الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْبَابُ الثَّانِي [فِي حُكْمِ سَابِّهِ وَشَانِئِهِ وَمُتَنَقِّصِهِ ومؤذيه]
(في حكم سابّه) أي شاتمه (وشانئه) أي مبغضه إذ أظهر عليه أثره (ومتنقّصه) أي الطالب نقصه (ومؤذيه) أي بقوله أو فعله (وعقوبته) أي وفي عقوبة من ذكر (وذكر استتابته) من طلب توبته أو قبول رجعته وفي نسخة والصلاة عليه (ووراثته) في تركته بعد موته (قَدْ قَدَّمْنَا مَا هُوَ سَبٌّ وَأَذًى فِي حقّه صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرْنَا إِجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ عَلَى قَتْلِ فاعل ذلك وقائله) أي إن لم يرجع إلى الإسلام (وتخيير الإمام) وفي نسخة أو ولا وجه له وفي نسخة ويخير الإمام أي وذكرنا كونه مخيرا (فِي قَتْلِهِ أَوْ صَلْبِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ) أي تفصيل صور أمثلته (وقرّرنا الحجج عليه) بإظهار أدلته (وبعد) أي بعد ذلك (فاعلم أنّ مشهور مذهب مالك وأصحابه وأقوال السّلف) أي بعضهم (وجمهور العلماء) أي المالكية لما سيأتي أن الجمهور على خلاف قول مالك المشهور (قتله حدّا لا كفر إن أظهر التّوبة منه) أي من عند نفسه أو من قوله أو فعله (ولهذا) أي ولكونه يقتل حدا لا كفرا (لا تقبل عندهم توبته) أي منه كما في نسخة (ولا تنفعه) أي في دفع قتله (استقالته ولا فيأته) بفتح الفاء وتكسر فتحتية ساكنة فهمزة أي رجوعه عنه (كما قدّمناه قبل) أي قبل ذلك (وحكمه) أي في حتم القتل (حكم الزّنديق) الذي توبته عندهم لا تقبل وهو الذي لا يتدين (ومسرّ الكفر) ومظهر الإيمان (في هذا القول) المشهور من مذهب مالك وقال غيره تقبل توبته ولا يقتل (وسواء كانت توبته على هذا) القول المشهور (بعد القدرة عليه) أي على أخذه (والشّهادة على قوله) المؤدي إلى قتله (أو جاء تائبا من قبل نفسه) أي من عنده بدون استتابته (لأنه) أي قتله (حدّ وجب) عندهم (لا تسقطه التوبة كسائر الحدود) من الزنا وقتل النفس ونحوهما اتفاقا وفيه أنه قياس مع الفارق فإن هذه الحدود عامة ثابتة بالكتاب والسنة وأما من كفر بسبب سب ثم تاب فلا يعرف له حد في هذا الباب إذ كثير ممن ارتد عن الإسلام يهجاه عليه الصلاة والسلام ثم تاب وقبل منه توبته ورفعت عنه ردته هذا وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام إن الإسلام يجب ما قبله وهو يشمل الإسلام السابق واللاحق وفي الحدود تفصيل في مذهبنا هو المحمود (قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْقَابِسِيُّ رحمه الله إذا أقرّ بالسّبّ) أي له أو لغيره من الأنبياء عليهم السلام (وتاب منه وأظهر التّوبة) أي أثرها قبلت منه و (قتل بالسّبّ لأنه هو) أي القتل (حَدُّهُ وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي زَيْدٍ مثله) أي يقتل لأنه حده وفي نسخة في مثله أي في نظيره (وَأَمَّا مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ فَتَوْبَتُهُ تَنْفَعُهُ) إجماعا، (وقال ابن سحنون) بفتح أوله وبضم ويصرفه ويمنع (من شتم النبيّ صلى الله
تعالى عليه وسلم) وكذا غيره من الأنبياء عليهم السلام (من الموحّدين) أي المسلمين (ثمّ تاب عن ذلك لم تزل) من الإزالة أي لم ترفع (توبته عنه القتل) وهو معنى قول القابسي وابن أبي زيد (وكذلك قد اختلف) أي اختلف المالكية (في الزّنديق إذا جاء تائبا) من قبل نفسه من غير استتابة والجاء إليها (فَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْقَصَّارِ فِي ذلك) أي في مجيئه تائبا (قولين، قال) أي ابن القصار (من شيوخنا من قال أقتله) أي احكم بقتله (بإقراره) بأنه كان زنديقا أو شاتما ثم جاء تائبا (لِأَنَّهُ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى سَتْرِ نَفْسِهِ فَلَمَّا اعترف خفنا) أي ظننا ومنه قوله تعالى إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما (أنّه خشي الظهور) أي الاطلاع (عليه) بأن يجدوا الزندقة لديه (فبادر لذلك) بالتوبة وهذا له وجه في الجملة إذا كان لبعض الناس إطلاع على حاله (وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ أَقْبَلُ تَوْبَتَهُ لِأَنِّي أَسْتَدِلُّ على صحّتها) أي صحة توبته (بمجيئه) تائبا من قبل نفسه (فَكَأَنَّنَا وَقَفْنَا عَلَى بَاطِنِهِ بِخِلَافِ مَنْ أَسَرَّتْهُ البيّنة) أي أخذته وقيدته (قال القاضي أبو الفضل وهذا) القول الأخير (قول أصبغ) أي ابن الفرج فقيه مصر من شيوخ البخاري (ومسألة سابّ النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم أقوى) أي أشد من مسألة الزنديق فإنها من حق الله تعالى وهو مبنى على المسامحة فقيه الخلاف في الجملة بخلاف الساب فأنه (لا يتصوّر فيها الخلاف) في مذهب مالك (على الأصل المتقدّم) على ذلك (لأنّه) أي سبه (حقّ متعلّق للنّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم ولأمّته بسببه لا تسقطه التّوبة كسائر حقوق الآدميّين) وفيه أن حق الله هنا أيضا متعلق للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم وجميع أمته (والزّنديق) وهو الثنوي أو القائل ببقاء الدهر أو المسر للكفر وهذا المعروف عند الفقهاء (إِذَا تَابَ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فَعِنْدَ مَالِكٍ واللّيث) أي ابن سعد (وإسحاق) أي ابن راهويه (وأحمد) أي ابن حنبل (لا تقبل توبته) أي ظاهرا فلا تسقط عنه القتل (وعند الشّافعيّ تقبل) توبته ولا يقتل (واختلف فيه عن أبي حنيفة) وهو الإمام الهمام (وأبي يوسف) أحد اتباعه من الاعلام والمعتمد ما في قاضيخان وأما الزنادقة فأخذ الجزية منهم بناء على قبول التوبة من الزنادقة فإنهم قالوا إن جاء الزنديق قبل أن يؤخذ فأقر انه زنديق فتاب من ذلك قبلت توبته وإن أخذ ثم تاب لا تقبل توبته ويقتل لأنهم باطنية يظهرون شيئا ويعتقدون في الباطن خلاف ذلك فيقتلون ولا تؤخذ منهم الجزية ولا تقبل توبتهم انتهى وأبو حنيفة ترجمته كثيرة ومناقبه شهيرة وأما أبو يوسف فهو يعقوب بن إبراهيم بن حبيب بن خنيس بي سعد بن احبتة بحاء مهملة مفتوحة فموحدة ساكنة ومثناة فوقيه مفتوحة وهي أمه وهو سعد بن بحير بفتح الموحدة وكسر الحاء المهملة وقيل سعد بن بجير بضم الموحدة وفتح الجيم وذكر القولين الأمير في إكماله وقال الذهبي سعد بن بجير البجلي حليف الأنصار روي أنه قاتل يوم الخندق وأن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم مسح رأسه وقال أسعد الله جدك ومن ولده القاضي أبو يوسف صاحب أبي حنيفة وقد روي عن عطاء بن السائب وهشام بن عروة وغيرهما وكان أبو يوسف من أهل الكوفة فقيها عالما روى عنه محمد بن الحسن الشيباني وبشر بن الوليد الكندي وعلي بن الجعد وأحمد بن
حنبل وابن معين وغيرهم وقد روي الشافعي عن محمد عن أبي يوسف وكان قد سكن ببغداد وتولى القضاء بها لثلاثة من الخلفاء المهدي وابنه الهادي ثم هارون الرشيد وكان الرشيد يكرمه ويجله قال ابن خلكان هو أو من دعي بقاضي القضاة ويقال إنه أول من غير لباس العلماء إلى هذه الهيئة التي هم عليها الآن وكان ملبوس الناس قبل ذلك شيئا واحدا لا يتميز أحد عن أحد بلباس قال ولم يختلف يحيى بن معين وأحمد بن حنبل وعلي بن المديني في ثقته في النقل وكان كثير الحديث انتهى ولد سنة ثلاث عشرة ومائة وتوفي يوم الخميس أول وقت الظهر لخمس خلون من شهر ربيع الأول سنة اثنتين وثمانين ومائة ببغداد وابنه يوسف الذي يكنى به ولي القضاء في حياة أبيه ومات سنة اثنتين وتسعين ومائة وبلغ من العمر تسعا وستين سنة وأما قول التلمساني قالوا أبو يوسف أبو حنيفة أي سيد مسده ويغني عنه فليس في محله لأن أبا يوسف حسنة من حسنات أبي حنيفة وفضله وإنما هو تشبيه بليغ كما يقال زيد أسد أي كأسد فالمعنى أن أبا يوسف كأبي حنيفة ومن المعلوم أن المشبه به أقوى من المشبه ولا يلزم من التشبيه المساواة من جميع الشبه ثم المعتمد في المذهب أنه تقبل توبته ولا يقتل وأما قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً كاليهود كفروا بعيسى والإنجيل بعد الإيمان بموسى والتوراة ثم أزدادوا كفرا بمحمد عليه الصلاة والسلام والقرآن الميجد أو كفرا بمحمد قبل مبعثه ثم ازدادوا كفرا بالإصرار والعناد والطعن فيه أو لقوم أرتدوا ولحقوا بمكة ثم ازدادوا كفرا بقولهم نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ لا يتوبون أو لا يتوبون إلا إذا أشرفوا على الهلاك فكني عن عدم توبتهم بعدم قبولها وذلك لما سبق في قوله تعالى كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ إلى أن قال إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وعن ابن عباس أن قوما اسلموا ثم ارتدوا ثم اسلموا ارتدوا فأرسلوا إلى قومهم يسألون فنزلت رواه البزار وقال ابن كثير إسناده جيد (وحكى ابن المنذر) وهو الإمام الحافظ المشهور (عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه يستتاب) أي الزنديق، (قال محمّد بن سحنون ولم يزل) بفتح أوله وضم ثانيه أي لم يرتفع (الْقَتْلُ عَنِ الْمُسْلِمِ بِالتَّوْبَةِ مِنْ سَبِّهِ صَلَّى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْتَقِلْ مِنْ دِينٍ) هو حق (إلى غيره) وهو دين باطل وهذا غريب من قائله إذ لا شبهة أنه انتقل بسبه عليه الصلاة والسلام من دين الإسلام وما عداه باطل بإجماع الإعلام (وَإِنَّمَا فَعَلَ شَيْئًا حَدُّهُ عِنْدَنَا الْقَتْلُ لَا عَفْوَ فِيهِ لِأَحَدٍ كَالزِّنْدِيقِ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْتَقِلْ من ظاهر إلى ظاهر) أي بل إلى باطن وفساد هذا التعليل أيضا ظاهر؛ (وقال القاضي أبو محمّد) أي عبد الوهاب (بن نصر) أي البغدادي المالكي (محتجّا لسقوط اعتبار توبته) أي توبة من سبه عليه الصلاة والسلام (وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ سَبَّ اللَّهَ تَعَالَى على مشهور القول باستتابته) أي استتابة من سبه تعالى (أنّ النّبيّ صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَشَرٌ وَالْبَشَرُ جِنْسٌ تَلْحَقُهُ الْمَعَرَّةُ) بتشديد الراء أي الكراهة والمشقة (إلّا من أكرمه الله بنبوّته) هذا استثناء غريب لا يظهر وجه اتصاله ولا انفصاله اللهم إلا أن يراد بالمعرة
المنقصة ويلائمه قوله (والباري تعالى منزّه عن جميع المعايب قطعا) مما لا خلاف فيه إجماعا (وليس) أي الله سبحانه وتعالى (من جنس تلحق المعرّة بجنسه) في هذه العبارة مزلة لنزاهة ساحة عزته عن أن يكون من جنس تلحقه معرة أو لا تلحقه فلا يصح إطلاق النوعية والجنسية عليه كما لا يصح سؤال الماهية والكيفية بالنسبة إليه وفيه أن مقتضى قياس العقل أن من سب الله سبحانه وتعالى يكون أشد كفرا ممن سب النبي عليه الصلاة والسلام لوضوح قبحه عند جميع الإنام (وليس سبّه صلى الله تعالى عليه وسلم كالارتداد) أي المجرد (المقبول فيه التّوبة) ولو كانت ردته بسب الله سبحانه وعز شأنه وفيه بحث سيأتي بيانه (لأنّ الارتداد معنى ينفرد به المرتدّ) وهو كفره فقط (لَا حَقَّ فِيهِ لِغَيْرِهِ مِنَ الْآدَمِيِّينَ فَقُبِلَتْ توبته) وفيه أن من سب الله تعالى يتعلق به حق خلقه من النبي وغيره ومن غضب بسب نفسه ولم يغضب بسب ربه فهو ليس بآدمي ومما يدلك على ذلك أنه كان عليه الصلاة والسلام لا يسامح عن المرتد فكيف من يسب الله سبحانه وتعالى وكان يساهل من يسبه عليه الصلاة والسلام ويطعن فيه من المنافقين وغيرهم فيتعين أن سب الله تعالى أقبح من سب غيره والحاصل أن سبه سبحانه وتعالى وسب أنبيائه كفر يستتاب وتقبل توبته عند الجمهور وأما سب سائر الآدميين فليس بكفر فيعزر بشروطه المعتبرة (ومن سبّ النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم تعلّق به) وفي نسخة فيه (حق لآدميّ) وهو نفسه عليه الصلاة والسلام أو أمته الكرام ولا شك أنه يتعلق به حقه تعالى أيضا بلا كلام وفي نسخة تعلق فيه حق للآدميين قال التلمساني فعلى الأولى معناه أن ما وجب من حق النبي عليه الصلاة والسلام فقد تعلق بالناس كافة فوجب عليهم القيام به وعلى الثاني بأن الأمر وجب له ونحن نأخذ به وليس حقه كحق غيره (فكان كالمرتدّ) بل هو مرتد ما لم يتب وإذا تاب لا معنى له أنه كالمرتد (يقتل) أي مسلما (حين ارتداده أو يقذف) أي محصنة (فإنّ توبته) وإن قبلت من حيث ارتداده (لا تسقط عنه حقّ القتل) وفي نسخة حد القتل (والقذف) وحاصله أنه تقبل توبته عن ارتداده بالنسبة إلى تعلق حق الله به ولا تقبل توبته بالنسبة إلى تعلق حق غيره به (وَأَيْضًا فَإِنَّ تَوْبَةَ الْمُرْتَدِّ إِذَا قُبِلَتْ لَا تسقط ذنوبه) التي اقترفها زمن ردته (من زنى وسرقة وغيرها) كقتل وشرب خمر (ولم يقتل سابّ النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم لكفره) أي بعد توبته وأما قول الدلجي لأنه لم يسبق له إسلام فلا وجه لعلته (لكن) يقتل (لمعنى يرجع إلى تعظيم حرمته) في مقام نبوته (وزوال المعرّة به) أي بقتله (وذلك) المعنى (لَا تُسْقِطُهُ التَّوْبَةُ؛ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ) أي المصنف (يريد) القائل (وَاللَّهُ أَعْلَمُ لِأَنَّ سَبَّهُ لَمْ يَكُنْ بِكَلِمَةٍ تقتضي الكفر) أي في نفس الأمر (ولكن بمعنى الإزراء والاستخفاف) وهذا غريب فإن الطعن في نبوته والقدح في نعته مناقض للإقرار برسالته وقبول دعوته وقد سبق أن سبه كفر بالإجماع وإنما قبول توبته في الدنيا محل النزاع (أو لأنّه) أي الشأن (بتوبته وإظهار إنابته) أي رجوعه (ارتفع عنه اسم الكفر ظاهرا) وهو ظاهر (والله أعلم بسريرته) وهذا حكم كل كافر أو مرتد يدخل في دين الإسلام فإنا نحكم عليه بظاهر ونكل
سريرته إلى عالم السرائر كما يشير إليه قوله عليه الصلاة والسلام أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله وحسابهم على الله (وبقي حكم السّبّ عليه) عند المالكية فيقتل حدا لا كفرا وأما عند غيرهم فحكم السب هو الكفر وارتفع بتوبته ورجوعه إلى شريعته، (وَقَالَ أَبُو عِمْرَانَ الْقَابِسِيُّ مَنْ سَبَّ النَّبِيَّ صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ ارْتَدَّ عَنِ الْإِسْلَامِ قُتِلَ وَلَمْ يُسْتَتَبْ، لِأَنَّ السَّبَّ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ الّتي لا تسقط عن المرتدّ) فلا يستتاب لردته كذا قال والأولى على مقتضى مذهبهم أيضا القول باستتابته لتنفعه توبته عند ربه وإن كان يقتل حدا أن تاب عندهم (وكلام شيوخنا هؤلاء) المالكية المذكورين (مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِقَتْلِهِ حَدًّا لَا كُفْرًا وهو يحتاج إلى تفصيل) فإن من سبه بما لا يقتضي كفرا قتل حدا وكذا أن سبه بما يقتضيه وتاب وإلا قتل كفرا كذا ذكره الدلجي وهو خطأ فاحش لأن سبه بما لا يقتضي كفرا لا يتصور أصلا فإن مطلق سبه كفر قطعا. (وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ مالك ومن وافقه) أي مالكا أو الوليد (على ذلك ممّن ذكرناه) فيما مر (وقال به من أهل العلم) أي كثيرون (فقد صرّحوا بأنّه) أي سبه عليه الصلاة والسلام (رِدَّةٌ قَالُوا وَيُسْتَتَابُ مِنْهَا فَإِنْ تَابَ نُكِّلَ) بصيغة المجهول أي عوقب عبرة لغيره إذ النكال العقوبة التي تنكل الناس أي تمنعهم عن فعل ما جعلت له جزاء وهذا عندهم أيضا (وإن أبى) أي امتنع عن التوبة (قتل) إجماعا (فحكم له) أي مالك للساب (بحكم المرتدّ مطلقا) بوجوب استتابته وقبولها مطلقا (في هذا الوجه) الذي رواه الوليد عن مالك ووافقه عليه غيره ووقع في أصل الدلجي الزنديق بدل المرتد والظاهر أنه خطأ (والوجه الأوّل أشهر) من رواية الوليد (وأظهر لما قدّمناه) من أنه يقتل حدا لا كفرا إن تاب وأخطأ الدلجي في قوله هنا وإن تاب لأن مفهومه أنه إذا لم يتب يقتل حدا لا كفرا وهو خلاف الإجماع (ونحن نبسط الكلام فيه) أي في سبه عليه الصلاة والسلام (فنقول من لم يره ردّة) أي ارتدادا عن الإسلام وهو بعيد عن مقام النظام (فهو يوجب القتل فيه) أي به (حدّا) أي لا كفرا (وإنّما نقول ذلك) أي كونه ليس بردة (مع فصلين) أي في محلين (إِمَّا مَعَ إِنْكَارِهِ مَا شُهِدَ عَلَيْهِ بِهِ) بصيغة المجهول (أو إظهاره الإقلاع) أي التحول والارتحال (والتّوبة) أي وإظهارها (عَنْهُ فَنَقْتُلُهُ حَدًّا لِثَبَاتِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ عَلَيْهِ) إما بالبينة أو بالتوبة (في حقّ النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم وتحقيره) أي سابه (مَا عَظَّمَ اللَّهُ مِنْ حَقِّهِ وَأَجْرَيْنَا حُكْمَهُ في ميراثه وغير ذلك) مما له من الحقوق (حكم الزّنديق إذا ظهر عليه وأنكر) زندقته (أو تاب) عنها (فإن قيل وكيف) وفي نسخة صحيحة فكيف (تثبتون عليه الكفر) بإقراره (ويشهد عليه) بالبناء للمفعول (بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ وَلَا تَحْكُمُونَ عَلَيْهِ بِحُكْمِهِ مِنَ الاستتابة وتوابعها) أي من القبول ورفع القتل عنه كما عليه جمهور السلف والخلف وعامة الأئمة (قلنا نحن) المالكية (وإن أثبتنا له حكم الكافر في القتل فلا نقطع) بالجزم (عليه بذلك) الكفر (لِإِقْرَارِهِ بِالتَّوْحِيدِ وَالنُّبُوَّةِ وَإِنْكَارِهِ مَا شُهِدَ بِهِ عليه أو زعمه) بضم الزاء وفتحها أي أو لدعواه (أنّ ذلك كان منه وهلا) بفتح الهاء وسكونها أي غلطا وسهوا ويروى وهما وهو بسكون الهاء وتحرك