الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تبليغ الرسالة (وإظهار دين الله تعالى) في كل حالة (ويذهب) بضم الياء وكسر الهاء وفي نسخة بفتحها أي وليزيل أو يزول (عنهم خوف العدو المضعف) بتخفيف العين وتشديدها أي الموهن (للنّفس) وفي نسخة صحيحة لليقين. (وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ [الحاقة: 44] الآية) وقد سبقت (وَقَوْلُهُ إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ [الْإِسْرَاءِ: 75] فَمَعْنَاهُ أنّ هذا) يجوز كسر همزه وفتحه والإشارة إلى ما ذكر من الأخذ والإذاقة (جزاء من فعل هذا) أي الافتراء والميل إلى كلام الأعداء (وجزاؤك لو كنت) أي فرضا وتقديرا (ممّن يفعله) أي يتصور له فعله (وهو لا يفعله) أي لا يجيء منه فعله وفي هذا مبالغة للزجر عما ذكر لغيره ممن يتصور منه فعله (وكذلك) أي ومثل ما تقدم من التأويل (قَوْلُهُ وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [الأنعام: 116] ) أي ولو كان الخطاب له بظاهره (فالمراد غيره) مبالغة في زجره عن مخالفة أمره (كما قال) أي الله تعالى مخاطبا للأمة يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا على سبيل الحقيقة (إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا [آلِ عِمْرَانَ: 139] الْآيَةَ) أي يردوكم على أعقابكم فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ وقد نزلت حين قال المنافقون للمؤمنين بأحد عند انهزامهم إذا أرجف بقتل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كذبا ارجعوا إلى إخوانكم وادخلوا في دينهم ولو كان محمد نبيا لما قتل ثم العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب (وقوله) أي وكذلك قوله تعالى (فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ [الشُّورَى: 24] : لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزُّمَرِ: 65] وَمَا أَشْبَهَهُ فالمراد غيره) أي حقيقة ولو كان الخطاب له مجازا فيكون فيه تعريض لاستيقاظ الأمة من نوم الغفلة (وأنّ هذه) أي العقوبة المتفرعة (حال من أشرك) ومآل وبال من كفر ومن لم يوحد الله تعالى به وما أقر (والنبيّ عليه الصلاة والسلام لا يجوز عليه هذا) أي الإشراك لعصمته من ذاك إجماعا (وَقَوْلُهُ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ [الْأَحْزَابِ: 1] ) مبتدأ وكأن المصنف قدر فيه اما أو توهم فأخبر عنه بقوله (فليس فيه أنّه أطاعهم) إذ لا يلزم من النهي عن الإطاعة مخالفة الطاعة (والله سبحانه ينهاه عمّا يشاء) حيث قال وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ (ويأمره بما يشاء) حيث قال اتَّقِ اللَّهَ (كَمَا قَالَ: وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ [الأنعام: 52] الآية) أي بالغداة والعشي يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (وما كان طردهم صلى الله تعالى عليه وسلم ولا كان من الظّالمين) والتحقيق في مقام العصمة أنه لا يأمره بالموافقة ولا ينهاه عن المخالفة لأنه لا يتصور منه هذه الحالة فإما أن يحمل الآيتان على ما سبق من سائر الآيات أو على أنه أريد به التهييج والاثبات أو الامتنان عليه بهذه العصمة والثبات في الحياة إلى الممات.
فصل (وأمّا عصمتهم من هذا الفنّ)
أي من نوع المعصية مع الإجماع على عصمتهم من
الكفر (قبل النّبوّة فللنّاس فيه خلاف) ففي شرح العقائد للعلامة التفتازاني الأنبياء معصومون من الكذب خصوصا فيما يتعلق بأمر الشرائع وتبليغ الأحكام وإرشاد الأمة إما عمدا فبالإجماع وإما سهوا فعند الأكثرين وفي عصمتهم من سائر الذنوب تفصيل وهو أنهم معصومون عن الكفر قبل الوحي وبعده بالإجماع وكذا عن تعمد الكبائر عند الجمهور خلافا للحشوية وإما سهوا فجوزه الأكثرون وأما الصغائر فتجوز عمدا عند الجمهور خلافا للجبائي واتباعه وتجوز سهوا بالاتفاق إلا ما يدل على الخسة كسرقة لقمة وتطفيف حبة لكن المحققون اشترطوا أن ينبهوا عليه فينتهوا عنه هذا كله بعد الوحي وأما قبله فلا دليل على امتناع صدور الكبيرة وذهب المعتزلة إلى امتناعها والحق منع ما يوجب النفرة كعهر الأمهات والفجور والصغائر الدالة على الخسة إذا تقرر هذا فما نقل عن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مما يشعر بكذب أو معصية فما كان منقولا بطريق الآحاد فمردود وما كان بطريق التواتر فمصروف عن ظاهره إن أمكن وإلا فمحمول على ترك الأولى أو كونه قبل البعثة وتفصيل ذلك في الكتب المبسوطة. (وَالصَّوَابُ أَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ مِنَ الْجَهْلِ بالله وصفاته) أي الثبوتية والسلبية والفعلية والإضافية (والتّشكّك) وروي أو التشكك والأول أولى ومعناه التردد (في شيء من ذلك) أي من جميع جهاته المتعلقة بالأمور الدينية والأخروية (وقد تعاضدت الأخبار والآثار) أي وتعاونت وتواترت الأنباء (عن الأنبياء بتنزيههم عن هذه النّقيصة) أي منقصة الجهل في مرتبة المعرفة (منذ ولدوا) فهم معصومون قبل البلوغ أيضا عن الكفر والاصرار على المعصية (ونشأتهم) أي وبخلقتهم وفطرتهم وتربيتهم (على التّوحيد والإيمان) أي في أعلى مراتب الإيقان ومناقب الإحسان (بل على إشراق أنوار المعارف) وإطلاع أسرار العوارف (ونفحات ألطاف السّعادة) ورشحات اشراف الزيادة (كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ فِي الْبَابِ الثَّانِي مِنَ القسم الأوّل) أي في فصل الخصال المكتسبة (مِنْ كِتَابِنَا هَذَا وَلَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ مِنْ أهل الأخبار) أي لا من الكفار ولا من الأبرار (أنّ أحدا) من الناس (نبّىء) ويروى تنبأ أي جعل نبيا في مقام الاستئناس (واصطفي) أي اختير عليهم (ممّن عرف بكفر وإشراك) عطف خاص على عام (قبل ذلك) أي قبل ظهور النبوة وإظهار الرسالة (ومستند هذا الباب) أي مرجع هذا النوع من الكلام (النّقل) أي الثابت في مقام المرام (وقد استدلّ بعضهم) أي على عصمة الأنبياء من بعض أفراد المعصية على تقدير وقوعها منهم (بأنّ القلوب تنفر عمّن) ويروى عن كل من (كانت هذه سبيله) فيفوت غرض التبليغ وتحصيله (وأنا أقول إنّ قريشا) وهم عمدة قبائل العرب (قد رمت نبيّنا بكلّ ما افترته) أي ذمته بجميع ما قدرت عليه من نسبته إلا المسبة، (وعيّر) بتشديد التحتية أي وعاب (كفّار الأمم أنبياءها بكلّ ما أمكنها) أي من المعايب (واختلفته) بالقاف أي اخترعته من جميع المثالب (ممّا نصّ الله تعالى عليه) أي صرح به من الجنون والسحر والشعر والتعلم والافتراء وطلب الجاه وأمثال ذلك وفي نسخة بالقاف بدل النون (ونقلته إلينا الرّواة) أي عن كفار الأمم من الطعن في الرسل (ولم نجد في شيء من
ذلك) أي من نص الحق ورواية الخلق (تعييرا لواحد منهم) يحتمل أن يكون الواحد معرفا وقع مضافا إليه وأن يكون تعييرا مفعول لم نجد ولو أحد متعلق به (برفضه) أي بترك نبي (آلهته) أي من الأصنام بعد ما كان يلتزم عبادتها (وتقريعه) أي وبتوبيخه (بذمّه) متعلق بتعيير الواحد منهم (بترك ما كان قد جامعهم) أي وافقهم (عليه) أي في أول أمره ولو في حال صغره (ولو كان) أي وجد لأحد منهم (هذا) أي الأمر المخالف للدين المنافي لتوحيد أرباب اليقين (لكانوا) أي الكفار (بذلك) أي بإظهار ما ذكر (مبادرين) أي مسارعين إلى تعييره في تغييره (وبتلوّنه) أي تغيره وانتقاله (في معبوده) أي معبود غيره (محتجّين) أي مستدلين على تقريعه وتوبيخه (ولكان توبيخهم) أي لومهم (له بنهيهم عمّا كان يعبد قبل) أي قبل دعوى النبوة (أفظع) بالفاء والظاء المعجمة أي أشنع في النسبة (وأقطع) أي أمنع (فِي الْحُجَّةِ مِنْ تَوْبِيخِهِ بِنَهْيِهِمْ عَنْ تَرْكِهِمْ آلهتهم) التي يدعون من دون الله (وَمَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ فَفِي إطباقهم على الإعراض عنه) أي عن توبيخ أحد منهم بعبادة غير الله (دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَجِدُوا سَبِيلًا إِلَيْهِ) أي إلى نقله (إذ لو كان لنقل) أي عنهم (وما سكتوا عنه) فإنهم كانوا يفترون عليه ما لم يكن فيه موجودا فكيف إذا وجدوا إليه سبيلا محققا مشهودا (كما لم يسكتوا عند تحويل القبلة) أي صرفها عن الكعبة إلى بيت المقدس أو عن بيت المقدس إلى الكعبة ويروى عن تحويل القبلة (وقالوا) أي كفار مكة أو اليهود (مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا) أولا من الكعبة أو بيت المقدس (كما حكاه الله عنهم) بقوله سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ الآية (وقد استدلّ القاضي القشيريّ) لعله أبو نصر عبد الرحيم ابن الاستاذ أبي القاسم القشيري «1» صاحب الرسالة اجمع على جلالته وإمامته ارتفع على إمام الحرمين وعلى أبيه واعتقل لسانه في آخر عمره وكان دائم الذكر وكان لا يتكلم إلا بآي القرآن توفي سنة أربع عشرة وخمسمائة بنيسابور ولأبي القاسم القشيري ولد آخر اسمه عبد الرحمن كنيته أبو منصور أحد أولاده من فاطمة بنت الاستاذ أبي علي الدقاق وكان مستوعب العمر بالعبادة مستغرق الأوقات بالذكر والتلاوة مات سنة اثنين وثلاثين وأربعمائة بمكة مجاورا وكان له ولد آخر اسمه عبد الله أكبر أولاده وكان من أكابر الأمة فقها وأصولا وكان والده يحترمه ويعامله معاملة الأقران مولده سنة أربع عشرة وأربعمائة ومات سنة سبع وسبعين وأربعمائة قال الحلبي هذا الذي عرفته من أولاده ولم أر فيهم أحدا قاضيا والله سبحانه وتعالى أعلم والحاصل أنه استدل (على تنزيههم) أي براءة ساحتهم (عن هذا) عن مثل ما ذكر من الشرك والكفر (بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ) أي عهدهم بتبليغ الرسالة والدعاء إلى التوحيد
(1) أقول الصواب عبد الرحيم ابن الإمام عبد الكريم بن هوازن الأستاذ أبو نصر ابن الأستاذ أبي القاسم القشيري كما قاله الشهاب فليراجع.
والديانة وَمِنْكَ [الأحزاب: 6] الآية) أي ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم فخص أولو العزم من الرسل وقدم نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم إما لتعظيم رتبته وإما لتقديم حقيقة نبوته بتقديم روحه ونوره في عالم ظهوره الأولى في بدء أمره وآخر عصره فهو كالعلة الغائية متقدم الوجود متأخر الشهود وتتمة الآية وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً أي عظيما ولعل هذا الميثاق في عالم الأرواح أو كان لهم ميثاق خاص في ضمن عموم ميثاق أهل الأشباح (وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ [آل عمران: 81] إلى قوله تعالى لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ [الأحزاب: 81] أي لما آتيتكم بفتح اللام وقرأ حمزة بكسرها وقرأ نافع لما آتيناكم من كتاب وحكمة أي نبوة ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ فقيل المراد برسول فرد من أفراد هذا الجنس فالتنوين للتنكير وقيل المراد به رسولنا صلى الله تعالى عليه وسلم بخصوصه فيكون التنوين للتعظيم ويؤيده أنه عليه الصلاة والسلام قال لو كان موسى حيا لما وسعه إلا اتباعي ثم هذا الميثاق يحتمل فيما قدمناه أن يكون جملة ويحتمل أن كل نبي حين اعطائه سبحانه وتعالى له النبوة أخذ منه هذه البيعة على هذه الموافقة والمتابعة (قال) أي القاضي القشيري (فطهّره الله في الميثاق) بإماطة ما لا يليق بكريم قدره وإحاطة ما يناسب تعظيم أمره (وبعيد أن يأخذ) أي الله تعالى (منه الميثاق قبل خلقه ثمّ يأخذ ميثاق النّبيّين بالإيمان به ونصره) أي وبإعانة دينه وتقوية أمره (قبل مولده بدهور) أي بأزمنة طويلة (ويجوز عليه الشّرك) يروى الشك ويجوز في يجوز تشديد الواو المفتوحة أو المكسورة (أي وغيره من الذّنوب) أي الكبائر وكذا الاصرار على الصغائر فهذا هو المستبعد غاية البعد والواو للحال، (هذا) أي إمكان صدور الكفر والشرك منه (مَا لَا يُجَوِّزُهُ إِلَّا مُلْحِدٌ، هَذَا مَعْنَى كلامه) أي القشيري ولعله اقتصر بعض مرامه؛ (فكيف يكون ذلك) أي مجوزا (وقد أتاه جبريل) كما رواه مسلم عن أنس (وشقّ قلبه) أي صدره كما في نسخة (صغيرا) أي حال صغره وهو يلعب مع الغلمان فأخذه فصرعه فشق عن قلبه (واستخرج منه علقة) أي تكون للشيطان بها علقة (وقال هذا حظّ الشّيطان منك) أي صورة لو تركناها على تلك الحالة بلا طهارة كاملة تكون حائلة (ثمّ غسله) أي جبريل في طست من ذهب بماء زمزم حتى ذهب عنه الحجاب الصوري وانكشف له النقاب النوري (وملأه حكمة) أي إيقانا واتقانا (وإيمانا) أي تصديقا وبرهانا ثم لأمه وأعاده في مكان وجاء الغلمان يسعون إلى أمه يعني ظئره فقالوا إن محمدا قد قتل فاستقبلوه وهو منتقع اللون قال أنس فكنت أرى أثر المخيط في صدره كذا في المصابيح (كما تظاهرت) أي تواترت وتظافرت (به أخبار المبدأ) أي أحاديث بدء خلقته وظهور آثار نبوته إلى منتهى نعته في أسرار رسالته ولا يخفى أنه عليه الصلاة والسلام شق صدره مرتين مرة في حال صباه عند مرضعته حليمة ومرة ليلة المعراج على ما تقدم والله تعالى أعلم (ولا يشبّه) بتشديد الموحدة المفتوحة أي لا يلتبس (عليك) الأمر في تصويب العصمة عن المعصية قبل النبوة (بِقَوْلِ إِبْرَاهِيمَ فِي
الكوكب والقمر والشّمس هذا ربّي) فإنه بظاهره ينافي ما قدمناه على إطلاقه وأجمعوا على أنه لم يكن في حال كبره (فَإِنَّهُ قَدْ قِيلَ كَانَ هَذَا فِي سَنِّ الطّفوليّة وابتداء النّظر والاستدلال) أي في قضية الربوبية (وقبل لزوم التّكليف) أي بالأمور الشرعية (وذهب معظم الحذاق) جمع حاذق بالذال المعجمة المهرة المتقنين (من العلماء والمفسّرين إلى أنّه) أي إبراهيم (إنّما قال ذلك) أي هذا ربي (مبكّتا) بتشديد الكاف المكسورة أي حال كونه موبخا (لقومه ومستدلا عليهم) أي ببطلان دينهم وما تخيل إليهم (وقيل) كان الظاهر أن يقال فقيل بفاء التفريع لتبيين وجه التبكيت والتقريع (معناه الاستفهام) أي المقدر في الكلام (الوارد مورد الإنكار) أي لتتميم المرام، (والمراد فهذا ربّي) وفيه أنه يكفي أن يقال هذا رَبِّي (وقال الزَّجَّاجُ قَوْلُهُ هَذَا رَبِّي [الْأَنْعَامِ: 76] أَيْ عَلَى قولكم) يعني في زعمكم (كما قال) أي الله سبحانه وتعالى حكاية عما يقوله يوم القيامة مخاطبا للكفرة (أَيْنَ شُرَكائِيَ [القصص: 74] أي عندكم) وفي رأيكم، (ويدلّ على أنّه) أي إبراهيم (لم يعبد شيئا من ذلك) أي ما ذكر من الكوكب والقمر والشمس (ولا أشرك بالله تعالى قطّ) أي أبدا (طرفة عين) أي غمضة ولمحة (قول الله تعالى عنه) أي حكاية (إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ [الشُّعَرَاءِ: 70] ) إنكارا عليهم (ثم قال) أي بعد جوابهم كما قال له تعالى حكاية عنهم قالُوا نَعْبُدُ أَصْناماً فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ (أَفَرَأَيْتُمْ أي أخبروني (ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ) أي أسلافكم المتقدمون (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي) أي فلا أعبد شيئا منها (إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ) استثناء منقطع أي لكنه ودود لي فاعبده وحده لأنه موصوف بنعوت الكمال الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (وقال) أي الله تعالى في حقه ويروى وقوله (إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الصَّافَّاتِ: 84] أَيْ من الشّرك) وسائر العقائد الدنية والأخلاق الردية؛ (وقوله) أي كما حكاه عنه سبحانه (وَاجْنُبْنِي) أي وبعدني (وَبَنِيَّ) أي من صلبي (أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ [إبراهيم: 35] ) وثبتنا على دين الإسلام (فإن قلت فما معنى قوله) أي بعد غيبوبة القمر وأفوله (لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ [الأنعام: 77] قيل إنّه) أي معناه (إن لم يؤيّدني) أي ربي (بمعونته) أي توفيقه وعصمته (أكن مثلكم في ضلالتكم وعبادتكم) أي لآلهتكم فهو إنما قال ذلك المقال (على معنى الإشفاق والحذر) عن أن يقع في الوبال بحسب المآل (وَإِلَّا فَهُوَ مَعْصُومٌ فِي الْأَزَلِ مِنَ الضَّلَالِ) والأظهر أنه إظهار تلذذ بتلك الحال وتحدث بنعمة الله الملك المتعال هذا والأزل هو القدم وأصله لم يزل فلما نسب إليه اختصر فقيل يزلي بالياء ثم أزلي بالهمز بدلا منه (فإن قلت فما معنى قوله) أي الله سبحانه وتعالى (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا [إبراهيم: 13] ) أقسموا ليكونن أحد الأمرين إما اخراجهم من قريتهم أو عودهم في ملتهم ولم يكونوا قط على طريقتهم (ثم قال) أي الله تعالى (بعد) أي بعد ذلك (عن الرّسل) هذه البعدية لأن الآية الآتية إنما هي في
شعيب حيث قال له قومه لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا قالَ أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ (قَدِ افْتَرَيْنا الآية) فهذا جواب عن شعيب ومن تبعه من المؤمنين ويمكن حمل العود على التغليب لا كما قال المصنف عن الرسل اللهم إلا أن يتكلف ويقال التقدير قد افترينا نحن معاشر الأنبياء وطائفة المؤمنين من الأولياء على الله كذبا أي في دعوى التوحيد إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا الله منها وعصمنا من الركون إليها (فلا يشكل عليك لفظة العود) بناء على توهم أنه بمعنى الرجوع في هذا المقام (وأنّها تقتضي) أي حينئذ (أنّهم) أي الأنبياء (إنّما يعودون) ويروى أنهم يعودون (إلى ما كانوا) ويروى لما كانوا (فيه من ملّتهم) أي فإن هذا المعنى خطأ فاحش وللعوذ معان (فَقَدْ تَأْتِي هَذِهِ اللَّفْظَةُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ) أي أحيانا (لغير ما ليس له ابتداء) كذا في بعض النسخ والصواب كما في بعضها لما ليس له ابتداء كما بينه بقوله (بِمَعْنَى الصَّيْرُورَةِ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ الْجَهَنَّمِيِّينَ) على ما في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري (عادوا حمما) بضم الحاء المهملة وفتح الميم أي صاروا فحما سودا قد امتحشوا (ولم يكونوا) أي الجهنميون (قبل كذلك) أي كذلك كما في نسخة يعني حمما ويروى قبل بضم اللام وبعده كذلك، (ومثله قول الشّاعر) ولم يعرف قائله وثبت أن عمر بن عبد العزيز أنشده وكأنه تمثل به وقيل إنه لأمية بن أبي الصلت في سيف بن ذي يزن وقيل لأبي الصلت بن ربيعة الثقفي وقيل للنابغة الجعدي وفي نسخة ومثله قوله (فعادا بعد) ببناء الدال على الضم (أبوالا) وهذا عجز بيت صدره:
تِلْكَ الْمَكَارِمُ لَا قَعْبَانِ مِنْ لَبَنٍ
…
شِيبَا بماء فعاد بعد أبوالا
وفي بعض النسخ المعتمدة البيت بكماله أي هذه المناقب الجميلة وهي المكارم التي يترتب عليها المراتب الجزيلة ولا قعبان ضبط بكسر النون على أنه تثنية القعب وهو بفتح القاف وسكون العين المهملة فموحدة القدح الضخم ويروى الرجل وفي بعض النسخ بفتح النون على البناء وشيبا بصيغة المجهول أي خلطا فعادا أي القعبان والمراد ما فيهما من اللبن بذكر المحل وارادة الحال كقوله تعالى وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ بعد أي بعد شربهما أي صارا أبوالا واستحالا بها مآلا (وما كانا) أي لبن القعبين (قبل) أي قبل شربهما (كذلك) أي أبوالا هنالك وأما ما ذكره الأنطاكي شاهدا على أن عاد بمعنى صار من قوله تعالى حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ ومن قول النعمان بن قتادة أنه دخل على عمر بن عبد العزيز فقال له من أنت يا فتى فقال:
أنا ابن الذي سألت على الخد عينه
…
فردت بكف المصطفى أحسن الرد
فعادت كما كانت لأحسن حالها
…
فيا حسنها عينا ويا حسنها أيد
وكان قد اصيبت عين قتادة يوم أحد ووقعت عَلَى وَجْنَتِهِ فَرَدَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تعالى عليه وسلم فقال عمر بن العزيز بمثل هذا فليتوسل إلينا المتوسلون فلا يخفى أن العود
فيهما بمعنى الرجوع فليس ذكرهما في محله (فإن قلت فما معنى قوله تعالى وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى [الضحى: 7] فليس) أي فنقول ليس (هو من الضّلال الّذي هو الكفر) أي إجماعا لما سبق من الدليل نقلا وعقلا واختلف في المراد به (قيل ضالّا عن النّبوّة) أي غائبا عنها أو غير عارف بها (فهداك إليها) ويروى وهداك ذكره الحجازي وهو الملائم للآية؛ (قاله الطّبريّ) وهو محمد بن جرير، (وَقِيلَ وَجَدَكَ بَيْنَ أَهْلِ الضَّلَالِ فَعَصَمَكَ مِنْ ذلك) أي الحال (وهداك بالإيمان) على وجه الكمال (وإلى إرشادهم) إليه بحسن المقال (وَنَحْوُهُ عَنِ السُّدِّيِّ وَغَيْرِ وَاحِدٍ، وَقِيلَ ضَالًّا عن شريعتك أي لا تعرفها) إلا بإلهام أو وحي (فهداك إليها) أي تارة بالوحي الجلي وأخرى بالخفي، (والضّلال ههنا التّحيّر) أي الناشئ عن عدم المعرفة (ولهذا كان صلى الله تعالى عليه وسلم يخلو بغار حراء) بالصرف وعدمه على ما سبق ضبطه (فِي طَلَبِ مَا يَتَوَجَّهُ بِهِ إِلَى رَبِّهِ) من قطع العلائق ودفع العوائق (ويتشرّع به) أي ويطلب شرعا يمشي في طبقه ويعمل على وفقه ويروى يسرع من الإسراع بالسين المهملة وعند شارح قائلا إنه بخط المؤلف يشرع بضم الياء وسكون الشين المعجمة وكسر الراء رباعيا من أشرع جعله شريعة (حتّى هداه الله إلى الإسلام) أي إلى شرائعه الأعلام وتفاصيله من الأحكام (قال) وفي نسخة حكي (معناه) أي معنى الكلام الذي قدمناه (القشيريّ) أي الاستاذ أو ولده (وقيل لا تعرف الحقّ) أي إلا مجملا (فهداك إليه) أي مفصلا، (وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ
[النساء: 113] ) أي من أمور الدين وأحكام اليقين (قاله عليّ بن عيسى) الظاهر أن هذا هو الرماني المتكلم النحوي على ما ذكره الحلبي ويروى قال عَلِيُّ بْنُ عِيسَى، (قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَمْ تكن له ضلالة معصية) بالإضافة وفي نسخة ضلالة في معصية أي لأجلها يقع في وبالها بل ضلالة طاعة لم يدر طريق كمالها (وقيل هدى: أي بيّن أمرك بالبراهين) أي الأدلة القاطعة والبينة الساطعة (وقيل وَوَجَدَكَ ضَالًّا [الضحى: 7] بين مكّة والمدينة) أي ما تدري ما محياك ومماتك (فهداك إلى المدينة) وجعلها محل حياتك ومنزل وفاتك وهدى بك أقواما كانوا عن الحق غافلين وآخرين كانوا له مذعنين وآخرين كانوا له معاندين (وقيل المعنى وجدك) أي هاديا (فهدى بك ضالّا) يعني فقدم وأخر مراعاة للفواصل وهذا بعيد عن القواعد القوابل. (وعن جعفر) أي الصادق (بن محمد) أي الباقر ابن زين العابدين بن الحسين بن علي رضي الله عنهم (وَوَجَدَكَ ضَالًّا) أي حال بدء التجلي الأول (عَنْ مَحَبَّتِي لَكَ فِي الْأَزَلِ أَيْ لَا تعرفها) على الوجه الأكمل (فمننت عليك بمعرفتي) لتعرف بها محبتي؛ (وقرأ الحسن بن عليّ وَوَجَدَكَ ضَالًّا) أي بالرفع على أنه فاعل أي متحير في الحال (فَهَدى أي اهتدى بك) في المآل ونال مقام الوصال، (وقال ابن عطاء: وَوَجَدَكَ ضَالًّا أي محبّا لمعرفتي) فهداك إلى طريق محبتي وسبيل مودتي (والضّالّ المحبّ) أي في بعض اللغات (كما قال) أي سبحانه وتعالى حكاية عن بني يعقوب مخاطبين لأبيهم (إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ [يُوسُفَ: 95] أَيْ مَحَبَّتِكَ القديمة ولم يريدوا
ههنا) ويروى هنا أي الضلال (فِي الدِّينِ إِذْ لَوْ قَالُوا ذَلِكَ فِي نبيّ الله) أي يعقوب (لكفروا) أي بيقين (ومثله) أي في مبناه ومعناه (عند هذا) أي ابن عطاء (قوله) أي الله سبحانه حكاية عنهم (إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ أَيْ مَحَبَّةٍ بيّنة) أي ليوسف ومودة ظاهرة من كثرة التلهف والتأسف وفسر بعضهم الضلال في هذه الآية بالخطأ حيث اختار محبة الصغيرين على محبة أولاده الكبار العشرة الذين هم عصبة وأرباب قوة وشوكة، (وقال الجنيد) هو أبو القاسم القواريري نسبة لبيع القوارير وهو الزجاج المشهور بسيد الطائفة وشيخ الطريقة أصله من نهاوند ومولده ومنشأه بالعراق كان شيخ وقته وفريد عصره وكلامه في الحقيقة معروف مدون وتفقه على أبي ثور أحد أصحاب الشافعي وكان يفتي في حلقته وعمره عشرون سنة كذا ذكره السبكي وقال بعضهم تفقه على مذهب سفيان الثوري وصحب خاله السري السقطي والحارث بن أسد المحاسبي وأبي حمزة البغدادي توفي سنة سبع وتسعين ومائتين آخر ساعة من يوم الجمعة ببغداد ودفن بالشونيزية عند خاله السري ذكره السبكي في طبقات الشافعية ونقل عنه أنه كان يقول الأفضل للمحتاج أن يأخذ من صدقة التطوع وخالفه غيره وقال الأخذ من الزكاة أفضل لأنها إعانة على واجب انتهى ولعله أراد التورع فإن دائرة التطوع أوسع في باب التبرع وكان يقول ما أخذنا التصوف عن القيل والقال ولكن بالجوع وترك الدنيا وقطع المألوفات وكان يقول طريقتنا مضبوطة بالكتاب والسنة من لم يحفظ القرآن ولم يكتب الحديث ولم يتفقه لا يقتدى به وقال ذات يوم ما أخرج الله إلى الأرض علما وجعل للخلق إليه سبيلا إلا وجعل لي فيه حظا ونصيبا وكان كل يوم يفتح حانوته ويسبل سترا ويصلي فيه أربعمائة ركعة (وَوَجَدَكَ مُتَحَيِّرًا فِي بَيَانِ مَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ فهداك لبيانه) أي لإظهاره لديك ما خفي عليك (لقوله: وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ [النحل: 43] الآية) أي لتبين للناس ما نزل إليهم ويؤيده قوله تعالى لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ
وقوله عز وجل وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً (وقيل ووجدك) أي ضالا بينهم (لم يعرفك أحد بالنّبوّة) منهم ومنه قوله عليه الصلاة والسلام الكلمة الحكمة ضالة المؤمن (حتّى أظهرك فهدى بك السّعداء) وأبعد عنك الاشقياء (وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ فِيهَا) أي في هذه الآية (أنه وجدك ضالّا عن الإيمان) أقول ولو فرض أن يقال يحب أن يأول بتفاصيل أحكامه كما في قوله تعالى مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ (وكذلك) أي ومثل وجدك ضالا مما يورث اشكالا ويدفع حالا ومآلا (فِي قِصَّةِ مُوسَى عليه السلام قَوْلِهِ: فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ [الشُّعَرَاءِ: 20] أَيْ مِنَ المخطئين الفاعلين شيئا بغير قصد) أي تعمد قتل. (قاله ابن عرفة) وهو من كبار المفسرين المعتبرين المشهور بالعبدي المؤدب يروي عن ابن المبارك وغيره وعنه الترمذي وابن ماجه وابن أبي حاتم والصفار وثقه ابن معين مات سنة سبع وخمسين ومائتين بسامرا وعاش مائة وسبعا أو عشرا قيل المراد به نفطويه ولا يبعد أن
يكون المعنى من الذاهلين إلى ما يفضي إليه الوكز ويؤيده قراءة ابن مسعود من الجاهلين، (وقال الأزهريّ) هو الإمام اللغوي أبو منصور محمد بن أحمد بن الأزهر الهروي صاحب تهذيب اللغة وغير ذلك مات سنة سبعين وثلاثمائة (معناه من النّاسين وقد قيل ذلك) أي المعنى الذي ذكر (فِي قَوْلِهِ: وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى أَيْ نَاسِيًّا كَمَا قَالَ تَعَالَى أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما [الْبَقَرَةِ: 282] ) بفتح همزة أن وكسرها (فإن قلت فما معنى قوله: مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ [الشورى: 52] فالجواب) أي على وجه الصواب (أنّ السّمرقنديّ) وهو الإمام أبو الليث (قَالَ مَعْنَاهُ مَا كُنْتَ تَدْرِي قَبْلَ الْوَحْيِ أَنْ تَقْرَأَ الْقُرْآنَ وَلَا كَيْفَ تَدْعُو الْخَلْقَ إِلَى الْإِيمَانِ، وَقَالَ بَكْرٌ الْقَاضِي نَحْوَهُ؛ قَالَ) أي السمرقندي أو بكر القاضي واقتصر الدلجي على الأول لزيادة البيان (ولا الإيمان) يروى وأراد الإيمان (الّذي هو الفرائض والأحكام) وحاصله نفي تفاصيل شرائع الإيمان والإسلام، (قال وكان قبل) أي قبل الوحي (مؤمنا بتوحيده) أي لربه إجمالا (ثمّ نزلت الفرائض) أي من الصلاة والصيام والزكاة وحج بيت الله الحرام (الّتي لم يكن يدريها) أي أصلها أو تفصيلها (قبل) أي قبل الوحي (فزاد بالتّكليف) أي بتكليف كل فرض (إيمانا) أي إيقانا به وإحسانا لقيامه (وهذا) ويروي وهو (أحسن وجوهه قلت فما معنى قوله تعالى: وَإِنْ) مخففة أي وأنه (كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ) أي قبل وحينا (لَمِنَ الْغافِلِينَ)[يُوسُفَ: 3] فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَعْنَى قَوْلِهِ: وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ [يونس: 7] ) فإن الغفلة عن آيات الله بمعنى الاعراض عنها وعدم الالتفات إليها ونفي الإيمان بما يترتب عليها من توحيد الله تعالى وتحقيق قدرته فيها أو تخصيص ارادته بها كفر لا يجوز أن يكون وصف مؤمن من الأولياء فضلا عن أن يكون نعت نبي من الأنبياء (بل) المعنى (كما حكى أبو عبد الله الهرويّ) أي عن المفسرين المعتبرين وتبعهما غيرهما (أَنَّ مَعْنَاهُ لَمِنَ الْغَافِلِينَ عَنْ قِصَّةِ يُوسُفَ) أي بقرينة سابقها ولا حقها (إذ لم فعلها إلّا بوحينا) كما أشار إليه قوله سبحانه وتعالى نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ أي هذه السورة وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ عن هذه القصة فيكون إظهارك إياها لك معجزة (وكذلك) أي من المشكلات (الْحَدِيثُ الَّذِي يَرْوِيهِ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ بسنده) أي حيث قال عن جرير عن سفيان الثوري عن عبد الله بن محمد بن عقيل (عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله تعالى عليه وسلم قد كان يشهد) يروى شهد (مع المشركين مشاهدهم) أي محاضرهم وهي لا تخلو عن أصنامهم فإنها كانت في الكعبة وحولها قريبا من ثلاثمائة صنم وكان من حسن خلقه يعاشرهم لكونه من عشائرهم كما قبل ودارهم ما دمت في دارهم والفرق بين المداراة والمداهنة مما لا يخفى (فسمع) أي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم (مَلَكَيْنِ خَلْفَهُ أَحَدُهُمَا يَقُولُ لِصَاحِبِهِ اذْهَبْ حَتَّى تقوم) أنت أو نحن (خلفه) ونتبرك بظله (فَقَالَ الْآخَرُ كَيْفَ أَقُومُ خَلْفَهُ وَعَهْدُهُ بِاسْتِلَامِ الأصنام) أي قريب ولعل المراد به رؤيتها ومشاهدتها أو مخالطتهم ومصاحبتهم ويؤيده قوله (فلم يشهدهم بعد) أي
واعتزلهم بانفراده عنهم في غار حراء إن كان هذا قبل الوحي أو في مسجد دار الخيزران إن كان بعده وهذا كله على تقدير أن يصح نقله وفي أصل الأنطاكي باستلام الاصنام وهو تناولها باليد أو الفم (فَهَذَا حَدِيثٌ أَنْكَرَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ جِدًّا) بكسر الجيم وتشديد الدال المهملة أي إنكارا بليغا (وقال هو موضوع) أي بحسب المراد (أو شبيه) يروى يشبه بتشديد الموحدة المفتوحة (بالموضوع) أي في إيراد الإسناد، (وقال الدّارقطني يقال إنّ عثمان وهم) بكسر الهاء ويفتح أي غلط وأخطأ (في إسناده) أي إسناد هذا الحديث إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال أبو بكر بن أحمد بن حنبل قال أبي أبو بكر أخو عثمان أحب إلي من عثمان فقلت إن يحيى بن معين يقول إن عثمان أحب إلي فقال أبي لا وقال الأزدي رأيت أصحابنا يذكرون أن عثمان روى أحاديث لا يتابع عليها قال وقد يغلط وقد اعتمده الشيخان في صحيحيهما إلى آخر كلامه ثم قال إلا أن عثمان كان لا يحفظ القرآن فيما قيل ثم ذكر له تصانيف في القرآن، (والحديث بالجملة منكر) أنكره الذهبي وغيره من العلماء (غير متّفق على إسناده) إذ ليس هو في شيء من الكتب الستة (فلا يلتفت إليه) وإن كان رواه أبو يعلى الموصلي في مسنده حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ بن عبد الحميد الضبي عن سفيان الثوري عن عبد الله بن محمد بْنِ عَقِيلٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يشهد مع المشركين مشاهدهم الحديث ورواه البيهقي أيضا وفيه الكلام الذي تقدم والله أعلم، (والمعروف عن النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم خلافه) أي خلاف ما يتوهم من الحديث المذكور وهو كونه استسلم الأصنام (عند أهل العلم) أي بالسير (من قوله) بيان لقوله خلافه (بغّضت إليّ الأصنام) بصيغة المجهول أي بغضها الله إلي من حال الصغر إلى الكبر فإنه يخالف أن يقع منه الاستسلام للأصنام ولعل الاستسلام كناية عن القرب منها وعدم التبعد عنها كما أن بعض المريدين تكلم مع سكران في طريقه حال توجهه إلى بعض المشايخ المكاشفين فقال له اشم منك رائحة الخمر وما ذاك إلا لقربه منه وعدم تبعده عنه وبالجملة باب التأويل واسع فهو أولى من الطعن في الحديث مع أنه مشهور شائع (وقوله) أي ومن قوله (فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ الَّذِي رَوَتْهُ أُمُّ أَيْمَنَ) كما رواه ابن سعد عن ابن عباس عنها وهي حاضنة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ومولاته وأم أسامة رضي الله تعالى عنهما (حين كلّمه عمّه) أي أبو طالب (وآله) أي وأقاربه (في حضور بعض أعيادهم) أي بأن يحضرها على وفق مرادهم (وعزموا عليه فيه) أي الحوا وبالغوا (بعد كراهته) يروى كراهيته أي الطبيعية (لذلك) أي المخرج (فخرج معهم) أي كرها (ورجع مرعوبا) أي مخوفا (فقال كلّما دنوت منها) أي من الأصنام واحدا بعد واحد (من صنم تمثّل لي شخص) يروى رجل (أبيض طويل يصيح بي وراءك) أي ألزمه وقيل أرجع وراءك والمعنى تأخر وتباعد (لا تمسّه) من المساس أي لا تمسكه أو لا تقربه (فما شهد) أي فلم يحضر (بعد) أي بعد ذلك (لهم) أي للكفار (عيدا) أي محضر عيد؛ (وقوله) أي ومن قوله (في قصّة بحيرا) بفتح