الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل [قد استبان لك أيها الناظر بما قررناه ما هو الحق من عصمته عليه السلام]
(قد استبان) أي ظهر وتبين (لك أيّها النّاظر) أي المتأمل (بما قرّرناه) من الكلام وحررناه من المرام (ما هو الحقّ من عصمته عليه الصلاة والسلام وكذا عصمة سائر الأنبياء عليهم السلام وكان الأطهر أن يقول من عصمتهم عليهم السلام (عن الجهل بالله تعالى) أي بذاته (وصفاته) وأفعاله ومصنوعاته (وكونه) وفي نسخة أو كونه أي كون النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بخصوصه أي بجنسه (عَلَى حَالَةِ تُنَافِي الْعِلْمَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ) أي مما ذكر من الذات والصفات (كلّه) جميعه (جملة) أي إجمالا لا تفصيلا إذ يحيط به أحد علما وهذه العصمة ثابتة له (بعد النّبوة عقلا وإجماعا وقبلها سماعا ونقلا) كان الأولى بحسب السجع نقلا وسماعا ومؤداهما واحد والمراد بالسماع ما ثبت بالسنة وبالنقل ما نقل عن الأئمة وذلك كحديث الصحيحين ما من مولود يولد إلا على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جدعاء هل تحسون فيها من جدعاء ثم يقول أبو هريرة رضي الله تعالى عنه اقرؤوا إن شئتم فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وحديث كل عبادي خلقت حنفاء فاجتالتهم الشياطين عن دينهم فأمروهم أن يشركوا بي غيري ومن المعلوم استثناء الأنبياء إذ لم يجعل للشيطان عليهم سبيلا في الاغواء قال تعالى إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ وقوله (فاجتالتهم) بالجيم أي استخفتهم فجالوا معه في ميدان الضلالة يهيمون وروي بالحاء أي نقلتهم من حال إلى حال فهم في طغيانهم يعمهون (ولا بشيء) أي ولا على حالة تنافي العلم بشيء (ممّا قرّرناه) أي النبي (من أمور الشّرع وأدّاه عن ربّه عز وجل من الوحي) أي الجلي أو الخفي من الكتاب والسنة (قطعا) أي بلا شبهة (وعقلا وشرعا) أي من الجهتين (وعصمته) أي ومن عصمة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم (عن الكذب) في القول مطلقا (وخلف القول) في الإخبار (منذ نبّأه الله تعالى) أي من ابتداء ما أظهر نبوته خصوصا (وأرسله) إلى أمته (قصدا أو غير قصد) أي لا عن عمد ولا عن خطأ (واستحالة ذلك) أي ومن استحالة ما ذكر من الكذب والخلف (عليه شرعا) أي سمعا (وإجماعا ونظرا) أي عقلا (وبرهانا) أي بيانا ظاهرا (وتنزيهه عنه) أي عن الكذب (قبل النّبوّة قطعا) لئلا تقع الأمة في الشبهة بعدها أصلا (وتنزيهه عنه الكبائر إجماعا) من غير التفات لمن خالف فيه سمعا أو عقلا (وعن الصّغائر تحقيقا) لحملها على خلاف الأولى تدقيقا (وعن استدامة السّهو والغفلة) توفيقا وقد قيل:
يا سائلي عن رسول الله كيف سها
…
والسهو من كل قلب غافل لاه
قد غاب عن كل شيء سره فسها
…
عما سوى الله في التعظيم لله
(وَاسْتِمْرَارِ الْغَلَطِ وَالنِّسْيَانِ عَلَيْهِ فِيمَا شَرَعَهُ لِلْأُمَّةِ) من الأحكام واجبا ومندوبا وحراما ومكروها وخلاف الأولى ومباحا (وعصمته) أي ومن عصمته (فِي كُلِّ حَالَاتِهِ مِنْ رِضًى
وغضب وجدّ) بكسر الجيم ضد الهزل والمراد به هنا العزم والحزم (ومزح) فإنه كما قال أمزح ولا أقول إلا حقا فإذا كان مزحه حقا فكيف لا يكون جده صدقا (فيجب عليك) يروى مما يجب لك (أن تتلقّاه) أي تأخذ وتنول وتقبل ما صدر من مشكاة صدره في أي حالة كانت من أمره (باليمين) أي بالقوة أو بالبركة وقيل باليد اليمين لأن اليمين تمد إلى كل حسن مرغوب ويتناول بها كل عزيز مطلوب (وتشدّ عليه يد الضّنين) بالضاد المعجمة أي البخيل الممسك للشيء الثمين وهذا نظير ما يقال عضوا عليه بالنواجذ (وتقدر) بكسر الدال وضمها أي تعرف (هذه الفصول حقّ قدرها) أي حق معرفتها أو تعظمها حق عظمتها كما قيل بالمعنيين في قوله تعالى وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ (وتعلم عظيم فائدتها وخطرها) بفتحتين وحكي سكون ثانيهما أي منزلتها وقدرها وعائدتها (فَإِنَّ مَنْ يَجْهَلُ مَا يَجِبُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى الله تعالى عليه وسلم أو يجوز أو يستحيل عليه) أي يمتنع عقلا أو نقلا (ولا يعرف صور أحكامه) أي فرضا ونفلا (لا يأمن) ويروى لا يؤمن أي عليه من (أن يعتقد في بعضها) أي المذكورات (خلاف ما هي عليه) من الصواب في القضيات المشهورات (ولا ينزّهه) أي النبي (عمّا لا يجب) ويروى عما لا يجوز أي لا ينبغي (أَنْ يُضَافَ إِلَيْهِ فَيَهْلِكَ مِنْ حَيْثُ لَا يدري) ما يترتب عليه (ويسقط في هوّة الدّرك) بضم الهاء وتشديد الواو الوهدة العميقة والدرك بفتح الراء وسكونها ضد الدرج (الأسفل من النّار) أي منازلها وفيه إشعار إلى أن من لم يكن في زيادة فهو في نقصان ومن لم يكن في اعتلاء فهو في ارتداء إذ لا توقف للإنسان في مرتبة استواء ومنه قول أبي الفضل التورزي:
ونزولهموا وطلوعهموا فإلى درك وعلى درج
فالأبرار لهم درجات والفجار لهم دركات (إذ ظنّ الباطل به) أي بالنبي عليه الصلاة والسلام (واعتقاد ما لا يجوز عليه يحلّ) بفتح الياء وضم الحاء ويكسر وبتشديد اللام أي ينزل (بصاحبه) فيدخل (دار البوار) أي الهلاك والخسار (ولهذا) المعنى (ما) أي الأمر الذي وقيل ما زائدة (احتاط النبي صلى الله تعالى عليه وسلم) أي اخذ بالحزم والثقة من جهة الشفقة (على الرّجلين) أي من الأنصار كما في البخاري وغيره قيل هما أسيد بن حضير وعباد بن بشر (اللَّذَيْنِ رَأَيَاهُ لَيْلًا وَهُوَ مُعْتَكِفٌ فِي الْمَسْجِدِ) جملة معترضة (مع صفيّة) متعلق برأياه (فقال لهما إنّها صفيّة) أي إحدى أمهات المؤمنين وقد جاءت تزوره في اعتكافه في العشر الأواخر من رمضان فتحدثت معه ساعة ثم قام معها لينقلها إلى بيتها حتى إذا بلغت باب المسجد فمرا به فأبصراه فسلما على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وأسرعا في المشي إما لحيائهما من النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وإما لئلا يستحيي النبي عليه الصلاة والسلام منهما فقال لهما على رسلكما أي اثبتا على مشيكما ولا تسرعا في سيركما أنها صفية فقالا سبحان الله تعجبا من قوله ذلك لهما إذا لا يظن مسلم به عليه الصلاة والسلام ما لا يليق به
من قبح المقام، (ثُمَّ قَالَ لَهُمَا: «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ ابن آدم مجرى الدّم) بنفوذه في المنافذ الضيقة للوساوس الخفية وفي النهاية المراد من قوله يجري مجرى الدم أنه يتسلط عليه وتسري وساوسه في العروق مجرى الدم لا أن يدخل جوفه (وإنّي خشيت أن يقذف) أي يلقي ويرمي (في قلوبكما شيئا) وفي رواية شرا (فتهلكا) قال الخطابي خشي صلى الله تعالى عليه وسلم عليهما الكفر لو ظنا تهمة برؤيته معه امرأة أجنبية فبادر إلى اعلامهما بمكانها نصيحة لهما في حق الدين قبل أن يقعا في امر يهلكان به انتهى وفي هذا إيماء إلى عصمة الأنبياء عليهم السلام من مقارفة السوء والفخشاء. (هذه) أي الفائدة الجلية وهي ما ذكر من احتياطه عليه الصلاة والسلام للرجلين في هذه القضية (أكرمك الله) تعالى جملة معترضة بين المبتدأ والخبر وهو (إِحْدَى فَوَائِدِ مَا تَكَلَّمْنَا عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الفصول) السالفة من تعظيم ارباب النبوة وأصحاب الرسالة تحذيرا من أن يعتقد بهم ما لا يليق بكريم مناقبهم لأجل جهالته بعصمتهم وغفلته عما يجب لهم ويجوز ويمتنع من حالتهم (ولعلّ جاهلا) أي عن مراتب العلم غافلا (لا يعلم بجهله) أي يجهل كونه جاهلا ويسمى جهلا مركبا (إذا سمع شيئا منها) أي من تنزيهات الأنبياء عليهم السلام ويروى من هذا أي مما ذكر (يرى) أي يظن (أنّ الكلام فيها) ويروى فيه (جملة) أي بجملتها أو مجملة (من فضول العلم) أي زوائده وهو خبر أن (وأنّ) ويروى أو أن (السّكوت أولى) من التعرض لذكره (وقد استبان لك أنّه) أي الكلام في عصمتهم عليهم السلام (متعيّن) أي واجب معرفته على أهل الإسلام (للفائدة الّتي ذكرناها) مع فوائد أخر في هذا المقام كما بينه بقوله (وفائدة ثانية يضطرّ) بصيغة المجهول أي يحتاج (إِلَيْهَا فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَيُبْتَنَى عَلَيْهَا مَسَائِلُ) متفرعة عنها (لا تنعدّ) لكثرتها وهي لغة رديئة في لا تعد ذكرها الدلجي وفي حاشية التلمساني لا تبعد من البعد ومعناه قريبة تبنى عليها المسائل (من الفقه) وروى لا تتعدد تفعل من العدد ومعناه مسائل كثيرة لا يحصرها العد ومن الفقه على الاول معمول لا تنعد وهو الأظهر أو مسائل ولا تنعد صفة وعلى الثاني عامله هو المسائل فقط ولا يصح تتعدد لفساد المعنى (ويتخلّص) بصيغة المجهول أي ويحصل الخلاص (بها من تشغيب مختلفي الفقهاء) أي تهييجهم الشر والفتنة والخصوصة (في عدّة منها) أي من المسائل (وهي) أي الفائدة المضطر إليها في أصول الفقه وغيره (الحكم في أقوال النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم) أي جنسه أو خصوصه (وَأَفْعَالِهِ وَهُوَ بَابٌ عَظِيمٌ وَأَصْلٌ كَبِيرٌ مِنْ أصول الفقه) لابتناء كثير من أحكام الشريعة عليها وتفرعها عنها (ولا بدّ من بنائه) أي الأصل الكبير (على صدق النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم في أخباره) بكسر الهمزة أو فتحها (وبلاغه) أي تبليغه وهذا تخصيص بعد تعميم (وأنّه لا يجوز عليه السّهو فيه) أي في إبلاغ ما أمر تبليغه (وعصمته من المخالفة في أفعاله عمدا) احتراز من وقوعها سهوا (وبحسب اختلافهم) بفتح السين وأبعد الحلبي فقال هنا بإسكانها (في وقوع الصّغائر) من جواز صدورها وعدمه من الأنبياء (وقع خلاف) وفي نسخة اختلاف (في امتثال الفعل) أي بمجرد صدوره