المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل (في الكلام على الأحاديث المذكور فيها السهو - شرح الشفا - جـ ٢

[الملا على القاري]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثّاني

- ‌[المقدمة]

- ‌(الْقِسْمُ الثَّانِي فِيمَا يَجِبُ عَلَى الْأَنَامِ مِنْ حقوقه صلى الله تعالى عليه وسلم)

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ [فِي فَرْضِ الْإِيمَانِ بِهِ وَوُجُوبِ طاعته واتّباع سنّته]

- ‌فصل [وَأَمَّا وُجُوبُ طَاعَتِهِ فَإِذَا وَجَبَ الْإِيمَانُ بِهِ وتصديقه فيما جاء به]

- ‌فصل [وَأَمَّا وُجُوبُ اتِّبَاعِهِ وَامْتِثَالُ سُنَّتِهِ وَالِاقْتِدَاءُ بِهَدْيِهِ]

- ‌فصل [وأما وَرَدَ عَنِ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ مِنِ اتِّبَاعِ سُنَّتِهِ]

- ‌فصل [وَمُخَالَفَةُ أَمْرِهِ وَتَبْدِيلُ سُنَّتِهِ ضَلَالٌ وَبِدْعَةٌ مُتَوَعَّدٌ من الله تعالى عليه بالخذلان والعذاب]

- ‌الباب الثاني [في لزوم محبته عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [في ثواب محبته صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [فِيمَا رُوِيَ عَنِ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ مِنْ مَحَبَّتِهِمْ للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [في علامات محبته صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [في معنى المحبة للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم وحقيقتها]

- ‌فصل [في وجوب مناصحته صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌الْبَابُ الثَّالِثُ [فِي تَعْظِيمِ أَمْرِهِ وَوُجُوبِ تَوْقِيرِهِ وبره]

- ‌فصل [في عادة الصحابة في تعظيمه عليه الصلاة والسلام وتوقيره وإجلاله]

- ‌فصل [واعلم أن حرمة النبي بعد موته وتوقيره وتعظيمه لازم]

- ‌فصل [فِي سِيرَةِ السَّلَفِ فِي تَعْظِيمِ رِوَايَةِ حَدِيثِ رسول الله وسنته عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [ومن توقيره صلى الله تعالى عليه وسلم وبره بر آله]

- ‌فصل [ومن توقيره وبره توقير أصحابه عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [ومن إعظامه وإكباره إعظام جميع أسبابه]

- ‌الباب الرابع [في حكم الصلاة عليه صلى الله تعالى عليه وسلم والتسليم]

- ‌فصل [اعلم أن الصلاة على النبي فرض في الجملة]

- ‌فصل [في المواطن التي تستحب فيها الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ويرغب فيها]

- ‌فصل [في كيفية الصلاة عليه والتسليم]

- ‌فصل (في فضيلة الصلاة على النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم والتسليم عليه والدّعاء له)

- ‌فصل (فِي ذَمِّ مَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله تعالى عليه وسلم وإثمه)

- ‌فصل [في تخصيصه عليه الصلاة والسلام بتبليغ صلاة من صلى عليه صلاة أو سلم من الأنام]

- ‌فصل (فِي الِاخْتِلَافِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى غَيْرِ النَّبِيِّ صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

- ‌فصل (فِي حُكْمِ زِيَارَةِ قَبْرِهِ صلى الله عليه وسلم وَفَضِيلَةِ مَنْ زَارَهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ

- ‌فصل (فِيمَا يَلْزَمُ مَنْ دَخَلَ مَسْجِدَ النَّبِيِّ صَلَّى الله تعالى عليه وسلم من الأدب)

- ‌الْقِسْمُ الثَّالِثُ [فِيمَا يَجِبُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تعالى عليه وسلم وما يستحيل في حقه وما يمتنع]

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ (فِيمَا يَخْتَصُّ بِالْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ وَالْكَلَامُ فِي عِصْمَةِ نَبِيِّنَا عليه الصلاة والسلام وَسَائِرِ الأنبياء صلوات الله عليهم

- ‌فصل (فِي حُكْمِ عَقْدِ قَلْبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تعالى عليه وسلم)

- ‌فصل (وأمّا عصمتهم من هذا الفنّ)

- ‌فصل [قال القاضي أبو الفضل قد بان مما قدمناه عقود الأنبياء في التوحيد والإيمان]

- ‌فصل [وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ مُجْمِعَةٌ عَلَى عِصْمَةِ النَّبِيِّ من الشيطان إلى آخره]

- ‌فصل [وأما قوله صلى الله تعالى عليه وسلم فقامت الدلائل إلى آخره]

- ‌فصل [وقد توجهت ههنا لبعض الطاعنين سؤالات]

- ‌فصل [فصل هذا القول فيما طريقه البلاغ]

- ‌فصل (فإن قلت فما معنى قوله عليه الصلاة والسلام في حديث السّهو)

- ‌فصل (وأمّا ما يتعلّق بالجوارح)

- ‌فصل [وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي عِصْمَتِهِمْ مِنَ الْمَعَاصِي قَبْلَ النبوة]

- ‌فصل [هَذَا حُكْمُ مَا تَكُونُ الْمُخَالَفَةُ فِيهِ مِنَ الْأَعْمَالِ عَنْ قَصْدٍ وَهُوَ مَا يُسَمَّى مَعْصِيَةً ويدخل تحت التكليف]

- ‌فصل (فِي الْكَلَامِ عَلَى الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورِ فِيهَا السَّهْوُ

- ‌فصل (فِي الرَّدِّ عَلَى مَنْ أَجَازَ عَلَيْهِمُ الصَّغَائِرَ

- ‌فصل (فَإِنْ قُلْتَ فَإِذَا نَفَيْتَ عَنْهُمْ صَلَوَاتُ اللَّهِ عليهم الذّنوب)

- ‌فصل [قد استبان لك أيها الناظر بما قررناه ما هو الحق من عصمته عليه السلام]

- ‌فصل (في القول في عصمة الملائكة)

- ‌الْبَابُ الثَّانِي [فِيمَا يَخُصُّهُمْ فِي الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ]

- ‌فصل [فَإِنْ قُلْتَ فَقَدْ جَاءَتِ الْأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام سحر]

- ‌فصل [هذا حاله عليه الصلاة والسلام في جسمه]

- ‌فصل [وَأَمَّا مَا يَعْتَقِدُهُ فِي أُمُورِ أَحْكَامِ الْبَشَرِ إلى آخره]

- ‌فصل [وَأَمَّا أَقْوَالُهُ الدُّنْيَوِيَّةُ مِنْ أَخْبَارِهِ عَنْ أَحْوَالِهِ]

- ‌فصل (فَإِنْ قُلْتَ قَدْ تَقَرَّرَتْ عِصْمَتُهُ صَلَّى اللَّهُ تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَقْوَالِهِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ)

- ‌فصل (فَإِنْ قِيلَ فَمَا وَجْهُ حَدِيثِهِ أَيْضًا الَّذِي حدّثناه الفقيه أبو محمد الخشنيّ)

- ‌فصل (وأمّا أفعاله عليه الصلاة والسلام الدّنيويّة)

- ‌فصل [فَإِنْ قِيلَ فَمَا الْحِكْمَةُ فِي إِجْرَاءِ الْأَمْرَاضِ وشدتها عليه عليه الصلاة والسلام]

- ‌الْقِسْمُ الرَّابِعُ (فِي تَصَرُّفِ وُجُوهِ الْأَحْكَامِ فِيمَنْ تنقّصه أو سبّه عليه الصلاة والسلام

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ (فِي بَيَانِ مَا هُوَ فِي حقّه صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبٌّ أَوْ نَقْصٌ مِنْ تَعْرِيضٍ أو نصّ)

- ‌فصل (فِي الْحُجَّةِ فِي إِيجَابِ قَتْلِ مَنْ سَبَّهُ أو عابه صلى الله تعالى عليه وسلم)

- ‌فصل (فَإِنْ قُلْتَ فَلِمَ لَمْ يَقْتُلِ النَّبِيُّ صَلَّى الله تعالى عليه وسلم اليهوديّ الّذي قال له)

- ‌فصل (قَالَ الْقَاضِي تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي قَتْلِ الْقَاصِدِ لسبّه)

- ‌فصل [أن يقصد إلى تكذيبه فيما قاله إلى آخره]

- ‌فصل (الْوَجْهُ الرَّابِعُ أَنْ يَأْتِيَ مِنَ الْكَلَامِ بِمُجْمَلٍ)

- ‌فصل [أَنْ لَا يَقْصِدَ نَقْصًا وَلَا يَذْكُرَ عَيْبًا ولا سبا لكنه ينزع إلى آخره]

- ‌فصل [أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُ ذَلِكَ حَاكِيًا عَنْ غَيْرِهِ وآثرا عن سواه]

- ‌فصل [أن يذكر ما يجوز على النبي أو يختلف في جوازه عليه]

- ‌فصل (وَمِمَّا يَجِبُ عَلَى الْمُتَكَلِّمِ فِيمَا يَجُوزُ عَلَى النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم وما لا يجوز)

- ‌الْبَابُ الثَّانِي [فِي حُكْمِ سَابِّهِ وَشَانِئِهِ وَمُتَنَقِّصِهِ ومؤذيه]

- ‌فصل (إذا قلنا بالاستتابة حيث تصحّ)

- ‌فصل (هذا حكم من ثبت عليه ذلك)

- ‌فصل [هذا حكم المسلم]

- ‌فصل (فِي مِيرَاثِ مَنْ قُتِلَ فِي سَبِّ النَّبِيِّ صلى الله تعالى عليه وسلم وغسله والصلاة عليه)

- ‌الْبَابُ الثَّالِثُ (فِي حُكْمِ مَنْ سَبَّ اللَّهَ تعالى وملائكته وأنبياءه وكتبه وآل النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم وأزواجه وصحبه

- ‌فصل (وَأَمَّا مَنْ أَضَافَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مَا لَا يَلِيقُ بِهِ لَيْسَ عَلَى طَرِيقِ السَّبِّ)

- ‌فصل [فِي تَحْقِيقِ الْقَوْلِ فِي إِكْفَارِ الْمُتَأَوِّلِينَ قَدْ ذكرنا مذاهب السلف وإكفار أصحاب البدع والأهواء]

- ‌فصل (فِي بَيَانِ مَا هُوَ مِنَ الْمَقَالَاتِ كُفْرٌ وَمَا يُتَوَقَّفُ أَوْ يُخْتَلَفُ فِيهِ وَمَا لَيْسَ بكفر)

- ‌فصل [هَذَا حُكْمُ الْمُسْلِمِ السَّابِّ لِلَّهِ تَعَالَى وَأَمَّا الذمي الخ]

- ‌فصل [هَذَا حُكْمُ مَنْ صَرَّحَ بِسَبِّهِ وَإِضَافَةِ مَا لَا يَلِيقُ بِجَلَالِهِ وَإِلَهِيَّتِهِ فَأَمَّا مُفْتَرِي الْكَذِبِ الخ]

- ‌فصل (وأمّا من تكلّم من سقط القول)

- ‌فصل (وَحُكْمُ مَنْ سَبَّ سَائِرَ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وملائكته)

- ‌فصل (واعلم أن من استخفّ بالقرآن)

- ‌فصل [من سب آل بيته وأزواجه وأصحابه عليه الصلاة والسلام وتنقصهم حرام ملعون فاعله]

- ‌ نظم

- ‌فهرس محتويات الجزء الثاني من شرح الشفا

الفصل: ‌فصل (في الكلام على الأحاديث المذكور فيها السهو

‌فصل (فِي الْكَلَامِ عَلَى الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورِ فِيهَا السَّهْوُ

منه صلى الله تعالى عليه وسلم وقد قدّمنا في الفصول) السابقة ويروى في الفصل أي الذي تقدم (قبل هذا) الفصل (ما يجوز فيه عليه الصلاة والسلام عليه السّهو) من الأفعال والأحوال السنية (وما يمتنع) فيه عليه السهو من الأفعال البلاغية والأحكام الشرعية (وأحلناه) أي وجعلنا وقوع السهو محالا (في الأخبار) بفتح الهمزة أو كسرها (جملة) أي من غير تفرقة بين كونها دينية أو دنيوية، (أو أجزنا وقوعه) أي وجوزنا وقوع السهو (في الأفعال الدّينيّة) لعدم مناقضته حكم المعجزة وعدم مباينته وجه النبوة (قطعا؛ في الأفعال الذي عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي رَتَّبْنَاهُ وَأَشَرْنَا إِلَى مَا ورد في ذلك) كما بيناه من حكمة أن كونه مع قلته إنما يقع سببا لإفادة علم لأمته وتقرير حكم لملته (ونحن نبسط القول فيه) أي في هذا الفصل (وَنَقُولُ الصَّحِيحُ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي سَهْوِهِ عليه الصلاة والسلام فِي الصَّلَاةِ ثَلَاثَةُ أَحَادِيثَ: أَوَّلُهَا حَدِيثُ ذِي اليدين) كما رواه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه (في السّلام) أي سلامه عليه الصلاة والسلام (من اثنتين) أي ركعتين في إحدى صلاتي العشي الظهر أو العصر فقال ذو اليدين يا رسول الله أنسيت أم قصرت الصلاة قال لم أنس ولم تقصر فقال أكما يقول ذو اليدين قالوا نعم فأتم ثم سلم ثم كبر وسجد ثم رفع قال ابن سيرين نبئت أن عمران بن حصين قال ثم سلم؛ (الثّاني حديث ابن بحينة) بضم موحدة وفتح مهملة وسكون تحتية فنون فتاء وهي أم عبد الله زوج مالك مطلبية قرشية ابن القشب بكسر القاف وإسكان الشين المعجمة فموحدة الأزدي ويقال الأسدي قال النووي الأزد والأسد بإسكان الزاء والسين قبيلة واحدة وهما اسمان مترادفان لها وهما أزد شنوءة وعبد الله هذا كان حليفا لبني المطلب بن عبد مناف قال بعض الحفاظ اسلم عبد الله بن مالك هو وأبوه وصحبا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وأنكر الدمياطي في حاشيته على صحيح البخاري أن يكون لمالك والد عبد الله هذا صحبة أو رواية أو إسلام وإنما ذلك لعبد الله قال الذهبي في تجريده ما لفظه مالك بن بحينة والد عبد الله ورد عنه حديث وصوابه لعبد الله وقال المزي في أطرافه ومن مسند مالك بن بحينة إن كان محفوظا عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم حديث أصلي الصبح أربعا وحديث السهو في الصلاة في مسند عبد الله بن مالك ابن بحينة انتهى وفي الكاشف مالك بن بحينة الصحابي له في السهو وعنه ابن حبان قال النسائي هذا خطأ والصواب عبد الله بن مالك كذا ذكره الحلبي وبهذا تبين خطأ الدلجي حيث جزم بقوله الثاني حديث الشيخين عن مالك بن عبد الله بن بحينة (في القيام) أي قيامه عليه الصلاة والسلام (من اثنتين) أي ركعتين سهوا قال الأنطاكي وحديثه في السهو هو ما روي عنه أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قام في صلاة الظهر وعليه جلوس وفي رواية قام في الشفع الذي يريد يجلس فلما أتم صلاته سجد سجدتين الحديث؛ (الثالث

ص: 271

حديث ابن مسعود رضي الله عنه في الصحيحين (أنّ النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم صلّى الظّهر خمسا) قال القاضي المصنف في الاكمال قال الإمام أحاديث السهو كثيرة الصحيح منها خمسة أحاديث حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه سجد سجدتين وحديث أبي سعيد سجد قبل السلام وحديث ابن مسعود في القيام إلى خامسة وحديث ذي اليدين في السلام من اثنتين وحديث ابن بحينة في القيام من اثنتين، (وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى السَّهْوِ فِي الْفِعْلِ الذي قرّرناه) أي لا في الأخبار الذي حررناه؛ (وحكمة الله فيه) أي في سهوه في فعله (ليستنّ به) على بناء المفعول أي ليقتدى به في أمره (إذ البلاغ بالفعل أجلى) بالجيم أي أظهر وأرفع وفي نسخة بالحاء أي أحسن وأوقع (منه بالقول وأرفع للاحتمال) أي ادفع له عند بعضهم خلافا لغيرهم كما قدمناه ولعل الأظهر في حكمته أن يكون تسلية لأمته في مشاركتهم معه في سيرته وطريقته وأحوال بشريته كما أشار إليه بقوله إنما أنا بشر أنسى كما تنسون (وشرطه) أي السهو في حقه بخصوصه للأمر بالاقتداء في فعله كقوله (أنّه لا يقرّ) وفي نسخة لا يقرر بصيغة المجهول فيهما أي لا يبقى ولا يترك (على السّهو) أي زمانا يمكن أن يقتدى به في ذلك الأمر (بل يشعر به) بصيغة المفعول أي بل يعرف وبينه (ليرتفع الالتباس وتظهر فائدة الحكمة فيه) للناس (كما قدّمناه) في مقام الإيناس (وأن النّسيان) أي بأصله (والسّهو) أي المترتب عليه بفرعه (في الفعل في حقّه صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ مُضَادٍّ لِلْمُعْجِزَةِ وَلَا قَادِحٍ في التّصديق) بالرسالة وقد مر بيان تحقيق هذه المقالة، (وقد قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه الشيخان (إنّما أنا بشر أنسى كما تنسون) كما يشير إليه قوله تعالى فَلا تَنْسى إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ وقوله عز وجل وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ (فإذا نسيت) أي آية (فذكّروني) أو المعنى إذا نسيت وفعلت شيئا غير ما تعرفون من شريعتي فأعلموني (وقال) كما رواه الشيخان عن عائشة رضي الله تعالى عنها مرفوعا (رحم الله فلانا) كناية عن رجل (لَقَدْ أَذْكَرَنِي كَذَا وَكَذَا آيَةً كُنْتُ أُسْقِطُهُنَّ) أي تركتهن نسيانا (ويروى أنسيتهنّ) بصيغة المجهول وذكر التلمساني عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم سمع رجلا يقرأ من الليل فقال يرحمه الله لقد أذكرني كذا وكذا آية الحديث انتهى وقال النووي عن الخطيب البغدادي أن فلانا الهم هنا هو عبد الله بن يزيد الخطمي الأنصاري انتهى ووقع بعد هذا الحديث في البخاري وزاد عباد بن عبد الله عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت تهجد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم في بيتي فسمعت صوت عباد فأعلمته وهو عباد بن بشر كما نقله ابن الملقن في شرح البخاري عن ابن التين قال الحلبي ورأيت في نسخة صحيحة من شرح البخاري في الشهادات فسمع صوت عباد بن تميم المنسوب إلى العلامة الفربري (وقد قال عليه الصلاة والسلام كما في الموطأ بلاغا (إنّي لأنسى) بفتح اللام والهمزة والسين (أو أنسّى) بصيغة المجهول مشددا ويجوز مخففا (لأسنّ) بضم سين وتشديد نون أي لأبين ما يترتب على السهو من الحكم (قيل هذا اللّفظ شكّ من الرّاوي) فأو للترديد ولا يبعد أن تكون

ص: 272

للتنويع فإن النسيان قد يكون لغفلة من جانب الإنسان وقد يكون لحكمة من جانب الرحمن (وقد روي إنّي لا أنسى) أي غالبا أو على وجه التقصير (ولكن أنسّى) بحسب التقدير (لأسنّ) في مقام التقرير (وذهب ابن نافع) بنون في أوله قال التلمساني هو عبد الله بن صانع وفي نسخة ابن رافع وفي أخرى ابن قانع (وعيسى بن دينار) هو الطيطلي تفقه بابن القاسم جمع بين الفقه والزهد قال أبو إسحاق في طبقات الفقهاء صلى أربعين سنة الصبح بوضوء العشاء الآخرة وشيعه ابن القاسم فراسخ عند انصرافه عنه فعوتب في ذلك فقال أتلومونني إن شيعت رجلا لم يخلف بعده أفقه منه مات سنة اثني عشرة ومائتين (أنّه) أي حديث لأنسى أو أنسى (ليس بشكّ وأن معناه التّقسيم) يعني التنويع (أي أنسى أنا أو ينسيني الله) لورود نسبته عليه الصلاة والسلام النسيان إلى نفسه تارة نظرا إلى مقام الفرق وإلى ربه أخرى إشارة إلى مقام الجمع إيماء إلى قوله تعالى وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى وردا على القدرية والجبرية وإثباتا للقدرة الجزئية كما هو مذهب أهل السنة السنية؛ (قال القاضي أبو الوليد الباجي) بالموحدة والجيم (يحتمل ما قالاه) أي ابن نافع وابن دينار (أن يريد) أي النبي عليه الصلاة والسلام (أنّي أنسى) بالبناء للفاعل (في اليقظة) لتأتي السهو فيها اختيارا (وأنسّى) بالبناء للمفعول (في النّوم) لتأتيه فيه اضطرارا وفيه أن قلبه عليه الصلاة والسلام كان لا ينام فحاله نوما أو يقظة سواء في مراتب الأحكام للأحكام (أو أنسى) بصيغة الفاعل (عَلَى سَبِيلِ عَادَةِ الْبَشَرِ مِنَ الذُّهُولِ عَنِ الشّيء والسّهو) أي الغفلة الناشئة عن شغل البال وتشتت الحال (وأنسّى) بصيغة المفعول (مع إقبالي عليه وتفرّغي له) أي فراغ خاطري إليه (فَأَضَافَ أَحَدَ النِّسْيَانَيْنِ إِلَى نَفْسِهِ إِذْ كَانَ له بعض السّبب فيه) وهو تسبب اختيار بمباشرته في تحصيل معالجته (ونفى الآخر عن نفسه) وفي نسخة من نفسه (إذ هو فيه) باعتبار مباديه البعيدة ومجاريه (كالمضطرّ) إليه لأنه قدر في الأزل عليه أن يصدر منه بكسبه لديه فهو مضطر في صورة مختار وربك يخلق ما يشاء ويختار وفي السنة أهل الحكمة قال الجدار للوتد مالك تشقني فقال سل من يدقني؛ (وذهبت طائفة من أصحاب المعاني) وهم بعض الصوفية من أرباب المعالي (والكلام على الحديث) أي وذوي التكلم على حديث سهوه وما يتعلق به من تحقيق المباني (إلى أنّ النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كان يسهو في الصّلاة) فيترك منها ما ليس عنعلم به (ولا ينسى) فيها (لأنّ النّسيان ذهول وغفلة وآفة) أي عاهة مؤدية إلى زوال المدرك من القوة المدركة والحافظة بما يستولي على القلب ويغشاه مما يحجبه عن عبادة الرب (قال) أي ذلك البعض (والنّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم منزّه عنها) أي مبعد عن الغفلة مما يؤدي إلى المنقصة (والسّهو شغل) بذهول لا ينتهي إلى زواله من الحافظة في أحواله (فكان صلى الله تعالى عليه وسلم يسهو في صلاته) أي لا عنها (وَيُشْغِلُهُ عَنْ حَرَكَاتِ الصَّلَاةِ مَا فِي الصَّلَاةِ شغلا بها لا غفلة عنها) فلا يتركها عن علم فيها مبال بها ولا يخرجها عن وقتها بشهادة فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ أي غافلون (واحتجّ) أي

ص: 273

ذلك البعض (بِقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى إِنِّي لَا أَنْسَى) بصيغة النفي وفي نسخة زيادة ولكن أنسى وحاصله أن النسيان المذموم المنتسب إلى تقصير الإنسان منفي عنه صلى الله تعالى عليه وسلم بخلاف ما خلقه تعالى فيه اضطرارا لحكمة الهية كما تقدم والله تعالى اعلم (وذهبت طائفة أخرى) وهم بعض الصوفية (إلى منع هذا) أي ما ذكر من السهو والنسيان (كلّه) أي عنه كما في نسخة (وقالوا: إنّ سهوه عليه الصلاة السّلام كان عمدا وقصدا ليسنّ) بصيغة الفاعل أو المفعول (وهذا قول مرغوب عنه) أي مردود في الموارد (متناقض المقاصد) لمناقضة السهو للعمد (لا يحلى) بالحاء المهملة على صيغة المفعول أي لا يظفر (منه بطائل) أي بنفع حاصل يقال هذا الامر لم يحل منه بطائل إذا لم يكن فيه فائدة وقد صرح الجوهري بأنه لا يتكلم به إلا في الجحد وقد أتى به المؤلف في صورة النفي ولعله يسوغ أيضا أو وقع سهوا في القلم والله سبحانه وتعالى اعلم (لِأَنَّهُ كَيْفَ يَكُونُ مُتَعَمِّدًا سَاهِيًا فِي حَالٍ) أي واحد وزمان متحد (وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي قَوْلِهِمْ إِنَّهُ أُمِرَ) أي أمره الله تعالى (بتعمّد صورة النّسيان) وهو بصيغة المصدر بعد باء التعدية وروي أنه يتعمد بصيغة المضارع (ليسنّ لقوله: «إنّي لأنسى أو أنسّى) وفي نسخة زيادة لأسن وهو بالوجهين على ما سبق (وقد أثبت) أي النبي عليه الصلاة والسلام ويروى فقد أثبت (أحد الوصفين) وهو النسيان من قبل نفسه أو الإنساء من قبل ربه (ونفى مناقضة) بالإضافة إلى الضمير (العمد والقصد) فلا يصح إثبات العمد والقصد له عليه الصلاة والسلام ويروى مُنَاقَضَةَ التَّعَمُّدِ وَالْقَصْدِ (وَقَالَ «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مثلكم أنسى كما تنسون» ) وفي رواية فإذا نسيت فذكروني (وقد مال إلى هذا) أي القول بأنه أمر يتعمد النسيان (عظيم من المحقّقين من أئمّتنا) يعني المالكية (وهو أبو المظفّر) ويروى أبو المطهر (الاسفراييني ولم يرتضه) بالضمير أو بهاء السكت أي ولم يختره (غيره منهم) أي من المالكية وغيرهم (ولا أرتضيه) يعني أنا (أيضا) لظهور تناقضه ووضوح تعارضه وقال النووي بعد ما حكى هذا القول عن بعض الصوفية وهذا لم يقل به أحد ممن يقتدى به إلا الاستاد أبو المظفر الإسفراييني فإنه مال إليه ورجحه وهو ضعيف متناقض (ولا حجّة لهاتين الطّائفتين) أي القائلة بأنه عليه الصلاة والسلام كان يسهو في صلاته ولا ينسى والقائلة بأن سهوه كان عمدا أو قصدا (في قوله إنّي لا أنسى) بصيغة النفي على بناء الفاعل (ولكن أنسّى) بصيغة المفعول (إذ ليس فيه نفي حكم النّسيان) بالإضافة البيانية (بالجملة) أي بالكلية (وإنّما فيه نفي لفظه) أي مبناه المشعر بعدم التفاته إليه (وكراهة لقبه) أي وصفه الذي يحمل عليه (كقوله) صلى الله تعالى عليه وسلم (بِئْسَمَا لِأَحَدِكُمْ أَنْ يَقُولَ نَسِيتُ آيَةَ كَذَا) لاعترافه بدخوله تحت وعيد ظاهر قوله سبحانه كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى (ولكن نسّي) مشددا أي أنساه الله من غير تقصير إياه لعارض أو مرض ورواه أبو عبيد بلفظ بئسما لأحدكم أن يقول نسبت آية كيت وكيت ليس هو نسي ولكنه نسي وهو أبين من الأول وقد رواه أحمد والشيخان والترمذي والنسائي عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه مرفوعا بلفظ بئسما لأحدكم أن يقول

ص: 274

نسيت آية كيت وكيت بل هو نسي ويمكن أنه كره نسبة النسيان إلى النفس لأنه تعالى هو الذي انساه لاستناد الحوادث كلها إليه أو لأن النسيان مبناه الترك فكره له أن يقول تركت القرآن أو قصدت إلى نسيانه ولم يكن باختياره إياه يقال انساه الله ونساه والحاصل أن اختلاف النفي والاثبات باعتبار لفظه ومبناه لتفاوت فحوى الكلام ومقتضاه باعتبار معناه (أو نفي الغفلة) عن ربه (وَقِلَّةِ الِاهْتِمَامِ بِأَمْرِ الصَّلَاةِ عَنْ قَلْبِهِ لَكِنْ شغل بها عنها) أي بالصلاة عن الصلاة يعني بفعل بعضها عن فعل بعضها (ونسي بعضها ببعضها) أي بعض الصلاة ببعض الغفلة عنها ليبين للساهي فيها ما يجبرها بتركه شيئا منها (كما ترك الصّلاة) على ما رواه الشيخان (يوم الخندق) أي زمان حفر الخندق وهي غزوة الأحزاب وكانت في السنة الخامسة بعد الهجرة في شهر شوال منها (حَتَّى خَرَجَ وَقْتُهَا وَشُغِلَ بِالتَّحَرُّزِ مِنَ الْعَدُوِّ عنها) أي عن الصلاة (فشغل بطاعة) أي العليا وهي حراسة المدينة (عن طاعة) وهي أداء الصلاة الوسطى لما ورد شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله قلوبهم وقبورهم نارا (وَقِيلَ إِنَّ الَّذِي تُرِكَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ أَرْبَعُ صلوات) بالرفع على أنه خبر ان ثم أبدل منه بقوله (الظّهر، والعصر، والمغرب، والعشاء) وهذا على قول الكوفيين وأما على ما قاله سيبويه فيكون أعمال ترك وهو الثاني فيكون أربع منصوبا ذكره الحلبي ولعل الواقعة تعددت في الغزوة؛ (وَبِهِ احْتَجَّ مَنْ ذَهَبَ إِلَى جَوَازِ تَأْخِيرِ الصّلاة) أي إلى أن يخرج وقتها (فِي الْخَوْفِ إِذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ أَدَائِهَا إِلَى وَقْتِ الْأَمْنِ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّامِيِّينَ وَالصَّحِيحُ أَنَّ حُكْمَ صَلَاةِ الْخَوْفِ كَانَ بَعْدَ هَذَا فهو ناسخ له) ولا يبعد أن يقال إنما كان ناسخا إذا كان قادرا على التمكن من ادائها بصلاة الخوف بخلاف ما إذا لم يتمكن من أدائها كما إذا كان العدو من كل جانب محاصرا على ما وقع في الاحزاب والله تعالى اعلم بالصواب. (فَإِنْ قُلْتَ فَمَا تَقُولُ فِي نَوْمِهِ صَلَّى الله تعالى عليه وسلم عن الصّلاة يوم الوادي) كما رواه البخاري وقد قيل هو وادي ضحيان وهو موضع بجوار مكة وروي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم حين قفل من خيبر سار ليلة حتى إذا أدركه الكرى عرس ونام هو وأصحابه فلم يستيقظ أحد من أصحابه حتى ضربتهم الشمس فكان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أولهم استيقاظا فقال اقتادوا يعني سوقوا رواحلكم فاقتادوا رواحلهم شيئا ثم توضأ رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وأمر بلالا فأقام الصلاة فصلى بهم الصبح (وقد قال) عليه الصلاة والسلام (إنّ عينيّ تنامان ولا ينام قلبي) قال النووي هذا من خصائص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام انتهى والجملة اعتراض بين السؤال وجوابه ورد حالا افاد أن قلبه لا يعروه نوم فكيف نام عن الصلاة حتى خرج وقتها (فاعلم أنّ للعلماء في ذلك) أي في دفعه وفي نسخة عن ذلك أي عن نومه فيه بالوصف المذكور هنالك (أجوبة) بالنصب على أنه اسم أن (منها أنّ المراد بأنّ هذا) الذي ذكر من اليقظة بربه (حكم قلبه عند نومه) أي نوم قلبه (وعينيه) أي وعند نوم عينيه أو المعنى هذا حكم قلبه وعينيه حال اجتماعهما (في غالب الأوقات وقد يندر

ص: 275

منه) بضم الدال أي يقع نادرا (غير ذلك) من غفلة قلبه حالة نوم عينيه (كما يندر من غيره خلاف عادته) والحاصل أنه عليه الصلاة والسلام على ما قيل كان له حالان في المنام أحدهما أنه كان تنام عينه ولا ينام قلبه وذلك في غالب أوقاته وثانيهما وهو أن ينام قلبه أيضا وهو نادر فصادف هذا الموضع حاله الثاني ثم اعلم أن في بعض النسخ ضبط غيبته بدل عينيه واختاره الحلبي وقال الغيبة ضد الحضور وهو ظاهر وإنما ذكرته لاحتمال أن يشتبه على من لا يعرف فيصحفه وقال الغيبة بعينيه تثنية عين وهي الجارحة الباصرة قالت هذا لا يصح لا من جهة الأعراب في المبنى ولا من طريق الصواب في المعنى لأن غيبته إذا كان عطفا على قلبه لا يستقيم الكلام إذ التقدير هذا حكم قلبه عند نومه وحكم عدم حضوره ولا خفاء في قصوره وإذا كان عطفا على نومه فيكون التقدير هذا حكم قلبه عند نومه وعند عدم حضوره ولا يخفى ما في هذه أيضا من بعد تصوره (وتصحّح هذا التّأويل) الذي أفاد أن قلبه لا ينام غالبا وقد ينام نادرا (قوله عليه الصلاة والسلام في) هذا (الحديث نفسه) أي نفس هذا الحديث المذكور وهو حديث الصلاة في الوادي لا كما توهم الدلجي من أنه حديث عيناي تنامان ولا ينام قلبي وقال التلمساني صوابه ما عند ابن مليح في أصله وقول بلال في الحديث نفسه وهو معروف من قول بلال والمحفوظ من قول النبي صلى الله تعالى عليه وسلم (إنّ الله قبض أرواحنا) قلت هذا هو المراد وهو الصواب ولا يظهر لقول التلمساني وجه في هذا الباب مع أن رواية البخاري أن الله قبض أرواحكم حين شاء وردها عليكم حين شاء (وقول بلال فيه) أي في حديث صلاة الوادي فما أيقظهم إلا حر الشمس فقال صلى الله تعالى عليه وسلم هذا واد به شيطان اقتادوا فاقتدوا رواحلهم حتى خرجوا منه وقضوا صلاة الصبح لا كما توهم الدلجي ايضا وقال أي في حديث أن عيني تنامان جوابا لقوله صلى الله تعالى عليه وسلم وقد أمره أن يكلأ لهم الفجر فقال عليه الصلاة والسلام أين ما قلت يا بلال فقال والله يا رسول الله (ما ألقيت عليّ نومة مثلها قطّ) لشدة تعب السيرة وقوة نصب السهر ولعل وجه كون قول بلال يصحح التأويل السابق أنه وقع له عليه الصلاة والسلام من شدة الحال كما وقع لبلال فنام قلبه عليه الصلاة والسلام من كثرة الكلال (ولكن مثل هذا) أي النادر الوقوع (إنّما يكون منه) أي من النبي عليه الصلاة والسلام (لأمر يريده الله عز وجل وفي نسخة يريده من الله (من إثبات حكم) تحته حكم (وتأسيس سنّة) أي تأصيل قضية منيعة يبني عليها فروع شريعة (وإظهار شرع) من فرض أو سنة لم يكن مبينا، (وكما قال) أي النبي عليه الصلاة والسلام (فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ:«لَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَيْقَظَنَا» ) أي منامنا ظاهرا وباطنا (ولكن أراد) أي بغلبة النوم علينا (أن يكون) أي سنة (لمن بعدكم) يقتدون بها، (الثّاني) من الأجوبة (أَنَّ قَلْبَهُ لَا يَسْتَغْرِقُهُ النَّوْمُ حَتَّى يَكُونَ منه الحدث فيه) أي ناقض الوضوء في نومه (لما روي) في صحيح البخاري وغيه (أنّه كان محروسا) أي محفوظا عن أن يقع منه حدث في حال نومه (وأنّه كان ينام حتّى ينفخ) بضم الفاء (وحتّى يسمع) بصيغة المجهول (غطيطه) أي ترديد صوته الخارج

ص: 276

مع نفسه (ثمّ يصلّي ولا يتوضّأ) لعدم نقض وضوئه مع يقظة قلبه أو بناء على حراسة ربه أو لاختصاصه به (وحديث ابن عبّاس) في الصحيحين (المذكور فيه) أي في حديثه (وضوءه) أي وضوء النبي صلى الله تعالى عليه وسلم (عند قيامه من النّوم) مبتدأ خبره (فيه نومه مع أهله) أي ميمونة بنت الحارث خالة ابن عباس (فلا يمكن الاحتجاج به على وضوئه) أي على كون وضوئه (بمجرّد النّوم) مع أهله (إذ لعلّ ذلك) أي وضوءه هنالك (لملامسة الأهل) أي مساسه ويروى لملامسة أهله (أو لحدث آخر) أي وهذا أظهر إذ لم يثبت أنه عليه الصلاة والسلام توضأ من لمس امرأة قط فتدبر أو للتجديد المفيد للتنشيط (فكيف) لا يكون وضوؤه بواحد مما ذكر (وفي آخر الحديث نفسه) أي المروي عن ابن عباس بعينه (ثمّ نام) أي ثانيا (حَتَّى سَمِعْتُ غَطِيطَهُ ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَصَلَّى ولم يتوضّأ) أي اكتفاء بالوضوء الذي تقدم (وَقِيلَ لَا يَنَامُ قَلْبُهُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ يوحى إليه في النّوم) كغيره من الأنبياء فإنهم يوحى إليهم فيه قال تعالى إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ماذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ ومن هنا أخطأ محيي الدين بن عربي حيث تأول على سيدنا إبراهيم الخليل وقال إنه أخطأ في التعبير والتأويل وإنه كان تأويل منامه أنه يذبح كبشا فحمل المنام على ظاهره وقصد ذبح ابنه كما بسطت هذا في محله (وليس في قصّة الوادي إلّا نوم عينيه عن رؤية الشّمس) أي وأثر طلوعها من الفجر في افق السماء (وليس هذا من فعل القلب) إذ قد يكون الشخص مستيقظا ولم يكن مطالعا لمطلع الشمس لا سيما إذا كان مغمضا عينيه خصوصا في بقاء القمر إلى آخر الليل وبعده وهذا إنما هو على الفرض والتقدير وإلا فقد صح أنه عليه الصلاة والسلام كان حينئذ في استغراق المنام (وقد قال صلى الله تعالى عليه وسلم إنّ الله قبض أرواحنا) أي المدركة للأمور الظاهرة (وَلَوْ شَاءَ لَرَدَّهَا إِلَيْنَا فِي حِينٍ غَيْرِ هذا) وهو قبل هذا الوقت لإدراك الوقت ولكن أراد أن نعرف حكم فوت الوقت والحديث مقتبس من قوله تعالى اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (فَإِنْ قِيلَ فَلَوْلَا عَادَتُهُ مِنَ اسْتِغْرَاقِ النَّوْمِ لما قال لبلال اكلأ) بكسر همزة وصل في أوله وهمزة ساكنة في آخره أي احفظ (لَنَا الصُّبْحَ؛ فَقِيلَ فِي الْجَوَابِ إِنَّهُ كَانَ من شأنه صلى الله تعالى عليه وسلم التّغليس بالصّبح) لعله في الأسفار (ومراعاة أوّل الفجر) أي المختار وهو الاسفار وفي نسخة لمراعاة أول الفجر (فلا تصحّ ممّن نامت عينه) وكذا ممن استغرق في شهود ربه وعدم التفاته لغيره (إذ هو) أي الصبح (ظاهر) من الأمور (يدرك بالجوارح الظّاهرة) بل بالجارحة الباصرة وكأنه جمع لجميع العيون الحاضرة (فوكّل بلالا بمراعاة أوّله) حقيقة أو حكما (لِيُعْلِمَهُ بِذَلِكَ كَمَا لَوْ شُغِلَ بِشُغْلٍ غَيْرِ النّوم) من أي عمل كان (عن مراعاته) أي محافظة أوقاته وقد اغرب التلمساني في عبارته والمعنى عليه الصلاة والسلام كان يؤخر الصلاة إلى وقت التغليس في الصبح. (فَإِنْ قِيلَ فَمَا مَعْنَى نَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ تعالى عليه وسلم عن القول نسيت) أي في حديث لا يقولن أحدكم نسيت

ص: 277

آية كيت وكيت بل هو نسي بضم النون وتشديد المهملة (وقد قال صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ فَإِذَا نسيت) وفي رواية أنسيت (فذكّروني) رواه أبو حنيفة رحمه الله في مسنده (وقال) أي في رواية أخرى (لقد أذكرني) أي فلان (كذا وكذا آية كنت أنسيتها) كذا في النسخ والمناسب للسؤال الوارد نسيتها ليرد الإشكال بين النهي عن نسبة النسيان إلى نفسه وبين إتيانه في لفظة فإنه تعارض بحسب ظاهره (فَاعْلَمْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا تَعَارُضَ فِي هذه الألفاظ) أي عند المحققين من الحفاظ لما سبق من التنبيه على شيء من التوجيه وهو نسبة الفعل إلى الله تعالى حقيقة وإلى العبد مجازا فالأولى صرف القلب إلى فعل الرب وأيضا فعل النسيان من حيث إنه ظاهر في التقصير والنقصان مذموم بخلاف ما إذا أراد الله أمضاه وقدر عليه بأن أنساه إياه ولا يبعد أن يكون قوله انسيت بالنسبة إليه صلى الله تعالى عليه وسلم معناه أنسانيه الله لقوله تعالى فَلا تَنْسى إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ وأما بالنسبة إلى غيره عليه الصلاة والسلام فمعناه أنسانيه الشيطان كما قال يوشع وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ وكما قال عز وجل فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ ونتيجة الفرق أن ما يكون مذموما ينسب إلى الشيطان وما يكون محمودا ينسب إلى الرحمن ومجمله أن كل نسيان صدر عن تقصير وتوان فيكون بسبب إغواء الشيطان وكل ما يكون يعارض مرض أو كبر ونحوهما فهو بسبب اختيار الرحمن وأيضا من معاني النسيان الترك فلا ينبغي لمؤمن أن يقول تركت آية حيث يتوهم منه أن يكون قصدا ولا يراعي رعاية ومن جملة الأجوبة قوله؛ (أَمَّا نَهْيُهُ عَنْ أَنْ يُقَالَ نَسِيتُ آيَةَ كذا فمحمول على ما نسخ نقله) الظاهر كونه وفي نسخة حِفْظُهُ (مِنَ الْقُرْآنِ أَيْ إِنَّ الْغَفْلَةَ فِي هَذَا لَمْ تَكُنْ مِنْهُ وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى اضطرّه إليها) أي إلى نسيانها (ليمحو ما يشاء ويثبت) بالتشديد والتخفيف وهذا أحد معاني قوله تعالى فَلا تَنْسى إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ أي أراد نسخة كما قضاه وأمضاه لكن هذا إنما يكون جوابا عن قوله عليه الصلاة والسلام إني لا أنسى فلا يصلح أن يكون تأويلا لنهيه عليه الصلاة والسلام للأمة أن يقال نسيت آية كذا فلا رابطة بين السؤال والجواب والله اعلم بالصواب (وَمَا كَانَ مِنْ سَهْوٍ أَوْ غَفْلَةٍ مِنْ قبله) أي من جانب العبد (تذكّرها) وكذا إذا لم يتذكرها (صلح) بضم اللام وفتحها أي صح (أن يقال فيه أنسى) بفتح الهمزة لا بضمها كما توهم الدلجي فبهذا الاعتبار ورد عنه صلى الله تعالى عليه وسلم أني أنسى كما تنسون فلا تعارض أصلا وقطعا (وقد قيل) وفي الجواب عن إيراد السؤال المتضمن للإشكال وهو التعارض الظاهر في المقال (إنّ هذا) أي نسبة الإنساء إلى الله تعالى (منه صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِحْبَابِ أَنْ يُضِيفَ الفعل إلى خالقه) وهو الله تعالى إذ لا خالق له سواه (والآخر) وهو نسبة النسيان إلى نفسه (على طريق الجواز لاكتساب العبد فيه) أي بنوع تسبب وتقصير منه (وإسقاطه عليه الصلاة والسلام مبتدأ (لما أسقط من هذه الآيات) حق العبارة لبعض الآيات وهي التي أذكره إياها بعض الأمة (جائز عليه) وليس من باب التقصير والسهو في التبليغ (بعد بلاغ ما أمر ببلاغه) أولا (وتوصيله إلى عباده) كاملا (ثمّ يستذكرها) يروى يستدركها (من أمّته) ثانيا (أو من قبل نفسه) استحضارا (إلّا ما قضى

ص: 278