المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل [وأما وجوب اتباعه وامتثال سنته والاقتداء بهديه] - شرح الشفا - جـ ٢

[الملا على القاري]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثّاني

- ‌[المقدمة]

- ‌(الْقِسْمُ الثَّانِي فِيمَا يَجِبُ عَلَى الْأَنَامِ مِنْ حقوقه صلى الله تعالى عليه وسلم)

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ [فِي فَرْضِ الْإِيمَانِ بِهِ وَوُجُوبِ طاعته واتّباع سنّته]

- ‌فصل [وَأَمَّا وُجُوبُ طَاعَتِهِ فَإِذَا وَجَبَ الْإِيمَانُ بِهِ وتصديقه فيما جاء به]

- ‌فصل [وَأَمَّا وُجُوبُ اتِّبَاعِهِ وَامْتِثَالُ سُنَّتِهِ وَالِاقْتِدَاءُ بِهَدْيِهِ]

- ‌فصل [وأما وَرَدَ عَنِ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ مِنِ اتِّبَاعِ سُنَّتِهِ]

- ‌فصل [وَمُخَالَفَةُ أَمْرِهِ وَتَبْدِيلُ سُنَّتِهِ ضَلَالٌ وَبِدْعَةٌ مُتَوَعَّدٌ من الله تعالى عليه بالخذلان والعذاب]

- ‌الباب الثاني [في لزوم محبته عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [في ثواب محبته صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [فِيمَا رُوِيَ عَنِ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ مِنْ مَحَبَّتِهِمْ للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [في علامات محبته صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [في معنى المحبة للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم وحقيقتها]

- ‌فصل [في وجوب مناصحته صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌الْبَابُ الثَّالِثُ [فِي تَعْظِيمِ أَمْرِهِ وَوُجُوبِ تَوْقِيرِهِ وبره]

- ‌فصل [في عادة الصحابة في تعظيمه عليه الصلاة والسلام وتوقيره وإجلاله]

- ‌فصل [واعلم أن حرمة النبي بعد موته وتوقيره وتعظيمه لازم]

- ‌فصل [فِي سِيرَةِ السَّلَفِ فِي تَعْظِيمِ رِوَايَةِ حَدِيثِ رسول الله وسنته عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [ومن توقيره صلى الله تعالى عليه وسلم وبره بر آله]

- ‌فصل [ومن توقيره وبره توقير أصحابه عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [ومن إعظامه وإكباره إعظام جميع أسبابه]

- ‌الباب الرابع [في حكم الصلاة عليه صلى الله تعالى عليه وسلم والتسليم]

- ‌فصل [اعلم أن الصلاة على النبي فرض في الجملة]

- ‌فصل [في المواطن التي تستحب فيها الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ويرغب فيها]

- ‌فصل [في كيفية الصلاة عليه والتسليم]

- ‌فصل (في فضيلة الصلاة على النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم والتسليم عليه والدّعاء له)

- ‌فصل (فِي ذَمِّ مَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله تعالى عليه وسلم وإثمه)

- ‌فصل [في تخصيصه عليه الصلاة والسلام بتبليغ صلاة من صلى عليه صلاة أو سلم من الأنام]

- ‌فصل (فِي الِاخْتِلَافِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى غَيْرِ النَّبِيِّ صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

- ‌فصل (فِي حُكْمِ زِيَارَةِ قَبْرِهِ صلى الله عليه وسلم وَفَضِيلَةِ مَنْ زَارَهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ

- ‌فصل (فِيمَا يَلْزَمُ مَنْ دَخَلَ مَسْجِدَ النَّبِيِّ صَلَّى الله تعالى عليه وسلم من الأدب)

- ‌الْقِسْمُ الثَّالِثُ [فِيمَا يَجِبُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تعالى عليه وسلم وما يستحيل في حقه وما يمتنع]

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ (فِيمَا يَخْتَصُّ بِالْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ وَالْكَلَامُ فِي عِصْمَةِ نَبِيِّنَا عليه الصلاة والسلام وَسَائِرِ الأنبياء صلوات الله عليهم

- ‌فصل (فِي حُكْمِ عَقْدِ قَلْبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تعالى عليه وسلم)

- ‌فصل (وأمّا عصمتهم من هذا الفنّ)

- ‌فصل [قال القاضي أبو الفضل قد بان مما قدمناه عقود الأنبياء في التوحيد والإيمان]

- ‌فصل [وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ مُجْمِعَةٌ عَلَى عِصْمَةِ النَّبِيِّ من الشيطان إلى آخره]

- ‌فصل [وأما قوله صلى الله تعالى عليه وسلم فقامت الدلائل إلى آخره]

- ‌فصل [وقد توجهت ههنا لبعض الطاعنين سؤالات]

- ‌فصل [فصل هذا القول فيما طريقه البلاغ]

- ‌فصل (فإن قلت فما معنى قوله عليه الصلاة والسلام في حديث السّهو)

- ‌فصل (وأمّا ما يتعلّق بالجوارح)

- ‌فصل [وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي عِصْمَتِهِمْ مِنَ الْمَعَاصِي قَبْلَ النبوة]

- ‌فصل [هَذَا حُكْمُ مَا تَكُونُ الْمُخَالَفَةُ فِيهِ مِنَ الْأَعْمَالِ عَنْ قَصْدٍ وَهُوَ مَا يُسَمَّى مَعْصِيَةً ويدخل تحت التكليف]

- ‌فصل (فِي الْكَلَامِ عَلَى الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورِ فِيهَا السَّهْوُ

- ‌فصل (فِي الرَّدِّ عَلَى مَنْ أَجَازَ عَلَيْهِمُ الصَّغَائِرَ

- ‌فصل (فَإِنْ قُلْتَ فَإِذَا نَفَيْتَ عَنْهُمْ صَلَوَاتُ اللَّهِ عليهم الذّنوب)

- ‌فصل [قد استبان لك أيها الناظر بما قررناه ما هو الحق من عصمته عليه السلام]

- ‌فصل (في القول في عصمة الملائكة)

- ‌الْبَابُ الثَّانِي [فِيمَا يَخُصُّهُمْ فِي الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ]

- ‌فصل [فَإِنْ قُلْتَ فَقَدْ جَاءَتِ الْأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام سحر]

- ‌فصل [هذا حاله عليه الصلاة والسلام في جسمه]

- ‌فصل [وَأَمَّا مَا يَعْتَقِدُهُ فِي أُمُورِ أَحْكَامِ الْبَشَرِ إلى آخره]

- ‌فصل [وَأَمَّا أَقْوَالُهُ الدُّنْيَوِيَّةُ مِنْ أَخْبَارِهِ عَنْ أَحْوَالِهِ]

- ‌فصل (فَإِنْ قُلْتَ قَدْ تَقَرَّرَتْ عِصْمَتُهُ صَلَّى اللَّهُ تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَقْوَالِهِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ)

- ‌فصل (فَإِنْ قِيلَ فَمَا وَجْهُ حَدِيثِهِ أَيْضًا الَّذِي حدّثناه الفقيه أبو محمد الخشنيّ)

- ‌فصل (وأمّا أفعاله عليه الصلاة والسلام الدّنيويّة)

- ‌فصل [فَإِنْ قِيلَ فَمَا الْحِكْمَةُ فِي إِجْرَاءِ الْأَمْرَاضِ وشدتها عليه عليه الصلاة والسلام]

- ‌الْقِسْمُ الرَّابِعُ (فِي تَصَرُّفِ وُجُوهِ الْأَحْكَامِ فِيمَنْ تنقّصه أو سبّه عليه الصلاة والسلام

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ (فِي بَيَانِ مَا هُوَ فِي حقّه صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبٌّ أَوْ نَقْصٌ مِنْ تَعْرِيضٍ أو نصّ)

- ‌فصل (فِي الْحُجَّةِ فِي إِيجَابِ قَتْلِ مَنْ سَبَّهُ أو عابه صلى الله تعالى عليه وسلم)

- ‌فصل (فَإِنْ قُلْتَ فَلِمَ لَمْ يَقْتُلِ النَّبِيُّ صَلَّى الله تعالى عليه وسلم اليهوديّ الّذي قال له)

- ‌فصل (قَالَ الْقَاضِي تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي قَتْلِ الْقَاصِدِ لسبّه)

- ‌فصل [أن يقصد إلى تكذيبه فيما قاله إلى آخره]

- ‌فصل (الْوَجْهُ الرَّابِعُ أَنْ يَأْتِيَ مِنَ الْكَلَامِ بِمُجْمَلٍ)

- ‌فصل [أَنْ لَا يَقْصِدَ نَقْصًا وَلَا يَذْكُرَ عَيْبًا ولا سبا لكنه ينزع إلى آخره]

- ‌فصل [أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُ ذَلِكَ حَاكِيًا عَنْ غَيْرِهِ وآثرا عن سواه]

- ‌فصل [أن يذكر ما يجوز على النبي أو يختلف في جوازه عليه]

- ‌فصل (وَمِمَّا يَجِبُ عَلَى الْمُتَكَلِّمِ فِيمَا يَجُوزُ عَلَى النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم وما لا يجوز)

- ‌الْبَابُ الثَّانِي [فِي حُكْمِ سَابِّهِ وَشَانِئِهِ وَمُتَنَقِّصِهِ ومؤذيه]

- ‌فصل (إذا قلنا بالاستتابة حيث تصحّ)

- ‌فصل (هذا حكم من ثبت عليه ذلك)

- ‌فصل [هذا حكم المسلم]

- ‌فصل (فِي مِيرَاثِ مَنْ قُتِلَ فِي سَبِّ النَّبِيِّ صلى الله تعالى عليه وسلم وغسله والصلاة عليه)

- ‌الْبَابُ الثَّالِثُ (فِي حُكْمِ مَنْ سَبَّ اللَّهَ تعالى وملائكته وأنبياءه وكتبه وآل النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم وأزواجه وصحبه

- ‌فصل (وَأَمَّا مَنْ أَضَافَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مَا لَا يَلِيقُ بِهِ لَيْسَ عَلَى طَرِيقِ السَّبِّ)

- ‌فصل [فِي تَحْقِيقِ الْقَوْلِ فِي إِكْفَارِ الْمُتَأَوِّلِينَ قَدْ ذكرنا مذاهب السلف وإكفار أصحاب البدع والأهواء]

- ‌فصل (فِي بَيَانِ مَا هُوَ مِنَ الْمَقَالَاتِ كُفْرٌ وَمَا يُتَوَقَّفُ أَوْ يُخْتَلَفُ فِيهِ وَمَا لَيْسَ بكفر)

- ‌فصل [هَذَا حُكْمُ الْمُسْلِمِ السَّابِّ لِلَّهِ تَعَالَى وَأَمَّا الذمي الخ]

- ‌فصل [هَذَا حُكْمُ مَنْ صَرَّحَ بِسَبِّهِ وَإِضَافَةِ مَا لَا يَلِيقُ بِجَلَالِهِ وَإِلَهِيَّتِهِ فَأَمَّا مُفْتَرِي الْكَذِبِ الخ]

- ‌فصل (وأمّا من تكلّم من سقط القول)

- ‌فصل (وَحُكْمُ مَنْ سَبَّ سَائِرَ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وملائكته)

- ‌فصل (واعلم أن من استخفّ بالقرآن)

- ‌فصل [من سب آل بيته وأزواجه وأصحابه عليه الصلاة والسلام وتنقصهم حرام ملعون فاعله]

- ‌ نظم

- ‌فهرس محتويات الجزء الثاني من شرح الشفا

الفصل: ‌فصل [وأما وجوب اتباعه وامتثال سنته والاقتداء بهديه]

الموحدة أي نزلوا عليهم وقت صباحهم قبل رواحهم (فأهلكهم) أي الجيش (واجتاحهم) أي استأصلهم ولم يبق واحدا منهم (فذلك) أي المثل المذكور (مثل من أطاعني) أي انقاد لي في الطاعة على وجه الصدق (واتّبع ما جئت به) أي من الأمر الحق فيه إيماء إلى أنه لا ينبغي لأحد أن يكتفي بظاهر الطاعة عن اتباع ما جاء به من العبادة (ومثل من عصاني) أي بالوجه المطلق (وكذّب ما جئت به من الحقّ) فيه إشارة إلى أن مطلق العصيان غير مستأصل للإنسان بل العصيان مع التكذيب هو الموجب لاستئصال البنيان لكونه كمال العدوان (وفي الحديث الآخر) أي الذي رواه الشيخان (في مثله) بفتحتين أي في تمثيله صلى الله تعالى عليه وسلم (كمثل من بنى دارا) وأصل هذا المثل منسوب إلى الملائكة حيث قالوا في حقه عليه الصلاة والسلام إما في حال اليقظة وإما في حال المنام مثله كمثل رجل بنى دارا (وجعل فيها مأدبة) بضم الدال المهملة وقد تفتح أي أطعمة ملونة موضوعة للدعوة (وبعث داعيا) أي إلى الناس ليحضروها ويأكلوا منها (فمن أجاب الدّاعي) أي بقبول الدعوة (دخل الدّار) أي دار النعمة (وأكل من المأدبة) أي على قدر الطاقة في الطاعة (وَمَنْ لَمْ يُجِبِ الدَّاعِيَ لَمْ يَدْخُلِ الدَّارَ) أي دار القربة (ولم يأكل من المأدبة) أي لأن نصيبه الفرقة والحرقة (فالدّار الجنّة) أعدت للمتقين الذين أجابوا دعوة سيد المرسلين (والدّاعي) أي إلى الله تعالى ودار نعمته (محمد) صلى الله تعالى عليه وسلم (فمن أطاع محمدا) صلى الله تعالى عليه وسلم (فقد أطاع الله) لأنه الداعي إليه بأمره (ومن عصى محمدا) صلى الله تعالى عليه وسلم (فقد عصى الله تعالى) أي بخروجه عن حكمه (ومحمّد فرق) بفتح فسكون أي فارق (بين النّاس) أي من المؤمنين والكافرين بتصديقه وتكذيبه فهو مصدر وصف به للمبالغة كرجل عدل وفي نسخة بفتح الراء مشددة ومخففة بالقاف أي فصل بينهم بإعزاز المطيعين وإذلال العاصين.

‌فصل [وَأَمَّا وُجُوبُ اتِّبَاعِهِ وَامْتِثَالُ سُنَّتِهِ وَالِاقْتِدَاءُ بِهَدْيِهِ]

(وأمّا وجوب اتباعه) أي متابعته (وامتثال سنّته) أي طريقته (والاقتداء بهديه) أي سمته وحالته وسيرته (فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ) أي تدعون محبته وتريدون مودته (فَاتَّبِعُونِي) أي فيما يظهر مني من شريعته وطريقته وحقيقته (يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) جواب الأمر وهو جواب الشرط أي يرض عنكم ويكشف حجب قلوبكم (وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ)[آل عمران: 31] أي جميع عيوبكم (وقال تعالى فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ) وفي وصفه به تلويح إلى أن كمال علمه من معجزاته (الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِماتِهِ) أي بكتبه وآياته (وَاتَّبِعُوهُ) أي في أوامره وزواجره (لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [الأعراف: 158] ) ببركات ظواهره وسرائره (وقال فَلا وَرَبِّكَ) زيدت لا لتأكيد معنى القسم كما قاله الدلجي تبعا لغيره لكن يأباه الجمع بين الفاء والواو فالأظهر أن تقديره فليس الأمر كما يظنون من أنهم يصلون إلى الله تعالى من غير أن يتبعوا رسوله وربك (لا يُؤْمِنُونَ) أي بي ولا بك (حَتَّى

ص: 16

يُحَكِّمُوكَ) أي يجعلوك حكما (فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ) أي اختلفوا في أمرهم ويرضوا بحكمك في حقهم (ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً) أي ضيقا (مِمَّا قَضَيْتَ) أي حكمت به أو من حكمك (وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[النساء: 65] مصدر مؤكد لفعله بمنزلة تكريره (أي ينقادوا لحكمك) يعني انقيادا كاملا يكون لجميع أحكامك شاملا ولظواهرهم وبواطنهم كافلا (يقال) أي في اللغة (سلّم) بتشديد اللام (واستسلم وأسلم إذا انقاد) أي مطلقا (وقال تعالى: كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ) بضم الهمزة وكسرها أي خصلة (حَسَنَةٌ) من حقها أن يؤتسى ويقتدى بها (لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ) أي ثوابه أو لقاءه (وَالْيَوْمَ الْآخِرَ)[الأحزاب: 21] أي نعيم الآخرة أو لمن كان يخاف عقابه أو حجابه واليوم الآخر أي حسابه وعذابه (قال محمّد بن عليّ التّرمذي) أي الحكيم وهو ليس صاحب الجامع (الأسوة في الرّسول) أي معناها في حقه (الاقتداء به) أي في أمر شريعته (والاتّباع لسنّته) أي طريقته (وترك مخالفته في قول أو فعل) وكذا في جميع ما علم من حالته (وقال غير واحد) أي كثير من المفسرين (بمعناه) أي بمعنى قول الحكيم وإن اختلف عنهم مبناه (وقيل هو) أي قوله تعالى لَقَدْ كانَ لَكُمْ الآية (عتاب) أي ملامة من الله (للمتخلّفين عنه) أي في غزواته وخصوص حالاته وعلو درجاته ورفعة مقاماته (وقال سهل) أي ابن عبد الله كما في نسخة وهو التستري من أكابر الصوفية (في قوله تعالى) أي في تفسيره (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ)[الفاتحة: 7] قال بمتابعة السّنّة) وفي نسخة سنته أي أنعمت عليهم بسبب اتباع طريقته (فأمرهم الله تعالى بذلك) أي باتباع شريعته (ووعدهم الاهتداء باتّباعه) أي بمتابعته حيث قال وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (لأنّ الله تعالى أرسله بالهدى) أي بالهداية الموصلة إلى المولى (ودين الحقّ) أي الملة الثابتة بمخالفة الهوى (ليزكّيهم) أي يطهرهم من الشرك والمعاصي (ويعلّمهم الكتاب) أي القرآن الجامع لمكارم الأخلاق (والحكمة) أي السنة أو الأحكام المحكمة والمعارف الصادرة عن أهل الحكمة ممن جمع بين ايقان العلم واتقان العمل (ويهديهم إلى صراط مستقيم) هو الدين القويم بالطاعة في الدنيا وطريق الجنة في العقبى (ووعدهم) أي على اتباعه (محبّته تعالى في الآية الأخرى) وهي قوله تعالى قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وهذا معنى قوله (ومغفرته) أي ووعدهم غفران ذنوبهم (إذا اتّبعوه) أي في الإيمان به وامتثال أمره ونهيه (وآثروه) بألف ممدودة أي قدموه على أنفسهم وآثروه (على أهوائهم) واختاروا هداه على آرائهم وأحبوه ازيد من آبائهم وأبنائهم (وما تجنح) بفتح النون وتضم أي وعلى ما تميل (إليه نفوسهم) أي من محبة الجاه والمال والجمال المتعلقة بالأمور الدنيوية الشاغلة عن المراتب الدينية والمناقب الأخروية (وأنّ صحّة إيمانهم) أي وأخبر في قوله تعالى فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ الآية أن صحته (بانقيادهم له) أي لأمره (ورضاهم بحكمه) أي فيما شجر بينهم (وترك الاعتراض عليه) أي فيما حكم لهم أو عليهم (وروي) كما في تفسير ابن المنذر (عن

ص: 17

الحسن) أي البصري (أنّ أقواما) أي جمعا كثيرا (قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نُحِبُّ اللَّهَ) أي ونطلب رضاه (فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي [آل عمران: 31] الآية وروي) قال الدلجي لا أدري من رواه (أنّ الآية) أي هذه الآية (نزلت في كعب بن الأشرف) وهو يهودي قتل غيلة كافرا بالله تعالى (وغيره) أي من اليهود (وأنّهم قالوا نحن أبناء الله) زعما منهم أنهم أشياع عزير (وأحبّاؤه) يعنون به كما قال المصنف (ونحن أشدّ حبّا لله) أي مقربون قرب الأولاد من آبائهم بل هم مبعدون عنه بعد أعدى الأعداء من أعدائهم إذ لو كانوا أبناءه وأحباءه لم يأتوا قبيحا من عيوبهم ولما عذبوا بذنوبهم مسخا في الدنيا ومسا بالنار دائما في العقبى لا أياما معدودات كما زعموا وتمنوا من جهة النفس والهوى وقد أجاب عنه سبحانه وتعالى بقوله قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ بالإيمان وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ بالكفران وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ من الإحسان والخذلان وهذا لا ينافي قوله (فأنزل الله الآية) أي آية قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ حيث لا مانع من تعدد الجواب في مقام الخطاب والعتاب (وقال الزّجّاج معناه) أي معنى ما ذكر من الآية أو معنى إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ (أن تقصدوا طاعته) أي تريدوها وتحبوا القيام بحقها (فافعلوا ما أمركم به) أي رسولنا وهذا تفسير بالمعنى لقوله تعالى فَاتَّبِعُونِي أي اتبعوا أمري ونهيي (إِذْ مَحَبَّةُ الْعَبْدِ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ طَاعَتُهُ لَهُمَا ورضاه بما أمرا) أي ونهيا (ومحبّة الله لهم) أي لعباده (عفوه عنهم) أي برأفته (وإنعامه عليهم برحمته) حتى يدخلهم في جنته (ويقال الحبّ من الله) أي للعبد (عصمة) أي حفظ له عن المعصية (وتوفيق) أي للعبادة (ومن العباد) أي والحب من العباد لله (طاعة) أي اطاعة له في أمره ونهيه ومتابعة رسوله (كما قال القائل) قيل القائل رابعة العدوية وفي الأحياء أن قائله عبد الله بن المبارك:

(تعصي الإله وأنت تزعم حبّه هذا) أي الجمع بين اختيار المعصية واظهار المحبة (لعمري) بفتح العين اعتراض بين المبتدأ والخبر وما في حيزه من جار ومجرور وخبر أقسم به والتقدير والله لبقائي أو لعمري مما أقسم به إن هذا الأمر (في القياس) وفي نسخة في الفعال وهو موافق لتفسير أبي الليث وأحياء الغزالي (بديع) أي عجيب وغريب وبعيد عن القياس أو من فعال الناس لأنه.

(لو كان حبك صادقا لأطعته) .

كما هو القياس لكنك لم تطعه فلم يكن حبك له صادقا بدليل قوله.

(إن المحب لمن يحب مطيع) .

وفي رواية يطيع (ويقال محبّة العبد لله) أي غاية ميله إليه سبحانه وتعالى (تعظيمه له) أي في شأنه (وهيبته منه) أي في سلطانه (ومحبّة الله له) أي للعبد (رحمته له) أي بإنعامه فيكون من الصفات الافعالية (وإرادته الجميل له) أي بإكرامه فيكون من النعوت الذاتية

ص: 18

والجميل منصوب على أنه مفعول المصدر الذي هو ارادته (وتكون) أي وقد تكون المحبة (بمعنى مدحه وثنائه عليه) أي على العبد عند ملائكته وعلى ألسنة رسله أو على ألسنة الخلق فإنها أقلام الحق (قال القشيريّ) وهو الإمام أبو القاسم صاحب الرسالة والتفسير (فإذا كان) أي الحب (بِمَعْنَى الرَّحْمَةِ وَالْإِرَادَةِ وَالْمَدْحِ كَانَ مِنْ صِفَاتِ الذّات) والأظهر ما قدمناه (وسيأتي بعد) أي بعد ذلك (في ذكر محبّة العبد غير هذا) أي غير ما ذكر هنا (بحول الله تعالى) أي بتصرفه وقوته وهو متعلق بسيأتي (حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ جَعْفَرٍ الْفَقِيهُ قال ثنا) أي حدثنا (أبو الأصبغ) بفتح الهمزة والموحدة وفي آخره غين معجمة (عيسى بن سهل وثنا) أي وحدثنا وفي نسخة وأخبرنا (أبو الحسن يونس بن مغيث) اسم فاعل من الإغاثة (الفقيه) أي الكامل في الفقه (بقراءتي عليه) أي هذا الحديث (قالا) أي عيسى ويونس كلاهما (ثنا) أي حدثنا (حاتم بن محمد) بكسر الفوقية (قال ثنا) أي حدثنا (أبو حفص الجهنيّ) بضم ففتح نسبة إلى قبيلة جهينة بالتصغير (ثنا) أي حدثنا (أبو بكر الآجرّي) بهمزة ممدودة وضم جيم وتشديد راء وهو الإمام الحافظ القدوة (ثنا) أي حدثنا (إبراهيم بن موسى الجوزيّ) بفتح الجيم وسكون الواو وكسر الزاء منسوب إلى الجوز (ثنا) أي حدثنا (داود بن رشيد) بالتصغير خوارزمي روى عنه مسلم وأبو داود وابن ماجه والبغوي والسراج وخلق أخرج عنه الستة ما عدا الترمذي ووثقه غير واحد (ثنا) أي حدثنا (الوليد بن مسلم) هو الحافظ أبو العباس عالم أهل الشام روى عنه أحمد وإسحاق قال ابن المديني ما رأيت في الشاميين مثله أخرج له الجماعة وهو مدلس (عن ثور بن يزيد) هو الحافظ الحمصي روى عن خالد بن معدان وعن عطاء وعنه القطان وأبو عاصم وكان ثبتا قدريا أخرجوه من حمص وأحرقوا داره أخرج له البخاري والأربعة (عن خالد بن معدان) هو الكلاعي عن معاوية وثوبان وغيرهما يقال كان يسبح في اليوم أربعين ألف تسبيحة وقيل غير ذلك أخرج له الجماعة (عن عبد الرّحمن بن عمرو السلميّ) بضم ففتح هو الصواب كما في سنن أبي داود وجامع الترمذي وسنن ابن ماجة وفي بعض النسخ الأسلمي (وحجر) بضم مهملة وسكون جيم (الكلاعيّ) بفتح الكاف (عن العرباض) بكسر العين المهملة وفي آخره ضاد معجمة (ابن سارية) أي ابن نجيح السلمي من البكائين من أهل الصفة أخرج له أصحاب السنن الأربعة (في حديثه) أي في حديث رواه العرباض (في موعظة النّبي صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الخلفاء الرّاشدين المهديّين) أي الخلفاء الأربعة ومن سار سيرتهم كعمر بن عبد العزيز والراشد اسم فاعل من الرشد وهو خلاف الغي والمهدي من هداه الله تعالى إلى الحق (عضّوا) بفتح فتشديد (عليها بالنّواجذ) بالذال المعجمة أي تمسكوا بها كما يتمسك العاض بجميع أضراسه (وإيّاكم ومحدثات الأمور) تحذير منها ومن الرضى بها جمع محدثة وهي ما لم يكن معروفا من كتاب ولا سنة ولا إجماع أمة (فإنّ كلّ محدثة بدعة وكلّ بدعة) بالنصب وفي نسخة بالرفع (ضلالة) وخص منها البدعة الحسنة بحديث من سن سنة حسنة فله أجرها

ص: 19

وأجر من عمل بها ومنه قول عمر رضي الله تعالى عنه في التراويح نعمت البدعة هذه والحديث في الأربعين للنووي وقد أوضحناه في شرحه المبين المعين بيان مبناه وعيان معناه وقد أخرجه أبو داود في السنة عن أحمد بن حنبل عن الوليد بن مسلم بالسند الذي ساقه القاضي والترمذي في العلم وقال حسن صحيح وابن ماجه في السنة والمصنف عدل عن السنن الثلاث وأخرجه من خارجها طلبا للعلو في الإسناد فإن بينه وبين شيخ شيخ أبي داود في هذا الحديث وهو الوليد بن مسلم ستة اشخاص ولا يتفق له ذلك في رواية أبي داود (زاد في حديث جابر) على ما رواه مسلم (بمعناه) أي زيادة أفادت عدم روايته بلفظه ومبناه (وكلّ ضلالة في النّار) أي وكل محدثة فيها بإسقاط المكرر (وفي حديث أبي رافع) كما رواه الشافعي في كتابه الأم عن سفيان بن عيينة عن سالم أبي النضر عن عبيد الله بن أبي رافع عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وكذا رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه (عنه عليه الصلاة والسلام لا ألفينّ) بضم الهمزة وكسر الفاء ونون مشددة أي لا أجدن (أحدكم متّكئا على أريكته) أي جالسا على سريره أو فراشه متمكنا على مقعده أو مائلا في قعوده معتمدا على أحد شقيه كما هو شأن الجهلة من المتكبرين الراضين بالقعود مع المتخلفين كما قيل:

دع المكارم لا يرحل لبغيتها

واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي

(يأتيه الأمر من أمري) أي يبلغه أمر من أموري أو من مأموري بدليل قوله (ممّا أمرت به) على أن من فيه بيانية وبدلالة رواية ألا هل عسى رجل يبلغه الحديث عني وهو متكىء على أريكته فيقول بيننا وبينكم كتاب الله تعالى (أو نهيت عنه فيقول لا أدري) أي غير القرآن ولا أتبع سوى الفرقان (ما وجدنا في كتاب الله اتّبعناه) أي وما وجدنا في غيره أو مخالفا فيه تركناه والحديث جاء محذرا من ترك امتثال أوامره واجتناب زواجره لأنه عليه الصلاة والسلام جاء مبينا لما في القرآن من الأحكام ولقوله تعالى وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وقوله وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وقوله مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ وقوله قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي وأمثال ذلك مما يدل على أنه لا يسوغ لمسلم أن يخالفه في أمر أو نهي هنالك (وفي حديث عائشة رضي الله عنها كما رواه الشيخان (صنع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم شيئا ترخّص فيه) أي اختار الرخصة على العزيمة في عمل ذلك الشيء عملا بقوله عليه الصلاة والسلام إن الله يحب أن يؤتى برخصة كما يحب أن يؤتى بعزائمه والظاهر أن ما ترخص فيه هو الإفطار في السفر أو القصر وهو الأظهر لقوله عليه الصلاة والسلام صدقة تصدق الله تعالى بها عليكم فاقبلوا صدقته ومن هنا قال أبو حنيفة إن القصر واجب وإتمامه إساءة (فتنزّه عنه) أي تبعد عن ذلك الشيء أو عن الترخص فيه (قوم) أي جماعة من الرجال ما بلغوا مبلغ الكمال (فبلغ ذلك النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم

ص: 20

فحمد الله) أي شكره (وأثنى عليه) أي فيما أفاض إليه (ثمّ قال ما بال قوم) أي ما حالهم وشأنهم (يتنزّهون عن الشيء أصنعه) جملة وصفية أو حالية (فو الله إنّي لأعلمهم بالله وأشدّهم له خشية) إذ بقدر المعرفة بالله وصفاته تكون الخشية من عقوباته وحجاب حالاته ومقاماته كما يشير إليه قوله تعالى إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ (وروي عنه صلى الله تعالى عليه وسلم) من حديث أبي الشيخ وأبي نعيم والديلمي (أنه قال: القرآن صعب) أي باعتبار مبناه (مستصعب) بكسر العين وتفتح أي باعتبار معناه (على من كرهه) أي ولم يتلذذ بمقتضاه ومفهومه أنه سهل متيسر على من أحبه وارتضاه كما يشير إليه قوله تعالى وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ فهو كالنيل ماء للمحبوبين ودماء للمحبوبين وشفاء للمؤمنين وشقاء للعاصين (وهو) أي القرآن (الحكم) بفتحتين الحاكم العدل والفاتح الفصل والجد الذي ليس فيه الهزل أو ذو الحكمة من كمال الفضل (فمن استمسك بحديثي) أي تعلق به من كمال رضاه (وفهمه) أي القرآن من جهة معناه (وحفظه) أي من جهة مبناه أي ضبط حكمه وراعاه (جاء) أي ورد يوم القيامة (مع القرآن) أي بعلمه وعمله بهما (ومن تهاون بالقرآن وحديثي) بأن لم يعمل بهما ولو حفظهما وفهمهما (فقد خسر الدّنيا والآخرة) أي وتلك الخسارة الظاهرة (أمرت أمّتي) بصيغة المجهول للتأنيث وفي نسخة بصيغة الفاعل المتكلم والأول هو الظاهر أي أمرهم الله (أن يأخذوا بقولي) أي اعتقادا لقوله تعالى وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى (ويطيعوا أمري) أي اعتمادا لقوله تَعَالَى مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ (ويتّبعوا سنّتي) أي استنادا لقوله تعالى وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (فمن رضي بقولي) أي بحديثي (فقد رضي بالقرآن) وفي الكلام قلب للمبالغة أي فمن رضي بالقرآن فقد رضى بقولي ومن لم يرض بقولي فلم يرض بِالْقُرْآنِ (قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)(وقال صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنِ اقْتَدَى بِي فَهُوَ مِنِّي) أي متصل بي ومعي أو من أشياعي واتباعي وقد رواه عبد الرزاق في مصنفه من مراسيل الحسن إلا أنه بلفظ من استن بسنتي أي اتبعها وعمل بها فهو مني (ومن رغب عن سنّتي) يقال رغب في الشيء إذا أراده ورغب عنه إذا لم يرده والمعنى ومن مال عنها كراهة لها (فليس منّي) كما في الصحيحين (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النبي صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ إِنَّ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كتاب الله تعالى) هذا مقتبس من قوله تعالى اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً (وخير الهدي) بالنصب ويجوز رفعه (هدي محمّد) وهو بفتح الهاء وسكون الدال فيهما بمعنى السمت والطريقة وضبط في بعض النسخ بضم الهاء وفتح الدال على أنه ضد الضلالة لقوله تعالى قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى والمعنى به سيرته السنية وطريقته الرضية وهيئته السوية (وشرّ الأمور) بالوجهين (محدثاتها) جمع محدثة بالفتح وهي البدعة التي تخالف الكتاب والسنة وإجماع الأمة قال الدلجي لا أدري من روى هذا الحديث ولعله انكره من حيث اسناده إلى أبي هريرة وإلا فقد ورد من حديث جابر كما رواه أحمد ومسلم والنسائي

ص: 21

وابن ماجه ولفظه أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى وإن أفضل الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار الحديث وروى البيهقي في الدلائل وابن عساكر عن عقبة بن عامر الجهني وأبو نصر السجزي في الإبانة عن أبي الدرداء مرفوعا وابن أبي شيبة عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه موقوفا بلفظ أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى وأوثق العرى كلمة التقوى وخير الملل ملة إبراهيم عليه السلام وخير السنن سنة محمد وأشرف الحديث ذكر الله تعالى وأحسن القصص هذا القرآن وخير الأمور عوازمها وشر الأمور محدثاتها وأحسن الهدى هدى الأنبياء وأشرف الموت قتل الشهداء وأعمى العمى الضلالة بعد الهدى وخير العلم ما نفع وخير الهدى ما اتبع وشر العمى عمى القلب واليد العليا خير من اليد السفلى وما قل وكفى خير مما كثر وألهى وشر المعذرة حين يحضر الموت وشر الندامة يوم القيامة ومن الناس من لا يأتي الصلاة إلا دبرا ومنهم من لا يذكر الله إلا جهرا وأعظم الخطايا اللسان الكذوب وخير الغنى غنى النفس وخير الزاد التقوى ورأس الحكمة مخافة الله تعالى وخير ما وقر في القلب اليقين والارتياب من الكفر والنياحة من عمل الجاهلية والغلول من جشاء جهنم والكنز كيّ من النار والشعر من مزامير إبليس والخمر جماع الإثم والنساء حبالة الشيطان والشباب شعبة من الجنون وشر المكاسب كسب الربا وشر المأكل مال اليتيم والسعيد من وعظ بغيره والشقي من شقي في بطن أمه وإنما بصير أحدكم إلى موضع أربعة أذرع والأمر بآخره وملاك العمل خواتمه وشر الرؤيا رؤيا الكذب وكل ما هو آت قريب وسباب المؤمن فسوق وقتال المؤمن كفر وأكل لحمه من معصية الله تعالى وحرمة ماله كحرمة دمه ومن يتأل على الله يكذبه ومن يغفر يغفر الله له ومن يعف يعف الله عنه ومن يكظم الغيظ يأجره الله ومن يصبر على الرزية يعوضه الله ومن يتبع السمعة يسمع الله به ومن يصبر يضعف الله له ومن يعص الله يعذبه الله اللهم اغفر لي ولأمتي استغفر الله لي ولكم كذا في الجامع الصغير وإنما ذكرته لما فيه من النفع الكثير للصغير والكبير (وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله تعالى عنه) وفي نسخة العاصي والأول هي الأولى لما حققناه فيما سبق من أصل المبنى (قال النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم العلم) أي أصوله (ثلاثة) أي أقسام (وما سوى ذلك) يعني كل علم سوى هذه الثلاثة وما يتعلق بها مما تتوقف عليه (فهو فضل) أي زائد لا يفتقر إلى علمه وإن لم يسع المرء جهله (آية محكمة) أي أحكم بيانها فلم يحتج إلى زيادة بيان في شأنها (أو سنّة قائمة) أي أحاديث ثابتة مستمرة العمل بها دائمة (أو فريضة عادلة) أي في القسمة أو عادلة ومساوية في العمل بها الكتاب والسنة وهي الثابتة بإجماع الأمة أو قياس الأئمة رواه أبو داود وابن ماجه (وَعَنِ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تعالى) أي البصري كما رواه عبد الرزاق عن معمر عن زيد عن الحسن مرسلا والدارمي عن ابن مسعود موصولا (قال عليه الصلاة والسلام عمل قليل في سنّة) أي مصاحبا لها (خير من عمل كثير في بدعة) أي من أصلها لأن ذاك وإن قل

ص: 22

كثر نفعه بل هو نفع كله وذا أكثر ضررا ونفعه قليل وإن كثر عمله ففي بمعنى مع كما في قوله تعالى ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ أي معهم والحاصل أن الاقتصاد في السنة أفضل من الاجتهاد في البدعة ولو كانت مستحسنة (وقال صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُدْخِلُ الْعَبْدَ الجنّة) أي أعلى مراتبها (بالسنّة) أي بسبب القيام بها (تمسّك بها) أي أخذها وعمل بمقتضاها ففاز بمقام القدس ومرام الإنس وفي نسخة يتمسك بها فالأولى استئناف والثانية حال والحديث غير معروف المبنى لكنه صحيح المعنى (عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم) كما رواه الطبراني في الأوسط (قال المتمسّك بسنّتي عند فساد أمّتي) أي حين يكون فتن القاعد فيها خير من القائم والقائم فيها خير من الماشي والماشي خير من الساعي فإن قلت من يتمسك بالسنة إذا فسدت الأمة أجيب بأن المراد أكثر الأمة ولا يبعد أن يراد بفسادهم سوء اعتقادهم بترك العمل بالأحاديث واعتمادهم على مجرد ما يفهمونه بعقولهم الكاسدة وآرائهم الفاسدة كما هو طريق أهل البدعة بخلاف مذهب أهل السنة والجماعة حيث جمعوا بين الكتاب والسنة على ما ورد (له أجر مائة شهيد) أي حيث جاهد في طريق سديد (وقال عليه الصلاة والسلام كما رواه الترمذي (إنّ بني إسرائيل افترقوا) أي تفرقوا (على اثنتين وسبعين ملّة) أي مذهبا ومشربا وفي نسخة فرقة أي جماعة (وإنّ أمّتي) أي أهل الدعوة والإجابة (تفترق) وفي رواية ستفترق (على ثلاث وسبعين) أي بزيادة ملة (كلّها) أي جميع الملل السابقة والنحل اللاحقة (في النّار) أي في طريقها فكأنهم فيها (إلّا واحدة) أي إلّا أهل ملة واحدة أو إلّا جماعة (قالوا) أي بعض الصحابة (وَمَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الَّذِي) أي الجمع والفوج الذي أو أهل الطريق الذي (أنا عليه اليوم وأصحابي) أي من متابعة الكتاب والسنة ومجانبة الأمور المحدثة والبدعة (وعن أنس) رضي الله تعالى عنه (قال صلى الله تعالى عليه وسلم: «من أحيا سنّتي» أي أشاعها بعملها أو أذاعها بنقلها (فقد أحياني) أي رفع ذكري وأظهر أمري (ومن أحياني كان معي) أي مشاركا لي في علو قدري وفي نسخة كان معي في الجنة أي مصاحبا لي في النعمة رواه الأصبهاني في ترغيبه واللالكائي في السنة (وعن عمرو بن عوف المدني) كما رواه الترمذي وحسنه ابن ماجه (أنّ النبيّ صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِبِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ مَنْ أحيا سنّة من سنّتي) أي من سنني (قد أميتت بعدي) بترك ذكرها أو العمل بها (فإنّ له من الأجر مثل من) أي مثل أجر مَنْ (عَمِلَ بِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ) أي ذلك الأجر الذي يكون له (من أجورهم) أي من أجور من عمل بها تبعا له (شيئا) مفعول ينقص وقد اعتبر في ضميرهم معنى من دون لفظها (ومن ابتدع بدعة ضلالة) بالإضافة أو بالوصف أي بدعة سيئة كالبناء على القبور وتجصيصها لا بدعة مستحسنة كالمنارة وترصيصها (لا يرضي الله ورسوله) من الإرضاء صفة كاشفة والمعنى لا تكون موافقة للكتاب والسنة ولا مأخوذة من القياس أو اجماع الأمة (كان عليه) أي من الإثم (مِثْلُ آثَامِ مَنْ عَمِلَ بِهَا لَا يَنْقُصُ ذلك من أوزار النّاس شيئا) أي من آثام من عمل بها تبعا له.

ص: 23