الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المجهول والمعلوم أي انقلب (طاعة وصار قربة) لأن استعمال المباحات وأفعال العادات إذا اقترنت بتزيين النيات وتحسين الطويات طاعات انقلبت وعبادات كما قد تنقلب بفساد النيات مكروهات بل محرمات وهذا معنى قول سيد السادات ومنبع السعادات إنما الأعمال بالنيات (كما بيّنا منه) أي من بعض تحقيق هذا الكلام وتدقيق هذا المرام (أوّل الكتاب) أي في أوله (طرفا) أي نبذا طرفا (في خصال نبيّنا صلى الله تعالى عليه وسلم؛ فبان لك) أي تبين (عظيم فضل الله على نبيّنا) أي خصوصا كما قال تعالى وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً
(وعلى سائر أنبيائه) يروى الأنبياء (عليهم الصلاة والسّلام) كما قال تَعَالَى وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ (بأن جعل أفعالهم قربات وطاعات) أي عبادات وإن كانت في صورة عادات فإن عادات السادات سادات العادات (بعيدة عن وجه المخالفة ورسم المعصية) بخلاف المحرومين من هذه المرتبة فإن عباداتهم رسوم وعادات وطاعاتهم عين المخالفة في الحالات كما قال بعض أرباب الحال من لم يكن للوصال أهلا فكل طاعاته ذنوب.
فصل [وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي عِصْمَتِهِمْ مِنَ الْمَعَاصِي قَبْلَ النبوة]
(وقد اختلف في عصمتهم) أي الأنبياء (من المعاصي) أي جملة المناهي (قبل النّبوّة) وإظهار الرسالة (فمنعها قوم) بناء على عموم العصمة الشاملة للأحوال المتقدمة والمتأخرة (وجوّزها آخرون) حيث خصوا العصمة بحال النبوة (وَالصَّحِيحُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَنْزِيهُهُمْ مَنْ كُلِّ عيب) أي سابق ولا حق (وعصمتهم من كلّ ما يوجب الرّيب) أي شبهة مخالفة علام الغيب (فكيف) لا يكون الأمر كذلك والعجب من ذكر الخلاف هنالك (والمسألة) أي والحال أنها مع ثبوت المخالفة (تصوّرها كالممتنع) أي المستحيل في الذهن حصولها (فإنّ المعاصي) كالكبائر (والنّواهي) كالصغائر (إنّما تكون) أي في حيز المنع (بعد تقرّر الشّرع) أي ثبوته من الأصل والفرع (وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي حَالِ نَبِيِّنَا صَلَّى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ هَلْ كان متّبعا للشّرع) وفي نسخة لِشَرْعٍ (قَبْلَهُ أَمْ لَا؟ فَقَالَ جَمَاعَةٌ لَمْ يكن متّبعا لشيء) أي من التكاليف أو لشرع كما في نسخة (وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ فَالْمَعَاصِي عَلَى هَذَا الْقَوْلِ) ويروى هذا الوجه (غَيْرُ مَوْجُودَةٍ وَلَا مُعْتَبَرَةٍ فِي حَقِّهِ حِينَئِذٍ إذ الأحكام الشّرعيّة) من الوجوب والمندوب والحرام والمكروه (إنّما تتعلّق بالأوامر والنّواهي وتقرّر الشّريعة) أي بأصولها وفروعها كما هي وهذا بالنسبة إلى نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم ظاهر لكن يشكل بالنسبة إلى أولاد إبراهيم عليه السلام مثلا كإسماعيل وإسحاق وأولاد يعقوب على القول بنبوتهم فإنه لا شك أنهم كانوا متبعين شريعة أبيهم أو جدهم وكذا بالنسبة إلى سليمان عليه السلام فإنه كان على دين أبيه داود بل وكذا داود وسائر أنبياء بني إسرائيل حيث كانوا على شريعة إبراهيم عليه السلام وإنما نسخ في التوراة والإنجيل بعض الأمور وأيضا بنو إسماعيل وهم العرب كانوا يتدينون بدين إبراهيم عليه السلام ويفتخرون به وإنما حدث كفرهم عبادتهم الأصنام وإحداث بعض
الأحكام من نحو السائبة والحام وتجويز أكل الميتة ونحوها من الحرام وكان في جبلتهم وطريقتهم تحريم الزنى وقتل النفس بغير حق وتقبيح أكل مال اليتيم والسرقة ومذمة الكذب وأمثالها مما اتفق الأنبياء القدماء على قبح أفعالها وأقوالها فينبغي أن يرجع الخلاف إلى كيفية عبادته لأنه عليه السلام كان قبل النبوة في مرتبة إباحته (ثُمَّ اخْتَلَفَتْ حُجَجُ الْقَائِلِينَ بِهَذِهِ الْمَقَالَةِ عَلَيْهَا) أي على صحة تلك الحالة أو المقالة (فذهب سيف السّنّة) أي القاطع في الحجة المبينة (ومقتدى فرق الأمّة) أي في علم الكلام والمسائل المهمة (القاضي أبو بكر) أي ابن الطيب الباقلاني المالكي (إلى أن طريق العلم بذلك) أي بكونه عليه الصلاة والسلام متبعا للشرع في عبادة ربه هنالك (النّقل) أي إلينا ووصل لدينا أي فوائد الأثر (وموارد الخبر من طريق السّمع) أي الوارد على ألسنة نقلة يكونون في مرتبة الجمع (وحجّته) أي القاضي أبي بكر (أنّه) أي الشأن (لو كان ذلك) أي وقع هنالك (لنقل) أي إلينا ووصل لدينا (ولما أمكن كتمه وستره في العادة) أي في جري العادة الغالبة علينا (إذ كان) أي نقل خبره (مِنْ مُهِمِّ أَمْرِهِ وَأَوْلَى مَا اهْتُبِلَ بِهِ) بضم الفوقية وكسر الموحدة أي اغتنم به في انتهاز فرصة لكونه تعبده (من سيرته ولفخر) بفتح الخاء أي لافتخر (به أهل تلك الشّريعة) على أمته (ولا احتجّوا به عليه) أي باتباع شريعة قلبه بعد ادعاء نبوته (ولم يؤثر) أي لم يرو (شيء من ذلك جملة) في سيرته من سريرته وعلانيته وفيه أن الظاهر المتبادر من حاله عليه الصلاة والسلام أنه كان قبل النبوة على دين جده الخليل عليه السلام في أمر التوحيد وحج البيت السعيد وما كان معروفا من ملته وما الهمه الله سبحانه من معرفته مع أنه لا احتجاج لأحد من أربا الملل إذ كان بعضهم يدعي النبوة بعد متابعة بعض الأنبياء السابقة كما وقع لأنبياء بني إسرائيل عليهم الصلاة والسلام، (وذهبت طائفة إلى امتناع ذلك عقلا) حيث لم يجدوا بتصريح القضية نقلا (قالوا لأنّه) أي الشأن (يبعد أن يكون متبوعا من عرف) ويروى من كان (تابعا، وبنوا هذا على التّحسين والتّقبيح) العقليين (وهي طريقة غير سديدة) أي غير مستقيمة (وَاسْتِنَادُ ذَلِكَ إِلَى النَّقْلِ كَمَا تَقَدَّمَ لِلْقَاضِي أبي بكر أولى وأظهر) وقد قدمنا من بيان النقل ما يبطل ما بنوا عليه اساس العقل ومما يقويه أن موسى عليه السلام لما قتل القبطي قبل النبوة استغفر ربه وعد قتله معصية ولا شك أنه كان على دين من قبله من انبياء بني إسرائيل وتابعا ثم صار بعد ذلك متبوعا وإنما العقل يمنع في الجملة امتناع كون واحد تابعا ومتبوعا من جهة واحدة لا من جهة مختلفة ألا ترى إلى قوله تعالى فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ فإنه كان تابعا لإبراهيم عليه السلام في عموم ملته ومتبوعا في خصوص أمته ونظير ذلك كون عيسى عليه السلام متبوعا في أول أمره ويكون تابعا لنبينا صلى الله تعالى عليه وسلم في آخر عصره، (وقد قالت فرقة أخرى بالوقف في أمره عليه السلام أي في شأنه قبل بعثته للعجز عن معرفته (وترك قطع الحكم عليه) أي على حاله هنالك (بشيء في ذلك إذ لم يحل) من الإحالة وفي نسخة إذ لا يحيل أي لم يمنع (الوجهين منها العقل ولا استبان عندها) أي تلك الطائفة أو المسألة (في أحدهما) أي أحد
الوجهين (طريق النّقل وهو مذهب أبي المعالي) أي ابن أبي محمد الجويني المعروف بإمام الحرمين من اتباع الشافعي وقد وافقه في ذلك الغزالي ولا أدري نصف العلم والعجز عن درك الإدراك إدراك، (وقالت فرقة ثالثة إنّه) ويروى ومالت فرقة ثالثة إلى أنه (كان عاملا بشرع من قبله) أي في الجملة لاستحالة أن يكون عليه الصلاة والسلام مباحيا قبل البعثة، (ثمّ اختلفوا) أي الفرقة الثالثة (هَلْ يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ الشَّرْعُ أَمْ لَا فَوَقَفَ بعضهم عن تعيينه) لعدم ما يدل على تبيينه (وأحجم) بتقديم الحاء على الجيم أي تأخر وبعكسه أي تقدم أو تأخر فهو من الاضداد (وجسر بعضهم) أي اجترأ واقتحم ومنه قول الشاعر:
من راقب الناس مات غما
…
وفاز باللذة الجسور
والمعنى أقدم (على التّعيين وصمّم) أي عزم عليه وجزم، (ثمّ اختلفت هذه المعيّنة) بكسر التحتية صفة الفرقة (فيمن كان يتّبع) من أرباب النبوة قبل البعثة (فقيل نوح) وهو بعيد بحسب الزمان وكذا باعتبار معرفة أحكام هذا الشأن مع أن دينه منسوخ لظهور نبوة خليل الرحمن (وقيل إبراهيم) وهو الظاهر المتبادر والأظهر أنه تابع لإسماعيل فإنه كان رسولا بعد الخليل وهو على ملته ولم يعرف تبديل في شريعته (وقيل موسى) وهذا لا يصح إذ ملته نسخت بعيسى (وقيل عيسى) وفيه أن موسى وعيسى إنما كانا مبعوثين إلى بني إسرائيل ولم يكن نبينا منهم (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، فَهَذِهِ جُمْلَةُ الْمَذَاهِبِ فِي هذه المسألة) حكى القاضي المؤلف هذه الأقوال الأربعة وبقي قولان أحدهما آدم وهذا حكى عن ابن برهان بفتح الموحدة وثانيهما أن جميع الشرائع شرع له حكاه بعض شراح المحصول عن المالكية وأظن أن هذا هو الأوجه من الأوجه السابقة واللاحقة وهو المناسب لمقامه عليه الصلاة والسلام من مرتبة الجمع في المرام ولأنه كان مظهرا لاسم الذات المستجمع لجميع الصفات غايته أنه كان قبل البعثة على تلك الحالة الجامعة بطريق الإجمال وبعدها على وجه التفصيل في مراتب الكمال فلا ينافي قوله تعالى مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ وهذا هو غاية الإيقان ونهاية الاتقان والله المستعان (والأظهر فيها) أي في المسألة (ما ذهب إليه القاضي أبو بكر) الباقلاني (وأبعدها مذاهب المعيّنين) بكسر الياء المشددة (إِذْ لَوْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَنُقِلَ) إلينا (كما قدّمناه ولم يخف) أي عن أحد (جملة) أي جميعا هنالك (وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي أَنَّ عِيسَى آخِرُ الأنبياء) أي أنبياء بني إسرائيل (فلزمت شريعته من جاء بعدها) وفي نسخة بعده (إذ لم يثبت عموم دعوة عيسى عليه السلام كما يدل عليه قوله تعالى وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ (بَلِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِنَبِيٍّ دَعْوَةٌ عامّة إلّا لنبيّنا صلى الله تعالى عليه وسلم) فإن دعوته عامة للجن والإنس بل إلى الخلق كافة كما بينته في الصلاة العلية بخلاف دعوة نوح فإنه كان مختصا للإنس دون الجن وسليمان كان مبعوثا إليهما إلا أنه مخصوص ببني إسرائيل والله تعالى اعلم بحقيقة الأقاويل، (ولا حجّة أيضا للآخر) يروى