المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل (وأما أفعاله عليه الصلاة والسلام الدنيوية) - شرح الشفا - جـ ٢

[الملا على القاري]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثّاني

- ‌[المقدمة]

- ‌(الْقِسْمُ الثَّانِي فِيمَا يَجِبُ عَلَى الْأَنَامِ مِنْ حقوقه صلى الله تعالى عليه وسلم)

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ [فِي فَرْضِ الْإِيمَانِ بِهِ وَوُجُوبِ طاعته واتّباع سنّته]

- ‌فصل [وَأَمَّا وُجُوبُ طَاعَتِهِ فَإِذَا وَجَبَ الْإِيمَانُ بِهِ وتصديقه فيما جاء به]

- ‌فصل [وَأَمَّا وُجُوبُ اتِّبَاعِهِ وَامْتِثَالُ سُنَّتِهِ وَالِاقْتِدَاءُ بِهَدْيِهِ]

- ‌فصل [وأما وَرَدَ عَنِ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ مِنِ اتِّبَاعِ سُنَّتِهِ]

- ‌فصل [وَمُخَالَفَةُ أَمْرِهِ وَتَبْدِيلُ سُنَّتِهِ ضَلَالٌ وَبِدْعَةٌ مُتَوَعَّدٌ من الله تعالى عليه بالخذلان والعذاب]

- ‌الباب الثاني [في لزوم محبته عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [في ثواب محبته صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [فِيمَا رُوِيَ عَنِ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ مِنْ مَحَبَّتِهِمْ للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [في علامات محبته صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [في معنى المحبة للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم وحقيقتها]

- ‌فصل [في وجوب مناصحته صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌الْبَابُ الثَّالِثُ [فِي تَعْظِيمِ أَمْرِهِ وَوُجُوبِ تَوْقِيرِهِ وبره]

- ‌فصل [في عادة الصحابة في تعظيمه عليه الصلاة والسلام وتوقيره وإجلاله]

- ‌فصل [واعلم أن حرمة النبي بعد موته وتوقيره وتعظيمه لازم]

- ‌فصل [فِي سِيرَةِ السَّلَفِ فِي تَعْظِيمِ رِوَايَةِ حَدِيثِ رسول الله وسنته عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [ومن توقيره صلى الله تعالى عليه وسلم وبره بر آله]

- ‌فصل [ومن توقيره وبره توقير أصحابه عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [ومن إعظامه وإكباره إعظام جميع أسبابه]

- ‌الباب الرابع [في حكم الصلاة عليه صلى الله تعالى عليه وسلم والتسليم]

- ‌فصل [اعلم أن الصلاة على النبي فرض في الجملة]

- ‌فصل [في المواطن التي تستحب فيها الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ويرغب فيها]

- ‌فصل [في كيفية الصلاة عليه والتسليم]

- ‌فصل (في فضيلة الصلاة على النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم والتسليم عليه والدّعاء له)

- ‌فصل (فِي ذَمِّ مَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله تعالى عليه وسلم وإثمه)

- ‌فصل [في تخصيصه عليه الصلاة والسلام بتبليغ صلاة من صلى عليه صلاة أو سلم من الأنام]

- ‌فصل (فِي الِاخْتِلَافِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى غَيْرِ النَّبِيِّ صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

- ‌فصل (فِي حُكْمِ زِيَارَةِ قَبْرِهِ صلى الله عليه وسلم وَفَضِيلَةِ مَنْ زَارَهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ

- ‌فصل (فِيمَا يَلْزَمُ مَنْ دَخَلَ مَسْجِدَ النَّبِيِّ صَلَّى الله تعالى عليه وسلم من الأدب)

- ‌الْقِسْمُ الثَّالِثُ [فِيمَا يَجِبُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تعالى عليه وسلم وما يستحيل في حقه وما يمتنع]

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ (فِيمَا يَخْتَصُّ بِالْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ وَالْكَلَامُ فِي عِصْمَةِ نَبِيِّنَا عليه الصلاة والسلام وَسَائِرِ الأنبياء صلوات الله عليهم

- ‌فصل (فِي حُكْمِ عَقْدِ قَلْبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تعالى عليه وسلم)

- ‌فصل (وأمّا عصمتهم من هذا الفنّ)

- ‌فصل [قال القاضي أبو الفضل قد بان مما قدمناه عقود الأنبياء في التوحيد والإيمان]

- ‌فصل [وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ مُجْمِعَةٌ عَلَى عِصْمَةِ النَّبِيِّ من الشيطان إلى آخره]

- ‌فصل [وأما قوله صلى الله تعالى عليه وسلم فقامت الدلائل إلى آخره]

- ‌فصل [وقد توجهت ههنا لبعض الطاعنين سؤالات]

- ‌فصل [فصل هذا القول فيما طريقه البلاغ]

- ‌فصل (فإن قلت فما معنى قوله عليه الصلاة والسلام في حديث السّهو)

- ‌فصل (وأمّا ما يتعلّق بالجوارح)

- ‌فصل [وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي عِصْمَتِهِمْ مِنَ الْمَعَاصِي قَبْلَ النبوة]

- ‌فصل [هَذَا حُكْمُ مَا تَكُونُ الْمُخَالَفَةُ فِيهِ مِنَ الْأَعْمَالِ عَنْ قَصْدٍ وَهُوَ مَا يُسَمَّى مَعْصِيَةً ويدخل تحت التكليف]

- ‌فصل (فِي الْكَلَامِ عَلَى الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورِ فِيهَا السَّهْوُ

- ‌فصل (فِي الرَّدِّ عَلَى مَنْ أَجَازَ عَلَيْهِمُ الصَّغَائِرَ

- ‌فصل (فَإِنْ قُلْتَ فَإِذَا نَفَيْتَ عَنْهُمْ صَلَوَاتُ اللَّهِ عليهم الذّنوب)

- ‌فصل [قد استبان لك أيها الناظر بما قررناه ما هو الحق من عصمته عليه السلام]

- ‌فصل (في القول في عصمة الملائكة)

- ‌الْبَابُ الثَّانِي [فِيمَا يَخُصُّهُمْ فِي الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ]

- ‌فصل [فَإِنْ قُلْتَ فَقَدْ جَاءَتِ الْأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام سحر]

- ‌فصل [هذا حاله عليه الصلاة والسلام في جسمه]

- ‌فصل [وَأَمَّا مَا يَعْتَقِدُهُ فِي أُمُورِ أَحْكَامِ الْبَشَرِ إلى آخره]

- ‌فصل [وَأَمَّا أَقْوَالُهُ الدُّنْيَوِيَّةُ مِنْ أَخْبَارِهِ عَنْ أَحْوَالِهِ]

- ‌فصل (فَإِنْ قُلْتَ قَدْ تَقَرَّرَتْ عِصْمَتُهُ صَلَّى اللَّهُ تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَقْوَالِهِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ)

- ‌فصل (فَإِنْ قِيلَ فَمَا وَجْهُ حَدِيثِهِ أَيْضًا الَّذِي حدّثناه الفقيه أبو محمد الخشنيّ)

- ‌فصل (وأمّا أفعاله عليه الصلاة والسلام الدّنيويّة)

- ‌فصل [فَإِنْ قِيلَ فَمَا الْحِكْمَةُ فِي إِجْرَاءِ الْأَمْرَاضِ وشدتها عليه عليه الصلاة والسلام]

- ‌الْقِسْمُ الرَّابِعُ (فِي تَصَرُّفِ وُجُوهِ الْأَحْكَامِ فِيمَنْ تنقّصه أو سبّه عليه الصلاة والسلام

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ (فِي بَيَانِ مَا هُوَ فِي حقّه صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبٌّ أَوْ نَقْصٌ مِنْ تَعْرِيضٍ أو نصّ)

- ‌فصل (فِي الْحُجَّةِ فِي إِيجَابِ قَتْلِ مَنْ سَبَّهُ أو عابه صلى الله تعالى عليه وسلم)

- ‌فصل (فَإِنْ قُلْتَ فَلِمَ لَمْ يَقْتُلِ النَّبِيُّ صَلَّى الله تعالى عليه وسلم اليهوديّ الّذي قال له)

- ‌فصل (قَالَ الْقَاضِي تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي قَتْلِ الْقَاصِدِ لسبّه)

- ‌فصل [أن يقصد إلى تكذيبه فيما قاله إلى آخره]

- ‌فصل (الْوَجْهُ الرَّابِعُ أَنْ يَأْتِيَ مِنَ الْكَلَامِ بِمُجْمَلٍ)

- ‌فصل [أَنْ لَا يَقْصِدَ نَقْصًا وَلَا يَذْكُرَ عَيْبًا ولا سبا لكنه ينزع إلى آخره]

- ‌فصل [أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُ ذَلِكَ حَاكِيًا عَنْ غَيْرِهِ وآثرا عن سواه]

- ‌فصل [أن يذكر ما يجوز على النبي أو يختلف في جوازه عليه]

- ‌فصل (وَمِمَّا يَجِبُ عَلَى الْمُتَكَلِّمِ فِيمَا يَجُوزُ عَلَى النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم وما لا يجوز)

- ‌الْبَابُ الثَّانِي [فِي حُكْمِ سَابِّهِ وَشَانِئِهِ وَمُتَنَقِّصِهِ ومؤذيه]

- ‌فصل (إذا قلنا بالاستتابة حيث تصحّ)

- ‌فصل (هذا حكم من ثبت عليه ذلك)

- ‌فصل [هذا حكم المسلم]

- ‌فصل (فِي مِيرَاثِ مَنْ قُتِلَ فِي سَبِّ النَّبِيِّ صلى الله تعالى عليه وسلم وغسله والصلاة عليه)

- ‌الْبَابُ الثَّالِثُ (فِي حُكْمِ مَنْ سَبَّ اللَّهَ تعالى وملائكته وأنبياءه وكتبه وآل النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم وأزواجه وصحبه

- ‌فصل (وَأَمَّا مَنْ أَضَافَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مَا لَا يَلِيقُ بِهِ لَيْسَ عَلَى طَرِيقِ السَّبِّ)

- ‌فصل [فِي تَحْقِيقِ الْقَوْلِ فِي إِكْفَارِ الْمُتَأَوِّلِينَ قَدْ ذكرنا مذاهب السلف وإكفار أصحاب البدع والأهواء]

- ‌فصل (فِي بَيَانِ مَا هُوَ مِنَ الْمَقَالَاتِ كُفْرٌ وَمَا يُتَوَقَّفُ أَوْ يُخْتَلَفُ فِيهِ وَمَا لَيْسَ بكفر)

- ‌فصل [هَذَا حُكْمُ الْمُسْلِمِ السَّابِّ لِلَّهِ تَعَالَى وَأَمَّا الذمي الخ]

- ‌فصل [هَذَا حُكْمُ مَنْ صَرَّحَ بِسَبِّهِ وَإِضَافَةِ مَا لَا يَلِيقُ بِجَلَالِهِ وَإِلَهِيَّتِهِ فَأَمَّا مُفْتَرِي الْكَذِبِ الخ]

- ‌فصل (وأمّا من تكلّم من سقط القول)

- ‌فصل (وَحُكْمُ مَنْ سَبَّ سَائِرَ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وملائكته)

- ‌فصل (واعلم أن من استخفّ بالقرآن)

- ‌فصل [من سب آل بيته وأزواجه وأصحابه عليه الصلاة والسلام وتنقصهم حرام ملعون فاعله]

- ‌ نظم

- ‌فهرس محتويات الجزء الثاني من شرح الشفا

الفصل: ‌فصل (وأما أفعاله عليه الصلاة والسلام الدنيوية)

التأديب، (فلمّا كان منه إيجاع) أي حقيقة أو إظهار وجع حيلة (لم يقصده) بضربه (طلب التّحلّل منه) أي في قدر الزائد على ما يستحقه (على ما قدّمناه) من نظير ما وقع له مع غيره قال ابن عبد البر وهذه القصة لسواد بن عمرو لا لسواد بن غزية وقد رويت لسواد بن غزية انتهى ويقال سواد بن غزية مشدد الواو وسواد في الأنصار غيره مخففة وقال ابن إسحاق حدثني حبان بن واسع عن أشياخ من قومه أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عدل صفوف أصحابه يوم بدر ومعه قدح يعدل به القوم فمر بسواد بن غزية حليف بن عدي بن النجار وهو مستنتل من الصف قال ابن هشام ويقال متنصل من الصف فطعن في بطنه بالقدح وقال استو يا سواد قال يا رسول الله أوجعتني وقد بعثك الله تعالى بالحق والعدل فاقدني قال فكشف رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عن بطنه وقال استقد قال فاعتنقه وقبل بطنه قال ما حملك على هذا يا سواد قال يا رسول الله حضر ما ترى فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك الشريف فدعا له رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بخير انتهى وقال الحلبي وأما ما وقع في بعض النسخ أنه عمرو بن سواد فغلط وعلى الخطأ نقله شيخنا ابن الملقن في شرح البخاري ثم تعقبه لكنه لم ينبه على أنه مقلوب.

‌فصل (وأمّا أفعاله عليه الصلاة والسلام الدّنيويّة)

أي المجردة عن الأحكام الأخروية (فحكمه) مبتدأ (فيها) أي في أفعاله الدنيوية (من ترقّي المعاصي والمكروهات) بيان لحكمه أي من تحفظه عنهما (ما قدّمناه) وفي نسخة ما قد قدمناه وهو خبر المبتدأ وأما ما صدر عنه من فعل بعض المكروهات كشربه وبوله قائما بعد نهيه فإنه كان لعذر لديه أو لبيان الجواز مما كان واجبا عليه (ومن) أي وحكمه من (جواز السّهو والغلط في بعضها) أي أفعاله كتسليمه من ركعتي إحدى صلاتي العشى سهوا (ما ذكرناه) في حديث ذي اليدين (وكلّه غير قادح في النّبوّة) المبنية على صفة العصمة (بل) وفي نسخة بلى (إنّ هذا) أي صدور السهو (فيها على النّدور إذ عامّة أفعاله) أي غالبا بل كلها (على السّداد) أي الاستقامة والاقتصاد (والصّواب) في الاجتهاد (بل أكثرها أو كلّها) أي أفعاله الصادرة على وفق العادات (جارية مجرى العبادات والقرب) بضم ففتح أي القربات (على ما بيّناه) من أن الأعمال بالنيات وأن المباحات بها تنقلب طاعات (إذ كان عليه الصلاة والسلام لا يأخذ منها) أي من أفعاله الدنيوية (لنفسه إلّا ضرورته) أي حاجته المعينة على أحواله الأخروية من القيام بالعبودية وفق مقتضى الربوبية وفي نسخة إلا ضروريته أي إلا أموره الضرورية التي لا يستغني عنها الأفراد البشرية (وما يقيم رمق جسمه) أي مادة قوته وقوته من أكله وشربه ونومه التي بها قيام بنيته ونظام صحته قدر فريضته (وفيه مصلحة ذاته) وما يتبعه من صفاته (الّتي بها يعبد ربّه ويقيم شريعته) ببيان أحكامها (ويسوس أمّته) أي يراعيهم ويؤديهم بما فيه نظامها وهذا كله فيما بينه وبين ربه (وما

ص: 365

كَانَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ مِنْ ذَلِكَ) أي مما ذكر من أفعاله الدنيوية (فبين معروف يصنعه) بين ظرف ومعروف مجرور منون مضاف إليه أي فأمره دائر بين فعل معروف يصنعه إليهم (أو بر) أي أنعام (يوسّعه) عليهم (أو كلام حسن يقوله) ويلقيه لديهم (أو يسمعه) بضم الياء وكسر الميم أي يرويه لهم وفي نسخة بفتحهما أي يسمعه منهم فيما صدر عنهم (أو تألّف شارد) أي نافر بطبعه ما رد فيداريه بالأحكام ليثبت قلبه على الإسلام (أو قهر معاند) أي منكر جاحد، (أو مداراة حاسد) أي مدافعته وهو من الدرء بالهمز وهو الدفع وقد يخفف همزه ومنه قولهم ودارهم ما دمت في دارهم (وكلّ هذا لاحق بصالح أعماله) وفي نسخة بمصالح أعماله (منتظم في زاكي وظائف عباداته) أي ظاهرها أو زائدها في مقام فوائدها (وَقَدْ كَانَ يُخَالِفُ فِي أَفْعَالِهِ الدُّنْيَوِيَّةِ بِحَسَبِ اختلاف الأحوال) العارضة من الأمور الأخروية (وبعد) بضم الياء وكسر العين وتشديد الدال أي ويهيئ (للأمور أشباهها) المناسبة لأفعالها (فيركب في تصرّفه) وتوجهه (لما) أي لسير (قرب) من البلد (الحمار) إذ لا كلفة في ركوبه مع الإيذان بعدم التكبر مع جلالة مقامه (وفي أسفاره) أي البعيدة (الرّاحلة) لصبرها على شدة السير ومشقة الزاملة (وَيَرْكَبُ الْبَغْلَةَ فِي مَعَارِكَ الْحَرْبِ دَلِيلًا عَلَى الثّبات) إلى الوفاة وإشعارا بقوة شجاعته وشدة قلبه مع كونها لا تصلح للكر والفر وقال علي كرم الله تعالى وجهه إذا اشتد البأس اتقينا برسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أي جعلناه وقاية من الناس (ويركب الخيل ويعدّها) من أعد أي يهيئها (ليوم الفزع) أي وقت الإغاثة والإعانة (وإجابة الصّارخ) أي الصائح للإعلام بالحادثة الواقعة (وكذلك) كان يفعل (في لباسه وسائر أحواله) وفي نسخة أفعاله أي في أكله وشربه وفراشه ومنامه وقيامه وإفطاره وصيامه وسكوته وكلامه (بحسب اعتبار مصالحه) أي مهمات ذاته (ومصالح أمّته) أي مراعاة أهل ملته ليقدر كل أحد في الجملة على متابعته على ما بيناه في جميع الوسائل لشرح الشمائل (وكذلك يفعل الفعل من أمور الدّنيا مساعدة لأمّته) على أحوال العقبى (وسياسة) لبعضهم (وَكَرَاهِيَةً لِخِلَافِهَا وَإِنْ كَانَ قَدْ يَرَى غَيْرَهُ خيرا منه) أي من حيثية أخرى (كما) يترك (الفعل) أي فعل الخير (لهذا) أي لحكمة نفسه أو لمصلحة أمته (وقد يرى فعله خيرا منه) أي من تركه في نفسه الأمر إشعارا بجوازه (وقد يفعل هذا) أي ما يرى تركه خيرا من فعله (في الأمور الدّينيّة ممّا له الخيرة) بكسر الخاء وفتح الياء ويسكن اسم من خار بمعنى اختار أي ما هو مخير (في أحد وجهيه) أي في فعلهما (كخروجه) بأصحابه (من المدينة لأحد) حين محاربة أبي سفيان وقومه (وكان مذهبه) أي عادته (التّحصّن بها) وعدم الخروج منها (وتركه) أي وكتركه عليه الصلاة والسلام (قَتْلَ الْمُنَافِقِينَ وَهُوَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَمْرِهِمْ) غير شاك في كفرهم وفي نسخة من أمورهم وإنما تركهم (مؤالفة لغيرهم ورعاية) أي ومراعاة (للمؤمنين) المخلصين (من قرابتهم وكراهة) وفي نسخة وكراهية (لِأَنْ يَقُولَ النَّاسُ إِنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ كما جاء في الحديث) المناسب لبابه وهو ما رواه البخاري وغيره في قصة رئيس أهل النفاق عبد الله بن أبي وقوله في غزوة بني

ص: 366

المصطلق لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الأذل وأراد بالأعز نفسه وبالأذل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فسمعه زيد بن أرقم وهو حدث فقال له أنت والله الأذل المبغض في قومه ومحمد هو الأعز بربه وقومه ثم أخبر رسول الله بقوله فقال عمر دعني أضرب عنق هذا المنافق يا رسول الله فقال إذن ترعد ألف كبيرة يثرب قال فإن كرهت أن يقتله مهاجري فمر أنصاريا فكيف إذا تحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه (وتركه) أي وكتركه عليه الصلاة والسلام (بِنَاءَ الْكَعْبَةِ عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ مُرَاعَاةً لِقُلُوبِ قريش) حيث كانوا قريب عهد بالإسلام ولم يتمكنوا في قبول الأحكام (وتعظيمهم لتغيّرها) وفي نسخة لتغييرها أي الكعبة بيت الله الحرام عمالها من ظاهر النظام (وحذرا من نفار قلوبهم) بكسر النون أي تنافرها (لذلك) أي لتغيرها (وتحريك متقدّم عداوتهم للدّين وأهله) بالارتداد ونحوه (فقال لعائشة) كما رواه الشيخان (لولا حدثان قومك) بكسر الحاء أي قرب عهدهم (بالكفر) ويروى حداثة قومك (لأتممت البيت على قواعد إبراهيم) أي أسست أو بنيت أو أعليت أو أتممته بإدخال الحجر وقد بناه ابن الزبير كما تمناه وغير الحجاج بعض ما بناه وعلى ذلك البناء بقي إلى وقتنا (ويفعل الفعل) أي أحيانا (ثمّ يتركه) بعده (لكون غيره خيرا منه) حينئذ (كانتقاله من أدنى مياه بدر) أي من أدناها إلى بدر (إلى أقربها للعدوّ من قريش) برأي الحباب بن المنذر كما سبق (وكقوله) في حجة الوداع على ما رواه الشيخان (لو استقبلت من أمري ما استدبرت) أي الأمر الذي استدبرته (ما) وفي نسخة لما (سقت الهدي) إذ بفعله ذلك لزمه أن لا يحل حتى ينحر ولا يجوز نحره إلا يوم النحر فلا يجوز له فسخ الحج بعمرة كما أمر بذلك أصحابه ليخرج عن خاطرهم ما اشتهر في الجاهلية من أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور وإنما أمر بذلك من لم يكن معه هدي إذ يكون له فسخه هنالك وإنما قال ذلك على وجه الاعتذار تطييبا لقلوب أصحابه وحذرا من ان يشق عليهم أن يحلوا وهو محرم وليعلموا أن قبول ما دعاهم إليه من فسخه بها أفضل وأنه لولا الهدي لفعله ثم هذا الفسخ منسوخ عند الأئمة إلا أحمد بن حنبل (ويبسط وجهه للكافر والعدوّ) من المنافق (رجاء استئلافه) طمعا في الفته وحذرا من نفرته (ويصبر للجاهل) فيما يصدر عنه حال فترته (ويقول) كما رواه الشيخان عن عائشة (إنّ من شرار النّاس) وفي نسخة من شر الناس (من اتّقاه النّاس) أي خافوه وحذروه واحترسوا منه (لشرّه ويبذل له) بضم الذال المعجمة أي يعطي من ذكر وأمثاله (الرّغائب) أي النفائس من ماله (ليحبّب إليه شريعته) أي أحكام ملته (ودين ربّه) أي من طاعته وعادته (ويتولّى في منزله ما يتولّى به) أي يقوم فيه بما يقوم وفي نسخة ما يتولاه (الخادم من مهنته) بفتح الميم هو الرواية وقد يكسر وقيل خطأ أي خدمة منزله، (ويتسمّت) بتشديد الميم من السمت وهو الهيئة الحسنة أي يظهر السمت الحسن ويقصد الطريق المستحسن (في ملاآته) بضم الميم ممدودا وقيل مقصور مهموز وغلط أي في إزاره كذا قالوا والظاهر في ملابسه إذ الملاآت جمع ملاءة وهي الملحفة ويقال لها الريطة إذا كانت قطعة

ص: 367

واحدة ولم تكن لفقين يشتمل بها وروي في ملائه بفتحتين مقصورا أي جماعته وقومه (حتّى لا يبدو) أي لا يظهر (منه شيء من أطرافه) أي أعضائه من ساق وقدم وساعد ونحوها من كمال أدبه ووقاره وجمال حيائه وانكساره وتواضعه لربه وافتقاره وليتأدب أصحابه بشعاره ودثاره (حتّى كأنّ) بتشديد النون (على رؤوس جلسائه الطّير) من كمال سكوتهم وسكونهم ووقارهم في قرارهم لأن الطير لا يقع إلا على ساكن (ويتحدّث مع جلسائه بحديث أوّلهم) أي بحكاية أوائلهم وما جرى لهم تأنسا بمقالهم وتلطفا بحالهم أو بحديث أوله متكلم منهم فيبني عليه كلامه إلى أن ينتهي مرامه أو يتحدث مع آخرهم بحديث أولهم من جهة النشاط وطريق الانبساط من غير انقياض عن بعضهم وملالة وكلالة في آخر أمرهم ولفظ الترمذي حديثهم عنده كحديث أولهم (ويتعجّب ممّا يتعجّبون منه) استجلابا لخواطرهم (ويضحك ممّا يضحكون منه) في عجائب أخبارهم وغرائب آثارهم (وقد وسع النّاس) أي جميعهم (بشره) بكسر فسكون أي طلاقة وجهه وبشاشة حديثه (وعدله) أي وكذا وسعهم عدله في حكمهم أو اعتداله في أمرهم (لا يستفزّه الغضب) أي لا يستخفه ولا يزعجه ولا يخرجه عن مقام الأدب مع أن غضبه كان للرب (ولا يقصّر عن الحقّ) بل يقوم به غاية القيام (ولا يبطن) بضم الياء وكسر الطاء أي لا يضمر (على جلسائه) خلاف ما يظهره (يقول) شاهدا لأمره (ما كان لنبي أن يكون له خائنة الأعين) وقد تقدم ما يتغلق به مبنى ومعنى وتفصيل هذه الفضائل ذكرته في شرح الشمائل (فَإِنْ قُلْتَ فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ لِعَائِشَةَ رضي الله عنها كما رواه الشيخان (في الدّاخل عليه) وهو عتبة بن حصين الفزاري قبل أن يسلم أو مخرمة بن نوفل القرشي ولا يبعد تعدد القضية (بئس ابن العشيرة) وفي نسخة هو وفي رواية أو أخو العشيرة كما في رواية الترمذي على الشك وأما رواية البخاري بئس ابن العشيرة وأخو العشيرة أي إنما قاله حين استأذن في الدخول عليه (فلمّا دخل ألان له القول) أي لين له الكلام (وضحك معه) في المقام وفي رواية البخاري تطلق في وجهه وانبسط إليه، (فلمّا خرج سألته) أي عائشة (عن ذلك) ولفظ الترمذي فلما خرج قلت يا رسول الله قلت ما قلت ثم ألنت له القول (فقال) يا عائشة متى عهدتني فحاشا (إنّ من شرّ النّاس) وفي رواية أن شر الناس عند الله تعالى منزلة يوم القيامة (من اتّقاه النّاس لشرّه) وفي رواية من تركه الناس اتقاء فحشه وفي رواية اتقاء شره (وَكَيْفَ جَازَ أَنْ يُظْهِرَ لَهُ خِلَافَ مَا يبطن) أي يضمر (ويقول في ظهره) أي في غيبته قبل أن يدخل في حضرته (ما قال) في مواجهته (فالجواب أنّ فعله عليه الصلاة والسلام أي ضحكه والإنة قوله له (كان استئلافا) أي مداراة له وتألفا (لمثله) من اجلاف العرب وعتاتهم في مقام الأدب (وتطييبا لنفسه ليتمكّن إيمانه) في باطن قلبه (ويدخل في الإسلام بسببه) أي بسبب اتباعه (أتباعه) أي قومه وأشياعه (ويراه مثله) في الجفاوة والقساوة (فينجذب) أي ينقاد (بذلك إلى الإسلام) وقبول الأحكام، (ومثل هذا) الاتقاء (على هذا الوجه) أي وجه الاستئلاف (قد خرج من حدّ مداراة الدّنيا) أي مدارة الأمور الدنيوية (إلى السّياسة الدّينيّة) أي انتقل منها إليها

ص: 368

بالمقاصد الأخروية (وقد كان يتألفهم) وفي نسخة يستألفهم (بأموال الله العريضة) أي بإعطاء الأموال الكثيرة (فكيف) لا يتألفهم (بالكلمة اللّيّنة) فأنها أولى أن تقع فأنها في المرتبة الهينة (قال صفوان) أي ابن أمية بن وهب الجمحي اسلم بعد حنين وكان أحد الأشراف والفصحاء وفي الصحابة ممن يقال له صفوان ستة عشر غير ما تقدم والله تعالى أعلم (لقد أعطاني) أي رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم تعالى كما في نسخة (وَهُوَ أَبْغَضُ الْخَلْقِ إِلَيَّ فَمَا زَالَ يُعْطِينِي) أي الأموال عفوا من غير السؤال (حتّى صار أحبّ الخلق إليّ) فإن الإنسان عبد الإحسان؛ (وقوله) عليه الصلاة والسلام (فيه) أي في حق الرجل المذكور (بئس ابن العشيرة هو غير غيبة) بكسر الغين وهي أن تذكر أخاك المسلم بما يكرهه (بل هو تعريف) أي اعلام (بما علمه منه) وفي نسخة تَعْرِيفُ مَا عَلِمَهُ مِنْهُ (لِمَنْ لَمْ يَعْلَمْ) بحاله (ليحذر حاله ويحترز منه ولا يوثق) أي لا يعتمد وفي نسخة لا يثق (بجانبه كل الثّقة لا) وفي نسخة ولا (سيّما وكان مطاعا) بضم الميم يفسره (متبوعا) أي لقومه لا يخرجون عن رأيه، (وَمِثْلُ هَذَا إِذَا كَانَ لِضَرُورَةٍ وَدَفْعِ مَضَرَّةٍ) وكذا حصول منفعة وظهور مصلحة (لم يكن بغيبة بل كان جائزا) بلا شبهة (بل) قد يكون (واجبا في بعض الأحيان كعادة) بعض (المحدّثين في تجريح الرّواة) بكذب أو سوء حفظ أو قلة ديانة ونحوها (والمزكّين) بكسر الكاف عطف على المحدثين وفي نسخة بفتحها على أنه عطف على الرواة (في الشّهود) قال التلمساني بسكون الياء جمع مزكى هذا قول البصريين وأجراه الكوفيون كالصحيح؛ (فإن قيل فما معنى المعضل) بكسر الضاد المعجمة أي الداء العضال المشكل الذي أعيى الفضلاء والحكماء في باب الدواء وفي نسخة الفصل واحد الفصول بدل المعضل (الوارد في حديث بريرة) براءين على زنة فعيلة وهي بنت صفوان مولاة عائشة وهي حبشية أو قبطية (من قوله عليه الصلاة والسلام لعائشة) كما في الصحيحين (وقد أخبرته) أي عائشة (أنّ موالي بريرة أبوا بيعها) أي امتنعوا عنه (إلّا أن يكون لهم الولاء) بفتح الواو أي ولاء عتقها فإنهم كاتبوها فعجزت فأتت عائشة تستعين بها فقالت إن أراد أهلك دفعت له ثمنك واعتقتك ويكون ولاؤك لي فأبوا (فقال لها عليه الصلاة والسلام اشتريها واشترطي لهم الولاء) هذا هو المعضل من الداء الذي تحير في معالجته العلماء (ففعلت) أي اشترتها وشرطت لهم الولاء وأعتقتها، (ثمّ قام خطيبا) أي واعظا (فقال ما بال أقوام) أي ما حالهم وشأنهم (يشترطون شروطا ليست في كتاب الله تعالى) أي مما لم يرد بشرعيتها أحكام ليعمل بها (كلّ شرط ليس في كتاب الله) أي ولا في سنة رسول الله (فهو باطل) ليس تحته طائل وفي بعض النسخ زيادة قوله شرط الله تعالى أوثق وقضاؤه أحق (والنبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم قد أمرها بالشّرط لهم) وهذا مشكل (وعليه باعوا) وهذا معضل (ولولاه) أي ولولا شرط عائشة لولائها لهم (والله تعالى أعلم) جملة معترضة (لما باعوها) أي بريرة (من عائشة كما لم يبيعونها قبل) أي قبل قبول عائشة شرطهم (حتّى شرطوا ذلك عليها) أي على عائشة (ثمّ أبطله عليه الصلاة والسلام وهو قد حرّم الغشّ) بقوله من غشنا فليس منا كما رواه

ص: 369

الترمذي (والخديعة) أي وكذا حرم المكر والمكيدة بقوله تعالى وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فهذا مشكل من وجوه فيحتاج إلى جواب شاف كاف (فَاعْلَمْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ تعالى عليه وسلم مبرأ) أي منزه (عمّا يقع في بال الجاهل) أي قلب الغافل (من هذا) المقام الكامل (ولتنزيه النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم عن ذلك) وعدم ظهور تأويل ذلك لهم فيما هنالك (ما) زائدة أو موصولة (قد أنكر قوم) من المحدثين منهم يحيى ابن أكثم (هذه الزّيادة) أعني (قوله) أي وهي قوله (اشترطي لهم الولاء إذ ليست) هذه الزيادة (في أكثر طرق الحديث) أي حديث بريرة فلا إشكال في بقية الإفادة وقد اعتل بتفرد مالك به عن هشام بن عروة وأنه لم يتابع عليه لكن الصحيح أنه تابعه عليه أبو أسامة وجرير في طريق متعددة (ومع ثباتها) أي ومع صحة هذه الزيادة وهو المعتمد لأن زيادة الثقة مقبولة بلا شبهة (فَلَا اعْتِرَاضَ بِهَا إِذْ يَقَعُ لَهُمْ بِمَعْنَى عليهم) فإن حروف الجر يستعار بعضها لبعض كما هو مقرر في محله من المغني ونحوه (قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ [الرَّعْدِ: 25] ) أي عليهم والأظهر أن اللام فيه للاختصاص أي اللغة حاصلة لهم دون غيرهم (وقال وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها [الإسراء: 7] ) أي فعليها وعدل عنها للمشاكلة أو الاختصاص كما قدمناه (فعلى هذا) القول بأن اللام بمعنى على فالمراد (اشترطي عليهم الولاء لك) فإنما هو لمن اعتق وهذا بعيد جدا من جهة المبنى والمعنى أما الأول فلأنه لا يصلح كون لهم هنا بمعنى عليهم وإن صح من غيره لأن اللام لا تكون كعلي إلا حيث لا لبس فإنه يقال اشترط له واشترط عليه كما يقال دعا له ودعا عليه وشهد له وشهد عليه وقضى له وعليه فلا ينوب أحدهما مناب الآخر فتدبر وأما الثاني فلما قدمه المصنف من أن موالي بربرة لم يرضوا إلا أن يكون ولاؤها لهم فلو رضوا لما وقع العتب في الخطبة عليهم وأن تكلف المصنف في دفعه بقوله (ويكون قيام النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم ووعظه لما سلف لهم من شرط الولاء لأنفسهم قبل ذلك) فعلى هذا معنى قوله عليه الصلاة والسلام لعائشة اشترطي أظهري شرط الولاء لك وقيل معناه الوعيد الذي ظاهره الأمر وباطنه النهي قاله محمد بن شجاع ومنه قوله تعالى اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ ومعناه التهديد على عمله أن عملوه لأن صعوده على المنبر ونهيه دليل على ذلك فتدبر. (ووجه ثان) من وجوه الأجوبة (أنّ قوله عليه الصلاة والسلام اشْتَرِطِي لَهُمُ الْوَلَاءَ لَيْسَ عَلَى مَعْنَى الْأَمْرِ) المجزوم به للتأكيد ولا للتهديد (لَكِنْ عَلَى مَعْنَى التَّسْوِيَةِ وَالْإِعْلَامُ بِأَنَّ شَرْطَهُ لَهُمْ لَا يَنْفَعُهُمْ بَعْدَ بَيَانِ النَّبِيِّ صَلَّى الله تعالى عليه وسلم لهم قبل) أي قبل ذلك والمعنى قبل قوله لها اشترطيه لهم (أَنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ فَكَأَنَّهُ قَالَ اشْتَرِطِي أو لا تشترطي) فحذفه يكون من باب الاكتفاء والمعنى وأن تَشْتَرِطِي (فَإِنَّهُ شَرْطٌ غَيْرُ نَافِعٍ، وَإِلَى هَذَا ذهب الدّاوديّ وغيره) من العلماء قاله الدلجي ويؤيده أنه قد ورد في بعض طرقه اشترطي أو لا تشترطي فإنما الولاء لمن أعتق وفيه بحث إذ المراد به أن الولاء لمن اعتق سواء اشترط عند شرائه الولاء لنفسه أو لم يشترط بأن اطلق الشراء وإنما الكلام فيما إذا لم يمرض البائع إلا

ص: 370

بشرط الولاء لنفسه نعم يرد عليه إذا علم أن هذا الشرط باطل في الشريعة فأراد صلى الله تعالى عليه وسلم بقوله لها اشترطي أن شرطك لا يضرك هنالك بل يضرهم ذلك (وتوبيخ النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم لهم وتقريعهم على ذلك) أي تصميمهم على شرطهم وامتناعهم من بيعها إلا أن يكون لهم الولاء (يدلّ على علمهم به) بأن شرطه لهم غير نافع (قبل هذا) التوبيخ والتقريع. (الوجه الثّالث) كأنه تفنن في العبارة (أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ اشْتَرِطِي لَهُمُ الْوَلَاءَ أَيْ أظهري لهم حكمه) أي شريعته (وبيّني عندهم سنّته) أي طريقته وهو (أنّ الولاء إنّما هو لمن أعتق) وأن شرط لغيره فشرط الله تعالى أوثق وقضاؤه أحق؛ (ثمّ بعد هذا قام) أي هو كما في نسخة (صلى الله تعالى عليه وسلم) أي خطيبا واعظا (مبيّنا ذلك) لتعم الفائدة هنالك (وموبّخا) لهم (على مخالفة ما تقدّم منه فيه) وفي نسخة وموبخا على مخالفه بالإضافة هذا ومن قصة بريرة أنها لما أعتقت وهي منكوحة مغيث اختارت نفسها ولم تقبل شفاعة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم في زوجها فقد قيل إنما فعلت ذلك إيثارا لخدمة النبي عليه الصلاة والسلام على خدمة زوجها وهو حسن مستحسن وذكر الغزالي في الإحياء وجها آخر وهو أنه عليه الصلاة والسلام لبس يوما واحدا ثوبا من سندس ثم نزعه وحرم لبس الحرير وكأنه إنما لبسه أولا لتأكيد التحريم كما لبس خاتما من ذهب يوما ثم نزعه فحرم لبسه على الرجال وكما قال لعائشة رضي الله تعالى عنها في شأن بريرة اشترطي لأهلها الولاء فلما اشترطته صعد المنبر فحرمه وكما أباح المتعة ثلاثة أيام ثم حرمها لتأكيد أمر النكاح انتهى وفيه بحث لا يخفى إذ يقتضي هذا أن الاشتراط أولا كان حلالا ثم صار حراما فينبغي أن يكون العقد الأول بشرطه صحيحا وليس كذلك بل العقد صحيح والشرط باطل فرجع الإشكال بأن فيه غررا بظاهر الحال؛ (فَإِنْ قِيلَ فَمَا مَعْنَى فِعْلِ يُوسُفَ عليه السلام بأخيه) أي شقيقه بنيامين (إذ جعل السّقاية) أي الصاع الذي كان يسقي فيه ويكال به أيضا لعزة الغلة في وقته وقد قيل كانت من زبرجد أو من ذهب أو فضة مرصعة (في رحله) أي وسط متاع أخيه (وأخذه) أي وأخذ يوسف أخاه وحبسه عنده (باسم سرقتها) أي بعنوان سرقته السقاية (وما جرى على إخوته في ذلك) بعمومهم (وقوله تعالى) حكاية عن المنادي ومن معه خطابا لإخوة يوسف (إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ [يوسف: 70] ولم يسرقوا) جملة حالية (فَاعْلَمْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ أَنَّ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى أنّ فعل يوسف كان) صادرا (عن أمر الله لقوله تعالى كذلك) أي مثل ذلك الكيد (كِدْنا لِيُوسُفَ) أي بينا الكيد له بأن أوحينا إليه ليأخذ أخاه في دين أبيه لأنه أولى من حكم غيره وقيل الكيد هنا جزاء الكيد يعني كما فعلوا بيوسف في الابتداء فعلنا بهم حال الانتهاء حتى ضم يوسف أخاه إلى نفسه وحال بينه وبين إخوته (ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ) فيضمه إلى نفسه في مثواه (فِي دِينِ الْمَلِكِ) أي حكمه إذ كان من دينه ضرب السارق وتغريمه مثلي ما سرقه دون الاسترقاق (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ [يوسف: 76] ) بأن يجعل ذلك الحكم حكم ملك مصر فالاستثناء من أعم الأحوال ويجوز أن يكون منقطعا أي

ص: 371

لكن أخذه بمشيئة الله تعالى وإذنه (الآية) أي نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ والحاصل أن يوسف لم يكن ليتمكن من حبس أخيه في حكم الملك لولا ما كدنا له بلطفنا حتى وجد السبيل إلى ذلك وهو ما أجري على ألسنة الأخوة أن جزاء السراق الاسترقاق فحصل مراد يوسف بمشيئة الخلاق (فإذا كان) الأمر (كذلك فلا اعتراض به) أي فيه هنالك (كان فيه ما فيه) بدل من قوله فلا اعتراض به جواب لا ذا أي والذي فيه هو أنه كيف يجوز أن يأمر الله تعالى به ولا يبعد أن يكون التقدير فإذا كان ذلك بإذن الله تعالى وتعليمه هنالك فلا اعتراض به على أي وجه كان فيه مما وقع فيه ثم رأيت الأنطاكي قال يعني أي شيء كان بعد أن يكون ذلك بأمر الله سبحانه وتعالى لأن الملك ملكه وما فيه عبيده وإماؤه وللمالك أن يتصرف في ملكه ما يشاء، (وأيضا) يمكن أن يقال في دفع الإشكال (فَإِنَّ يُوسُفَ كَانَ أَعْلَمَ أَخَاهُ بِأَنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلا تَبْتَئِسْ) أي لا تحزن (بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) بنا فيما مضى فإن الله تعالى قد أحسن إلينا وجمعنا بخير وتفضل علينا ونعم ما قيل:

كما أحسن الله فيما مضى

كذلك يحسن فيما بقي

وروي أنه قال ليوسف بعد ما اعلمه أنا أخوك فأنا لا أفارقك فقال لقد علمت اغتمام والدي بي فإذا حبستك ازداد غمه ثم لا سبيل إلى ذلك إلا أن أنسبك إلى ما لا يجمل في حقك فقال لا أبالي فافعل ما بدا لك فإني أدس صاعي في رحلك ثم يقال إنك سرقته ليتأتى لي ردك إلي بعد تسريحك معهم قال فأفعل ولله در القائل:

فليس لي في سواك حظ

فكيف ما شئت فاختبرني

(فَكَانَ مَا جَرَى عَلَيْهِ بَعْدَ هَذَا مِنْ وفقه) أي وفق مرافقته وفي نسخة وفقته (ورغبته) أي ميله في إقامته (وعلى) أي وكان على (يقين من عقبى الخير له به) أي لبنيامين بسبب يوسف (وإزاحة السّوء) بضم السين وفتحها والإزاحة بالزاء أي إزالة الشر (والمضّرة عنه بذلك) التوفيق؛ (وأمّا قوله سبحانه وتعالى حكاية (أَيَّتُهَا الْعِيرُ) أي أصحاب الإبل ذات الاحمال من الطعام والأثقال (إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ [يوسف: 70] ) أي في ظننا (فليس من قول يوسف) بل من مناديه (فيلزم) أي فلا يلزم (عليه جواب يحلّ شبهه) أي يزيلها وفي نسخة لحل شبهه أي لفك عقده (ولعلّ قائله إن حسّن له التّأويل) بصيغة المجهول مشدد السين أي أن صحح (كائنا من كان) أي بأمر يوسف أو غيره (ظنّ على صورة الحال ذلك) كما يقتضي المقال هنالك (وقد قيل قال ذلك) بأمر يوسف هنالك (لفعلهم قبل) أي قبل ذلك (بيوسف) فإنه كان سرقه في المعنى من أبيه ومكيدة في حق ابنه (وبيعهم له) حيث قال تعالى وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ أي باعه إخوته أو اشتراه السيارة من إخوته قولان للمفسرين وقد أغرب الدلجي حيث قال بعد قوله وبيعهم له وفيه ما فيه لأنهم لم يسرقوا بل ذهبوا به

ص: 372