المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل [واعلم أن حرمة النبي بعد موته وتوقيره وتعظيمه لازم] - شرح الشفا - جـ ٢

[الملا على القاري]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثّاني

- ‌[المقدمة]

- ‌(الْقِسْمُ الثَّانِي فِيمَا يَجِبُ عَلَى الْأَنَامِ مِنْ حقوقه صلى الله تعالى عليه وسلم)

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ [فِي فَرْضِ الْإِيمَانِ بِهِ وَوُجُوبِ طاعته واتّباع سنّته]

- ‌فصل [وَأَمَّا وُجُوبُ طَاعَتِهِ فَإِذَا وَجَبَ الْإِيمَانُ بِهِ وتصديقه فيما جاء به]

- ‌فصل [وَأَمَّا وُجُوبُ اتِّبَاعِهِ وَامْتِثَالُ سُنَّتِهِ وَالِاقْتِدَاءُ بِهَدْيِهِ]

- ‌فصل [وأما وَرَدَ عَنِ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ مِنِ اتِّبَاعِ سُنَّتِهِ]

- ‌فصل [وَمُخَالَفَةُ أَمْرِهِ وَتَبْدِيلُ سُنَّتِهِ ضَلَالٌ وَبِدْعَةٌ مُتَوَعَّدٌ من الله تعالى عليه بالخذلان والعذاب]

- ‌الباب الثاني [في لزوم محبته عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [في ثواب محبته صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [فِيمَا رُوِيَ عَنِ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ مِنْ مَحَبَّتِهِمْ للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [في علامات محبته صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [في معنى المحبة للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم وحقيقتها]

- ‌فصل [في وجوب مناصحته صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌الْبَابُ الثَّالِثُ [فِي تَعْظِيمِ أَمْرِهِ وَوُجُوبِ تَوْقِيرِهِ وبره]

- ‌فصل [في عادة الصحابة في تعظيمه عليه الصلاة والسلام وتوقيره وإجلاله]

- ‌فصل [واعلم أن حرمة النبي بعد موته وتوقيره وتعظيمه لازم]

- ‌فصل [فِي سِيرَةِ السَّلَفِ فِي تَعْظِيمِ رِوَايَةِ حَدِيثِ رسول الله وسنته عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [ومن توقيره صلى الله تعالى عليه وسلم وبره بر آله]

- ‌فصل [ومن توقيره وبره توقير أصحابه عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [ومن إعظامه وإكباره إعظام جميع أسبابه]

- ‌الباب الرابع [في حكم الصلاة عليه صلى الله تعالى عليه وسلم والتسليم]

- ‌فصل [اعلم أن الصلاة على النبي فرض في الجملة]

- ‌فصل [في المواطن التي تستحب فيها الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ويرغب فيها]

- ‌فصل [في كيفية الصلاة عليه والتسليم]

- ‌فصل (في فضيلة الصلاة على النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم والتسليم عليه والدّعاء له)

- ‌فصل (فِي ذَمِّ مَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله تعالى عليه وسلم وإثمه)

- ‌فصل [في تخصيصه عليه الصلاة والسلام بتبليغ صلاة من صلى عليه صلاة أو سلم من الأنام]

- ‌فصل (فِي الِاخْتِلَافِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى غَيْرِ النَّبِيِّ صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

- ‌فصل (فِي حُكْمِ زِيَارَةِ قَبْرِهِ صلى الله عليه وسلم وَفَضِيلَةِ مَنْ زَارَهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ

- ‌فصل (فِيمَا يَلْزَمُ مَنْ دَخَلَ مَسْجِدَ النَّبِيِّ صَلَّى الله تعالى عليه وسلم من الأدب)

- ‌الْقِسْمُ الثَّالِثُ [فِيمَا يَجِبُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تعالى عليه وسلم وما يستحيل في حقه وما يمتنع]

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ (فِيمَا يَخْتَصُّ بِالْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ وَالْكَلَامُ فِي عِصْمَةِ نَبِيِّنَا عليه الصلاة والسلام وَسَائِرِ الأنبياء صلوات الله عليهم

- ‌فصل (فِي حُكْمِ عَقْدِ قَلْبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تعالى عليه وسلم)

- ‌فصل (وأمّا عصمتهم من هذا الفنّ)

- ‌فصل [قال القاضي أبو الفضل قد بان مما قدمناه عقود الأنبياء في التوحيد والإيمان]

- ‌فصل [وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ مُجْمِعَةٌ عَلَى عِصْمَةِ النَّبِيِّ من الشيطان إلى آخره]

- ‌فصل [وأما قوله صلى الله تعالى عليه وسلم فقامت الدلائل إلى آخره]

- ‌فصل [وقد توجهت ههنا لبعض الطاعنين سؤالات]

- ‌فصل [فصل هذا القول فيما طريقه البلاغ]

- ‌فصل (فإن قلت فما معنى قوله عليه الصلاة والسلام في حديث السّهو)

- ‌فصل (وأمّا ما يتعلّق بالجوارح)

- ‌فصل [وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي عِصْمَتِهِمْ مِنَ الْمَعَاصِي قَبْلَ النبوة]

- ‌فصل [هَذَا حُكْمُ مَا تَكُونُ الْمُخَالَفَةُ فِيهِ مِنَ الْأَعْمَالِ عَنْ قَصْدٍ وَهُوَ مَا يُسَمَّى مَعْصِيَةً ويدخل تحت التكليف]

- ‌فصل (فِي الْكَلَامِ عَلَى الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورِ فِيهَا السَّهْوُ

- ‌فصل (فِي الرَّدِّ عَلَى مَنْ أَجَازَ عَلَيْهِمُ الصَّغَائِرَ

- ‌فصل (فَإِنْ قُلْتَ فَإِذَا نَفَيْتَ عَنْهُمْ صَلَوَاتُ اللَّهِ عليهم الذّنوب)

- ‌فصل [قد استبان لك أيها الناظر بما قررناه ما هو الحق من عصمته عليه السلام]

- ‌فصل (في القول في عصمة الملائكة)

- ‌الْبَابُ الثَّانِي [فِيمَا يَخُصُّهُمْ فِي الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ]

- ‌فصل [فَإِنْ قُلْتَ فَقَدْ جَاءَتِ الْأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام سحر]

- ‌فصل [هذا حاله عليه الصلاة والسلام في جسمه]

- ‌فصل [وَأَمَّا مَا يَعْتَقِدُهُ فِي أُمُورِ أَحْكَامِ الْبَشَرِ إلى آخره]

- ‌فصل [وَأَمَّا أَقْوَالُهُ الدُّنْيَوِيَّةُ مِنْ أَخْبَارِهِ عَنْ أَحْوَالِهِ]

- ‌فصل (فَإِنْ قُلْتَ قَدْ تَقَرَّرَتْ عِصْمَتُهُ صَلَّى اللَّهُ تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَقْوَالِهِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ)

- ‌فصل (فَإِنْ قِيلَ فَمَا وَجْهُ حَدِيثِهِ أَيْضًا الَّذِي حدّثناه الفقيه أبو محمد الخشنيّ)

- ‌فصل (وأمّا أفعاله عليه الصلاة والسلام الدّنيويّة)

- ‌فصل [فَإِنْ قِيلَ فَمَا الْحِكْمَةُ فِي إِجْرَاءِ الْأَمْرَاضِ وشدتها عليه عليه الصلاة والسلام]

- ‌الْقِسْمُ الرَّابِعُ (فِي تَصَرُّفِ وُجُوهِ الْأَحْكَامِ فِيمَنْ تنقّصه أو سبّه عليه الصلاة والسلام

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ (فِي بَيَانِ مَا هُوَ فِي حقّه صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبٌّ أَوْ نَقْصٌ مِنْ تَعْرِيضٍ أو نصّ)

- ‌فصل (فِي الْحُجَّةِ فِي إِيجَابِ قَتْلِ مَنْ سَبَّهُ أو عابه صلى الله تعالى عليه وسلم)

- ‌فصل (فَإِنْ قُلْتَ فَلِمَ لَمْ يَقْتُلِ النَّبِيُّ صَلَّى الله تعالى عليه وسلم اليهوديّ الّذي قال له)

- ‌فصل (قَالَ الْقَاضِي تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي قَتْلِ الْقَاصِدِ لسبّه)

- ‌فصل [أن يقصد إلى تكذيبه فيما قاله إلى آخره]

- ‌فصل (الْوَجْهُ الرَّابِعُ أَنْ يَأْتِيَ مِنَ الْكَلَامِ بِمُجْمَلٍ)

- ‌فصل [أَنْ لَا يَقْصِدَ نَقْصًا وَلَا يَذْكُرَ عَيْبًا ولا سبا لكنه ينزع إلى آخره]

- ‌فصل [أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُ ذَلِكَ حَاكِيًا عَنْ غَيْرِهِ وآثرا عن سواه]

- ‌فصل [أن يذكر ما يجوز على النبي أو يختلف في جوازه عليه]

- ‌فصل (وَمِمَّا يَجِبُ عَلَى الْمُتَكَلِّمِ فِيمَا يَجُوزُ عَلَى النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم وما لا يجوز)

- ‌الْبَابُ الثَّانِي [فِي حُكْمِ سَابِّهِ وَشَانِئِهِ وَمُتَنَقِّصِهِ ومؤذيه]

- ‌فصل (إذا قلنا بالاستتابة حيث تصحّ)

- ‌فصل (هذا حكم من ثبت عليه ذلك)

- ‌فصل [هذا حكم المسلم]

- ‌فصل (فِي مِيرَاثِ مَنْ قُتِلَ فِي سَبِّ النَّبِيِّ صلى الله تعالى عليه وسلم وغسله والصلاة عليه)

- ‌الْبَابُ الثَّالِثُ (فِي حُكْمِ مَنْ سَبَّ اللَّهَ تعالى وملائكته وأنبياءه وكتبه وآل النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم وأزواجه وصحبه

- ‌فصل (وَأَمَّا مَنْ أَضَافَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مَا لَا يَلِيقُ بِهِ لَيْسَ عَلَى طَرِيقِ السَّبِّ)

- ‌فصل [فِي تَحْقِيقِ الْقَوْلِ فِي إِكْفَارِ الْمُتَأَوِّلِينَ قَدْ ذكرنا مذاهب السلف وإكفار أصحاب البدع والأهواء]

- ‌فصل (فِي بَيَانِ مَا هُوَ مِنَ الْمَقَالَاتِ كُفْرٌ وَمَا يُتَوَقَّفُ أَوْ يُخْتَلَفُ فِيهِ وَمَا لَيْسَ بكفر)

- ‌فصل [هَذَا حُكْمُ الْمُسْلِمِ السَّابِّ لِلَّهِ تَعَالَى وَأَمَّا الذمي الخ]

- ‌فصل [هَذَا حُكْمُ مَنْ صَرَّحَ بِسَبِّهِ وَإِضَافَةِ مَا لَا يَلِيقُ بِجَلَالِهِ وَإِلَهِيَّتِهِ فَأَمَّا مُفْتَرِي الْكَذِبِ الخ]

- ‌فصل (وأمّا من تكلّم من سقط القول)

- ‌فصل (وَحُكْمُ مَنْ سَبَّ سَائِرَ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وملائكته)

- ‌فصل (واعلم أن من استخفّ بالقرآن)

- ‌فصل [من سب آل بيته وأزواجه وأصحابه عليه الصلاة والسلام وتنقصهم حرام ملعون فاعله]

- ‌ نظم

- ‌فهرس محتويات الجزء الثاني من شرح الشفا

الفصل: ‌فصل [واعلم أن حرمة النبي بعد موته وتوقيره وتعظيمه لازم]

الله تعالى عليه وسلم ثبتوا وقاتلوا حتى يستشهدوا وقد ثبت طلحة يوم أحد وبذل جهده في القتال حتى شلت يده إذ وقى بها رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وذكر أنه أصيب في جسده بضعا وثمانين من بين طعن وضرب (وكانوا يهابونه ويوقّرونه) أي يعظمونه ولهذا ما كانوا بأنفسهم يسألونه وكان عليه الصلاة والسلام يتحمل من الأعراب ما لا يتحمل من الأصحاب (فسأله) أي الأعرابي (فأعرض عنه) أي عن جوابه ولم يلتفت إلى ما يتعلق ببابه (إذ طلع طلحة رضي الله تعالى عنه) أي الراوي (فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: هذا ممّن قضى نحبه) فكأنه الزم نفسه أن يصدق الله تعالى في قتل أعدائه في الحرب وقد وفى بعهده يوم أحد وقيل المراد بالنحب هو الموت فكأنه التزم أن يقاتل حتى يموت ففي الحديث إيماء إلى أنه سيموت شهيدا وفي الحلية أنه عليه الصلاة والسلام تلا على المنبر فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ فسأله رجل من هم فأقبل على طلحة بن عبيد الله وقال هذا منهم وفي تفسير ابن أبي حاتم أن عمارا منهم وهذا يحتمل التأويلين المتقدمين وفي تفسير يحيى بن سلام المغربي هم حمزة وأصحابه والظاهر أن المراد بهم شهداء أحد ولا يبعد أن يقال المراد بهم الشهداء والثابتون في مقابلة الأعداء واختار ابن الملقن المعنى الأول حيث قال والذي يظهر لي أنهم المقتولون معه صلى الله تعالى عليه وسلم انتهى وما قلناه هو الأتم والأعم والله تعالى أعلم وقد قتل طلحة رضي الله تعالى عنه في وقعة الجمل سنة ست وثلاثين ودفن بالبصرة قال الحلبي وفي الصحابة أربعة عشر غيره ممن يقال له طلحة (وفي حديث قيلة) بقاف مفتوحة فتحتية ساكنة بنت مخرمة العنبرية على ما رواه أبو داود في الأدب والترمذي في الشمائل (فلمّا رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم جالسا القرفصاء) بضم القاف والفاء أي جلسة المحتبي بيديه (أرعدت) أي اضطربت (من الفرق) بفتحتين أي الخوف والفزع (وَذَلِكَ هَيْبَةً لَهُ وَتَعْظِيمًا؛ وَفِي حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ) الذي رواه الحاكم في علوم الحديث والبيهقي في المدخل (كان أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقرعون) أي يضربون (بابه بالأظفار) وفي نسخة بالأظافير أي ضربا خفيفا ودقا لطيفا تعظيما وتكريما وتشريفا وفي حديث عمر رضي الله تعالى عنه أنه أخذ قدح سويق فشربه حتى قرع القدح جبينه أي ضربه والمعنى شربه جميعه (وقال البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه كما روى أبو يعلى لَقَدْ كُنْتُ أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله تعالى عليه وسلم عن الأمر فأؤخّر) وفي نسخة فأؤخره أي فأؤخر سؤاله (سنين) بصيغة التثنية وفي نسخة سنين بصيغة الجمع (من هيبته) أي من كمال هيبته وجلال عظمته صلى الله تعالى عليه وسلم.

‌فصل [واعلم أن حرمة النبي بعد موته وتوقيره وتعظيمه لازم]

(واعلم أن حرمة النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم بعد موته وتوقيره وتعظيمه) بنصبهما أي بعد وفاته (لازم) أي على كل مسلم (كما كان) أي ما ذكر واجبا (حال حياته) أي لأنه

ص: 71

الآن حي يرزق في علو درجاته ورفعة حالاته (وذلك) أي التعظيم والإكرام (عند ذكره صلى الله تعالى عليه وسلم وذكر حديثه) أي كلامه (وسنّته) أي وذكر طريقته (وسماع اسمه) الشريف وكذا نعته اللطيف (وسيرته) أي في جميع هيئاته من حركاته وسكناته (ومعاملة آله) أي أهل بيته (وعترته) بكسر أوله أي ذريته وقرابته (وتعظيم أهل بيته) أي من أزواجه وخدمته ومواليه (وصحابته) أي أهل صحبته (قال أبو إبراهيم) زيد في نسخة إسحاق (التّجيبيّ) بضم التاء وتفتح وبكسر الجيم (واجب على كلّ مؤمن متى ذكره) أي بنفسه (أو ذكر عنده) أي على لسان غيره (أن يخضع) أي ظاهرا (ويخشع) أي باطنا (ويتوقّر) أي يتكلف الوقار والرزانة في هيئته (ويسكن من حركته ويأخذ) أي يشرع ويسرع (في هيبته وإجلاله) أي في مقام تعظيمه وإكرامه (بما كان يأخذ به نفسه) أي يطلب منها (لو كان) أي فرضا (بين يديه) أي أمام عينيه (ويتأدّب) بالنصب أو الرفع (بما أدّبنا الله به) أي من وجوب تعظيمه وتكريمه وخفض الصوت ونحوه (قال القاضي أبو الفضل) يعني المصنف (وهذه) أي الطريقة المرضية (كانت سيرة سلفنا الصّالح) يروى الصالحين أي المتقدمين من الصحابة والتابعين (وأئمّتنا الماضين) أي العلماء العاملين (حَدَّثَنَا الْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَشْعَرِيُّ وَأَبُو الْقَاسِمِ أَحْمَدُ بْنُ بقيّ) بفتح موحدة وكسر قاف وتشديد تحتية (الحاكم وغير واحد) أي وكثيرون (فيما أجازونيه) هذا لغة في أجازوه لي (قالوا) أي كلهم (أخبرنا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ دِلْهَاثٍ) بكسر داله وسكون لامه ومثلثة في آخره (قال ثنا) أي حدثنا (أبو الحسن عليّ بن فهر) بكسر فاء فسكون هاء ثم راء (حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الفرج) بفتح الفاء والراء فجيم (حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُنْتَابِ) بضم ميم فسكون نون ففوقية (قال حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي إِسْرَائِيلَ حدّثنا ابن حميد) بالتصغير (قال ناظر) أي جادل وباحث (أبو جعفر) هذا هو المنصور عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس ثاني خلفاء بني العباس (أمير المؤمنين) اطلاق هذا عليه غير معروف بين المصنفين (مالكا) أي الإمام (في مسجد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم) أي ورفع صوته في كلامه معه (فقال له) أي مالك كما في أصل صحيح (يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَا تَرْفَعْ صَوْتَكَ فِي هذا المسجد) أي خصوصا لأنه بقرب قبره عليه الصلاة والسلام (فإنّ الله تعالى) وفي نسخة عز وجل (أدّب قوما) أي معظمين (فَقَالَ لَا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ [الحجرات: 2] الآية) أي وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (ومدح قوما) أي مكرمين (فَقَالَ: إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ)[الحجرات: 4] الآية) أي أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مغفرة وأجر عظيم (وذمّ قوما) أي من الأعراب (فقال إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ [الحجرات: 4] الآية) أي أكثرهم لا يعقلون (وإن حرمته ميتا) بالتشديد والتخفيف (كحرمته حيّا فاستكان لها أبو جعفر) أي خضع وخشع لمقالة مالك رحمه الله تعالى وفيه تنبيه نبيه على أنه يجب التأدب بين يدي العالم لما روي من أن الشيخ في قومه

ص: 72

كالنبي في أمته (وقال) أي أبو جعفر لمالك رحمه الله تعالى (يا أب عبد الله) بحذف الألف كتابة وإثباته قراءة (استقبل القبلة) استفهام استرشاد والتقدير استقبلها (وأدعو) أي الله سبحانه وتعالى بعد الزيارة (أم أستقبل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم؟ فقال) أي مالك (ولم تصرف وجهك عنه) أي عن رسولك (فهو) وفي نسخة صحيحة وهو أي والحال أنه (وسيلتك ووسيلة أبيك آدم عليه السلام أي وسائر الأنام (إلى الله تعالى يوم القيامة) أي كما يشير إليه قوله عليه الصلاة والسلام آدم ومن دونه تحت لوائي يوم القيامة (بل استقبله واستشفع به) أي اطلب شفاعته وسل وسيلته في قضاء مراداتك وأداء حاجاتك (فيشفّعك الله) بتشديد الفاء أي يقبل الله به شفاعتك لأمرك ولغيرك وفي نسخة فيشفعه أي فيقبل شفاعته في حقك ويعفو عن ذنبك بوسيلة نبيك (قال الله تعالى) أي مصدقا لذلك فيما قرره مالك (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ)[النِّسَاءِ: 64] الْآيَةَ بالمعصية (جاؤوك) أي للمعذرة والتوبة (الآية) يعني فاستغفرا الله أي بلسانهم وجنانهم واستغفر لهم الرسول فيه التفات عدل إليه تفخيما لشأنه صلى الله تعالى عليه وسلم لوجدوا الله أي لعلموه توابا رحيما أي منعوتا بهذين الوصفين حين تاب عليهم ورحمهم بعدم المؤاخذة على ما صدر منهم (وَقَالَ مَالِكٌ وَقَدْ سُئِلَ عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ) أي عن مقامه ومرتبته وهو بسين مفتوحة وتضم وبسكون معجمة فتحتية مكسورة نسبة لبيع السختيان وهو الجلد المدبوغ معرب وهو عنزي وقيل جهني مولاهم يروي عن ابن سيرين وجماعة وعنه شعبة وطائفة قال ابن علية كنا نقول عنه ألفي حديث وقال شعبة ما رأيت مثله كان سيد الفقهاء وحدث عن أم خالد بنت خالد واسمها آمنة وحديثه عنها في البخاري وقال في أثره ولم أسمع أحدا يقول قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أي من غير ذكر واسطة سوى أم خالد والجملة حالية معترضة بين القول ومقوله (ما حدّثتكم) أي ما رويت لكم حديثا (عن أحد) أي من اتباع التابعين (إلّا وأيوب أفضل منه، قال) أي مالك رحمه الله للدلالة على ذلك (وحجّ) أي أبو أيوب (حجّتين) أي مرتين (فكنت أرمقه) بضم ميم أي انظر إليه وأتأمل لديه (ولا أسمع منه) أي كلاما يكون عليه أولا أسمع منه حديثا يحدثني به (غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا ذُكِرَ النَّبِيُّ صَلَّى الله تعالى عليه وسلم بكى) الظاهر يبكي (حتّى أرحمه) أي من شدة بكائه وكثرة عنائه شوقا إليه صلى الله تعالى عليه وسلم (فلمّا رأيت منه ما رأيت) أي من حسن فعاله ما يقتضي بعض كماله (وإجلاله للنبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم كتبت عنه) أي الحديث ورويت عنه العلم (وقال مصعب بن عبد الله) أي ابن مصعب بن ثابت الزبيري يروي عن مالك وغيره وعنه الشيخان وغيرهما (كَانَ مَالِكٌ إِذَا ذُكِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ تعالى عليه وسلم) وفي نسخة بصيغة المفعول وهو يشمل ما ذكره وذكره غيره عنده ويؤيده أن في نسخة فإذا ذكر عنده النبي صلى الله تعالى عليه وسلم (يتغيّر لونه وينحني) أي يميل ظهرة (حتّى يصعب) بضم العين أي يشتد (ذلك على جلسائه) أي من أجل مشاهدة شدة عنائه (فقيل له يوما في ذلك) أي في تهوين

ص: 73

الأمر على نفسه هنالك (فقال لو رأيتم ما رأيت) أي لو عرفتم ما عرفت من جلال مقامه وجمال مرامه (لما أنكرتم عليّ ما ترون) أي ما تبصرون من اضطراب حالي وتغير مقالي ولا يبعد أن يكون المعنى لو أبصرتم ما أبصرت من مشاهدة جماله ومطالعة جلاله في مقام مكاشفة كماله (ولقد كنت أرى محمّد بن المنكدر) أي التميمي المدني الحافظ يروي عن أبيه وعائشة وأبي هريرة وهو مرسل قاله ابن معين وأبو زرعة وعن أبي قتادة قال العلائي والظاهر أن ذلك مرسل وعن أبي أيوب وجابر وعنه شعبة ومالك والسفيانان إمام مسن له بكاء وتوفي سنة ثلاثين ومائة (وكان سيّد القرّاء) جملة معترضة (لا نكاد نسأله عن حديث أبدا) أي قط (إلّا يبكي) من لوعة الاحتراق بلذعة الافتراق (حتّى نرحمه) من كثرة بكائه وشدة عنائه (ولقد كنت أرى جعفر بن محمّد) أي الصادق كما في نسخة وهو بالنصب لقب جعفر ولقب أبيه الباقر وهو ابن زين العابدين بن علي بن الحسين بن علي رضي الله تعالى عنهم (وكان كثير الدّعابة) بضم الدال المهملة أي المزاح (والتّبسّم) يعني لكمال خلقه وجمال خلقه والجملة معترضة (فإذا ذكر عنده النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم اصفرّ) بتشديد الراء أي تغير لونه وتحول كونه (وَمَا رَأَيْتُهُ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله تعالى عليه وسلم إلّا على طهارة، ولقد اختلفت) أي ترددت (إليه زمانا) أي كثيرا (فما كنت أراه) أي أشاهده (إلّا على ثلاث خصال) أي احدى حالات ثلاث (إمّا مصلّيا وإمّا صامتا) أي ساكتا متفكرا (وإمّا يقرأ القرآن) كان الأولى أن يقول وإما قارئا للقرآن (ولا يتكلّم فيما لا يعنيه) بفتح الياء وكسر النون أي ينفعه في دينه عملا بقوله تعالى الَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وامتثالا لقوله عليه الصلاة والسلام من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه (وكان) أي الإمام جعفر الصادق (من العلماء والعبّاد) أي ممن جمع بين العلم والعمل وترك الهوى وطول الأمل (الّذين يخشون الله) أي يخافون عقوبته ويهابون عظمته (عزّ) أي شأنه وسلطانه (وجلّ) أي برهانه سبحانه وتعالى (ولقد كان عبد الرحمن بن القاسم) أي ابن محمد بن أبي بكر الصديق التيمي ولد زمن عائشة رضي الله تعالى عنها وسمع أباه وابن المسيب وعنه شعبة ومالك وابن عيينة ثقة ورع مكثر إمام قال ابن عيينة كان أفضل زمانه وكذلك أبوه وقد توفي بالمدينة سنة ست وعشرين ومائة (يذكر النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم فينظر إلى لونه) بصيغة المفعول (كأنّه نزف) بضم النون وكسر الزاء أي سال (منه الدّم) ولم يبق منه شيء وهو كناية عن اصفرار وجهه وضعف بدنه (وقد جفّ لسانه) بفتح الجيم وتشديد الفاء أي يبس (في فمه) أي فلم يطق على تمام كلامه من كمال إكرامه واحترامه (هيبة لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم) أي إعظاما لمقامه (ولقد كنت آتي) أي أجيء (عامر بن عبد الله بن الزّبير) أي ابن العوام العابد الكبير القدر سمع أباه وجماعة وعنه مالك وطائفة قال ابن عيينة اشترى نفسه من الله تعالى ست مرات توفي بعد عشرين ومائة (فإذا ذكر عنده النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم بكى) أي كثيرا (حَتَّى لَا يَبْقَى فِي

ص: 74