الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بعلمه عن غيرك ويروى واستأثرت به (في علم الغيب عندك) قيل اسماء الله أربعة الآف اسم ألف استأثر بها وألف علمها الملائكة وألف أعلمها الأنبياء وألف في الكتب المنزلة منها تسعة وتسعون في القرآن وواحد في صحف إبراهيم وثلاثمائة في التوراة ومثلها في الزبور ومثلها في الأنجيل (وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ [يوسف: 76] ) أي من هو اعلم منه (قَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ وَغَيْرُهُ حَتَّى يَنْتَهِيَ العلم إلى الله تعالى) أو فوق العلماء كلهم من هو أعلم منهم وهو الحكيم العليم (وَهَذَا مَا لَا خَفَاءَ بِهِ إِذْ مَعْلُومَاتُهُ تعالى لا يحاط بها) وقد قال تعالى وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً وقال وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ (ولا منتهى لها) أي لمعلوماته سبحانه وتعالى أزلا وأبدا فلا يتصور أن يحيط به علم البشر؛ (هذا) أي ما ذكر (حكم عقد النبيّ) أي جزم قلبه (في التّوحيد) أي في توحيد ربه (والشّرع) أي المكلف به من أمره ونهيه (والمعارف الالهية) أي الأسرار الربانية (والأمور الدّينية) أي والأنوار المنبعثة عن الأحوال الدينية والأفعال الأخروية.
فصل [وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ مُجْمِعَةٌ عَلَى عِصْمَةِ النَّبِيِّ من الشيطان إلى آخره]
(واعلم أنّ الأمّة مجمعة) وفي نسخة مجتمعة (على عصمة النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم) أي حفظه وحمايته (من الشّيطان) لقوله تعالى إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ (وكفايته) أي وعلى كفاية الله له وفي نسخة وحراسته (منه) أي من ضرره الظاهري والباطني كما بينه بقوله (لا في جسمه) أي ظاهر جسده (بأنواع الأذى) كالجنون والإغماء (ولا على خاطره بالوساوس) أي على وجه الالقاء وفي نسخة بالوسواس أي بجنسه الذي يوسوس في صدور سائر الناس (وقد أخبرنا القاضي الحافظ أبو عليّ) أي ابن سكرة رحمه الله قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ خيرون) بالمنع والصرف (العدل) أي الثقة (حدّثنا أبو بكر البرقانيّ) بفتح الموحدة هو الحافظ الإمام أحد الأعلام أحمد بن محمد بن أحمد بن غالب الخوارزمي الشافعي شيخ بغداد (حدّثنا أبو الحسن الدّارقطني) وهو شيخ الإسلام والدارقطني محلة ببغداد (حدّثنا إسماعيل الصّفّار) بتشديد الفاء (حدّثنا عباس) بالموحدة والسين المهملة (التّرقفي) بفتح المثناة الفوقية ثم راء ساكنة ثم قاف مضمومة ثم فاء مكسورة ثم ياء النسبة ثقة متعبد أخرج له ابن ماجة (حدّثنا محمد بن يوسف) هذا هو الغرياني وعاش اثنتين وتسعين سنة (حدّثنا سفيان) أي الثوري على ما هو الظاهر (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن سالم بن أبي الجعد) الأشجعي الكوفي يروي عن عمر وعائشة مرسلا وعن ابن عباس وابن عمر وعنه الأعمش وجماعة ثقة (عن مسروق) أي ابن الأجدع الهمداني أحد الأعلام يروي عن أبي بكر وعمر ومعاذ ومعاوية قال الشعبي وكان أعلم بالفتيا من قريش وقال أبو إسحاق حج مسروق فما نام إلا ساجدا وقالت امرأة مسروق كان يصلي حتى تورم قدماه أخرج له الأئمة الستة (عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تعالى عليه وسلم ما
منكم من أحد) من زائدة مؤكدة (إلّا قد وكّل) وفي نسخة إلا وكل وهو بصيغة المجهول وفي نسخة إلا وكل الله (بِهِ قَرِينُهُ مِنَ الْجِنِّ وَقَرِينُهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ) وفي رواية من الملك (قالوا وإيّاك يا رسول الله) أي وأنت وكل بك قرينك من الجن (قال وإيّاي) أي وقد وكل بي قريني (ولكنّ الله تعالى أعانني عليه فأسلم) بفتح الميم أي انقاد وقيل آمن وفي نسخة بضمها أي أسلم من شره. (زاد غيره) أي سفيان أحد رواته (عن منصور فلا) ويروى ولا (يأمرني إلّا بخير) هذا الحديث أخرجه المصنف كما ترى من حديث مسروق عن ابن مسعود والحديث في مسلم لكن من حديث سالم بن أبي الجعد عن أبيه عن ابن مسعود وإنما اكثر إخراجه من هذه الطريق دون طريق مسلم لما فيها من العلو مع صحة الإسناد كذا ذكره الحلبي وقال الدلجي هذا الحديث في البخاري ولعله بسند آخر والله تعالى أعلم (وعن عائشة بمعناه) لا يعرف مخرج مبناه وروي في الباب أيضا عن ابن عباس بسند أحمد قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ليس منكم أحد إلا وقد وكل به قرينه من الشياطين قالوا وأنت يا رسول الله قال نعم ولكن الله أعانني عليه فأسلم (روي فأسلم بضمّ الميم) أي وفتح همزة المتكلم من السلامة (أي فأسلم أنّا منه) أي فأخلص (وصحّح بعضهم هذه الرّواية ورجّحها) أي من جهة الدارية وممن صححها سفيان بن عيينة فإنه زعم أن الشيطان لا يسلم كما نقله الغزالي في الاحياء، (وروي فأسلم) أي بصيغة الماضي المعلوم (يعني القرين أنّه انتقل عن حَالِ كُفْرِهِ إِلَى الْإِسْلَامِ فَصَارَ لَا يَأْمُرُ) كرواية البخاري (إلّا بخير كالملك، وهو ظاهر الحديث) أي بناء على الفعل الماضي مع أنه يحتمل أن يكون معناه انقاد واستسلم ويؤيده رواية المتكلم، (وروى بعضهم فاستسلم) أي أذعن وانقاد وذكر ابن الأثير رواية فأسلم بفتح الميم ورواية فاسلم بضم الميم ورواية حتى اسلم أي انقاد كذا لفظه ثم قال ويشهد للأول يعني رواية فتح الميم الحديث الآخر كان شيطان آدم كافرا وشيطاني مسلما (قال القاضي أبو الفضل رضي الله تعالى عنه) يعني المصنف (فَإِذَا كَانَ هَذَا حُكْمَ شَيْطَانِهِ وَقَرِينِهِ الْمُسَلَّطِ) أي باعتبار جنسه (على بني آدم) وفي نسخة على كل أحد من بني آدم (فكيف) أي الظن (بمن بعد) أي من شياطين الجن (عنه) أي عن النبي عليه الصلاة والسلام ويروى منه (ولم يلزم صحبته ولا أقدر) بصيغة المجهول أي مكن ولا جعل له قدرة (على الدّنوّ منه) أي القرب من حضوره والمعنى أي يقع في وهم أنه عليه الصلاة والسلام لا يسلم منه لا بل الأولى أن يسلم بدليل أنه لم يكن له عليه كغيره من النبيين سلطان (وقد جاءت الآثار بتصدّي الشّياطين) أي بتعرضه (له في غير موطن) أي من الصلاة وغيرها وفي نسخة في غير موطن أي في مواطن كثيرة (رغبة) أي لأجل الميل والتوجه (في إطفاء نوره) وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ (وإماتة نفسه) أي اهلاك ذاته واعدام صفاته (وإدخال شغل) بضم فسكون وبضمتين وبفتح فسكون أي اشغال بال (عليه إذ يئسوا) أي جنس الشيطان (من إغوائه) أي إضلاله وإفساد أمره (فانقلبوا خاسرين) أي فرجعوا خائبين خاسئين ذليلين صاغرين (كتعرّضه) أي الشيطان (لَهُ فِي صَلَاتِهِ فَأَخَذَهُ
النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم وأسره) أي استولى عليه وقهره ويروى فأسره. (ففي الصّحاح) أي البخاري ومسلم وغيرهما (قال أبو هريرة رضي الله تعالى عنه عنه عليه السلام أي مرفوعا (إنّ الشّيطان عرض لي) أي ظهر (قال عبد الرّزّاق) أي الصغاني على ما في الصحيحين (في صورة هرّ) لما أوتوه من قوة التشكل كالملائكة إلا أن الملك لا يتصور إلا بشكل حسن بخلاف الشيطان (فشدّ) بتشديد الدال أي حمل (عليّ يقطع عليّ الصّلاة) حال أو استئناف وأبعد الدلجي في قوله حذفت لام العلة منه للعلم بها وهو مأول بمصدر (فأمكنني الله منه) أي فأقدرني من أخذه وأسره وقواني على قهره (فذعتّه) بذال معجمة وقيل مهملة قال النووي وأنكر الخطابي المهملة وصححها غير وصوبه وإن كانت المعجمة أوضح وأشهر انتهى وعند ابن الحذاء في حديث ابن أبي شيبة فذغته بذال وغين معجمتين وفتح عين مهملة مخففة وتشديد فوقية أي خنقته خنقا شديدا أو دفعته دفعا عنيفا أو معكته في التراب كالغط في الماء وفي رواية ابن أبي الدنيا عن الشعبي مرسلا أتاني شيطاني فنازعني ثم نازعني فأخذت بحلقه فو الذي بعثني بالحق ما أرسلته حتى وجدت برد لسانه على يدي ولولا دعوة أخي سليمان أصبح طريحا في المسجد (ولقد هممت) أي قصدت (أن أوثقه) أي أربطه (إلى سارية) أي اسطوانة وفي رواية بسارية من سواري المسجد (حتّى تصبحوا) أي تدخلوا في الصباح أو تصيروا (تنظرون) وفي نسخة ناظرين (إليه فذكرت) أي فتذكرت (قول أخي) أي في النبوة (سليمان) أي ابن داود وفي رواية دعوة أخي سليمان أي دعاءه (رَبِّ اغْفِرْ) قدم طلب المغفرة فإنه الأمر الديني على المطلب الدنيوي المشار إليه بقوله (لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً [ص: 35] الآية) أي لا ينبغي لأحد من بعدي أي لا يتسهل أو لا يصح أو لا يكون لأحد غيري لتكون معجزة مختصة بي (فردّه الله خاسئا) أي خائبا خاسرا قال المصنف في شرح مسلم كما نقله عنه النووي أنه مختص بهذا فامتنع نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم من ربطه إما لأنه لم يقدر عليه لذلك وإما لأنه مختص بهذا فامتنع نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم من ربطه إما لأنه لم يقدر عليه لذلك وإما لأنه لما تذكر ذلك لم يتعاط ذلك لظنه أنه لا يقدر عليه أو تواضعا وتأدبا انتهى أو إيماء لكونه معجزة مختصة به. (وفي حديث أبي الدّرداء) وهو عمير وقيل اسمه عامر ولقبه عويمر واختلف في اسم أبيه على سبعة أقوال وبنته الدرداء روى عنه ابنه بلال وزوجته أم الدرداء توفي بدمشق سنة إحدى وثلاثين وقد اسلم عقيب بدر إلا أنه فرض له عمر والحقه بالبدريين لجلالته (عنه عليه الصلاة والسلام فيما رواه مسلم (إنّ) بفتح الهمزة ويجوز كسرها (عدوّ الله إبليس جاءني بشهاب) أي بشعلة مضيئة مقتبسة (من نار ليجعله في وجهي) أي ليحرقه، (والنبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم في الصّلاة) جملة حالية معترضة بين ما رواه أبو الدرداء من لفظه صلى الله تعالى عليه وسلم وبين ما ذكره بمعناه لبيان وقت مجيء عدو الله إلى حبيب الله (وذكر) أي أبو الدرداء (تعوّذه بالله منه ولعنه له) بلفظ أعوذ بالله منك العنك بلعنة الله تعالى وقوله عليه الصلاة والسلام (ثمّ أردت
آخذه وذكر) أي أبو الدرداء (نحوه) أي نحو حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه من قوله ولقد هممت أن أوثقه (وقال لأصبح موثقا) بفتح المثلثة أي مقيدا (يتلاعب به ولدان أهل المدينة) أي صبيانهم وصغارهم (وكذلك) أي وكما في حديث أبي الدرداء (في حديثه) فيما رواه البيهقي عن عبد الرحمن بن حبيش (في الإسراء) أي إلى بيت المقدس والسماء (وطلب عفريت له) برفع طلب مضافا وفي نسخة يجره أي طلب خبيث متمرد يعفر أقرانه أي يصرعهم ويفزعهم ويمرغهم في التراب ويهلكهم (بشعلة نار فعلّمه جبريل عليه السلام ما يتعوّذ به منه وذكره) أي هذا الحديث (في الموطّأ) بهمزة أو ألف وهو كتاب للإمام مالك وفي حديث البخاري أن عفريتا تفلت على الْبَارِحَةَ لِيَقْطَعَ عَلَيَّ صَلَاتِي فَأَمْكَنَنِي اللَّهُ مِنْهُ فأخذته فذعته ولولا دعوة أخي سليمان لربطته بسارية من سواري المسجد فأصبح يلعب به ولدان المدينة، (ولمّا لم يقدر) أي عدو الله (على أذاه بمباشرته) أي إياه (تسبّب بالتّوسّط إليإ عداه) بكسر العين وهو اسم جمع أي اعدائه من كفار قريش وغيرهم (كقضيّته مع قريش في الائتمار) أي التشاور (بقتل النّبي صلى الله تعالى عليه وسلم وتصوّره) أي إبليس (في صورة الشّيخ النّجديّ) وإنما انتسب اللعين بذلك لأنهم قالوا لا تدخلوا معكم أحدا من أهل تهامة فإن هواهم مع محمد عليه الصلاة والسلام ومجمل القصة أنه جاءهم وهم بدار الندوة بمكة وقد بلغهم إسلام الأنصار من أهل المدينة في العقبة فجزعوا ولدفعه اجتمعوا فدخل عليهم وقال أنا من نجد سمعت اجتماعكم ولن تعدموا مني رأيا ونصحا لكم فقال أبو البحتري أرى أن تحبسوه في مكان وتسدوا منافذه غير كوة تلقون إليه طعامه شرابه منها فقال إبليس بئس الرأي يأتيكم من يقاتلكم من قومه ويخلصه منكم فقال هشام بن عمرو أرى أن تحملوه على حمل فتخرجوه من أرضكم فلا يضركم ما يصنع فقال بئس الرأي يفسد قوما غيركم ويقاتلكم فقال أبو جهل أرى أن تأخذوا من كل بطن غلاما وتعطوه سيفا فيضربوه ضربة واحدة فيفترق دمه في القبائل فلا يقوى بنو هاشم على حرب قريش كلهم فإذا طلبوا عقله أي ديته عقلناه فقال صدق الفتى فتفرقوا على رأيه فأخبره جبريل عليه السلام بذلك وأمره أن لا يبيت في مضجعه وأذن له بالهجرة إلى المدينة فخرج وأخذ قبضة من تراب وجعل ينثره على رؤوسهم ويقرأ وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ ومضى إلى الغار من ثور هو وأبو بكر إلى آخر القصة فنزل وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (ومرّة أخرى) أي وكتصوره (في غزوة يوم بَدْرٍ فِي صُورَةِ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكٍ) وَهُوَ ابن جعشم الكناني على ما رواه ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما (وَهُوَ قَوْلُهُ: وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ [الأنفال: 48] الآية) يعني وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وأني جار لكم أي مجيركم من بني كنانة فإنكم لا تغلبون ولا تطاقون لكثرتكم عددا وعددا وأوهمهم أن لهم الغلبة أبدا حتى قالوا اللهم انصر إحدى الفئتين وأفضل الملتين فلما تراءت
الفئتان نكص على عقبيه أي رجع القهقرى وكانت يده في الحارث بن هشام فقال له إلى أين تريد أن تخذلنا أفرارا من غير قتال فدفع في صدر الحارث وقال إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله وانطلق متبرئا من أفعالهم ويائسا من أحوالهم لما رأى من امداد الله تعالى المؤمنين بالملائكة الدال على أن لهم النصرة والغلبة فانهزم الكفرة فقيل هزم الناس سراقة فقال والله ما شعرت بمسيرتكم حتى بلغني خبر هزيمتكم فلم يعلموا أنه الشيطان حتى اسلم بعضهم، (ومرّة) أي وتصوره كرة أخرى (ينذر بشأنه) أي يخبر بحاله صلى الله تعالى عليه وسلم ليخوف الناس منه ويحذرهم عنه (عند بيعة العقبة) أي عقبة منى السفلى ليلة بايع الأنصار على أنه إن آتاهم آووه ونصروه ودفعوا عنه كما يحمي الرجل عن جريحه قال الإمام أبو الليث في تفسيره وقد هاجر إليهم بعد هذا بحولين؛ (وكلّ هذا) أي وجميع ما ذكر (فقد كفاه الله أمره وعصمه) أي حفظه ومنعه (ضرّه) بفتح أوله وضمه (وشرّه) ويروى من ضره وشره (وقد قال عليه الصلاة والسلام أي فيما رواه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه (إنّ عيسى عليه السلام كفي) بصيغة المجهول أي وقي (من لمسه) أي حبسه وحسه (فجاء) الفاء للتفريع فلما قصد (ليطعن) بفتح العين ويضم أي ليضرب (بيده في خاصرته) أي جنبه (حين ولد) أي حين خرج من بطن أمه (فطعن في الحجاب) أي المشيمة وهي الغشاء الذي يكون الجنين في داخله وقيل حجاب بين الشيطان وبين مريم والله تعالى أعلم والظاهر أن عيسى عليه السلام مختص بهذا الإكرام خلافا لما ذكره الدلجي من تعميم الأنبياء في هذا المرام ففي حديث البخاري وغيره ما من مولود يولد إلا ويمسه الشيطان حين يولد فيستهل صارخا إلا مريم وابنها وذلك لدعاء جدته ربها أن يعيذ أمه وذريتها من الشيطان الرجيم (وقال عليه الصلاة والسلام فيما رواه الشيخان عن عائشة (حين لد في مرضه) بضم اللام وتشديد الدال أي سقي دواء من أحد شقي فمه بغير اذنه لغشيانه وظن أنه أصابه وجع في جنبه وذلك يوم الأحد وتوفي يوم الاثنين الذي يليه مع الزوال فلما أفاق قال لا يبقى في البيت أحد الألد قال ذلك عقوبة لهم (وَقِيلَ لَهُ خَشِينَا أَنْ يَكُونَ بِكَ ذَاتُ الجنب) وهو علم لدمل كبير وهو قرحة تظهر في باطن الجنب الأيسر وتنفجر إلى داخل قلما يسلم صاحبها (فقال) أعاده لطول الفصل (إِنَّهَا مِنَ الشَّيْطَانِ وَلَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيُسَلِّطَهُ عليّ) وضمير أنها إلى لدهم له وأنثه باعتبار صنعتهم لا كما قال الدلجي باعتبار صدوره مرة واحدة ثم نسبه إلى الشيطان لأنه كان سبب وسوسته لهم بذلك حتى فعلوا ما لم يأذنهم هنالك (فإن قيل) إذا كان الله لم يسلطه عليه (فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ) أي نازغ وناخس منه (فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ [الأعراف: 200] الآية) أي قوله تعالى إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ أي سميع لمقالك وعليم بحالك (فقد قال بعض المفسّرين) أي لدفع هذا الإشكال الوارد في السؤال (إنّها) أي الآية (رَاجِعَةٌ إِلَى قَوْلِهِ: وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ [الْأَعْرَافِ: 199] ) أي المصدر بقوله خُذِ الْعَفْوَ أي ما سهل من اخلاق الناس من غير كلفة ومشقة حذرا من
النفرة عن الحضرة وأمر بالعرف أي المعروف من الفعل الجميل وهذه الآية أجمع مكارم اخلاق الأنام بشهادة قول جبريل له عليهما السلام وقد سأله عنها فقال لا أدري حتى اسأل ربي ثم رجع فقال يا محمد إن ربك أمرك أَنْ تَصِلَ مَنْ قَطَعَكَ وَتُعْطِيَ مَنْ حَرَمَكَ وتعفو عمن ظلمك (ثمّ قال) أي الله سبحانه وتعالى أو بعضهم في تفسير قوله (وإمّا ينزغنّك أي يستخفنّك) يعني يزعجك ويحملك على الخفة ويزيل حملك (غضب يحملك على ترك الإعراض عنهم) أي مثلا (فاستعذ بالله) ولا تطع من سواه (وقيل النّزغ هنا الفساد كما قال) أي الله تعالى حكاية عن يوسف عليه السلام لأبيه ومن معه تحدثا بنعمة ربه وجاء بكم من البدو (مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي [يوسف: 100] وقيل ينزغنّك) أي معناه (يغرينّك) أي من الاغراء بالغين المعجمة والراء وهو الالزام وفي نسخة يغوينك بالواو من الاغواء (ويحرّكنّك) أي بالقيام في طلب ما له من المرام، (والنّزغ أدنى الوسوسة) أي حديث النفس والخطرة التي ليس بها عبرة (فَأَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ مَتَى تَحَرَّكَ عَلَيْهِ غضب على عدوّه) أي مثلا (أو رام الشّيطان) أي قصد (من إغرائه به) أي تسليطه وفي نسخة من اغوائه أي من اضلاله (وخواطر أدنى وساوسه) أي مقدمات هواجسه (ما لم يجعل) بصيغة المجهول أي لم يقدر الله تعالى (له سبيل إليه) أي بحيث يتسلط عليه (أن يستعيذ منه فيكفى أمره) بصيغة المفعول ونصب أمره ويحتمل أن يكون مبنيا للفاعل أي فيكفي الله أمره ويدفع شره وضره (ويكون) أي استعاذته من وسوسته (سبب تمّام عصمته) وظهور حالته عند أمته مع إفادة تعليمه لأهل ملته (إِذْ لَمْ يُسَلَّطْ عَلَيْهِ بِأَكْثَرَ مِنَ التَّعَرُّضِ له) أي بمجرد وسوسته (ولم يجعل له قدرة عليه) أي لعصمته (وَقَدْ قِيلَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ غَيْرُ هَذَا) أي من الأقاويل في باب التأويل (وكذلك) أي وكعصمته عليه الصلاة والسلام من إبليس ووسوسته (لَا يَصِحُّ أَنْ يَتَصَوَّرَ لَهُ الشَّيْطَانُ فِي صورة الملك ويلبّس) بفتح الياء وكسر الباء أو بضم أوله وتشديد الموحدة أي يخلط (عليه) ويشكك في أمره إليه (لا في أوّل الرّسالة ولا بعدها) أي بالأولى (والاعتماد في ذلك) أي في عدم صحة تصور الشيطان له في صورة الملك (دليل المعجزة) فإنما هي للتثبيت له بالعصمة والتأييد له بالحكمة وتوضيحه أنه لما كانت المعجزة قائمة مقام قول الله تعالى صدق عبدي لمدعي النبوة فمحال أن يجد الشيطان إليه سبيلا بالغلبة (بل لا يشكّ النّبيّ) أي في الأنبياء (أَنَّ مَا يَأْتِيهِ مِنَ اللَّهِ الْمَلَكُ وَرَسُولُهُ) أي أنه هو المرسل إليه بوحيه لديه وفي نسخة على يديه (حقيقة) أي من غير تردد فيه (إمّا بعلم ضروريّ يخلقه الله تعالى له) أي فيعتمد عليه (أو ببرهان يظهره لديه) وفي نسخة على يديه (لتتمّ كلمة ربّك) أي أيها المخاطب بالخطاب العام وفيه إيماء إلى ما في التنزيل من قوله وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ (صِدْقاً) في الاخبار والاعلام (وَعَدْلًا) في الأحكام نصبهما على التمييز أو الحالية لا كما قال الدلجي على المفعولية (لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ) ولا محول لإرادته. (فَإِنْ قِيلَ فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ) هذا صريح في الفرق بينهما
والأظهر أن الرسول من أوحى إليه وأمر بالدعوة والنبي أعم والله تعالى أعلم (إِلَّا إِذا تَمَنَّى) أي قرأ وتلا (أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ [الحج: 52] ) أي تلاوته وقراءته مما يشغله به عن استغراقه في بحور العوارف واشتغاله بكنوز المعارف (الآية) أي فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ أي يبطله ويزيله ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ الْآيَةَ (فَاعْلَمْ أَنَّ لِلنَّاسِ فِي مَعْنَى هَذِهِ الآية أقاويل) أي كثيرة شهيرة (منها) أي من تلك الأقاويل (السّهل) أي الهين المقبول (والوعر) أي الصعب الوصول وفي نسخة صحيحة بدله (والوعث) بسكون العين ويكسر وبالمثلثة الطريق العسير ومنه ما ورد اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر أي شدائد مشقته (والسّمين) أي الكلام المتين القوي (والغثّ) بفتح الغين المعجمة وتشديد المثلثة أي المهزول الضعيف الردي، (وأولى ما يقال فيها) أي في الآية (ما عليه الجمهور من المفسّرين) كما ذكره البغوي أيضا (أن التّمنّي ههنا التّلاوة) يقال تمنيته إذا قرأته وفي مرثية عثمان رضي الله تعالى عنه:
تمنى كتاب الله أول ليلة وآخره:
لاقى حمام المقادر
(وإلقاء الشّيطان فيها) أي في تلاوته (شغله) بفتح أوله وضمه وفي نسخة اشتغاله أي شغل الشيطان إياه (بخواطر) أي ردية (وإذكار من أمور الدّنيا) أي الدنية (للتّالي) أي للقارئ من النبي فضلا عن غيره (حتّى يدخل عليه) من الإدخال أي يوصل إليه الشيطان أو شغله إياه (الوهم) أي السهو والخطاء (والنّسيان فيما تلاه) أي فيما قرأه من جهة مبناه أو طريق معناه (أو يدخل غير ذلك في) وفي نسخة على (أفهام السّامعين من التّحريف) في لفظ التنزيل ومبناه (وسوء التّأويل) أي في معناه (ما يزيله الله وينسخه) أي يدفعه ويرفعه (ويكشف لبسه) بفتح أوله أي ويبين خلطه ويظهر غلطه (ويحكم آياته) أي ويثبت بيناته (وسيأتي الكلام على هذه الآية بعد) أي بعد ذلك في فصل (بأشبع من هذا) أي أبسط وأوسع (إن شاء الله، وقد حكى السّمرقنديّ) أي الإمام أبو الليث الحنفي (إنكار قول من قال بتسلّط الشّيطان) ويروى بِتَسْلِيطِ الشَّيْطَانِ (عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَغَلَبَتِهِ عَلَيْهِ وأنّ مثل هذا لا يصحّ) يعني فإذا كان لا يصح تسلط الشيطان على ملك سليمان من الأمور الدنيوية فبالأحرى أن لا يصح له التسلط على الأنبياء فيما يتعلق بالأمر الديني والأخروي (وقد ذكرنا) أي وسنذكر (قِصَّةَ سُلَيْمَانَ مُبَيَّنَةً بَعْدَ هَذَا وَمَنْ قَالَ) أي ونذكر من قال في تأويله (إنّ الجسد) أي في قوله تعالى وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً (هو الولد الّذي ولد له) أي ناقصا جاءت به إحدى نسائه فألقته القابلة على كرسيه وذلك حين قال لأطوفن الليلة على نسائي كلهن الحديث، (وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ مَكِّيٌّ فِي قِصَّةِ أَيُّوبَ وقوله) أي وفي قوله أي الله سبحانه وتعالى حكاية عنه (أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ
بِنُصْبٍ) بضم وسكون وقرأ يعقوب بفتحها أي بتعب (وَعَذابٍ [ص: 41] ) زيد في نسخة ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ (إنّه) أي الشأن (لا يجوز لأحد أن يتأوّل) أي الآية برأيه ويزعم (أَنَّ الشَّيْطَانَ هُوَ الَّذِي أَمْرَضَهُ وَأَلْقَى الضُّرَّ في بدنه) لعدم قدرته على ذلك ولو قدر عليه لم يدع صالحا إلا نكبه هنالك (ولا يكون ذلك) أي ما أصابه من المرض والضر العرض (إلّا بفعل الله وأمره ليبتليهم) أي ليمتحنهم كما ورد أشد الناس بلاء الأنبياء (ويثبّتهم) من التثبيت أو الاثبات أي يؤيدهم بالعصمة ويقويهم بالحكمة وفي نسخة ويثيبهم من الإثابة أي ويجازيهم على بلائهم ثوابا جزيلا وثناء جميلا وإسناد المس إلى الشيطان مجاز مراعاة للأدب في تعظيم الرب اقتداء بإبراهيم حيث قال وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ حيث لم يقل أمرضني مع أن أيوب عليه السلام ما حكى مجرد ضرر المرض بل شكا ما حصل له من نصب وعذاب كان الشيطان لهما من الأسباب فقد روي أن إبليس اعترض امرأته في هيئة ليس كهيئة بني آدم في العظم والجسم والجمال على مركب ليس من مراكب الناس كالخيل والبغال فقال لها أنت صاحبة أيوب هذا الرجل المبتلى قالت نعم قال لها هل تعرفينني قالت لا قال أنا إله الأرض وأنا الذي صنعت بصاحبك ما صنعت لأنه عبد إله السماء وتركني فأغضبني فأنت لو سجدت لي سجدة واحدة رددت عليك المال والأولاد وعافيت زوجك فرجعت إلى أيوب فأخبرته بما قال لها قال أتاك عدو الله ليفتنك عن دينك فعند ذلك قال مسني الضر من طمع إبليس في سجود حرمتي له ودعائه إياها إلى الكفر بالله سبحانه وتعالى، (قال مكّيّ: وقيل إنّ الّذي أصابه الشَّيْطَانُ مَا وَسْوَسَ بِهِ إِلَى أَهْلِهِ فَإِنْ قلت فما معنى قوله تعالى) أي حكاية (عن يوشع) غير منصرف للعلمية والعجمة وهو ابن نون (وَما أَنْسانِيهُ بكسر الهاء وضمها لحفص (إِلَّا الشَّيْطانُ [الكهف: 63] ) أي أن أذكره (وقوله) أي وما معنى قوله تعالى (عن يوسف عليه السلام أي في حقه (فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ [يوسف: 42] ) بأن وسوس له بخواطر مما يورثه أن يكل أمره إلى غير ربه مستعينا به في خلاصه من السجن وتعبه لحديث رحم الله أخي يوسف لو لم يقل اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ لما لبث في السجن سبعا بعد الخمس والاستعانة في كشف الشدائد والضراء وإن حمدت في الجملة إلا أنها غير لائقة بالأنبياء والكمل من الأولياء (وقول نبيّنا عليه الصلاة والسلام أي وما معنى قوله كما في رواية مسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه (حين نام عن الصّلاة) أي صلاة الفجر (يوم الوادي) أي الذي أمر بلالا أن يكلأ له فيه الفجر فغلبه النوم حتى مسهم حر الشمس (إنّ هذا واد به شيطان) ارتحلوا ثم قضى صلاة الصبح بعد ارتحالهم منه وهو مؤذن بجواز تأخير الفائتة بعذر فهو مخصص لعموم حديث البخاري من فاتته صلاة فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك (وقول موسى عليه السلام أي وما معناه (في وكزته) أي القطبي وهو ضربه في مصدره بجمع كفه الذي صار سبب قتله (هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ [القصص: 65] ) أي لصدوره منه قبل أن يؤذن له في ضربه أو قتله وجعله من
عمل الشيطان وتسميته ظلما واستغفاره منه جار على كريم عادة الأنبياء من استعظام ما تركه أولى من الأشياء (فاعلم أنّ هذا الكلام) أي منهم عليهم الصلاة والسلام (قد يرد في جميع هذا) أي مما حكي عنهم (مورد مستمر) بالنصب وفي نسخة على مورد مستمر (كلام العرب) أي مجرى دأبهم ومطرد عادتهم (في وصفهم كلّ قبح مِنْ شَخْصٍ أَوْ فِعْلٍ بِالشَّيْطَانِ أَوْ فِعْلِهِ) القبح منظره وسوء فعله في طباع الناس لاعتقادهم أنه شر محض لا خير فيه (كما قال تعالى) في مذمة شجرة الزقوم (طَلْعُها) أي ثمرها (كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ [الصافات: 65] ) لتناهي قبحه وهول منظره وهو تشبيه تخييلي كتشبيه الفائق في حسن عظيم بملك كريم قال تعالى إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (وقال) أي وكما قال (صلى الله تعالى عليه وسلم) على ما رواه الشيخان (فيمن يريد أن يمر بين يدي المصلي) وأول الحديث إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه فإن أبى (فليقاتله فإنّما هو شيطان) أي إنسي أو جني شبهه به تقبيحا لمروره بين يديه لمشابهة فعله في قبح أمره لشغل خاطره واذهاب خشوعه وخضوعه به (وايضا) مصدر من آض اذا رجع أي ونرجع ونقول (فإنّ قول يوشع) لموسى وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ (لا يلزمنا الجواب عنه) وفي نسخة عليه، (إِذْ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ) أي وقت كونه في خدمة موسى (نبوّة مع موسى) بل يظهر فيه أنه لم يكن نبيا وأنه كان تابعا لملازمته، (قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ [الكهف: 60] والمرويّ أنّه إنّما نبّىء بعد موت موسى، وقيل قبيل موته) ويروى قبل موته أي موت موسى نعم يلزم الجواب عنه لمن قال بعصمة الأنبياء قبل النبوة وبعدها إذ لا سبيل للشيطان عليهم مطلقا وقد يقال للشيطان هضما لنفسه وتأدبا مع ربه؛ (وقول موسى) أي في حال وكز القبطي هذا من عمل الشيطان (كان قبل نبوّته بدليل القرآن) فإنه يدل على أن قتله كان قبل هجرته إلى مدين إذ وقع سببا لها وقد روي أنه لما قضي الأجل مكث بعده عند صهره شعيب عشرا أخرى ثم استأذنه في العود إلى مصر واتفق له ذلك السفر وارساله كان بعد رجوعه من مدين إلى فرعون وفيه أنه لم يحتمل أنه كان نبيا ولم يكن رسولا لقوله تعالى قبل هذه القصة وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ودخل المدينة الآية (وقصّة يوسف) أي وهو في السجن (قد ذكر) ويروى قد ذكرنا (أنّها كانت) أي كلها كما في نسخة (قبل نبوّته) أي على قول بعضهم وإلا فقد قال بعضهم إنه نبئ في الجب بدليل قوله تَعَالَى وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ نعم رسالته كانت متأخرة؛ (وقد قال المفسّرون في قوله: فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ [يوسف: 42] ) أي ذكر ربه بعد قول يوسف له اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ (قولين) أي تأويلين (أَحَدُهُمَا أَنَّ الَّذِي أَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ أحد صاحبي السّجن) وهو الشرابي (وربّه) أي وسيده (الملك) بكسر اللام (أي أنساه) أي الشيطان الشرابي (أن يذكر) من الذكر أو التذكير والأول أوفق بقوله اذْكُرْنِي (للملك) وفي نسخة الملك (شأن يوسف عليه السلام أي