الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دفع إليه) بصيغة المجهول (من موسى) متعلق بأعلم وهذا بعينه في نفس الحديث تقدم، (وقال آخر) أي من الشيوخ (إنّما ألجىء) أي اضطر (موسى إلى الخضر للتّأديب) أي التهذيب (لا للتّعليم) ويرده قوله هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً الآيات.
فصل (وأمّا ما يتعلّق بالجوارح)
أي بالأركان (من الأعمال ولا يخرج) بالواو لا بالفاء كما في نسخة لأن جواب لما سيجيء والجملة فيما بينهما معترضة والتقدير والحال أنه لا يخرج (من جملتها) ويروى عن جملتها أي الأعمال (الْقَوْلُ بِاللِّسَانِ فِيمَا عَدَا الْخَبَرَ الَّذِي وَقَعَ فيه الكلام) من قسميه الذي سبيله البلاغ والذي ليس سبيله البلاغ من المرام (ولا الاعتقاد) أي ولا يخرج من جملتها أيضا الاعتقاد (بالقلب) لأن محله الجنان ويروى في القلب (فيما عدا التّوحيد) وما يتبعه من الإيمان والإسلام والإحسان ومراتب الإيقان والاتقان ما عقدت عليه قلوب الأنبياء (وما قدّمناه من معارفه المختصة به) أي بالقلب وأحواله فإنها لا تخرج من جملتها لأنها من أعماله (فأجمع المسلمون) أي السلف المعتمدون (على عصمة الأنبياء من الفواحش) أي قولا وفعلا وعقدا وهي الذنوب التي فحش قبحها وحرم على هذه الأمة ومن قبلها (والكبائر الموبقات) بكسر الموحدة أي المهلكات وهو عطف تفسير ويروى والموبقات والأولى مختصة بارتكاب السيئات والأخرى باجتناب العبادات (ومستند الجمهور) أي أكثر العلماء (في ذلك) أي في القول بعصمتهم (الإجماع الّذي ذكرناه) من المسلمين المتقدمين (وهو مذهب القاضي أبي بكر) أي ابن الطيب الباقلاني المالكي (ومنعها) أي عصمتهم (غيره) أي غير القاضي (بدليل العقل) لعدم احالته منع عصمتهم لإمكانه في نفسه (مع الإجماع) أي مع تكاثر قيامه عليها (وهو) أي الإجماع (قول الكافّة) أي عامة المتأخرين، (واختاره الأستاذ) بالدال المهملة والمعجمة (أبو إسحاق) الإسفراييني الشافعي ولعل هذا الخلاف لفظي والجواز وعدمه عقلي وإلا فلا خلاف في عصمة الأنبياء عن الكفر قبل النبوة وبعدها وإنما الخلاف فيما عداه من الكبائر والصغائر والجمهور على عصمتهم من الكبائر بخلاف ما سيأتي من الخلاف في الصغائر (وَكَذَلِكَ لَا خِلَافَ أَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ مِنْ كِتْمَانِ الرّسالة) لقوله تعالى يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ (والتّقصير في التّبليغ) أي ومن التقصير فيه لقوله فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ، (لأنّ ذلك) وفي نسخة لأن كل ذلك أي كل واحد من الكتمان والتقصير (يقتضي العصمة) بالنصب (منه المعجزة) بالرفع ويروى مقتضى الْعِصْمَةَ مِنْهُ الْمُعْجِزَةُ (مَعَ الْإِجْمَاعِ عَلَى ذَلِكَ) أي على ما ذكر من أن عصمتهم من قبل الله تعالى باختيارهم وكسبهم واقتدارهم بمعنى أنه تعالى لم يخلق فيه كفرا ولا ذنبا كبيرا (من الكافّة) أي من جهة عامة العلماء، (والجمهور قائل) يروى وَالْجُمْهُورُ قَائِلُونَ (بِأَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ مِنْ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ مُعْتَصِمُونَ بِاخْتِيَارِهِمْ وَكَسْبِهِمْ إِلَّا حُسَيْنًا النّجّار) وفي نسخة
خلافا للنجار من المعتزلة (فإنّه قال لا قدرة لهم) ويروى لا قوة لهم (على المعاصي أصلا) وهو بنون وجيم مشددة حسين بن محمد وإليه ينسب النجارية وهم اتباعه وهم يوافقون القدرية في بعض أصولهم من نفي الرؤية ونفي الحياة والقدرة ويقولون بحدوث الكلام والقدرية يكفرونهم بسبب مخالفتهم إياهم في بعض المسائل وهم أكثر من عشر فرق فيما بينهم كالبرغوثية والزعفرانية والمستدركية وغيرهم وهم فرقة من ثلاث وسبعين فرقة، (وأمّا الصّغائر فجوّزها) أي وجودها ووقوعها (جماعة من السّلف وغيرهم) من الخلف كإمام الحرمين منا وأبي هاشم من المعتزلة حيث جوزوا الصغائر غير المنفرة (عَلَى الْأَنْبِيَاءِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي جَعْفَرٍ الطَّبَرِيِّ وغيره من الفقهاء) أي المجتهدين (والمحدّثين والمتكلّمين) أي في أصول الدين والمراد بعض من كل منهم، (وسنورد بعد هذا) أي في فصل الرد على من أجاز الصغائر على الأنبياء (ما احتجّوا به) أي ما استدلوا به من الأدلة، (وذهبت طائفة أخرى إلى الوقف) أي التوقف في أمرهم (وقالوا العقل لا يحيل وقوعها) أي الصغائر ولا الكبائر (منهم ولم يأت في الشّرع) أي من الكتاب والسنة (قاطع بأحد الوجهين) أي بجواز صدورها عنهم، (وذهبت طائفة أخرى من المحقّقين من الفقهاء والمتكلّمين إلى عصمتهم من الصّغائر) المختلف في وقوعها منهم (كعصمتهم من الكبائر) أي المتفق على عدم صدورها عنهم، (قالوا لاختلاف النّاس في الصّغائر) أي في تعريفها وتبيينها (وتعيينها) أي وعدم تمييزها (من الكبائر وإشكال ذلك) أي ولاشتباه تعينها من بين الكبائر فقال بعضهم هي كل ما يجب فيه حد وقيل ما ورد فيه وعيد وقيل هي أمر وتوقف بعضهم عن الفرق (وقول ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما) أي ولقوله (وَغَيْرِهِ إِنَّ كُلَّ مَا عُصِيَ اللَّهُ بِهِ فهو كبيرة) كما رواه ابن جرير عنه (وأنّه) بفتح الهمز أي وأن الشأن (إِنَّمَا سُمِّيَ مِنْهَا الصَّغِيرُ بِالْإِضَافَةِ إِلَى مَا هو أكبر منه) كالمس والقبلة والمعانقة والمعالجة بالنسبة إلى المجامعة فكل باعتبار ما فوقه صغير وما تحته كبير وكلها معصية حتى الخلوة بالأجنبية (ومخالفة الباري في أيّ أمر كان يجب كونه كبيرة) أي من حيث إنها مخالفة لصاحب الكبرياء والعظمة وإلا فلا شبهة في تفاوت مراتب المخالفة ولذا قال تعالى إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وقال عز وجل الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ أي الصغائر وقد أنشد صلى الله تعالى عليه وسلم:
إن تغفر اللهم فاغفر جما
…
وأي عبد لك لا ألما
وعن أبي العالية اللمم ما بين حد الدنيا وحد الآخرة أي بين ما يجب به الحد في الدنيا كشرب الخمر والزنا وبين ما أوعد الله عليه العقاب في العقبى كعقوق الوالدين وأكل الربا وأموال اليتامى ظلما؛ (قال القاضي أبو محمد عبد الوهّاب) أي البغدادي المالكي صاحب الرحبة كان فقيها دينا له تصانيف جيدة العبارة منها كتاب المعونة في شرح الرسالة توفي
بمصر سنة اثنتين وأربعمائة ودفن بالقرافة الصغرى فيما بين قبة الإمام الشافعي وباب القرافة بالقرب من ابن القاسم وأشهب (لا يمكن أن يقال في) وفي نسخة إن في (إنّ في معاصي الله صغيرة) لما يلزم منه احتقار المعصية (إلّا على معنى أنّها تغتفر) وفي نسخة تغفر (باجتناب الكبائر) أي معها لا بعين اجتنابها فإنه مذهب المعتزلة بل بشرط اجتنابها لكن بسبب أعمال حسنة بينها الشارع وعينها (ولا يكون لها) في المؤاخذة بها (حكم مع ذلك) أي مع غفران الله تعالى لها (بخلاف الكبائر إذا لم يتب منها) بصيغة المفعول أو الفاعل (فلا يحبطها) أي لا يذهبها ولا يرفعها أو لا يهدمها ولا يبطلها (شيء) أي من الطاعات وإن كان ظاهر قوله تعالى إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ يشمل الصغائر والكبائر إلا أن علماء أهل السنة أجمعوا على أن المكفرات مخصوصة بالصغائر ويجوز أن الله تعالى يعذب عليها ويغفر ما فوقها (والمشيئة في العفو) أي فيما عدا الكفر (إلى الله تعالى) كما قال تعالى إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وفي نسخة في العفو عنها أي عن الصغائر والكبائر لا عن الصغائر كما هو المتبادر (وهو) أي ما ذهبوا إليه من عصمة الأنبياء من الكبائر والصغائر (قول القاضي أبي بكر) أي الباقلاني من المالكية رحمه الله تعالى (وجماعة أئمّة الأشعريّة) من باب عطف العام على الخاص إذ هو من أكابرهم (وكثير من أئمّة الفقهاء) كاتباع الماتريدية، (وقال بعض أئمّتنا) أي من أهل السنة أو المالكية (ولا يجب) أي ولا يثبت (على القولين) وهما قول العصمة وعدمها عقلا (أن يختلف) وكان الأظهر أن يقول ويجب على القولين أن لا يختلف (أنّهم) أي من أن الأنبياء (مَعْصُومُونَ عَنْ تَكْرَارِ الصَّغَائِرِ وَكَثْرَتِهَا إِذْ يُلْحِقُهَا ذلك) التكرار (بالكبائر) المختلف في عصمتهم منها فإن من جملة الكبائر الإصرار على الصغائر فقد ورد لا صغيرة مع الإصرار ولا كبيرة مع الاستغفار (ولا في صغيرة) أي ولا يجب أيضا أن يختلف في صغيرة (أدّت إلى إزالة الحشمة) أي المهابة (وأسقطت المروءة) بالهمزة ويجوز ابدالها وادغامها وهي الفتوة وكمال الرجولية (وأوجبت الإزراء) بتقديم الزاء على الراء أي الحقارة (والخساسة) أي الدناءة، (فهذا) أي النوع من الصغائر (أيضا ممّا يعصم منه) ويروى عَنْهُ (الْأَنْبِيَاءُ إِجْمَاعًا، لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا يَحُطُّ منصبه) أي يضع منصب النبي ويروى منصب المتسم أي الموصوف به (ويزري) بفتح أوله على أن الباء للتعدية في قوله (بصاحبه) أي يحقره وينقصه (وينفّر) بتشديد الفاء أي يطرد (القلوب عنه) أي عن قبول كلامه وحصول مرامه (وَالْأَنْبِيَاءُ مُنَزَّهُونَ عَنْ ذَلِكَ، بَلْ يَلْحَقُ بِهَذَا) أي في التنزه (ما كان من قبيل المباح) الذي لا تبعة على فاعله ولا مذمة (فأدّى إلى مثله) أي إلى شبه ما ينزهون عنه (لِخُرُوجِهِ بِمَا أَدَّى إِلَيْهِ عَنِ اسْمِ الْمُبَاحِ إلى الحظر) بفتح الحاء المهملة وسكون الظاء المعجمة أي المنع، (وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى عِصْمَتِهِمْ مِنْ مُوَاقَعَةِ المكروه) أي فعله أو قوله (قَصْدًا، وَقَدِ اسْتَدَلَّ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ عَلَى عِصْمَتِهِمْ من الصّغائر بالمصير) متعلق باستدل أي بمرجع الأمم (إلى امتثال أفعالهم) أي افعال الأنبياء (واتّباع آثارهم وسيرهم) ويروى سيرتهم أي أحوالهم وأقوالهم (مطلقا) أي من
غير قيد أن تقع أفعالهم وأقوالهم قصدا كما قال تَعَالَى أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ وقال قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي، (وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ عَلَى ذَلِكَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ والشّافعيّ وأبي حنيفة) رحمهم الله تعالى لم ينصف المصنف في ترتيب ذكر الأئمة لا سيما في تأخير أبي حنيفة عن الشافعي مع أنه مقدم على الكل مدة ورتبة (من غير التزام قرينة) دالة على وقوع قصد وتعمد في أفعالهم (بَلْ مُطْلَقًا عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي حكم ذلك) أي في حكم اتباعهم من وجوب أو ندب هنالك، (وحكى ابن خويز منداذ) بضم الخاء المعجمة وفتح الواو المخففة وسكون التحتية وفتح زاء أو كسرها وكسر ميم وسكون نون فدال مهملة فألف فذال معجمة أو فذالين معجمتين بينهما الف تفقه على الأبهري وهو ضعيف في الرواية مات في حدود الأربعمائة (وأبو الفرج) هو المالكي صاحب كتاب الحاوي مات سنة ثلاثين وثلاثمائة (عن مالك التزام ذلك) أي ما صدر عنهم (وجوبا وهو قول الأبهريّ) بفتح الهمزة والهاء بلد عظيم بين قزوين وزنجان وجبل بالحجاز قال التلمساني هم جماعة أكبرهم التميمي مات سنة خمس وسبعين وثلاث مائة (وابن القصّار) بتشديد الصاد (وأكثر أصحابنا) أي المالكية (وقول أكثر أهل العراق) أي الثوري وأصحاب أبي حنيفة (وابن سريج) بسين مهملة مضمومة وفي آخره جيم وهو أبو العباس البغدادي أخذ عن الأنماطي بلغت مصنفاته أربعمائة توفي سنة ست وثلاثمائة وعمره سبع وخمسون سنة قال الشيخ أبو إسحاق تفضل على جميع أصحاب الشافعي حتى على المزني (والإصطخريّ) بكسر الهمزة وتفتح وبفتح الطاء وسكون الخاء المعجمة وهو شيخ ابن سريج صنف كتبا كثيرة منها أدب القضاء استحسنه الأئمة وكان زاهدا متقللا من الدنيا كان من أخلاقه حدة ولاه المقتدر بالله قضاء سجستان ثم حسبة بغداد ولد سنة أربعين ومائتين وتوفي ببغداد سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة ودفن بباب حرب (وابن خيران) الخاء المعجمة وسكون التحتية فراء فألف فنون البغدادي مات سنة عشرين وثلاثمائة كان إماما جليلا وربما كان يعتب على أن سريج في ولايته للقضاء ويقول هذا الأمر لم يكن في أصحابنا إنما كان في أصحاب أبي حنيفة وطلبه الوزير ابن الفرات بأمر الخليفة للقضاء فامتنع فوكل ببابه وختم عليه بضعة عشر يوما حتى احتاج إلى الماء فلم يقدر عليه إلا بمناولة بعض الجيران فبلغ الخبر إلى الوزير فأمر بالإفراج عنه وقال ما أردنا بالشيخ أبي علي الأخيرا أردنا أن نعلم أن في مملكتنا رجلا يعرض عليه قضاء القضاة شرقا وغربا وفعل به مثل هذا وهو لا يقبل (من الشّافعيّة) أي المذكورون هو ومن قبله من علماء الشافعية ذهبوا إلى وجوب اتباع افعال الانبياء (وأكثر الشّافعيّة على أنّ ذلك ندب، وذهبت طائفة) أي منهم أو غيرهم (إلى الإباحة) إلا إذا قام دليل على الوجوب أو الندب. (وقيّد بعضهم الاتّباع) أي وجوبا أو ندبا (فِيمَا كَانَ مِنَ الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ وَعُلِمَ بِهِ مقصد القربة) أي التقرب في الأحوال الأخروية (ومن قال بالإباحة في أفعاله) أي في اتباع أفعال النبي عليه الصلاة والسلام (لم يقيّد) أي اتباعهم بما تقدم (قال) أي ذلك البعض (ولو جوّزنا
عليهم الصّغائر) أي فضلا عن الكبائر (لم يمكن الاقتداء بهم في أفعالهم) لعدم علمنا بمقاصدهم وأحوالهم، (إذ ليس كلّ فعل من أفعاله) أي كغيره منهم ويروى من أفعالهم (يتميّز مقصده) بكسر الصاد أي مطلبه أو قصده كما في نسخة أي نيته ومستور طويته (به) أي بعمله الذي قصده أهو (من القربة) واجبا أو ندبا (أو الإباحة) مما لا يترتب على فعله مدح ولا ذم ولا ثواب ولا عقاب (أو) من (الحظر) أي المنع حراما أو مكروها أو خلاف الأولى (أو المعصية) أي المخالفة في الجملة ويروى والمعصية، (وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُؤْمَرَ الْمَرْءُ بِامْتِثَالِ أَمْرٍ لعلّه معصية لا سيّما) أي خصوصا (عند من يرى من الأصوليّين) أي في الفقه (تقديم الفعل) من الأدلة (على القول إذا تعارضا) وجهل المتأخر منهما وهم أصحاب الشافعي فأما عندنا فيرجح القول على الفعل لأنه أدل على كونه للقربة لاحتمال أن الفعل وقع وفق العادة أو بحسب ما يناسب تلك الحالة ولذا قال اصحابنا إن الاعتمار من التنعيم أفضل منه من الجعرانة خلافا للشافعية مع أن عمرة عائشة كانت متأخرة حيث وقعت عام حجة الوداع وعمرة الجعرانة كانت سنة الفتح، (ونزيد) أي نحن (هذا) المبحث (حجّة) أي تزيل شبهة من زعم عدم إمكان الاقتداء بالأنبياء لإبهام أفعالهم من بين ما سبق من الأشياء (بِأَنْ نَقُولَ مَنْ جَوَّزَ الصَّغَائِرَ وَمَنْ نَفَاهَا عن نبيّنا عليه الصلاة والسلام وكذا عن سائر الأنبياء عليهم السلام (مجمعون على أنّه) أي كغيره منهم (لا يقرّ) بضم ياء وفتح قاف وتشديد راء وأخطأ الحلبي في قوله يقر بكسر القاف وتبعه غيره من المحشيين وقال الأنطاكي أي لا يقر غيره على منكر والصواب ما قدمناه وأن المعنى لا يبقى ولا يترك (على منكر من قول أو فعل) بل ينبه ويذكر لينتهي عنه ولم يتكرر واختلفوا هل من شرط ذلك الفور أم يصح على التراخي قبل وفاته عليه الصلاة والسلام والصحيح الأول (وأنّه) أي النبي عليه الصلاة والسلام (متى رأى شيئا) أي علم من أمته قولا أو فعلا (فسكت عنه صلى الله تعالى عليه وسلم عنه) أي لم ينكر على فاعله (دلّ) سكوته (على جوازه) ويسمى مثل هذا تقريرا (فكيف يكون هذا) التقرير (حاله في حقّ غيره ثمّ يجوّز) مضارع جاز وفي نسخة بصيغة المفعول من التجويز وفي أخرى بصيغة المتكلم منه والمعنى كيف يتصور (وُقُوعُهُ مِنْهُ فِي نَفْسِهِ وَعَلَى هَذَا الْمَأْخَذِ) أي المذكور سابقا (تجب عصمته مِنْ مُوَاقَعَةِ الْمَكْرُوهِ كَمَا قِيلَ وَإِذِ الْحَظْرُ) أي المنع عن ترك الاقتداء على وجه الحرمة وكان الأظهر أن يقول إذ الوجوب (أَوِ النَّدْبُ عَلَى الِاقْتِدَاءِ بِفِعْلِهِ يُنَافِي الزَّجْرَ والنّهي عن فعل المكروه) أي لغيره؛ (وأيضا فقد علم من دين دين الصّحابة) أي دأبهم وعادتهم (قطعا الاقتداء بأفعال النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم كيف توجّهت وفي كلّ فنّ) وفي نسخة وفي كل فن أي ومن دينهم الاقتداء بأفعاله في كل فن أي نوع من أفعاله قصدا أو سهوا من غير تفرقة بين فعل من أفعاله (كالاقتداء بأقواله) أي اتفاقا (فقد نبذوا خواتيمهم) أي طرحوها (حين نبذ خاتمه) بكسر التاء وفتحها على ما رواه الشيخان عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه عليه الصلاة والسلام اتخذ له خاتما من ذهب ثم نبذه فاقتدوا به وروي أنه عليه
الصلاة والسلام اتخذ خاتما من ذهب ثم نبذه ثم اتخذ خاتما من ورق (وخلعوا نعالهم) كما رواه أحمد وأبو داود (حين خلع صلى الله تعالى عليه وسلم) ويروى خلع نعله ولفظ الحاكم عن أبي سعيد صلى الله تعالى عليه وسلم في نعليه ثم نزع فنزع الناس نعالهم وعن ابن سعيد الخدري قال بينا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يصلي بأصحابه إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره فلما رأى القوم ذلك ألقوا نعالهم فلما قضى صلاته قال ما حملكم على القائكم نعالكم قالوا رأيناك القيت نعليك فقال إن جبريل اخبرني أن فيهما قذرا الحديث ويناسب الباب حديث الصلاة إلى القبلتين ومتابعة الصحابة له في الجهتين (واحتجاجهم) بالرفع أي ومن دين الصحابة استدلالهم بجواز محاذاة القبلة حال قضاء الحاجة استقبالا واستدبارا (برؤية ابن عمر إيّاه) كما في حديث الشيخين عنه قال رقيت يوما على بيت حفصة فرأيت النبي صلى الله تعالى عليه وسلم (جالسا لقضاء حاجته مستقبلا بيت المقدس) ورواية المصابيح مستدبر القبلة مستقبل الشام مع نهيه صلى الله تعالى عليه وسلم عن الاستقبال والاستدبار في تلك الحال كما في حديث الشيخين عن أبي أيوب إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ببول ولا غائط ولكن شرقوا أو غربوا فجمع الشافعي بينهما بحمل رواية ابن عمر على البناء ورواية أي أيوب على الفضاء وهو عندنا محمول على الضرورة أو على ما قبل النهي (واحتجّ غير واحد) من الصحابة أو الأئمة أي كثير (منهم في غير شيء) أي واحد بل في اشياء كثيرة ويروى في رؤية شَيْءٍ (مِمَّا بَابُهُ الْعِبَادَةُ أَوِ الْعَادَةُ بِقَوْلِهِ) أي الصحابة كأنس رضي الله تعالى عنه فيما رواه الشيخان أنه قدم من سفر فرؤي على حمار يصلي لغير القبلة يومي فقيل له فقال (رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يفعله) ولعله عليه الصلاة والسلام كان فعله خارج البلد فأخذ أنس بجوازه مطلقا وكذا ابن عمر سئل عن أشياء فعلها فقال رأيته صلى الله تعالى عليه وسلم يفعله (وقال) أي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم في حديث الموطأ عن عطاء بن يسار أن رجلا قبل أمرأته وهو صائم فوجد من ذلك وجدا شديدا أي حزن حزنا كبيرا فأرسل امراته تسأل عن ذلك فدخلت على أم سلمة فذكرت لها ذلك فأخبرتها أم سلمة أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كان يقبل وهو صائم فأخبرت زوجها فقال لسنا مثل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يحل الله لرسوله ما يشاء فرجعت امرأته إلى أم سلمة فوجدت عندها النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فقال ما بال هذه المرأة فأخبرته أم سلمة فقال (هلّا خبّرتيها) بتشديد الموحدة وإشباع كسرة التاء ياء وفي نسخة هلا أخبرتيها أي المرأة التي سألتك (أنّي أقبّل وأنا صائم) فقالت قد أخبرتها وذهبت إلى زوجها فأخبرته فقال لسنا مثل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يحل الله لرسوله ما يشاء فغضب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وقال إني اتقاكم لله وأعلمكم بحدوده (وقالت عائشة محتجّة) أي مستدلة بجواز تقبيل الرجل وهو صائم (كُنْتُ أَفْعَلُهُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تعالى عليه وسلم) لا يعرف مخرجه على ما ذكره الدلجي وإنما المعروف غسلها مع رسول
الله صلى الله تعالى عليه وسلم في إناء واحد على ما رواه الترمذي وكذا في الترمذي عن عائشة إذا جاوز الختان الختان وجب الغسل فعلته أنا ورسول الله صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تعالى عليه وسلم) كما مر في حديث الموطأ (على الذي أخبر) بصيغة المجهول (بمثل هذا) أي تقبيله وهو صائم (عنه) أي عن النبي عليه الصلاة والسلام (فقال يُحِلُّ اللَّهُ لِرَسُولِهِ مَا يَشَاءُ وَقَالَ إِنِّي لأخشاكم لله وأعلمكم بحدوده) وروي أن رجلا جاء يستفتي رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقال تدركني الصلاة يعني صلاة الفجر وأنا جنب فأصوم فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وأنا تدركني الصلاة وأنا جنب فأصوم فقال الرجل يحل الله لرسوله ما يشاء فغضب عليه الصلاة والسلام وقال لأني لأخشاكم لله وأعملكم بحدوده أي محارمه حيث قال تعالى تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوها مبالغة في الزجر عنها وأما قوله تعالى تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوها فالمراد منها سهام المواريث المعينة وتزوج الزائدة على الأربع وزيادة الحد على جلد المائة في الزاني والزانية ونحوها من الأحكام المبينة (والآثار) أي الأحاديث والأخبار (في هذا) الباب (أعظم) وفي نسخة أكثر (من أن نحيط) أي نحن (بها) وفي نسخة من أن يحاط عَلَيْهَا (لَكِنَّهُ يُعْلَمُ مِنْ مَجْمُوعِهَا عَلَى الْقَطْعِ) في مدلولها (اتّباعهم) أي الصحابة (أَفْعَالَهُ وَاقْتِدَاؤُهُمْ بِهَا وَلَوْ جَوَّزُوا عَلَيْهِ الْمُخَالَفَةَ في شيء منها) أي من أفعاله (لمّا اتّسق) أي لما استوى وما انتظم ولا تحقق (هذا) الذي سبق (ولنقل عنهم) أي خلاف ما هناك (وَظَهَرَ بَحْثُهُمْ عَنْ ذَلِكَ وَلَمَا أَنْكَرَ صَلَّى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْآخَرِ قَوْلَهُ وَاعْتِذَارُهُ بِمَا ذكرناه) بأن الله يحل لرسوله ما يشاء، (وأمّا المباحات) ولو على سبيل المشتهيات (فجائز وقوعها منهم) بل متحقق صدورها عنهم (إذ ليس فيها قدح) أي منع (بَلْ هِيَ مَأْذُونٌ فِيهَا وَأَيْدِيهِمْ كَأَيْدِي غَيْرِهِمْ من الأمم مسلّطة عليها) بجواز الامتداد إليها فقد ورد في الحديث أن الله سبحانه أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ وقال عز وجل يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً (إلّا أنّهم) أي الأنبياء وكذا اتباعهم الكمل من الأصفياء (بما خصّوا به من رفيع المنزلة) ومنيع الحالة (وشرحت) أي وبما اتسعت (لهم صدورهم من أنوار المعرفة) أي وأسرار الحكمة (واصطفوا) بصيغة المجهول مخففة الفاء من الاصطفاء أي واختيروا (به) في علو حالهم (من تعلّق بالهم) أي قبلهم وتعلق حالهم ويروى من تعلق بالتنوين وبالهم بتشديد الميم (بالله والّدار الآخرة) في مآلهم (لا يأخذون) أي لا يتناولون شيئا (من المباحات إلّا الضّرورات) لزهدهم في الدنيا وتوجههم إلى العقبى وطلبهم رضى المولى فيكتفون بها (ممّا يتقوّون) أي استعانة (به على سلوك طريقهم) في تقوية أبدانهم وتهيئة زادهم لمعادهم (وصلاح دينهم) المتوقف على إصلاح شأنهم (وضرورة دنياهم) المعينة على أمور أخراهم مما لا بد منه ولا محيص عنه (وما أخذ على هذه السّبيل) أي وفق الشريعة والطريقة (التحق) ضبط بصيغة