الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأعلى إلى المكان الأدنى (أحبّ إلي من أن أقدّمه عليهما) أي في الأفضلية فدفع توهم التفضيل في القضية ثم فيه أنه يجب على التابع أن يقدم من قدمه المتبوع ولذا أذن عمر رضي الله تعالى عنه بالدخول لبلال وسلمان قبل العباس وأبي سفيان رضي الله تعالى عنهم حين اجتمعوا على باب عمر فقال أبو سفيان للعباس أتريد أن يقدم علينا الموالي فقال العباس الذنب منا حيث تأخرنا فيما كان يجب التقدم علينا وهذا الذي اختاره ابن عياش رأي له وإلا فالجمهور على أن الأفضل يستحق التقديم في كل شيء فتأمل (وقيل لابن عباس رضي الله تعالى عنهما) كما رواه أبو داود والترمذي وحسنه (مَاتَتْ فُلَانَةُ لِبَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تعالى عليه وسلم) أي وسميت باسمها إلا أن الراوي نسيها (فسجد) أي لعظم المصيبة وفقد الأعزة ولا يبعد أن يكون المراد بسجد صلى ركعتين لقوله تعالى وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ (فقيل له) أي لابن عباس (أتسجد في هذه السّاعة) بهمزة الاستفهام التعجبية بناء على مخالفة العادة العرفية (فقال) أي ابن عباس (أليس قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إذا رأيتم آية) أي علامة خارقة للعادة من نحو كسوف وخسوف وشدة ريح وكثرة ظلمة (فاسجدوا) أي فصلوا (وأيّ آية أعظم) أي خطرا وأفخم قدرا (من ذهاب أزواج النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم) أي واحدة بعد واحدة حيث إنهن من أخص أصحابه وأقرب أحزابه (وكان أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما) أي مع جلالتهما (يزوران أمّ أيمن) واسمها بركة (مولاة النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم) وتقدم ترجمتها (ويقولان كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يزورها) أي فيتعين علينا زيارتها تبركا بها وتأسيا بزيارته إياها والحديث رواه مسلم (ولمّا وردت) كما روى ابن سعد عن عمرو بن سعد بن أبي وقاص مرسلا قال لما وردت (حليمة السّعديّة) أي أمه من الرضاعة (على النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم) أي زائرة مسترفدة وفي سيرة الدمياطي أن الواردة عليه إنما هي ابنتها الشيماء أخته من الرضاعة (بسط لها رداءه وقضى) أي نفذ (حاجتها) رعاية لحرمة الرضاعة وفي الحديث حسن العهد من الإيمان (فلمّا توفّي) أي رسول الله (صلى الله تعالى عليه وسلم قدمت) وفي نسخة صحيحة وفدت أي أمه أو أخته من الرضاعة (على أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما فصنعا بها مثل ذلك) أي مثل صنيعه عليه الصلاة والسلام في الإكرام ومزيد الإنعام مراعاة لحرمتها وتأسيا برعايتها ثم اعلم أن العلامة أبا محمد عبد المؤمن بن خلف الدمياطي أنكر إسلام حليمة وقال إن هذه القصة للشيماء ابنتها لكن رد عليه مغلطاي في مؤلف له سماه التحفة الجسمية في إسلام حليمة فيمكن الجمع بينهما في القضية والله تعالى أعلم بالحقيقة الحقية.
فصل [ومن توقيره وبره توقير أصحابه عليه الصلاة والسلام]
(ومن توقيره) أي تعظيمه (وبرّه) أي ومن إحسانه صلى الله عليه وسلم تَوْقِيرُ أَصْحَابِهِ
وبرّهم ومعرفة حقّهم) أي حقوقهم من فتح البلاد ودفع أهل الفساد وإيصال أنواع العلوم إلى أصناف العباد (والاقتداء بهم) أي في أفعالهم وأقوالهم لقوله عليه الصلاة والسلام أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم (وحسن الثّناء عليهم) أي إجمالا كما قال تعالى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وكذا في مقام التفصيل إكمالا وتبجيلا له عليه الصلاة والسلام وإجلالا (والاستغفار لهم) لقوله تعالى وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ الآية (والإمساك عمّا شجر) أي اختلف (بينهم) وما وقع لهم من التشاجر والاختلاف الصادر عنهم باجتهاد فلمصيبهم أجران ولمخطئهم أجر واحد كما ورد وكما قال الشاطبي رحمه الله تعالى:
وسلم لإحدى الحسنيين إصابة
…
والأخرى اجتهاد رام صوبا فامحلا
وفي الحديث إذا ذكر أصحابي فأمسكوا وفي حديث آخر إياكم وما شجر بين أصحابي (ومعاداة من عاداهم) أي من الرافضة والناصبة لأن الصحابة لا شك أنهم أولياء الله وقد ورد من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب (والإضراب) أي الإعراض (عن أخبار المؤرّخين) بفتح الهمزة وكسرها أي عن أقوال أصحاب التواريخ فإن غالبهم غير صحيح بل كذب صريح (وجهلة الرّواة) أي ممن نقلوا الحكايات عن غير الثقاة (كالرافضة) أي الطائفة التي رفضوا محبة الصحابة (وضلّال الشّيعة) أي ممن زعم مشايعة علي ومتابعته وهو بريء منهم ومتبعد عنهم وأصل الشيعة الفرقة المتفقة على ملة من الطريقة ومنه قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ الآية وتطلق على الفرقة الذين يفضلون عليا كرم الله وجهه ويزعمون أنهم من شيعته أي من أتباع سيرته (والمبتدعين) أي في الدين كبعض المعتزلة (القادحة في أحد منهم) أي الطاعنة في أحد من الصحابة وهم برآء وأتقياء فيجب أن يسكت عنهم (وأن يلتمس لهم) بصيغة المفعول وكذا (فيما نقل عنهم) أي في حقهم (من مثل ذلك) أي من موجب طعنهم (فيما كان بينهم من الفتن) أي المؤدية إلى المحن أي يطلب (أحسن التّأويلات) إذ كلهم عدول بشهادة الله تعالى لهم حيث قال وكذلك جعلناكم أمة وسطا أي عدولا (ويخرّج لهم) بتشديد الراء المفتوحة أي يحمل لأفعالهم (أصوب المخارج) أي المحامل (إذ هم أهل لذلك) أي أحقاء به هنالك (ولا يذكر أحد منهم بسوء) لأن الله قد أثنى عليهم في مواطن كثيرة من كتابه ووصى النبي عليه الصلاة والسلام أمته في تعظيم أصحابه بنحو قوله لا تسبوا أصحابي مع تعميم قوله عليه الصلاة والسلام لا تذكروا موتاكم إلا بخير ولأنه من الفواحش المحرمة بإجماع أهل السنة على خلاف أنه يعزر فاعله أو يقتل (ولا يغمص) بصاد مهملة على صيغة المجهول أي لا يعاب (عليه) أي على أحد منهم (أمر) أي يطعن به فيه لحديث الله الله في أصحابي أي اتقوه فيهم فلا تنقصوهم ولا تحقروهم بل عظموهم ووقروهم وفي الحديث لما قتل ابن آدم أخاه غمص الله الخلق أي صغرهم
وحقرهم فنقصهم وطعن فيهم طولا وعرضا وقوة وقوتا وفي نسخة يغمض بضاد معجمة والظاهر أنه تصحيف وقيل في معناه أي يصغر أو يحقر وأغمض نام وفي الأمر والبيع استجاز ما لا يستجاز أو حط من ثمنه (بل يذكر حسناتهم وفضائلهم وحميد سيرهم ويسكت عمّا وراء ذلك) أي عن غيره مما لا يليق بهم هنالك (كما قال صلى الله تعالى عليه وسلم) فيما رواه الطبراني وابن أسامة عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه (إذا ذكر أصحابي فأمسكوا) أي عن الطعن فيهم وذكرهم بما لا ينبغي في حقهم (قال الله تعالى مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ) هو خبر مبتدأ محذوف هو هو والجملة من مبتدأ وخبر (وَالَّذِينَ مَعَهُ) أي من الصحابة مبتدأ خبره (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ [الفتح: 29] أي بالنسبة إلى الأبرار وسائر المؤمنين ولو من الفجار لقوله تعالى أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ (إلى آخر السّورة) يعني تريهم ركعا سجدا أي راكعين ساجدين في غالب أوقاتهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا في سائر حالاتهم وهو بكسر الراء وضمها سيماهم أي علامة أنوارهم لائحة في وجوههم من أثر السجود أي من تأثير طاعاتهم وأسرارهم ذلك أي الذي وصفوا به مثلهم أي صفتهم العجيبة وحالاتهم الغريبة المذكورة في التوراة ومثلهم في الإنجيل مبتدأ خبره كزرع تمثيل مستأنف أخرج شطأه بسكون الطاء وفتحها أي فراخه من أشطأ الزرع إذا أفرخ فآزره من الموازرة أي المعاونة وأصل معناه من جهة مبناه شد أزره وقواه فاستغلظ أي صار غليظا أي بعد ما كان دقيقا رقيقا فاستوى على سوقه بالواو والهمز جمع ساق بالوجهين أي استقام على قصبه قيل في الإنجيل سيخرج قوم ينبتون نبات الزرع يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر يعجب الزراع بكثرته وقوته واستحكام حالته حتى أعجب الناس من الأبرار ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم من بيانية عند أهل السنة مغفرة وأجرا عظيما هذا وقيل قوله تعالى وَالَّذِينَ مَعَهُ كناية عن الصديق وأشداء على الكفار عبارة عن الفاروق ورحماء بينهم إشارة إلى عثمان تريهم ركعا سجدا إيماء إلى علي يبتغون فضلا من الله ورضوانا تعميم بعد تخصيص واستدل به على تكفير الروافض والخوارج الفجار حيث قال تعالى لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ (وقال) أي عز وجل (وَالسَّابِقُونَ) أي في مناقب الإيمان ومراتب الإحسان (الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ) وهم من أسلم قبل الهجرة أو من صلى إلى القبلتين أو من شهد بدرا وَالْأَنْصارِ [التوبة: 100] أهل بيعة العقبة الأولى وكانوا سبعة والعقبة الثانية وكانوا سبعين ومن آمن حين قدم عليهم أبو زرارة مصعب بن عمير (الآية) أي والذين اتبعوهم بإحسان أي اللاحقون بهم إلى يوم القيامة رضي الله عنهم بقبول طاعتهم المرضية ورضوا عنه بما منحهم به من النعم الدينية والدنيوية وأعد لهم جنات تجري تحتها وفي قراءة المكي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً أي مقدرين الخلود في نعيمها ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (وقال) أي عز وعلا وفي نسخة وقال تَعَالَى (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ) أي في الحديبية (تَحْتَ الشَّجَرَةِ)[الفتح: 18] وتسمى بيعة الرضوان وقد
تقدمت القضية (وقال) أي الله سبحانه وتعالى (رِجالٌ صَدَقُوا مَا عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ)[الْأَحْزَابِ: 23] من قتالهم أعداء الله وثباتهم مع رسول الله وهم عثمان بن عفان وطلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد وحمزة بن عبد المطلب ومصعب بن عمير ونحوهم (الآية) أي فمنهم من قضى نحبه أي نذره حتى قتل شهيدا كحمزة ومصعب وأنس بن النضر ومنهم من ينتظر ان يقضي نحبه أي نذره ليفوز بالشهادة كعثمان وطلحة وسعيد وما بدلوا عهدهم تبديلا ولقد ثبت معه طلحة يوم أحد حتى أصيبت يده فقال عليه السلام أوجب طلحة أوجب طلحة (حدّثنا القاضي أبو عليّ) أي ابن سكرة (ثنا) أي حدثنا (أبو الحسين) أي المبارك بن عبد الجبار الصيرفي (وأبو الفضل) أي ابن خيرون (قالا) أي كلاهما (حدّثنا أبو يعلى) أي البغدادي أحمد بن عبد الواحد المعروف بابن زوج الحرة (حدّثنا أبو عليّ السنجيّ) بكسر أوله (حدّثنا محمّد بن محبوب) المشهور بالمحبوبي (حدّثنا التّرمذيّ) وهو الحافظ أبو عيسى صاحب السنن (حدّثنا الحسن) وفي نسخة صحيحة الحسين بالتصغير (ابن الصّبّاح) بتشديد الموحدة وهو البزار براء في آخره (حدّثنا سفيان بن عيينة) وهو الإمام الجليل (عن زائدة) أي ابن قدامة أبو الصلت الثقفي الكوفي ثقة حجة صاحب سنة توفي غازيا بالروم سنة ستين ومائة أخرج له الأئمة الستة (عن عبد الملك) رأى عليا وسمع جريدا والمغيرة والنعمان بن بشير وعنه شعبة والسفيانان أخرج له الأئمة الستة (ابن عمير) بالتصغير (عن ربعيّ) بكسر راء فسكون موحدة وكسر مهملة فتشديد تحتية (ابن حراش) بكسر مهملة وتخفيف راء وفي آخره معجمة هو أبو مريم العبسي سمع عمر وابن مسعود وعنه منصور وأبو مالك الأشجعي حجة قانت لله لم يكذب قط وحلف أنه لا يضحك حتى يعلم أين مصيره فما ضحك إلا بعد موته توفي سنة أربع ومائة أخرج له الأئمة الستة (عن حذيفة) هو ابن اليماني أبو عبد الله العبسي وفي الصحابة جماعة يقال لكل منهم حذيفة ومنهم من له رواية فلهذا ميزت هذا بأبيه واليماني إثبات الياء فيه أصح من تركها وهو صحابي أيضا رضي الله تعالى عنهما ثم اعلم أن هذا الحديث قد أخرجه المصنف من عند الترمذي كما رأيت وقد أخرجه الترمذي في المناقب به ورواه أيضا من طريق أخرى وأخرجه ابن ماجه في السنة من طريقين وقد أخرجه ابن حبان والحاكم من حديث حذيفة ورواه الحاكم من حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه وصحح اسناده (قال قال رسول الله صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبِي بكر وعمر) هذا أمر بطاعتهما متضمن لثنائه عليهما ومؤذن بحسن سيرتهما وصدق سريرتهما ومشير إلى أنهما يكونان خليفتيه من بعده (وقال) أي النبي عليه الصلاة والسلام كما روى عبد بن حميد عن ابن عمر (أصحابي كالنّجوم) بجامع الاهتداء إذ بها يقتدى في غياهب الظلمة الشنيعة وبهم يهتدي إلى محاسن مراتب أنوار الشريعة (بأيّهم اقتديتم اهتديتم) ولعل الحديث مقتبس من قوله سبحانه وتعالى فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ويقويه قوله عليه الصلاة والسلام العلماء ورثة الأنبياء ثم
أعلم أن قوله وقال أصحابي حديث آخر وقد أخرجه الدارقطني في الفضائل وابن عبد البر من طريقه من حديث جابر وقال هذا إسناد لا تقوم به حجة ورواه عبد بن حميد في مسنده عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال البزار منكر لا يصح ورواه ابن عدي في الكامل بإسناده عن نافع عن ابن عمر بلفظ فأيهم أخذتم بقوله بدل اقتديتم وإسناده ضعيف ورواه البيهقي في المدخل من حديث عمر ومن حديث ابن عباس بنحوه ومن وجه آخر مرسلا وقال متنه مشهور وأسانيده ضعيفة قال الحلبي وكان ينبغي للقاضي أن لا يذكره بصيغة جزم لما عرف عند أهل الصناعة وقد سبق له مثله مرارا أقول يحتمل إنه ثبت بإسناد عنده أو حمل كثرة الطرق على ترقيه من الضعف إلى الحسن بناء على حسن ظنه مع أن الحديث الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال والله أعلم بحقيقة الأحوال (وعن أنس رضي الله تعالى عنه) في رواية البزار وأبي يعلى (قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم مثل أصحابي) زاد البغوي في المصابيح وشرح السنة في أمتي (كمثل الملح في الطّعام) بجامع الصلاح إذ بهم صلاح الدنيا وفلاح العقبى (لا يصلح الطّعام إلّا به) أي بالملح بحسب الحاجة إلى القدر المصلح له قال الحسن قد ذهب ملحنا فكيف نصلح (وقال) عليه السلام (الله الله) بنصبهما أي اتقوه أو راعوه (في أصحابي) أي خاصة (لا تتّخذوهم غرضا) أي هدفا للطعن (بعدي) أي بعد موتي أو بعد غيبتي لأني أقوم لهم بنصرتي في حياتي وحضرتي (فمن أحبّهم فبحبّي) أي إياهم أو فبحبهم لي (أحبّهم) ويؤيده قوله (ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم) وهذا بحسب الاعتقاد والأحوال وأما باعتبار الأقوال والأفعال فكما بينه بقوله (ومن آذاهم) أي باللسان أو الأركان (فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله) أي فكأنه آذاه (ومن آذى الله يوشك) بكسر الشين وتفتح أي يقرب (أن يأخذه) أي بأخذ شديد ويؤاخذه بعذاب أكيد ولعل الحديث مقتبس من مجموع قَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (وقال) أي النبي عليه الصلاة والسلام كما رواه مسلم وغيره (لا تسبّوا أصحابي) قال النووي هو من أكبر الفواحش وسيأتي عن المصنف أنه عده من الكبائر ويعزر عند الجمهور ويقتل عند بعض المالكية وكذا عند بعض الحنفية ففي بعض كتبهم إن سب الشيخين كفر (فلو أنفق أحدكم) أي كل يوم كما رواه عبد بن حميد في مسنده عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه مرفوعا لو أنفق أحدكم كل يوم (مثل أحد) أي مالا قدره أو إنفاقا مثله (ذهبا) تمييز (ما بلغ) أي جميعه (مدّ أحدهم) وفي نسخة صحيحة مد أصحابي وهو بضم ميم وتشديد دال وخص بالذكر لأنه أقل ما كانوا يتصدقون به وأصله كان الرجل يمد كفيه فيملأهما طعاما أي قدر مد طعام أحدهم مما أنفقوا في محلهم (ولا نصيفه) لما قارنه من صدق نية وصفاء طوية مع شدة الحاجة وكمال القلة وقد ورد سبق درهم مائة ألف درهم والنصيف بفتح فكسر بمعنى النصف بتثليث النون كما يقال
عشر وعشير وقال الأرزنجاني في شرح المشارق النصيف مكيال معروف وهو دون المد والضمير في نصيفه راجع إلى أحدهم لا إلى المد والمعنى أن أحدكم لا يدرك بإنفاق مثل أحد ذهبا من الفضيلة ما أدرك أحدهم بإنفاق مد من الطعام أو نصيف منه ولعل الحديث مقتبس من قوله تعالى لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى (وقال) أي فيما رواه الديلمي عن عويم بن ساعدة أبو نعيم في الحلية عن جابر رضي الله تعالى عنه (مَنْ سَبَّ أَصْحَابِي فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ والنّاس أجمعين) تأكيد لمن ذكر أو للناس فقط أي كلهم أي الطرد والبعد عن الحق والسب والذم من الخلق (لا يقبل الله منه) أي ممن سبهم (صرفا) بفتح الصاد المهملة وسكون الراء أي التوبة أو نافلة (ولا عدلا) بفتح العين وسكون الدال أي فدية أو فريضة وقال الماوردي الجمهور على أن الصرف الفريضة والعدل النافلة وعكسه الحسن وقال الأصمعي أن الصرف التوبة والعدل الفدية ومعنى القبول تكفير الذنوب بهما قال النووي معنى الفدية هنا أنه لا يجد في القيامة فداء يفتدى به خلاف غيره من المذنبين الذين يتفضل الله تعالى على ما يشاء منهم بأن يفديه من النار بيهودي أو نصراني كما ثبت في الصحيح وفي الحديث أن العبد إذا لعن شيئا صعدت اللعنة إلى السماء فتغلق أبوابها دونها ثم تهبط إلى الأرض فتغلق أبوابها دونها ثم تأخذ يمينا وشمالا فإذا لم تجد لها مساغا رجعت إلى الذي لعن إن كان أهلا لها وإلا رجعت إلى قائلها (وقال) كما رواه الطبراني عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه (إذا ذكر أصحابي فأمسكوا) أي عن الطعن فيهم (وقال) كما رواه الديلمي (في حديث جابر رضي الله تعالى عنه أن إِنَّ اللَّهَ اخْتَارَ أَصْحَابِي عَلَى جَمِيعِ الْعَالَمِينَ سِوَى النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ وَاخْتَارَ لِي مِنْهُمْ أَرْبَعَةً أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيًّا فَجَعَلَهُمْ خَيْرَ أصحابي) وخير غيرهم بطريق الأولى وكذا من الأمم الأولى (وفي أصحابي كلّهم خير) لحديث خيركم قرني فهم خيرة الله من خلقه بفتح الياء وسكونها أي اختاره الله (وقال) كما روى الطبراني في الأوسط عن أبي سعيد الخدري بسند حسن (مَنْ أَحَبَّ عُمَرَ فَقَدْ أَحَبَّنِي وَمَنْ أَبْغَضَ عمر فقد أبغضني) لما أوتيه من كرم الشيم وعلو الهمم (قال) وفي نسخة وقال (مالك بن أنس رضي الله تعالى عنه وغيره) أي من العلماء (من أبغض الصّحابة) أي بجنانه (وسبّهم) أي بلسانه والواو بمعنى أو (فليس له في فيء المسلمين حقّ) أي فيما ينال من أهل الشرك بعد ما تضع الحرب أوزارها وحكمه أن يكون لكافة المسلمين فأراد مالك رحمه الله بنفي حق من أبغض الصحابة وسبهم من الفيء إنه يخرج بذلك عن جماعة المسلمين (ونزع) بنون مفتوحة فزاء فمهملة بصيغة الفاعل وقيل بصيغة المفعول أي بعد عن الفىء فلا حق له فيه فهو تأكيد لما قبله فتكون الباء في قوله (بآية الحشر) سببية والأظهر أنه بصيغة الفاعل وأن ضميره إلى مالك وغيره يقال نزع بآية من القرآن إذا تلاها محتجا بها أي واستدل كل منهم على قوله ذلك بآية الحشر وهي قوله تعالى (وَالَّذِينَ جاؤُ) عطف على
المهاجرين في قوله للفقراء المهاجرين أي وللفقراء الذين جاؤوا (مِنْ بَعْدِهِمْ)[الحشر: 10] الآية، حين قوى شأن الملة أو هم تابعوهم بإحسان إلى يوم القيامة (يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ) أي آمنوا قبلنا (وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا) أي حقدا وغشا (لِلَّذِينَ آمَنُوا) أي من السابقين واللاحقين (ربنا إنك رؤوف رحيم) بالمحسنين روي عن مالك رحمه الله أنه قال من تنقص أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أو كان في قلبه عليهم غل فليس له حق في فيء المسلمين ثم قرأ قوله تعالى ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى حتى بلغ قوله رَؤُفٌ رَحِيمٌ أراد أن الله تعالى قد بين من له الحق في الفيء في هذه الآية ورتبهم على ثلاث منازل الفقراء المهاجرين والذين تبوؤوا الدار يعني المدينة وهم الأنصار والذين جاؤوا من بعدهم يعني التابعين الذين يجيئون بعد المهاجرين والأنصار إلى يوم القيامة يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا إلى قوله تعالى وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا أي بغضا للذين آمنوا قال فمن لم يكن من التابعين بهذه الصفة كان خارجا من أقسام المؤمنين (قال) أي مالك بن أنس رضي الله عنه (مَنْ غَاظَهُ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ فَهُوَ كَافِرٌ قَالَ الله تعالى لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ) وعن مالك أيضا أنه قال حين تلا قوله تعالى لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ من أصبح وفي قلبه غيظ على أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقد أصابته هذه الآية (وقال عبد الله بن المبارك: خصلتان) أي صفتان كريمتان (من كانتا فيه نجا) من محن الدنيا والآخرة (الصّدق) أي مع الحق والخلق (وحبّ أصحاب محمد صلى الله تعالى عليه وسلم؛ قال أيّوب) وفي نسخة أبو أيوب وهي غير صحيحة (السّختيانيّ) بفتح أوله وضمه وسكون المعجمة وكسر التحتية سبق ذكره (من أحبّ أبا بكر) أي محبة كاملة (فقد أقام الدّين) أي بقدم تقدم اليقين (ومن أحبّ عمر فقد أوضح السّبيل) أي بين سبيل الله وهو الإسلام وعينه (ومن أحبّ عثمان فقد استغنى بنور الله) أي عن الاستضاءة بما سواه (ومن أحبّ عليّا فقد أخذ) وفي نسخة فقد استمسك (بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَمَنْ أَحْسَنَ الثَّنَاءَ عَلَى أَصْحَابِ محمّد صلى الله تعالى عليه وسلم) أي كلهم (فقد برىء من النّفاق) أي فهو مؤمن كامل صادق في الوفاق (ومن انتقص) وفي نسخة ومن أبغض (أحدا منهم فهو مبتدع) أي صاحب بدعة (مخالف للسّنّة والسّلف الصّالح) أي من أكابر الأمة (وأخاف أن لا يصعد) بفتح أوله وبضمه أي لا يطلع (له عمل إلى السّماء) يعني لا تقبل منه طاعة (حتّى يحبّهم جميعا ويكون قلبه) أي لهم كما في نسخة (سليما) أي من الغل والحقد (وفي حديث خالد بن سعيد) أي ابن العاص بن أمية بن عبد شمس كنيته أبو سعيد وخالد هو ابن عمرو بن سعيد فسعيد جده قالت بنته أم خالد واسمها أمية كان أبي خامسا في الإسلام وقيل كان رابعا أو ثالثا قيل وأسلم قبل أبي بكر أو قبل علي رضي الله تعالى عنه والله أعلم (أنّ النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال) قال الحلبي وهو صحابي مشهور لكن لا أستحضر له شيئا في الكتب الستة ولا في مسند أحمد ولا في مسند بقي بن مخلد وإن
كان هذا من غيرهم فإن كان تابعيا كان هذا الحديث مرسلا وإلا فمعضلا انتهى ووجدت بخط شيخ مشايخنا الحافظ السخاوي على هامش حاشية الحلبي ما صورته وجدت بخط الحافظ أبيك على بعض نسخ الشفاء ما صورته كذا فيه خالد بن سعيد وإنما هو خالد بن عمرو بن سعيد بن العاص القرشي والحديث ليس من روايته عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ولا عن الصحابة وإنما رواه خالد عن سهل بن يوسف بن سهل بن مالك ابن أخي كعب بن مالك عن أبيه عن جده سهل لما قدم النبي صلى الله تعالى عليه وسلم من حجة الوداع المدينة صعد المنبر فحمد الله تعالى وأثنى عليه ثم قَالَ (أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَاضٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ فَاعْرِفُوا لَهُ ذَلِكَ أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَاضٍ عَنْ عُمَرَ وَعَنْ عَلِيٍّ وَعَنْ عُثْمَانَ) وفي نسخة وعن عثمان وعن علي (وطلحة) وفي نسخة عن طلحة أي ابن عبيد الله (والزّبير) أي ابن العوام (وسعد) أي ابن أبي وقاص (وسعيد) أي ابن زيد بن عمرو بن نفيل (وعبد الرحمن بن عوف) أي الزهري (فاعرفوا ذلك لهم) ولم يذكر أبا عبيدة مع أنه عاشرهم ولعله سقط من الراوي (أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ غَفَرَ لِأَهْلِ بَدْرٍ والحديبيّة) بالتخفيف وتشدد وهي قرية سميت ببئر هناك عند مسجد الشجرة بينها وبين مكة مرحلة وقد جاء في الحديث وهي بئر قال أبو حنيفة ومالك وهي من الحرم وخالفهما الشافعي رحمهم الله تعالى وقال ابن القصار والواحدي بعضها من الحل وفي صحيح البخاري والحديبية خارج الحرم أي باعتبار بعضها فلا ينافي ما تقدم والله تعالى أعلم (احفظوني) أي راعوني (في أصحابي وأصهاري) أي خصوصا وهم آباء زوجاته أبو بكر وعمر وأبو سفيان رضي الله تعالى عنهم (وأختاني) أي أزواج بناته عثمان وعلي وأبو العاص بن ربيعة (لا يطالبنّكم أحد منهم بمظلمة) بكسر اللام من الظلم وهو الجور وبالفتح اسم ما يأخذه الظالم وقيل كل منهما يطلق على الآخر والكسر أكثر وعليه الأكثر (فإنّها) أي مظلمتهم (مظلمة لا توهب في القيامة غدا) والحديث رواه الطبراني في معجمه الكبير من رواية علي بن محمد بن يوسف بن شيبان بن مسمع حدثنا سهل بن يوسف بن سهل بن أخي كعب عن أبيه عن جده فذكره (وقال رجل للمعافى) بفتح الفاء (ابن عمران) وهو أبو مسعود الأزدي الموصلي أحد الأعلام يروي عنه بشر الحافي وغيره قال شيخه الثوري رحمه الله هو ياقوتة العلماء أخرج له البخاري وغيره (أين عمر بن عبد العزيز) أي مقامه في العدل والفضل (من معاوية فغضب) أي من قوله لما لاح له من اضمار أفضلية ابن عبد العزيز على معاوية (وَقَالَ لَا يُقَاسُ بِأَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تعالى عليه وسلم أحد) أي لأنهم خير من بعدهم لما سبق من حديث الديلمي والبزار إِنَّ اللَّهَ اخْتَارَ أَصْحَابِي عَلَى جَمِيعِ الْعَالَمِينَ سوى النبيين والمرسلين وحديث الشيخين خير أمتي قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثم الذين يلونهم ثم عد بعض مناقبه التي تقتضي علو مراتبه حتى بالنسبة إلى بعض أصحابه فقال (معاوية صاحبه وصهره) أي أخوام حبيبة من امهات المؤمنين (وكاتبه) أي لمكاتيبه وغيرها (وأمينه على وحي الله عز وجل أي حيث كان
يكتب الوحي على خلاف فيه ولعل السائل سأله عن عمله وزهده وعدله لكن المسؤول عدل عن جوابه لقوله عليه الصلاة والسلام إذا ذكر أصحابي فامسكوا وللإيماء إلى أن كل ما وقع منه يكون مكفرا ببركة صحبته ونتيجة خدمته ولذا لما سئل بعض العلماء مثل هذا السؤال قال في الحال لغبار أنف فرس معاوية مع النبي صلى الله تعالى عليه وسلم خير من ألف عمر بن عبد العزيز ويؤيده قوله تعالى لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وقاتل ومعاوية وإن أسلم عام الفتح لكن له سبق ظاهر على من أسلم بعده سواء كان من الصحابة أو التابعين والحاصل أنه لا أحد من علماء هذه الأمة ومشايخ هذه الملة يبلغ مرتبة الصحابة ومنقبة الخدمة فإن رؤيته عليه الصلاة والسلام كانت اكسيرا تؤثر تأثيرا لمن رآه وآمن به صغيرا أو كبيرا (وأتي النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم) أي جيء (بجنازة رجل) بفتح الجيم وكسرها (فلم يصلّ عليه وقال) أي جوابا للسؤال عن الاشكال وهو امتناعه عن تلك الحال مع أنها من جملة الكمال (كان يبغض عثمان) أي بغير وجه شرعي (فأنا أبغضه) رواه الترمذي عن جابر وضعفه (وقال صلى الله تعالى عليه وسلم) كما في الصحيحين عن أنس رضي الله تعالى عنه (في الأنصار) أي في حقهم (اعفوا عن مسيئهم) أي عثراتهم (واقبلوا من محسنهم) أي كمالاتهم وللبخاري أوصى الخليفة من بعدي بالمهاجرين والأنصار أن يقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم (وقال) أي النبي عليه الصلاة والسلام كما روى أبو نعيم والديلمي عن عياض الأنصاري وابن منيع عن أنس رضي الله تعالى عنه (احفظوني) بفتح الفاء أي احفظوا وصيتي (في أصحابي) أي عموما (وأصهاري) أي خصوصا ولعله تغليب يشمل اختانه أيضا قال النووي في شرح مسلم عن أهل اللغة الأختان جمع ختن أقارب زوج الرجل والأحماء أقارب زوج المرأة والأصهار يعم الجميع (فإنّه) أي الشأن (من حفظني فيهم) أي راقبني في حقهم (حفظه الله في الدّنيا والآخرة) أي من الهوان والعقوبة (ومن لم يحفظني فيهم تخلّى الله عنه) أي تبرأ منه وأعرض عنه (ومن تخلّى الله عنه يوشك) بكسر الشين وتفتح أي يقرب ويسرع (أن يأخذه) أي يؤاخذه بما يستحقه من الوعيد أن أخذه أليم شديد (وعنه عليه الصلاة وسلام) فيما روى سعيد بن منصور عن عطاء بن أبي رباح مرسلا (مَنْ حَفِظَنِي فِي أَصْحَابِي كُنْتُ لَهُ حَافِظًا يوم القيامة) أي من سوء العقوبة (وقال) كما رواه الطبراني بسند ضعيف (مَنْ حَفِظَنِي فِي أَصْحَابِي وَرَدَ عَلَيَّ الْحَوْضَ) أي وسقيته منه مع أصحابي رعاية لحقوق صحبتهم وخدمتهم ومحبتهم (ومن لم يحفظني في أصحابي) أي من جهة حقوقهم (لم يرد عليّ الحوض) أي من قريب (ولم يرني إلّا من بعيد) وهذا أشد وعيد (قَالَ مَالِكٌ رحمه الله هَذَا النَّبِيُّ مُؤَدِّبُ الخلق الّذي هدانا الله به) أي أرشدنا به إلى أمر الدين وعلم اليقين (وَجَعَلَهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ يَخْرُجُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ إلى البقيع) بالموحدة في أوله أي مقبرة أهل المدينة (فيدعو لهم) أي بالرحمة (ويستغفر لهم) أي عما فرط لهم من الزلة (كالمودّع لهم) كما في حديث مسلم عن عائشة رضي الله تعالى عنها