الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يكفّر أحدا من النّصارى واليهود) يعني المقلدين منهم وكذا المجوس على ما يلوح كلام بعضهم.
وأن نار بالتنزيل محراب مسجد
…
فما نار بالإنجيل هيكل بيعه
وأن عبد النار المجوس وما انطفت
…
كما جاء في الأخبار عن ألف حجه
فما عبدوا غيري وما كان قصدهم
…
سواي وإن لم يظهروا عقدنيه
نعم لا شك أن الكل يزعمون أنهم يعبدون الله ويطلبون رضاه كما أخبر الله عن بعضهم ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ لكنهم اضلهم الله وأبعدهم عن طريق الحق الموصل إلى الله كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ وأكثرهم في طغيانهم يعمهون صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ (وكلّ) أي وبالإجماع على كفر كل (من فارق دين المسلمين) بردة قولا وفعلا (أو وقف) أي توقف (في تكفيرهم) أو في الدين (أو شكّ) أي تردد فيه (قال القاضي أبو بكر) أي الباقلاني (لأن التّوقيف) أي بالسماع من الله ورسوله (والإجماع اتّفقا عَلَى كُفْرِهِمْ فَمَنْ وَقَفَ فِي ذَلِكَ فَقَدْ كذّب النّصّ) أي نص الكتاب (والتّوقيف) به من السنة على الصواب (أَوْ شَكَّ فِيهِ وَالتَّكْذِيبُ أَوِ الشَّكُّ فِيهِ) أي في كفرهم (لا يقع) كل منهما (إلّا من كافر) .
فصل (فِي بَيَانِ مَا هُوَ مِنَ الْمَقَالَاتِ كُفْرٌ وَمَا يُتَوَقَّفُ أَوْ يُخْتَلَفُ فِيهِ وَمَا لَيْسَ بكفر)
وهذا فصل مهم يتعين معرفته على كل من له فضل ليكون اعتقاده على اساس أصل يوصله إلى كمال وصل (اعْلَمْ أَنَّ تَحْقِيقَ هَذَا الْفَصْلِ وَكَشْفَ اللَّبْسِ) أي إزالة الخلط والشبهة (فيه مورده الشّرع) أي النقل من الكتاب والسنة (ولا مجال) أي لا مدخل (للعقل) والطبع (فيه) من الأدلة الكاسدة والأقيسة الفاسدة (والفصل البيّن) أي الفرق الواضح (في هذا) الفصل (أنّ كلّ مقالة صرّحت بنفي الرّبوبيّة) كالمعطلة (أو الوحدانيّة) كالوثنية (أو عبادة أحد غير الله) كالاتحادية (أو مع الله) كالحلولية (فهي كفر) أي مقالة كفر (كمقالة الدّهريّة) بنفي الألوهية كما أشار إليه قوله تعالى وَقالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ وهو الزمان الطويل ولم يعلموا أن المتصرف في الأمر هو الله لا الدهر ولهذا قال عليه الصلاة والسلام لا تسبوا الدهر فإن الدهر هو الله وفي رواية فإن الله هو الدهر ردا لاعتقادهم نسبة الخير والشر إلى الدهر (وسائر فرق أصحاب الاثنين) أي القائلين بأن خالق الخير غير خالق الشر وقد قال تعالى لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ وقد بينهم المصنف بقوله (من الدّيصانيّة) بكسر الدال المهملة وتفتح وهم يقولون النور حي والظلمة ميت (والمانويّة) بفتح الميم وسكون الهمزة ويبدل وفتح النون وفي أصل الحجازي المنائية بفتح الميم وتشديد النون وفي نسخة المانية منسوب إلى ماني زنديق مشهور ظهر في زمان شابور بن أردشير وادعى النبوة وقال إن للعالم أصلين قديمين نور هو مبدأ الخير وظلمة هو مبدأ الشر فصدقه
فلما تولى بهرام سلخه وحشا جلدة تبنا وقتل أصحابه إلا من هرب إلى الصين ودعا إلى دينه وأهل الصين إلى زماننا هذا على مذهبه كذا ذكره بعضهم فأجيب وقد كذبهم المتنبي في شعره فقال:
وكم لظلام الليل عندي من يد
…
تخبر أن المانوية تكذب
قال وللمانية مذهبان منهم من يقول إن النور والخير والروح خلقه إله والشر والظلمة والجسد خلقه إله وهم ثنوية ومنهم من يقول الخير كله في النور والشر كله في الظلمة والفرق بينهم وبين الديصانية أنهم يقولون النور والظلمة حيان وفي أصل التلمساني المانية بفتح الميم والنون المشددة والظاهر أنه تصحيف (وأشباههم) أي ممن عبد غير الله تعالى (من الصّابئين) بالهمز ودونه من صبأ إذا خرج من دين إلى دين آخر وهم فرقة عدلوا عن اليهودية والنصرانية وعبدوا الملائكة لا عتقادهم تأثيرها في عالم العناصر مدبرة لأمور قديمة شفعاء للعباد عند الله مقربة لهم إليه زلفى ويزعمون أنهم على دين نوح عليه السلام (والنّصارى) وهم طوائف ثلاث مشهورة يقولون تدرع الناسوت باللاهوت بطريق الامتزاج كالخمر بالماء عند الملكائية وبطريق الإشراق كالشمس في كوة بلور عند النسطورية وبطريق الانقلاب لحما ودما بحيث صار الإله هو المسيح عند اليعقوبية (والمجوس) القائلين بخالقين يزدان وهو مبدأ الخير وأهرمن وهو الشيطان مبدأ الشر وهم يعبدون النار لمحبتهم في النور وفي الحديث القدرية مجوس هذه الأمة قيل لمشابهتهم في قولهم بأصلين نور وظلمة فالخير من فعل النور والشر من فعل الظلمة وكذا القدرية يضيفون الخير إلى الله والشر إلى الإنسان أو الشيطان (والّذين أشركوا بعبادة الأوثان) أي الأصنام (أو الملائكة أو الشّياطين) أي الجن فإن إبليس لم يعبد قط وأما قوله تعالى لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ فمعناه لا تطيعوه فيما يأمركم بالعصيان (أو الشّمس) وكذا القمر (أو النّجوم) أي جنسها أو نجم خاص منها كالشعري (أو النّار) فيه نوع من التكرار (أَوْ أَحَدٍ غَيْرِ اللَّهِ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ وأهل الهند) وهم الهنود (والصّين) مملكة بالمشرق فيها الترك من الكفرة (والسّودان) بضم أوله جمع أسود وهم كثيرون قيل معمور الأرض مسافة مائة سنة منها ليأجوج ومأجوج ثمانون سنة ومنها للسودان ست عشرة سنة وقيل ثماني عشرة ومنها لأولاد سام ما بقي (وغيرهم ممّن لا يرجع إلى كتاب) أو يرجع إليه لكن لا على طريق صواب (وكذلك القرامطة) وهم الإسماعيلية لإثباتهم الإمامة لإسماعيل بن جعفر الصادق وأصل دعوتهم إلى بطلان الشرائع لأن طائفة من المجوس عند استيلاء الإسلام وغلبة أهله الكرام راموا تأويلها على وجوه تعود إلى قواعد اسلافهم يستدرجون بها ضعفاء المسلمين وأهل غفلتهم استدراجا يورثهم اختلافا واضطرابا في شريعتهم ورئيسهم حمدان من قرمط قرية من قرى واسط فلقبوا بالقرامطة ورتبوا في الدعوة إلى ذلك مهملات باطلة ابتدعوها وخرافات عاطلة اخترعوها منها إباحة المحرمات والترغيب في اللذات كقولهم
الوضوء موالاة الإمام الذي هو الحجة والتيمم الأخذ عما دونه في غيبته والصلاة الوصول والزكاة تزكية بمعرفة ما هو عليه من الدين والاحتلام إفشاء شيء من اسرارهم إلى من ليس من أهله بلا قصد والغسل تجديد العهد والجنة راحة الأبدان من التكاليف والنار مشقتها بمزاولة التكاليف وأمثال ذلك مما يقتضي تكفيرهم هنالك ولهم ألقاب سبعة (وأصحاب الحلول) من النصارى والباطنية والوجودية والنصيرية يزعمون أن الله حل في علي وأولاده (والتّناسخ) القائلين بانتقال الأرواح من أبدانها إلى أبدان أخر في الدنيا (من الباطنّية) وهم الإسماعيلية وهذا من ألقابهم السبعة ولقبوا به لقولهم بباطن القرآن دون ظاهر المفهوم منه لغة ويدعون أنه هو المراد منه وأن نسبته إليه كنسبة اللب إلى القشر فظاهره عذاب بمشقة التكاليف وباطنه مؤدي إلى تركها وتمسكوا فيه بقوله تعالى فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ وهذا مذهب النصيرية أيضا فإن قيل المبتدعة وهذه الطائفة المخترعة يتمسكون بالقرآن وكذلك أهل السنة والجماعة فالجواب أنه تعالى قال يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً فإن القرآن كالنيل ماء للمحبوبين ودماء للمحجوبين كما أشار إليه قوله تعالى وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً وبهذا يعلم أن الفرقة الناجية هم الذين على ما عليه النبي وأصحابه الكرام وأن معالم القرآن لا تنكشف حقيقة إلا ببيان النبي عليه الصلاة والسلام ما فيه من الأحكام النازلة على طريق الإبهام كما يدل عليه قوله عز وجل لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ فما ضل قلم من ضل ولا زل قدم من زل إلا من ترك علم الحديث من صريح النقل وتبع أهواءه وآراء الناشئة من أثر الجهل والخيالات الفاسدة والتصورات الكاسدة الكائنة من مجردة العقل فالجمع بين النقل والعقل نور على نور ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور ثم هنا دقيقة يترتب عليها حقيقة وهي أن الواجب على السالك أن يجعل العقل تابعا للنقل لا بالعكس لئلا يقع في المهالك هذا ومن التناسخية طائفة الخطابية وهم اتباع أبي الخطاب محمد بن أبي وهب كان يزعم أن عليا الاله الأكبر وجعفر بن محمد الصادق إلاله الاصغر يقولون بالتناسخ يزعمون أن الله حل في علي ثم في الحسن ثم في الحسين ثم في زين العابدين ثم الباقر ثم في الصادق حكى ذلك عنهم فخر الدين الرازي في مختصره في الملل والنحل كما زعمت في عيسى النصارى حيث قالوا كما أخبر الله تعالى بقوله لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إنما كفروا لحصرهم الألوهية في ابن مريم بناء على أصلهم الفاسد تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا قال التلمساني ومن الباطنية ينسبون إلى التصوف يتظاهرون بالإسلام وإن لم يكونوا مسلمين في الأحكام والفساد اللازم من هؤلاء على الدين الحنيفي أكبر من الفساد اللازم عليه من جميع الكفار فإنهم يصرفون ألفاظ الشرع عن ظواهرها المفهومة إلى أمور باطنة لا يسبق منها إلى الإفهام شيء كقول بعضهم في تأويل قوله تعالى اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى إشارة إلى قلبه وقال هو المراد بفرعون وهو الطاغي على كل إنسان وفي قوله تعالى أَلْقِ
عَصاكَ أي كل ما يعتمد عليه مما سوى الله وفي قوله عليه الصلاة والسلام تسحروا فإن في السحور بركة أراد به الاستغفار في الإسحار انتهى والحق إنهم إن أرادوا بذلك إبطال ظواهر الكتاب والسنة فهم كفرة وإن أرادوا بذلك أن للكتاب والسنة عبارات واضحات وإشارات لائحات فهذا نور على نور وسرور على سرور ويشير إليه قول مالك من تصوف ولم يتفقه فقد تزندق ومن تفقه ولم يتصوف فقد تفسق ومن جمع بينهما فقد تحقق وأنا بحمد الله وحسن توفيقه وبركة متابعة سيد الأنبياء جمعت تفسيرا جامعا بين عبارات الأصفياء وإشارات الأوفياء (والطّيّارة من الرّوافض) ويسمون الجناحية وهم أصحاب عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر ذي الجناحين قالوا الأرواح تتناسخ وروح الله كانت في آدم ثم في شيث ثم في الأنبياء والأئمة حتى انتهت إلى علي وأولاده الثلاثة ثم إلى عبد الله بن معاوية المذكور وهو في جبل بأصبهان وسيخرج وأنكروا القيامة وأحلوا المحرمات (وكذلك من اعترف بالإلهيّة اللَّهِ وَوَحْدَانِيَّتِهِ وَلَكِنَّهُ اعْتَقَدَ أَنَّهُ غَيْرُ حَيٍّ أو غير قديم وأنّه محدث) أي موجود بعد عدم (أو مصوّر) بصورة كالهشامية أصحاب هشام بن الحكم وهشام بن سلام فإنهم اتفقوا على أنه سبحانه وتعالى جسد وهو كسبيكة بيضاء صافية يتلألأ من جانب وله لون وطعم ورائحة وليست هذه الصفات غيره ويقوم ويقعد وله مشابهة بالأجسام ويعلم ما تحت الثرى بشعاع ينفصل منه إليه وهو سبعة أشبار بأشبار نفسه مماس للعرش بلا تفاوت بينهما وارادته حركته لا عينه ولا غيره والأئمة معصومون دون الأنبياء لأنهم يوحى إليهم ويتقربون إليه بخلافهم لا يوحى إليهم فوجب أن يكون الإمام معصوما وقال ابن سلام هو على صورة إنسان له يد ورجل وحواس خمس وأنف وأذن وعين وفم ووفرة سوداء نصفه الأعلى مجوف والأسفل مصمت ليس بلحم ولا دم انتهى وابطله كله قوله تعالى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ولعل الحكمة في عدم تجويز رؤيته تعالى في الدنيا أن لا يدعي كل مبطل أني رأيته على هذه الصورة سبحانه وتعالى (أو ادّعى له ولدا) أي ابنا كاليهود والنصارى أو بنات كبعض العرب (أو صاحبة) أي زوجة كالنصارى (أو والدا) أي بأن يكون له أصل أو عنصر أو منبع أو معدن أو مصدر بحسب ذاته وجميل صفاته (أو متولد من شيء) هو كالتفسير لما قبله وكذا قوله (أو كائن) أي حادث (عنه) أي عن شيء قديم أو حادث والحاصل أنه ليس بحادث ولا بمحل للحوادث كما أشار إلى ذلك كله قوله تعالى قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ (أَوْ أَنَّ مَعَهُ فِي الْأَزَلِ شَيْئًا قَدِيمًا) أي فضلا عن حادث إذ لا يتصور (غيره) أي غير ذاته وصفاته وأما ما ذكره بعض شراح الفصوص من قدم الأرواح مطلقا أو قدم أرواح الكمل فباطل قطعا وكفر إجماعا (أو أنّ ثمّ صانعا للعالم سواه) أي سوى الله كالدهرية وأما قول الدلجي كمشركي العرب فليس في محله لقوله تعالى وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى (أو مدبّرا غيره) كما يقول المنجمون من أن النجوم مدبرات والله سبحانه وتعالى يقول إنها مسخرات (فذلك كلّه
كُفْرٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ كَقَوْلِ الْإِلَهِيِّينَ مِنَ الْفَلَاسِفَةِ) القائلين بالوجود المطلق وقال التلمساني هم قوم من حكماء النهد يدعون قدم الطينة ويزعمون أن العالم قديم وينكرون حشر الأجساد (والمنجّمين) الباحثين عن النجوم وأحوالها قيل للإسكندر الرومي كنا عند منجم في بستانه فأرانا النجم نهارا واحدا واحدا ببرهانه فوقع في بئر فيه وهو لا يدري فقال من تعاطى علم ما فوقه جهل علم ما تحته وقال التلمساني من نسب التدبير إلى النجوم واعتقد أنها فعالة فهو كافر لأنه جعل مع الله شركاء ولقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث القدسي أصبح من عبادي مؤمن وكافر الحديث فقائله تجرى عليه أحكام المرتد وإن كان يقول عادة الله بأن يخلق عندها فقيل كافر وقيل فاسق الأول سدا للذريعة وقال بعضهم الإفلاكية يقولون بإلهية الكواكب وما يقوله المنجم من كسوف وغيره هو بالحساب ولكن فيه فتنة ضعفاء العقول فيؤدب على ذلك وأما من يحكم بالكواكب في مولد أو وفاة أو غلاء أو رخص أو دولة أو زوالها فهو من أصل الكفر وروي أن النجوم إنما خلقها الله زينة للسماء الدنيا ورجوما للشياطين وهداية في البر والبحر (والطّبائعيّين) القائلين بتأثير الطبيعة في الإيجاد والتدبير في أمر البدن على ما عليه الأطباء التابعين للحكماء المعتقدين الهية الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة وقيل هم الذين يقولون إن النار بطبعها محرقة وأن الماء بطبعه مغرق وأن الطعام والشراب بنفسهما مشبع ومزيل للعطش وقد أبطلها الله سبحانه وتعالى بقوله يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ وبتنجية موسى وقومة وإغراق فرعون وجنده وبعلة جوع البقر ومرض الاستسقاء ونحن نقول يقع ذلك الإحراق والإغراق ونحوهما عند وجود أسبابها بخلق الله عز وجل فيها لا بمجرد وجودها لاحتمال انقلابها (وَكَذَلِكَ مَنِ ادَّعَى مُجَالَسَةَ اللَّهِ وَالْعُرُوجَ إِلَيْهِ ومكالمته) وكذا من ادعى رؤيته سبحانه وتعالى في الدنيا بعينه كما بينته في شرح الفقه الأكبر (أو حلوله في أحد الأشخاص) كعلي ونحوه مما سبق بيانه أو في جميع الأشخاص والأشياء (كقول بعض المتصوّفة) أي المتشبهة بالصوفية من الحلولية والوجودية والاتحادية كابن سبعين والعفيف التلمساني التبريزي زعموا أن السالك إذا أمعن في سلوكه وخاض في لجة وصوله واستغرق في بحر حضوره فربما حل فيه سبحانه وتعالى كالنار في الفحم فيرتفع الأمر والنهي ويظهر من العجائب والغرائب ما لا يتصور من البشر وعن متصوفة أهل مصر أنه كان يقول لاصحابه طوفوا ببيت الرب يعني قلبه فيدورون حوله (والباطنيّة والنّصارى والقرامطة) وقد سبق الكلام عليهم (وكذلك نقطع) أي القول (على كفر من قال بقدم العالم) أي جميعه أو بعضه (أو بقائه) أي بذاته سواء يبقى أو يفنى كما يشير إليه قوله تعالى كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ أي قابل للهلاك والفناء إلا الله سبحانه وتعالى فإنه بذاته دائم البقاء (أو شكّ في ذلك) أي في كونه قديما (على مذهب بعض الفلاسفة والدّهريّة) القائلين باستناد الحوادث إلى الدهر (أو قال بتناسخ الأرواح وانتقالها) من الأشباح (أبد الآباد) جمع بينهما للتأكيد أي دائما في الدنيا (في الأشخاص) من بدن إلى بدن آخر (وتعذيبها أو تنعّمها فيها)
أي في الأشخاص (بحسب زكائها) بالهمزة أي طيب عنصرها (وخبثها) بضم أوله أي خبث أصلها (وَكَذَلِكَ مَنِ اعْتَرَفَ بِالْإِلَهِيَّةِ وَالْوَحْدَانِيَّةِ وَلَكِنَّهُ جَحَدَ النّبوّة من أصلها عموما) كأن يقول ما نبأ الله أحدا من خلقه (أو) جحد (نبوّة نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم خصوصا) وكذا إذا أقر بنبوته ونفى رسالته عموما (أو أحد) أي جحد نبوة أحد (من الأنبياء الّذين نصّ الله عليهم) بأنه نبي (بعد علمه بذلك) أي بأنه نبي (فهو كافر بلا ريب) أي من غير شك وشبهة (كالبراهمة) وهم قوم بأرض الهند لا يجيزون على الله بعثة الرسل (ومعظم اليهود) ينكرون نبوة عيسى مطلقا وعموم رسالة نبينا عليهما الصلاة والسلام (والأروسيّة) بضمتين أو بفتح أوله وفي آخره ياء نسبة ويقال أرسية (من النّصارى) قيل هو فرقة من رهط هرقل وقيل هم اتباع عبد الله بن ادريس كان في الزمن الأول قتلوا نبيا بعث إليهم (وَالْغُرَابِيَّةِ مِنَ الرَّوَافِضِ الزَّاعِمِينَ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ) أي هو (المبعوث إليه جبريل) وسموا بذلك لقولهم على أشبه بمحمد من الغراب بالغراب فغلط جبريل حين بعث إلى علي لشبه النبي به وهذا كذب وبهتان لأن عليا ما كان شبيها بالنبي عليه الصلاة والسلام كما يعلم من شمائلهما الكرام وقد سبق في أول الكتاب بيان شمائله عليه الصلاة والسلام وأما شمائل علي كرم الله وجهه فإنه كان آدم شديد الأدمة عظيم العينين أقرب إلى القصر من الطول ذا بطن كثير الشعر عريض اللحية أضلع أبيض الرأس والحية كذا في اسماء رجال المشكاة لمصنفه بل أقول ولم يوجد أحد يشبهه من جميع الوجود نعم كان الحسن يشبهه بالنصف الأعلى والحسين بالنصف الأسفل لكن لا شباهة تورث الشبهة إنما هي شباهة في الجملة وقد قال الصديق الأكبر حين حمل أحدهما أنت شبيه بالنبي دون أبيك ولا يخفى وجوه كفرهم من إنكار النبوة لمحمد وإثباتها لعلي وتخطئة جبريل وتجهيل الرب الجليل ونقل أنهم يلعنون صاحب الريش ويعنون جبريل عليه الصلاة والسلام (وكالمعطّلة) أي للموجود ينفي صانعه كالدهرية أو النافية لحقيقة الأشياء القائلة بأن الأشياء كلها خيالات وتمويهات كالمنامات وهم السوفسطائية (والقرامطة) وهم الملاحدة الذين قتلوا أهل مكة حتى دفنوا ببئر زمزم موتاهم وصعد واحد منهم فوق باب الكعبة وقال الم تقولوا إن الله قال وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً فأي أمن لكم مع هذا القتل فيكم فأجابه بأن معناه ومن دخله أمنوه ولا تتعرضوا له وحاصله أنه ليس بخير حتى يلزم الخلف في قوله وإنما هو حكم ولا يلزم من تخلف الحكم نقصان في الحاكم وهم الذين أخذوا الحجر الأسود معهم قيل ومات تحته سبعون جملا وقد أعطاهم أمراء المسلمين مالا كثيرا لتخليص الحجر الأسود فمارضوا حتى وقع فيهم الوباء والغلاء وأنواع البلاء فارسلوه قيل جاء به جمل واحد بعون الله سبحانه وتعالى وفيه إيماء إلى استثقاله الخروج من مكة واستخفافه اشتياقا إلى الكعبة (والإسماعيليّة) وهم هم وإنما اختلف ألقابهم كذا قاله الدلجي وقال التلمساني الإسماعيلية من الباطنية وهم قوم اثبتوا إمامة إسماعيل بن جعفر الصادق وقيل لأن رئيسهم ينسب لمحمد بن إسماعيل بن جعفر وهو الصادق وقيل فرقة من الامامية من الرافضة
ينسبون إلى إسماعيل بن جعفر الصادق حيث يزعمون أن الإمام بعد جعفر الصادق إسماعيل ابن جعفر ولكن لما مات إسماعيل في حال حياة أخيه عادت الامامة إلى أخيه قال تقي الدين أبو العباس بن تيمية أن الإسماعيلية في القرامطة الباطنية اتباع الحاكم الذي كان بمصر وكان دينهم دين أصحاب رسائل إخوان الصفا من أئمة منافقي الأمم الذين ليسوا مسلمين ولا يهودا ولا نصارى انتهى والله سبحانه وتعالى اعلم (والعنبريّة من الرّافضة) وهم المنسوبون إلى عبيد الله بن الحسن العنبر قاضي البصرة الذي جوز التقليد في العقائد والعقليات وقد تقدم في الفصل قبله كذا ذكره التلمساني وقد سبق أن إيماء المقلد صحيح عند عامة العلماء وفي نسخة صحيحة والعبيدية وهم من بني عبيد ابن بنت القداح اليهودي اسملت أمة فتزوجها شريف فزعم عبيد انه ابنه ودعا الناس إلى أن يبايعوه بالخلافة فطلب فلحق بالمغرب وبويع له بها وتولى من بنيه بمصر أربعة عشر خليفة ثم أخذها منهم نور الدين الشهيد (وإن كان بعض هؤلاء) الطوائف المذكورين (قد أشركوا) بصيغة الفاعل أو المفعول ويروى اشتركوا (في كفر آخر مع من قبلهم) ككفر بعض الرافضة بتكفيرهم الصحابة وقذف عائشة مع مشاركتهم من قال بالهين في كفره باعتقادهم الهية علي أولاده أو حلوله سبحانه فيهم (وكذلك من دان بالوحدانيّة وصحّة النّبوّة) أي نبوة الأنبياء جميعهم (ونبوّة نبيّنا عليه الصلاة والسلام أي ورسالته عامة (وَلَكِنْ جَوَّزَ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ الْكَذِبَ فِيمَا أَتَوْا به ادّعى في ذلك) الكذب (الْمَصْلَحَةَ بِزَعْمِهِ أَوْ لَمْ يَدَّعِهَا فَهُوَ كَافِرٌ بإجماع) بلا نزاع (كالمتفلسفين) من الحكماء (وبعض الباطنيّة) كالوجودية (والرّوافض) أي وبعضهم (وغلاة المتصوّفة) أي من الجهلة (وأصحاب الإباحة) وهم الملاحدة وفي نسخة الإباحية وهم فرقة من غلاة المتصوفة وجهلتهم ويقال لهم المباحية يدعون محبة الله وليس لهم من المحبة حبة يخالفون الشريعة ويزعمون أن العبد إذا بلغ في الحب غاية المحبة يسقط عنه التكليف ويكون عبادته بعد ذلك التفكر وهؤلاء شر الطوائف وكأنهم استندوا في معتقدهم إلى قوله تعالى وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ وقد اجمع المفسرون على أن المراد باليقين الموت هنا لأن عين اليقين متوقف على ذلك الحين فالمعنى اعبد ربك بالعلم اليقين حتى يأتيك عين اليقين وقد يقال إن العبادة حال اليقين أولى وأعلى كما يشير إليه قوله عليه السلام الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه وقد قيل له عليه الصلاة والسلام حين تورمت قدماه في القيام بعد المنام اتتكلف هذا وقد غفر الله لك ذنبك فقال أفلا أكون عبدا شكورا (فَإِنَّ هَؤُلَاءِ زَعَمُوا أَنَّ ظَوَاهِرَ الشَّرْعِ وَأَكْثَرَ ما جاءت به الرّسل من الأخبار) بكسر أوله أي الأنباء (عمّا كان ويكون من أمور الآخرة) كعذاب القبر (والحشر) أي الجمع وكذا النشر؛ (والقيامة) أي مواقفها من الميزان والحوض والصراط؛ (وَالْجَنَّةِ، وَالنَّارِ لَيْسَ مِنْهَا شَيْءٌ عَلَى مُقْتَضَى لفظها) الظاهر (ومفهوم خطابها) الباهر (وإنّما خاطبوا بها) أي الرسل (بها) أي بالأشياء المذكورة (الخلق) أي الأمة (عَلَى جِهَةِ الْمَصْلَحَةِ لَهُمْ إِذْ لَمْ يُمْكِنْهُمُ التّصريح) لتحقيق مرامهم (لقصور أفهامهم فمضمّن مقالاتهم) بضم الميم الأولى وفتح الثانية
المشددة أي مضمونها (إبطال الشّرائع) بهذه الذرائع (وتعطيل الأوامر والنّواهي) بهذه الهذيانات الداعية إلى الملاهي (وتكذيب الرّسل) تلويحا (والارتياب) أي الإيقاع في الشك (فيما أتوا به) أي الأنبياء تصريحا (وَكَذَلِكَ مَنْ أَضَافَ إِلَى نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ تعالى عليه وسلم تعمّد الكذب فيما بلّغه) بتشديد اللام أي أوصله عن ربه (وأخبر به) أحدا من أمته (أو شكّ في صدقه) تهمة منه في حقه (أو سبّه) أي شتمه أو تنقصه (أو قال إنّه لم يبلّغ) جميع ما أنزل عليه وقد قال تعالى يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وقال فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وأراد نفيه عنه (أو استخفّ) أي احتقر واستهزأ (بِهِ أَوْ بِأَحَدٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ أَوْ أَزْرَى) أي عاب (عليهم) أي جميعهم أو بعضهم (أَوْ آذَاهُمْ أَوْ قَتَلَ نَبِيًّا أَوْ حَارَبَهُ فهو كافر بإجماع) من علماء المسلمين (وكذلك نكفّر من ذهب مذهب بعض القدماء) من الحكماء (أَنَّ فِي كُلِّ جِنْسٍ مِنَ الْحَيَوَانِ نَذِيرًا) أي رسولا منذرا (ونبيّا) غير مأمور بالتبليغ (من القردة؛ والخنازير والدّوابّ والدود وغير ذلك) كالحيوانات المائية والطيور الهوائية؛ (وَيَحْتَجُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ)[فاطر: 24] أي مضى ويجعل الأمة أعم لقوله تعالى وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ (إذ ذلك) الذي زعمه غير ثابت بالنقل الصريح ويدل على بطلانه العقل الصحيح لأنه (يُؤَدِّي إِلَى أَنْ يُوصَفَ أَنْبِيَاءُ هَذِهِ الْأَجْنَاسِ بصفاتهم المذمومة وفيه) أي وفي كل جنس من صور بشيعة وسير شنيعة (من الإزراء) أي العيب والمنقصة (على أهل هذا المنصب) بكسر الصاد أي منصب النبوة (المنيف) بضم الميم أي الرفيع الشريف (ما فيه) مما لا يليق بعلو شأنهم وسطوع برهانهم (مع إجماع المسلمين على خلافه و) على (تكذيب قائليه) ولعل سند الإجماع قوله تعالى وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا أي لا نساء ولا جنا وإنما الخلاف في أنه هل كان في الجن رسول من جنسهم أم لا فالجمهور على أن الرسل من الانس خاصة وتعلق قوم بظاهر قوله تعالى امَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ
وأجيب بأن الآية من قبيل قوله تعالى يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ وهما يخرجان من الملح دون العذب وقيل المراد رسل من الجن أرسلهم الرسل من البشر لينذروهم ويدعوهم إلى الإيمان فيصدق عليهم أنه أتى الجن رسل لكن لا من الله بل من الأنبياء ويؤيده قوله تعالى وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ
الآيتين (وَكَذَلِكَ نُكَفِّرُ مَنِ اعْتَرَفَ مِنَ الْأُصُولِ الصَّحِيحَةِ بما تقدّم) من الألوهية والوحدانية والنبوة مطلقا (ونبوّة نبيّنا عليه الصلاة والسلام أي ورسالته إلى عامة الأنام (ولكن قال كان أسود) وينبغي أن يفيد هذا بما إذا أراد احتقاره به وأما إذا قال عن جهل بشمائله فتكفيره ليس في محله لأن العلم بكونه عليه الصلاة والسلام أبيض ليس قطيعا ولا أنه مما علم من الدين بالضرورة والسواد لا ينافي النبوة فقد قال جمع بنبوة لقمان عليه السلام (أو مات قبل أن يلتحي) فإنه كذب في نفس الأمر لكن إنما يكفر إذا كان استخفافا أو استهزاء
أو تكذيبا لنبوته (أو ليس الذي كان بمكة والحجاز) الشامل لها وللمدينة يحتمل أن يكون جهلا وأن يكون تكذيبا (أو ليس بقرشي) وفيه أن العلم بكونه قريشا ليس ضروريا فغايته أن يكون كاذبا به جاهلا بوصفه ولا يلزم منه كونه مكذبا به وأغرب الدلجي حيث قال لأنه كذبه عليه الصلاة والسلام في قوله أنا أفصح من نطق بالضاد بيد أني من قريش فإن الحفاظ أجمعوا على أنه حديث موضوع والحاصل أنه يكفر بهذا كله إذا أراد نفي نبوته عليه الصلاة والسلام كما يشير إليه قوله (لأنّ وصفه بغير صفاته المعلومة) عند كل واحد (نفي له) أي لوجوده (وتكذيب به) أي بشهوده وسيأتي أن الجهل ببعض صفات الباري سبحانه وتعالى لا يخرجه عن الإيمان كما عليه أكثر علماء الأعيان فكيف الجهل ببعض صفاته عليه الصلاة والسلام لا سيما ولم يتعلق به حكم من شرائع الإسلام (وَكَذَلِكَ مَنِ ادَّعَى نُبُوَّةَ أَحَدٍ مَعَ نَبِيِّنَا عليه الصلاة والسلام كأصحاب مسيلمة والأسود العبسي (أو بعده كالعيسويّة) أصحاب عيسى ابن إسحاق بن يعقوب الأصبهاني كان موجودا في خلافة المنصور وهو (من اليهود) إلا أنه خالفهم في أشياء منها أنه حرم الذبائح (القائلين بتخصيص رسالته) أي نبينا (إلى العرب) خاصة (وكالخرّميّة) بضم الخاء المعجمة وتشديد الراء المفتوحة لأنهم تبعوا بابك الخرمي فنسبوا إليه قال الجوهري هم أصحاب التناسخ والإباحة وفي نسخة بجيم مفتوحة فراء ساكنة قال التلمساني ويجوز كسر الحاء المهملة وسكون الراء لقولهم ما حرم حلال لأنهم أباحوا المحرمات (القائلين بتواتر الرّسل) أي لا ينقطعون ما دامت الدنيا (وَكَأَكْثَرِ الرَّافِضَةِ الْقَائِلِينَ بِمُشَارَكَةِ عَلِيٍّ فِي الرِّسَالَةِ للنّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم) أي حال وجوده (وبعده) أي وبعد فقد شهوده (فكذلك كلّ إمام) أي من الأئمة الاثني عشر (عند هؤلاء) الرافضة (يقوم مقامه في النّبوّة والحجّة) يعني إن أرادوا بها الحقيقة وإلا فالمنزلة المجازية لا توجب الكفر ولا البدعة (وكالبزيغيّة) بموحدة مفتوحة وزاء مكسورة فتحتية ساكنة فمعجمة أو مهملة (والبيانيّة) بفتح موحدة فتحتية بعدها ألف فنون وقيل الصواب بموحدة مضمومة ونونين بينهما ألف (منهم) أي من الرافضة لا من البزيغية كما توهم الدلجي (القائلين بنبوّة بزيغ) رجل غير معروف (وبيان) أي ابن إسماعيل الهندي من غلاة الروافض وقد تقدم أن اعتقادهم أن الله تعالى حل في علي وأولاده كذا ذكره الحلبي وقال التلمساني بنان بن سمعان التميمي (وَأَشْبَاهِ هَؤُلَاءِ أَوْ مَنِ ادَّعَى النُّبُوَّةَ لِنَفْسِهِ) كالمختار بن أبي عبيد الثقفي (أو جوّز اكتسابها) أي تحصيل النبوة بالمجاهدة والرياضة (والبلوغ بصفاء القلب إلى مرتبتها) أي منزلة النبوة بأخذ الفيض من جهة القلب عن الرب عز وجل (كالفلاسفة) أي الحكماء ومنهم أبو علي بن سينا صاحب الشفاء الذي يورث مرض الشقاء (وغلاة المتصوّفة) أي الجهلاء (وكذلك من ادّعى منهم) وكذا من غيرهم (أنه يوحى إليه) أي وحيا جليا لا إلهاما يسمى وحيا خفيا كما يحصل لبعض أرباب المكاشفة وأصحاب الفراسة كما يشير إليه قوله تعالى إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ أي المتفرسين وقوله عليه الصلاة والسلام اتقوا فراسة المؤمن وقوله في أمتي محدثون أي
ملهمون (وإن لم يدّع النّبوّة) كعبد الله بن أبي سرح من قريش كان يكتب الوحي لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فلما نزل وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ عجب من تفصيل خلق الإنسان فقال فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ فقال عليه الصلاة والسلام أكتبها كذلك نزلت فشك وقال لئن كان محمد صادقا لقد أوحى إلي كما أوحى إليه أو كاذبا لقد قلت كما قال والتحق مكة مرتدا فأهدر النبي عليه الصلاة والسلام دمه فأخذ له عثمان عام الفتح أمانا فأسلم وحسن إسلامه وكان أخاه لأمه وولاه زمن خلافته مصر (أو أنه) أي أو يدعي أنه حال اليقظة (يصعد إلى السّماء ويدخل الْجَنَّةِ وَيَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا وَيُعَانِقُ الْحُورَ الْعِينَ) أي البيض الواسعة الأعين وفيه أن هذا كله يقتضي الكذب لا الكفر كما لا يخفى (فهؤلاء) الطوائف (كلّهم كفّار) أي فإنهم (مكذّبون للنّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم لأنّه أخبر) عن نفسه (أنه خاتم النّبييّن لا نبيّ بعده) أي ينبأ فلا يرد عيسى لأنه نبي قبله وينزل بعده ويحكم بشريعته ويصلي إلى قبلته ويكون من جملة أمته (وَأَخْبَرَ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ) وهذا أقوى دليلا ما قبله فتأمل (وأنه أرسل كافّة) أي رسالة جامعة (للنّاس) لقوله تعالى وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ أي أصالة وللجن تبعا (وأجمعت الأمّة على حمل هذا الكلام) الذي صدر عنه عليه الصلاة والسلام (على ظاهره) لعدم صارف عنه (وأنّ مفهومه المراد به) هو المقصود منه (دون تأويل) في ظاهره (ولا تخصيص) في عمومه (فَلَا شَكَّ فِي كُفْرِ هَؤُلَاءِ الطَّوَائِفِ. كُلِّهَا) أي لتكذيبهم الله ورسوله (قطعا) أي بلا شبهة (إجماعا) بلا مخالفة (وسمعا) أي وسماعا من الكتاب والسنة ما يدل على كفرهم بلا مرية (وَكَذَلِكَ وَقَعَ الْإِجْمَاعُ عَلَى تَكْفِيرِ كُلِّ مَنْ دافع نصّ الكتاب) القديم وحمله على خلاف ما ورد به من المعنى القويم كحمل بعض المتصوفة قوله تعالى في قوم نوح مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً على ما حاصله أغرقوا في بحر المحبة فأدخلوا نارها ووجد الله دون غيره أنصارهم وكذلك قوله في قوله تعالى وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ أن الكلام تم في أوتي وأن رسل الله مبتدأ وخبره الله واعلم خبر مبتدأ محذوف وأمثال ذلك مما صدر عنهم هنالك (أو خصّ حديثا) أي أو دافع صريح حديث (مجمعا على نقله مقطوعا به) أي بصحته (مجمع على حمله على ظاهره) من غير تأويله وفي نسخة أو خص حديثا مجمعا على نقله من جهة مبناه وحمله على ظاهره من جهة معناه (كتكفير الخوارج بإبطال الرّجم) بالجيم للمحصن الثيب ولم يشرط الشافعي الإسلام في الرجم لظاهر حديث الموطأ وغيره أن اليهود أتوا رسول الله تعالى عليه وسلم برجل وامرأة من اليهود قد زنيا فرجمهما وشرطه أبو حنيفة ومالك لحديث من أشرك بالله فليس بمحصن ثم اعلم أن العلماء اجمعوا على وجوب جلد الزاني البكر مائة وهو الثابت بالآية ورجم المحصن الثيب المأخوذ من الآية المنسوخة تلاوة لا حكما وهو قوله تعالى (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموها البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم) وقد عمل بها صلى الله تعالى عليه وسلم في
حال حياته وكذا الصحابة بعد وفاته ولم يخالف في هذا أحد من أهل القبلة إلى ما حكوه عن الخوارج وبعض المعتزلة كالنظام وأصحابه فإنهم لم يقولوا بالرجم ومن مذهبهم أن الإجماع ليس يحجة ويرده قَوْلُهُ تَعَالَى وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ وقوله عليه الصلاة والسلام إن الله لا يجمع أمتي على الضلالة وبالإجماع على أن الإجماع حجة بل أقوى الحجة وأنه كان سندهم من الكتاب والسنة (ولهذا) أي ولقولنا بتكفير الخوارج بما ذكر كذا ذكره الدلجي وكان الأولى للمصنف رحمه الله تعالى أن يقول وكذا (نكفّر من دان) أي تدين (بغير ملّة المسلمين من الملل) أي الخارجة عن ملتهم (أو وافق فيهم) أي ولو في بعض الأحكام أي مع بقائه على ملة الإسلام وفي أصل الدلجي أو وقف فيهم أي توقف في تكفير من ذكر (أوشكّ) أي تردد (أو صحّح مذهبهم) بدليل عقلي أو نقلي (وإن أظهر مع ذلك) التوقف أو الشك أو التصحيح (الإسلام) أي الإيمان وانقياد ما فيه من الأحكام (واعتقده) أي الإسلام (واعتقد إبطال كلّ مذهب سواه) أي في باطنه وفيه أن توقفه أو شكه ينافيه (فَهُوَ كَافِرٌ بِإِظْهَارِهِ مَا أَظْهَرَ مِنْ خِلَافِ ذلك) ففي الفتاوى الصغرى من شبه نفسه باليهود أو النصارى على طريق المزح والهزل كفر (وكذلك نقطع بتكفير كلّ قائل) وروي كل من (قَالَ قَوْلًا يَتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى تَضْلِيلِ الْأُمَّةِ) المرحومة (وتكفير جميع الصّحابة) وهذا للإجماع ولقوله تعالى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ كذلك تكفير بعض الصحابة عند أهل السنة والجماعة بخلاف الخوارج والروافض (كقول الكميليّة من الرافضة) قيل والصواب كما قال الإمام الرازي من غلاة الروافض الكاملية اتباع أبي كامل وقيل ولعل الكميل تصغير الكامل «1» إيماء إلى تحقير شأنه واتباعه القائلين (بتكفير جميع الصحابة بعد النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم إذ لم تقدّم) أي الصحابة (عليا) للخلافة بل قدمت أبا بكر كما قدمه عليه الصلاة والسلام للإمامة (وكفرت عليا إذا لم يتقدم ويطلب) أي ولم يطلب (حقّه) من الخلافة (في التّقديم) الموجب لزيادة التكريم (فهؤلاء) الكميلية (قَدْ كَفَرُوا مِنْ وُجُوهٍ لِأَنَّهُمْ أَبْطَلُوا الشَّرِيعَةَ) أي أمرها (بأسرها) أي جميعها (إذ قد انقطع نقلها ونقل القرآن معها) أي عندهم (إِذْ نَاقِلُوهُ كَفَرَةٌ عَلَى زَعْمِهِمْ وَإِلَى هَذَا) الوجه (والله أعلم) جملة معترضة للاحتياط (أَشَارَ مَالِكٌ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ بِقَتْلِ مَنْ كفّر الصّحابة) أي جميعهم أو بعضهم فليس كما قال الدلجي بناء على كفر من قال لمسلم يا كافر وفيه أن هذا شتم ليس بكفر إلا أن اعتقد كفره حقيقة وهذا معنى قوله عليه الصلاة والسلام من قال لأخيه يا كافر فقد باء به أحدهما أي أن كان كما قالوا والأرجح عليه ما قال وقوله الآخر لا يقتل لأنه كبيرة لم يخرج عن أصل الإيمان وأقول والأظهر إن هذين القولين له فيمن كفر بعض الصحابة وأما من كفر جميعهم فلا ينبغي أن
(1) أقول فيه نظر لأن الكميل تصغير الكمال فلعل تصغير الكامل كويل كما لا يخفى على التأمل لمصححه ط.
يشك في كفره لمخالفة نص القرآن من قوله سبحانه وتعالى وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ قوله لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ وبيانه أن هذه الآيات نص قطعي فلا يبطله قول مموه لا أصل له من جهة النقل ولا من طريق العقل على أن أمر الخلافة ليس من أركان الإيمان ثم هو لا يتعلق إلا ببعض من أهل الحال والعقد فلا وجه أصلا لتكفير الكل قطعا (ثمّ كفروا) أي الكميلية (من وجه) وفي نسخة من وجه أخر (بسبّهم النبيّ) أي لطعنهم فيه (صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مُقْتَضَى قَوْلِهِمْ وَزَعْمِهِمْ أَنَّهُ عهد إلى عليّ) بالخلافة بعده (وهو) أي النبي عليه الصلاة والسلام (يعلم أنه) أي عليا (يكفر بعده) أي بعد النبي عليه الصلاة والسلام (على قولهم) أي بزعمهم والجملة حالية (لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وآله) الشامل لأصحابه وأحبابه (وَكَذَلِكَ نُكَفِّرُ بِكُلِّ فِعْلٍ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّهُ لَا يَصْدُرُ إِلَّا مِنْ كَافِرٍ وَإِنْ كَانَ صَاحِبُهُ مُصَرِّحًا بِالْإِسْلَامِ مَعَ فِعْلِهِ ذَلِكَ الْفِعْلَ) الذي لا يصدر إلا عن كافر (كالسّجود للصّنم وللشّمس والقمر والصّليب) الذي للنصارى (والنّار) بخلاف السجود للسلطان ونحوه بدون قصد العبادة بل بإرادة التعظيم في التحية فإنه حرام لا كفر وقيل كفر (والسّعي إلى الكنائس) جمع الكنيسة معبد اليهود (والبيع) بكسر ففتح جمع بيعة معبد النصارى (مع أهلها) احترازا من سعيه إليهما منفردا عنهم لقصد التفرج دون العبادة (والتّزيّي بزيّهم) أي بكسوتهم وهيئتهم بخلاف من سعى إليهما معهم لكن بخلاف صورتهم وإنما كفروا بزيهم لأن الظاهر عنوان الباطن ولا يتجانن إلا مجنون (من شدّ الزّنانير) جمع زنار بكسر أوله ما يشد به النصارى أوساطهم (وفحص الرّؤوس) بفتح الفاء وسكون الحاء وبالصاد المهملتين قال الجوهري وفي الحديث فحصوا عن رؤوسهم كأنهم حلقوا وسطها وتركوها مثل أفاحيص القطا انتهى وفي المجمل لابن فارس نحوه وقال الهروي في غريبه في حديث أبي بكر أنه قال لعامله أنك ستجد أقواما يعني بالشام قد فحصوا رؤوسهم فاضربوا بالسيف ما فحصوا عنه أي حلقوا مواضع منها كافحوص القطاوهم الشمامسة انتهى وفي حديث أنه عليه الصلاة والسلام قال لأمراء جيش مؤتة ستجدون آخرين للشيطان في رؤوسهم مفاحص فافلقوها بالسيوف والمعنى أن الشيطان استوطن في رؤوسهم كما تستوطن القطا مفاحصها ومنه الحديث من بنى لله مسجدا ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنة (فقد أجمع المسلمون أنّ هذا) الذي ذكر من الأفعال (لَا يُوجَدُ إِلَّا مِنْ كَافِرٍ وَأَنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ عَلَامَةٌ عَلَى الْكُفْرِ وَإِنْ صَرَّحَ فَاعِلُهَا) وروى صاحبها (بالإسلام) ولعل فحص الرأس كان شعارا للكفرة قبل ذلك وأما الآن فقد كثر في المسلمين فلا يعد كفرا (وَكَذَلِكَ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَكْفِيرِ كُلِّ مَنِ استحلّ القتل لمسلم) أي ظلما (أو شرب الخمر) أي طوعا (أو الزّنا) بالزاء والنون وفي معناه الربا والرياء أو أشياء أخر (ممّا حرّم الله بعد علمه بتحريمه) وفيه إيماء إلى أن جهله عذر ولعل هذا بالنسبة إلى حديث عهد بالإسلام أو البلوغ فإن إنكار ما علم من الدين بالضرورة كفر إجماعا (كأصحاب الإباحة من القرامطة) يحتمل أن تكون من بيانية أو
تبعيضية (وبعض غلاة المتصوّفة) الزاعمين أنهم وصلوا إلى الله فرفع عنهم التكليف قال الدلجي وقد أدركت بعضا منهم يقول اسقط الله عني التكليف فاستباح فطر رمضان والخلوة بالأجنبيات من النساء ونحو ذلك من الفحشاء (وكذلك نقطع بتكفير كلّ من كذّب) أي بأصل من أصول الذين (وأنكر قاعدة من قواعد الشّرع) المبين مما بنى عليه كما بينه عليه الصلاة والسلام بني الإسلام على خمس شهادة أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رسول الله وإقام الصلاة وايتاء الزكاة وصوم رمضان والحج (وَمَا عُرِفَ يَقِينًا بِالنَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ مِنْ فِعْلِ الرّسول ووقع الإجماع المتّصل) الذي لم يتخلله عدم إجماع (عليه) مما علم من الدين بالضرورة عند الخاص والعام (كمن أنكر وجوب الصّلوات الخمس) أي جميعها أو أحديها (وعدد ركعاتها) المختصة بها (وسجداتها) المكررة فيها (ويقول) أي مدعيا (إِنَّمَا أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْنَا فِي كِتَابِهِ الصَّلَاةَ على الجملة) أي إجمالا من غير بيان نحو كونها خمسا وتعيين عدد ركعاتها وسجداتها (وكونها) أي ويقول كونها (خمسا وعلى هذه الصّفات) أي من الأركان المقررة (والشّروط) المعتبرة من طهارة وستر عورة ودخول وقت واستقبال قبلة ونية (لا أعلمه) يقينا (إذ لم يرد فيه) في كل منها (في القرآن نصّ جليّ) على وجوبها وإن اشتملت على بعضها إجمالا كآية أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ وآية أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ وقوله تعالى إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً أي فرضا موقتا وقوله وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ وقوله فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وقوله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا ونحو ذلك من الآيات المجملة التي وقع بيانها بالأحاديث الموصولة (والخبر) أي ويقول الحديث الوارد (به عن الرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم خبر واحد) لا يفيد القطع إذ لم يكن متواترا عنه قلنا نعم لكن يجب اعلم به إجماعا لقوله تعالى ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا أو لأنه عليه الصلاة والسلام مبين لمجمل الكتاب بفصل الخطاب كَمَا قَالَ تَعَالَى لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وأيضا قد أخبر به أصحابه وعمل به وتبعه اتباعه وهلم جرا إلينا في بيان الشروط والأركان الثابتة لدينا ووقع الإجماع عليه فيكفر جاحده (وكذلك أجمع) بصيغة المجهول وفي نسخة أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ (عَلَى تَكْفِيرِ مَنْ قَالَ مِنَ الخوارج إن الصّلاة طرفي النّهار) أي بكرة وعشية فقط كما كان في صدر الإسلام ويسمون الأطرافية (وَعَلَى تَكْفِيرِ الْبَاطِنِيَّةِ فِي قَوْلِهِمْ إِنَّ الْفَرَائِضَ أسماء رجال أمروا بولايتهم) من الأئمة (والخبائث والمحارم أسماء رجال أمروا بالبراءة منهم وقول بعض المتصوّفة) أي وفي قولهم (إنّ العبادة) المورثة للمشاهدة (وطول المجاهدة) المفضي إلى المراقبة (إذا صفت نفوسهم) عن الكدورات (أفضت بهم) أي أوصلتهم (إلى إسقاطها) أي المكلفات (وإباحة كلّ شيء) من المحرمات (ورفع عهد الشّرائع عنهم) بضم العين وفتح الهاء جمع عهدة وهي في نسخة بدل جمعها (وكذلك إن أنكر منكر مكّة) أي وجودها (أو البيت أو المسجد الحرام) لأن إنكارها إنكار المنصوص عليها في الكتاب والسنة وإجماع الأمة (أَوْ صِفَةَ الْحَجِّ أَوْ قَالَ
الحجّ واجب في القرآن) لقوله تعالى وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ (واستقبال القبلة كذلك) واجب في القرآن لقوله تعالى فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ (ولكن كونه) أي كل من الحج والاستقبال (على هذه الهيئة المتعارفة) عند الناس (وأنّ تلك البقعة) أي المأمور بالحج إليها (هي مكّة والبيت والمسجد الحرام) الوارد بها إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس (لا أدري هل هي) أي مكة والبيت والمسجد الحرام (تلك) الأمكنة المتعارفة (أَوْ غَيْرُهَا وَلَعَلَّ النَّاقِلِينَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله تعالى عليه وسلم فسّرها بهذه التّفاسير غلطوا) بكسر اللام أي أخطأوا (ووهموا) بكسر الهاء أن توهموا أنها هي تلك الأمكنة (فهذا) المنكر لما ذكر (ومثله) في غير (لا مرية) بكسر الميم وتضم أي لا شك ولا شبهة (فِي تَكْفِيرِهِ إِنْ كَانَ مِمَّنْ يُظَنُّ بِهِ علم ذلك) الذي ذكر من اسماء الأمكنة ومع ذلك ينكرها أو يتردد فيها عنادا (وممّن خالط المسلمين) أي ليس من أهل البادية لقوله تعالى الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ (وامتدّت صحبته لهم) واشتدت مخالطته بهم لأن الغالب أنهم ذكروها له (إِلَّا أَنْ يَكُونَ حَدِيثَ عَهْدٍ بِإِسْلَامٍ فَيُقَالُ له سبيلك) الذي يوردك معرفتها (أَنْ تُسْأَلَ عَنْ هَذَا الَّذِي لَمْ تَعْلَمْهُ بعد) أي بعد إسلامك إلى الآن (كافّة المسلمين) بالنصب على أنه معمول تسأل (فلا تجد فيهم) أي فيما بينهم (خلافا) أصلا (كافّة عن كافّة) أي حال كونهم جماعة رواية عن جماعة من كل طائفة في كل قرن وأمة (إلى معاصر الرّسول صلى الله تعالى عليه وسلم أنّ هذه الأمور) المذكورة هي هي (كما قيل لك وأنّ تلك البقعة) المشهورة (هي مكّة) المعمورة (والبيت الّذي) هو (فيها هو) وفي نسخة هي (الكعبة) المسماة بها لعلوها حسا ومعنى كما قيل:
إن الذي سمك السماء بنى لنا
…
بيتا دعائمه أعز وأطول
والمعنى أن بيت العز والشرف هُوَ الْكَعْبَةُ (وَالْقِبْلَةُ الَّتِي صَلَّى لَهَا الرَّسُولُ صلى الله تعالى عليه وسلم والمسلمون) من أهل مكة وغيرهم (وحجّوا إليها) من كل فج عميق (وطافوا بها) وهي البيت العتيق (وأنّ تلك الأفعال) المعلقة بالحج من الإحرام والطواف والسعي والوقوف والحلق والرمي (هي صفات عبادة الحجّ والمراد به) في قوله تعالى وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ وقوله عليه الصلاة والسلام حجوا بيت ربكم (هي) أي الصفات المذكورة والأفعال المسطورة هي (التي فعلها النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم والمسلمون) معه في زمانه روي أنهم مائة وعشرون ألفا وكذا فيما بعده قرنا فقرنا وهلم جرا إلينا (وإنّ صفات الصّلوات) الخمس (المذكورة) في الأحاديث الصحيحة المشهورة من التحريمة والقيام والقراءة والركوع والسجود والقعدة (هي التي فعل النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم وشرح) أي فسر وبين (مراد الله بذلك) الإجمال (وأبان حدودها) أي وأظهر أوقاتها وشرائطها وأركانها (فيقع لك العلم) آخرا (كما وقع لهم) أولا فإن العلم بالتعلم وقد قال تعالى فَسْئَلُوا أَهْلَ
الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ وقال عليه الصلاة والسلام طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة وقد ورد إنما شفاء العي السؤال (ولا ترتاب بذلك) أي لا يقع لك فيها شك وتردد (بعد) بالبناء على الضم أي بعد ما علمته بسؤالك منهم وهذا حال من يعذر يجهله (والمرتاب في ذلك) أي الشاك فيما ذكر (والمنكر بعد البحث) ظرف لهما أي بعد الفحص عنها وحضور المعرفة بها (وصحبة المسلمين) أي وبعد مخالطتهم الدالين عليه والهادين إليه (كافر باتّفاق) للأئمة والأمة (ولا يُعْذَرُ بِقَوْلِهِ لَا أَدْرِي وَلَا يُصَدَّقُ فِيهِ) أي في قوله المنسوب إلى جهلة (بل ظاهره التّستّر عن التكذيب) على وجه التصريح اكتفاء بالتلويح فإن كل إناء يترشح بما فيه (إذ لا يمكن أنه لا يدري) بعد البحث والسؤال من المؤمنين أو مخالطة المسلمين وهو عاقل ليس من المجانين (وأيضا) يلزم منه فساد آخر (فإنّه إذا جوّز) هذا المنكر (على جميع الأمّة الوهم) أي السهو (والغلط) أي الخطأ ولو بالغوا في الكثرة حد التواتر الذي يحيل العقل تواطئهم على الكذب (فيما نقلوه من ذلك) الذي تقدم (وأجمعوا أنه قول الرّسول) عليه الصلاة والسلام (وَفِعْلُهُ وَتَفْسِيرُ مُرَادِ اللَّهِ بِهِ أَدْخَلَ الِاسْتِرَابَةَ) أي الشك والشبهة (في جميع الشّريعة) قولا وفعلا ولا يخفى فساد هذه الذريعة (إذ هم النّاقلون لها) أي للشريعة المستفادة من السنة (وللقرآن) إلينا بالطرق المواترة (وانحلّت عرى الدّين) أي انفتحت عقده وعهده (كرّة) أي دفعة واحدة ولم يبق منها عروة ويروى كلمة (ومن قال هذا) القول وأمثاله (كافر) في حاله ومآله بسوء مقاله (وكذلك من أنكر القرآن) أي جميعه (أو حرفا منه) أي مما تواتر فيه (أو غيّر شيئا منه) بأن نقص منه شيئا (أو زاد فيه) شيئا من تلقاء نفسه من غير قراءة متواترة أو رواية شاذة (كفعل الباطنيّة) ويروى كقول الباطنية (والإسماعيليّة) أي من التغيير أو الزيادة وهذا غير معروف عنهم اللهم إن كان المراد بالتغيير تغيير المعنى دون المبنى كما قال تعالى في ذم أهل الكتاب يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ أي يأولونها على ما يشتهونها ويميلون إليها عما أراد الله سبحانه وتعالى بها (أو زعم أنه) أي القرآن (ليس بحجّة للنبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم) خاصة (أو ليس فيه حجّة) لأحد (ولا) أي هو في نفسه (معجزة) أي لا مبنى ولا معنى (كقول هشام الفوطيّ) بضم الفاء أو الياء وسكون الواو أو فتحها والطاء مهملة (ومعمر) بسكون عين مهملة بين ميمين مفتوحتين (الصّيمريّ) بفتح الصاد المهملة أو المعجمة وسكون التحتية وفتح الميم فراء بعدها ياء نسبة إلى بلدة أو قبيلة قال الدلجي أنهما من المعتزلة أفي الصورة ومن الكفرة في السيرة (إنّه) أي القرآن (لا يدلّ على الله) أي على طريق رضاه (ولا حجّة فيه لرسوله) أي على صحة مقوله (وَلَا يَدُلُّ عَلَى ثَوَابٍ وَلَا عِقَابٍ وَلَا حكم) من حلال وحرام وآداب وهذا كله مكابرة وعناد وفتح باب فساد والحاد (ولا محالة) بفتح الميم وتضم أي لا شك وفي نسخة ولا مخالفة (في كفرهما بذلك القول) وفي نسخة بهذا (وكذلك نكفّرهما) وفي نسخة نكفرهما (بِإِنْكَارِهِمَا أَنْ يَكُونَ فِي سَائِرِ مُعْجِزَاتِ النَّبِيِّ صلى الله تعالى عليه وسلم) أي باقيها بأسرها (حجّة له) قاطعة وبينة ساطعة (أو في خلق السّموات والأرض
دليل على الله) أي وجوده سبحانه وتعالى مع أنه قال تعالى لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ (لِمُخَالَفَتِهِمُ الْإِجْمَاعَ وَالنَّقْلَ الْمُتَوَاتِرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله تعالى عليه وسلم باحتجاجه بهذا) الذي ذكر (كلّه وتصريح القرآن به) بقوله وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ (وَكَذَلِكَ مَنْ أَنْكَرَ شَيْئًا مِمَّا نَصَّ فِيهِ القرآن) به كوجود الملائكة ومجيء القيامة (بَعْدَ عِلْمِهِ أَنَّهُ مِنَ الْقُرْآنِ الَّذِي فِي أيدي النّاس) أي من الحفاظ الماهرين (ومصاحف المسلمين ولم يكن جاهلا به) أي بأنه منه (ولا قريب عهد) وفي نسخة ولا حديث عهد أي جديد زمان (بالإسلام واحتجّ) الواو فيه وكذا الواوان فيما قبله للحال أي تعلق (لإنكاره إمّا بأنه لم يصح النّقل) للقرآن (عنده ولا بلغه العلم به) من غيره (أو لتجويز الوهم على ناقلة تكفّره بالطّريقين المتقدّمين) وهما الإجماع والنقل المتواتر (لأنّه مكذّب للقرآن) الثابت تواترا قطعا (ومكذّب للنبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم) المحقق إجماعا (لكنّه تستّر بدعواه) الجهل فيما ادعاه (وكذلك من أنكر الجنّة أو النّار) أي وجودهما بالكلية فإن أهل السنة على أنهما موجودتان والمعتزلة على أنهما ستوجدان (أو البعث) في القبور (أو الحساب) الموجب للثواب والعقاب بخلاف إنكار الميزان والصراط فإنه من عقائد المعتزلة (أو القيامة فهو كافر بإجماع) وفي نسخة بالإجماع (للنصّ عليه) في الكتاب (وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ عَلَى صِحَّةِ نَقْلِهِ مُتَوَاتِرًا وَكَذَلِكَ) أي أقول كما روي (من اعترف بذلك) في الجملة (وَلَكِنَّهُ قَالَ إِنَّ الْمُرَادَ بِالْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَالْحَشْرِ) أي الجمع في الموقف (والنّشر) أي النشور وهو الخروج من القبور أو التفرق إلى الجنة والنار (والثّواب) على الحسنات (والعقاب) على السيئات (معنى غير ظاهره) وفي نسخة معنى على غير ظاهره (وأنّها لذّات) وعقوبات (روحانيّة) بفتح الراء ويجوز ضمها لا جسمانية (ومعان باطنة كقول النّصارى) لعل هذا قول بعضهم (والفلاسفة) من الحكماء الجاهلية (والباطنيّة وبعض المتصوّفة) كالوجودية القائلة بالعينية (وزعم أنّ معنى القيامة الموت) ولم يدر أن الموت مقدمة القيامة ولذا ورد من مات فقد قامت قيامته (أو فناء محض) أي عدم ليس بعده وجود وبقاء أو زعم أن المراد بالقيامة الفناء عن السوي والثبات على البقاء كما يتوهم جهلة المتصرفة متمسكين بظاهر ما روي موتوا قبل أن تموتوا مع أنه ليس بحديث (وانتقاض هيئة) وروي بنية (الأفلاك) أي انهدامها وتغيرها وانتقالها من أوضاعها بالكلية (وتحليل العالم) أي فساده وخروجه عن نظام هيئة الأولية (كقول بعض الفلاسفة) بذلك ممن ينكر البعث هنالك وإلا فالتغيير والتبديل ثابتان في التنزيل كقوله تعالى يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ وَإِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ (وَكَذَلِكَ نَقْطَعُ بِتَكْفِيرِ غُلَاةِ الرَّافِضَةِ فِي قَوْلِهِمْ إنّ الأئمة) المعصومين (أفضل من الأنبياء) والمرسلين هذا كفر صريح يستفاد من قوله تعالى اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ وفي هذا المحل مباحث ذكرتها في شرح الفقه الأكبر (وأمّا) وفي نسخة فَأَمَّا (مَنْ أَنْكَرَ مَا عُرِفَ بِالتَّوَاتُرِ مِنَ الأخبار والسّير) أي الآثار المتعلقة بالغزوات والشمائل في الصفات
كقتل عمار بصفين مما ورد أنه تقتله الفئة الباغية (والبلاد) النائية كالعراق وخراسان (التي لا يرجع) أي انكارها (إلى إبطال شريعة ولا يفضي إِلَى إِنْكَارِ قَاعِدَةٍ مِنَ الدِّينِ كَإِنْكَارِ غَزْوَةِ تبوك) المذكورة في سورة التوبة وهي أرض بين الشام والمدينة (أو مؤتة) بضم الميم وسكون همزة وتبدل مكان بأدنى البلقاء من أرض الشام (أو وجود أبي بكر) وفيه أن بعض العلماء قال من أنكر صحبته للنبي عليه الصلاة والسلام كفر لمخالفة النص وهو قوله تعالى ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا حيث أجمع المفسرون على أنه أبو بكر ولا يبعد أن يفرق بين من أنكر وجوده وبين من أنكر صحبته بناء على أن دلالة الآية على صحبته إجمالية ورواية كونها له خاصة غير قطعية فلا يكفر من أنكر وجوده (وعمر) مع شهرته (أو قتل عثمان أو خلافة عَلِيٍّ مِمَّا عُلِمَ بِالنَّقْلِ ضَرُورَةً وَلَيْسَ فِي إِنْكَارِهِ جَحْدُ شَرِيعَةٍ فَلَا سَبِيلَ إِلَى تَكْفِيرِهِ بجحد ذلك وإنكار وقوع العلم له) بما هنالك (إِذْ لَيْسَ فِي ذَلِكَ أَكْثَرُ مِنَ الْمُبَاهَتَةِ) مفاعلة من البهتان أي الكذب والمعاندة يقال باهته إذا قال عليه ما لم يقل (كإنكار هشام) أي الفوطي (وعباد) بفتح مهملة فتشديد موحدة وهو الصيمري (وقعة الجمل) وهي كانت في أول خلافة علي ونقل مغلطاي في سيرته أن ابن حزم أنكرها وفيما قاله نظر إذ قد تواتر نقلها وهي أن جماعة من الصحابة خرجوا مع عائشة في هودج على جمل آخذا بخطامه كعب بن المسر بن مخرمة إلى البصرة للصلح بين علي ومعاوية وتسكين فتنة فنشبت بينهم الحرب فلتة من غير قصد وكانت سنة ست وثلاثين وأما وقعة صفين كسجين وهو موضع قرب الرقة بشاطئ الفرات كانت الواقعة العظيمة بين علي ومعاوية غرة صفر سنة سبع وثلاثين فمن ثمة احترز الناس السفر في صفر ذكره في القاموس (ومحاربة عليّ من خالفه) كمعاوية والخوارج فيما تقدم والله تعالى اعلم (وأمّا إن ضعّف) بتشديد العين أي نسب إلى الضعف (ذلك) النقل المجمع عليه (مِنْ أَجْلِ تُهْمَةِ النَّاقِلِينَ وَوَهَّمَ الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعَ) بتشديد الهاء أي نسبهم إلى الوهم أجمعين (فنكفّره بذلك) الإتهام (لسريانه) أي افضائه وروي لسرايته (إلى إبطال الشّريعة) فكأنه جعل هذا التوهيم لالحاده نوعا من الذريعة (فأمّا من) وفي نسخة أن (أنكر الإجماع المجرّد) أي المنقول عن بعض الأئمة (الَّذِي لَيْسَ طَرِيقُهُ النَّقْلَ الْمُتَوَاتِرَ عَنِ الشَّارِعِ) المفيد كونه قطعيا بل طريقه الآحاد المقتضي كونه ظنيا (فأكثر المتكلمين ومن الفقهاء والنّظّار) بضم النون وتشديد الظاء المعجمة جمع ناظر بمعنى المناظر اسم فاعل من المناظرة (فِي هَذَا الْبَابِ قَالُوا بِتَكْفِيرِ كُلِّ مَنْ خالف الإجماع الصّحيح الجامع لشروط الإجماع) كما هو مبين في أصول الفقه (المتّفق عليه عموما) لأنه حجة إجماعا وإن كان طريقه أحادا (وحجّتهم) في تكفيره بمخالفة الإجماع (قوله تعالى: وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ أي يخالفه (مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى [النِّسَاءِ: 115] ) أي طريق الحق (الآية) أي ويتبع غير سبيل المؤمنين الذين هم عليه من الدين لإيذانه بأنه حجة لا تجوز مخالفته كما لا تجوز مخالفة الكتاب والسنة بدلالة جمعه بين المشاقة واتباع غير سبيل المؤمنين في الشرط وجعل جزاءه الوعيد الشديد المفاد
بقوله تعالى نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى أي نجعله واليا لما تولاه وندعه وما اختاره من متابعة هواه مما لا يرضاه الله وهذا في الدنيا وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ أي ندخله ونحرقه وَساءَتْ مَصِيراً أي مرجعا ومسيرا في العقبى (وقوله صلى الله تعالى عليه وسلم من خالف الجماعة) أي جماعة المسلمين وفي نسخة كما في رواية من فارق الجماعة أي بترك السنة واتباع البدعة (قيد شبر) بقاف مكسورة فتحتية ساكنة ونصبه على المصدر أي قدر شبر يعني ولو مقدارا يسيرا وأمرا حقيرا (فقد خلع) أي نزع (ربقة الإسلام) بكسر الراء وسكون الموحدة أي عقدته وعهدته (من عنقه) أي رقبته وذمته وقد روى الترمذي عن ابن عمر أن الله تعالى لا يجمع أمتي على ضلالة ويد الله على الجماعة من شذ شذ في النار (وحكوا) أي الفقهاء ومن معهم (الْإِجْمَاعَ عَلَى تَكْفِيرِ مَنْ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ وَذَهَبَ آخرون إلى الوقف) أي التوقف (عَنِ الْقَطْعِ بِتَكْفِيرِ مَنْ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ الَّذِي يختصّ بنقله العلماء) أي مطلقا سواء كان نظريا أم لا وفي نسخة الذي يختص نقله بالعلماء (وذهب آخرون إلى التّوقّف) وفي نسخة التَّوَقُّفِ (فِي تَكْفِيرِ مَنْ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ الْكَائِنَ عن نظر) أي تأمل وفكر كالقياس لأن الاجتهاد المأخوذ في تعريفه لا بد له من مستند إما من كتاب أو سنة فمنكره منكر لأحدهما (كتكفير النّظام) بفتح النون وتشديد الظاء المعجمة كان أحد فرسان المتكلمين من المعتزلة وكان في دولة المعتصم (بإنكاره الإجماع) وإنما كفروه به (لأنّه بقوله هذا) وهو إنكاره الإجماع (مخالف إجماع السّلف على احتجاجهم به) أي بالإجماع بل جعلوه أقوى الحجة (خارق للإجماع) وفي نسخة خارق للإجماع، (قال القاضي أبو بكر) أي الباقلاني (القول) المعول (عندي) أي في رأيي (أنّ الكفر بالله هو الجهل بوجوده) وشهود كرمه وجوده (والإيمان بالله هو العلم بوجوده) وما يتعلق به من توحيد ذاته وتفريد صفاته وإثبات كلام المشتمل علر سائر المؤمن به من ملائكته ورسوله وإلا فمجرد العلم بوجوده حاصل لعامة خلقه كما قال الله تعالى وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ وإنما أنكر وجوده سبحانه وتعالى طائفة من الدهرية والمعطلة (وأنّه) أي الشأن (لا يكفّر أحد بقول ولا رأي) أي اعتقاد مما يكفر به (إِلَّا أَنْ يَكُونَ هُوَ الْجَهْلُ بِاللَّهِ فَإِنْ عصى الله) ورسوله (بقول أو فعل نصّ الله ورسوله) صلى الله تعالى عليه وسلم (أَوْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ إِلَّا من كافر أو يقوم دليل آخر) نقلا أو عقلا (على ذلك) أي على أنه لا يوجد الأمن كافر لكونه من شعارهم (فقد كفر) لكن (ليس) الحكم بكفره (لأجل قوله أو فعله) الذي لا يوجد إلا من كافر (بل لما قارنه) أي قوله أو فعله (مِنَ الْكُفْرِ فَالْكُفْرُ بِاللَّهِ لَا يَكُونُ إِلَّا بأحد ثلاثة أمور أحدها الجهل بالله) أي بوجوده وهو الأصل في باب التكفير (وَالثَّانِي أَنْ يَأْتِيَ فِعْلًا أَوْ يَقُولَ قَوْلًا يخبر الله ورسوله أو يجمع المسلمون على أنّ ذلك) الفعل أو القول (لَا يَكُونُ إِلَّا مِنْ كَافِرٍ كَالسُّجُودِ لِلصَّنَمِ والمشي إلى الكنائس) أي من زيهم (بالتزام الزّنّار) مشددا به وسطه غير مكره فيه وروي الزنانير وهو بفتح الزاي جمع الزنار بضمها (مع أصحابها في أعيادهم) أو غيرها (أو
يَكُونَ ذَلِكَ الْقَوْلُ أَوِ الْفِعْلُ لَا يُمْكِنُ) أي لا يتصور (معه العلم بالله) كإنكار فرض مجمع عليه والفاء مصحف في قاذورة (فهذان الضّربان) أي النوعان من اتيان الفعل أو القول الموصوفين وقول الدلجي فهذان أي الجهل والاتيان مردود بقوله (وَإِنْ لَمْ يَكُونَا جَهْلًا بِاللَّهِ فَهُمَا عِلْمٌ) بفتحتين أي علامة وفي أصل التلمساني علم بكسر أوله وسكون ثانيه أي دليل (أنّ فاعلهما كافر) في الأصل (منسلخ من الإيمان) أي خارج عنه (فَأَمَّا مَنْ نَفَى صِفَةً مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تعالى الذّاتيّة) من الحياة والعلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام (أو جحدها) أي أنكرها بعد ما اعترف بها (مستبصرا) أي متيقنا غير شاك (في ذلك) أي في جحدها (كَقَوْلِهِ لَيْسَ بِعَالِمٍ وَلَا قَادِرٍ وَلَا مُرِيدٍ ولا متكلّم) كان الأولى أن يأتي بأو بدل ولا (وَشِبْهِ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ الْوَاجِبَةِ لَهُ تعالى) كقوله ليس سميعا أو بصيرا أو حيا (فقد نصّ أئمّتنا) المالكية (عَلَى الْإِجْمَاعِ عَلَى كُفْرِ مَنْ نَفَى عَنْهُ تعالى الوصف بها وأعراه عنها) أي أخلاه منها بلا وصفه بها وهذا قول الباقلاني ولا أعرف خلافا في ذلك لأنه سبحانه وتعالى وصف ذاته بهذه الصفات في كلامه القديم الذي يستفاد منه الدين القويم فمن أنكر شيئا من ذلك فقد أنكر القرآن العظيم قال المصنف (وعلى هذا) القول ينفي الوصف (حُمِلَ قَوْلُ سُحْنُونٍ مَنْ قَالَ لَيْسَ لِلَّهِ كلام) أي نفسي (فهو كافر) لأنه نسبه إلى وصم البكم (وهو) أي سحنون (لا يكفّر المتأوّلين) أي من المعتزلة النافين قدمها وزيادتها على ذاته القائلين بأنه تعالى خلق الكلام في الشجرة وكلم موسى ويخلق القرآن وحدوثه وأنه مركب من حروف وأصوات تفاديا من تعدد القدماء (كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَأَمَّا مَنْ جَهِلَ صِفَةً مِنْ هذه الصّفات) أي ونفاها غير مستبصر فيها (فاختلف العلماء ههنا) أي في مقام تكفيره (فكفّره بعضهم وحكي ذلك) أي تكفيره (عن أبي جعفر الطّبريّ) الشافعي (وَغَيْرِهِ وَقَالَ بِهِ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ مَرَّةً) أي هو أحد قوليه (وذهبت طائفة إلى أنّ هذا) الجهل للمؤمن (لا يخرجه عن اسم الإيمان) أي أصله وإن كان يخرجه عن كمال الإيقان (وإليه) أي إلى هذا المذهب (رجع الأشعريّ) فهو المعتمد في المعتقد (قال لأنّه لم يعتقد ذلك) النفي مع الجهل (اعتقادا يقطع بصوابه ويراه دينا) متينا (وشرعا) مبينا بل إنما يظنه ظنا وقع خطأ (وإنّما يكفر مَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ مَقَالَهُ حَقٌّ وَاحْتَجَّ هَؤُلَاءِ) المتأخرون (بحديث السّوداء) أي الجارية (وأنّ النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم إنّما طلب منها التّوحيد) أي توحيد الذات (لا غير) أي لا غير ذلك من تحقيق الصفات وهو أن أم ابن سويد الشريد الثقفي أوصته أن يعتق عنها رقبة مؤمنة فأتى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وقال يا رسول الله إن أمي أوصت أن أعتق عنها رقبة مؤمنة وعندي جارية سوداء نوبية وذكر نحوه معاوية بن الحكم السلمي فذكر الحديث إلى أن قال اين الله قالت في السماء قال من أنا قالت أنت رسول الله قال أعتقها فأنها مؤمنة أخرجه أبو داود في الإيمان بفتح الهمزة والنسائي في الوصايا وحديث معاوية بن الحكم السلمي أخرجه مسلم في الصلاة والطب وأخرجه أبو داود في الصلاة
والنسائي في أماكن من مسنده انتهى كلام الحلبي وذكر التلمساني أن حديث السوداء هو أن رجلا ظاهر فلزمه الظهار فأتى بأمة سوداء فقال له النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لا تجزئك حتى تعرف أنها مؤمنة قال سلها يا رسول الله فسألها فقال لها أين الله فأشارت إلى السماء فقال أعتقها فإنها مؤمنة وهو حديث رواه أبو داود والنسائي ومالك انتهى وكأن إشارتها إلى السماء إيماء بأن الله هو الذي خلقها أو أنه ليس بآلهة الأرض أو هو الموصوف بأنه إله في السماء أي معبود فيها فاكتفى بهذا التوحيد الإجمالي على كونها مؤمنة لكن يشكل بسؤاله عليه الصلاة والسلام حيث قال أين الله ولعله كوشف له عليه الصلاة والسلام بأنها لا تعرف الإله إلا بهذا الوصف ولعل القائلين بجهة العلو لله سبحانه وتعالى تمسكوا بظاهر هذا الحديث وأمثاله والمحققون أنه تعالى منزه عن المكان والزمان وأما قوله تعالى وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ فمعناه أنه هو المستحق لأن يعبد فيهما لا غير كقوله تعالى وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ (وبحديث القائل لئن قدر الله عليّ) بتخفيف الدال وجاء في صحيح البخاري أن قائله كان نباشا من كلام عقبة بن عمر الصحابي والحديث رواه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن قول القائل لبنيه عند موته أحرقوني ثم انظروا يوما راحا أي ذا ريح شديدة فاذروني فيه فوالله لئن قدر الله علي والرواية بتخفيف الدال من القدرة لا كما قال التلمساني قدر بشدد من التقدير ويخفف بمعنى ضيق فإنه لو كان المروي كذلك لما كان إشكال هنالك (وفي رواية عنه) أي عن القائل وفي نسخة فيه أي في الحديث وهو كذا في تفسير ابن أبي حاتم (لعلّي أضلّ الله) بفتح الهمزة والضاد وتكسر ورفع اللام المشددة أي أفوته ويخفى عليه مكاني وقيل لعلي أغيب من عذاب الله تعالى من ضللت الشيء وضللته إذا جعلته في مكان ولم تدر أين هو وضل الناسي إذا غاب عنه حفظ الشيء ومنه قوله تعالى أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أي خفينا وغبنا والمعنى أضل عنه أي أخفي وأغيب منه على أن من باب نزع الخافض وإيصال الفعل فيكون جاهلا بكمال علمه سبحانه وتعالى (ثمّ قال) أي النبي عليه الصلاة والسلام (فغفر الله له) أي مع كون كلامه مشعرا بنفي القدرة في الصورة المقدرة والمعنى فغفر الله له لعذره بجهله على أن قدر جاء بمعنى ضيق كما في قوله تعالى فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ ومعنى الرواية الثانية أغيب عن عذاب الله تعالى لكن لا يخفى بعد هذه التأويلات عن قوله أحرقوني وسائر المقالات والله تعالى اعلم بالحالات وتمام الحديث على ما في الصحيح قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أسرف رجل على نفسه فلما حضره الموت أوصى بنيه إذا مات فحرقوه ثم اذروا نصفه في البر ونصفه في البحر فوالله لئن قدر الله عليه ليعذبنه عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين فلما مات فعلوا ما أمرهم فأمر الله البحر فجمع ما فيه وأمر البر فجمع ما فيه ثم قال لم فعلت هذا قال من خشيتك يا رب وأنت أعلم فغفر له (قالوا) أي هؤلاء العلماء (ولو بوحث
أكثر النّاس عن الصّفات) أي فتشوا عن معرفتها (وكوشفوا عنها) أي طلب منهم الكشف عن بيانها (لما وجد من يعلمها إلّا الأقلّ) من القليل، (وقد أجاب الآخر) أي من العلماء الأولين (عن هذا الحديث بوجوه) خمسة (منها أنّ قدر) مخففا (بمعنى قدّر) مشددا أي حكم وقضى (ولا) وفي نسخة فلا (يَكُونُ شَكُّهُ فِي الْقُدْرَةِ عَلَى إِحْيَائِهِ بَلْ فِي نَفْسِ الْبَعْثِ الَّذِي لَا يُعْلَمُ إِلَّا بشرع) دون عقل وطبع (ولعلّه لم يكن وَرَدَ عِنْدَهُمْ بِهِ شَرْعٌ يُقْطَعُ عَلَيْهِ فَيَكُونَ الشّكّ فيه حينئذ كفرا) وفيه أنه لو كان شاكا في بعثه لما أوصى بما يدل على كمال خوفه (فأمّا ما لم يرد به شرع) كالبعث (فهو من مجوّزات العقول) بتشديد الواو المفتوحة فلا كفر بالشك فيه لعدم العلم وبه وهذا لا يخفى بعده لإطباق الأنبياء والرسل على وجوب الإيمان باليوم الآخر ووعد الثواب ووعيد العقاب حتى قال الله تعالى لآدم ومن معه فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ نعم قد يقال إنه آمن إيمانا إجماليا وتقليدا عرفيا وما بلغه تفاصيل المؤمن به فوقع له الشك في وقوعه أو الوهم بدفع العذاب عنه على تقدير تصوره (أَوْ يَكُونُ قَدَرَ بِمَعْنَى ضَيَّقَ وَيَكُونُ مَا فعله بنفسه) من وصية بنيه بإحراقه (إزراء عليها) أي اهانة وتنقصا بها (وغضبا) عليها (لعصيانها) أو ظن أنه يتخلص بعذاب الدنيا من عقاب العقبى (وقيل إنّما قال ما قاله) وهو قوله لئن قدر الله على (وَهُوَ غَيْرُ عَاقِلٍ لِكَلَامِهِ وَلَا ضَابِطٍ لِلَفْظِهِ) أي لمؤدي مرامه (أي ممّا استولى عليه من الجزع) أي غلب عليه من شدة الفزع (والخشية الّتي أذهلت) وفي نسخة أذهبت (لبّه) أي اغفلت قبله وشغلت عقله (فلم يؤاخذ به) فيعد من خطئه في خطابه كقول من قال لربه في غاية من الفرح أنت عبدي وأنا ربك (وقيل كان هذا) القائل (في زمن الفترة) أي انقطاع الرسالة كما بين عيسى ونبينا عليهما الصلاة والسلام فقيل ستمائة سنة وقيل خمسمائة وستون وقيل أربعون (وحيث ينفع مجرّد التّوحيد) كما في زمن الجاهلية وهو ما بين إسماعيل ونبينا عليهما الصلاة والسلام ولا يبعد أن يكون ممن نشأ بعيدا عن الخلق ولم تبلغه دعوة رسول الحق وعرف الله بعقله أو بالنظر في آيات الله من خلقه (وقيل بل هذا) القول (من مجاز كلام العرب) من أهل التدقيق (الّذي صورته الشّكّ ومعناه التّحقيق) ويقال له مزج الشك باليقين وعد منه قوله ولكن ليطمئن قلبي وأشار إلى ذلك العارف بن الفارض بقوله:
عليك بها صرفا وإن شئت مزجها
…
فعدلك عن ظلم الحبيب هو الظلم
(وهو يسمّى) بصيغة المجهول مشددا ومخففا أي يدعي (تجاهل العارف وله أمثلة في كلامهم) أي العرب كقول بعضهم:
بالله يا ظبيات القاع قلن لنا
…
ليلاي منكن أم ليلى من البشر
(وكقولهم) أو جهك هذا أم بدر مع علمهم بأن الوجه غير البدر للمبالغة في تحسين
القدر والمعروف أن هذا للدلالة على شدة الشبه بين المتناسبين فإن خلا سؤاله عما يعلمه من الشبه لم يكن تجاهلا كما في وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى بل هو استفهام تقرير أي حمل المخاطب على إقرار وتحرير نعم قد يحمل عليه قوله النسوة ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ أي كالملك في الصورة والعصمة على وجه المبالغة (كقوله تعالى) أي المنزل على وفاقهم اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً (لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى [طه: 44] ) والمحققون على أن معناه لكي يتذكر أو كونا على رجاء أن يتذكر (وقوله) قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ [سبأ: 24] ) والمحققون على أن هذا من ارخاء العنان مع الخصم في ميدان البيان ليتأمل ويتفكر حتى يظهر له البرهان في عالم العيان وإلا فكان صلى الله تعالى عليه وسلم يتيقن أنه على هداية والمخاطبون على ضلالة ونظيره قول حسان بن ثابت الأنصاري لأبي سفيان بن حرب قبل إسلامه:
أتهجوه ولست له بكفؤ
…
فشركما لخيركما فداء
فإنه لا شبهة أنه يريد بخيرهما رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم هذا وفي تمثيله بما أورده من الكتاب مع تسميته له بتجاهل العارف نوع تهاون في الآداب مع رب الأرباب ولو قال كما في المفتاح للسكاكي ويسمى مساق المعلوم مساق غيره لنكتة لكان أقرب إلى صوب الصواب (فأمّا من أثبت الوصف ونفى الصّفة) كالمعتزلة (فَقَالَ أَقُولُ عَالِمٌ وَلَكِنْ لَا عِلْمَ لَهُ وَمُتَكَلِّمٌ وَلَكِنْ لَا كَلَامَ لَهُ وَهَكَذَا فِي سائر الصّفات) كقادر ولا قدرة له ومريد ولا ارادة له وحي ولا حياة له وسميع ولا سمع له وبصير ولا بصر له (على مذهب المعتزلة) تحرزا عن تعدد القدماء فإنه كفر وهو مردود بأن الكفر إنما هو تعدد ذوات قدماء لا ذات واحدة مع صفات متعددة على أن مذهب أهل السنة والجماعة أن الصفات لا عين الذات ولا غيرها (فمن قال بالمال) أي بأخذهم بالمرجع (لما يؤدّيه إليه قوله) أي قوله نافيها عالم ولا علم له (ويسوقه إليه مذهبه) من أنه يلزم من نفي العلم نفي الوصف بعالم على وجه برهاني كما سيأتي بيانه (كفّر) بتشديد الفاء أي كفره كما في نسخة وأما ما ضبط في بعض النسخ بفتح الكاف وتخفيف الفاء وكذا بصيغة المصدر فتصحيف وأما ما في بعض النسخ ممن بدل فمن فتحريف والصواب فمن جواب إما لا قوله فقال كما يتوهم والله أعلم (لِأَنَّهُ إِذَا نَفَى الْعِلْمَ انْتَفَى وَصْفُ عَالِمٍ) عن موصوفه ضرورة انتفاء الوصف بالمشتق بانتفاء المشتق منه (إِذْ لَا يُوصَفُ بِعَالِمٍ إِلَّا مَنْ لَهُ علم) إذ لا يعقل مثلا من العالم إلا من له العلم وله معلوم يتعلق به علمه ولا تنّافي بين كون العلم قديما وكون المعلوم حادثا كما قرر في محله اللائق به (فكأنّهم) أي المعتزلة (صرّحوا عنده) أي عند القائل بالمآل (بما أدّى إليه قولهم) من لزوم نفي الوصف بالمشتق لنفي المشتق منه (وهكذا) الحكم (عند هذا) القائل بالمآل (سائر فرق
أَهْلِ التَّأْوِيلِ مِنَ الْمُشَبِّهَةِ وَالْقَدَرِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ وَمَنْ لم ير أخذهم بمآل قولهم) أي بما يؤول إليه آخر مقولهم (ولا ألزمهم موجب مذهبهم) بفتح الجيم أي مقتضى ما فهم من فحوى كلامهم (لم ير إكفارهم) أي تكفيرهم (قال) أي من لم ير ما سبق (لأنّهم إذا وقّفوا) بصيغة المجهول مشددا أو مخففا أي اطلعوا (على هذا) الذي ذكرنا من أن مآل قولهم عالم ولكن لا علم له نفي علمه تعالى (قالوا لا نقول) على أصلنا (ليس بعالم) سلبا معطلا له تعالى عن العلم بل هو كما قال أبو الهذيل العلاف شيخ المعتزلة عالم بعلم هو ذاته حي بحياة هي ذاته مريد بإرادة هي ذاته لا عالم بعلم ومتكلم بكلام وحي بحياة زائدات على ذاته وهكذا في بقية صفاته (ونحن ننتفي من القول بالمأل الّذي ألزمتموه لنا ونعتقد نحن) معشر المعتزلة (وأنتم) أهل السنة (أنه) أي مآل إليه القول (كفر بل نقول إنّ قولنا) مثلا عالم ولكن لا علم له (لا يؤول إليه) أي انتفاء علمه سبحانه وتعالى أصلا (على ما أصّلناه) بتشديد الصاد أي جعلناه أصلا وقاعدة فالخلاف لفظي في المآل والله تعالى أعلم بحقيقة الحال (فعلى هذين المأخذين) أي ممن رأى أخذهم بالمآل ومن لم ير أخذهم (اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي إِكْفَارِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ وَإِذَا فهمته) أي التأويل على نسق ما مر من الأقاويل (اتّضح لك الموجب) أي الباعث (والسبب لاختلاف الناس في ذلك) التكفير لاختلافهم في مقام التقرير (والصّواب ترك إكفارهم) كما عليه الجمهور من الأئمة (والإعراض عن الحتم) أي حكم الجزم (عليهم بالخسران) المبين (وإجراء حكم الإسلام عليهم) كسائر المسلمين من حرمة إيذاء وعصمة دم ومال إلا بحق الإسلام (في قصاصهم) لهم ومنهم وحدهم شربا وسرقة وجلدا ورجما وتعزيرا لهم ومنهم (ووراثاتهم ومناكحاتهم ودياتهم) في جراحاتهم منهم ولهم (والصّلوات عليهم) إذا ماتوا وخلفهم إذا أموا (ودفنهم في مقابر المسلمين وسائر معاملاتهم) في الدنيا والدين (لكنّهم يغلّظ عليهم) تعزيرا لهم (بوجيع الأدب) ضربا وحبسا (وشديد الزّجر) من الطرد (والهجر حتّى يرجعوا عن بدعتهم) وينزجر غيرهم بعبرتهم (وهذه) الحالات (كانت سيرة الصّدر الأوّل) من صلحاء الأمة (فيهم) أي في حق أهل البدعة (فقد كان نشأ) بالنون أي ظهر وانتشأ وابتدأ وفشا (عَلَى زَمَانِ الصَّحَابَةِ وَبَعْدَهُمْ فِي التَّابِعِينَ مَنْ قال بهذه الأقوال من القدر) وهو رأي المعتزلة كعبد الله الجهني ومن قال كما في صحيح مسلم به وواصل به عطاء وعمرو بن عبيد (ورأى الخوارج) عن خروجهم على علي وتكفيرهم له وافترائهم عليه لقولهم انزل الله فيه وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ وفي ابن ملجم وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ حتى قال فيه كلبهم عمر بن حطان إذ قتل عليا:
يا ضربة من تقي ما أراد بها
…
إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا
إني لأذكره يوما فأحسبه
…
أوفى البرية عند الله ميزانا
وعارضه بعض أهل السنة بقوله:
يا ضربة من شقي لم يزل أبدا
…
بها عليه إله الحق غضبانا
إني لأعلم أن الله جاعله
…
أوفى البرية عند الله خسرانا
(والاعتزال) لعل المراد به طائفة خاصة من المعتزلة (فما أزاحوا) بالزاء والحاء المهملة أي فما أزال الصدر الأول ما هجرهم (لهم قبرا) متبعدا مفردا متميزا عن مقابر المسلمين وفي نسخة قبورا (ولا قطعوا لأحد منهم ميراثا) أي من مورثه مبتدعا أو غيره (لكنّهم هجروهم) في الكلام والسلام والمقام والطعام (وأدّبوهم بالضّرب والنّفي) أي الاخراج من بلادهم أو الحبس لدفع فسادهم (والقتل) لأرباب عتوهم وعنادهم (على قدر أحوالهم) واختلاف أقوالهم (لأنّهم) باعتقادهم ما يخالف الحق مما لا يكفرون به (فسّاق) لخروجهم عن طاعة الله (ضلّال) عن الحق لعدم قبولهم (عصاة) أي أهل فساد وبغاة (أصحاب كبائر عند المحقّقين) من المجتهدين (وأهل السّنّة) من علماء الدين (ممّن لم يقل بكفرهم) أي بكفر أرباب الآراء الكاسدة واصحاب التأويلات الفاسدة (منهم) أي من العلماء المتقدمين (خلافا لمن رأى غير ذلك) من عدم هجرهم أو لمن رأى اكفارهم وتحتم قتلهم (وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ) الباقلاني (وأمّا مسائل الوعد والوعيد) في قول المعتزلة إنه يجب عليه سبحانه وتعالى إثابة المطيع وتعذيب العاصي مع أنه سبحانه وتعالى يقول فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وقولهم يجوز خلف الوعيد لأنه محض كرم مع أنه تعالى قال إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ وقد جعلت في هذه المسألة رسالة مستقلة مسماة بالقول السديد في خلف الوعيد ردا على بعض أهل السنة حيث وافق المعتزلة (والرّؤية) أي رؤية الله سبحانه وتعالى وفي الدار الآخرة أنكرها المعتزلة (والمخلوق) أي الخلق كالمعقول بمعنى العقل أي خلق القرآن ومعناه أن القرآن مخلوق كما قالوه وقال الدلجي أي وأنكر مخلوقيته له تعالى كالمفوضة إذ قالوا إن الله خلق محمدا وفوض إليه خلق الدنيا فهو الخالق لها بما فيها ومثلهم من أنكر مخلوقية الشر له تعالى وأثبتها للشيطان وأو غيره انتهى ولا يخفى أن هذا المعنى لا يلائم لأنه كفر وزندقة والكلام في اعتقادات أهل البدعة (وخلق الأفعال) كالجبائي وأشياعه حيث اثبتوها للعباد (وبقاء الأعراض) بأنواعها وهو جمع عرض بفتحتين وهو في اصطلاح المتكلمين ما لا بقاء له كالألوان والأشكال والحركة والسكون والحق ما عليه الأشعري واتباعه أنه لا يبقى أكثر من زمن واحد لأنها كلها على التقضي والتجدد كالحركات والأزمنة والأصوات وبقاؤها عبارة عن تجدد أمثالها كلما انقضى واحد تجدد مثله بمجرد ارادته تعالى بوقته الذي خلقه فيه وقد قال ابن عربي بنفي بقاء الذوات أيضا وأن بقاءها في نظر الناظر إنما هو بتجدد أمثاله سريعا في ادبارها واقبالها حتى تختفي حقيقة حالها ومآلها (والتّولّد) الذي قالته المعتزلة وهو أن حركة النظر مثلا في الدليل تولد العلم بالنتيجة عقبها كحركة اليد تولد حركة المفتاح للفتح وقيل إن الآثار التي توجد عقيب أفعال العباد بمجرد العادة كالألم عقيب الضرب والانكسار عقيب الكسر تسميها المعتزلة المتولدة بفتح اللام على صيغة المجهول ويزعمون أنها حاصلة