المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل (فإن قلت فما معنى قوله عليه الصلاة والسلام في حديث السهو) - شرح الشفا - جـ ٢

[الملا على القاري]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثّاني

- ‌[المقدمة]

- ‌(الْقِسْمُ الثَّانِي فِيمَا يَجِبُ عَلَى الْأَنَامِ مِنْ حقوقه صلى الله تعالى عليه وسلم)

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ [فِي فَرْضِ الْإِيمَانِ بِهِ وَوُجُوبِ طاعته واتّباع سنّته]

- ‌فصل [وَأَمَّا وُجُوبُ طَاعَتِهِ فَإِذَا وَجَبَ الْإِيمَانُ بِهِ وتصديقه فيما جاء به]

- ‌فصل [وَأَمَّا وُجُوبُ اتِّبَاعِهِ وَامْتِثَالُ سُنَّتِهِ وَالِاقْتِدَاءُ بِهَدْيِهِ]

- ‌فصل [وأما وَرَدَ عَنِ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ مِنِ اتِّبَاعِ سُنَّتِهِ]

- ‌فصل [وَمُخَالَفَةُ أَمْرِهِ وَتَبْدِيلُ سُنَّتِهِ ضَلَالٌ وَبِدْعَةٌ مُتَوَعَّدٌ من الله تعالى عليه بالخذلان والعذاب]

- ‌الباب الثاني [في لزوم محبته عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [في ثواب محبته صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [فِيمَا رُوِيَ عَنِ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ مِنْ مَحَبَّتِهِمْ للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [في علامات محبته صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌فصل [في معنى المحبة للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم وحقيقتها]

- ‌فصل [في وجوب مناصحته صلى الله تعالى عليه وسلم]

- ‌الْبَابُ الثَّالِثُ [فِي تَعْظِيمِ أَمْرِهِ وَوُجُوبِ تَوْقِيرِهِ وبره]

- ‌فصل [في عادة الصحابة في تعظيمه عليه الصلاة والسلام وتوقيره وإجلاله]

- ‌فصل [واعلم أن حرمة النبي بعد موته وتوقيره وتعظيمه لازم]

- ‌فصل [فِي سِيرَةِ السَّلَفِ فِي تَعْظِيمِ رِوَايَةِ حَدِيثِ رسول الله وسنته عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [ومن توقيره صلى الله تعالى عليه وسلم وبره بر آله]

- ‌فصل [ومن توقيره وبره توقير أصحابه عليه الصلاة والسلام]

- ‌فصل [ومن إعظامه وإكباره إعظام جميع أسبابه]

- ‌الباب الرابع [في حكم الصلاة عليه صلى الله تعالى عليه وسلم والتسليم]

- ‌فصل [اعلم أن الصلاة على النبي فرض في الجملة]

- ‌فصل [في المواطن التي تستحب فيها الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ويرغب فيها]

- ‌فصل [في كيفية الصلاة عليه والتسليم]

- ‌فصل (في فضيلة الصلاة على النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم والتسليم عليه والدّعاء له)

- ‌فصل (فِي ذَمِّ مَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله تعالى عليه وسلم وإثمه)

- ‌فصل [في تخصيصه عليه الصلاة والسلام بتبليغ صلاة من صلى عليه صلاة أو سلم من الأنام]

- ‌فصل (فِي الِاخْتِلَافِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى غَيْرِ النَّبِيِّ صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

- ‌فصل (فِي حُكْمِ زِيَارَةِ قَبْرِهِ صلى الله عليه وسلم وَفَضِيلَةِ مَنْ زَارَهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ

- ‌فصل (فِيمَا يَلْزَمُ مَنْ دَخَلَ مَسْجِدَ النَّبِيِّ صَلَّى الله تعالى عليه وسلم من الأدب)

- ‌الْقِسْمُ الثَّالِثُ [فِيمَا يَجِبُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تعالى عليه وسلم وما يستحيل في حقه وما يمتنع]

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ (فِيمَا يَخْتَصُّ بِالْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ وَالْكَلَامُ فِي عِصْمَةِ نَبِيِّنَا عليه الصلاة والسلام وَسَائِرِ الأنبياء صلوات الله عليهم

- ‌فصل (فِي حُكْمِ عَقْدِ قَلْبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تعالى عليه وسلم)

- ‌فصل (وأمّا عصمتهم من هذا الفنّ)

- ‌فصل [قال القاضي أبو الفضل قد بان مما قدمناه عقود الأنبياء في التوحيد والإيمان]

- ‌فصل [وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ مُجْمِعَةٌ عَلَى عِصْمَةِ النَّبِيِّ من الشيطان إلى آخره]

- ‌فصل [وأما قوله صلى الله تعالى عليه وسلم فقامت الدلائل إلى آخره]

- ‌فصل [وقد توجهت ههنا لبعض الطاعنين سؤالات]

- ‌فصل [فصل هذا القول فيما طريقه البلاغ]

- ‌فصل (فإن قلت فما معنى قوله عليه الصلاة والسلام في حديث السّهو)

- ‌فصل (وأمّا ما يتعلّق بالجوارح)

- ‌فصل [وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي عِصْمَتِهِمْ مِنَ الْمَعَاصِي قَبْلَ النبوة]

- ‌فصل [هَذَا حُكْمُ مَا تَكُونُ الْمُخَالَفَةُ فِيهِ مِنَ الْأَعْمَالِ عَنْ قَصْدٍ وَهُوَ مَا يُسَمَّى مَعْصِيَةً ويدخل تحت التكليف]

- ‌فصل (فِي الْكَلَامِ عَلَى الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورِ فِيهَا السَّهْوُ

- ‌فصل (فِي الرَّدِّ عَلَى مَنْ أَجَازَ عَلَيْهِمُ الصَّغَائِرَ

- ‌فصل (فَإِنْ قُلْتَ فَإِذَا نَفَيْتَ عَنْهُمْ صَلَوَاتُ اللَّهِ عليهم الذّنوب)

- ‌فصل [قد استبان لك أيها الناظر بما قررناه ما هو الحق من عصمته عليه السلام]

- ‌فصل (في القول في عصمة الملائكة)

- ‌الْبَابُ الثَّانِي [فِيمَا يَخُصُّهُمْ فِي الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ]

- ‌فصل [فَإِنْ قُلْتَ فَقَدْ جَاءَتِ الْأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام سحر]

- ‌فصل [هذا حاله عليه الصلاة والسلام في جسمه]

- ‌فصل [وَأَمَّا مَا يَعْتَقِدُهُ فِي أُمُورِ أَحْكَامِ الْبَشَرِ إلى آخره]

- ‌فصل [وَأَمَّا أَقْوَالُهُ الدُّنْيَوِيَّةُ مِنْ أَخْبَارِهِ عَنْ أَحْوَالِهِ]

- ‌فصل (فَإِنْ قُلْتَ قَدْ تَقَرَّرَتْ عِصْمَتُهُ صَلَّى اللَّهُ تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَقْوَالِهِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ)

- ‌فصل (فَإِنْ قِيلَ فَمَا وَجْهُ حَدِيثِهِ أَيْضًا الَّذِي حدّثناه الفقيه أبو محمد الخشنيّ)

- ‌فصل (وأمّا أفعاله عليه الصلاة والسلام الدّنيويّة)

- ‌فصل [فَإِنْ قِيلَ فَمَا الْحِكْمَةُ فِي إِجْرَاءِ الْأَمْرَاضِ وشدتها عليه عليه الصلاة والسلام]

- ‌الْقِسْمُ الرَّابِعُ (فِي تَصَرُّفِ وُجُوهِ الْأَحْكَامِ فِيمَنْ تنقّصه أو سبّه عليه الصلاة والسلام

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ (فِي بَيَانِ مَا هُوَ فِي حقّه صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبٌّ أَوْ نَقْصٌ مِنْ تَعْرِيضٍ أو نصّ)

- ‌فصل (فِي الْحُجَّةِ فِي إِيجَابِ قَتْلِ مَنْ سَبَّهُ أو عابه صلى الله تعالى عليه وسلم)

- ‌فصل (فَإِنْ قُلْتَ فَلِمَ لَمْ يَقْتُلِ النَّبِيُّ صَلَّى الله تعالى عليه وسلم اليهوديّ الّذي قال له)

- ‌فصل (قَالَ الْقَاضِي تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي قَتْلِ الْقَاصِدِ لسبّه)

- ‌فصل [أن يقصد إلى تكذيبه فيما قاله إلى آخره]

- ‌فصل (الْوَجْهُ الرَّابِعُ أَنْ يَأْتِيَ مِنَ الْكَلَامِ بِمُجْمَلٍ)

- ‌فصل [أَنْ لَا يَقْصِدَ نَقْصًا وَلَا يَذْكُرَ عَيْبًا ولا سبا لكنه ينزع إلى آخره]

- ‌فصل [أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُ ذَلِكَ حَاكِيًا عَنْ غَيْرِهِ وآثرا عن سواه]

- ‌فصل [أن يذكر ما يجوز على النبي أو يختلف في جوازه عليه]

- ‌فصل (وَمِمَّا يَجِبُ عَلَى الْمُتَكَلِّمِ فِيمَا يَجُوزُ عَلَى النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم وما لا يجوز)

- ‌الْبَابُ الثَّانِي [فِي حُكْمِ سَابِّهِ وَشَانِئِهِ وَمُتَنَقِّصِهِ ومؤذيه]

- ‌فصل (إذا قلنا بالاستتابة حيث تصحّ)

- ‌فصل (هذا حكم من ثبت عليه ذلك)

- ‌فصل [هذا حكم المسلم]

- ‌فصل (فِي مِيرَاثِ مَنْ قُتِلَ فِي سَبِّ النَّبِيِّ صلى الله تعالى عليه وسلم وغسله والصلاة عليه)

- ‌الْبَابُ الثَّالِثُ (فِي حُكْمِ مَنْ سَبَّ اللَّهَ تعالى وملائكته وأنبياءه وكتبه وآل النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم وأزواجه وصحبه

- ‌فصل (وَأَمَّا مَنْ أَضَافَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مَا لَا يَلِيقُ بِهِ لَيْسَ عَلَى طَرِيقِ السَّبِّ)

- ‌فصل [فِي تَحْقِيقِ الْقَوْلِ فِي إِكْفَارِ الْمُتَأَوِّلِينَ قَدْ ذكرنا مذاهب السلف وإكفار أصحاب البدع والأهواء]

- ‌فصل (فِي بَيَانِ مَا هُوَ مِنَ الْمَقَالَاتِ كُفْرٌ وَمَا يُتَوَقَّفُ أَوْ يُخْتَلَفُ فِيهِ وَمَا لَيْسَ بكفر)

- ‌فصل [هَذَا حُكْمُ الْمُسْلِمِ السَّابِّ لِلَّهِ تَعَالَى وَأَمَّا الذمي الخ]

- ‌فصل [هَذَا حُكْمُ مَنْ صَرَّحَ بِسَبِّهِ وَإِضَافَةِ مَا لَا يَلِيقُ بِجَلَالِهِ وَإِلَهِيَّتِهِ فَأَمَّا مُفْتَرِي الْكَذِبِ الخ]

- ‌فصل (وأمّا من تكلّم من سقط القول)

- ‌فصل (وَحُكْمُ مَنْ سَبَّ سَائِرَ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وملائكته)

- ‌فصل (واعلم أن من استخفّ بالقرآن)

- ‌فصل [من سب آل بيته وأزواجه وأصحابه عليه الصلاة والسلام وتنقصهم حرام ملعون فاعله]

- ‌ نظم

- ‌فهرس محتويات الجزء الثاني من شرح الشفا

الفصل: ‌فصل (فإن قلت فما معنى قوله عليه الصلاة والسلام في حديث السهو)

نسخة بصيغة المضارع الغائب كلاهما من باب التفاعل وفي نسخة سامح من باب المفاعلة وفي أخرى ولا يتسامح بتسامح على لفظ المصدر (في تجويز ذلك) أي الخلف في القول (عليهم) ولو كان (حال السّهو مما) وفي نسخة فيما (ليس طريقه البلاغ، نعم) كذا في بعض النسخ المصححة ولم يتعرض له أحد من المحشيين ولم يظهر لنا وجهه المستبين (وبأنّه) أي وكذا نقطع بأنه (لا يجوز عليهم الكذب قبل النّبوّة) أي إظهارها (ولا الاتّسام) بتشديد التاء افتعال من الوسم وهو العلامة أي ولا يجوز الاتصاف (به في أمورهم) المتعلقة بآخرتهم (وأحوال دنياهم لأنّ ذلك) أي الكذب لو صدر عنهم (كان يزري) أي يحقرهم (ويريب بهم) أي يوقع أممهم في التهمة فيما جاؤوا به عن ربهم (وينفر القلوب عن تصديقهم بعد) أي بعد إرسالهم بما أمروا بتبليغ أحوالهم (وانظر أحوال عصر النبي صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قُرَيْشٍ وَغَيْرِهَا مِنَ الْأُمَمِ) أي من العرب والعجم (وسؤالهم) بالنصب أو الجر (عن حاله) أي تحول شأنه (في صدق لسانه وما عرفوا به) بتشديد الراء مبنيا للمفعول أو الفاعل مشددا أو مخففا أي والذي عرف قريش (من ذلك) أي صدق لسانه (واعترفوا به) حين سألوا عنه (ممّا عرف) بصيغة المفعول ويروى واعترفوا بما عرف به أي علم من تحقق شأنه (واتّفق النّقل) ويروى واتفق أهل النقل (على عصمة نبيّنا صلى الله تعالى عليه وسلم منه) أي من الكذب ونحوه (قبل وبعد) أي قبل البعثة وبعدها (وقد ذكرنا من الآثار فيه) أي فيما يتعلق به (فِي الْبَابِ الثَّانِي أَوَّلَ الْكِتَابِ مَا يُبَيِّنُ لك صحّة ما أشرنا إليه) من تنزيه النبي صلى الله تعالى عليه وسلم عن الكذب ونحوه مما يشين لديه ومن جملته قَوْلُهُ تَعَالَى قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ بالتشديد والتخفيف أي لا ينسبونك إلى الكذب قبل النبوة ولا بعدها.

‌فصل (فإن قلت فما معنى قوله عليه الصلاة والسلام في حديث السّهو)

أي الحديث الدال على السهو على ما رواه الشيخان (الَّذِي حَدَّثَنَا بِهِ الْفَقِيهُ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بن جعفر حدّثنا القاضي أبو الأصبغ) بفتح الهمزة والموحدة بعدها غين معجمة (ابن سهل) هو القاضي عيسى ابن سهل (قال حدّثنا حاتم بن محمد) تقدم، (حدّثنا أبو عبد الله بن الفخّار) بفتح الفاء وتشديد الخاء المعجمة، (حدّثنا أبو عيسى) أي الترمذي على ما صرح به الدلجي وقال الحلبي تقدم أنه يحيى بن عبد الله بن يحيى بن يحيى بن كثير الليثي، (حدّثنا عبيد الله) قال الحلبي تقدم مرارا أنه أبو مروان عبد الله بن يحيى بن يحيى الليثي، (حدّثنا يحيى) تقدم أنه يحيى بن يحيى الليثي (عن مالك) أي ابن أنس الإمام، (عن داود بن الحصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين وثقه جماعة توفي سنة خمس وثلاثين ومائة أخرج له الأئمة الستة، (عن أبي سفيان) تابعي ثقة مولى ابن أبي أحمد أخرج له الأئمة الستة (أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا

ص: 247

هريرة رضي الله عنه قال الحلبي الحديث أخرجه من الموطأ كما ترى وهو في مسلم والنسائي من رواية أبي سفيان عن أبي هريرة وأخرجاه جميعا عن عقبة عن مالك فإن قلت لم لم يخرجه القاضي من مسلم فالجواب أن بينه وبين مالك في الموطأ سبعة أشخاص ولو رواه عن مسلم كان كذلك ولكن الموطأ عندهم مقدم على غيره أيضا الموطأ يقع له من بعض الطرق أعلى مما ذكره بدرجة فيعلو له على مسلم ولكن لو أخرجه من عند النسائي كان يقع له أعلى من الموطأ عن أبي هريرة (يقول صلّى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم صلاة العصر) وقيل الظهر (فسلّم في ركعتين) أي بعد فراغه منهما ومن تشهدهما (فقام ذو اليدين) وسمي به لأن في يديه أو أحدهما طولا وقيل لأنه كان يعمل بكلتا يديه ووهم هنا الزهري مع سعة علمه فقال ذو الشمالين ولا يصح لأن ذا الشمالين استشهد ببدر وذو اليدين شهد قصة أبي هريرة وإسلام أبي هريرة بعد خيبر تأخر موته حتى روى عنه متأخرو التابعين كمطير وقيل إنهما واحد هذا لا يصح لأن ذا الشمالين خزاعي وذا اليدين سلمي (فقال يا رسول الله أقصرت الصّلاة) على بناء المفعول من القصر ضد الإتمام أو بفتح فضم صاد وتاء تأنيث على صيغة الفاعل بمعنى النقص قاله ابن الأثير وقال النووي كلاهما صحيح والأول أشهر وأصح وقال المزي الصحيح بناء قصرت لما لم يسم فاعله من قبل الرواية ومن قبل الدراية لأن غيرها قصرها ولموافقة لفظ القرآن أن تقصروا من الصلاة انتهى ولا يخفى أن هذا يشير إلى احتمال وجه آخر وهو أن يكون قصرت بفتحتين وتاء الخطاب وحينئذ يطابق قوله (أم نسيت) بفتح فكسر ثم تاء خطاب (فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم) أي جوابا له (كلّ ذلك لم يكن) روي بالرفع والنصب فعلى الأول مبتدأ خبره لم يكن وعلى الثاني خبر كان مقدم عليها والمعنى كل ذلك لم يقع من قبلي بل إنما كان من عند ربي ليس الحكم في أمتي من جهتي (وفي الرّواية الأخرى ما قصرت) بصيغة الغائبة للفاعل أي الصلاة كما في نسخة (وما نسيت) بصيغة المتكلم وما يحتمل نافية واستفهامية ويؤيد الأول أنه في رواية أخرى لم أنس ولم تقصر وفي نسخة ولا نسيت (الحديث بقصّته) أي مشهور في روايته (فأخبر بنفي الحالتين) أي معا بناء على ما اختاره المصنف من أن ما ناقيه (وأنّها لم تكن) أي حالة منهما أي مطلقا أو القضية أصلا وفي رواية أنهما لم يكونا أي النقص والنسيان (وقد كان أحد ذلك) أي أحد ما ذكر من الحالتين في الواقع (كما قال له) وفي نسخة كَمَا قَالَ ذُو الْيَدَيْنِ (قَدْ كَانَ بَعْضُ ذلك يا رسول الله) فهذا يرجح كون ما نافية (فَاعْلَمْ وَفَّقَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ أَنَّ لِلْعُلَمَاءِ فِي ذلك أجوبة بعضها بصدد الإنصاف) أي متمسك بطريق الانصاف في الرجوع إلى الحق (ومنها) أي وبعضها (ما هو بنيّة التّعسّف والاعتساف) التعسف هو الخروج عن الجادة وركوب الأمر بالمشقة وفي معناه الاعتساف وإنما جمع بينهما للمبالغة ورعاية الفاصلة والمراد بالنية القصد والتوجه بالطوية وفي نسخة بتيه بكسر الفوقية فياء ساكنة فهاء وفسره الحلبي بالكبر والأظهر أنه بمعنى التحير في تيه الضلالة وبيداء الجهالة ولذا فسره التلمساني بعدم الاهتداء (وها أنا

ص: 248

أقول) مبتدأ وخبر قرنا بتنبيه في حق نبي نبيه (أمّا على القول) أي قول بعضهم (بتجويز الوهم) بفتح الهاء وسكونها أي السهو (والغلط ممّا ليس طريقه من القول البلاغ) بالنصب أي الإبلاغ وفي نسخة من البلاغ أي من جهة التبليغ (وهو) أي هذا القول هو (الّذي زيّفناه) أي ضعفناه (من القولين) أعني الجواز وعدمه (فلا اعتراض بهذا الحديث وشبهه) ولا إشكال في تجويز نحوه (وأمّا على مذهب من يمنع السّهو والنّسيان في أفعاله) أي الشاملة لأقواله عليه الصلاة والسلام (جملة) أي جميعها مجملة (ويرى أنه) أي ويعتقد أنه عليه الصلاة والسلام (في مثل هذا عامد لصورة النّسيان) أي كالعامد في هذه الصورة (ليسنّه فَهُوَ صَادِقٌ فِي خَبَرِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْسَ وَلَا قَصُرَتْ وَلَكِنَّهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ تَعَمَّدَ هذا الفعل في هذه الصّورة) ليسنه (لمن اعتراه مثله) أي أصابه نحوه من الأمة فيقتدى به في تدارك الحالة (وهو قول مرغوب عنه) أي مردود لنسبته إلى التعمد في القضية (نذكره) وفي نسخة ونذكره (في موضعه) أي مع بيان ضعفه (وأمّا على إحالة السّهو) أي على كون السهو محالا (عَلَيْهِ فِي الْأَقْوَالِ وَتَجْوِيزِ السَّهْوِ عَلَيْهِ فِيمَا ليس طريقه القول) أي التبليغ (كما سنذكره) أي على القول الأصح (ففيه أجوبة) أي مرضية (منها أنّ النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أخبر عن اعتقاده وضميره) أي بحسب ظنه في قوله كل ذلك لم يكن (أَمَّا إِنْكَارُ الْقَصْرِ فَحَقٌّ وَصِدْقٌ بَاطِنًا وَظَاهِرًا) فلا شبهة فيه (وأمّا النّسيان فأخبر صلى الله تعالى عليه وسلم عن اعتقاده) أي وفق اجتهاده (وَأَنَّهُ لَمْ يَنْسَ فِي ظَنِّهِ فَكَأَنَّهُ قَصَدَ الخبر بهذا) أي بعدم نسيانه (عن ظنّه وإن لم ينطق به) أي وإن لم يصرح به وإن لم يقل لم أنس فيما ظن به (وهذا) ويروى وهو (صدق أيضا) لا ريبة فيه ولا شبهة (وَوَجْهٌ ثَانٍ أَنَّ قَوْلَهُ وَلَمْ أَنْسَ رَاجِعٌ) أي مفعوله (إِلَى السَّلَامِ أَيْ إِنِّي سَلَّمْتُ قَصْدًا وَسَهَوْتُ عَنِ الْعَدَدِ أَيْ لَمْ أَسْهُ فِي نَفْسِ السّلام وهذا محتمل) أي من جهة العربية (وفيه بعد) أي عن صحة حمل القضية (ووجه ثالث وهو أبعدها) ويروى أبعدها أي من النقل والعقل في تحقيق المعنى (مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ بَعْضُهُمْ وَإِنِ احْتَمَلَهُ اللَّفْظُ) أي المبنى (مِنْ قَوْلِهِ كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ أَيْ لَمْ يَجْتَمِعِ الْقَصْرُ وَالنِّسْيَانُ بَلْ كَانَ أَحَدُهُمَا) وهذا بحسب مفهوم المعنى وهو غير معتبر عند الجمهور (ومفهوم اللّفظ) أي المعتبر (خلافه) أي مخالف له لا سيما (مَعَ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى الصَّحِيحَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ مَا قصرت الصّلاة وما نسيت) وفي نسخة ولا نسيت فإنه دال على نفي وجودهما كليهما سواء تكون نافية أو استفهامية وأيضا لو كان مفهومه ما تقدم لم يقل ذُو الْيَدَيْنِ قَدْ كَانَ بَعْضُ ذَلِكَ يَا رسول الله؛ (هذا) أي الوجه الثالث (ما رأيت فيه لأئمّتنا) أي المالكية أو الأعم فيشير إلى أنه مما ظهر له والله تعالى أعلم (فكلّ من هذه الوجوه) أي الثلاثة (محتمل اللّفظ) وفي نسخة محتمل للفظ أي للمبنى وإن كان الأخيران بعيدين في المعنى (على بعد بعضها) وهو الوجه الثاني (وتعسّف الآخر منها) وهو الوجه الثالث؛ (قال القاضي أبو الفضل رحمه الله تعالى) يعني المصنف (والّذي أقول) أي واختاره (وَيَظْهَرُ لِي أَنَّهُ أَقْرَبُ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ كلّها أن قوله لَمْ أَنْسَ إِنْكَارٌ لِلَّفْظِ الَّذِي نَفَاهُ عَنْ نفسه) لأن أصل النسيان الترك

ص: 249

فكره عليه الصلاة والسلام أن يقول تركت باختياري (وأنكره على غيره) جملة حالية أي وقد أنكره عليه الصلاة والسلام فيما رواه الشيخان عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه (بقوله بِئْسَمَا لِأَحَدِكُمْ أَنْ يَقُولَ نَسِيتُ آيَةَ كَذَا وكذا ولكنّه نسّي) بضم النون وتشديد السين المكسورة أي أنساه الله إياها ولأبي عبيد بئسما لأحدكم أن يقول نسيت آية كيت وكيت ليس هو نسي ولكنه نسي وهو أبين من الأول لكن فيه أن ظاهر الحديث يخص النسيان بآي القرآن فلا يعم سائر الأقوال والأفعال من الشأن ولعله مقتبس من قوله تعالى سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ أي ما أراد الله تعالى انساءك إياه فينسيكه ربما يعم الحكم كما نبه عليه المصنف وقال (وبقوله في بعض روايات الحديث الأخر) وفي نسخة في بعض رواية الحديث الأخر (لست أنسى) بفتح الهمزة والسين (ولكن) وفي نسخة ولكن (أنسّى) بصيغة المجهول مشددا ويجوز مخففا (فلمّا قال له السّائل) وهو ذو اليدين (أَقْصُرَتِ الصَّلَاةُ أَمْ نَسِيتَ أَنْكَرَ قَصْرَهَا كَمَا كان) أي في نفس الأمر (ونسيانه) أي وأنكر نسيانه هو (هو من قبل نفسه) أي باختياره وتقصير من جانبه (وأنه) أي الشأن (إِنْ كَانَ جَرَى شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ نسّي) بصيغة المجهول مشددا (حتّى سأل غيره) أي الصحابة كأبي بكر وعمر رضي الله عنهما بقوله أحق ما يقول ذو اليدين قالوا نعم (فتحقّق أنّه نسّي) بصيغة المجهول مشددا أي أنساه الله (وأجري عليه ذلك) بالبناء للمفعول وكذا قوله (ليسنّ) أي ليقتدي وفي نسخة بالبناء للفاعل أي ليجعله سنة تقتدي بها الأمة (فَقَوْلُهُ عَلَى هَذَا لَمْ أَنْسَ وَلَمْ تَقْصُرْ) للبناء للفاعل أو المفعول (وكلّ ذلك) أي وقوله كل ذلك وفي نسخة إذ كل ذلك (لم يكن صدق) خبر لقوله فقوله (وحقّ) تأكيد (لم تقصر) أي كما في نفس الأمر (ولم ينس حقيقة) أي من قبل نفسه (ولكنّه نسّي) أي أنساه الله تعالى إياه فكراهته عليه الصلاة والسلام نسبة النسيان إلى النفس إنما هي لاستناد الحوادث كلها إلى الله تعالى إذ هو المقدر لها وللإشعار بأنه لم يقصد إلى نسيانه ولم يكن باختياره فلم ينسب إلى تقصيره. (ووجه آخر) يؤذن بالفرق بين السهو والنسيان (استثرته) أي استخرجته من استثار بالمثلثة من باب الافتعال وأصله استثورته ومنه قوله تعالى فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً والمعنى استنبطته (من كلام بعض المشايخ) أي مأخوذ من متفرقات كلامه في تحقيق مرامه (وذلك أنّه) أي بعض المشايخ (قال إنّ النبيّ صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْهُو وَلَا يَنْسَى وَلِذَلِكَ نفى عن نفسه النّسيان قال) أي بعض المشايخ (لأنّ النّسيان غفلة وآفة) أي بلية ناقصة ولذا قال تعالى فَلا تَنْسى أي باختيارك إلا ما شاء الله بأن ينسيك من غير تقصير منك (والسّهو إنّما هو شغل) بضم وسكون وبضمتين وفي نسخة بالإضافة إلى بال أي اشتغال حال وهو لا ينافي صاحب كمال لأنه يتنبه منه بأدنى تنبيه فيه. (قال) أي ذلك البعض (فكان النبيّ صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْهُو فِي صِلَاتِهِ وَلَا يَغْفَلُ) بضم الفاء أي ولا يذهل (عنها) بالكلية (وكان يشغله عن حركات الصّلاة) أي وسكناتها من قراءتها وركوعها وسجداتها (ما في الصّلاة شغلا بها) أي بتحصيلها وتكميلها من حضور ومرور وخضوع وخشوع وتدبر قراءة في مبانيها أو

ص: 250

معانيها (لا غفلة عنها) بصرف الخاطر إلى غيرها من الأمور الدنيوية والأحوال الدنية بل لاستغراق وقع له فيها مما لا ينافيها (فهذا) أي القول بهذا المبنى (إن تحقّق) بصيغة المفعول أو الفاعل أي ثبت (عَلَى هَذَا الْمَعْنَى لَمْ يَكُنْ فِي قَوْلِهِ ما قصرت) أي هي (وما نسيت) أي أنا (خلف) بضم أي اخلاف (في قول) لعصمته عليه الصلاة والسلام من الخلف في الكلام والله تعالى أعلم بحقيقة المرام (وعندي أنّ قوله صلى الله تعالى عليه وسلم مَا قَصُرَتِ الصَّلَاةُ وَمَا نَسِيتُ بِمَعْنَى التَّرْكِ الَّذِي هُوَ أَحَدُ وَجْهَيِ النِّسْيَانِ أَرَادَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنِّي لَمْ أُسَلِّمْ مِنْ رَكْعَتَيْنِ تَارِكًا لِإِكْمَالِ الصَّلَاةِ وَلَكِنِّي نَسِيتُ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ صلى الله تعالى عليه وسلم فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ إِنِّي لَأَنْسَى أَوْ أُنَسَّى لأسنّ) وهذا واضح وأثر التكرار عليه لائح. (وأمّا قصّة كلمات إبراهيم المذكورة) أي في الحديث كما في نسخة (أنّها كذباته) جمع كذبة بفتح فكسر في المفرد والجمع خلافا للتلمساني حيث قال بفتح الذال جمع كذبة بسكونها (الثّلاث المنصوصة) أي الصريحة (في القرآن) ففيما رواه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات (منها اثنتان قوله: إِنِّي سَقِيمٌ [الصافات: 89] ) في الصافات فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا [الأنبياء: 63] ) في سورة الأنبياء قالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ (وقوله للملك عن زوجته) أي سارة حين أخذها وسأله عنها فقال (إنّها أختي) أي في الإسلام خشية أن يقتلها لو قال إنها زوجتي ولقد نجاها الله منه بما اعتراه من الخوف وأخدمها هاجر أم إسماعيل أبي العرب جد نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم أحد الذبيحين على ما ورد قال الحلبي فإن قيل ما الحكمة في عدوله عن قوله هذه زوجتي إلى هذه أختي وظاهر الحال أنه لو قال هذه زوجتي ربما كان الملك لا يتطرق إلى امرأة زوجها معها إن كان يعمل بالشرع ولكنه صار كما وصف في الحديث فما يبالي أكانت زوجة أم أختا بخلاف ما إذا قال هذه اختي ربما كان يقول الملك زوجنيها ويكون عدوله عن امرأتي إلى أختي أدعى لأخذ الملك لها فالجواب ما قاله بعض مشايخي فيما قرأته عليه عن ابن الجوزي أنه وقع له أن القوم كانوا على دين المجوس وفي دينهم أن الأخت إذا كانت مزوجة كان أخوها الذي هو زوجها أحق بها من غيره وكان إبراهيم عليه السلام أراد أن يستعصم من الجبار بذكر الشرع الذي يستعمله فإذا الجبار يراعي دينه وقد اعترض على هذا الجواب بأن الذي جاء بمذهب المجوس زرادشت وهو متأخر عن إبراهيم عليه السلام وأجيب بأن لمذهبهم أصلا قديما ادعاه زرادشت وزاد عليه خرافات أخر انتهى وقيل كان من عادة ذلك الجبار أن لا يتعرض إلا لذات الأزواج ولذلك قال الخليل لها أن يعلم أنك أمرأتي يغلبني عليك وحكى أن الملك كان بمصر وأراد إبراهيم أن يجتاز منها هو ومن معه من المؤمنين وكانوا ثلاثمائة وعشرين رجلا وجمع بينهما حناطه الذي يبيع طعامه وهو الذي وشى بسارة وحملها إلى الملك فأهوى إليها بيده مرارا فلم يستطع وإبراهيم ينظر

ص: 251

إليهما من خارج القصر بعد أن أمر الملك بإخراجه ومثل الله تعالى لإبراهيم القصر كالقارورة حتى أنه ينظر من خارجه كل ما كان في داخله (فاعلم أكرمك الله أنّ هذه) أي كلمات إبراهيم عليه الصلاة والسلام (كلّها خارجة عن الكذب) بفتح فكسر ويجوز كسر أوله وسكون ثانيه (لا في القصد ولا في غيره) أي من السهو والخطأ والنسيان (وهي) أي الكلمات الثلاث (دَاخِلَةٌ فِي بَابِ الْمَعَارِيضِ الَّتِي فِيهَا مَنْدُوحَةٌ عن الكذب) أي سعة وفسحة عنه ومنه قول أم سلمة لعائشة قد جمع ذيلك فلا تندحيه أي لا توسعيه وتنشريه أرادت قوله تعالى وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وهذا مأخوذ من حديث أبي عبيد وغيره عن عمران بن حصين يرفعه أن في المعاريض لمندوحة عن الكذب وهو جمع معراض من التعريض ضد التصريح من القول فهي في الحقيقة صدق عرض بها ليتوصل إلى غرضه من مكايدة قومه والزامهم الحجة في ذات الله تعالى ومرضاة ربه فمعاريض الكلام أن يتكلم الرجل بكلمة يظهر من نفسه شيئا ومرداه شيء آخر وقد كان السلف يورون عند الحاجة والضرورة فقد روي عن إبراهيم النخعي أنه كان إذا طلبه في الدار من يكرهه قال للجارية قولي له اطلبه في المسجد وكان الشعبي إذا طلبه أحد يكرهه يخط دائرة ويقول للجارية ضعي الأصبع فيها وقولي ليس ههنا (أَمَّا قَوْلُهُ: إِنِّي سَقِيمٌ [الصَّافَّاتِ: 89] فَقَالَ الْحَسَنُ) أي البصري (وغيره معناه سأسقم) من باب فرح وكرم والأول أفصح (أي أنّ كلّ مخلوق معرّض لذلك) بتشديد الراء المفتوحة أي معرض للسقم ومقابل له (فاعتذر لقومه من الخروج) أي تفاديا منه (معهم إلى عيدهم) أي محل اجتماعهم (بهذا) التعريض روي أنه أرسل إليه ملكهم أن غدا عيدنا فاخرج معنا وقد أراد التخلف عنهم فنظر إلى نجم فقال إن هذا النجم ما طلع قط إلا اسقم أي مشارف للسقم وهو الطاعون لأنه كان أغلب اسقامهم وكانوا يرهبون العدوى فنفروا عنه وتخلصوا منه (وَقِيلَ بَلْ سَقِيمٌ بِمَا قُدِّرَ عَلَيَّ مِنَ الموت) أي عرض لهم بأن من كان هدفا للمنايا وغرضا للبلايا فهو سقيم بما قدر عليه من الموت كما روي أن رجلا مات فجأة فقيل مات وهو صحيح فقال أعرابي أصحيح وفي عنقه الموت (وقيل سقيم القلب بما أشاهده) ويروى بما شاهدته (من كفركم) بالرب الأحد (وعنادكم) بالميل عن طريق الحق والأدب (وقيل بل) قال سقيم لأنه (كَانَتِ الْحُمَّى تَأْخُذُهُ عِنْدَ طُلُوعِ نَجْمٍ مَعْلُومٍ) له أولهم (فلمّا رآه اعتذر بعادته) التي تعتريه عند طلوعه وتغيره في حالته (وكلّ هذا) أي ما ذكر من الأجوبة (ليس فيه كذب) أي صريح (بل خبر صحيح صدق) أي هو قول حق (وقيل بل عرّض) بتشديد الراء وروي في قوله (بسقم حجّته عليهم) أي بعدم نفع موعظته لديهم (وَضَعْفِ مَا أَرَادَ بَيَانَهُ لَهُمْ مِنْ جِهَةِ النّجوم التي كانوا يشتغلون بها) أي تعظيما لها إذ عمدة الناظر فيها التخمين وهو لا يجدي نفعا في مقام اليقين قيل كان القوم نجامين أي متعاطين لعلوم النجوم فأوهمهم أنه استدل بإمارة في علم النجوم على أنه سقيم وعرض بسقم حجته وضعف ما أراد من بيان بينته (وأنّه) أي إبراهيم عليه الصلاة والسلام كان (أثناء نظره في ذلك) إليهم

ص: 252

(وَقَبْلَ اسْتِقَامَةِ حُجَّتِهِ عَلَيْهِمْ فِي حَالِ سَقَمٍ) بفتحتين وبضم فسكون أي تغير باله (ومرض) حاله لديهم فجعل سقم حجته وضعف موعظته سقما مجازا عن تعب القلب (مع أنّه) أي إبراهيم عليه الصلاة والسلام (لم يشكّ هو) بل تيقن إيقانه (ولا ضعف إيمانه) بل قوي كل ساعة برهانه (ولكنّه ضعف) أي بيانه (في استدلاله عليهم وسقم نظره) أي فكره فيما يتوجه إليهم (كما يقال حجّة سقيمة ونظر معلول) اللغة الفصحى معل أو معلل فقد قال ابن الصلاح قول الفقهاء والمحدثين معلول مردود عند أهل العربية وقال النووي إنه لحن وقال صاحب المحكم والمتكلمون يستعملون لفظة المعلول كثيرا ولست منها على ثقة لأن المعروف إنما هو أعله فهم معل اللهم إلا أن يكون على ما ذهب إليه سيبويه في قولهم مجنون ومسلول من أنهما جاءا على جننته وسللته وإن لم يستعملا في الكلام استغناء عنهما بأفعلت وإذا أرادوا جن وسل فإنما يقولون حصل فيه الجنون والسل (حتّى ألهمه الله باستدلاله) أي الواضح لديهم (وَصِحَّةِ حُجَّتِهِ عَلَيْهِمْ بِالْكَوَاكِبِ وَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ مَا نصّه الله تعالى) أي ما صرحه وفي نسخة ما قصه أي حكاه حيث ذكر تبيانه (وقدّمنا) وفي نسخة وقد قدمنا (بيانه) أي ما يوضح حجته وبرهانه (وَأَمَّا قَوْلُهُ: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا [الْأَنْبِيَاءِ: 63] الآية) أي فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ (فإنّه علّق خبره) أي بفعل كبيرهم (بشرط نطقه) مع غيره (كأنّه قال إن كان ينطق) أي كبيرهم (فهو فعله) مع علمه بأنه لا ينطق فهو (على طريق التّبكيت) أي التوبيخ والتقريع (لقومه) في اعتقادهم الفاسد وزعمهم الكاسد في ألوهية كواكب وحجارة لا تضر ولا تنفع وتعظيمهم لها وعبادتهم إياها (وهذا) القول بهذا المعنى (صدق) أي وحق (أيضا ولا خلف فيه) أصلا؛ (وَأَمَّا قَوْلُهُ أُخْتِي فَقَدْ بَيَّنَ فِي الْحَدِيثِ) أي الذي رواه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه لم يكذب إبراهيم فذكره (وقال إنّك) وفي نسخة فَإِنَّكِ (أُخْتِي فِي الْإِسْلَامِ وَهُوَ صِدْقٌ وَاللَّهُ تعالى يقول: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات: 10] ) وقد روي أنها كانت بنت عمه ومثل هذه قد يقال لها الأخت في النسب أيضا (فإن قلت هذا) وفي نسخة فهذا (النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم قد سمّاها) أي الكلمات الثلاث (كِذْبَاتٍ وَقَالَ لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ إِلَّا ثَلَاثَ كِذْبَاتٍ وَقَالَ فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ وَيَذْكُرُ كِذْبَاتِهِ) على ما رواه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه (فمعناه) أي معنى وصفها بكونها كذبات (أَنَّهُ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِكَلَامٍ صُورَتُهُ صُورَةُ الْكَذِبِ وإن كان حقّا في الباطن) أي في نفس الأمر (إلّا هذه الكلمات) أي الثلاث وهي إني سقيم وفعله كبيرهم وهذه أختي (وَلَمَّا كَانَ مَفْهُومُ ظَاهِرِهَا خِلَافَ بَاطِنِهَا أَشْفَقَ إبراهيم عليه الصلاة السّلام) أي خاف (من مؤاخذته) وفي نسخة بمؤاخذته (بها) لعلو شأن الأنبياء عن الكناية بالحق في باب الانباء فيقع ذلك منهم موقع الكذب من غيرهم فإن حسنات الأبرار سيئات المقربين الأحرار (وأمّا الحديث) أي الذي رواه الشيخان عن كعب بن مالك (كان النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم إذا أراد غزوة) أي ويريد سترها (ورّى بغيرها) بتشديد الراء من التورية وهي الإخفاء وكأنه جعل

ص: 253

الشيء وراءه وجعل غيره نصب عينه وقيل روى ستر مقصده وأظهر غيره بأن سئل عن طريق لا يريده فإنه كان عليه الصلاة والسلام يسأل عن ناحية وطريقها ويخرج إلى غيرها لئلا يأخذ العدو حذره (فَلَيْسَ فِيهِ خُلْفٌ فِي الْقَوْلِ إِنَّمَا هُوَ ستر لمقصده) وفي نسخة ستر مقصده بالإضافة وفي أخرى ستر بصيغة الماضي ونصب مقصده أي أخفى جهة قصده خوفا من اشتهاره (لئلّا يأخذ عدوّه حذره) بكسر أوله أي احتراسه واحترازه (وكتم وجه ذهابه) بالإضافة وفي نسخة بصيغة الماضي وفي أخرى كتم لوجه ذهابه أي جهة مقصده وطريق مطلبه (بِذِكْرِ السُّؤَالِ عَنْ مَوْضِعٍ آخَرَ وَالْبَحْثِ عَنْ أخباره) أي أحوال الموضع الآخر (والتّعريض بذكره) أي التلويح به وعدم التصريح بمقصده وقد ورد استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان وفي الصحيح الحرب خدعة (لَا أَنَّهُ يَقُولُ تَجَهَّزُوا إِلَى غَزْوَةِ كَذَا أو وجهتنا) بكسر الواو أي جهة قصدنا (إلى موضع كذا خلاف مقصده) ليكون خلفا (فهذا لم يكن) ولا يتصور أن يكون منه عليه الصلاة والسلام (والأوّل) وهو التعريض (ليس فيه خبر يدخله الخلف) بضم الخاء أي الإخلاف فيترتب عليه الكذب في القول. (فَإِنْ قُلْتَ فَمَا مَعْنَى قَوْلِ مُوسَى عليه السلام، وَقَدْ سُئِلَ أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ فَقَالَ أنا أعلم) بناء على ظنه (فعتب الله عليه ذلك) حيث لم ينتظر الوحي هنالك أو لم يفوض (إذ لم يردّ العلم إليه تعالى) بأن يقول الله تعالى أعلم أو يقول أنا والله اعلم ومن هنا تأدب العلماء في أجوبتهم بقول والله تعالى اعلم (الحديث) رواه الشيخان عن أبي بن كعب مطولا (وفيه قال) أي الله تعالى (بل) وفي رواية بلى (عبد لنا بمجمع البحرين) وهو ملتقى بحري فارس والروم مما يلي المشرق وقال السهيلي هو بحر الأردن وبحر القلزم وقيل غيره (أعلم منك) أي في بعض العلوم لما في الحديث يا موسى إني على علم علمنيه الله تعالى لا تعلمه وأنت على علم علمك الله لا اعلمه وذكر السهيلي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه أن حكمة لله تعالى في جمع موسى مع الخضر عليهما الصلاة والسلام عند مجمع البحرين أنهما بحران أحدهما اعلم بالظاهر أعني علم الشرعيات وما يتعلق بالذات والصفات وهو موسى عليه السلام والآخر اعلم بالباطن وأسرار الملكوت من الكائنات وهو الخضر عليه السلام فكأن اجتماع البحرين بمجمع البحرين هذا وقد روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أن موسى عليه الصلاة والسلام ذكر الناس يوما حتى فاضت العيون ورقّت القلوب فأدركه رجل فقال أي رسول الله هل في الأرض أحد أعلم منك قال لا فعتب الله تعالى عليه إذ لم يرد العلم إلى الله تعالى (وهذا) أي قول موسى أنا أعلم (خبر قد أنبأنا الله تعالى أنّه ليس كذلك فاعلم أنّه) أي الشأن (وقع) وفي نسخة قَدْ وَقَعَ (فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ بَعْضِ طُرُقِهِ الصَّحِيحَةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ هَلْ تَعْلَمُ أحدا) أي من الناس (أعلم منك) ينصب اعلم على أنه مفعول ثان وفي نسخة برفعه فتقديره هو أَعْلَمَ مِنْكَ (فَإِذَا كَانَ جَوَابُهُ عَلَى عِلْمِهِ) أي مبنيا على ما غلب عنده من علمه (فهو) أي قوله أنا اعلم بهذا الوجه (خَبَرُ حَقٍّ وَصِدْقٍ لَا

ص: 254

خلف فيه ولا شبهة) مؤكدات لكونه خبرا حقا؛ (وعلى الطّريق الآخر) أي المروي عن أبي ابن كعب كما مر (فمحمله على ظنّه) أي الغالب (ومعتقده) أنه اعلم بحسب علمه (كما لو صرّح به) أي بظنه ومعتقده كان يقول أنا اعلم فيما أظن واعتقد وإنما ظن ذلك واعتقد بما ذكر هنالك (لأنّ حاله) أي مرتبته (في النّبوّة) المؤيدة بالرسالة (والاصطفاء يقتضي ذلك) أي كونه اعلم الناس في زمانه (فَيَكُونُ إِخْبَارُهُ بِذَلِكَ أَيْضًا عَنِ اعْتِقَادِهِ وَحُسْبَانِهِ) بكسر أوله لا بضم أوله كما وهم الدلجي أي ظنه (صدقا لا خلف فيه) فلا إشكال فيه أصلا (وقد يريد بقوله أنا أعلم) متعلقا خاصا وهو ما بينه بقوله (بما يقتضيه وظائف النّبوّة من علوم التّوحيد) المتعلقة بالذات والصفات (وأمور الشّريعة) أي وظائف العبادات (وسياسة الأمّة) أي بحدودها الزواجر والمنهيات وهو لا ينافي أن يكون غيره أعلم منه في غيرها كما ورد أنتم اعلم بأمور دنياكم وكما عرف في قضية الهدهد قوله أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ وكما وقع لعمر في موافقاته فإنه قد يكون في المفضول ما لا يكون في الفاضل مما لا ينقص في فضله ومن هنا ورد في معرفة الأنساب علم لا ينفع وجهل لا يضر بل وقد يكون بعض العلوم مضرته أكثر من منفعته فلا محذور حينئذ أن يكون بعض أفراد الأمة اعلم بوجه من صاحب النبوة (ويكون الخضر أعلم منه) أي من موسى ولو كان من أمته على القول بولايته أو نبوته (بأمور أخر) اختص بها (مِمَّا لَا يَعْلَمُهُ أَحَدٌ إِلَّا بِإِعْلَامِ اللَّهِ تعالى) له إياها (من علوم غيبه) الخاص به وفي نسخة من علوم غيبية (كالقصص المذكورة في خبرهما) من قضية السفينة والغلام والجدار (فكان موسى أعلم) الناس مطلقا (على الجملة) أي عموما (بما تقدّم) من علوم النبوة والرسالة وأمور الشريعة وأحكام السياسية (وهذا) أي الخضر عليه الصلاة والسلام (أعلم على الخصوص بما أعلم) بصيغة المجهول أي بما اعلمه سبحانه وتعالى (ويدلّ عليه) أي على أن ما اعلمه خاص (قوله تعالى: وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا) أي مما يختص علمه بنا (عِلْماً [الكهف: 65] ) بطريق الوحي الجلي والخفي (وعتب الله) بسكون التاء أي ويدل عليه عتابه سبحانه وتعالى (ذلك) أي قوله أنا اعلم (عليه فيما قاله العلماء) أي المحدثون (إنكار هذا القول عليه لأنّه) كما في حديثه (لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ كَمَا قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ لَا عِلْمَ لَنا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنا أَوْ لأنّه) أي الله سبحانه وتعالى (لم يرض قوله) أي لم يستحسن قول موسى عليه الصلاة والسلام أنا اعلم (شرعا) أي من جهته رعاية لأمته والمعنى لم يرض أن يكون قوله شرعا يقتدي به (وذلك) أي وسببه (وَاللَّهُ أَعْلَمُ لِئَلَّا يَقْتَدِيَ بِهِ فِيهِ مَنْ لم يبلغ كماله) أي كمال موسى من جهة مرتبته (في تزكية نفسه) أي طهارة حالته (وعلوّ درجته من أمّته) متعلق بيقتدي (فيهلك) بالنصب أي يضيع من يقتدي به من أمته في قوله أنا اعلم من غير تفويض واستثناء (لما تضمّنه) أي قوله أنا اعلم (من مدح الإنسان نفسه) أي عند اطلاقه وقد قال الله تعالى فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى (ويورثه ذلك) القول وهو أنا اعلم (من الكبر والعجب) إلا أن يكون تحدثا بنعمة ربه ظاهرا وباطنا (والتّعاطي)

ص: 255

الاجتراء على الاعطاء وأخذ الأشياء (والدّعوى) الخارجة عن المعنى (وإن نزّه عن هذه الرّذائل) أي المذكورة (الأنبياء) بشرف مقاماتهم ورفع درجاتهم وإن تفاوتت في الفضائل والفواضل وحسن الشمائل (فغيرهم بمدرجة سبيلها) بفتح الميم والراء أي مسلك طريقها وفي نسخة سيلها أي ممرها (ودرك ليلها) بفتح الراء بأن يدركه ظلامها وفي أصل التلمساني نيلها بالنون أي يدركه فيصيبه ضررها ويحصل له خطرها (إلّا من عصمه الله تعالى) من الاتصاف بها أو التخلص عنها (فالتّحفّظ منها أولى لنفسه) قبل وقوعه فيها (وليقتدى به) بصيغة المجهول أي ليقتدي غيره به، (ولهذا) أي التحفظ أو الاقتداء (قال صلى الله تعالى عليه وسلم تحفّظا من مثل هذا) أي مدح النفس وما يترتب عليه له ولغيره (ممّا قد علم به) بصيغة المجهول وفي نسخة أعلم به (أنا سيّد ولد آدم) أي يوم القيامة على ما رواه مسلم وغيره (ولا فخر) أي لا أقوله افتخارا لنفسي بل تحدثا بنعمة ربي (وهذا الحديث) يعني سئل أي الناس أعلم (إحدى حجج القائلين بنبوّة الخضر لقوله) وفي نسخة بقوله أي الخضر (فيه) أي في حديثه (أنه) وفي نسخة أنا (أعلم من موسى) وهكذا وقع في كثير من الأصول وهو غير الصواب لأن الضمير المضاف إليه القول عائد حينئذ على الخضر والضمير المجرور بفي عائد على الحديث السابق وليس فيه أن الخضر قال أنا اعلم من موسى فالصواب ما في بعض النسخ وهو لقوله فيه أنا اعلم من موسى ويكون الضمير المضاف إليه القول عائدا إلى الله والضمير المنصوب بان عائدا على الخضر وقد سبق أن في الحديث بَلْ عَبْدٌ لَنَا بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ أَعْلَمُ مِنْكَ (ولا يكون الوليّ أعلم من النّبيّ) أي جنس الأنبياء وفي نسخة من نبي وفيه أنه لا يجوز أن يكون الولي اعلم من النبي مطلقا لا كما بينه الخضر مقيدا (وأمّا الأنبياء فيتفاضلون في المعارف) كما قال تَعَالَى وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ وكذا في الدرجات كما قال وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ (وبقوله وما فعلته عن أمري) أي من رأيي بل فعلته بأمر ربي؛ (فدلّ)(أنه بوحي) إما بواسطة ملك أو بدونها وأيضا ليس لولي يقدم على قتل صبي بمجرد ما ينكشف له بإعلام أو الهام أنه كافر في علم الله سبحانه وتعالى، (وَمَنْ قَالَ إِنَّهُ لَيْسَ بِنَبِيٍّ قَالَ يُحْتَمَلُ أن يكون فعله) للأمور الثلاثة أو قتل الصبي فإن غيره لا يحتاج أن يكون (بأمر نبيّ آخر) كان في زمانه، (وهذا) القول (يضعف) أي ضعفا ظاهرا (لِأَنَّهُ مَا عَلِمْنَا أَنَّهُ كَانَ فِي زَمَنِ مُوسَى نَبِيٌّ غَيْرُهُ إِلَّا أَخَاهُ هَارُونَ وَمَا نقل أحد من أهل الأخبار) أي الأحاديث (في ذلك) أي في كون نبي غيرهما حينئذ (شيئا يعوّل عليه) أي يعتمد ويستند إليه ويستعان به لديه؛ (وإذا جعلنا) أي قول السائل لموسى هل تعلم أحدا (أعلم منك ليس على العموم) أي على إطلاقه (وإنّما هو) أي قول اعلم محمول (عَلَى الْخُصُوصِ وَفِي قَضَايَا مُعَيَّنَةٍ لَمْ يَحْتَجْ إلى إثبات نبوّة خضر) وفيه أنه يشكل قتله الصبي على ما قدمنا فلا بد من القول بنبوته أو بوجود نبي غير موسى وهارون في مدته، (وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ كَانَ مُوسَى أَعْلَمَ مِنَ الْخَضِرِ فِيمَا أَخَذَ عَنِ اللَّهِ وَالْخَضِرُ أعلم) بالرفع أو النصب (فيما

ص: 256