الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في حقها وبسببها يحصل سفك الدماء (ومصالح الدّنيا) أي في جهتها من حفظ الأموال والدماء (وإن كان) أي الفساد (أيضا قد يدخل في أمور الدنيا) بالتبعية (مِنْ سَبِيلِ الْحَجِّ وَالْجِهَادِ، وَفَسَادُ أَهْلِ الْبِدَعِ معظمه) أي أكثره واقع (على الدّين) وإن كان يتفرع عليه أيضا فساد في الدنيا كما بينه بقوله (وقد يدخل) أي الفساد (في أمر الدّنيا بما يلقون) بضم الياء والقاف أي يغرون (بين المسلمين من العداوة) والبغضاء وقد حرم الله الخمر والميسر لهذه العلة كما قال تعالى إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ فالعلة مركبة مفيدة لقتل أهل البدعة ولكن المرتبة المعتدلة ما صدر عن علي إمام الأئمة وتبعه جمهور علماء الأمة أنهم يقتلون حال المحاربة أو وقت خروجهم للدعوة وأما إذا أخذوا أو كانوا منفردين غير مجتمعين على الفساد فلا يقتل أحد منهم وهذا جمع حسن وهو اسلم والله سبحانه وتعالى أعلم.
فصل [فِي تَحْقِيقِ الْقَوْلِ فِي إِكْفَارِ الْمُتَأَوِّلِينَ قَدْ ذكرنا مذاهب السلف وإكفار أصحاب البدع والأهواء]
(في تحقيق القول في إكفار المتأوّلين) أي في تكفيرهم (قد ذكرنا مذاهب السّلف) أي اختلاف مقالهم (في إكفار أصحاب البدع) الفاسدة (والأهواء) الكاسدة (المتأوّلين) للكتاب والسنة (ممّن قال) أي بعض المبتدعة (قولا يؤدّيه) بهمز ويبدل أي يوصله (مساقه) أي مرجعه ومآله (إلى كفر هو) أي المبتدع (إذا وقف عليه) بصيغة المجهول أي إذا اطلع على حقيقة أمره (لا يقول بما يؤدّيه قوله إليه) وذلك لأنه بحسب اجتهاده وقع عليه وذلك كما إذا قال المعتزلي إن الله عالم ولكن لا علم له فقيل له قولك هذا يؤدي إلى نفي أن يكون الله عالما إِذْ لَا يُوصَفُ بِعَالِمٍ إِلَّا مَنْ لَهُ علم يقول هو نحن لا نقول أنه ليس بعالم فإنه كفر وقولنا لا يؤدي إلى ذلك على ما هو أصلنا وكقول من قال منهم إن الله لا يريد الفحشاء مأولا له بأن إرادة القبائح ويجاب بأنه سبحانه منزه على أن يقع في ملكه إلا ما شاء (وعلى اختلافهم) أي على اختلاف مراتب المبتدعة وتفاوت المسألة المخترعة وقال الدلجي أي على اختلاف السلف (اختلف الفقهاء والمتكلّمون في ذلك) أي في تكفيرهم (فَمِنْهُمْ مَنْ صَوَّبَ التَّكْفِيرَ الَّذِي قَالَ بِهِ الجمهور من السّلف ومنهم من أباه) أي التكفير (ولم ير إخراجهم من سواد المسلمين) أي عمومهم (وهو قول أكثر الفقهاء) كأبي حنيفة والشافعي وغيرهما (والمتكلّمين) أي أكثرهم من الأشعرية والماتريدية (وقالوا) أي الجمهور من الطائفتين وفي نسخة وقال أي من أباه وما بينهما معترضة (هم) أي المبتدعة (فسّاق) بعلمهم وهو بضم الفاء وتشديد السين جمع فاسق (عصاة) باعتقادهم وهو جمع عاص (ضلّال) في اجتهادهم وهو بضم فتشديد جمع ضال (ونوارثهم) بالنون وفي نسخة بالياء (من المسلمين) قال التلمساني وروي توارثهم مصدرا أقول والظاهر أنه تحريف وتصحيف (ونحكم لهم) بالوجهين وفي نسخة بصيغة المجهول الغائب (بأحكامهم) أي بأحكام سائر المؤمنين مما لهم وعليهم في أمور الدنيا والدين وفي
قوله نوارثهم ونحكم لهم إيماء إلى صحة القول الأخير وهو عدم التكفير (وَلِهَذَا قَالَ سُحْنُونٌ لَا إِعَادَةَ عَلَى مَنْ) وفي نسخة لمن (صلّى خلفهم قال) أي سحنون (وهو) أي هذا القول بعدم الإعادة (قول جميع أصحاب مالك) كلهم (المغيرة وابن كنانة وأشهب قال) أي مالك أو كل واحد من أصحابه (لأنّه) أي المبتدع (مسلم) أي من أصله المنسحب عليه في حاله (وذنبه) أي بابتداعه (لم يخرجه من الإسلام) وإن كان بدعته كبيرة (واضطرب آخرون) أي من أصحاب مالك (في ذلك) التكفير (ووقفوا) أي توقفوا (عن القول بالتّكفير أو ضدّه) وهو عدم التكفير (واختلاف قولي مالك) وفي نسخة قول مالك (في ذلك) أي فيما ذكر من التكفير وعدمه (وتوقّفه) أي وفي توقفه والأظهر أنه مرفوع أي وتوقف مالك (عن إعادة الصّلاة خلفهم) أي عقب المبتدعين (منه) أي من قبيل ما اضطرب فيه الآخرون (وإلى نحو من هذا) الاختلاف في ذلك والتوقف من مالك (ذهب القاضي أبو بكر) أي الباقلاني (إمام أهل التّحقيق) أي في مقام التقدقيق (والحقّ) أي وإمام أهل الحق المزيل للباطل (وقال) أي الباقلاني (إنّها) أي مسألة القول بالتكفير (من المعوصات) بضم الميم وكسر الواو المخففة أي المشكلات (إذ القوم) أي المبتدعة (لم يصرّحوا باسم الكفر وإنّما قالوا قولا يؤدّي إليه) ولا بد من الفرق بينهما في مقام التحقيق والله ولي التوفيق والحاصل أن مقتضى الإشكال وهو أن المعتزلي إنما قال مثلا إن الله عالم ولكن لا علم له فهل يقول إن نفيه للعلم له سبحانه وتعالى نفي أن يكون الله عالما وذلك كفر بالإجماع أو يقول قد اعترف بأنه تعالى عالم وإنكاره العلم لا يكفره وإن كان يؤدي إلى أنه ليس بعالم والله سبحانه وتعالى اعلم (واضطرب قوله) أي قول القاضي أبي بكر (في المسألة) أي هذه أيضا (عَلَى نَحْوِ اضْطِرَابِ قَوْلِ إِمَامِهِ مَالِكِ بْنِ أنس) كان الأولى حذف امامه (حتّى قال) أي الباقلاني (في بعض كلامه إنّهم) أي أهل البدع (عَلَى رَأْيِ مَنْ كَفَّرَهُمْ بِالتَّأْوِيلِ لَا تَحِلُّ) أي لأحد منا أهل السنة (مُنَاكَحَتُهُمْ وَلَا أَكْلُ ذَبَائِحِهِمْ وَلَا الصَّلَاةُ عَلَى ميّتهم) لموته في اعتقاد من يكفرهم على الكفر (ويختلف في موارثتهم) بصيغة المجهول (على الخلاف في ميراث المرتد) على ما مر عن ابن القاسم وغيره (وقال) الباقلاني (أيضا نورّث) بتشديد الراء المكسورة (ميّتهم) وفي نسخة منهم (ورثتهم من المسلمين ولا نورّثهم) أي المبتدعة (من المسلمين وأكثر ميله) أي الباقلاني (إِلَى تَرْكِ التَّكْفِيرِ بِالْمَآلِ وَكَذَلِكَ اضْطَرَبَ فِيهِ) أي في القول بتكفيرهم (قول شيخه) أي في الطريقة (أبي الحسن الأشعريّ وأكثر قوله) المنقول عنه (تَرْكُ التَّكْفِيرِ وَأَنَّ الْكُفْرَ خَصْلَةٌ وَاحِدَةٌ وَهُوَ الجهل بوجود الباري) وما يتعلق به من التوحيد والنبوة (وقال) أي الأشعري (مرّة من اعتقد أنّ الله جسم) أي له جسم كالأجسام (أو المسيح) أي أنه عيسى (أو بعض من يلقاه في الطّرق) كما تصور إبليس فوق عرش بين السماء والأرض وصور في خاطر بعض المريدين أنه الاله فوق عرشه واعتقده حتى بلغه الحديث المشهور في ذلك فتاب إلى الله وقضى صلواته المتقدمة هنالك ولا يبعد أن يكون مراده أن القول بأن اللَّهَ جِسْمٌ أَوِ الْمَسِيحُ أَوْ بَعْضُ مَنْ يلقى
في الطريق مستوى في حد كفره (فليس بعارف به) أي بوجوده سبحانه وتعالى (وهو كافر) حيث لم يفرق بين وجود واجب الوجود وبين وجود الحادث في مقام الشهود ومن هنا أكثر من سائر أهل الكفر والعناد (ولمثل هذا) المقال المروي عن الأشعري من عدم تكفير المبتدعة من أهل القبلة (ذهب أبو المعالي) وهو إمام الحرمين رحمه الله تعالى وهو من أكابر الشافعية (في أجوبته لأبي محمّد عبد الحقّ) أي الاشبيلي ذكره الدلجي وقال الحلبي هذا ليس الإشبيلي الحافظ صاحب الأحكام بل آخر غيره ولد سنة عشر وخمسمائة ومات سنة إحدى وثمانين وخمسائة وولد إمام الحرمين سنة تسع عشرة وأربعمائة ومات بنيسابور سنة ثمان وسبعين وأربعمائة فالإمام توفي قبل مولد عبد الحق الحافظ صاحب الأحكام بما ترى قال ورأيت في نسخة ما لفظه ولمثل هذا ذهب أبو الوليد سليمان رحمه الله فِي أَجْوِبَتِهِ لِأَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ الحق وهذا أيضا لا يصح أن يكون عبد الحق الحافظ الإشبيلي وذلك لأن أبا الوليد سليمان بن خالد الباجي توفي سنة أربع وسبعين وأربعمائة وعبد الحق ولد سنة عشر وخمسمائة وقيل سنة أربع عشرة فلا يصح ذلك والله تعالى اعلم وعبد الحق الذي جاوبه أبو المعالي لم أعرفه إلى الآن انتهى وقال التلمساني هو عبد الحق بن محمد بن هارون السهمي مات سنة ست وستين وأربعمائة (وكان) أي والحال أن أبا محمد (سأله عن المسألة) التي ميل الأشعري فيها إلى عدم التكفير أكثر (فاعتذر له بأن الغلط فيها) أي في المسألة بالقول بالتكفير وعدمه (يصعب) أي يعسر جدا (لأنّ إدخال كافر في الملّة) الإسلامية (وإخراج مسلم عنها عظيم في الدّين) والثاني أصعب من الأول فتأمل ولعله عليه الصلاة والسلام من أجل هذا قال أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار (وقال غيرهما) أي الأشعري وأبي المعالي (من المحقّقين الّذي) مبتدأ أي القول الذي (يجب) أي يقال (هو الاحتراز من التّكفير في أهل التّأويل) وإن كان تأويلهم خطأ في فهم التنزيل (فإنّ استباحة دماء) المصلين (الموحّدين) الصائمين المزكين القارئين للكتاب التابعين للسنة في جميع الأبواب (خطر) بفتحتين أي ذو خطر ويجوز أن يكون بفتح فكسر (وَالْخَطَأُ فِي تَرْكِ أَلْفِ كَافِرٍ أَهْوَنُ مِنَ الخطأ في سفك محجمة) بكسر الميم الأولى وهي آلة الحجامة (من مسلم) وفي نسخة من دم مسلم (واحد) وقد قال علماؤنا إذا وجد تسعة وتسعون وجها تشير إلى تكفير مسلم ووجه واحد إلى ابقائه على إسلامه فينبغي للمفتي والقاضي أن يعملا بذلك الوجه وهو مستفاد من قوله عليه السلام ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم فإن وجدتم للمسلم مخرجا فخلوا سبيله فإن الإمام لأن يخطئ في العفو خير له من أن يخطئ في العقوبة رواه الترمذي وغيره والحاكم وصححه (وقد قال عليه الصلاة والسلام كما رواه الشيخان عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك وفي رواية (فإذا قالوها يعني الشّهادة) أي جنسها (عصموا) بفتح الصاد أي حفظوا (مني دماءهم وأموالهم إلّا بحقّها)
أي بحق الشهادة مما يتعلق بها وفي رواية إلا بحق الإسلام (وحسابهم على الله) أي نحن نحكم بالظواهر والله تعالى اعلم بالسرائر وورد ما أمرت أن أشق عن قلوب الناس وصح أنه قال لأسامة هلا شققت عن قلبه وظاهر هذه الأحاديث على أنه تقبل توبة المرتد والزنديق وجامع مجمع عليه وجوبا كالصلاة ونحوها والله ولي التوفيق (فالعصمة) للدماء والأموال (مقطوع بها مع الشّهادة) بالوحدانية والرسالة (ولا ترتفع) أي العصمة (ويستباح خلافها) أي من دم أو مال (إلّا بقاطع) من الأدلة (ولا قاطع من شرع) إلا قوله عليه الصلاة والسلام لا يحل دم امرىء مسلم إلا بإحدى ثلاث وهي الردة وقتل مسلم وزنى محصن (ولا قياس عليه) صحيح حتى يمال إليه (وألفاظ الأحاديث الواردة في هذا الباب) أي في باب مذمة المبتدعة (معرّضة) بتشديد الراء المفتوحة وروي عرضة أي قابلة (لِلتَّأْوِيلِ فَمَا جَاءَ مِنْهَا فِي التَّصْرِيحِ بِكُفْرِ القدريّة) كقوله عليه الصلاة والسلام القدرية مجوس هذه الأمة إن مرضوا لا تعودوهم وإن ماتوا فلا تشهدوهم كما رواه أبو داود والحاكم وصححه عن ابن عمر وقوله عليه الصلاة والسلام من لم يؤمن بالقدر خيره وشره فأنا منه بري رواه أبو يعلى في مسنده (وقوله) بالرفع عطفا على ما أي وقول النبي عليه الصلاة والسلام (لا سهم لهم في الإسلام) أي لا نصيب للقدرية مطلقا أو كاملا في سهام الإسلام (وتسميته) عليه الصلاة والسلام (الرّافضة بالشّرك) هذه رواية غير معروفة ولعل المراد بهم غلاتهم القائلون بإلهية علي ويسمون النصيرية ولا شبهة في كفرهم إجماعا (وإطلاق اللّعنة) وفي نسخة وإطلاق اللعنة (عليهم) أي على القدرية والرافضة (وَكَذَلِكَ فِي الْخَوَارِجِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ) فروى الدارقطني في العلل عن علي كرم الله وجهه لعنت القدرية على لسان سبعين نبيا وروى الطبراني عن ابن عمر لعن الله من سب أصحابي وروى الطبراني أيضا عن ابن عباس مَنْ سَبَّ أَصْحَابِي فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ والناس أجمعين وروى أحمد والحاكم عن أم سلمة من سب عليا فقد سبني ومن سبني فقد سب الله (فقد يحتجّ بها) أي بظاهرها (من يقول بالتّكفير وقد يجيب الآخر) وهو القائل بعدم التكفير (بأنّه) أي الشأن (قد ورد مثل هذه الألفاظ في الحديث) النبوي (في غير الكفرة على طريق التّغليظ) كقوله عليه الصلاة والسلام من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد رواه أحمد والحاكم عن أبي هريرة وفي رواية من أتى كاهنا فصدقه بما يقول أو أتى امرأة حائضا أو امرأة في دبرها فقد برئ ما انزل على محمد وفي رواية ملعون من أتى امرأة في دبرها (وكفر) أي وبأنه كفر أي كفران (دون كفر) أي صريح (وإشراك) أي خفي (دون إشراك) أي جلي كقوله عليه الصلاة والسلام من حلف بغير الله فقد اشرك رواه أحمد والترمذي والحاكم عن ابن عمر (وقد ورد مثله) أي في أنه شرك دون شرك (في الرّياء) كقوله عليه الصلاة والسلام الشرك الخفي أن يعمل الرجل لمكان الرجل رواه الحاكم عن أبي سعيد وقد قال تعالى فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً أي بأن يرائيه أو يطلب منه أجرا وعنه عليه الصلاة والسلام اتقوا الشرك الأصغر قيل
وما الشرك الأصغر قال الرياء وفي نسخة الزنا بالزاء والنون كحديث لا يزني زان حين يزني وهو مؤمن ولا يبعد أي يكون الربا بالراء والموحدة لقوله عليه السلام لعن الله الربا وآكله وموكله وكاتبه وشاهده وهم يعلمون رواه الطبراني عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه (وعقوق الوالدين) كحديث من أدركه أبواه أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة يرح رائحة الجنة (والزّور) أي شهادة الزور وهي المعادلة للشرك في قوله فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ وروي بدله والزوج كقوله عليه الصلاة والسلام لعن الله المسوفات التي يدعوها زوجها إلى فراشه فتقول سوف حتى تغلبه عيناه رواه الطبراني عن ابن عمر (وغير معصية) أي وفي غير معصية أي متفق عليها كقوله عليه الصلاة والسلام ملعون من لعب بالشطرنج رواه ابن حزم وغيره وكقوله عليه الصلاة والسلام لعن الله المحلل والمحلل له رواه أحمد والأربعة عن علي كرم الله وجهه (وإذا كان) الحديث الوارد في الآحاد (محتملا للأمرين) في كفر وغيره (فلا يقطع) أي الحكم بالجزم (على أحدهما إلّا بدليل قاطع) وأغرب الدلجي بقوله أو غير قاطع وكأنه قاس على مسائل الفروع حيث لا فرق عند إمامهم بين القطعي والظني في أحكامها وغفل عن أنه لا بد في مسائل الأصول من الأدلة القطعية؛ (وقوله) أي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كما رواه مسلم عن أبي ذر وروي لأنه قال (في الخوارج هم من شرّ البريّة) بالهمز والتشديد أي الخليفة (وهذه صفة الكفّار) كما في سورة البينة، (وقال عليه الصلاة والسلام كما رواه البيهقي في حقهم (هم شرّ قبيل) فعيل يستوي فيه الواحد والجمع وفي رواية شر قتلي جمع قتيل وروي شر قبيل بالموحدة أي جمع قبيلة (تحت أديم السّماء) أي ما ظهر منها (طوبى) فعلى من الطيب وأصلها طيبي وقد يقال به قلبت ياؤه واوا لسكونها وانضمام ما قبلها وهي الحالة الطيبة أو الجنة أو شجرة عظيمة فيها (لمن قتلهم) وقد قتلهم علي كرم الله وجهه يوم النهروان (أو قتلوه) لفوزه بالسعادة المترتبة على الشهادة، (وقال) فيما رواه الشيخان عن أبي سعيد الخدري (فإذا وجدتموهم) أي مجتمعين (فاقتلوهم قتل عاد) أي كقتل عاد في الشدة أو المعنى أهلكوهم اهلاكا مستأصلا والأفهم أهلكوا بريح صرصر عاتية (وروي ثمود) وهو ابن عم عاد (وظاهر هذا) القول (الكفر) أي كفرهم بناء على صدر الحديث (لا سيّما مع التشبيه) أي لهم وفي نسخة مع تشبيههم (بعاد) قوم هود (فَيَحْتَجُّ بِهِ مَنْ يَرَى تَكْفِيرَهُمْ فَيَقُولُ لَهُ الآخر) ممن لا يرى تكفيرهم (إنّما ذلك) التغليظ (من قتلهم) أي جهة قتلهم لا من جهة كفرهم (لخروجهم على المسلمين وبغيهم) أي ظلمهم وتعديهم (عليهم) أي على المؤمنين (بدليله) أي دليل خروجهم وبغيهم عليهم المستفاد (من الحديث نفسه) وروي بدليل من الحديث وهو قوله عليه الصلاة والسلام (يقتلون أهل الإسلام فقتلهم ههنا حدّ) أي قصاص للعباد أو دفع للفساد (لا كفر) على وجه العناد (وذكر عاد) وروي وقتل عاد (تشبيه للقتل) في الشدة والاستئصال (وحلّه) أي وكونه الحلال (لا) تشبيه (للمقتول) من الخوارج بالمقتول من عاد حتى يلزم الكفر مع أنه الكفر مع
أنه لا يلزم من التشبيه تسوية المشبه والمشبه به من جميع الوجوه (وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ حُكِمَ بِقَتْلِهِ يُحْكَمُ بِكُفْرِهِ) كما يعرف في باب القصاص والرجم (ويعارضه) الآخر (بقول خالد) بن الوليد سيف الله (في الحديث) كما رواه الشيخان عن أبي سعيد (دعني) أي اتركني (أضرب) بالجزم أو الرفع (عنقه) أي ذي الخويصرة (يا رسول الله فقال لعلّه يصلّي) يعني وهو مؤمن وقد روى الطبراني عن أنس مرفوعا نهيت عن المصلين أي عن قتلهم هذا وفي صحيح البخاري أيضا أنه سأل قتله عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ولا منع من الجمع (فإن احتجّوا) أي من يرى تكفيرهم (بقوله عليه الصلاة والسلام يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم) جمع حنجرة وهي الحلقوم (فأخبر) أي بهذا (أنّ الإيمان) المستفاد من القرآن (لا يدخل قلوبهم) والأظهر أن المعنى لا تقبل قراءتهم ولا تصعد إلى السماء تلاوتهم وأما نفي الإيمان فلا يستفاد من حالتهم (وكذلك قوله) أي في حقهم (يمرقون) بضم الراء أي يخرجون بسرعة (من الدّين مروق السّهم) أي نفوذه (من الرّميّة) فعلية بمعنى مفعولة أي مرمية ما يرمى فيمرق منه السهم من صيد أو غيره (ثمّ لا يعودون إليه) أي إلى الدين (حتّى يعود السّهم على فوقه) بضم الفاء وهو موضع الوتر من الهم وهذا تعليق بالحال كقوله تعالى لا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ فما في بعض النسخ حتى لا يعود خطأ فاحش (وبقوله) وفي نسخة وقوله أي في الصحيحين عن أبي سعيد وروي وكذلك قوله (سبق) أي السهم بمروقه سريعا (الفرث) وهو ما في الكرش (والدّم) والمعنى مر سريعا في الرمية وخرج منها لم يعلق منها بشيء من فرثها ودمها لسرعته شبه به خروجهم من الدين بسرعة (يدلّ على أنه) أي الخارجي (لم يتعلّق من الإسلام بشيء) من سهام الأحكام (أجابه الآخرون) الذين لا يكفرونهم (إِنَّ مَعْنَى لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ لَا يَفْهَمُونَ) وروي لا يفقهون (مَعَانِيَهُ بِقُلُوبِهِمْ وَلَا تَنْشَرِحُ لَهُ صُدُورُهُمْ وَلَا تعمل به جوارحهم) أي لا يمتثلون أوامره ولا يجتنبون زواجره (وعارضوهم) الأولون (بقوله) عليه السلام (ويتمارى) بصيغة المجهول أي يشكك أو يجادل (في الفوق) أي في السهم هل فيه أثر علق به شيء من الفرث والدم أم لا وفي نسخة الفاعل للخطاب وفي أخرى بالغيبة أي يجادل ظنه ونفسه فيما يشك فيه (وهذا يقتضي التّشكك) ويروى الشك أي التردد (في حاله) يحكم بكفره أم لا (وإن احتجّوا) أي من يرى تكفيرهم (بِقَوْلِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ. أسمعت رسول الله صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ يَخْرُجُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ) قوم يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم (ولم يقل من هذا) أي الأمة كما في نسخة (وتحرير أبي سعيد الرّواية) أي وبتحريره (وإتقانه اللّفظ) الدال على تحقيقه في الدراية إذ قال في دون من وهذا مؤذن بأنهم كفرة ليسوا من أمة الإجابة وهذا في غاية من البعد كيف وهم يقرؤون القرآن ويصلون ويصومون ويبالغون في الزجر عن المعاصي حيث يكفرون مرتكبي الكبيرة وأما تعبيره بفي دون من فقد (أجابهم الآخرون) ممن لا يرى تكفيرهم (بِأَنَّ الْعِبَارَةَ بِفِي لَا تَقْتَضِي تَصْرِيحًا بِكَوْنِهِمْ) وروي صريحا كونهم (من غير الأمّة) أي أمة الإجابة بل هم من
أمة الدعوة (بِخِلَافِ لَفْظَةِ مِنَ الَّتِي هِيَ لِلتَّبْعِيضِ وَكَوْنِهِمْ مِنَ الْأُمَّةِ مَعَ أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ أبي ذرّ) أي الغفاري (وعليّ) أي ابن أبي طالب (وأبي أمامة) سهل بن حنيف كذا قاله الدلجي وقال الحلبي تقدم أنه صدي بن عجلان الباهلي (وغيرهم في هذا الحديث) أي حديث الخوارج (يخرج من أمتي، وسيكون من أمتي) ونحوهما مما هو ظاهر في كونهم منهم، (وحروف المعاني مشتركة) في معانيها ينوب بعضها عن بعض في مبانيها فإذا كانت مشتركة (فلا تعويل) أي لا اعتماد (على إخراجهم من الأمّة بفي ولا على إدخالهم فيها بمن) أي بمجردهما لاحتمال كل منهما أنها وقعت في موضع أختها فقوله تعالى إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ أي فيه ويقال هذا ذراع في أرض كذا أي منها (لَكِنَّ أَبَا سَعِيدٍ رضي الله عنه أَجَادَ ما شاء) أي فيما أفاد (في التّنبيه الّذي نبّه عليه) أي على إخراجهم من الأمة بظاهر في دون من لأنهم ليسوا منهم (وهذا) التعبير بفي دون من من أبي سعيد (مِمَّا يَدُلُّ عَلَى سَعَةِ فِقْهِ الصَّحَابَةِ وَتَحْقِيقِهِمْ للمعاني) بإيراد ألفاظها الدالة عليها بدون احتمال إلى غيرها (واستنباطها) أي اخراجها من القوة إلى الفعل (من الألفاظ) الموضوعة لها الدالة عليها (وتحريرهم لها وتوقّيهم في الرّواية) وفيه أن هذا يوهم أن الصحابي له التصرف في الفاظ النبوة من الرواية فيعبر بها كما يظهر له من الدراية وقد اختلف أرباب الأصول في نقل الحديث بالمعنى والتصرف في المبنى والمحتاطون منعوه بالكلية والمحققون جوزوه عند الضرورة بالنسيان في أصل الرواية على أن أبا سعيد وقع شاذا في هذه الرواية بالنسبة إلى بقية الصحابة الذين هم أقوى منه في باب الدراية لا سيما عليا كرم الله وجهه المبتلى بمقاتلتهم ومحاربتهم ومباغضتهم (هَذِهِ الْمَذَاهِبُ الْمَعْرُوفَةُ لِأَهْلِ السُّنَّةِ وَلِغَيْرِهِمْ مِنَ الفرق) المختلفة كالمعتزلة والشيعة (فيها) وفي نسخة عليها (مقالات كثيرة مضطربة) أي مختلة مختلفة (سخيفة) أي خفيفة ضعيفة (أقربها قول جهم) بن صفوان من المعتزلة (ومحمد بن شبيب) بفتح الشين المعجمة وكسر الموحدة الأولى وهو منهم أيضا على ما ذكره الدلجي قال التلمساني وهو الخارجي من المرجئة من جمع بين الأرجاء في الإيمان وبين القول في القدر (إنّ الكفر بالله) هو (الْجَهْلُ بِهِ لَا يَكْفُرُ أَحَدٌ بِغَيْرِ ذَلِكَ) أي بغير الجهل به وجودا ذكره الدلجي وفيه أنه يلزم منه أن لا يوجد في الكون كافر إلا الدهرية فقد قال تعالى في حق عبدة الأصنام وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ وما جاء الأنبياء إلا للتوحيد لا لمجرد إثبات وجوده تعالى ولهذا أمروا الخلق بأن يقولوا لا إله إلا الله لا بمجرد أن الله موجود ومع هذا من أتى بالوحيد ولم يقر بالأنبياء أو اقر ببعض الأنبياء ولم يقر صلى الله تعالى عليه وسلم ورسالته كأهل الكتاب فلا شك أنه كافر بالإجماع فكيف قائلة يكون من المبتدعة وإن هذا أقرب أقوالهم (قال أبو الهذيل) بالتصغير وهو العلاف البصري شيخ المعتزلة توفي سنة ست وعشرين ومائتين وقد نيف على المائة (إِنَّ كُلَّ مُتَأَوِّلٍ كَانَ تَأْوِيلُهُ تَشْبِيهًا لِلَّهِ بخلقه) كبعض المجسمة (وتجويرا) أي ظلما له (في فعله) على خلقه (أو تكذيبا لِخَبَرِهِ فَهُوَ كَافِرٌ وَكُلُّ مَنْ أَثْبَتَ شَيْئًا
قديما) كالأرواح وعنصر الأشياء وقدم العالم كقول الحكماء (لا يقال له الله) ولعله احترز به عن صفات الذات فإنه يطلق عليه أنه الله قال تعالى قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى، (فهو كافر) فاندفع قول الدلجي بأن هذا مؤذن بكفر من قال بقدم صفاته كالعلم والقدرة كما هو مذهب أهل السنة خلافا للمعتزلة (وقال) وروي وقول (بعض المتكلّمين إن كان) المتأول (ممّن عرّف الأصل) أي من الكتاب والسنة (وبنى عليه) قوله (وكان) أي تأويله (فِيمَا هُوَ مِنْ أَوْصَافِ اللَّهِ فَهُوَ كَافِرٌ) لأن الجهل بذاته وصفاته كفر ولا عذر له في تأويله (وإن لم يكن) تأويله (من هذا الباب) أي باب ما يؤدي إلى كفره (ففاسق) في فعله وقوله بتأويله ومبتدع في اعتقاده (إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ لَمْ يَعْرِفِ الْأَصْلَ) وبنى تأويله على غير أساس منه فيما لم يعرفه من صفاته سبحانه وتعالى (فهو مخطىء) في تأويله لعدم اصابته الحق يحكم عليه بالاثم والفسق (غير كافر) لقيام عذره بجهله (وذهب عبيد الله بن الحسن) أي ابن الحصين بن مالك بن الخشخاش (العنبريّ) منسوب لبني العنبر ومالك والخشخاش صحابيان وكان قاضي البصرة بعد سواد بن عبد الله روى عن عبد الرحمن بن مهدي ومحمد بن عبد الله الأنصاري قال ابن سعد كان محمودا ثقة عاقلا وقال النسائي فقيه ثقة أخرج له مسلم توفي سنة ثمان وستين ومائة ومن غرائبه ما نقلوه عنه أنه يجوز التقليد في العقائد والعقليات وخالف في ذلك العلماء كافة ذكر الحلبي وتبعه الأنطاكي وسكت عنه التلمساني وفيه أن إيمان المقلد مقبول عند جمهور العلماء وقال الدلجي إنه من المعتزلة وقد ذهب (إلى تصويب أقوال المجتهدين) أجمعين (في أصول الدّين) ولو كانوا من المبتدعين (فيما كان عرضة للتّأويل) أي قابلا له مما لا يرد فيه نص صريح كتأويل المعتزلة أنه تعالى متكلم بخلقه الكلام في جسم متمسكين بشجرة موسى عليه الصلاة والسلام (وفارق) العنبري (في ذلك) القول (فرق الأمّة) أي طوائفها من الناجية وغيرها (إِذْ أَجْمَعُوا سِوَاهُ عَلَى أَنَّ الْحَقَّ فِي أُصُولِ الدِّينِ فِي وَاحِدٍ وَالْمُخْطِئُ فِيهِ آثِمٌ عاص فاسق وإنّما الخلاف في تكفيره) على ما سبق بعض تحريره وأما فروع الدين فالمخطئ فيها معذور بل مأجور واحد والمصيب له أجران كما في حديث ورد بذلك (وقد حكى القاضي أبو بكر الباقلانيّ) بن الطيب المالكي (مثل قول عبيد الله) أي العنبري (عن داود) أي ابن خلف (الأصبهانيّ) وفي نسخة الأصفهاني وهو إمام أهل الظاهر وكان زاهدا ورعا متقللا ناسكا أخذ العلم عن إسحاق بن راهويه وأبي ثور انتهت إليه رياسة العلم ببغداد قيل كان يحضر مجلسه أربعمائة صاحب طيلسان أخضر سمع من سليمان بن حرب والقعنبي ومسدد وطبقتهم وفي كتبه حديث كثير لكن الرواية عنه عزيزة وقد اختلف العلماء في نفاة القياس مثل داود وشبهه هل يعتبر قوله في الإجماع أم لا فعن طائفة من الشافعية أنه لا اعتبار لخلاف نفاة القياس في الفروع ويعتبر خلافهم في الأصول وقال إمام الحرمين والذي ذهب إليه أهل التحقيق أن منكري القياس لا يعدون من علماء الأمة وحملة الشريعة وقال الشيخ أبو عمر وابن الصلاح والذي اختاره الاستاذ أبو
منصور البغدادي من الشافعية أن الصحيح من المذهب أنه يعتبر خلاف داود قال الشيخ وهو الذي استقر عليه الأمر آخرا فإن الأئمة المتأخرين أوردوا مذهب داود في مصنفاتهم قال والذي أجيب به أن داود يعتبر قوله ويعتد في الإجماع إلا فيما خالف فيه القياس الجلي وما أجمع عليه القياسيون وبناه على أصوله التي قام الدليل القاطع على بطلانها فاتفاق من سواه على خلافه إجماع منعقد وقول المخالف حينئذ خارج من الإجماع وذكر الذهبي في الميزان أن داود اراد الدخول على الإمام أحمد فمنعه وقال كتب إلى محمد بن يحيى في أمره أنه زعم أن القرآن محدث فلا يقربني فقيل يا أبا عبد الله أنه يتقي من هذا وينكره فقال محمد بن يحيى أصدق منه (وقال) أي الباقلاني (وحكى قوم عنهما) أي عن داود والعنبري (أنّهما قالا ذلك) أي تصويب المجتهدين في أصول الدين (فِي كُلِّ مَنْ عَلِمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مِنْ حاله استفراغ الوسع) أي بذل طاقته واجتهاده (في طلب الحقّ) وإن أخطأ (من أهل ملّتنا أو من غيرهم) هذا باطل قطعا لأن غير أهل ملتنا كل منهم يدعي من حاله استفراغ التوسع في طلب الحق وكماله لا سيما أهل الكتاب وقد أخبر الله أنهم وغيرهم اجمعون كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (وقال نحو هذا القول) المنسوب إليهما (الجاحظ وثمامة) بضم المثلثة وكلاهما من المعتزلة قال الحلبي أما الجاحظ فهو الكناني الليثي البصري العالم المشهور صاحب التصانيف المشهورة في كل فن قال المسعودي ولا نعلم أحدا من الرواة وأهل العلم وأكثر كتبا منه وله مقالة في أصول الدين وإليه تنسب الفرقة الجاحظية من المعتزلة وكان تلميذ أبي إسحاق إبراهيم بن يسار البلخي المتكلم المشهور ومن أحسن تصانيفه كتاب حياة الحيوان الكبير فقد جمع فيه كل غريبة وكتاب البيان والتبيين وهو كبير جدا وكتاب في اللصوصية يعلم فيه الشخص كيف يسرق وينقب ويتسلق ويدخل البيوت في مجلد وكتاب في مدح البخل بحيث الناظر فيه يجلس اليوم واليومين لا يأكل شيئا ويبقى أياما لا تطيب نفسه باخراج شيء وكان الجاحظ مع فضله مشوه الخلق قيل له الجاحظ لأن عينيه كانتا جاحظتين والجحوظ النتوء وأصابه في آخر عمره فالج فكان يطلي شقه الأيمن بالصندل والكافور من شدة الحرارة وشقه الآخر لو قرض بالمقاريض لما احس به وأصابه الحصى وعسر البول توفي سنة خمس وخمسين ومائتين بالبصرة وقد نيف على التسعين وأما ثمامة فهو ابن أشرس النميري قال الذهبي في الميزان من كبار المعتزلة ومن رؤوس الضلالة كان له اتصال بالرشيد ثم بالمأمون وكان ذا نوادر وملح قال ابن حزم كان ثمامة يقول إن العالم فضله الله بطباعه لأن المقلدين من أهل الكتاب وعباد الأصنام لا يدخلوا النار بل يصيرون ترابا وأن من مات مصر على كبيرة خلد في النار وأن أطفال المؤمنين يصيرون ترابا انتهى ولا يخفى أنه بقوله صاحب الكبيرة مخلد في النار مبتدع موافق للخوارج والمعتزلة وبقوله المقلد للكفار لا يدخل النار دخل في جملة الكفرة (في أنّ كثيرا من العامّة) أي الجهلة (والنّساء والبله) بضم الباء جمع أبله أي المغفلون عن الشر المطبوعون على الخير وكأنه أراد بهم من لم يكن لهم عقل الآخرة
بخلاف حديث أكثر أهل الجنة البله فإن المراد بهم من ليس لهم عقل الدنيا ولهم إقبال كلي على العقبى (وَمُقَلِّدَةِ النَّصَارَى وَالْيَهُودِ وَغَيْرِهِمْ لَا حُجَّةَ لِلَّهِ عليهم إذا) وفي نسخة إِذْ (لَمْ تَكُنْ لَهُمْ طِبَاعٌ يُمْكِنُ مَعَهَا الاستدلال) وهذا كلام باطل لاقتدارهم في الجملة على معرفة أوائل الأدلة ولقوله تعالى قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ ففيه إيماء إلى أن المدار على المشيئة الإلهية لا بالإدلة العقلية ولا النقلية (وقد نحا) أي مال (الغزاليّ) بتشديد الزاء وتخفيفها نسبة إلى غزالة قرية من قرى طوس أو إلى بنت كعب الأحبار فإنها جدته وقيل كان والده غزالا يغزل الصوف ويبيعه (قريبا) وروي إلى قريب (من هذا المنحى) أي المسلك (في كتاب التّفرقة) وهو صاحب المؤلفات الفائقة وهو الإمام حجة الإسلام ولد بطوس بلد بخراسان لا بالعراق كما قاله التلمساني سنة خمسين وأربعمائة وتفقه ببلده على أحمد بن محمد الرادكاني ثم سافر إلى جرجان إلى أبي نصر الإسماعيلي فكتب عنه العقلية ثم خرج إلى طوس ثم ارتحل إلى إمام الحرمين بنيسابور فاشتغل عليه ولزمه وصار إماما في مذهب الشافعي فلما انقضت أيام الإمام خرج من نيسابور فجال في أقطار خراسان مدة وقدم بغداد سنة أربع وثمانين فولي تدريس النظامية بها ثم حج واستناب أخاه في التدريس ورجع إلى دمشق واستوطنها عشر سنين بجامعها بالمنارة الغربية منه واجتمع بالشيخ نصر المقدسي في زوايته التي تعرف اليوم بالغزالية وأخذ في العبادة والتنصيف ويقال إنه صنف الأحياء وعدة من الكتب هنالك ثم انتقل إلى القدس ثم سار إلى مصر والإسكندرية ثم رجع إلى بغداد وعقد بها مجلس الوعظ وترجمته كثيرة ومرتبته شهيرة توفي سنة خمس وخمسمائة عن خمس وخمسين سنة بطوس لا ببغداد كما ذكره الحلبي وغيره وعن الشيخ تقي الدين بن تيمية أنه ذكر في شرح العقيدة الأصفهانية كان أبو حامد مزجي البضاعة في الحديث ولهذا يوجد في كتبه من الأحاديث الموضوعة ما لا يعتمد عليه من له علم بالآثار ويوجد فيها من مقالات المتفلسفة ما نقده عليه علماء الإسلام حتى قال صاحبه أبو بكر بن العربي مع شدة تعظيمه له شيخان أبو حامد دخل في بطن الفلاسفة ثم أراد أن يخرج منها فما قدر انتهى وقال أبو بكر ابن العربي لقيت أبا حامد وهو يطوف عليه مرقعة فقلت يا شيخ العلم والتدريس أولى لك من هذا إذ بك يقتدي ويحكمك إلى معالم المعارف يهتدي فقال هيهات لما طلع قمر السعادة في فلك الإرادة أشرقت شموس الأفول على مصابيح الأصول فتبين الخالق لأرباب الألباب وذوي البصائر إذ كل لما طبع عليه راجع وصائر وأنشد:
تركت هوى ليلى وأني بمعزل
…
وصرت إلى مصحوب أول منزل
ونادتني الأكوان حتى أجبتها
…
ألا أيها الساري رويدك فأنزل
فعرست في دار الندا بعزيمة
…
قلوب ذوي التعريف عنها بمعزل
غزلت لهم غزلا رقيقا فلم أجد
…
لغزلي نساجا فكسرت مغزلي
وهي أبيات لرومية (وقائل هذا كلّه) كالجاحظ وثمامة (كَافِرٌ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى كُفْرِ مَنْ لَمْ