الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أشهد أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لابنه جزاك الله عن رسوله وعن المؤمنين خيرا (وقد قيل إن قائل مثل هذا) القول مما يشبه قول ابن أبي واضرابه وفي نسخة ويدل عليه أيضا أن قائل هذا (إن كان مستترا به) من الاستتار وفي نسخة متسترا من التستر فهما مأخوذان من الستر ومعناهما مختفيا قال التلمساني وروي مستسرا من السر وهو خلاف العلانية (أنّ حكمه حكم الزّنديق يقتل) أي كفرا لأحدا ولا يستتاب أصلا قال التلمساني وقد استدل من قال بقبول توبة المستسر بكفره بما جاء في الصحيح من حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله قال الخطابي قوله وحسابهم على الله يعني فيما يستسرون به قال وفيه دليل على أن الكافر المستسر بكفره لا يتعرض له إذا كان ظاهر حاله الإسلام وأن توبته مقبولة وإذا أظهر الإنابة من كفر علم بإقراره أنه كان يعتقده قبل قال وهم مقول أكثر العلماء وقال مالك لا تقبل توبة المستسر بكفره (ولأنّه غيّر دينه) فصار مرتدا (وقد قال صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ غَيَّرَ دِينَهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ) رواه أحمد والبخاري والأربعة لفظ من بدل دينه فاقتلوه فلعله نقل بالمعنى أو رواية بالمبنى (ولأنّ) الشأن (لحكم النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم في الحرمة) أي الاحترام والعظمة (مزيّة) أي زيادة رتبة (على أمّته وسابّ الحرّ) أي من يسب حرا (من أمّته) ذكرا أو أنثى (يحدّ) أي يغرر على ما هو المقرر إلا أن يكون قذفا فيحد (فكانت العقوبة لمن سبّه عليه الصلاة والسلام القتل) وهذا أمر مجمع عليه في عقوبته وإنما الخلاف في قبول توبته وذلك (لعظيم قدره) أي علو مرتبته عن أمته (وشفوف منزلته) أي زيادتها (على غيره) من خلق الله سبحانه وتعالى والشفوف بضم الشين المعجمة والفاء الأولى من الشف بالكسر وهو الزيادة.
فصل (فَإِنْ قُلْتَ فَلِمَ لَمْ يَقْتُلِ النَّبِيُّ صَلَّى الله تعالى عليه وسلم اليهوديّ الّذي قال له)
أي للنبي وحده أوله لمن معه (السّام عليكم) أي الموت أو الملل والمعنى متم أو مللتم (وهذا دعاء عليه) أي بالموت أو الملل وهو السامة من الطاعة أو الملالة من الحياة والراحة والحديث رواه البخاري وغيره ولقد فطنت عائشة إذ كانت اليهود يمرون فيقولون السام عليك يا أبا القاسم فقالت عليكم السام والذام واللعنة ومن ثمة قال صلى الله تعالى عليه وسلم إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم يعني الذي يقولونه لكم ردوه عليهم قال الخطابي عامة المحدثين يروون وعليكم بواو العطف وكان ابن عيينة يرويه بغير واو وهو الصواب لإيذانه برد ما قالوه عليهم خاصة وإثباتها يؤذن بالاشتراك معهم فيه لأنها لمطلق الجمع انتهى
ولا يخفى أن ترجيح الرواية الشاذة وتخطئة الجمهور من الرواية ليس على الصواب وإنما يتعين تأويل روايتهم بأن المراد بالعاطفة هي المشاركة في الموت لأنه مشترك بين العباد في جميع البلاد إذ كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ فكأنه قيل وعليكم ما قلتم أيضا فهو جواب دعاء عليهم معاقبة لديهم ما احتمال أنهم قالوا السلام باللام ولذا لم يصرح لهم بقول عليكم السام بالواو العاطفة أو بدونها وفي إيماء إلى قوله تعالى وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها هذا والذي دخل عليه عليه الصلاة والسلام وقال السام عليكم جاء في رواية أنه يهودي وفي أخرى أنه رهط من اليهود وفي رواية اناس وفي أخرى ناس ولعلها قضيتان وقد يجمع بأن دخل عليه رهط من اليهود وسلم واحد منهم والله اعلم (ولا قتل الآخر) جملة حالية أو عطف بالمعنى على ما قبله أي ولم ما قتل الكافر الآخر (الّذي قال له) كما رواه البخاري وفي قسمة قسمها (إنّ هذا لقسمة) وفي نسخة قسمة (ما أريد بها وجه الله تعالى) قال الدلجي هو ذو الخويصرة وهو وهم منه فقد قال الحلبي هذا الآخر لا أعرفه غير أنه وقع في صحيح البخاري أنه من الأنصار وقد قال بعض الفضلاء إنه مغيث بن قشير وأما الذي قال له أعدل فذاك ذو الخويصرة يعني بالتصغير كذا صرح به في صحيح مسلم من رواية أبي سعيد الخدري وهو تميمي قتل في الخوارج يوم النهروان وهو رأس الخوارج ولهم ذو الخويصرة رجل آخر يماني يروي في حديث مرسل أنه هو الذي بال في المسجد ولا ثالث لهما في الصحابة ووقع في صحيح البخاري في باب من ترك قتال الخوارج للتألف في كتاب استتابة المرتدين ما لفظه جاء عبد الله بن ذي الخويصرة التميمي فقال أعدل انتهى قال الحلبي والصحيح أنه ذو الخويصرة ويحتمل أنه مرة نسب القول إلى أبيه ونسبه تارة إليه لأنهما قالاه والله تعالى اعلم أقول ولا يبعد أن عبد الله هو ذو الخويصرة وأنه لقبه ولقب أبيه أيضا والله تعالى اعلم وكان قول هذا القائل يوم حنين لما آثر عليه الصلاة والسلام أناسا في القسمة لمصلحة رآها فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل وأعطى عيينة بن حصين مثل ذلك على ما قدمناه (وقد تأذّى النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم من ذلك) ولكنه من كمال حلمه أو لتألفه في جمال علمه تحمل منه هنالك (وَقَالَ قَدْ أُوذِيَ مُوسَى بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فصبر) على ما آذاه به بنو إسرائيل كحمل قارون المومسة بالرشوة على قذفه بنفسها واتهامهم له بقتل أخيه هارون إذ ذهب معه إلى الطور فمات هنالك فحملته الملائكة فمرت بهم فعوفوا أنه لم يقتله ورميهم بعيب في جسده من برص وأدرة به قال تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قالُوا وَكانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً (وَلَا قَتَلَ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ كَانُوا يُؤْذُونَهُ فِي أكثر الأحيان) ويعظمونه في قليل من الزمان وفي نسخة في كل الأحيان أي غالب الأزمان (فَاعْلَمْ وَفَّقَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله تعالى عليه وسلم كان أوّل الإسلام) أي في أول ظهوره عليه الصلاة والسلام (يستألف عليه النّاس) أي يطلب ائتلافهم ويقصد تألفهم قال المزي المستعمل يتألف (ويميل) بالتشديد أو التخفيف من الإمالة أي يحول (قلوبهم ويميّل
إليه ويحبّب إليهم الإيمان ويزيّنه في قلوبهم) باللطف والإحسان (ويدارئهم) أي ويسامحهم ويدافعهم فهو من الدرء مهموز وقد يخفف فقول الحلبي غير مهموز وقد يهمز ليس في محله ومن المخفف قولهم:
فدارهم ما دمت في دارهم
…
وأرضهم ما دمت في أرضهم
(ويقول لأصحابه إنّما بعثتم) تغليبا لهم لكثرتهم على نفسه الشريفة تواضعا معهم أو بعثتم بمعنى ارسلتم بعدي إلى من بعدكم (ميسّرين) بكسر السين أي مسهلين (ولم تبعثوا منفّرين) بتشديد الفاء المسكورة أي مشددين رواه الترمذي عن أبي هريرة ولفظه إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين ولعل المصنف وجد في رواية قوله منفرين أو نقله بالمعنى وقد أغرب التلمساني حيث اعترض على المصنف وصوابه معسرين من العسر لمطابقة الظاهر ولكنه راعى الطباق الخفي لأن التيسير لازم السكون كما أن التنفير لازم العسر (ويقول يسّروا ولا تعسّروا) أي هونوا ولا تشددوا (وسكّنوا) أي قرروا (ولا تنفّروا) رواه أحمد والشيخان والنسائي عن أنس رضي الله تعالى عنه بلفظ يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا (ويقول) أي في الاعتذار عن عدم قتل المنافقين (لا يتحدّث النّاس) أي لا يقول بعضهم لبعض (أنّ محمّدا يقتل أصحابه) فيكون تنفيرا لمن أراد أن يأتي إلي بأنه (وكان صلى الله تعالى عليه وسلم يدارىء) بالهمز وإبداله أي يدافع (الكفّار والمنافقين) ويلاطفهم وقد ورد رأس العقل بعد الإيمان بالله التجب إلى الناس رواه الطبراني في الأوسط عن علي كرم الله وجهه ورواه البزار والبيهقي عن أبي هريرة بلفظ التودد بدل التحبب ورواه البيهقي عن علي أيضا رأس العقل بعد الدين التودد إلى الناس واصطناع الخير إلى كل بر وفاجر وزاد البيهقي عن أبي هريرة في رواية وأهل التودد في الدنيا لهم درجة في الجنة وفي رواية له عنه رأس العقل والمداراة (ويجمل صحبتهم) من أجمل بالجيم أي يحسن أو من أجمل جمع بعد تفرقة وفي نسخة بالحاء المهملة من حمل أي يتحمل كلفة صحبتهم (ويغضي عنهم) من الاغضاء بالغين والضاد المعجمتين أي يغمض عينه عن عيبهم وفي نسخة عليهم أي يخفي عليهم ذنبهم (ويحتمل من أذاهم) من تبعيضية أو زائدة ويدل عليه أنه وفي نسخة صحيحة ويحتمل إذا هم أي يتحمل على أذاهم (ويصبر على جفائهم) وهذا كله لقوله تَعَالَى يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيراً وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ وَدَعْ أَذاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا أي دع مكافأة أذيتهم إياك فإنا كفيناك والحاصل أنه كان يجوز له (مَا لَا يَجُوزُ لَنَا الْيَوْمَ الصَّبْرُ لَهُمْ) أي للمنافقين ونحوهم (عليه) أي على ما صدر من فعلهم وقولهم لأنا مأمورون بزجرهم على كفرهم وبعدم اكرامهم في مرامهم (وكان يرفقهم) بفتح الياء وكسر الفاء من الرفق ضد العنف وهو لين الجانب وبضم الياء من الأرفاق يقال رفق به وحكى أبو زيد أرفقت به وأرفقته بمعنى
يلطف بهم (وبالعطاء) لهم (والإحسان) إليهم تفاديا من نفرتهم عن حضرته وامتناعهم عن قبول ملته (وَبِذَلِكَ أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقَالَ تَعَالَى وَلا تَزالُ) أي دائما (تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ) أي خيانة تبدر وجناية تصدر عنهم كما هو دأبهم وديدنهم اقتداء بمن قبلهم (إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ) وهو من آمن منهم أو كان مقتصدا فيهم (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ) أي وأعرض عنهم (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [المائدة: 13] ) معهم ومع غيرهم تخلقا بأخلاق الله فيهم حيث يرزقهم ويعافيهم فقيل هذا قبل أمره بقتالهم وقيل اعف عن مؤمنيهم ولا تؤاخذهم بما سلف منهم (وقال الله تعالى: (ادفع) أي السيئة التي وردت عليك منهم بالحسد والعداوة (بِالَّتِي
) أي بالحسنة التي (هِيَ أَحْسَنُ
) من أختها وهي العقوبة والمكافأة بمثلها والمجازاة بنحوها أو بأن تحسن إليه بإساءته إليك (فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ) أي بسبب مدافعة السيئة بالحسنة (كَأَنَّهُ وَلِيٌّ) نصير لك مائل إليك (حَمِيمٌ [فصلت: 34] ) قريب مشفق عليك (وذلك) أي ما أمره الله به من المداراة وعدم المجازاة (لحاجة النّاس) أي همومهم (للتّألّف) وفي نسخة من التألف أي طلب الألفة وعدم النفرة (أوّل الإسلام) في أوائل الهجرة إلى مدينة السلام (وجمع الكلمة عليه) أي ولاجتماع كلمة الأمة لديه (فلمّا استقرّ) أمره وثبت حكمه وعلا قدره وأعلى نوره (وأظهره الله على الدّين) أي أنواعه (كلّه) أي جميعه حسب ما وعده له بقوله هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ (قَتَلَ مَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ) ممن عاداه (واشتهر أمره) فيمن باداه (كفعله) عليه الصلاة والسلام (بابن خطل) وهو متعلق بأستار بيت الله الحرام (ومن عهد بقتله) أي كفعله بقتل من أوصى بقتله (يوم الفتح) من بعض الرجال والنساء فمنهم من قتل وذهب إلى جهنم ومنهم من تاب وأسلم (ومن) أي وقتل من (أمكنه قتله غيلة) بكسر المعجمة أي خفية أو غفلة (من يهود) كابن أبي الحقيق وابن الأشرف (وغيرهم) أي وغير يهود على ما مر ذكرهم (أو غلبة) بفتحتين أي أو قتله شهرة وعلانية كَالنَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ (ممّن لم ينظمه) بكسر الظاء المعجمة أي لم يشمله (قبل) أي قبل قتله (سلك صحبته) أي خيط محبته وحياطة مودته وحيازة معرفته (والانخراط) أي ولم ينظمه الدخول والاختلاط (فِي جُمْلَةِ مُظْهِرِي الْإِيمَانِ بِهِ مِمَّنْ كَانَ يؤذيه) بلسانه ويطعن في شأنه (كابن الأشرف) المحروم عن الشرف (وأبي رافع) الذي نسبه له غير نافع (والنّضر بن الحارث) بالضاد المعجمة وهو الذي لم يحصل له النصر (وعقبة بن أبي معيط) بضم العين وسكون القاف الذي دخل في عقبة النار وعقبى الفجار في دار البوار (وكذلك هدر) بفتح الهاء والدال المهملة والراء أي أبطل (دم جماعة) وفي أصل الدلجي ندر بالدال وقال أي أسقط وأهدر انتهى وفي القاموس الهدر محركة ما يبطل من دم وغيره هدر يهدر ويهدر هدرا وهدرا وهدرته لازم ومتعد وأهدرته فعل وأفعل بمعنى وندر الشيء ندورا سقط من جوف شيء أو من بين اشياء انتهى فظهر أنه لم يأت بمعنى اسقط وأهدر نعم فيه أن أندر الشيء أسقط وهو كذا في أصل الأنطاكي ولكن
ليس فيه تصريح بأنه بمعنى أهدره وقال التلمساني نذر بفتح الذال المعجمة أي التزم وقتلهم ويجوز أن يكون معناه اباح لأنه لما التزم قتله كان كأنه أباح للقاتل ويجوز أن يكون نذر بالكسر أي اعلم والمعنى اعلم بإباحة دمائهم والرواية بالفتح ويجوز ندر بالمهملة أي أهدر دمه واسقط وقد روي فأهدر دماءهم (سواهم) أي ما عدا المذكورين (ككعب بن زهير) بالتصغير المزني كان قد خرج هو وأخوه بجير بضم الموحدة وفتح الجيم فتحتية ساكنة فراء إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فتقدم بجير ليكشف أمر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ويأتي كعبا ويخبره فلما جاءه بجير عرض عليه الإسلام فأسلم فبلغ ذلك كعبا فأنشد أبياتا ينكر فيها على أخيه إسلامه ويتعرض لغيره من أبي بكر الصديق ونحوه بقوله:
ألا أبلغا عني بجيرا رسالة
…
على أي شيء ويب غيرك دلكا
على خلق لم تلف أما ولا أبا
…
عليه ولم تدرك عليه أخا لكا
فقال عليه الصلاة والسلام نعم لم يلف عليه أمه ولا أباه فأهدر عليه الصلاة والسلام دمه وقال من لقيه فليقتله فبعث إليه أخوه يعلمه بذلك وأنه عليه الصلاة والسلام لا يأتيه أحد فيسلم إلا قبل منه الإسلام وأسقط ما كان قبله من الآثام فإذا أتاك كتابي هذا فأقبل واسلم فجاء كعب إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وأنشد القصيدة المشهورة أولها:
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول
فلما بلغ:
أن الرسول لسيف يستضاء به
…
مهند من سيوف الله مسلول
انبئت أن رسول الله أوعدني
…
والعفو عند رسول الله مأمول
أشار رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إلى من معه استمعوا وأجازه عليه الصلاة والسلام على هذه القصيدة وأعطاه بردة قيل إن معاوية بن أبي سفيان طلب البردة منه بعشرة آلاف درهم فقال ما كنت لأوتر يثوب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أحدا فلما مات كعب بعث معاوية إلى أولاده بعشرين ألف درهم وأخذ البردة ولم تزل في خزائن بني أمية تنتقل من واحد إلى واحد قيل اشتراها منه معاوية بثلاثين ألفا ويقال إنها البرد الذي توارثه خلفاء بني العباس وكان قدومه وإسلامه بعد انصرافه عليه الصلاة والسلام من الطائف وكعب ابن زهير من فحول الشعراء وأبوه وجده وكذلك ابنه عقبة وابن عقبة أيضا وأشعرهم زهير ثم كعب وقد هلك زهير قبل المبعث (وابن الزّبعرى) بكسر الزاء والموحدة فعين ساكنة مهملة فراء مقصورا القرشي السهمي الشاعر المشهور كان من أشد الناس على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وأصحابه بلسانه ويده قبل إسلامه ثم اسلم بعد الفتح وحسن إسلامه واعتذر عن زلاته حين أتى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وقد انقرض ولده ومن مدحه لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم:
مضت العداوة فانقضت اسبابها
…
ودعت أوامر بيننا وحكوم
فاغفر فدى لك والد أي كلاهما
…
زللي فإنك راحم مرحوم
وعليك من علم المليك علامة
…
يوم أغر وخاتم مختوم
(وغيرهما ممّن آذاه) بألسنتهم (حتّى ألقوا) أنفسهم بأيديهم (بين يديه) وهو كناية عن إسلامهم واستسلامهم لديه (ولقوه مسلمين) أي منقادين مخلصين متوجهين إليه صلى الله تعالى عليه وسلم (وبواطن المنافقين مستترة وحكمه عليه الصلاة والسلام على الظّاهر) أي وأحكامه على ظواهرهم مستقرة مستمرة في العلانية (وأكثر تلك الكلمات) المؤذية (إنّما كان يقولها القائل منهم خفية) بضم أوله وكسره (ومع أمثاله) أي من يهودي أو منافق كما قال تعالى وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ (ويحلفون عليها) إنكارا لها (إذا نميت) بصيغة المجهول مخففا أي رفعت إليه (وينكرونها) إذا وصلت لديه (ويحلفون بالله ما قالوا) كما أخبر الله تعالى عنهم وأكذبهم بقوله (وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ) وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وهموا بما لم ينالوا في مرامهم من قتل الرسول وهو أن خمسة عشر منهم توافقوا عند مرجعه من تبوك أن يدفعوه عن راحلته إلى الوادي إذا تسنم العقبة بالليل أي علاها فيه فأخذ عمار بن ياسر بخطام راحلته يقودها وحذيفة خلفها يسوقها فبينما هما كذلك إذ سمع حذيفة بوقع أخفاف الإبل وقعقعة السلاح فقال إليكم إليكم يا اعداء الله فهربوا (وكان) عليه الصلاة والسلام لكونه رحمة للعالمين (مع هذا) أي ما فعلوه وقالوه (يطمع في فيئتهم) بفتح الفاء ويكسر وسكون التحتية تفسيره قوله (ورجوعهم إلى الإسلام وتوبتهم) من الآثام (فيصبر عليه الصلاة والسلام على هناتهم) أي زلاتهم في مقالاتهم (وهفوتهم) أي وسقطاتهم وفي نسخة وجفوتهم أي وغلظتهم في حالاتهم (كما صبر أولو العزم) أي أصحاب الجد والحزم (من الرّسل) قيل من بيانية والأصح أنها تبعيضة وأنهم محمد ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم الصلاة والسلام وقيل غير ذلك وقال البغوي الذين ذكرهم الله تعالى على التخصيص في قوله وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وفي قوله شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا انتهى وقدم النبي عليه الصلاة والسلام في الآية والأولى للإيماء إلى أنه في المرتبة الأعلى وأنه أول في عالم الموجود وإن كان آخرا في مقام الشهود (حتّى فاء) أي رجع إلى الإسلام (كثير منهم باطنا) في الآخر (كما فاء ظاهرا) في الأول (وأخلص سرّا) في الاستقبال (كما أظهر جهرا) في أول الحال (ونفع الله بعد) أي بعد ذلك من اخلاصهم هنالك (بكثير منهم) في أمر الجهاد وغيره (وقام منهم للدّين وزراء وأعوان) أي أمراء (وحماة) بضم الحاء وتخفيف ألميم أي قضاة (وأنصار) للدين ولو ينقل علوم اليقين (كما جاءت به الأخبار) التي ذكرها أرباب السير من المحدثين (وبهذا) الجواب (أجاب بعض أئمتنا) أي المالكية وغيرهم رحمهم الله عن هذا السّؤال) المشتمل
على ما سبق من الإشكال (وقال) ايضاحا لهذا المقال (ولعلّه) أي الشأن (لم يثبت عنده عليه الصلاة والسلام من أقوالهم ما رفع إليه) وحكي لديه ويشكل هذا بقول بعضهم أعدل واتق الله (وإنّما نقله الواحد) القائل إذ قوله دفع ورد عليه (ومن لم يصل) أي لم يبلغ قوله أو قائله (رتبة الشّهادة) أي الكاملة من العدد المعتبر في الشرع المقرر (في هذا الباب) بخصوصه المقدر فيما يوجب قتل من سب نبينا كما تحرر (من صبيّ) كزيد بن أرقم (أو عبد أو امرأة) كعائشة أو جارية مملوكة أو بنت صغيرة أو كافر (والدّماء لا تستباح) اراقتها (إلّا بعدلين) لكن يشكل هذا بتكذيب الله تعالى لهم في قوله وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وكذا في شهادة ابن أرقم والله تعالى أعلم (وعلى هذا) الاحتمال (يحمل أمر اليهوديّ) أي كلامهم (في السّلام) وفي نسخة في السام (وأنّهم) على دأبهم وعادتهم (لوّوا به ألسنتهم) بتشديد الواو الأولى وتخفيفها أي عطفوها وأمالوها والمعنى أنهم حرفوه (ولم يبيّنوه ألا ترى كيف نبّهت) النبي عليه الصلاة والسلام (عائشة رضي الله تعالى عنها) أي على ظن أنه عليه الصلاة والسلام ما تفطن لقولهم السام (ولو كان) أي المنافق أو اليهودي (صرّح بذلك لم تنفرد) عائشة من بين الصحابة (بعلمه) روي أنها قالت لهم عليكم السام والذام وفي رواية واللعنة فقال مهلا يا عائشة الم تسمعي ما أقول لهم فإن الله يستجيب لهم فيهم ولا يستجيب لهم في (ولهذا) أي لتنبيه عائشة (نبّه النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم أصحابه على فعلهم) وكذا على كذبهم في قولهم (وقلّة صدقهم) المتين المبين (في سلامهم) لعدم إسلامهم (وخيانتهم في ذلك) أي في مقام كلامهم (ليّا بألسنتهم) أي تحريفا بها (وَطَعْنًا فِي الدِّينِ فَقَالَ إِنَّ الْيَهُودَ إِذَا سلّم أحدهم) أي على المسلمين (فإنّما يقول السّام عليكم) أي الموت (فقولوا عليكم) أو وعليكم كما تقدم والله تعالى اعلم وفيه أن الله سبحانه أخبر عنهم بقوله وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِما نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمَصِيرُ فهذا ثبت بشهادة الله تعالى في حقهم فليس الحكم السابق مبنيا على إخبار عائشة فقط (وكذلك) أي مثل هذا المقول المرضي عند المنصف (قال بعض أصحابنا) أي من المالكية (البغداديون) بالرفع على أنه نعت بعض والبغداديين بالجر على أنه نعت أصحاب كالقاضي عبد الوهاب وابن خويز منداد وابن الجلاب (إنّ النّبي صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَقْتُلِ الْمُنَافِقِينَ بِعِلْمِهِ فِيهِمْ) أي بمجرد علمه في حقهم (ولم يأت) أي في حديث من الأخبار ورواية من الآثار (أنه قامت بيّنة) أي ثبتت حجة (على نفاقهم) أي بخصوصهم وما ورد في الكتاب إنما هو مذكور لعمومهم سترا من الله في اسرارهم وكتما في أخبارهم وآثارهم (فلذلك تركهم) احياء على أحوالهم في ديارهم فاندفع ما اعترض الدلجي على المصنف بقوله وكفاك بينة عليه ما وردت به سورة المنافقين وبراءة من البحث عن اسرارهم وإظهار نفاقهم وأخبارهم (وأيضا) يقال في دفع الإشكال (فإنّ الأمر كان سرّا وباطنا) أي بالإخفاء والكتمان (وظاهرهم الإسلام والإيمان وإن كان) أحدهم (من أهل الذّمة بالعهد والجوار) بكسر الجيم وتضم أي الإمان فهو من
الجار بمعنى المجاور أو الذي أجرته من أن يظلم (والنّاس قريب عهدهم بالإسلام لم يتميّز بعد) أي بعد مضي تلك الأيام (الخبيث من الطّيب) أي المرائي من المخلص في مقام الكلام (وقد شاع) أي فشا وذاع (عن المذكورين في العرب) بحيث ملأ الاسماع (كَوْنُ مَنْ يُتَّهَمُ بِالنِّفَاقِ مِنْ جُمْلَةِ الْمُؤْمِنِينَ وصحابة سيّد المرسلين) المفاد من عموم حديث البخاري أنا سيد الأولين والآخرين (وأنصار الدّين بحكم ظاهرهم) أنهم من المسلمين (فلو قتلهم النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لنفاقهم وما يبدر) بضم الدال المهملة بعد الموحدة أي يسرع للناس (منهم) وفي أصل الدلجي يبدر بالواو أي يظهر منهم (وعلمه) أي لمجرد علمه (بما أسرّوا في أنفسهم) من النفاق والشقاق وجواب لو (لوجد المنفّر) بتشديد الفاء المسكورة (ما يقول) في تنفيره (ولا ارتاب الشّارد) في تغييره (وأرجف المعاند) بصيغة المفعول أو الفاعل والمعاند بكسر النون هو المنكر الحاجد الحائد ومنه قَوْلِهِ تَعَالَى لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ الآية والمرجف هو الذي يرجف قلوب الناس بالأخبار المتزلزلة التي لا أصل لها من الرجفة وهي الزلزلة والمعنى خاص في أمر الفتنة والأخبار السيئة (وارتاع) أي وخاف (من صحبة النبيّ صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ غَيْرُ وَاحِدٍ) أي كثير من الأنام ممن ضعف دينه وسقم يقينه وجهل أن الداخلين في الإسلام وهم مخلصون أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (ولزعم الزّاعم وظنّ العدوّ الظّالم) وفي نسخة الفذ بفتح الفاء وتشديد الذال المعجمة المنفرد الواهم (أن القتل) للمنافقين (إنّما كان للعداوة) الباطنية المتعلقة بالأمور الدنيوية (وطلب أخذ التّرة) بكسر التاء الفوقية أي النقص والتبعة الكامنة في الطباع البشرية من مطالبة دماء القتيل الواقع في الجاهلية (وَقَدْ رَأَيْتُ مَعْنَى مَا حَرَّرْتُهُ مَنْسُوبًا إِلَى مالك بن أنس رحمه الله تعالى) أي الإمام وفق ما قررته (ولهذا قال عليه الصلاة والسلام لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه) وقد مر عليه الكلام، (وقال) أي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لكن لا يعرف من رواه من المخرجين الكرام (أولئك الّذين نهاني الله عن قتلهم) وعلى تقدير صحته يحمل على أول أمره وحالته من قوله فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ بخلاف آخره لقوله تعالى يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ (وهذا) أي عدم اجراء أحكامه عليهم من حيث بواطنهم المستورة لديهم (بِخِلَافِ إِجْرَاءِ الْأَحْكَامِ الظَّاهِرَةِ عَلَيْهِمْ مِنْ حُدُودِ الزّنا) أي جلدا ورجما وهو بالقصر وقد يمد (والقتل) قودا وحدا (وشبهه) كحد السرقة والقذف وشرب الخمر (لظهورها) أي لوضوح أمرها (واستواء النّاس في علمها) أي واشتراك الناس في حكمها (وقد قال محمّد بن المواز) بفتح الميم وتشديد الواو ثم زاء (لو أظهر المنافقون نفاقهم) أي كفرهم وشقاقهم (لقتلهم النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم) أي بخصوصهم فلا ينافي ما أظهر الله من حالهم بعمومهم كما توهمه الدلجي واعترض به على القاضي وذلك لأن المنافق إذا آظهر النفاق خرج عن كونه منافقا، (وقال) يعني وقال به أيضا (القاضي أبو الحسن بن القصّار) بفتح القاف وتشديد
الصاد وتصحف في أصل الدلجي بالصفار، (وَقَالَ قَتَادَةُ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ) أي عن نفاقهم (وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) أي شك عن ترددهم وشقاقهم (وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ) عن إرجافهم بأخبار سوء من عند أنفسهم عن سراياه عليه الصلاة والسلام بقولهم هزموا قتلوا جرى عليهم كذا وكذا يؤذن المؤمنين ويغمونهم (لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ) لنسلطنك عليهم بأن تفعل بهم ما يكون عبرة لغيرهم (ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها) بأن نضطرهم إلى الجلاء عن المدينة السكينة فلا يساكنونك فيها (إِلَّا قَلِيلًا) من الزمان ريثما يخرجون بعيالهم ثم يرتحلون أو إلا قليلا منهم وهو الذي ينتهي عما ذكر من المنهي (مَلْعُونِينَ) نصب على الحال أي حال كونهم مبعودين عن رحمة الله العظيم ورحمة رسوله الكريم (أَيْنَما ثُقِفُوا) أي وجدوا بعد ذلك (أُخِذُوا) أي امسكوا (وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا) أي وبولغ في قتلهم تنكيلا (سُنَّةَ اللَّهِ [الأحزاب: 60- 62] ) أي سن الله سنته وأجرى عادته (الآية) أي في الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ أي مضوا قبلكم من الأنبياء وأممهم وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا أي تغييرا وتحويلا، (قال) أي قتادة (معناه) أي معنى قوله لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ (إذا أظهروا النّفاق) الذي في باطنهم من الشقاق، (وَحَكَى مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فِي الْمَبْسُوطِ عَنْ زيد بن أسلم) وهو من فقهاء التابعين بالمدينة (أنّ قوله تعالى يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ) أي بالسيف (وَالْمُنافِقِينَ) أي بالحجة (وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ [التوبة: 73] ) جميعا في محاربتهم ومحاججتهم فعن الحسن وقتادة ومجاهد المنافقين بإقامة الحدود عليهم وعن مجاهد بالوعيد وقيل بإفشاء اسرارهم وإظهار أخبارهم والأظهر أن المعنى جاهد الكفار والمنافقين إذا آظهروا كفرهم واعلنوا سرهم وبهذا التقدير (نسخت) هذه الآية (ما كان قبلها) من المسالمة والمسامحة وفي كثير من النسخ نسخها ما كان قبلها أي نسخ هذا الحكم ما كان قبله من العفو والصفح عنهم (وقال بعض مشايخنا) من المالكية أو الأشعرية أو علماء أهل السنة (لعلّ القائل) وهو واحد من الأنصار كما في صحيح البخاري أو مغيث بن قشير كما قاله بعضهم لا ذو الخويصرة كما توهم الدلجي (هذه قسمة ما أريد بها وجه الله وقوله اعدل) أي قبل ذلك أو بعده هنالك كذا حرره الدلجي وقال الحلبي قائل أعدل هو ذو الخويصرة وكلام القاضي في عطفه بقوله وقوله أعدل ظاهر في أن الكلامين قالهما واحد وفيه نظر فإنما هما اثنان ولو قال وقول الآخر أعدل لكان حسنا (لم يفهم النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم) أي منه كما في نسخة أي من قوله (الطّعن عليه) أي على فعل النبي صلى الله تعالى عليه وسلم (والتّهمة له) أي لديه ونسبة التقصير إليه (وإنّما رآها) أي القسمة أو تلك الحالة (من وجه الغلط في الرّأي) أي بناء على رأي ناقصة (وأمور الدّنيا) أي في أمورها (والاجتهاد في مصالح أهلها) ظنا منه أن هذا من قبيل أنتم أعلم بأمور دنياكم (فلم ير) أي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم (ذلك) الكلام (سبّا) بتشديد الموحدة أي طعنا ومذمة وفي نسخة شيئا أي من الملامة مما يستحق عليه العقوبة (ورأى أنّه من
الأذى الّذي) يجوز (لَهُ الْعَفْوُ عَنْهُ وَالصَّبْرُ عَلَيْهِ فَلِذَلِكَ) لَمْ يعاقبه والصواب أنه عليه الصلاة والسلام فهم من الخطاب ما يستحق عليه العقاب لكنه كان مأمورا بالإعراض عنهم في مقام العتاب وإلا فكيف لا يفهم الطعن من قوله هذه قسمة ما أريد بها وجه الله نعم قوله أعدل قد يقال إنه أراد به التسوية اللغوية والعدالة العرفية ولكنه عليه الصلاة والسلام فهم أنه أراد العدالة الشرعية فقال له ويلك من يعدل إن لم أعدل وقال في آخر الحديث يخرج من ضئضىء هذا قوم يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين الحديث فكان كما أخبره عليه الصلاة والسلام وقتل على يد علي رضي الله تعالى عنه في النهروان وهو رئيس الخوارج وأهل الخذلان (وكذلك) أي وكما قيل فيمن تقدم من الاعتذار (يقال في اليهود إذ قالوا) بدل السلام (السّام) أي عليكم كما في نسخة (ليس فيه صريح) وفي نسخة تصريح (سبّ) أي شتم (ولا دعاء) أي عليه بذم (إلّا) أي لكن دعاء عليه (بِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ مِنَ الْمَوْتِ الَّذِي لا بدّ) أي لا محالة ولا مفارقة (من لحاقه جميع البشر) بل كل ذي روح من الخلق كما صح في الخبر وفيه أن مثل هذا يسمى من باب الدعاء على المقول فيه بحسب العرف والعادة لأنه يراد به الإنشاء لا الإخبار بما سيقع من الحالة وهذا المعنى الذي فهمته عائشة رضي الله تعالى عنها وهي من الفصحاء والبلغاء ومن أهل بيت الفهم والحذاقة والعلم والفطانة (وقيل بل المراد تسأمون دينكم) أي تملونه وتتركونه (والسّأم) بهمزة ساكنة (والسّامة) بهمزة ممدودة (الملال والملالة) قال الدلجي والرواية بل همز لاختلاف صيغتيهما واوا وهمزا انتهى وأراد أنه لا يصح هذا المعنى من ذلك المبنى والصواب أنه لا مخالفة بين الرواية والدراية لأن الهمزة الساكنة كثيرا تبدل ألفا (وهذا دعاء على سآمة الدّين) أي في قلوب المؤمنين (ليس بصريح سبّ) أي شتم لكنه متضمن لعيب وذم (ولهذا) أي ولكونه ليس بصريح سب (ترجم البخاري على هذا الحديث باب) بالرفع منونا (إذا عرّض) بتشديد الراء أي لوح (الذّميّ أو غيره) وفي نسخة وغيره أي المستأمن (بسببّ النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم) أي ولم يصرح به قال ابن المنير كأن البخاري كان على مذهب الكوفيين في هذه المسألة وهو أن الذمي إذا سب يعزر ولا يقتل (قال بعض علمائنا وليس هذا) أي قول اليهود السام عليكم (بتعريض بالسّبّ) أي الشتم (وإنّما هو تعريض بالأذى) ولكنه موصوف بالذم (قال القاضي أبو الفضل) يعني المنصف (وقد قدّمنا أنّ الأذى) بعمومه (والسّبّ) بخصوصه (في حقّه صلى الله تعالى عليه وسلم سواء) لاستوائهما في تنقصه والخروج عن دينه الموجب لتكفيره بخلاف غيره فإنه يفرق بينهما باختلاف تعزيره حسب تقريره وفيه إن جميع مراتب الايذاء لا تكون مع السب في حالة السواء فإنه عليه الصلاة والسلام كان يتأذى من أصحابه الكرام إذا صدر عنهم ما يوجب شيئا من الآثام (وقال القاضي أبو محمّد بن نصر) بصاد مهملة (مجيبا عن هذا الحديث) أي حديث السام (ببعض ما تقدّم) من الكلام (ثُمَّ قَالَ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْحَدِيثِ هَلْ كان هذا اليهوديّ من أهل العهد) أي الجزية (والذّمّة) أي
الامان فينتقض عهده ويبلغ مأمنه (أو الحرب) أي أهل الحرب فيهدر دمه (ولا يترك موجب الأدلة) بفتح الجيم أي مقتضاها من القتل بشتم أو ذم (لأمر المحتمل) لواحد منهما وفيه أن ذلك اليهودي إما كان منافقا وإما مستأمنا ولا فما كان عليه الصلاة والسلام وأصحابه الكرام يتحملون من الحربي نوعا من الكلام ولا كانوا يتركونه في ذلك المقام بعد الأمر بقتال من لم يذعن للإسلام نعم كما قال هو وغيره (والأولى في ذلك) وفي نسخة في هذا (كلّه والأظهر من هذه الوجوه) في حكمه (مقصد الاستئلاف) بفتح الصاد وكسرها أي لمحض طلب الألفة ورفع الكلفة عن الأمة (والمداراة على الدّين لعلّهم يؤمنون) على وجه اليقين (وَلِذَلِكَ تَرْجَمَ الْبُخَارِيُّ عَلَى حَدِيثِ الْقِسْمَةِ وَالْخَوَارِجِ باب) بالتنوين وفي نسخة بالإضافة إلى قوله (من ترك قتال الخوارج) أي مقاتلتهم وفي نسخة قتل الخوارج وهم طائفة مشهورة من أهل البدعة يبغضون أهل بيت النبوة (للتّألّف) أي طلب الالفة ليثبتوا على الملة (ولئلّا ينفر النّاس عنه) بكسر الفاء من النفر وفي نسخة من التنفير عن أي ولدفع النفرة عن قبول الدعوة (وَلِمَا ذَكَرْنَا مَعْنَاهُ عَنْ مَالِكٍ وَقَرَّرْنَاهُ قَبْلُ) أي قبل ذلك (وقد صبر لهم صلى الله تعالى عليه وسلم على سحره) بكسر السين أي ما سحر به وفي نسخة بفتحها وهو المصدر (وسمّه) أي وعلى تسميمه (وهو أعظم من سبّه) وفيه أن من سمه علله بأنه اختبره على أنه إن كان نبيا فلا يضره وإلا فيندفع به شره ولذا لم يقتلها أولا ثم قتلها قصاصا بعد ما مات بشر بن البراء من أصحابه (إلى أن نصره الله عليهم) وأظهر أمره لديهم (وَأَذِنَ لَهُ فِي قَتْلِ مَنْ حَيَّنَهُ مِنْهُمْ) فتحتية مشددة فنون مفتوحات أي أهلكه من الحين وهو الهلاك وقيل من حينه أي انتظر وقته وروي بالخاء المعجمة من الخيانة ويحتمل خيبه بالباء الموحدة أي نسبه إلى الخيبة وفي نسخة أخرى عيبه بالموحدة أو النون وهذا كله في بني قريظة وإضرابهم (وإنزالهم) وفي نسخة وانزلهم (من صياصيهم) بفتح أوله أي حصونهم (وقذف) أي والحال أنه سبحانه وتعالى ألقى (في قلوبهم الرّعب) بسكون العين وضمها أي الخوف الشديد (وكتب على من يشاء منهم) كبني النضير وأحزابهم (الجلاء) بفتح الجيم ويكسر والمد اي الإخراج عن وطنهم ومألوف بدنهم وكربة الغربة وسائر محنهم (وأخرجهم من ديارهم) ومدار آثارهم (وخرّب بيوتهم) من دارهم (بأيديهم) أي أنفسهم (وأيدي المؤمنين) بالنقض والهدم حتى لا يبق منهم في المدينة آثار دار ولا ديار (وكاشفهم) أي ظاهرهم وشافههم (بالسّبّ) أي الطعن والتعيير (فقال يا إخوة القردة والخنازير) خطابا لشبانهم ومشايخهم وفيه إيماء إلى قوله تعالى وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ فهم أخوتهم من حيث وقوع المسخ في طائفتهم وقيل القردة في أصحاب السبت من اليهود والخنازير في أصحاب المائدة من النصارى وهم من قوم واحد يجمعهم بنو إسرائيل (وحكّم فيهم سيوف المسلمين) بتشديد الكاف إشارة إلى قتل بني قريظة ونزولهم من حصونهم بحكم سعد بن معاذ (وأجلاهم) أي أخرجهم (من جوارهم) بكسر الجيم ويضم أي مجاورتهم ومحاورتهم (وأورثهم) أي الله
سبحانه وتعالى (أرضهم وديارهم) أي مساكنهم (وأموالهم) كبني النضير وهذا كله (لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَكَلِمَةُ الَّذِينَ كفروا السّفلى) في الدنيا والأخرى قال ابن إسحاق كان إجلاء بني النضير عند مرجع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من أخذ وفتح بني قريظة عند مرجعه من الأحزاب وبينهما سنتان ومجمل قصتهما أن بني النضير كانوا صالحوا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم على أن لا يقاتلوه ولا يقاتلوا معه ولما غزا أحدا وهزم المسلمون نقضوا العهد فركب كعب بن الأشرف في أربعين راكبا من اليهود إلى مكة فأتوا قريشا وعاقدوهم بأن تكون كلمتهم واحدة على محمد ثم رجع كعب وأصحابه إلى المدينة فنزل جبريل عليه السلام فأخبر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بذلك فأمر رسول بقتل كعب بن الأشرف وأمر الناس بالمسير إلى بني النضير وكانوا بقرية فدس المنافقون إليهم أن لا يخرجوا من الحصن فإن قاتلوكم فنحن معكم ولنضرنكم ولئن خرجتم لنخرجن معكم فحاصرهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إحدى وعشرين ليلة وقذف الله في قلوبهم الرعب وأيسوا من نصر المنافقين فسألوا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم الصلح فأبى عليهم إلا أن يخرجوا من المدينة ولهم ما أقلت الإبل أي حملت من أموالهم ولنبي الله ما بقي ففعلوا ذلك وخرجوا من المدينة إلى أذرعات وأريحاء من أرض الشام وذلك قوله تعالى هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ أي في أول حشرهم من جزيرة العرب إذ لم يصبهم قبل ذلك هذا الذل والتعب أو في أول حشرهم من إجلائه عليه الصلاة والسلام إلى الشام وآخر حشرهم إجلاء عمر رضي الله تعالى عنه إياهم من خيبر إلى ذلك المقام وقيل آخر حشرهم يوم القيامة فأنهم كغيرهم يحشرون إليه عند قيام الساعة وأما قضية بني قريظة فروي أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لما رجع من منصرف الأحزاب إلى المدينة أتاه جبريل عليه السلام فقال وضعت السلاح يا رسول الله قال نعم قال إن الله يأمرك بالسير إلى بني قريظة وكانوا قد عاونوا الأحزاب على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فأمر النبي عليه الصلاة والسلام مناديا أذن من كان سامعا مطيعا فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة وقدم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عليا بن أبي طالب كرم الله وجهه برايته إليهم فسار علي حتى إذا دنا من الحصون سمع مقالة قبيحة لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فرجع حتى أتاه فقال يا رسول الله لا عليك أن تدنو من هؤلاء الأخابيث قال لم أظنك سمعت في منهم اذى قال نعم يا رسول الله قال لو رأوني لم يقولوا من ذلك شيئا فلما دنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من حصونهم قال يا أخوة القردة والخنازير هل أخزاكم الله وأنزل بكم نقمة قالوا يا أبا القاسم ما كنت جهولا قال فحاصرهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم خمسا وعشرين ليلة حتى جهدهم الحصار وقذف الله في قلوبهم الرعب فنزلوا على حكم سعد بن معاذ قال سعد فإني أحكم فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة بأن يقتل مقاتلهم ويسبى ذرايهم فحبسهم رسول الله صلى
الله تعالى عليه وسلم في دار بنت الحارث امرأة من بني النجار ثم خرج رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إلى سوق المدينة فخندق بها خندقا ثم بعث إليهم فضربت أعناقهم في تلك الخنادق وكانوا على ما قيل ستمائة أو سبعمائة وقسم الأموال والنساء والذراري وذلك قول تعالى وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أي عاونوا الأحزاب على حرب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم (فَإِنْ قُلْتَ فَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ) من رواية البخاري وغيره (عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهُ صَلَّى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا انْتَقَمَ لِنَفْسِهِ فِي شَيْءٍ يؤتى إليه) أي لم يعاقب أحدا على مكروه يقع عليه (قطّ) أي أبدا في حال من أحواله (إلّا أن تنتهك) بصيغة المجهول أو الفاعل أي تنتقص أو تنتقض (حرمة الله تعالى) أي احترامه وعزته (فينتقم لله) أي حينئذ مع انتقامه لنفسه انتقاما لحرمة ربه (فاعلم أنّ هذا) الحديث (لا يقتضي) مضمونه (أَنَّهُ لَمْ يَنْتَقِمْ مِمَّنْ سَبَّهُ أَوْ آذَاهُ) أي بقوله أو فعله (أو كذّبه فإنّ هذه) المذكورات (من حرمات الله التي انتقم لها) وفي نسخة منها أي من أجلها ابتغاء لوجه الله تعالى كما تقدم من قتل أبي رافع وكعب بن الأشرف وغيرهما (وإنّما يكون ما لا ينتقم) أي منه كما في نسخة (له) أي لأجل نفسه (فيما تعلّق بسوء أدب) من اجلاف العرب (أو معاملة) مع أحد منهم (من القول والفعل في النّفس) وفي نسخة بِالنَّفْسِ (وَالْمَالِ مِمَّا لَمْ يَقْصِدْ فَاعِلُهُ بِهِ أذاه) أي أذى النبي عليه الصلاة والسلام (لكن) أي إلا أنه صدر (ممّا) وروي بما أي بسبب ما (جبلت عليه الأعراب) أي من الأخلاق أو من الطباع التي خلقت وطبعت وتعودت عليها (من الجفاء) بفتح الجيم ومد الفاء وهو غلظ الطبع (والجهل) بآداب الشرع كما قال تعالى الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ (أو جبل عليه البشر) أي جنس بني آدم كلهم (من الغفلة) أي الغيبة عن مقام الحضرة وروي من السفه وهو الخفة وقلة المبالاة بالعمل (كجبذ الأعرابيّ) بجيم فباء موحدة فذال معجمة أي جذبه بعنف وشدة (رداءه) وفي نسخة بردائه فالباء للتقوية أو لتأكيد التعدية وفي بعض النسخ بازاره وهو خطأ فاحش كما يدل عليه (حتّى أثّر) أي أثر جبذه (في عنقه) اللهم إلا أن يحمل الإزار على الملحفة وهو كل ما سترك وقد قال الأعرابي كما في البخاري مر لي من مال الله الذي عندك (وكرفع صوت الآخر) أي الأعرابي أو غيره (عنده) قال الحلبي يحتمل أنه يريد ثابت بن قيس بن شماس فقد روى أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم افتقد ثابت بن قيس فقال رجل يا رسول الله أنا اعلم لك الحديث في خوفه من رفع صوته عند النبي صلى الله تعالى عليه وسلم عند نزول قوله تعالى لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ الآية ويحتمل أن يريد غيره قلت المتعين أن يكون غيره لأن قصته من محامد مناقبه لا في مذامه من مراتبه وأما قول الدلجي أن الذي قال هذه قسمى ما اريد بها وجه الله فموقوف على ثبوت كون مقوله هذا واقعا برفع صوته وقد عينه التلمساني بالأعرابي الذي طالبه عليه الصلاة والسلام في دينه وأراد اصحابه