكفار أصحاب البدع والأهواء]

- ‌فصل (فِي بَيَانِ مَا هُوَ مِنَ الْمَقَالَاتِ كُفْرٌ وَمَا يُتَوَقَّفُ أَوْ يُخْتَلَفُ فِيهِ وَمَا لَيْسَ بكفر)

- ‌فصل [هَذَا حُكْمُ الْمُسْلِمِ السَّابِّ لِلَّهِ تَعَالَى وَأَمَّا الذمي الخ]

- ‌فصل [هَذَا حُكْمُ مَنْ صَرَّحَ بِسَبِّهِ وَإِضَافَةِ مَا لَا يَلِيقُ بِجَلَالِهِ وَإِلَهِيَّتِهِ فَأَمَّا مُفْتَرِي الْكَذِبِ الخ]

- ‌فصل (وأمّا من تكلّم من سقط القول)

- ‌فصل (وَحُكْمُ مَنْ سَبَّ سَائِرَ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وملائكته)

- ‌فصل (واعلم أن من استخفّ بالقرآن)

- ‌فصل [من سب آل بيته وأزواجه وأصحابه عليه الصلاة والسلام وتنقصهم حرام ملعون فاعله]

- ‌ نظم

- ‌فهرس محتويات الجزء الثاني من شرح الشفا

الفصل: ‌فصل (واعلم أن من استخف بالقرآن)

الكلام (فَإِنْ عَادَ أُدِّبَ إِذْ لَيْسَ لَهُمُ الْكَلَامُ في مثل هذا) الكلام لئلا ينجر إلى ما يرد عليه من الملام (وقد كره السّلف) الكرام (الكلام في مثل هذا) المقام (مِمَّا لَيْسَ تَحْتَهُ عَمَلٌ لِأَهْلِ الْعِلْمِ فَكَيْفَ للعامّة) وفيه بحث لأن العلماء هم الذين يبينون مراتب الأنبياء وعلمهم كله عمل بل خير عمل كما يدل عليه قوله عليه الصلاة والسلام فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم فالعلم إما فرض عين أو كفاية فهو أفضل من عبادة نافلة ولكون نفع هذا قاصرا أو نفع الأول متعديا وأما العامة فينبغي لهم السكوت عما لا يدرون.

‌فصل (واعلم أن من استخفّ بالقرآن)

أي بمبناه أو معناه أو بأهله الوارد في حقهم أن أهل القرآن أهل الله وخاصته (أو المصحف) بضم الميم وكسرها والأول أشهر وفي القاموس بتثليث الميم من أصحف بالضم إذا جعلت فيه الصحف انتهى ولعل الكسر على أنه آلة والفتح على أنه اسم مكان والضم على أنه مفعول وقد كفر الوليد بسبب إهانة المصحف فإنه روي أنه فتحه يوما وتفأل فوقع بصره على قوله تعالى وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ فأمر بالمصحف فنصب غرضا ورماه بالنبل حتى تمزق وأنشد:

أتوعد كل جبار عنيد

فها أنا ذاك جبار عنيد

إذا ما جئت ربك يوم حشر

فقل يا رب مزقني الوليد

والوليد هذا هو الذي ورد فيه أنه فرعون هذه الأمة ونزلت آيات كثيرة في حقه من المذمة (أو بشيء منه) كورق أو لوح أو درهم مسطور فيه (أو سبّهما أو جحده) أي أنكر القرآن كله (أو حرفا منه) في القراآت السبع (أو آية) ولو كانت حرفا (أو كذّب به) أي بالقرآن جميعه (أَوْ بِشَيْءٍ مِنْهُ أَوْ كَذَّبَ بِشَيْءٍ مِمَّا صرّح به) أي بذلك الشيء (فيه) أي في القرآن (من حكم) كأمر ونهي (أو خبر) عن سابق أو لاحق (أَوْ أَثْبَتَ مَا نَفَاهُ أَوْ نَفَى مَا أثبته على علم منه بذلك) أي دون نسيان أو خطأ (أَوْ شَكَّ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ كافر عند أهل العلم) قاطبة (بإجماع) لا خلاف فيه (قال الله تعالى: وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ) أي بديع أو منيع (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ) أي الناسخ الذي يبطله أو يدفعه (مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ) أي من قدامه (وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ) منزل (مِنْ حَكِيمٍ) أي ذي حكمة في أحكامه وأقواله (حَمِيدٍ [فصلت: 41- 42] ) محمود في ذاته وصفاته وأفعاله (حَدَّثَنَا الْفَقِيهُ أَبُو الْوَلِيدِ هِشَامُ بْنُ أَحْمَدَ رحمه الله حدّثنا أبو عليّ) الغساني (حدّثنا ابن عبد البرّ) حافظ الغرب (حدّثنا ابن عبد المؤمن) القرطبي (حدّثنا ابن داسة) راوي سنن أبي داود عنه (حدّثنا أبو داود) السجستاني صاحب السنن ومحدث العصر (حدّثنا أحمد بن حنبل) إمام أهل السنة (حدّثنا يزيد بن هارون) هو أبو خالد السلمي الواسطي أحد الاعلام (حدّثنا محمد بن عمرو) أي ابن علقمة بن وقاص الليثي يروي عن أبيه وعن أبي سلمة وطائفة وعنه شعبة ومالك ومحمد بن عبد الله الأنصاري وجماعة (عن

ص: 545

أبي سلمة) أحد الفقهاء السبعة عند أكثر علماء الحجاز (عن أبي هريرة) قال الحلبي وفي كلام بعض متأخري الحنفية المصريين أنه عبد الرحمن بن صخر على الأصح من نحو ثلاثة وأربعين قولا (عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال المراء) بكسر الميم مصدر بمعنى المماراة (في القرآن كفر) ورواه الحاكم أيضا وفي رواية لا تماروا في القرآن فإن المراء فيه كفر (تؤوّل) بصيغة المجهول أي فسر المراء (بمعنى الشّكّ) ومنه قوله تعالى فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ (وبمعنى الجدال) ومنه قوله تعالى فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلَّا مِراءً ظاهِراً وقد قال تعالى ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وقال ابن الأثير تبعا للهروي المماراة المجادلة على مذهب الشك والربية ويقال للمناظرة مماراة لأن كل واحد يستخرج ما عند صاحبه ويمتريه كما يمتري الحالب اللبن من الضرع قال أبو عبيد ليس وجه الحديث عندنا على الاختلاف في التأويل ولكنه على الاختلاف في اللفظ وهو أن يقرأ الرجل على حرف فيقول الآخر ليس هو كذا ولكنه على خلافه وكلاهما منزل مقروء بهما فإذا جحد كل واحد قراءة صاحبه لم يأمن أن يكون ذلك يخرجه إلى الكفر لأنه نفى حرفا أنزله الله على نبيه ثم النكير في مراء إيذان بأن شيئا منه كفر فضلا عما زاد عليه وقيل إنما جاء هذا في الجدال والمراء في الآيات التي فيها ذكر القدر ونحوه من المعاني على مذهب أهل الكلام وأصحاب الأهواء والآراء دون ما تضمنته من الأحكام وأبواب الحلال والحرام فإن ذلك قد جرى بين الصحابة الكرام فمن بعدهم من العلماء الأعلام وذلك فيما يكون الغرض منه والباعث عليه ظهور الحق ليتبع دون الغلبة والتعجيز؛ (وعن ابن عبّاس) كما رواه ابن ماجه (عن النبيّ صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ جَحَدَ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَقَدْ حَلَّ ضَرْبُ عُنُقِهِ وكذلك إن جحد التّوراة والإنجيل) أي إجمالا لا آية منهما لاحتمال كونها محرفة أو لا تكون فيهما أصلا وذلك لقوله تعالى وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وأنزل الفرقان وكان حقه أن يقول والزبور لقوله تعالى وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً وفسر به القرآن أيضا وكذا صحف إبراهيم مذكورة بالخصوص (وكتب الله المنزّلة) أي بعمومها الواجب الإيمان مجملا بتمامها (أو كفر بها) أي كلها أو بعضها (أو لعنها) أي شتمها (أو سبّها) أي عابها (أو استخفّ بها) أي أهانها (فهو كافر) وأما لو جحد آية من التوراة أو الإنجيل ففيه خطر لاحتمال كونها منهما فيكفر أو لا تكون منهما لما وقع من التحريف فيهما فلا يكفر ولذا قال عليه الصلاة والسلام لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقد قال تعالى وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ أي منقادون للحق تابعون للصدق (وقد أجمع المسلمون أنّ القرآن المتلوّ) على ألسنة أهل الإيمان (في جميع أقطار الأرض) أي أطرافها وأكنافها (المكتوب في المصحف) أي جنسه من المصاحف (بأيدي المسلمين) احتراز عما قد يوجد في أيدي غيرهم من الملحدين فربما يزيدون أو ينقصون في أمر الدين

ص: 546

(ممّا جمعه الدّفتان) بتشديد الفاء وهما ما يضمه من جانبيه (مِنْ أَوَّلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ [الْفَاتِحَةِ: 2] ) برفع الحمد على الحكاية ويجر بالكسر على الاعراب (إِلَى آخِرِ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ [النَّاسِ: 1] أَنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ وَوَحْيُهُ الْمُنَزَّلُ عَلَى نَبِيِّهِ محمد صلى الله تعالى عليه وسلم) وفيه إيماء إلى أن تنكيس القرآن ليس سنة بل بدعة ولعله لم يذكر البسملة لأنها ليست من القرآن في مذهب مالك لكنه لا شك أنها مما بين الدفتين للإجماع على أن الصحابة كتبوا البسملة في أوائل كل السور إلا براءة ولهذا ذهب المحققون من ائمتنا الحنفية أنها آية من القرآن أنزلت للفصل ولا بدع أن يراد بالحمد لله رب العالمين سورة الفاتحة فتشمل البسملة الفاتحة ولكن يأباه أن الكلام في التكفير فالقدر المتعلق هو الذي بينه في مقام التقدير والأحاديث في باب البسملة متعارضة مع كونها آحادا فلا تفيد القطع وإنما توجب الظن ولهذا اختلف العلماء في مسألة البسملة والله سبحانه وتعالى اعلم (وأنّ جميع ما فيه حقّ) أي ثابت وصدق (وَأَنَّ مَنْ نَقَصَ مِنْهُ حَرْفًا قَاصِدًا لِذَلِكَ) النقص (أو بدّله بحرف آخر مكانه) ولو لم يغير شأنه (أَوْ زَادَ فِيهِ حَرْفًا مِمَّا لَمْ يَشْتَمِلْ عليه المصحف الّذي وقع عليه الإجماع) أي كتابة وقراءة (وأجمع) بصيغة المجهول وفي نسخة بصيغة الفاعل أي وجزم وعزم (على أنّه ليس من القرآن عامدا) أي لا سهوا ولا نسيانا (لكلّ هذا) الذي ذكر من النقصان والزيادة (أنه كافر) إلا القراآت الشاذة التي ثبتت في الجملة بحسب الرواية بشرط أن لا يلحقها بالمصاحف في الكتابة (ولهذا) الذي ذكرنا من أن جميع ما في القرآن حق (رَأَى مَالِكٌ قَتْلَ مَنْ سَبَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها بالفرية) أي الإفك (لأنّه خالف القرآن) أي بعضه النازل في براءة ساحة عائشة أن تكون فاحشة (ومن خالف القرآن) أي اعتقادا لا عملا (قتل أي لأنّه كذّب بما فيه) من آيات دالة على براءتها وإنما اكتفى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بحد القذف على قاذفيها لما صدر عنهم قبل براءة ساحتها فحينئذ لا وجه لتخصيص مالك فإن إجماع العلماء على ذلك، (وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَنْ قَالَ إِنَّ اللَّهَ تعالى لم يكلّم موسى تكليما يقتل) لتكذيبه قوله تعالى فيه وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً وهذا مجمع عليه وإنما الكلام في معنى الكلام من النفسي وغيره بين أهل السنة والمعتزلة (وقاله) أي قال به ونص عليه أيضا (عبد الرّحمن بن مهديّ) من أصحاب الشافعي قال التلمساني مهدي مفعول وكره مالك التسمية بمهدي قال وما علمه بأنه مهدي وأباح التسمية بالهادي وقال لأن الهادي هو الذي يهدي الطريق انتهى ولا يخفى أن المهدي أيضا هو الذي يهدي إلى الطريق وما علمه بأنه هاد وليس بمهدي ومن أين له حمل المهدي على الهداية الشرعية وحمل الهادي على الدلالة اللغوية أو العرفية على أن الاسماء كلها تسمى على جهة التفاؤل والتبرك وإلا لما كان يصح لأحد أن يسمى محمودا ومحمدا وأحمدا ولا عليا ولا فاطمة ولا عائشة وأمثال ذلك (وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سُحْنُونٍ فِيمَنْ قَالَ الْمُعَوِّذَتَانِ) بكسر الواو وتفتح وهما سورة الفلق والناس (لَيْسَتَا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ يُضْرَبُ عُنُقُهُ إِلَّا أن يتوب) لنفيه لهما منه مع ثبوتهما في

ص: 547

المصاحف العثمانية التي وقع عليها إجماع الأمة قال النووي في شرح المهذب أجمع المسلمون على أن المعوذتين والفاتحة وسائر السور المكتوبة في المصحف قرآن وأن من جحد شيئا منها كفر وما نقل عن ابن مسعود في الفاتحة والمعوذتين باطل ليس بصحيح عنه قال ابن حزم في أول كتابه المحلي هذا كذب على ابن مسعود وإنما صح عنه قراءة عاصم عن زر بن حبيش عن عبد الله بن مسعود وفيها الفاتحة والمعوذتان انتهى وأما ما روي عن عبد الله بن أحمد في زوائد المسند أن ابن مسعود كان يحك المعوذتين من مصاحفة ويقول إنهما ليستا من كتاب الله فالجواب على وجه الصواب ما قال ابن الباقلاني أنه لم ينكر ابن مسعود كونهما من القرآن إنما أنكر إثباتهما في المصحف لأنه كانت السنة عنده أن لا يثبت إلا ما أمر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بإثباته ولم يبلغه أمره به وهذا تأويل منه وليس جحدا لكونهما قرآنا وأجيب أيضا بأنه كان يقول ذلك فلما رأى المصاحف التي كتبت في زمن عثمان وفي إثباتهما رجع عن ذلك ويؤيد هذا ما سبق عن ابن حزم وأما ما أجاب بعضهم عنه بأن عاصم بن بهدلة المذكور في المسند وإن قرنه البخاري بعيدة فهو في الحديث دون الثبت ثقة في القراءة فغير مستقيم لأنه راوي القراءة عن ابن مسعود وهذه الرواية من متعلقات القراءة هذا وفي جواهر الفقه من أنكر المعوذتين من القرآن غير مأول كفر انتهى وقال بعض المتأخرين كفر ولو أول والأول هو المعول (وكذلك) أي كفر (من كذّب بحرف منه) أي من القرآن فيقتل إلا أن يتوب (قال) أي ابن سحنون (وكذلك إن شهد شاهد) أي واحد (عَلَى مَنْ قَالَ إِنَّ اللَّهَ لَمْ يُكَلِّمْ موسى تكليما وشهد آخر عليه) أي على من قال ذلك (أنه قال إن الله لم يتّخذ إبراهيم خليلا) فإن مؤداهما واحد وهو تكذيب بعض القرآن وهذا التعليل أولى من قوله (لأنّهما اجتمعا على أنّه كذّب النّبيّ) وفي نسخة تكذيب للنبي (صلى الله تعالى عليه وسلم) أي فيما نقله عن الله سبحانه وتعالى (وقال أبو عثمان الحدّاد) قال الانطاكي وقد يقع في بعض النسخ أبو عثمان بن الحداد بزيادة ابن والصواب والله تعالى اعلم سقوطه (جميع من ينتحل التّوحيد) أي ينتسب إليه ويدعي اعتقاده (متّفقون) على (أنّ الجحد لحرف من التّنزيل) أي القرآن الكريم والفرقان القديم (كفر وكان أبو العالية) أحد أئمة القراآت (إذا قرأ عنده رجل) أي بقراءة لم يعرفها (لَمْ يَقُلْ لَهُ لَيْسَ كَمَا قَرَأْتَ وَيَقُولُ أمّا أنا فأقرأ كذا) وهذا من كمال احتياطه في تورعه (فبلغ ذلك) القول من أبي العالية (إبراهيم) النخعي أو التيمي (فقال أراه) بضم الهمزة أي أظنه (سمع أنّه) أي الشأن (من كفر) أي جحد (بحرف منه فقد كفر به كلّه) لأن الكفر ببعضه يؤذن بالكفر بكله بخلاف الإيمان ببعضه فإنه لا يقوم مقام الإيمان بكله (وقال عبد الله بن مسعود) كما في مصنف عبد الرزاق (من كفر بآية من القرآن فقد كفر به كلّه) وهذا كمن كفر برسول فقد كفر بالرسل كلهم (وقال أصبغ بن الفرج) المصري (مَنْ كَذَّبَ بِبَعْضِ الْقُرْآنِ فَقَدْ كَذَّبَ بِهِ كُلِّهِ وَمَنْ كَذَّبَ بِهِ فَقَدْ كَفَرَ بِهِ ومن كفر به فقد كفر بالله) أي بكلامه (وَقَدْ سُئِلَ الْقَابِسِيُّ عَمَّنْ

ص: 548

خاصم يهوديّا فحلف) اليهودي (لَهُ بِالتَّوْرَاةِ فَقَالَ الْآخَرُ لَعَنَ اللَّهُ التَّوْرَاةَ فَقَالَ الْآخَرُ لَعَنَ اللَّهُ التَّوْرَاةَ فَشَهِدَ عَلَيْهِ بذلك شاهد) أي واحد (ثمّ شهد آخر أنه) أي الآخر (سأله) أي من خاصم (عن القضيّة) في الكيفية (فقال) اللاعن الملعون (إنّما لعنت توراة اليهود) التي يتدارسونها بينهم (فقال أبو الحسن) القابسي (الشّاهد الواحد لا يوجب القتل) أي ولو حمل على إطلاقه ولم يقبل قصده (والثّاني علّق الأمر بصفة) أي خاصة ناشئة عن الإضافة (تحتمل التأويل) لهذا القيل (إِذْ لَعَلَّهُ لَا يَرَى الْيَهُودَ مُتَمَسِّكِينَ بِشَيْءٍ من عند الله لتبديلهم وتحريفهم) وفيه أن الظاهر من هذه الإضافة اختصاصهم بها وأما كونهم لا يتمسكون بها فلا دخل له فيما نحن فيه من أنه أهان كتاب الله وقد سمى الله سبحانه كتابهم مع علمه بتحريفهم وتغييرهم كتاب الله في قوله وَلَمَّا جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ كِتابَ اللَّهِ وَراءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ فلو فرض أن بعضهم هذه الأمة المحفوظة الحافظة للكتاب والسنة حرفوا بعض القرآن وغيره فقال أحد الشاهدين لعن القرآن وقال آخر لعن قرآن المسلمين فلا نشك أنه كافر على أن الأحكام مبنية على الأكثر فتأمل وتدبر مع أن اليهود كلهم ما غيروا التوراة ولا بدلوها وإنما كان بعض علمائهم نقلوا عنها ما لم يثبت فيهما أو تصرفوا في معانيها دون مبانيها (وَلَوِ اتَّفَقَ الشَّاهِدَانِ عَلَى لَعْنِ التَّوْرَاةِ مُجَرَّدًا) أي عن التعليق (لضاق التّأويل) الأولى لما احتمل التأويل والله ولي التوفيق (وَقَدِ اتَّفَقَ فُقَهَاءُ بَغْدَادَ عَلَى اسْتِتَابَةِ ابْنِ شنبوذ) بمعجمة مفتوحة ونون ساكنة كما صرح به الحلبي والتلمساني وقيل بفتحها فموحدة مضمومة وذال معجمة وهو غير منصرف للعجمة والعلمية كما جزم به الحلبي وأغرب التلمساني في قوله يجري ولا يجرى وهو اسم أعجمي وضبطه الدلجي بنون مشددة وفي القاموس محمد بن أحمد بن شنبوذ بفتح الشين المعجمة والنون مجاب الدعوة وعلي بن شنبوذ وكلاهما من القراء انتهى والمراد به هنا ما ذكره الحلبي وتبعه التلمساني من أنه أبو الحسن محمد بن أحمد بن أيوب بن الصلت بن شنبوذ (المقرىء أحد أئمة المقرئين المتصدّرين بها) أي ببغداد (مع ابن مجاهد) متعلق باتفق وهو إمام جليل في علم القراءة (بقراءته) أي ابن شنبوذ بنفسه (وإقرائه) أي لغيره (بشواذ من الحروف) أي من القراآت التي لم يثبت تواترها ومع هذا (ممّا ليس في المصحف) وهو أحد أركان القراءة والثاني موافقة العربية والثالث وهو الأصل المعتمد المدار عليه وهو نقل المتواتر قال التلمساني كان إماما دينا لا ينكر موضعه من العلم وكان فيه سلامة الصدر وممن يرى جواز القراءة بالاختيار مما يجوز في العربية وإن لم ينقل ذلك عن السلف وكان يقرؤبها في المحراب ويقربها بعض الأصحاب (وعقدوا) أي الفقهاء مع ابن مجاهد مجلسا بالحكم (عليه بالرّجوع عنه) أي عن فعله من القراءة والإقراء بالشواذ (والتّوبة منه) فيما بقي من عمره وهذا لا ينافي جواز رواية الشاذة فإن الفرق بين القراءة والرواية واضح عند أرباب الدراية (سجلّا) أي وسجلوا عليه (أشهد فيه بذلك على نفسه) بالرجوع عنه وبالتوبة منه (فِي مَجْلِسِ الْوَزِيرِ أَبِي عَلِيِّ بْنِ مُقْلَةَ)

ص: 549