المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل [فإن قيل فما الحكمة في إجراء الأمراض وشدتها عليه عليه الصلاة والسلام] - شرح الشفا - جـ ٢

[الملا على القاري]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثّاني

- ‌[المقدمة]

- ‌(الْقِسْمُ الثَّانِي فِيمَا يَجِبُ عَلَى الْأَنَامِ مِنْ حقوقه صلى الله تعالى عليه وسلم)

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ [فِي فَرْضِ الْإِيمَانِ بِهِ وَوُجُوبِ طاعته واتّباع سنّته]

- ‌فصل [وَأَمَّا وُجُوبُ طَاعَتِهِ فَإِذَا وَجَبَ الْإِيمَانُ بِهِ وتصديقه فيما جاء به]

- ‌فصل [وَأَمَّا وُجُوبُ اتِّبَاعِهِ وَامْتِثَالُ سُنَّتِهِ وَالِاقْتِدَاءُ بِهَدْيِهِ]

- ‌فصل [وأما وَرَدَ عَنِ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ مِنِ اتِّبَاعِ سُنَّتِهِ]

- ‌فصل [وَمُخَالَفَةُ أَمْرِهِ وَتَبْدِيلُ سُنَّتِهِ ضَلَالٌ وَبِدْعَةٌ مُتَوَعَّدٌ من الله تعالى عليه بالخذلان والعذاب]

- ‌الباب الثاني [في لزوم محبته عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [في ثواب محبته صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [فِيمَا رُوِيَ عَنِ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ مِنْ مَحَبَّتِهِمْ للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [في علامات محبته صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [في معنى المحبة للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم وحقيقتها]

- ‌فصل [في وجوب مناصحته صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌الْبَابُ الثَّالِثُ [فِي تَعْظِيمِ أَمْرِهِ وَوُجُوبِ تَوْقِيرِهِ وبره]

- ‌فصل [في عادة الصحابة في تعظيمه عليه الصلاة والسلام وتوقيره وإجلاله]

- ‌فصل [واعلم أن حرمة النبي بعد موته وتوقيره وتعظيمه لازم]

- ‌فصل [فِي سِيرَةِ السَّلَفِ فِي تَعْظِيمِ رِوَايَةِ حَدِيثِ رسول الله وسنته عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [ومن توقيره صلى الله تعالى عليه وسلم وبره بر آله]

- ‌فصل [ومن توقيره وبره توقير أصحابه عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [ومن إعظامه وإكباره إعظام جميع أسبابه]

- ‌الباب الرابع [في حكم الصلاة عليه صلى الله تعالى عليه وسلم والتسليم]

- ‌فصل [اعلم أن الصلاة على النبي فرض في الجملة]

- ‌فصل [في المواطن التي تستحب فيها الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ويرغب فيها]

- ‌فصل [في كيفية الصلاة عليه والتسليم]

- ‌فصل (في فضيلة الصلاة على النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم والتسليم عليه والدّعاء له)

- ‌فصل (فِي ذَمِّ مَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله تعالى عليه وسلم وإثمه)

- ‌فصل [في تخصيصه عليه الصلاة والسلام بتبليغ صلاة من صلى عليه صلاة أو سلم من الأنام]

- ‌فصل (فِي الِاخْتِلَافِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى غَيْرِ النَّبِيِّ صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

- ‌فصل (فِي حُكْمِ زِيَارَةِ قَبْرِهِ صلى الله عليه وسلم وَفَضِيلَةِ مَنْ زَارَهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ

- ‌فصل (فِيمَا يَلْزَمُ مَنْ دَخَلَ مَسْجِدَ النَّبِيِّ صَلَّى الله تعالى عليه وسلم من الأدب)

- ‌الْقِسْمُ الثَّالِثُ [فِيمَا يَجِبُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تعالى عليه وسلم وما يستحيل في حقه وما يمتنع]

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ (فِيمَا يَخْتَصُّ بِالْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ وَالْكَلَامُ فِي عِصْمَةِ نَبِيِّنَا عليه الصلاة والسلام وَسَائِرِ الأنبياء صلوات الله عليهم

- ‌فصل (فِي حُكْمِ عَقْدِ قَلْبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تعالى عليه وسلم)

- ‌فصل (وأمّا عصمتهم من هذا الفنّ)

- ‌فصل [قال القاضي أبو الفضل قد بان مما قدمناه عقود الأنبياء في التوحيد والإيمان]

- ‌فصل [وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ مُجْمِعَةٌ عَلَى عِصْمَةِ النَّبِيِّ من الشيطان إلى آخره]

- ‌فصل [وأما قوله صلى الله تعالى عليه وسلم فقامت الدلائل إلى آخره]

- ‌فصل [وقد توجهت ههنا لبعض الطاعنين سؤالات]

- ‌فصل [فصل هذا القول فيما طريقه البلاغ]

- ‌فصل (فإن قلت فما معنى قوله عليه الصلاة والسلام في حديث السّهو)

- ‌فصل (وأمّا ما يتعلّق بالجوارح)

- ‌فصل [وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي عِصْمَتِهِمْ مِنَ الْمَعَاصِي قَبْلَ النبوة]

- ‌فصل [هَذَا حُكْمُ مَا تَكُونُ الْمُخَالَفَةُ فِيهِ مِنَ الْأَعْمَالِ عَنْ قَصْدٍ وَهُوَ مَا يُسَمَّى مَعْصِيَةً ويدخل تحت التكليف]

- ‌فصل (فِي الْكَلَامِ عَلَى الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورِ فِيهَا السَّهْوُ

- ‌فصل (فِي الرَّدِّ عَلَى مَنْ أَجَازَ عَلَيْهِمُ الصَّغَائِرَ

- ‌فصل (فَإِنْ قُلْتَ فَإِذَا نَفَيْتَ عَنْهُمْ صَلَوَاتُ اللَّهِ عليهم الذّنوب)

- ‌فصل [قد استبان لك أيها الناظر بما قررناه ما هو الحق من عصمته عليه السلام]

- ‌فصل (في القول في عصمة الملائكة)

- ‌الْبَابُ الثَّانِي [فِيمَا يَخُصُّهُمْ فِي الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ]

- ‌فصل [فَإِنْ قُلْتَ فَقَدْ جَاءَتِ الْأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام سحر]

- ‌فصل [هذا حاله عليه الصلاة والسلام في جسمه]

- ‌فصل [وَأَمَّا مَا يَعْتَقِدُهُ فِي أُمُورِ أَحْكَامِ الْبَشَرِ إلى آخره]

- ‌فصل [وَأَمَّا أَقْوَالُهُ الدُّنْيَوِيَّةُ مِنْ أَخْبَارِهِ عَنْ أَحْوَالِهِ]

- ‌فصل (فَإِنْ قُلْتَ قَدْ تَقَرَّرَتْ عِصْمَتُهُ صَلَّى اللَّهُ تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَقْوَالِهِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ)

- ‌فصل (فَإِنْ قِيلَ فَمَا وَجْهُ حَدِيثِهِ أَيْضًا الَّذِي حدّثناه الفقيه أبو محمد الخشنيّ)

- ‌فصل (وأمّا أفعاله عليه الصلاة والسلام الدّنيويّة)

- ‌فصل [فَإِنْ قِيلَ فَمَا الْحِكْمَةُ فِي إِجْرَاءِ الْأَمْرَاضِ وشدتها عليه عليه الصلاة والسلام]

- ‌الْقِسْمُ الرَّابِعُ (فِي تَصَرُّفِ وُجُوهِ الْأَحْكَامِ فِيمَنْ تنقّصه أو سبّه عليه الصلاة والسلام

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ (فِي بَيَانِ مَا هُوَ فِي حقّه صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبٌّ أَوْ نَقْصٌ مِنْ تَعْرِيضٍ أو نصّ)

- ‌فصل (فِي الْحُجَّةِ فِي إِيجَابِ قَتْلِ مَنْ سَبَّهُ أو عابه صلى الله تعالى عليه وسلم)

- ‌فصل (فَإِنْ قُلْتَ فَلِمَ لَمْ يَقْتُلِ النَّبِيُّ صَلَّى الله تعالى عليه وسلم اليهوديّ الّذي قال له)

- ‌فصل (قَالَ الْقَاضِي تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي قَتْلِ الْقَاصِدِ لسبّه)

- ‌فصل [أن يقصد إلى تكذيبه فيما قاله إلى آخره]

- ‌فصل (الْوَجْهُ الرَّابِعُ أَنْ يَأْتِيَ مِنَ الْكَلَامِ بِمُجْمَلٍ)

- ‌فصل [أَنْ لَا يَقْصِدَ نَقْصًا وَلَا يَذْكُرَ عَيْبًا ولا سبا لكنه ينزع إلى آخره]

- ‌فصل [أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُ ذَلِكَ حَاكِيًا عَنْ غَيْرِهِ وآثرا عن سواه]

- ‌فصل [أن يذكر ما يجوز على النبي أو يختلف في جوازه عليه]

- ‌فصل (وَمِمَّا يَجِبُ عَلَى الْمُتَكَلِّمِ فِيمَا يَجُوزُ عَلَى النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم وما لا يجوز)

- ‌الْبَابُ الثَّانِي [فِي حُكْمِ سَابِّهِ وَشَانِئِهِ وَمُتَنَقِّصِهِ ومؤذيه]

- ‌فصل (إذا قلنا بالاستتابة حيث تصحّ)

- ‌فصل (هذا حكم من ثبت عليه ذلك)

- ‌فصل [هذا حكم المسلم]

- ‌فصل (فِي مِيرَاثِ مَنْ قُتِلَ فِي سَبِّ النَّبِيِّ صلى الله تعالى عليه وسلم وغسله والصلاة عليه)

- ‌الْبَابُ الثَّالِثُ (فِي حُكْمِ مَنْ سَبَّ اللَّهَ تعالى وملائكته وأنبياءه وكتبه وآل النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم وأزواجه وصحبه

- ‌فصل (وَأَمَّا مَنْ أَضَافَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مَا لَا يَلِيقُ بِهِ لَيْسَ عَلَى طَرِيقِ السَّبِّ)

- ‌فصل [فِي تَحْقِيقِ الْقَوْلِ فِي إِكْفَارِ الْمُتَأَوِّلِينَ قَدْ ذكرنا مذاهب السلف وإكفار أصحاب البدع والأهواء]

- ‌فصل (فِي بَيَانِ مَا هُوَ مِنَ الْمَقَالَاتِ كُفْرٌ وَمَا يُتَوَقَّفُ أَوْ يُخْتَلَفُ فِيهِ وَمَا لَيْسَ بكفر)

- ‌فصل [هَذَا حُكْمُ الْمُسْلِمِ السَّابِّ لِلَّهِ تَعَالَى وَأَمَّا الذمي الخ]

- ‌فصل [هَذَا حُكْمُ مَنْ صَرَّحَ بِسَبِّهِ وَإِضَافَةِ مَا لَا يَلِيقُ بِجَلَالِهِ وَإِلَهِيَّتِهِ فَأَمَّا مُفْتَرِي الْكَذِبِ الخ]

- ‌فصل (وأمّا من تكلّم من سقط القول)

- ‌فصل (وَحُكْمُ مَنْ سَبَّ سَائِرَ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وملائكته)

- ‌فصل (واعلم أن من استخفّ بالقرآن)

- ‌فصل [من سب آل بيته وأزواجه وأصحابه عليه الصلاة والسلام وتنقصهم حرام ملعون فاعله]

- ‌ نظم

- ‌فهرس محتويات الجزء الثاني من شرح الشفا

الفصل: ‌فصل [فإن قيل فما الحكمة في إجراء الأمراض وشدتها عليه عليه الصلاة والسلام]

بإذن أبيهم ولم يبيعوه بل ألقوه في غيابة الجب ورجعوا (وقيل غير هذا) من الأجوبة وفيما ذكرنا الكفاية (ولا يلزم أن نقوّل الأنبياء) بتشديد الواو المكسورة أي ننسب إليهم (مَا لَمْ يَأْتِ أَنَّهُمْ قَالُوهُ حَتَّى يُطْلَبَ الخلاص منه) وإنما يطلب الخلاص مما ثبت أنه قولهم أو فعلهم وفي أصل الأنطاكي ضبط يقول بالبناء للمجهول (ولا يلزم الاعتذار عن زلّات غيرهم) ولو كانوا من أقاربهم وكان الشيخ المصنف ذهب إلى أن إخوة يوسف ما وصلوا إلى مرتبة النبوة وقد تقدم ذكر الخلاف في هذه القضية فلا ينبغي الجزم لا بالإثبات ولا بالنفي كما هو طريق الحزم والله تعالى أعلم.

‌فصل [فَإِنْ قِيلَ فَمَا الْحِكْمَةُ فِي إِجْرَاءِ الْأَمْرَاضِ وشدتها عليه عليه الصلاة والسلام]

(فَإِنْ قِيلَ فَمَا الْحِكْمَةُ فِي إِجْرَاءِ الْأَمْرَاضِ) أي أنواع العلة (وشدّتها عليه) أي على نبينا (وعلى غيره من الأنبياء) الشامل للرسل وغيرهم (على جميعهم السّلام) والتحية والإكرام (وما الوجه) أي التوجيه الوجيه (فِيمَا ابْتَلَاهُمُ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْبَلَاءِ وَامْتِحَانِهِمْ) بأنواع العناء (فيما) وفي نسخة بما (امتحنوا به) من الضراء فصبروا كما شكروا على السراء (كأيّوب) وكانت تحته رحمة من نسل يعقوب وقضيته معروفة مشهورة وفي كتب التفسير وغيره مسطورة (ويعقوب) ابتلاء بفقد ولده وذهاب بصره (ودانيال) بكسر النون وكان عالما بتعبير الرؤيا حكي أنه دخل بلاد الغرب وقيل قبره بالسوس ويقال إنه نبي غير مرسل وكان في أيام بخت نصر وهو أكرم الناس عنده فحسدته المجوس فوشوا إليه وقالوا إن دانيال وأصحابه لا يعبدون إلهك ولا يأكلون ذبيحتك فسألهم فقالوا أجل فأمر بخد فخدلهم قالوا فيه وهم ستة وألقى معهم سبع ضاري ليأكلهم ثم راحوا من الغد فوجدوهم جلوسا والسبع مفترش ذراعيه لم يضرهم فآمن بخت نصر وقيل لم يؤمن والله سبحانه وتعالى أعلم (ويحيى) ابتلاه الله تعالى بذبحه (وزكريّا) ابتلاه الله تعالى بنشره (وعيسى) ابتلاه الله باليهود وكيدهم (وإبراهيم) ابتلاه الله تعالى بإلقائه في النار (ويوسف) ابتلاه الله تعالى بفراق أبيه وغيره (وغيرهم) من الأنبياء (صلوات الله عليهم) وفي نسخة على جميعهم (وهم) أي والحال أنهم (خيرته) بكسر الخاء وسكون الياء وتفتح أي مختاره (من خلقه وأحبّاؤه وأصفياؤه) اجتباهم من بينهم لشرف ما بهم وكرم مآبهم (فَاعْلَمْ وَفَّقَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ أَنَّ أَفْعَالَ اللَّهِ تعالى كلّها عدل) كما ورد يا الله المحمود في كل فعاله (وكلماته) أي أحكامه (جميعها صدق) لا خلف في وعده ووعيده قال تعالى وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلًا (لَا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ) أي لأحكامه (يبتلي عباده) أي يمتحنهم بما أراده تارة بمنحهم وأخرى بمحنهم لقوله وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً (كما قال لهم) أي في ضمن غيرهم ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ (لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) من الشر والخير فتجازون وفق أعمالكم واختلاف أحوالكم والابتلاء من الله تعالى أن يظهر من العبد ما كان يعلم منه في الغيب (لِيَبْلُوَكُمْ) أي وقال خطابا عاما الَّذِي

ص: 373

خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أي ليعاملكم معاملة الممتحن (أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [هود: 7] ) أي أصوبه وأخلصه وقد ورد مرفوعا أحسن عقلا وأسرع إلى طاعة الله تعالى وأورع عن محارمه وقيل أكثركم ذكرا للموت واستعدادا لم بعده قبل الفوت وقيل أزهدكم في الدنيا وأجهدكم في العقبى وقال الله تعالى أيضا (وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا [آل عمران: 140] منكم) عطف على علة مقدرة أي نداول الأيام بين الأنام لتتعظوا وليعلم الله إيذانا بأن الحكمة فيه كثيرة وأن ما يصيب المؤمن من المصالح مما لا يعلمه غيره أو التقدير فعلنا ذلك ليتميز الثابتون على الإيمان من المنحرفين عنه وهم المنافقون أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ؛ (وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ) أي لم يتعلق علمه سبحانه وتعالى بجهادكم (وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ [آل عمران: 142] ) بالنصب على إضمار ان والواو للجمع أي ولم يتعلق علمه بصبركم على اجتهادكم والقصد في أمثاله ليس إلى إثبات علمه ونفيه بل إلى إثبات المعلوم ونفيه على طريق البرهان في أمره فإن علمه تعالى إذا تعلق بشيء لزم وجوده كما أن عدم تعلقه به ينافي شهوده وقال أيضا (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ [محمد: 31] ) قرئ في السبعة بالنون والياء في الأفعال الثلاثة (فامتحانه) أي الله سبحانه وتعالى (إيّاهم) أي الأنبياء واتباعهم من الأولياء (بضروب المحن) وفنون البلاء والفتن (زيادة في مكانتهم) أي منزلتهم (ورفعة في درجاتهم) أي مراتبهم العالية حسا ورتبة (وأسباب لاستخراج حالات الصّبر) على البلاء والجهاد مع الأعداء (والرّضى) منهم بما قضى عليهم من السراء أو الضراء (والشّكر) على النعماء والآلاء (والتّسليم) في الأمور (والتّوكّل) في الصدور (والتّفويض) أي الاعتماد على رب العباد فيما أراد (والدّعاء) في البلاء والرخاء (والتّضرّع منهم) حال الاستدعاء والاستكفاء (وتأكيد) بالرفع وهو الظاهر وفي نسخة وتأكيدا (لبصائرهم في رحمة الممتحنين) بفتح الحاء (والشّفقة على المبتلين) بفتح اللام وهو كالتفسير لما قبله (وتذكرة) أي تنبيه وتبصرة (لغيرهم) من أممهم (وموعظة لسواهم ليتأسّوا) بتشديد السين أي ليقتدوا (فِي الْبَلَاءِ بِهِمْ وَيَتَسَلَّوْا فِي الْمِحَنِ بِمَا جرى عليهم ويقتدوا بهم في الصّبر) على الأحوال كلها فإنه كما قيل:

هو المهرب المنجي لمن أحدقت به

مكاره دهر ليس عنهن مذهب

(ومحو) بالرفع وفي نسخة ومحوا أي سبب عفو (لهنات) بفتح هاء وتخفيف نون أي زلات (فرطت منهم) أي صدرت عنهم وقد قال الشراح أن نسبة الهنات وهي الخصال السوء لا تليق إلى الأنبياء وإن ذكره المصنف فلكل عالم هفوة (أو غفلات سلفت لهم) أي سبقت منهم (ليلقوا الله طيّبين مهذّبين) ظاهرا وباطنا مؤدبين (وليكون أجرهم أكمل) أي أكثر وأجمل (وثوابهم أوقر وأجزل) أي أتم وأعظم والله اعلم. (حدّثنا القاضي أبو عليّ الحافظ) أي ابن سكرة (حدّثنا أبو الحسين) بالتصغير هو الصحيح (الصّيرفيّ وأبو الفضل بن خيرون) بفتح

ص: 374

فسكون فضم يصرف ولا يصرف (قالا) أي كلاهما (حدّثنا أبو يعلى البغداديّ) بدال المهملة ثم معجمة هو الرواية المعتمدة من الوجوه الأربعة المحتملة (قال حدّثنا أبو عليّ السّنجيّ) بكسر أوله (حدّثنا محمّد بن محبوب) وهو راوي جامع الترمذي عنه (حدّثنا أبو عيسى التّرمذيّ) صاحب الجامع (حدّثنا قتيبة) أي ابن سعيد (حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ بهدلة) بسكون بين فتحتين أوله موحدة قيل هي أمه واسم أبيه عبد وهو أبو بكر بن عاصم بن أبي النجم وبهدلة مولى بني أسد أحد القراء السبعة قرأ على السلمي وذر وحدث عنهما وعن جماعة وعنه شعبة والحمادان والسفيانان ثبت إمام في القراآت قال الذهبي هو حسن الحديث قال وقال أبو زرعة وأحمد ثقة أخرج له البخاري ومسلم مقرونا لا أصلا وأخرج له الأئمة الأربعة فلا يلتفت إلى ما قال يحيى القطان ما وجدت رجلا اسمه عاصم إلا وجدته رديء الحفظ فإنه منقوض بالإمام عاصم هذا فإنه حافظ الكتاب والسنة مات بالكوفة سنة ثمان أو سبع وعشرين ومائة (عن مصعب بن سعد) كنيته أبو زرارة روى عن علي وطلحة ثقة نزل الكوفة وأخرج له الأئمة الستة (عن أبيه) وهو سعد بن أبي وقاص أحد العشرة المبشرة (قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً قَالَ الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ) أي الأشبه فالأشبه من العلماء والأصفياء والأفضل فالأفضل من الصلحاء والأولياء (يبتلى الرّجل على حسب دينه) بفتح السين أي على قدر يقينه (فما يبرح) أي فما يزال (البلاء) متعلقا (بالعبد) يطهره من الذنوب (حتّى يتركه يمشي على الأرض) أي ماشيا عليها (وما عليه خطيئة) ينسب إليها ويؤاخذ لديها والحديث رواه الترمذي وقال حسن صحيح وروى النسائي وابن ماجه والحاكم نحوه؛ (وكما قال تعالى: وَكَأَيِّنْ) وفي قراءة وكأين أي وكم (مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ) وفي قراءة قاتل (مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ [آل عمران: 146] ) واحدها ربي أي جماعات كثيرة ويقال هم سادات كبيرة والربى منسوب إلى الربة أي الجماعة وجمع للمبالغة وقيل منسوب إلى الرب والكسر من تغييرات النسب أي علماء أو عابدون لربهم اتقياء (الآيات الثلاث) وهي وقوله فَما وَهَنُوا أي ما جنبوا وما فتروا وما انكسروا لما أصابهم في سبيل الله من قتل نبيهم أو بعض أكابرهم وَما ضَعُفُوا عن دينهم وما تغيروا عن يقينهم وَمَا اسْتَكانُوا ما خضعوا لأعدائهم وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ على بلائهم وأمر ربهم وطاعة نبيهم وما كان قولهم إلا أن قالوا أي إلا قولهم رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا أي سيئاتنا واسرافنا في أمرنا من التقصير في طاعتنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ في مجاهداتنا فآتاهم الله ثواب الدنيا من عزة ونصرة وغنيمة وحسن ثواب الآخرة من زيادة مثوبة رفعة ودرجة وعلو رتبة وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ في كل حالة (وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه) أي مرفوعا كما رواه الترمذي وصححه (مَا يَزَالُ الْبَلَاءُ بِالْمُؤْمِنِ فِي نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وماله) يكفر عنه ذنوبه (حتّى يلقى الله تعالى) أي يموت (وما عليه خطيئة) يؤاخذ بها؛ (وعن أنس) كما رواه الترمذي أيضا وحسنه (عنه صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الْخَيْرَ) أي الكامل في العقبى

ص: 375

(عجّل له العقوبة) أي بما يكون كفارة له (فِي الدُّنْيَا؛ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الشَّرَّ) أي السوء الكامل في العقبى (أمسك عنه بذنبه) أي من غير أن يكفر بشيء يكون بسببه (حتّى يوافي) بكسر الفاء وفتحها أي حتى يأتي أو يؤتى (به) أي بذنبه وافيا والمعنى يجازى به (يوم القيامة) وسبب وروده أن رجلا اصاب ذنبا من قبله أو غيره فاتبع بصره الشخص فأصابه حائط في وجهه فأقبل وهو ينضح دما فقال له النبي صلى الله تعالى عليه وسلم إذا أراد الله تعالى الحديث (وفي حديث آخر) رواه الديلمي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه (إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا ابْتَلَاهُ لِيَسْمَعَ تَضَرُّعَهُ) أي تذلله في أنينه وشكواه وخضوعه وبكاه (وحكى السّمرقنديّ) أي أبو الليث (أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ تعالى كان بلاؤه أشدّ) من بلاء غيره (كي يتبيّن) أي ليظهر (فضله) على غيره (ويستوجب الثّواب) بقدره (كما روي عن لقمان) واختلف في نبوته (أنّه قال) لابنه واختلف في اسمه (يا بنيّ) بفتح الياء وكسرها لغتان وقراءتان (الذّهب والفضّة يختبران) بصيغة المجهول أن يمتحنان (بالنّار) فينظفان من وسخهما (والمؤمن يختبر بالبلاء) فيظهر من دنسه وخبثه، (وقد حكي أن ابتلاء يعقوب بيوسف) أي بفقده (كان سببه التفاته في صلاته إليه وهو) أي يوسف كما في نسخة (نائم) لديه (محبّة له) أي غيرة الهية عليه وأغرب الدلجي في قوله ولا أقول بأن هذا سببه لنزاهته عليه الصلاة والسلام عن قطعه به كمال إقباله على ربه فيها انتهى وغرابته لا تخفى وروي في سبب ابتلائه عليه الصلاة والسلام أن الله تعالى أوحى إليه اتدري لم فرقت بينك وبين ولدك يوسف قال لا قال لقولك لإخوته أَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ لم خفت عليه الذئب ولم ترجني ولم نظرت إلى غفلة إخوته ولم تنظر إلى حفظي، (وقيل بل اجتمع) أي يعقوب (يوما هو وابنه يوسف) وأغرب الدلجي بقوله يوسف مفعول معه (على أكل حمل) بفتح المهملة والميم وهو الجزع من الضأن له سنة أو أقل (مشويّ وهما يضحكان) جملة حالية أي والحال أنهما منشرحان منبسطان (وَكَانَ لَهُمْ جَارٌ يَتِيمٌ فَشَمَّ رِيحَهُ وَاشْتَهَاهُ وَبَكَى وَبَكَتْ لَهُ جَدَّةٌ لَهُ عَجُوزٌ لِبُكَائِهِ) شفقة منها عليه (وَبَيْنَهُمَا جِدَارٌ وَلَا عِلْمَ عِنْدَ يَعْقُوبَ وَابْنِهِ) بجارهما ولعله وقع لتقصير يعقوب في تفحص حالهما في جميع أوقاته فاندفع اعتراض الدلجي على المصنف بأن الإنسان لا يؤاخذ بما لم يعلم سيما إذا لم يجب عليه (فعوقب) أي يعقوب كما في نسخة (بالبكاء أسفا) بفتحتين أي للحزن والتأسف (على يوسف) في جميع أوقاته (إِلَى أَنْ سَالَتْ حَدَقَتَاهُ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الحزن) اعترض الدلجي بأن قوله وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ يدفع قوله سألت حدقتاه وهو وهم فاحش إذ الحدقة محركة سواد العين كما في القاموس (فلمّا علم بذلك) أي ببكائهما (كَانَ بَقِيَّةَ حَيَاتِهِ يَأْمُرُ مُنَادِيًا يُنَادِي عَلَى سطحه) أي فوق بيته (ألا) للتنبيه (من كان مفطرا) فقيرا أو غنيا (فليتغدّ) بالدال المهملة المشددة من الغداء وهو طعام أول النهار ويؤيده قوله مفطرا قال الحلبي وفي النسخة المعتمدة بالذال المعجمة وهو أبلغ منه بالمهملة انتهى وفيه ما تقدم (عند آل يعقوب)

ص: 376

أي بنيه وأهل بيته أو عنده نفسه وآل مقحم تفخيما لشأنه وهذا كقوله تعالى مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ (وعوقب يوسف بالمحنة) بنون بعد الحاء المهملة كذا ضبطوه احترازا عن تصحيفه بالمحبة بالموحدة (الّتي نصّ الله عليها) فيه إشكال إذ هو كان صغيرا دون البلوغ حينئذ لكن الله سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء ولعل هذا من الحكم المجهولة عندنا كإيلام الأطفال والله تعالى أعلم بالأحوال، (وروي عن اللّيث) أي ابن سعد (أَنَّ سَبَبَ بَلَاءِ أَيُّوبَ أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ أَهْلِ قَرْيَتِهِ عَلَى مَلِكِهِمْ فَكَلَّمُوهُ فِي ظُلْمِهِ وَأَغْلَظُوا لَهُ إِلَّا أَيُّوبَ فَإِنَّهُ رَفَقَ بِهِ) بفتح الفاء من الرفق أي الطف معه في كلامه رجاء أن يرتدع عن ظلمه ولا مانع من أن يكون رفقه بِهِ (مَخَافَةً عَلَى زَرْعِهِ فَعَاقَبَهُ اللَّهُ بِبَلَائِهِ) وجملة الكلام في هذا المقام على تقدير صحة نقل هؤلاء الأعلام أن الله تعالى أن يبتلي من شاء بما شاء من العمل إذ لا يسأل عما يفعل؛ (ومحنة سليمان) أي وسبب بلائه (لما ذكرناه) فيما سبق (من نيّته) أي خطور طويته (في كون الحقّ في جنبة أصهاره) بفتح الجيم والنون أي جهة أصهاره كما في نسخة (أَوْ لِلْعَمَلِ بِالْمَعْصِيَةِ فِي دَارِهِ وَلَا عِلْمَ عنده) كما تقدم بيانه في أخباره (وهذه) أي الأمور المترتبة على المحنة والبلية من الكفارة في بعض القضية أو رفع الدرجة العلية وفي نسخة وهذا (فائدة شدّة المرض) من الحمى وغيرها (والوجع) من الصداع ونحوه (بالنبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم، قالت عائشة رضي الله تعالى عنها) كما في الصحيحين (مَا رَأَيْتُ الْوَجَعَ عَلَى أَحَدٍ أَشَدَّ مِنْهُ) أي من الوجع (على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم؛ وعن عبد الله) كما رواه الشيخان وهو ابن مسعود فإنه المراد إذا أطلق عند المحدثين فلا وجه لقول الدلجي لعله ابن مسعود أو ابن عمر مع أنه لا وجه فيما حصره إذ يحتمل ابن عباس وابن عمر وابن عمرو وابن الزبير وغيرهم إذ في الصحابة من يقال له عبد الله كثير قال الحلبي عبد الله هذا هو ابن مسعود إنما نبهت عليه لأن في الصحابة من يقال له عبد الله فوق الأربعمائة وقال ابن الصلاح أنهم نحو مائتين وعشرين قيل وثلاثين وقيل هم ثلاثمائة وأربعة وستون وهذا الاختلاف في عددهم إنما وقع لأن منهم من كرر لاختلاف في اسم أبيه أو في اسمه هو ومنهم من لم يصحح له صحبة عند هذا وصحح له عند غيره والله تعالى اعلم أقول والأظهر أن يحمل على زيادة تتبع بعضهم (رأيت النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم في مرضه يوعك) بصيغة المجهول (وعكا شديدا) بسكون العين المهملة وتحرك أي شدة الحمى وحدتها في وجعها (فقلت إنّك لتوعك وعكا شديدا؛ قال أجل) أي نعم (إنّي لأوعك) وفي نسخة أُوعَكُ (كَمَا يُوعَكُ رَجُلَانِ مِنْكُمْ، قُلْتُ ذَلِكَ أنّ لك) وفي نسخة أن ذلك (الأجر مرّتين قال أجل ذلك) الأمر (كذلك) والأظهر لذلك باللام أي أجل ذلك (وفي حديث أبي سعيد رضي الله تعالى عنه) رواه ابن ماجه والحاكم (أنّ رجلا) يحتمل الراوي وغيره والأول أولى لرواية ابن ماجه أن أبا سعيد هو الذي وضع يده لكن لا يبعد أن يكون غيره أيضا (وضع يده على النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم) ليختبر حماه أشديدة هي أم

ص: 377

خفيفة (فقال والله ما أطيق أضع) وفي نسخة أن أَضَعُ (يَدِي عَلَيْكَ مِنْ شِدَّةِ حُمَّاكَ فَقَالَ النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم إنّا معشر الأنبياء) بالنصب على الاختصاص أو المدح أي جماعتهم (يضاعف لنا البلاء) على مقدار ما لنا من الولاء (إن) مخففة من الثقيلة أي أنه أي الشأن (كان النبيّ) أي فرد من أفراد هذا الجنس (ليبتلى بالقمل حتّى يقتله) لكثرته وما ذاك إلا لرفعة النبي وعلو درجته (وإن كان النبيّ ليبتلى بالفقر) أي الجوع حتى يقتله (وإن كانوا) أي الأنبياء (ليفرحون بالبلاء كما يفرحون) أي أنتم (بالرّخاء) المتضمن للنعماء لقوة يقينهم في أمر دينهم وتسليم أمرهم عند حكم ربهم وفي العدول عن الغيبة إلى الخطاب إيماء إلى أنهم لا يفرحون بالرخاء وقد أورد المصنف في الباب الثاني من القسم الأول حديثا يقرب من معنى هذا الحديث وهو أنه عليه الصلاة والسلام قال لَقَدْ كَانَ الْأَنْبِيَاءُ قَبْلِي يُبْتَلَى أَحَدُهُمْ بِالْفَقْرِ والقمل وكان ذلك أحبه إليهم من العطاء إليكم (وعن أنس) كما رواه الترمذي وحسنه (عنه صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ البلاء) بكسر العين وفتح الظاء ويجوز ضمها مع سكون الظاء أي فمن كان بلاؤه أكثر أو أكبر فجزاؤه أتم وأوفر (وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ فَمَنْ رضي) بالقضاء (فله الرّضى) من الله تعالى وجزيل الثواب وجميل المآب (ومن سخط) بكسر الخاء أي كره (فله السّخط) بفتحتين أي الغضب واليم العذاب ودوام الحجاب (وقال) وفي نسخة وَقَدْ قَالَ (الْمُفَسِّرُونَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ [النِّسَاءِ: 123] إِنَّ الْمُسْلِمَ يجزى بمصائب الدّنيا فتكون له كفّارة) حتى لا يعذب في العقبى، (وروي هذا) أي قول المفسرين وفي نسخة وروي مثل هذا (عن عائشة وأبيّ) أي ابن كعب (ومجاهد) كما رواه أحمد والحاكم عنهم ومثل هذا ما يقال بالرأي فهذا الموقوف في حكم المرفوع وقد ذكر البغوي في تفسيره بإسناده عن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه قال كنت عند رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فأنزلت عليه هذه الآية مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ فقال عليه الصلاة والسلام يا أبا بكر ألا اقرئك آية انزلت علي قال قلت بلى يا رسول الله فاقرأنيها قال ولا اعلم أني وجدت انفصاما في ظهري حتى تمطيت لها فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم مالك يا أبا بكر فقلت يا رسول الله بأبي أنت وأمي وأينا لم يعمل سوء وأنا لمجزيون بكل سوء عملناه فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أما أنت يا أبا بكر وأصحابك المؤمنون فيجزون بذلك في الدنيا حتى تلقوا الله تعالى وليست لكم ذنوب وأما الآخرون فيجتمع ذلك لهم حتى يجزوا يوم القيامة وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنه لما نزلت هذه الآية شقت على المسلمين وقالوا يا رسول الله وأينا لم يعمل سوء غيرك فكيف الجزاء قال منه ما يكون في الدنيا فمن يعمل حسنة فله عشر حسنات ومن جوزي بالسيئة نقصت واحدة من عشره وبقيت له تسع حسنات فويل لمن غلب آحاده عشراته وأما ما كان جزآء في الآخرة فيقابل بين حسناته وسيئاته فتلقى مكان كل سيئة حسنة وينظر في الفضل فيعطى الجزاء في الجنة فيؤتى كل ذي فضل فضله وفي رواية

ص: 378

عن أبي بكر حين نزلت الآية فمن ينجو مع هذا يا رسول الله قال لا تحزن أما تمرض وأما تصيبك اللأواء قال بلى يا رسول الله قال هو ذاك؛ (وقال أبو هريرة عنه عليه الصلاة والسلام كما في صحيح البخاري (مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُصِبْ مِنْهُ) بضم أوله وكسر صاده ويفتح أي ينزل به مكروها ليثاب عليه (وقال) أي النبي عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم (فِي رِوَايَةِ عَائِشَةَ مَا مِنْ مُصِيبَةٍ تُصِيبُ المسلم) أي من الأمور المكروه (إلّا يكفّر) وفي نسخة إلا يكفر (الله تعالى بها عنه) أي ذنوبه (حتّى الشّوكة) بالحركات الثلاث والأظهر الجر على أن حتى عاطفة أو بمعنى إلى أو الرفع على أن الشوكة مبتدأ والخبر قوله (يشاكها) بضم الياء والضمير القائم مقام الفاعل عائد إلى المؤمن والتقدير يشاك المؤمن تلك الشوكة والمراد شوكة العضاة وأبعد التلمساني في تجويزه أن الشوكة ذات الجنب أي تصيبه فيمرض منها قال فعلى الأول غاية في الضعف وعلى الثاني غاية في القوة انتهى والأولى أولى كما لا يخفى (وقال) أي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كما في الصحيحين (في رواية أبي سعيد) أي الخدري (ما يصيب المؤمن من نصب) بفتحتين أي تعب (ولا وصب) بفتحتين أي وجع (ولا همّ) أي غم يذيب الإنسان (ولا حزن) بضم فسكون وبفتحتين أي غم فوت شيء (ولا أذّى ولا غمّ) يغم فؤاد صاحبه وقيل الهم من الأمر السابق والغم من اللاحق (حَتَّى الشَّوْكَةُ يُشَاكُهَا إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا من خطاياه) أي بعض ذنوبه وقيل من زائدة (وفي حديث ابن مسعود) كما رواه الشيخان (ما من مسلم يصيبه أذّى) أي ما يتأذى به ولو قطع شراك نعل أو انطفاء سراج (إلّا حاتّ) بتشديد الفوقية من باب المغالبة أي أسقط (الله عنه خطاياه) وفي نسخة خطاياه (كما يحتّ) أي الله تعالى (ورق الشّجر) وفي نسخة بصيغة المجهول وفي نسخة تحات بصيغة الماضي من باب التفاعل وفي أخرى بصيغة المضارع على أنه حذف منه أحد التاءين وفي رواية تحاتت عنه ذنوبه أي تساقطت وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما حمى يوم كفارة ثلاثين سنة (وحكمة أخرى) في إجراء الأمراض والبلاء على الأنبياء والأصفياء (أَوْدَعَهَا اللَّهُ فِي الْأَمْرَاضِ لِأَجْسَامِهِمْ وَتَعَاقُبِ الْأَوْجَاعِ عليها) أي على أعضائها (وشدّتها) كمية وكيفية (عند مماتهم لتضعف قوى نفوسهم) في تعلقاتهم وفي نسخة قوى أنفسهم (فيسهل خروجها) أي انتقال أرواحهم (عند قبضهم) أي وفاتهم (فتخفّ عليهم مونة النّزع) أي ثقل نزع أرواحهم ومشقة إخراجها من أشباحهم (وشدّة السّكرات) وغلبة الغمرات (بتقدّم المرض وضعف الجسم والنّفس لذلك) أي لما تقدم من الحكمة هنالك وهذا (خلاف موت الفجأة) بفتح فسكون مقصورا ويضم ممدودا أي موت البغتة (وأخذه) بالغفلة وأن ورد في الحديث موت الفجأة للمؤمن وأخذة أسف للفاجر على ما رواه أحمد والبيهقي عن عائشة (كما يشاهد) بصيغة المجهول (من اختلاف أحوال الموتى) أي الذين على شرف الموت وقربه (في الشّدّة واللّين) أي الهينة (والصّعوبة وقد قال عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين عن كعب بن مالك وجابر (مثل المؤمن مثل خامة

ص: 379

الزّرع) بالخاء المعجمة وتخفيف الميم أي طاقته للينة عطفها أو ضعفها (تفيّؤها) بضم أوله ففاء مفتوحة وتحتية مشددة مكسورة فهمزة مضمومة وأما قول التلمساني ووري تفئها بدون ياء فخطأ فاحش أي تحركها وتميلها (الرّيح) أي جنس الرياح (هكذا) مرة عن يمينها (وهكذا) مرة عن يسارها والمعنى تميلها من جانب إلى جانب (وفي رواية أبي هريرة رضي الله تعالى عنه) وفي نسخة لأبي هريرة كما في صحيح مسلم (من حيث أتتها الرّيح تكفؤها) بفتح الفاء وتكسر أي تقلبها (فإذا سكنت) أي الريح (اعتدلت) أي قامت الخامة على ساقها معتدلة غير مائلة، (وكذلك المؤمن يكفأ) بصيغة المجهول أي بقلب ويغير حاله (بالبلاء) عما كان عليه في النعماء؛ (ومثل الكافر) وفي معناه الفاجر (كمثل الأرزة) بسكون الراء وفتحها شجرة الأرز وهو خشب معروف وقيل الصنوبر وقال بعضهم الآرزة بوزن فاعلة ومعناها الثابتة في الأرض وأنكرها أبو عبيد كذا في النهاية (صمّاء) أي صلبة يابسة (معتدلة) أي مستوية ثابتة (حتّى يقصمه الله تعالى) بكسر الصاد بعد سكون القاف أي يكسره (ويهلكه) ويأخذه بغتة من غير تقدم بلية في غالب قضية وعن أنس رضي الله تعالى عنه أن الله تعالى خلق عباده منهم صحيح وسقيم وغني وفقير فمنهم من لو أسقمه لأفسده ذلك ومنهم من لو أصحه لأفسده ذلك ومنهم من لو أغناه لأفسده ذلك ومنهم من لو أفقره لأفسده ذلك والله تعالى أعلم بمصالح عباده وفق مراده أقول وقد يستفاد هذا المعنى من قوله تعالى إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً وفي الجملة كما ورد المؤمن مكفر على ما رواه الحاكم عن سعد (معناه) أي الحديث السابق (أنّ المؤمن مرزّء) بتشديد الزاء المفتوحة وفي نسخة بتخفيفها أي مبتلي بالرزايا (مصاب بالبلاء) أي بأنواع البلايا كموت أعزته وفوت أحبته (والأمراض) وفي معناها فقد الأغراض (راض بتصريفه) أي بتغيير أحواله وتغير آماله في حاله ومآله وجاهه وماله (بين أقدار الله تعالى) أي أنواع قضائه من بلائه ونعمائه (مطاع) وفي نسخة منطاع أي منقاد (لذلك) الذي أصيب به هنالك (ليّن الجانب) أي متواضع لربه متلبس (برضاه) وفق ما قدر له وقضاه (وقلّة سخطه) أي وعدم كراهته لبلواه (كطاعة خامة الزّرع وانقيادها للرّياح) حال تقبلها يمنة ويسرة في الصباح والرواح (وتمايلها لهبوبها) المختلفة في الشدة واللينة (وترنّحها) بنون مشددة مضمومة بعد راء مفتوحة أي دورانها في تغيير شأنها وعن يزيد الرقاشي المريض يرنح والعرق من جبينه يرشح (من حيث ما أتتها) أي جاءتها رياح البلايا والرزايا (فإذا أزاح الله تعالى) بالزاء أي أزال (عن المؤمن رياح البلايا) وأبدل منها رياح النعماء (واعتدل صحيحا) واستقام صريحا (كَمَا اعْتَدَلَتْ خَامَةُ الزَّرْعِ عِنْدَ سُكُونِ رِيَاحِ الجوّ) بفتح الجيم وتشديد الواو أي هواء جو السماء (رجع) المؤمن من مقام صبره (إِلَى شُكْرِ رَبِّهِ وَمَعْرِفَةِ نِعْمَتِهِ عَلَيْهِ بِرَفْعِ بلائه) أي بدفع محنته (منتظرا رحمته وثوابه) أي مثوبته (عليه) أي على شكر ربه في حاليه، (فإذا كان) أي المؤمن (بهذه السّبيل) أي بهذه المثابة من تحمل توارد الرزايا وترادف البلايا (لم يصعب

ص: 380

عليه مرض الموت ولا نزوله) أي حلوله وحصوله في وقت من أوقات الفوت (ولا اشتدّت) أي ولخفت (عليه سكراته ونزعه) حين صعبت غمراته (لعادته) أي تعوده (لما) وفي نسخة بما (تقدّم) وفي نسخة تقدمه (من الآلام) أي تحملها في ضمن الاسقام (ومعرفة ما له فيها من الأجر) أي الثواب التام يوم القيام (وتوطينه) أي ولتثبيته وتمكينه (نفسه على المصائب) أي إصابتها (ورقّتها وضعفها بتوالي المرض) ولو مع خفته (أو شدّته) وإن لم يتوال في مدته (والكافر) أي شأنه وحاله (بخلاف هذا) المؤمن في حاله ومآله (فهو) وكذا الفاجر (مُعَافًى فِي غَالِبِ حَالِهِ مُمَتَّعٌ بِصِحَّةِ جِسْمِهِ) وكثرة ماله وسعة مناله (كالأرزة الصّماء) أي الشجرة القوية (حتّى إذا أراد الله هلاكه قصمه) أي كسره وأهلكه (لحينه) بكسر الحاء أي في وقته فورا (على غرّة) بكسر غين وتشديد راء أي على حين غرور وغفلة (وأخذه) أي أماته (بغتة) أي فجأة (من غير لطف ولا رفق) بل بعنف وشدة تضرب الملائكة وجهه ودبره بسياط من نار (فكان موته أشدّ عليه حسرة) أي تأسفا وكآبة (ومقاساة نزعه) أي معاناة خروج روحه (مَعَ قُوَّةِ نَفْسِهِ وَصِحَّةِ جِسْمِهِ أَشَدَّ أَلَمًا وعذابا) عند قبضه (ولعذاب الآخرة أشدّ) أي أقوى (وأبقى) وفي نسخة زيد لو كانوا يعلمون أي لآمنوا (كانجعاف الأرزة) بالنون والجيم أي انقلاعها من أصلها وقال التلمساني وروي انخعاف بخاء معجمة أي ضعف واسترخاء (وَكَمَا قَالَ تَعَالَى: فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ [الأعراف: 95] ) قبل ذلك أمارة وعلامة وقد ورد الحمى رائد الموت أي بريده ونذيره (وكذلك عادة الله تعالى في أعدائه) أي معهم خلاف عادته مع أحبائه (كما قال الله تعالى فَكُلًّا) من اعدائنا ممن كذب بأصفيائنا (أَخَذْنا بِذَنْبِهِ) بغتة فإذا هم مبلسون أي متحيرون آيسون (فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً) أي ريحا عاصفة تحصيهم كقوم لوط (وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ [العنكبوت: 40] ) كثمود فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ (الآية) أي وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ كقارون وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا كفرعون وقوم نوح وَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ، (ففجأ) أي ففاجأ الله (جميعهم) حيث أخذهم كلهم (بالموت على حال عتو) أي فرط تكبر وتجبر (وغفلة) عما خلقوا له من الموت والبعث في العاقبة (وصبّحهم به) بتشديد الموحدة أي جاءهم بالموت (على غير استعداد) حال كونه (بغتة ولهذا ما) كذا في نسخة فقيل هي زائده أو موصولة (كره عن السّلف موت الفجأة ومنه حديث إبراهيم) أي النخعي كما صرح به ابن الأثير في نهايته فلا وجه لقول الدلجي النخعي أو التيمي وكذا لقول غيره إنه ابن أدهم ولا يبعد التعدد والله اعلم (كانوا) أي الصحابة والتابعون (يكرهون أخذه كأخذة الأسف) رواه سعيد بن منصور في سننه وابن أبي الدنيا في ذكر الموت والأسف بفتحتين (أي الغضب) الموجب لكثرة التأسف وشدة التلهف وفي نسخة بكسر السين أي الغضبان المتأسف (يريد) أي إبراهيم وفي نسخة يريدون أي السلف بهذه الأخذة (موت الفجأة وحكمة ثالثة) في اعتراء أنواع البلاء على الأنبياء والأصفياء (أنّ الأمراض) أي كلها (نذير

ص: 381

الممات) وفي نسخة نذير الموت أي منذر الموت ومخوف الوفاة كما ورد الحمى رائد الموت لأنها تنبئ عن قرب الفوت (وبقدر شدّتها) أي قوة الأمراض وقلتها (شدّة الخوف) أي خوف الفوت (من نزول الموت فيستعدّ) للموت (من أصابته) تلك الأمراض قبل الفوت (وعلم) أي المؤمن (تعاهدها له) أي تفقد الأمراض وتعاودها له استعداد تاما (لِلِقَاءِ رَبِّهِ وَيُعْرِضُ عَنْ دَارِ الدُّنْيَا الْكَثِيرَةِ الأنكاد) أي الكدورات وما أحسن قول ابن عطاء في حكمه ما دمت في هذه الدار لا تستغرب وقوع الأكدار (ويكون قلبه معلّقا بالمعاد) ويكون متهيئا لتحصيل الزاد ليوم التناد (فيتنصّل) من باب التفعل وفي نسخة فينتصل من باب الانفعال أي يتخلص وينفصل (من كلّ ما يخشى تباعته) بكسر أوله لا بفتحه كما وهم الحلبي بمعنى تبعته ومؤاخذته (من قبل الله تعالى) وهو أهون (وقبل العباد) وهو أقوى (ويؤدّي الحقوق) المتعلقة به جميعا (إلى أهلها) بقدر إمكان أدائها (وينظر) أي يتأمل (فيما يحتاج إليه من وصيّة) بما تركه إلى من يثق به (فيمن يخلّفه) بتشديد اللام المكسورة أي فيمن يعقبه إليه من ولد وعبد (أو أمر يعهده) إلى من يريده (وهذا نبيّنا صلى الله تعالى عليه وسلم المغفور له) أي ما تقدم من ذنبه وما تأخر كما في نسخة (قد طلب التّنصّل) أي التخلص (فِي مَرَضِهِ مِمَّنْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ مَالٌ) دينا أو قرضا (أو حقّ في بدن) يورث قصاصا أو أرشا (وأقاد من نفسه وما له) أي اعطى القود منهما مستحقه (وأمكن من القصاص منه) أي من نفسه (على ما ورد في حديث الفضل) أي ابن عمه العباس كما مر وفيه أنه صلى الله تعالى عليه وسلم ضرب أعرابيا بعود كان بيده فقال يا رسول الله القصاص غير مريد له فكشف له عن بطنه فالتزمه تبركا به (وحديث الوفاة) كما تقدم والله تعالى اعلم (وأوصى بالثّقلين بعده: كتاب الله تعالى) بالجر بدل مما قبله ويجوز رفعه ونصبه (وعترته) بكسر أوله أي أقاربه وأهل بيته وسميا بالثقلين إما لثقلهما على نفوس كارهيهما أو لكثرة حقوقهما فهما شاقان أو لعظم قدرهما أو لشدة الأخذ بهما أو لثقلهما في الميزان من قبل ما أمر به فيهما أو لأن عمارة الدين بهما كما عمرت الدنيا بالإنس والجن المسميين بالثقلين في قوله تعالى سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ، (وبالأنصار عيبته) بفتح العين المهملة وسكون التحتية فباء موحدة أي لأنهم موضع سره وأمانته ومحل رعايته وعنايته وحراسته ووقايته كعيبة الثياب التي يضع الشخص فيها متاعه النفيس، (ودعا) أي أصحابه في مرض موته (إلى كتب كتاب) أي كتابة مكتوب (لئلّا تضلّ أمّته بعده) إذا عملوا بكتابته فاختلفوا في ذلك وتنازعوا هنالك فقال دعوني فإنه لا ينبغي التنازع عند نبي وذلك الكتاب (إمّا في النّصّ على الخلافة) وفيه أن الوصية بالخلافة لا تحتاج إلى أمر الكتابة مع أنه قد أشار إليه بنصب الإمامة (والله أعلم بمراده) مما خطر بباله نصيحة لخلق الله تعالى وعباده (ثمّ رأى الإمساك عنه أفضل وخيرا) من الكتابة وأجمل (وهكذا سيرة عباد الله تعالى المؤمنين وأوليائه المتّقين) من الابتلاء بأنواع البلاء المذكورة لحال الفناء المهيئة للاستعداد ليوم اللقاء في دار البقاء (وهكذا كله) أي ما ذكر من حال

ص: 382

أنبيائه وأوليائه الأبرار (يحرمه) بصيغة المجهول أي يحرم منه (غالبا الكفّار) وكذا الفجار (لإملاء الله لهم) أي إمهالهم إلى انصرام آجالهم (ليزدادوا إثما) ويستزيدوا ظلما ليكون لهم عذاب مهين فيما اكتسبوا جرما (وليستدرجهم) أي ليستدينهم الله درجة درجة في مراتبهم إلى ما يهلكهم بأشد عقبهم (من حيث لا يعلمون) ما يراد بهم بتواتر نعمه سبحانه وتعالى عليهم منهمكين في غيهم وضلالتهم كلما جدد لهم نعمة زادوا في طغيانهم وعصيانهم ظنا منهم أن تواتر النعماء عليهم تقريب وإسعاد وإنما هو تطريد وإبعاد، (قال الله تعالى: ما يَنْظُرُونَ) أي ما ينتظرون (إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً) وهي النفخة الأولى (تَأْخُذُهُمْ) بغتة وتهلكهم فجأة غافلين عنها لا يخطر ببالهم أمرها (وَهُمْ يَخِصِّمُونَ) بفتح الخاء وكسرها واختلاسها أي والحال أنهم يختصمون في معاملاتهم وفي قراءة بسكون الخاء وكسر الصاد من خصم إذا اختصم وفي الحديث لتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما يتبايعانه فلا يطويانه فلتقومن الساعة وقد رفع الرجل اكلته إلى فيه فلا يطعمها (فَلا يَسْتَطِيعُونَ أي حينئذ (تَوْصِيَةً) في أمرهم (وَلا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ مُحْضَرُونَ [يس: 49- 50] ) أي ولا يقدرون أن يرجعوا إلى قومهم بل يموتون فجأة كلهم (ولذلك) أي لكون موت الفجأة مذموما في الجملة (قال عليه الصلاة والسلام كما رواه أبو يعلى وابن أبي الدنيا عن أنس (في رجل مات فجأة) أي في حقه (سبحان الله) تعجبا من شأنه (كأنّه على غضب) أي وقع على سبب غضب يقتضي موته كذلك (المحروم من حرم وصيّته) تلويح بالحث على الوصية لئلا يموت الواحد فجأة لحديث ما حق أمرئ يبيت ليلتين إلا ووصيته عنده وكأنه عليه الصلاة والسلام كشف له أن الرجل كان واجبا عليه الوصية في شيء من الأحكام فلا ينافي ما ورد عنه صلى الله تعالى عليه وسلم خلافه كما بينه المصنف بقوله (وقال) أي النبي عليه الصلاة والسلام كما في حديث أحمد عن عائشة بسند صحيح (موت الفجّأة راحة للمؤمن وأخذة أسف) أي غضب (للكافر أو الفاجر) قال الدلجي شك من أحد رواته وأقول الأظهر إنه للتنويع والمراد بالفاجر المنافق أو الفاسق (وذلك) أي كون موت الفجأة مختلفا هنالك (أن الموت) وفي نسخة لأن الموت (يأتي المؤمن غالبا مستعدّ له) أي لوصوله (منتظر لحلوله) متهيئ لنزوله (فهان أمره) أي سهل (عليه كيفما جاء) حال حصوله (وأفضى) أي أوصله (إلى راحته من نصب الدّنيا وأذاها) أي تعبها وأذيتها (كما قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه الشيخان عن أبي قتادة حين مر بجنازة (مستريح) أي الميت مستريح (ومستراح منه) أي أو مستراح منه وفي نسخة يستريح ويستراح منه قيل من هما يا رسول الله قال أما المستريح فالمؤمن يموت فيستريح من تعب الدنيا وأما المستراح منه فالظالم يموت فيستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب قال النووي أما استراحة العباد منه فاندفاع اذاه عنهم واستراحة الدواب منه فكذلك لأنه يؤذيها بالضرب والإيجاع وتحميل ما لا تطيقه واستراحة البلاد والشجر لأنها تمنع القطر بمعصيته (وتأتي الكافر والفاجر) بالواو أي الفاسق أو الظالم

ص: 383

(منيّته) بتشديد تحتية أي موته (على غير استعداد) لمعاد (ولا أهبة) بضم فسكون أي تهيئة زاد (ولا مقدّمات) بكسر الدال وتفتح أي مؤذنات سابقة ومخوفات لاحقة (منذرة) أي مخوفة (مزعجة) أي مقلقة محركة (بَلْ تَأْتِيهِمْ) المنية (بَغْتَةً) فجأة (فَتَبْهَتُهُمْ) أي تحيرهم وتدهشهم (فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّها) أي صرفها (وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) أي لا يمهلون حينئذ وإن كانوا من قبله ليهملون (فَكَانَ الْمَوْتُ أَشَدَّ شَيْءٍ عَلَيْهِ وَفِرَاقُ الدُّنْيَا أفظع) بالفاء والظاء المعجمة أي أهيب وأصعب وأشنع وأمر (أمر) لديه من حال (صدمه) أي أصابه مما هجمه (وأكره شيء له) أي أصعب شيء أرهقه وأصابه. (وإلى هذا المعنى أشار عليه الصلاة والسلام بقوله) كما في الصحيحين عن عبادة بن الصامت (من أحبّ لقاء الله) أي برؤية الله تعالى له عند موته ما أعده له في الجنة (أحبّ الله لقاءه) أي أراد مصيره إليه ومنحه ما لديه، (ومن كره لقاء الله تعالى) برؤيته له عند موته ما أعد له من سخطه وكما ورد في الحديث تفسيره بذلك (كره الله لقاءه) فلم يظفر بمطلوب ولم يظهر بمرغوب وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال إن اهل البيت ليتنافسون في الخير والمعروف فيدخلون الجنة كلهم حتى ما يفقدوا خادمهم وأن أهل البيت ليتنافسون في الشر فيدخلون النار كلهم حتى ما يفقدوا خادمهم وقد يقتبس هذا المعنى منطوقا ومفهوما من قوله تعالى جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وروى الترمذي عن سالم بن عمر قال لقيت عليا رضي الله تعالى عنه وهو منصرف من مسجد القبلتين فقال يا ابن عمر أني كنت آنفا عند رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فأخبرني بكلمات أخبر بهن جبريل عن الله عز وجل وأنا نخبرك بهن وأنت لذلك أهل أخبرني رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال قال جبريل عليه السلام ما من قوم يكونون في حبرة إلا ستتبعهم عبرة وكل نعيم زائل إلا نعيم الجنة وكل هم منقطع إلا هم أهل النار وإذا عملت سيئة فاتبعها حسنة تمحها سريعا وأكثر من صنائع المعروف توق مصارع السوء وما من عمل بعد الفرائض أحب إلى الله من إدخال السرور على المؤمن ثم قال دونكهن يا ابن عمر قال فشرح الله بهن صدري مرتين كذا ذكره التلمساني والله سبحانه وتعالى أعلم.

ص: 384