الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي نسخة بفتح فسكون أي فصل وفارق (بَيْنَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْغُرَبَاءِ لِأَنَّ الْغُرَبَاءَ قَصَدُوا لذلك) أي في رحلتهم (وَأَهْلَ الْمَدِينَةِ مُقِيمُونَ بِهَا لَمْ يَقْصِدُوهَا مِنْ أجل القبر والتّسليم) أي على صاحبه وفيه أنه لا يلزمهم ترك ذلك وأي مانع لما هنالك فهل ترى أحدا قال بأن الغرباء لهم الطواف حول الكعبة لأنهم قصدوها في سفرهم دون أهل مكة حيث لم يقصدوها في إقامتهم (وقال عليه الصلاة والسلام كما روى مالك في الموطأ عن عطاء بن يسار مرسلا وعبد الرزاق عن معمر عن زيد بن أسلم (اللهمّ لا تجعل قبري وثنا يعبد) أي صنما يعبد من دون الله تعالى وإنما قاله خوفا على أمته وأهل ملته أن يفعلوا مثل جهلة أهل الكتاب بالنسبة إلى القبور أنبيائهم ومشاهد أصفيائهم ولذا قال عليه الصلاة والسلام (اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى قَوْمٍ اتَّخَذُوا قُبُورَ أنبيائهم مساجد) أي مسجودا بها ومشهودا فيها حيث عبدوها (وقال) أي النبي عليه الصلاة والسلام (لا تجعلوا قبري عيدا) رواه أبي شيبة موصولا عن علي وسعيد بن منصور في سننه مرسلا من طريقتين وتقدم تحقيق بيانه وتدقيق برهانه (وَمِنْ كِتَابِ أَحْمَدَ بْنِ سَعِيدٍ الْهِنْدِيِّ فِيمَنْ وقف بالقبر: لا يلصق به) لأنه ناشىء عن قلة الأدب مع رسول الرب (ولا يمسّه) أي لعدم وروده بل ورد النهي عن مسه ولمسه (ولا يقف عنده طويلا) أي وقوفا طويلا أو زمانا طويلا خوفا من الرياء والسمعة أو من الملالة والسآمة (وفي العتبيّة) بضم العين المهملة وسكون الفوقية وكسر موحدة وتشديد تحتية منسوبة إلى فقيه الأندلس محمد بن أحمد بن عبد العزيز العتبي القرطبي مصنفها وهو من موالي عتبة بن أبي سفيان أخذ عن يحيى بن يحيى الليثي وطبقته (يبدأ بالرّكوع) أي بصلاة التحية للمسجد (قبل السّلام) أي على سيد الأنام حين دخوله (في مسجد النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم) أي قياسا على حال حياته فإنه قد ورد أن واحدا من الصحابة دخل المسجد فجاء وسلم على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فقال له ارجع وصل ركعتين ثم سلم علي وفيه إيماء إلى تقديم الحرمة الربوبية على تعظيم الخدمة النبوية (وَأَحَبُّ مَوَاضِعِ التَّنَفُّلِ فِيهِ مُصَلَّى النَّبِيِّ حَيْثُ العمود المخلّق) بضم ميم وفتح خاء معجمة ولام مشددة مفتوحة أي المبخر أو المطلى بالخلوق بفتح أوله وهو نوع من الطيب المعبق (وأمّا في الفريضة فالتّقدّم إلى الصّفوف) أي أفضل للمأمومين وأما الإمام فلا شك أن مقامه أفضل مصلاه الأكمل (والتّنفّل فيه) أي في مصلاه بل في جميع مسجده أفضل (للغرباء) دون أهل المدينة لحديث ورد بذلك (أحبّ إليّ) وكذا إلى غيره (من التّنفّل في البيوت) ولعل وجهه أن لا مضاعفة في الصلاة في غير المسجد من مواضع المدينة بخلاف ذلك في مكة فإن الحرم كله تضاعف فيه الحسنة بمائة ألف فالنون في البيوت أفضل لهم ولو كانوا من الغرباء.
فصل (فِيمَا يَلْزَمُ مَنْ دَخَلَ مَسْجِدَ النَّبِيِّ صَلَّى الله تعالى عليه وسلم من الأدب)
وفي نسخة من
الآداب (سوى ما قدّمناه) أي من أنواع الاستحباب (وفضله) أي فضل مسجده (وفضل الصّلاة فيه) أي وما يتعلق به (وفي مسجد مكّة) طردا للباب وما يتعلق به من بعض الأبواب (وذكر قبره ومنبره) أي وشرف ما بينهما وقدره (وفضل سكنى المدينة ومكّة) أي سكانهما ومجاوري مكانهما وقدم المدينة بناء على معتقد مالك ومن وافقه على ذلك (قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ)[التوبة: 108] واختلف المفسرون في المراد به (روي أنّ النبيّ صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ أَيُّ مَسْجِدٍ هُوَ قَالَ مسجدي هذا) رواه مسلم والترمذي وصححه والنسائي عن أبي سعيد وأحمد عن أبي بن كعب وسهل بن سعد وفي رواية لمسلم هو مسجدكم هذا مسجد المدينة فكان الأولى للمصنف أن يقول فقد ورد أو ثبت إذ روى بصيغة المجهول موضوعة للتمريض غالبا (وهو قول ابن المسيّب) بفتح الياء وكسرها وهو من أكابر التابعين فكان الأولى أن يؤخره عن قوله (وزيد بن ثابت وابن عمر) ثم يقول بعده (ومالك بن أنس وغيرهم) وأما ما ذكره الحلبي من أن اللائق تقديم ابن عمر على زيد بن ثابت فغير ثابت لأن زيدا من أكابر الصحابة وممن أخذ عنه ابن عباس وغيره وهو أجل كتبة الوحي وقد ورد في حقه أفرضكم زيد أي أعلمكم بالفرائض وهو إمام في علم القراءة والكتابة وغيرهما وابن عمر من صغار الصحابة والطبقة الثانية منهم رضي الله تعالى عنهم (وعن ابن عباس أنّه مسجد قباء) أي لأنه اسسه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وصلى فيه أيام إقامته بها من يوم الاثنين إلى يوم الجمعة وهو أوفق للقصة في سبب نزول الآية فقد روي أن بني عمرو بن عوف لما بنوا مسجد قباء سألوا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أن يأتيهم فأتاهم فصلى فيه فحسدتهم إخوانهم بنو غنم بن عوف فبنوا مسجدا فقالوا قد بنينا مسجدا لذي الحاجة والعلة فصل فيه حتى تتخذه مصلى فقال أنا على جناح سفر وإذا قدمنا إن شاء الله تعالى صلينا فيه فلما رجع كرروا عليه فنزلت ويؤيده أنه روى البخاري في تاريخه وجماعة عن محمد بن عبد الله بن سلام أنه قاله لما أتى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم المسجد الذي أسس على التقوى مسجد قباء قال إن الله تعالى قد أثنى عليكم في الطهور خيرا أفلا تخبروني فقالوا يا رسول الله إنا لنجد مكتوبا علينا في التوراة الاستنجاء بالماء ونحن نفعله اليوم كذا ذكره شيخ مشايخنا الحافظ السيوطي في الدر المنثور في التفسير المأثور ويقويه ما رواه الترمذي وأبو داود أن هذه الآية نزلت في أهل قباء فيه رجال يحبون أن يتطهروا وكذا ما رواه ابن ماجه أن هذه الآية لما نزلت فيه رجال قال عليه الصلاة والسلام واقفا على باب مسجد قباء يا معشر الأنصاري أن الله تعالى قد أثنى عليكم في الطهور فما طهوركم الحديث وعندي أن الجمع ممكن بأن يراد به جنس المسجد الذي أسس على التقوى وأن ما ذكر من الطهور لأهل قباء لا ينافي الحمل على أهل مسجده من الأنصار والله أعلم بحقائق الأخبار ودقائق الأسرار (حدّثنا هشام) وفي نسخة هاشم (بْنُ أَحْمَدَ الْفَقِيهُ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ قَالَ حَدَّثَنَا الحسين) بالتصغير والأصح كما في
نسخة الحسن (بن محمد الحافظ) أي حافظ عصره ومحدث دهره وهو الغساني (ثنا) أي قال حدثنا (أبو عمر النّمريّ) بفتح النون وكسر الميم وهو ابن عبد البر حافظ الغرب (حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ حَدَّثَنَا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود) أي صاحب السنن (حدّثنا مسدّد) بفتح الدال الأولى مشددة (حدّثنا سفيان) أي ابن عيينة (عن الزّهريّ) وهو الإمام ابن شهاب (عن سعيد بن المسيّب) من قيل فيه أنه أفضل التابعين (عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم قال لا تشدّ الرّحال) جمع راحلة وهي الصالحة لأن ترحل أو يشد الرحل عليها والرحل للبعير كالسراج للفرس والمعنيان يحتملان هنا وفي النهاية الراحلة من الرحيل البعير القوي على الاسفار والاحمال للذكر والأنثى والهاء للمبالغة ومنه قوله عليه الصلاة والسلام الناس كإبل مائة لا تجد فيها راحلة والمعنى لا ينبغي أن تركب دابة لزيارة مسجد من المساجد (إلّا إلى ثلاثة مساجد) لفضلها على غيرها في كونها مشاهد (مسجد الحرام) بالجر يدل من الثلاثة وفي نسخة المسجد الحرام والمراد به المسجد الذي في بلد الله الحرام المحترم عند سائر الأنام وهو أفضلها كما يشير إليه تقديمه في هذا الحديث ومزيد المضاعفة فيها كما في أخبار كثيرة وآثار شهيرة (ومسجدي هذا) يعني مسجد المدينة احترازا من نحو مسجد قباء فلا يدل على حصر فضل مسجده على ما كان مشارا إليه في مشهده (والمسجد الأقصى) وهو الأبعد من المساجد بالنسبة إلى العرب وهو الذي بيت المقدس وهو مسجد كثير من الأنبياء وقد دخله عليه الصلاة والسلام وصلى فيه في ليلة الإسراء وقد أخرجه البخاري ومسلم والنسائي وأبو داود وفيه تنبيه نبيه على أنه ينبغي للعاقل أن لا يشتغل إلا بما فيه صلاح دنيوي وفلاح أخروي ولما كان ما عدا المساجد الثلاثة متساوي المرتبة في الشرف والفضيلة وكان التنقل والارتحال لأجله عبثا من غير المنفعة نهى الشارع عنه لأن لا تشد خبر وقع نفيا وأراد به نهيا (وقد تقدّمت الآثار في الصلاة والسلام) ويروى التسليم (على النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم عند دخول المسجد) أي مطلق المساجد فبالأولى مراعاتها في أفضل المساجد (وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما الصواب ترك الياء في آخره كما بينا وجهه أولا (أنّ النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم كان إذا دخل المسجد) أي جنسه (قال أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم) أي ذاته (وسلطانه القديم من الشّيطان الرّجيم) رواه أبو داود (وقال مالك) أي فيما رواه البخاري والنسائي (سمع عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه صوتا) أي عظيما (في المسجد) أي مسجد المدينة (فدعا بصاحبه) أي طلب صاحب الصوت (فقال ممّن أنت) يروى من أنت (قال رجل من ثقيف) أي من أهل الطائف (قال لو كنت من هاتين القريتين) أي مكة والمدينة أي لفعلت نكالا أو لعذبتك أو لعزرتك وفي نسخة صحيحة لأدبتك (إنّ مسجدنا) أي أهل المدينة خصوصا (لا يرفع فيه الصّوت) أي لما ورد من قوله تعالى لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وهو حي حاضر بعد مماته كما كان في حال حياته فيكون موجبا
لمراعاته وقد قال بعض علمائنا إن رفع الصوت في المساجد ولو بالذكر حرام لما يشوش على أهلها العبادة ويشغل خاطرهم عما تتعلق به الإرادة قال الدلجي وقد اتفق العلماء عليه بشهادة الحصر في حديث إنما بنيت المساجد للذكر والعبادة هذا وفي صحيح البخاري بسنده إلى السائب بن يزيد هو الكندي وله صحبة كنت قائما في المسجد فحصبني رجل فنظرت فإذا عمر بن الخطاب فقال اذهب فأتني بهذين فجئته بهما فقال ممن أنتما أو من أين أنتما قالا من أهل الطائف قال لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ولعله سامحهما لكونهما قريبي العهد من الإيمان والإسلام وآدابهما أو لكونهما من الغرباء فأوجب مراعاة حالهما (وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أن يعتمد) وفي نسخة صحيحة أن يتعمد أي يقصد (المسجد) أي فيه (برفع الصّوت ولا بشيء من الأذى) أي من دخوله فيه أو رميه من بصاق ونحوه (وأن ينزّه عمّا يكره) أي من بيعه وشرائه وحلاقة رأسه وقص ظفره وقتل قملة ونحوها فإن المساجد لم تبن لذلك وإنما بنيت لذكر الله ولما يناسب هنالك (قال القاضي) يعني المصنف (حَكَى ذَلِكَ كُلَّهُ الْقَاضِي إِسْمَاعِيلُ فِي مَبْسُوطِهِ) وهو الإمام شيخ الإسلام إسماعيل بن إسحاق بن إسماعيل بن حماد بن زيد الأزدي مولاهم البصري ثم البغدادي المالكي الحافظ صاحب التصانيف ولد سنة ستع وتسعين ومائة وقرأ على قالون وتفقه وأخذ علم الحديث وقاله عن ابن المديني روى عنه جماعة وتفقه عليه طائفة قال الخطيب كان عالما متقنا فقيها شرح مذهب مالك واحتج له وصنف المسند وصنف في علوم القرآن وله كتاب أحكام القرآن لم يسبق إلى مثله وكتاب معاني القرآن وكتاب القراآت واستوطن بغداد وولى قضاءها إلى أن توفي وقال غيره صنف موطأ وصنف كتابا كبيرا نحو مائة جزء في الرد على محمد بن الحسن لم يتمه توفي إسماعيل فجأة في ذي الحجة سنة اثنين وثمانين ومائتين وروى النسائي في الكنى عن إبراهيم بن موسى عن إسماعيل القاضي عن ابن المديني والحاصل أنه ذكر فيه (فِي بَابِ فَضْلِ مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تعالى عليه وسلم والعلماء كلّهم متّفقون أنّ حكم سائر المساجد هذا الحكم) أقول لكن لا شبهة في تفاوت مراتب المساجد في هذا الحكم وغيره من المقاصد (قَالَ الْقَاضِي إِسْمَاعِيلُ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ ويكره في مسجد الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم الجهر) أي رفع الصوت (على المصلّين فيما يخلّط) بتشديد اللام المكسورة أي يلبس ويشبه (عليهم صلاتهم) أي من جهة قراآتهم وعدد ركعاتهم (وَلَيْسَ مِمَّا يُخَصُّ بِهِ الْمَسَاجِدُ رَفْعُ الصَّوْتِ) أي بالكلام فرفع الصوت مرفوع على أنه اسم ليس ومما يخص محله النصب على الخبر والمساجد مرفوع على أنه نائب الفاعل (قد كره) بصيغة المفعول أي كره جماعة (رفع الصّوت بالتّلبية) أي مع كونها ذكرا وسنة (في مساجد الجماعات إلّا المسجد الحرام ومسجد منى) أقول هذا الاستثناء إنما هو على مقتضى مذهبه ومختار مشربه وإلا الصحيح من مذهبنا أنه يكره رفع الصوت مطلقا في جميع
المساجد لأنه لا فرق في العلة المانعة منه في كل المساجد وفي نسخة ومسجدنا قال الانطاكي كذا وقع في النسخ التي وقفت عليها والظاهر أنه تصحيف إنه لا معنى لإضافة المسجد إلى القائل هنا ولعل الصواب ومسجد منى فقد قال السروجي في شرح الهداية وقال مالك لا يرفع المحرم صوته بالتلبية في مساجد الجماعات لأنها لم تبن لها إلا في المسجد الحرام ومسجد منى قال وخالف الجماعة فيه وقد لبى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم في مسجد ذي الحليفة دبر صلاته ورووا تلبيته صلى الله تعالى عليه وسلم ولو لم يرفع بها صوته لما حفظوها منه هذا لفظه بحروفه انتهى كلام الانطاكي وفيه أن تلبيته في مسجد ذي الحليفة ليس كسائر المساجد إذ هو ليس من مساجد الجماعات بل مسجد موضوع للاحرام وما يتعلق به من الصلاة والتلبية والحاصل أن مذهب الحنفية يستحب التلبية في المسجد الحرام ومنى وسائر المساجد التي في بقاع الحرم لأنها موضع النسك ولا يستحب إظهارها في مساجد الأمصار والحل لما روى عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه سمع رجلا يلبي فقال إن هذا المجنون إنما التلبية إذا برزت كذا في الكافي أحكام المساجد للشافعية يستحب التلبية في المسجد الحرام وفي مسجد منى وإبراهيم بعرفات وفي استحبابه في سائر المساجد قولان الجديد الأصح أنه يستحب والقديم لا لئلا يشوش انتهى وقد علم بما ذكرنا أن الخلاف في رفع الصوت المشوش وأما أمر الإضافة فسهل إذا كان القائل مثلا في مسجد نمرة أن مسجد الخيف والله تعالى أعلم (وقال أبو هريرة رضي الله تعالى عنه) أي فيما رواه الشيخان (عنه صلى الله تعالى عليه وسلم صلاة في مسجدي هذا) أي مسجد المدينة وقال النووي المضاعفة فيه مختصة بما كان في زمنه عليه الصلاة والسلام وتحت نظره أصحابه الكرام (خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلَّا المسجد الحرام قال القاضي) يعني المصنف (اختلف النّاس) أي العلماء فإنهم هم الناس (في معنى هذا الاستثناء) يعني إلا المسجد الحرام هل يفيد الزيادة أو النقصان أو الأستواء (على اختلافهم) قال الدلجي أي مع احتلافهم والأظهر أن علي على بابها والمعنى اختلافا مبنيا عَلَى اخْتِلَافِهِمْ (فِي الْمُفَاضَلَةِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ) أي كون أيتهما أفضل في حق المجاورة (فذهب مالك في رواية أشهب) أي ابن عبد العزيز (عنه) أي عن مالك (وقاله ابن نافع صاحبه) أي صاحب أشهب أو صاحب مالك (وجماعة أصحابه) كذا بالإضافة وفي نسخة وجماعة من أصحابه أي من أصحاب مالك عنه (إلى أنّ معنى الحديث) أي مراده ومقتضاه بحسب مبناه ومفهوم معناه (أَنَّ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدِ الرَّسُولِ أَفْضَلُ مِنَ الصَّلَاةِ فِي سَائِرِ الْمَسَاجِدِ بِأَلْفِ صَلَاةٍ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فَإِنَّ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ مِنَ الصَّلَاةِ فِيهِ بِدُونِ الألف) يعني فالاستثناء لبيان النقص في الجملة وسيأتي ما يرد هذه المقولة (واحتجوا بما روي) أي في مسند الحميدي (عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: صَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ خَيْرٌ مِنْ مِائَةِ صلاة فيما سواه) وفيه أنه يدل على أن صَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ خَيْرٌ
من مائة صلاة في مسجد المدينة لأنه داخل فيما سواه من غير ذكر استثناء في مبناه فلا يتم قوله تبعا لهم (فتأتي فضيلة مسجد الرّسول صلى الله تعالى عليه وسلم بتسعمائة وعلى غيره بألف) وسيأتي ما يناقضه ويعارضه بما هو أصح في هذا الباب مما روي عن عمر بن الخطاب والله أعلم بالصواب (وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى تَفْضِيلِ الْمَدِينَةِ عَلَى مَكَّةَ) أقول بل تفضيل المدينة على مكة مبني على هذا إذ سبب تفضيل المكانين بموجب تشريف المسجدين وإلا فلا شك أن مكة لكونها من الحرم المحترم إجماعا أفضل من نفس المدينة ما عدا التربة السكينة فإنها أفضل من الكعبة بل من العرش على ما قاله جماعة على أنه لا فضيلة في العبادة بالمدينة خارج مسجدها لعدم تعلق المضاعفة في الحسنة بها بخلاف مكة وما حولها من الحرام المحترم والله تعالى أعلم والحاصل أنه إن ثبت افضلية مسجد المدينة يدل على أفضلية المجاورة بها لأن المقصود من السكون فيها إتيان العبادة بها (عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الخطّاب رضي الله تعالى عنه) وفيه أن روايته الحديث السابق ليس لها دلالة على مذهبه اللاحق (ومالك وأكثر المدنيّين) أي علماء أهل المدينة وفقهائهم من التابعين (وذهب أهل مكّة والكوفة) ومنهم أبو حنيفة وأصحابه وأحمد بن حنبل وسفيان الثوري وحماد وعلقمة وأصحاب الشافعي وغيرهم (إلى تفضيل مكّة) لحديث النسائي وابن ماجه والترمذي وحسنه وصححه عن عبد الله بن الحمراء قال رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم على الحرورة فقال والله إنك لخير أرض الله إلى الله تعالى ولولا أني أخرجت منك ما خرجت (وهو قول عطاء) وهو من أكابر التابعين (وَابْنِ وَهْبٍ وَابْنِ حَبِيبٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وحكاه الساجيّ) بالسين المهملة والجيم محدث البصرة وعنه أخذ الأشعري مقالة أهل الحديث وله كتاب جليل في علل الحديث ذكره الشيخ أبو إسحاق في طبقاته فقال أخذ عن الربيع والمزني وصنف كتاب اختلاف الفقهاء وكتاب علل الحديث وتوفي بالبصرة سنة سبع وثلاثمائة ذكره في الميزان وقال أحد الأثبات ما علمت فيه جرحا أصلا وقال أبو الحسن بن القطان مختلف فيه في الحديث وثقه قوم وضعفه آخرون (عن الشّافعيّ) أي نصا في هذا الباب (وحملوا الاستثناء في الحديث المتقدّم) أي عن أبي هريرة برواية الشيخين (على ظاهره) أي للزيادة (وأنّ الصّلاة في المسجد الحرام أفضل) أي منها في مسجده عليه الصلاة والسلام (واحتجّوا) أي لتفضيل مكة على المدينة (بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله تعالى عليه وسلم بمثل حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه) أي صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام (وفيه) أي وزيد في حديث ابن الزبير (وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنَ الصَّلَاةِ في مسجدي هذا بمائة صلاة) فهذا منطوق وقع صريحا فلا يعارضه مفهوم ولو كان صحيحا والحديث هذا مما ثبت في مسند أحمد بن محمد بن حنبل وغيره من حديث عبد الله بن الزبير أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد
إلا المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في مسجدي هذا وقال النووي في شرح مسلم هذا حديث حسن رواه أحمد بن حنبل في مسنده والبيهقي وغيرهما بإسناد حسن انتهى وقد رواه ابن حبان في صحيحه هذا وقال الدلجي في قوله بمائة صلاة أسقط منه المضاف إلى صلاة أي بمائة ألف صلاة إذ قد ورد كذلك عند أحمد وابن ماجه عن جابر بإسنادين صحيحين بلفظ صلاة في مسجدي أفضل مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلَّا الْمَسْجِدَ الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه فحديث ابن الزبير هذا روى أبو هريرة صدره وعمر آخره (وروى قتادة مثله) وفي نسخة وروي عن قتادة مثله أي مثل حديث ابن الزبير (فَيَأْتِي فَضْلُ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ عَلَى هذا) أي القول المحتج المجتمع له بحديث ابن الزبير (على الصّلاة في سائر المساجد) أي ولو مسجد المدينة (بمائة ألف) قال الحجازي يروى بمائة وألف أقول الظاهر أنه تصحيف في المبنى وتحريف في المعنى ثم اعلم إن العلماء صرحوا بأن هذه المضاعفة فيما يرجع إلى الثواب فثواب صلاة فيه يزيد على ثواب مائة ألف فيما سواه ولا يتعدى ذلك إلى الأجزاء عن الفوائت حتى لو كان عليه صلاتان فصلى في مسجد المدينة أو المسجد الحرام أو المسجد الأقصي صلاة لم تجزئه عنهما وهذا مما لا خلاف فيه بين العلماء خلافا لما يغتر به بعض الجهلاء (ولا خلاف) أي بين علماء الامصار (أن موضع قبره أفضل بقاع الأرض) أي بشرف قدره وكرامه عند ربه (قال القاضي أبو الوليد الباجيّ) بالموحدة والجيم (لّذي يقتضيه الحديث) أي الوارد في فضل المسجدين (مخالفة حكم مسجد مكّة لسائر المساجد) ومن جملتها مسجده عليه الصلاة والسلام بدليل حمل الاستثناء في حديث أبي هريرة على ظاهره وحديث عمر رضي الله تعالى عَنْهُ صَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ خَيْرٌ مِنْ مائة صلاة فيما سواه (ولا يعلم منه) أي من الحديث المذكور (حكمها) أي حكم مكة (مع المدينة) أي في أيتهما أفضل من الأخرى إلا أنه يدل على أن المجاورة بمكة والمداومة في مسجدها بالجماعة أفضل من المجاورة بالمدينة لما يترتب عليها من مزيد المضاعفة إلا أن حديث حسنات الحرم بمائة ألف إن ثبت صريح في أن نفس مكة أفضل من نفس المدينة ما عدا البقعة السكينة ومما يدل عليه أيضا ما تقدم من حديث ابن الحمراء فإنه حديث صحيح ودلالته على المدعي صريح (وذهب الطّحاويّ) وهو أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة العالم المشهور في المذهب الحنفي (إلى أنّ هذا التّفصيل) أي في المسجدين (إنّما هو في صلاة الفرض) أي لأن النافلة في البيوت أفضل (وذهب مطرّف) بضم ميم وكسر راء مشددة وهو اليساري المدني مولى ميمونة يروي عن خاله مالك ونافع القارىء وعنه البخاري وأبو زرعة (من أصحابنا) أي المالكية (إلى أنّ ذلك) أي التفضيل الوارد في الصلاة فيهما (في النّافلة أيضا) أي منضمة إلى الفريضة أخذا بظاهر عموم الحديث وكذا قاله أيضا أصحاب الشافعي على ما نقله الحلبي (قال) أي الطحاوي أو مطرف في تفضيل الصلاة والصوم فيهما (وجمعة خير من جمعة) أي
في غيرهما بما سبق في فضلهما (ورمضان خير من رمضان) أي كذلك (وَقَدْ ذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي تَفْضِيلِ رَمَضَانَ بالمدينة وغيرها) أي من البلاد والظاهر على غيرها (حديثا نحوه) أي نحو ما ذكر قبله رواه الطبراني عن بلال بن الحارث خير من رمضان وجمعة بها خير من جمعة بحذف المفضل عليه للعموم كذا ذكره الدلجي وفي الجامع الصغير رمضان بالمدينة رمضان بالمدينة خير من ألف رمضان فيما سواها من البلدان وجمعة بالمدينة خير من ألف جمعة فيما سواها من البلدان رواه الطبراني والضياء عن بلال بن الحارث المزني وورد رمضان بمكة أفضل من ألف رمضان بغير مكة رواه البزار عن ابن عمر (وقال عليه الصلاة والسلام مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الجنّة) رواه أحمد والشيخان والنسائي عن عبد الله بن زيد المازني والترمذي عن أبي هريرة (ومثله) أي مثل هذا اللفظ (عن أبي هريرة وأبي سعيد) أي في الموطأ (وزادا) وفي نسخة صحيحة زاد أي أبو سعيد الخدري (منبري على حوضي) أي حقيقة أو مجازا كما سيأتي (وفي حديث آخر) وقد سبق مخرجه (ومنبري على ترعة من ترع الجنّة) بضم الفوقية وسكون الراء وقد تقدم معناها (قال الطّبريّ) الظاهر أنه محمد بن جرير (فيه) أي في الحديث الأول (مَعْنَيَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَيْتِ بَيْتٌ سُكْنَاهُ) أي مع عائشة في مبيته ومثواه (على الظّاهر) أي المتبادر من المعنى اللغوي للبيت (مع أنّه روي ما يبيّنه) أي هذا المعنى وهو قوله (بين حجرتي ومنبري والثّاني) أي ثانيهما (أنّ البيت هنا القبر) أي باعتبار مآله (وَهُوَ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فِي هَذَا الحديث كما روي) أي في بعض الروايات (بين قبري ومنبري، قال الطّبريّ) أي جمعا بين الروايات (وإذا كان قبره في بيته) أي في آخر أمره (اتَّفَقَتْ مَعَانِي الرِّوَايَاتِ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهَا خِلَافٌ) في مباني الاعتبارات (لأنّ قبره في حجرته وهو) أي حجرته وذكره لتذكير خبره وهو (بيته، وقوله) أي في الحديث الآخر (ومنبري على حوضي قيل يحتمل أه منبره) أي موضعه (بِعَيْنِهِ الَّذِي كَانَ فِي الدُّنْيَا وَهُوَ أَظْهَرُ) أي من غيره من الأقوال وذلك بأن تنقل تلك البقعة بعينها إلى أرض الآخرة فيقع من بقع أرض الحوض فيها (والثّاني أن يكون له هناك منبر) أي عند الكوثر (وَالثَّالِثُ أَنَّ قَصْدَ مِنْبَرِهِ وَالْحُضُورَ عِنْدَهُ لِمُلَازِمَةِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ يُورِدُ الْحَوْضَ وَيُوجِبُ الشُّرْبَ مِنْهُ قَالَهُ الْبَاجِيُّ، وَقَوْلُهُ: رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ يحتمل معنيين أحدهما أنّه) أي أيضا (موجب لذلك) أي لما سبق هنالك كما بينه بقوله (وأنّ الدّعاء والصّلاة فيه) أي فيما بين بيته ومنبره (يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ مِنَ الثَّوَابِ كَمَا قِيلَ: الْجَنَّةُ تحت ظلال السّيوف) كان حقه أن يقول كما روي فإنه حديث رواه الحاكم في مستدركه عن أبي موسى وفي معناه الجنة تحت أقدام الأمهات رواه القضاعي والخطيب في الجامع عن أنس رضي الله تعالى عنه (وَالثَّانِي أَنَّ تِلْكَ الْبُقْعَةَ قَدْ يَنْقُلُهَا اللَّهُ فتكون في الجنّة بعينها، قاله الدّاوديّ) قيل هو الذي شرح البخاري (وروى ابن عمر) أي كما رواه مسلم (وَجَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ تعالى عليه وسلم قال في المدينة) أي في فضلها (لا يصبر على لأوائها) بفتح اللام وسكون الهمزة والمد أي ضيق
المدينة وعنائها (وشدّتها) أي شدة بلائها (أحد إلّا كنت له شهيدا) مبالغة شاهد أي أشهد له بما أعلم من صبره عليها (أو شفيعا) مبالغة شافع أي واشفع له (يوم القيامة) واو ههنا ليست للشك لأنه رواه جابر وسعد بن أبي وقاص وابن عمر وأبو سعيد وأبو هريرة وأسماء بنت عميس وصفية بنت أبي عبيدة وهي تابعية على الصحيح فحديثها مرسل عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بهذا اللفظ ويبعد اتفاقهم على الشك وكذا يستحيل اتفاق رواتهم على الشك فأوهنا بمعنى الواو أو للتقسيم كما صرح به النووي فيكون شهيدا لبعض شفيعا لباقيهم أو شهيدا لمطيعهم شفيعا لمذنبهم أو شهيدا لمن مات في حياته شفيعا لمن عاش بعد موته وهذه خصوصية زائدة على شهادته في القيامة على جميع الأمم أو على أصفياء هذه الأمة وزائدة على شفاعته الكبرى للخلق أجمعين والصغرى للمذنبين وقد رود شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي وقد قال صلى الله تعالى عليه وسلم في قتلى أحد أنا شهيد على هؤلاء أي شهادة خاصة توجب مزيد الرفعة والعلاء والحاصل أنه عليه الصلاة والسلام له شهادات متكاثرة وشفاعات متظاهرة في مواقف الآخرة (وقال) أي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم (فيمن تحمّل) أي رفع حمله وأمتعته ونقلها (عن المدينة) وتحول عنها إلى غيرها (المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون) رواه الشيخان عن سفيان بن أبي زهير والمعنى لو علموا خيريتها لما فارقوها أو لو كانوا من أهل العلم لعلموا خيريتها ولصبروا على بليتها (وقال) أي النبي عليه الصلاة والسلام كما رواه الشيخان عن جابر (إنّما المدينة كالكير) بكسر الكاف وهو كير الحداد وهو المبني من الطين أو هو الزق الذي ينفخ به النار والمبنى الكور قاله ابن الأثير (تنفي) أي المدينة (خبثها) بفتحتين أو بضم فسكون وهو منصوب على المفعولية (وينصع) بنون ساكنة فصاد مفتوحة فعين مهملة أي ويخلص وقيل يبقى ويذر (طيبها) بفتح طاء مهملة وتحتية مشددة مكسورة أو بكسر فسكون وهو مرفوع على أنه فاعل ولو روي تنصح بالتأنيث وطيبها بالنصب لكان وجها وجيها قيل هذا القول صدر عنه عليه الصلاة والسلام على وجه التمثيل فجعل المدينة وما يصيب ساكنها من الجهد والبلاء وقحط والغلاء كمثل الكير يتميز به الخبيث من الطيب فيذهب الوسخ ويبقى نحو الذهب أزكى ما كان وأخلص وقد روي في سبب ورود الحديث أن أعرابيا بايع النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فأصاب الأعرابي حمى بالمدينة فأتى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وقال يا محمد أقلني بيعتي فأبى ثم جاء فقال أقلني بيعتي فأبى فخرج الأعرابي فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم الحديث وعن عمر بن عبد العزيز لما خرج من المدينة التفت إليها وبكى ثم قال نخشى أن نكون ممن نفته المدينة (وقال) أي في حديث آخر رواه مسلم عن جابر (لَا يَخْرُجُ أَحَدٌ مِنَ الْمَدِينَةِ رَغْبَةً عَنْهَا) أي للزاهد فيها والإعراض عنها وعدم الميل إليها (إلّا أبدلها الله خيرا منه) أي راغبا في سكناها صابرا على بلواها (وروي عنه صلى الله تعالى عليه وسلم) كما في سنن البيهقي والدارقطني عن عائشة بسند ضعيف (مَنْ مَاتَ فِي أَحَدِ الْحَرَمَيْنِ
حاجّا أو معتمرا) أي قاصدا لأحداهما وهو أعم من قول الدلجي حال كونه محرما بهما (بَعَثَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا حِسَابَ عَلَيْهِ ولا عذاب وفي طريق آخر) للبيهقي في الشعب عن عمر والطبراني عن جابر وسلمان (بعث من الآمنين يوم القيامة) وفي الجامع الكبير من مات في أحد الحرمين استوجب شفاعتي وكان يوم القيامة من الآمنين رواه الطبراني والبيهقي وضعفه عن سلمان (وعن ابن عمر) أي مرفوعا رواه الترمذي وصححه وابن ماجه وابن حبان (مَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَمُوتَ بِالْمَدِينَةِ فَلْيَمُتْ بِهَا) تحريض على لزومه لها وإقامته بها ليتأتى له أن يموت فيها إطلاقا للمسبب على سببه كما في قوله تعالى وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (فإنّي أشفع لمن يموت بها) أي قبل أن أشفع لمن مات في غيرها قال التلمساني وروي فإنها تشفع وقد أجمعوا على أن الموت بالمدينة أفضل مما عداها وقد ورد عن عمر رضي الله تعالى عنه اللهم ارزقني شهادة في سبيلك وموتا في بلد رسولك وقد استجاب الله تعالى دعاء وجمع له بين ما تمناه وقال الله تعالى إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ أي جعله الله تعالى معبدا لهم وقبلة يعبدونه فيها ويستقبلون ويتوجهون في عباداتهم إليها (لَلَّذِي بِبَكَّةَ) وهي لغة في مكة من بكه إذا دقه لأنها تدق أعناق الجبابرة أو لأن الناس يزاحم بعضهم بعضا في الطواف وقد روي أنه عليه الصلاة والسلام سئل عن أول بيت وضع للناس فقال المسجد الحرام ثم بيت المقدس فقيل كم بينهما فقال أربعون سنة (إلى قوله آمَنَّا)[آل عمران: 96] تمامه مباركا أي كثير النفع خصوصا لمن حجه أو اعتمره وطاف حوله وشاهد حاله وهدى للعالمين أي مرشدا لهم لأنه قبلتهم ومتعبدهم فيه آيات بينات أي علامات واضحات على قدرته سبحانه وتعالى وعزته وعظم شأنه مقام إبراهيم أي منها مكان قيامه وأثر قدم من إقدامه في حجر صلد قام عليه لرفع الحجارة في البناء أو حين أذن بالنداء ومن دخله أي البيت أو حرمه كان آمنا من التعرض في الدنيا ومن العذاب في العقبى وأما ما يتوهمه بعض العوام من إرجاع الضمير إلى المقام فلا يصح في المرام لأنه لا يتصور الدخول في حقيقة المقام والمعنى حوله من حوادث الأيام (قال بعض المفسرين آمنا من النّار) ويدل عليه حديث يبعث الله من هذا الحرم سبعين ألفا وجوههم كالقمر ليلة البدر يدخلون الجنة بغير حساب يشفع كل واحد منهم في سبعين ألفا وجوههم كالقمر ليلة البدر وحديث الحجون والبقيع مقبرتا مكة والمدينة يؤخذ بأطرافهما وينثران في الجنة وقيل مبناه خبر ومعناه أمر أي آمنوه ولا تتعرضوا له وهذا توجيه قوله (وقيل كان) وفي نسخة بل كان (يأمن من الطلب) أي طلب الثار (من أحدث حدثا) أي جنى جناية من قتل نفس أو قطع جارحة (خارجا عن الحرم ولجأ) بالهمز أي التجأ وعاذ وأما قول التلمساني وروى أو لجأ بالتنويع فلا يصح في مقام التفريع (إليه في الجاهليّة) وكذا في الأحكام الإسلامية على مقتضى قواعد علمائنا الحنفية فإنه لا يتعرض إليه ما دام في الحرم المحترم إلا أنه لا يؤوي ولا يطعم ولا يسقى حتى يضطر إلى الخروج فإذا خرج منه ولعل عادة الجاهلية كانت على الإطلاق
وأما في الإسلام فمن أحدث حدثا في الحرم ولو دخل الكعبة يخرج منها ويقتص منه بالاتفاق (وهذا) أي قوله تعالى وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً (مثل قوله وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ) أي الكعبة وما حولها من أرض الحرم (مَثابَةً لِلنَّاسِ) أي مرجعا لهم أو مكان مثوبة لهم (وَأَمْناً)[البقرة: 125](على قول بعضهم) أي من العلماء الحنفية على ما قدمنا عنهم أو معناه يأمن من حجه أو اعتمره أو دخله من عذاب الآخرة أو موضع آمن لا يتعرض لأهله كقوله سبحانه وتعالى أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً ويتخطف الناس من حولهم (وحكي أنّ قوما أتوا سعدون) بفتح السين وسكون العين وضم الدال والقياس صرف سعدون وحمدون ولكنهما وقعا غير مصروفين في كتب الحديث من الأصول المعتمدة (الخولانيّ) بفتح الخاء المعجمة وسكون الواو فنون قبل ياء النسبة (بالمنستير) بضم ميم وفتح نون ويكسر وسكون سين مهملة وفوقية مكسورة وتحتية ساكنة فراء مكان بالقيروان (فأعلموه أنّ كتامة) بضم الكاف ففوقية قبيلة من البربر (قتلوا رجلا وأضرموا) بالضاد المعجمة أي اشعلوا وأوقدوا (عليه النّار طول اللّيل فلم تعمل) أي لم تؤثر (فيه) أي شيئا كما في نسخة (وبقي) أي الرجل (أبيض اللون) أي زيادة على ما كان عليه أو تبدل سواده بياضا وهو الأظهر وفي نسخة أبيض البدن (فقال) أي سعدون (لعلّه) أي المقتول (حجّ ثلاث حجج) أي مقبولة وهي بكسر الحاء وفتح الجيم الأولى جمع حجة بفتح الحاء وكسرها (قالوا نعم) أي حج ثلاث حجج (قال حدّثت أنّ من حجّ حجّة) أي واحدة (أدّى فرضه) أي إن أقام بشرائطه وأركانه (ومن حجّ ثانية داين ربّه) أي أقرضه قرضا وفي أصل الدلجي دان ربه أي أطاعه وعبده والظاهر أنه تصحيف لما في نسخة من زيادة فينادي غدا ملك من عند الله من كان له عند الله دين فليقم (وَمَنْ حَجَّ ثَلَاثَ حِجَجٍ حَرَّمَ اللَّهُ شَعْرَهُ وبشره) أي ظاهر جلده من باهر جسده (على النّار) أي في الدنيا والآخرة (ولمّا نظر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إلى الكعبة) أي يوم الفتح أو وقت هجرته إلى المدينة أو في حجة الوداع (قال مرحبا بك) يحتمل التأنيث والتذكير أي سهلا فضلا (من بيت ما أعظمك وأعظم حرمتك) أي قدرا رواه الطبراني في الأوسط عن جابر (وفي الحديث عنه صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا مِنْ أَحَدٍ يَدْعُو اللَّهَ تعالى عند الرّكن الأسود) هو حيث فيه الحجر الأسود وفي الترمذي عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أنه قال نزل الحجر الأسود من الجنة وهو أشد بياضا من اللبن فسودته خطايا بني آدم قال الترمذي حسن صحيح وقال المحب الطبري وقد اعترض بعض الملاحدة فقال كيف يسود الحجر خطايا أهل الشرك والكفران ولا يبيضه توحيد أهل المعرفة والإيمان وأجيب بأن بقاءه أسود إنما كان للاعتبار ليعلم أن الخطايا إذا أثرت في الحجر فتأثيرها في القلوب أعظم وأكثر وللحجر الأسود آيات بينات منها أنه يطفو على الماء ومنها أنه لا يسخن بالنار ومنها حفظ الله تعالى له من الضياع منذ اهبط إلى الأرض مع ما وقع من الأمور المقتضية لذهابه كالطوفان ومنها أنه يقال هلك تحته ثلاثمائة
بعير والله تعالى أعلم (إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ وَكَذَلِكَ عِنْدَ الْمِيزَابِ) لا يعرف مخرجه إلا إنا قد روينا في رسالة الحسن البصري إلى أهل مكة أن الدعاء يستجاب في حرمها وعند البيت والركن الأسود والملتزم وتحت الميزاب وهو الذي يقال له ميزاب الرحمة قال الحسن البصري وسمعت أن عثمان بن عفان أقبل ذات يوم فقال لأصحابه ألا تسألونني من أين جئت قالوا من أين جئت يا أمير المؤمنين قال ما زلت قائما على باب الجنة وكان رضي الله تعالى عنه قائما تحت الميزاب يدعو الله تعالى وذكر الأزرقي في تاريخه عن عطاء قال من قام تحت ميزاب الكعبة فدعا استجيب له وخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه (وعنه عليه الصلاة والسلام مَنْ صَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ وَحُشِرَ يوم القيامة من الآمنين) رواه الديلمي وابن النجار ولفظهما من طاف بالبيت سبعا وصلى خلف المقام ركعتين وشرب من ماء زمزم غفر الله ذنوبه كلها بالغة ما بلغت لكن قال السخاوي لا يصح وقد ولع به العامة كثيرا لا سيما بمكة حيث كتب على بعض جدرها الملاصق لزمزم وتعلقوا في ثبوته بمنام وشبهه مما لا يثبت الأحاديث النبوية بمثله وقد ذكره المنوفي في مختصره وقال فيه أنه باطل لا أصل له والله تعالى أعلم ثم على تقدير ضحته فهو محمول على تكفير الصغائر لقوله تعالى إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ (قال الفقيه القاضي أبو الفضل) يعني المصنف (قرأت على القاضي الحافظ أبي عليّ رحمه الله هو ابن سكرة (حدّثك) وفي نسخة حدثنا (أبو العباس العذريّ) بضم العين وسكون الذال المعجمة (قال ثنا) أي حَدَّثَنَا (أَبُو أُسَامَةَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ محمد الهرويّ) بفتح الهاء والراء منسوب إلى هراة بكسر أولها مدينة عظيمة بخراسان (حدّثنا الحسن بن رشيق) بفتح الراء وكسر الشين المعجمة هو اليشكري مصري مشهور عالي السند لين الحفظ وثقه جماعة وانكر عليه الدارقطني أنه كان يصلح في أصله ويغيره (سمعت أبا الحسن) وفي نسخة أبا الحسين (محمد بن الحسن بن راشد) أي الأنصاري يروي عن وراق الحميدي (سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بْنَ إِدْرِيسَ سَمِعْتُ الحميديّ) بالتصغير وهو القرشي المكي الفقيه الإمام أحد الأعلام وهو من أصحاب الشافعي مات بمكة سنة تسع عشرة ومائتين وهو أول رجل أخرج له البخاري في صحيحه (قَالَ سَمِعْتُ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ قَالَ سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يقول سمعت رسول الله صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَا دَعَا أَحَدٌ بِشَيْءٍ في هذا الملتزم) بضم الميم وفتح الزاء وهو ما بين الحجر الأسود وباب الكعبة قال الأزرقي ذرعه أربعة أذاع سمي بذلك لأن الناس يلتزمونه في الدعاء ويقال له المدعي والمتعوذ بفتح الواو (إِلَّا اسْتُجِيبَ لَهُ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَنَا فما دعوت الله شيء في هذا الملتزم منذ) ويروى مذ هنا وما بعده (سَمِعْتُ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا اسْتُجِيبَ لِي، وَقَالَ عَمْرُو بن دينار) أي الراوي عن ابن عباس (وَأَنَا فَمَا دَعَوْتُ اللَّهَ تَعَالَى بِشَيْءٍ فِي هذا الملتزم منذ سمعت هذا من ابْنِ عَبَّاسٍ إِلَّا اسْتُجِيبَ لِي، وَقَالَ سُفْيَانُ) أي ابن عيينة الراوي
عن عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ (وَأَنَا فَمَا دَعَوْتُ اللَّهَ بِشَيْءٍ فِي هَذَا الْمُلْتَزَمِ مُنْذُ سَمِعْتُ هَذَا من عمرو) أي ابن دينار (إلّا استجيب لي، قال الحميديّ) وهو الراوي عن ابن عيينة (وَأَنَا فَمَا دَعَوْتُ اللَّهَ بِشَيْءٍ فِي هَذَا الملتزم منذ سمعت هذا من سفيان) أي ابن عيينة (إِلَّا اسْتُجِيبَ لِي؛ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ) يعني الراوي عن الْحُمَيْدِيُّ (وَأَنَا فَمَا دَعَوْتُ اللَّهَ بِشَيْءٍ فِي هَذَا الْمُلْتَزَمِ مُنْذُ سَمِعْتُ هَذَا مِنَ الْحُمَيْدِيِّ إلّا استجيب لي؛ وقال أبو الحسن) وفي نسخة أبو الحسين (محمد بن الحسن) وهو الراوي عن ابن إِدْرِيسَ (وَأَنَا فَمَا دَعَوْتُ اللَّهَ بِشَيْءٍ فِي هَذَا الْمُلْتَزَمِ مُنْذُ سَمِعْتُ هَذَا مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ إِلَّا اسْتُجِيبَ لِي؛ قَالَ أَبُو أسامة وما أذكر الحسن بن رشيق) يعني شيخه (قال فيه شيئا) أي مثل ما سبق عن بقية مشايخ السلسلة وعلى هذا فالمسلسل هنا منقطع (وَأَنَا فَمَا دَعَوْتُ اللَّهَ بِشَيْءٍ فِي هَذَا الْمُلْتَزَمِ مُنْذُ سَمِعْتُ هَذَا مِنَ الْحَسَنِ بْنِ رَشِيقٍ إِلَّا اسْتُجِيبَ لِي مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا) أي مما طلبته (وَأَنَا أَرْجُو أَنْ يُسْتَجَابَ لِي مِنْ أَمْرِ الآخرة) أي مما دعوته (قال العذريّ) أي الراوي عن أبي أسامة (وَأَنَا فَمَا دَعَوْتُ اللَّهَ بِشَيْءٍ فِي هَذَا الْمُلْتَزَمِ مُنْذُ سَمِعْتُ هَذَا مِنْ أَبِي أُسَامَةَ إلّا استجيب لي قال أبو عليّ) وهو تلميذ العذري وشيخ المصنف (وَأَنَا فَقَدَ دَعَوْتُ اللَّهَ فِيهِ بِأَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ استجيب لي بعضها وأنا أرجو من سعة فضله) بكسر السين وفتحها أي واسع كرمه (أن يستجيب لي بقيّتها) والأحاديث المسلسلة قلّ أن تكون متصلة وندر أن تكون صحيحة هذا وقد ذكر شيخ مشايخنا أبو الخير محمد بن الجزري في الحصن الحصين أنا قد روينا في استجابة الدعاء في الملتزم حديثا مسلسلا من طريق أهل مكة كذا ذكره مجملا من غير أن يبينه مفصلا وقد روى سعيد بن منصور والبيهقي في سننهما من طريق أبي الزبير عن ابن عباس الملتزم بين الركن والباب لا يسئل الله تعالى أحد فيه شيئا إلا أعطاه قال أبو الزبير وقد دعوت الله مرة هناك فاستجاب لي (قال القاضي أبو الفضل) لعله يعني المصنف نفسه (ذكرنا) وفي نسخة وقد ذكرنا (نبذا) بضم النون وفتح الموحدة فذال معجمة أي قدرا يسيرا (من هذه النّكت) بضم ففتح جمع النكتة وهي النقطة والمراد بها الفوائد بها الفوائد اللطيفة والعوائد المنيفة (في هذا الفصل) أي عظيم الفضل (وإن لم تكن) أي النبذ أو النكت (من الباب) أي باعتبار الأصل وإنما ذكرناها في أثناء الوصل (لِتَعَلُّقِهَا بِالْفَصْلِ الَّذِي قَبْلَهُ حِرْصًا عَلَى تَمَامِ الفائدة) أي وغاية منفعته (والله الموفّق للصّواب برحمته) وكرمه ولطفه.